![]() |
|
قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
۞مُفرَدَاتٌ قُرءانيّةٌ ومُصْطَلحَاتٌ فُرقَانِيَّةٌ۞
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما معنى كلمة الْمُحْصَنَاتِ في قوله تعالى ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) سورة النور(04)
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | ||||
|
![]() اقتباس:
الْمُحْصَنَاتِ في قوله تعالى ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) سورة النور(04) الحكم الثالث حد القذف [سورة النور (24): الآيات 4 الى 5] وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) الإعراب: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ثَمانِينَ منصوب على المصدر، وجَلْدَةٍ تمييز منصوب. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا الَّذِينَ إما منصوب على الاستثناء، كأنه قال: إلا التائبين، وإما مرفوع على الابتداء، وخبره فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وإما مجرور على البدل من الهاء والميم في لَهُمْ. البلاغة: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ استعارة، أستعير لفظ الرمي (وهو الإلقاء بالحجارة ونحوها) لشيء معنوي وهو القذف باللسان، بجامع الأذى في كل منهما. غَفُورٌ رَحِيمٌ صيغة مبالغة على وزن فعول وفعيل. المفردات اللغوية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ يقذفون العفائف الحرائر البالغات العاقلات المسلمات، ولا فرق بين الذكر والأنثى، وتخصيص المحصنات مراعاة للواقعة، أو لأن قذف النساء أغلب وأشنع، والرمي: الإلقاء بشيء يضر أو يؤذي، أستعير للسب بالزنى لما فيه من الأذى والضرر، أما القذف بغير الزنى مثل يا فاسق، يا شارب الخمر فيوجب التعزير ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ لإثبات زناهن برؤيتهم، وهو جمع شهيد، وهو الشاهد، وسمي بذلك لأنه يخبر عن شهادة وعلم وأمانة.ولا تعتبر شهادة زوج المقذوفة عند الشافعية، وتعتبر عند أبي حنيفة فَاجْلِدُوهُمْ اجلدوا كل واحد منهم وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً أي تسقط عدالتهم، فلا تقبل لهم أي شهادة كانت بعدئذ لأنه مفتر. ولا يتوقف ذلك على استيفاء الجلد عند الشافعية لترتب الجزاءين على القذف على السواء جوابا للشرط، دون ترتيب بينهما، فيحصلان دفعة واحدة، ويتوقف عدم قبول شهادته عند أبي حنيفة على استيفاء الحد. وقوله: أَبَداً أي ما لم يتب، وعند أبي حنيفة: إلى آخر عمره وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ المحكوم بفسقهم لإتيانهم كبيرة. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عن القذف وَأَصْلَحُوا أعمالهم بالتدارك، ومنه الاستسلام للحد، أو طلب العفو (الاستحلال) من المقذوف. فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لهم قذفهم رَحِيمٌ بهم بإلهامهم التوبة. وبالتوبة ينتهي فسقهم وتقبل شهادتهم عند الشافعية، ولا تقبل عند الحنفية لأن الاستثناء يكون راجعا إلى الجملة الثالثة وهي: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ في رأيهم، وإلى أصل الحكم وجميع الجمل في رأي الشافعية، لكن تستثنى الجملة الأولى، فلا يسقط الحد بالتوبة بالاتفاق، حفاظا على حق العبد، ويبقى الاستثناء في ظاهره عائدا إلى رد الشهادة والتفسيق. المناسبة: بعد التنفير من نكاح الزانيات وإنكاح الزناة، نهى اللّه تعالى عن القذف وهو الرمي بالزنى، وذكر حده في الدنيا وهو الجلد ثمانين، وعقوبته في الآخرة وهو العذاب المؤلم ما لم يتب القاذف. ودلت القرائن على أن المراد الرمي بالزنى بإجماع العلماء لتقدم الكلام عن الزنى، ووصف النساء بالمحصنات وهن العفائف عن الزنى، ولاشتراط إثبات التهمة بأربعة شهود، ولا يطلب هذا العدد إلا في الزنى، ولانعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنى، كالرمي بالسرقة وشرب الخمر والكفر، فمجموع هذه القرائن الأربع يجعل المراد هو الرمي بالزنى. التفسير والبيان: هذه الآية تبين حكم قذف المحصنة وهي الحرة البالغة العاقلة العفيفة، يجلد قاذفها ثمانين جلدة، وكذلك يجلد قاذف