بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة الكهف
مكية، وهي مائة وعشر آيات.
تسميتها:
سميت سورة الكهف، لبيان قصة أصحاب الكهف العجيبة الغريبة فيها في الآيات [9- 26] مما هو دليل حاسم ملموس على قدرة اللّه الباهرة.
وهي إحدى سور خمس بدئت ب الْحَمْدُ لِلَّهِ: وهي الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر. وهو استهلال يوحي بعبودية الإنسان للّه تعالى، وإقراره بنعمه وأفضاله، وتمجيد اللّه عز وجل، والاعتراف بعظمته وجلاله وكماله.
مناسبتها لما قبلها:
تظهر مناسبة وضع هذه السورة بعد سورة الإسراء من نواح: هي افتتاح الإسراء بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنان في القرآن وسائر الكلام بحيث يسبق التسبيح التحميد، نحو: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر 15/ 98] وفي الحديث: «سبحان اللّه وبحمده». كما أن الإسراء اختتمت بالتحميد أيضا، فتشابهت الأطراف أيضا.
ولما أمر اليهود المشركين أن يسألوا النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن ثلاثة أشياء: عن الروح، وعن قصة أصحاب الكهف، وعن قصة ذي القرنين، أجاب تعالى في آخر سورة بني إسرائيل عن السؤال الأول، وقد أفرد فيها لعدم الجواب عن الروح، ثم أجاب تعالى في سورة الكهف عن السؤالين الآخرين، فناسب اتصالهما ببعضهما.
ولما ذكر تعالى في الإسراء: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [85] ناسب ذكر قصة موسى مع العبد الصالح الخضر، كالدليل على ما تقدم. وقد ورد في الحديث: أنه لما نزل: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قال اليهود: قد أوتينا التوراة فيها علم كل شيء، فنزل: قُلْ: لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ ... [109].
ولما قال تعالى في الإسراء: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً [104] أعقبه في سورة الكهف بالتفصيل والبيان بقوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي، جَعَلَهُ دَكَّاءَ، وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا إلى قوله: وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً [98- 100] «1».
والخلاصة: أنه تعالى لما قال في آخر الإسراء: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وذكر المؤمنين به أهل العلم، وأنه يزيدهم خشوعا، وأنه تعالى أمر بالحمد له وأنه لم يتخذ ولدا، أمره تعالى بحمده على إنزال هذا الكتاب السالم من العوج، القيم على كل الكتب، المنذر من اتخذ ولدا، المبشر المؤمنين بالأجر الحسن.
ثم استطرد إلى حديث كفار قريش، والتفت من الخطاب في قوله:
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً إلى الغيبة في قوله: عَلى عَبْدِهِ لما في عبده من الإضافة المقتضية تشريفه.
ما اشتملت عليه السورة:
استهلت السورة ببيان وصف القرآن بأنه قيم مستقيم لا اختلاف فيه ولا تناقض في لفظه ومعناه، وأنه جاء للتبشير والإنذار.
ثم لفتت النظر إلى ما في الأرض من زينة وجمال وعجائب تدل دلالة واضحة على قدرة اللّه تعالى.
_______وتحدثت السورة عن ثلاث قصص من روائع قصص القرآن وهي قصة أصحاب الكهف، وقصة موسى مع الخضر، وقصة ذي القرنين. أما قصة أصحاب الكهف [9- 26] فهي مثل عال، ورمز سام للتضحية بالوطن والأهل والأقارب والأصدقاء والأموال في سبيل العقيدة، فقد فرّ هؤلاء الشباب الفتية المؤمنون بدينهم من بطش الملك الوثني، واحتموا في غار في الجبل، فأنامهم اللّه ثلاث مائة وتسع سنين قمرية، ثم بعثهم ليقيم دليلا حسيا للناس على قدرته على البعث.
واتبع اللّه تعالى تلك القصة بأمر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالتواضع ومجالسة الفقراء المؤمنين وعدم الفرار منهم إلى مجالسة الأغنياء لدعوتهم إلى الدين: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ .. [28].
