ليس فقط في مصر كذلك في لبنان ببتسهيل من فريق 14 آذار
«تلّة الصليب» بيد الأمير مقرن
التعديلات على قانون تملّك الأجانب «تعرقل» في لجنة العدل

احتساب نسبة تملك الأجانب في لبنان يشتبه بأنه عملية تزوير كبيرة (أرشيف)
اشترى الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود 4 عقارات مساحتها 7700 متر مربع في كسروان، تعرف بـ«تلّة الصليب»، ما أثار أهالي المنطقة والنائب نعمة الله أبي نصر الذي عدّ الأمر بمثابة «توطين». في الواقع تفتح هذه الصفقة الباب إزاء تعديل الثُّغَر في قانون تملك الأجانب الذي يشجّع الأجانب على المضاربة بعقارات لبنان ويسهّل لهم هذا الأمر
محمد وهبة
في 28 آذار 2010 رخّص مجلس الوزراء للأمير السعودي مقرن بن عبد العزيز آل سعود، تملّك 4 عقارات تشتهر باسم «تلّة الصليب» وتقع في إحدى تلال حريصا المعروفة بموقعها الاستراتيجي. ثم صدر المرسوم رقم 7983 في 14 نيسان ليعلن منح الأمير مقرن ترخيصاً بتملّك العقارات رقم 76، و157، و660، و1152، الواقعة في منطقة دلبتا العقارية ـــ كسروان، ومساحتها 7700 متر مربع.
هذه الصفقة أثارت استغراب أهالي دلبتا والجوار الذين تأكّد لديهم أنها جرت بالمواربة والالتفاف على كل القوانين والأعراف المعمول بها. فبحسب النائب نعمة الله أبي نصر، إن قطعة الأرض هذه بيعت إلى شخص بالوكالة في البدء ليتبيّن لاحقاً أن الشاري الحقيقي هو الأمير مقرن. وقد ادعى هذا الأخير أنه يشتريها بداعي السكن، وقد حصل على ترخيص من مجلس الوزراء لهذا السبب. لذلك، اجتمع المجلس البلدي في دلبتا وقرّر عدم منح الأمير السعودي «إفادة بالمحتويات» لمنعه من تسجيل الأرض، وأقرّ أيضاً وقف منحه أي رخصة للتشييد والبناء، على أن يُناقَش الموضوع في اجتماع للأهالي يوم السبت المقبل لتقرير خطوات مواجهة الأمر.
إلا أن القضية بالنسبة إلى كثير من المتابعين، وللنائب أبي نصر، لا تتعلق بتملك الأمير السعودي فقط، بل بثُغَر قانون تملك الأجانب الذي سمح بأن يرتفع «عدد الأجانب الذين يملكون أراضي في منطقة كسروان وحدها إلى 3 آلاف أجنبي، وذلك رغم أن قانون تملك الأجانب الذي سمح لهم حالياً بالتملك ضمن ضوابط معيّنة، لا يزال قيد التعديل في مجلس النواب». فهذا الأمر لا يمكن تجزئته، ولا يمكن التفريط به؛ لأن «الأرض هي رمز السيادة، ولا يمكن بناء الأوطان بالإعارة أو الإيجار أو الاستثمار» يقول أبي نصر.
على هذه القاعدة يحذّر النائب الكسرواني من تملك الأمير مقرن تلّة الصليب، حيث «لهذه المنطقة خصوصيتها وتقاليدها التي خرّجت مطارنة ورجال دين». لكن الشق القانوني لهذه القضية يبدو أكثر اتساعاً مما هو ظاهر. فالتعديلات المطروحة على قانون تملك الأجانب لا تزال تسير في أروقة اللجان النيابية منذ 3 سنوات، وتحديداً منذ شباط 2009 إلى اليوم. أما القانون الحالي، فرغم هزالته والثُّغَر الواسعة التي تعتريه، لكن عدم مراقبة تطبيقه وتنفيذه يزيدانه ضعفاً وعجزاً عن حماية حقوق اللبنانيين في أراضي لبنان.
فالمادة السابعة من قانون تملك الأجانب تفرض على غير اللبنانيين الذين يريدون تملك عقارات في لبنان بهدف السكن، أن يستصدروا ترخيصاً بذلك من مجلس الوزراء إذا زاد مجموع ما يملكونه في لبنان على 3 آلاف متر مربع، على أن لا تزيد نسبة تملك الأجانب في كل قضاء 3% من مجموع مساحته، وألا تتعدى في محافظة بيروت 10% من من مجموع مساحتها.
