لماذا استُبعدت السعودية عن مؤتمر جنيف؟
بعد أيام طويلة من المداولات والتكهنات وشدّ الحبال حول هوية المشاركين وأجنداتهم، حلّ الموعد الذي ضربه المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان لانعقاد مؤتمر «مجموعة العمل» حول سوريا في جنيف. غداً ستجتمع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى جانب تركيا والاتحاد الأوروبي وقطر والكويت والعراق، للتداول بخصوص «تأمين تطبيق خطة النقاط الست، فضلاً عن الاتفاق على توجهات ومبادئ الانتقال السياسي»، بحسب أنان.
السعوديون لن يكونوا في جنيف مع حلفائهم. استبعدتهم التسوية الدولية، بعدما رست على استبعاد إيران كذلك. ولكن إن كانت الأسباب واضحة بخصوص التحفظ على مشاركة طهران، بموقف الغرب الواضح سلفا منها، فمن اللافت تحييد الرياض المنخرطة بكل ثقلها في الأزمة والحليف الرئيسي لأميركا في الصراع الدموي المستمر منذ أكثر من سنة ونصف سنة.
فما قد تكون أسباب استبعاد المملكة إذاً؟ وما تأثير ذلك على الموقف السعودي؟ وكيف ترضى أميركا بقرار مماثل؟ وهل لروسيا يدٌ في الأمر؟ أسئلة كثيرة طرحها «الإعلان المفاجئ» في أوساط المتابعين، قابلها صمت رسمي سعودي تام لم يكن غريباً على سياسة الرياض المعروفة بـ«هدوئها الحذر».
وفي محاولة لتبيان خلفيات قبول أنان بتغيّب السعودية وإيران، يقول الكاتب السعودي محمد السحيمي، وهو متابع دقيق للملف السوري، لـ«السفير» بأن «الأمر واضح بأنه لعبة تبادل أدوار بين أميركا وروسيا، واشنطن توافق على غياب السعودية (وهو طلب روسي) مقابل موافقة روسيا على استبعاد إيران»، معلقاً بالقول إن «موسكو تريد توجيه رسالة للرياض (كما لحلفاء الرياض) بأنها تحمّل السعوديين مسؤولية ما يحدث من تفجير للصراع السوري بسبب انخراطهم في التسليح المباشر للمقاتلين».
وأبعد من ذلك، يخوض السحيمي في شرح خلفيات قبول أميركا بـ«الصفقة»، فهي تدرك أن باستبعاد السعودية يمكنها «تخفيف المواجهة المباشرة، ولن يؤثر ذلك على موقفها طالما أن بإمكان قطر ملء الفراغ وإمساك العصا من النصف».. وإن كان متوقعاً أن يثير الحضور التركي حساسية الرياض، في ظلّ المنافسة غير المباشرة بين الحليفين على موقع القيادة السنية.
ما سبق كان للمتخصص في تاريخ إيران المعاصر والشرق الأوسط محجوب الزويري رأي آخر فيه. هو يعتبر أن موضوع حضور السعودية لم يكن مطروحاً منذ البداية، «من كان مٌطالب بحضوره هو إيران». ويقول لـ«السفير» لنتذكر أن «المؤتمر فكرة أنان، وهو حاول الاستجابة لمطالبات جميع الأطراف بدءاً من الغرب وروسيا وصولاً إلى الحكومة السورية التي كانت معترضة على المشاركة السعودية منذ البداية».
ويشرح كيف أن السعودية منخرطة بشكل مباشر في الأزمة وموقفها محدّد تماماً، ولذلك فإن مشاركتها أو عدمها لن تغيّر مجرى الأمور، لا سيما أن «الصوت الأميركي الغربي، إلى جانب الكويت وقطر، موحدّ، فيما كان الحضور الإيراني مطلوباً لدعم الموقف الروسي – الصيني».
ويكشف الزويري، في هذا الصدد، أن التسوية تضمنت في النهاية اتفاقاً بـ«تواصل أنان مع المسؤولين الإيرانيين بعد انتهاء المؤتمر وإبلاغهم بما تمّ التوصل إليه، فضلاً عن سؤالهم عن الوسائل التي يمكن أن يساعدوا من خلالها».
وفيما يجد الزويري صعوبة في التأكيد على توصل المؤتمر إلى حلول ناجعة بخصوص طرح أنان حول حكومة الوحدة الوطنية، لا سيما وأن كلا من الاتحاد الأوروبي وأميركا والقوى الإقليمية مقتنعة بأن لا مستقبل للنظام، يجزم بأن «الاحتمال بأن يستطيع أنان إقناع المجتمع الدولي بفكرته يظلّ قائماً».
وحول موضوع الاستبعاد ذاته، اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن القبول بغياب السعودية وإيران يُعدّ تنازلاً من قبل أنان، لافتة إلى أن المبعوث الأممي الذي سبق وقال إنه يريد أن يكون الإيرانيون جزءا من اجتماعات مماثلة لم يقدم تفسيرا لسبب عدم دعوتهم.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين في جنيف قولهم إن «صيغة التسوية تهدف إلى حصر تمثيل الشرق الأوسط بالدول التى تشغل مواقع في الجامعة العربية، وهي العراق كرئيس للقمة العربية والكويت كرئيس لمجلس وزراء الخارجية وقطر كرئيس للجنة المتابعة بشأن سوريا».
بدورها، وفي سياق الحديث عن مؤشرات «الصراع» الروسي – الأميركي حول مشاركة إيران والسعودية على نجاح المؤتمر، اعتبرت مجلة «التايم»الأميركية أن «مجموعة العمل» ستتخللها «اعتبارات جيو – سياسية إقليمية ودولية تكرّس لحالة الجمود السياسية التي أفضت إليها الأزمة السورية». ولكنها تضيف بأن ما قد يحمل بوادر للحل هو أن «كل طرف يحمل مشروعاً مناقضاً للآخر لكن لا أحد يملك النفوذ الكافي لفرض هذا المشروع»، وهو ما أكده الزويري قائلاً إن امتداد الأزمة لهذه الفترة الدموية الطويلة فرض ضرورة توصل المجتمع الدولي إلى تسوية لأجل حلّها.. وفشل مؤتمر أنان سيكون بمثابة انقطاع آخر خيوط الأمل.
29-06-2012