ثم هدد اللّه تعالى الكفار بعد إظهار الحق، وذكر ما أعده لهم من العذاب الشديد في الآخرة: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ .. [29] وقارن ذلك بما أعده سبحانه من جنات عدن للمؤمنين الصالحين [30- 31].
وأما قصة موسى مع الخضر في الآيات [60- 78] فكانت مثلا للعلماء في التواضع أثناء طلب العلم، وأنه قد يكون عند العبد الصالح من العلوم في غير أصول الدين وفروعه ما ليس عند الأنبياء، بدليل قصة خرق السفينة، وحادثة قتل الغلام، وبناء الجدار.
وأما قصة ذي القرنين في الآيات [83- 99] فهي عبرة للحكام والسلاطين، إذ أن هذا الملك تمكن من السيطرة على العالم، ومشرق الأرض ومغربها، وبنائه السد العظيم بسبب ما اتصف به من التقوى والعدل والصلاح.
وتخللت هذه القصص أمثلة ثلاثة بارزة رائعة مستمدة من الواقع، لإظهار أن الحق لا يقترن بالسلطة والغنى، وإنما يرتبط بالإيمان، وأول هذه الأمثلة:
قصة أصحاب الجنتين [32- 44] للمقارنة بين الغني المغتر بماله، والفقير المعتز
_بإيمانه، لبيان حال فقراء المؤمنين وحال أغنياء المشركين.
وثانيها: مثل الحياة الدنيا [45- 46] لإنذار الناس بفنائها وزوالها. وأردف ذلك بإيراد بعض مشاهد القيامة الرهيبة من تسيير الجبال، وحشر الناس في صعيد واحد، ومفاجأة الناس بضائف أعمالهم [47- 49].
وثالثها: قصة إبليس وإبائه السجود لآدم [50- 53] للموازنة بين التكبر والغرور، وما أدى إليه من طرد وحرمان وتحذير الناس من شر الشيطان، وبين العبودية للّه والتواضع، وما حقق من رضوان اللّه تعالى.
وأردف ذلك بيان عناية القرآن بضرب الأمثال للناس للعظة والذكرى، وإيضاح مهام الرسل للتبشير والإنذار، والتحذير من الإعراض عن آيات اللّه [54- 57].
وأن سياسة التشريع اقتران الرحمة بالعدل، فليست الرحمة فوق العدل ولا العدل فوق الرحمة: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [58- 59].
وختمت السورة بموضوعات ثلاثة: أولها- إعلان تبديد أعمال الكفار وضياع ثمرتها في الآخرة [100- 106] وثانيها- تبشير المؤمنين الذين عملوا الصالحات بالنعيم الأبدي الأخروي [107- 108] وثالثها- أن علم اللّه تعالى لا يحده حد ولا نهاية له [109- 110].
فضل هذه السورة:
ورد في فضائل سورة الكهف أحاديث صحاح ثابتة، منها:
ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن أبي الدرداء عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال».
ومنها:
ما رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي، عن أبي الدرداء عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم _قال: «من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال».
وفي لفظ النسائي: «من قرأ عشر آيات من الكهف ..» الحديث.
ومنها:
ما أخرجه النسائي في سننه عن ثوبان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، فإنه عصمة له من الدجال».
دلت هذه الأحاديث على أن قراءة الآيات العشر الأوائل أو الأواخر أو أي عشر آيات عصمة من فتنة الدجال.
والسنة أن يقرأ الشخص الكهف يوم الجمعة وليلتها،
لما رواه الحاكم وقال:
صحيح الإسناد عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من قرأ الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين»
وروى الدارمي والبيهقي: «من قرأها ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق».
كيفية الحمد والثناء على اللّه تعالى ومهام القرآن العظيم
_
(1) تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي 64 وما بعدها، طبع دار الكتاب العربي- دمشق.