لكن ما يحصل عملياً، ولا سيما الصفقة الأخيرة، يُدرج «ضمن سياسة التلاعب بديموغرافية وجغرافية البلد المعتمدة من الحكومات التي توالت على الحكم في لبنان بعد الطائف»، وفق أبي نصر. فهو يؤكد أن شراء الأمير مقرن تلّة الصليب جاء بعدما «مارست السفارة السعودية ضغطاً على الحكومة، وتحديداً على رئيس الحكومة، وربما على وزارة المال، فصدر المرسوم 7983 القاضي بمنحه ترخيصاً لشراء 7700 متر مربع في خراج بلدة دلبتا».
ولا يقتصر الأمر على الضغط السياسي في هذا المجال؛ ففي الواقع، إن احتساب نسبة تملك الأجانب في لبنان يشتبه في أنه عملية تزوير كبيرة؛ لأن احتساب نسبة الـ10% في بيروت تحسم منه مساحات يتملكها أجانب فعليون من دون أي مبرر واضح لتصبح 7.5%؛ إذ يتبين أن المساحات المبيعة لأجانب قبل صدور قانون تملك الأجانب في 4 كانون الثاني 1969 تظهر أن «مساحة الجامعة الأميركية هي 174 ألفاً و823 متراً مربعاً، ومساحة الجامعة اليسوعية هي 244 ألفاً و200 متر مربع، أي ما مجموعه 419 ألف متر مربع في بيروت، بالإضافة إلى مساحة سوليدير التي لا تُحتسب ضمن تملّك الأجانب المسموح بنسبة 10%».
لكن لماذا ينام اقتراح التعديلات على قانون الأجانب في مجلس النواب؟ يقول أحد أعضاء لجنة الإدارة والعدل إن نواب كتلة المستقبل يعارضون التعديلات المقترحة؛ لأنها تطاول الخليجيين أساساً؛ إذ إنها تطالب بإقرار:
ــ مبدأ المعاملة بالمثل لتسهيل شراء اللبناني في بلد الأجنبي بنسبة التسهيلات نفسها التي يحصل عليها الأجنبي في لبنان.
ــ إعادة رسم تسجيل العقار للأجنبي إلى 17.5%، ولا سيما أن التعديلات التي أجريت في عام 2001 على قانون تملك الأجانب، والمعمول بها حالياً، خفضت رسم التسجيل للأجنبي إلى 5.5% وفرضوا الرسم على اللبناني أيضاً، رغم أنه كان مُعفىً في السابق.
ــ تعديل بند استثناءات منح تراخيص تملك الأجانب لتصبح ألف متر مربع في محافظة بيروت، ما يعني أن الترخيص يصبح واجباً عندما يثبت تملك الأجنبي 1000 متر مربع في بيروت بدلاً من 3000 متر مربع، وألفي متر مربع في باقي المناطق بدلاً من 3000 متر مربع أيضاً.
ومن أبرز الأسباب الموجبة لهذه التعديلات، وفق أبي نصر، أن هناك الكثير من الأجانب الذي يؤدون دور المضاربين العقاريين، وقد أسهموا في ارتفاع الأسعار الجنوني في السوق، حتى بات اللبنانيون غير قادرين على تملك عقار في بيروت والمناطق، «ما أدى إلى هجرة الشباب» يقول أبي نصر. فالقانون الحالي «يشجّع المضاربات العقارية، نظراً إلى أنه يمنح حامل الترخيص الأجنبي مهلة 5 سنوات لاستثمار الأرض، إلا أن الكثيرين من شُراة الأرض الأجانب لم يقوموا بأي خطوة تجاه تنفيذ مخططاتها على الأرض التي حصلوا على ترخيص بشأنها ثم باعوها بعد فترة».
هذا ما حصل تحديداً في مناطق عديدة في لبنان، ولا سيما في مناطق الاصطياف مثل عاليه وبحمدون وصوفر... وفي كسروان أيضاً. فعلى سبيل المثال، يقول أبي نصر، إن «في بلدة عجلتون وحدها بيع نحو 240 عقاراً كانت مملوكة لنحو 240 عائلة. وفي منطقة ميروبا بيع أكثر من 140 عقاراً لنحو 140 عائلة»، غير أن هذا الأمر هو بمثابة «توطين».