الرجل العفيف اتفاقا، وقذف الرجل داخل في حكم الآية بالمعنى، كدخول تحريم شحم الخنزير في تحريم لحمه. وذكر النساء، لأن رميهن بالفاحشة أشنع، والزنى منهن أقبح، أما السرقة فالرجل عليها أجرأ وأقدر، فبدأ به في آية حد السرقة. وفي التعبير بالإحصان إشارة إلى أن قذف العفيف رجلا أو امرأة موجب لحد القذف، أما المعروف بفجوره فلا حد على قاذفه، إذ لا كرامة للفاسق. والمعنى: إن الذين يسبّون النساء العفيفات الحرائر المسلمات برميهن بالزنى، ولم يتمكنوا من إثبات التهمة بأربعة شهود رأوهن متلبّسات بالزنى، أي لم يقيموا البينة على صحة القذف الذي قالوه، لهم ثلاثة أحكام: الأول- أن يجلد القاذف ثمانين جلدة. والجلد: الضرب. الثاني- أن ترد شهادته أبدا، فلا تقبل في أي أمر مدة العمر. الثالث- أن يصير فاسقا ليس بعدل، لا عند اللّه ولا عند الناس، سواء كان كاذبا في قذفه أو صادقا. والفسق: الخروج عن طاعة اللّه تعالى، وهذا دليل على أن القذف كبيرة من الكبائر، لما يترتب عليه من التشنيع وهتك حرمة المؤمنات. لكن شرط القاذف الذي نصت عليه الآية: عجزه عن الإتيان بأربعة شهود، وتقضي قواعد الشرع أن يكون من أهل التكليف: وهو البالغ العاقل المختار، العالم بالتحريم حقيقة، أو حكما كمن أسلم حديثا ومضت عليه مدة يتمكن فيها من معرفة أحكام الشرع. وشرط المقذوف المرمي بنص الآية: أن يكون محصنا: وهو المكلف (البالغ العاقل) الحر، المسلم، العفيف عن الزنى. فشرائط إحصان القذف خمسة: هي البلوغ والعقل باعتبارهما من لوازم العفة عن الزنى، والحرية لأنها من معاني الإحصان، والإسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم: «من أشرك باللّه فليس بمحصن» والعفة عن الزنى، فلا يعتبر كل من المجنون والصبي والعبد والكافر والزاني محصنا، فلا يحد قاذفهم، لكن يعزر للإيذاء. ويلاحظ أن ظاهر الآية يتناول جميع العفائف، سواء كانت مسلمة أو كافرة، وسواء كانت حرة أو رقيقة، إلا أن الفقهاء قالوا شرائط الإحصان في القذف خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والعفة عن الزنى. وإنما اعتبرنا الإسلام للحديث المتقدم، واعتبرنا العقل والبلوغ لقوله صلّى اللّه عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن عائشة: «رفع القلم عن ثلاثة» ومنهم الصبي والمجنون، واعتبرنا الحرية لأن العبد ناقص الدرجة، فلا يعظم عليه التعيير بالزنى، واعتبرنا العفة عن الزنى لأن الحد مشروع لتكذيب القاذف، فإذا كان المقذوف زانيا، فالقاذف صادق في القذف، فلا يحد، وكذلك إذا كان المقذوف وطئ امرأة بشبهة أو نكاح فاسد لأن فيه شبهة الزنى. وإذا كان العبد أو الكافر عفيفا عن الزنى، فيصبح محصنا من وجه، وغير محصن من وجه آخر، فيكون ذلك شبهة في إحصانه، فيجب درء الحد عن قاذفه. وكان ينبغي جعل التزوج من صفات الإحصان، إلا أن العلماء أجمعوا على عدم اعتباره هنا، وهو كون المرمي زوجة أو زوجا، بدليل الآيات التالية في اللعان، فتكون آية اللعان مخصصة لعموم الموصول: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ. وظاهر الآية: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ يدل على أنه يشترط لتحقق القذف الموجب للعقوبة عجز القاذف عن الإتيان بأربعة يشهدون أنهم قد رأوا المقذوف يزني، وتاء بِأَرْبَعَةِ تفيد في ظاهرها اعتبار كونهم من الرجال، ويؤكد ذلك أنه لا تعتبر شهادة النساء في الحدود اتفاقا. ولم تشترط الآية أكثر من كون الرجال الأربعة أهلا للشهادة، لكن العلماء اختلفوا في اشتراط كون الشاهد عدلا، فقال الشافعية: تشترط عدالة الشاهد، وقال الحنفية: لا تشترط عدالة الشاهد. فإذا شهد أربعة فساق فهم قذفة عند الشافعية يحدون كالقاذف، ولا يحدون عند الحنفية، ويدرأ الحد عن القاذف لأنه تثبت بشهادتهم شبهة الزنى، فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، وكذا عن المقذوف. وظاهر عموم الآية أنه يكفي أن يكون زوج المقذوفة أحد الشهود الأربعة، وقد أخذ الحنفية بهذا الظاهر، وقال مالك والشافعي: لا يعتبر الزوج أحد الشهود، ويلاعن الزوج ويحد الشهود الثلاثة الآخرون لأن الشهادة بالزنى قذف، ولم يكتمل نصاب الشهادة المطلوب. وظاهر إطلاق الآية أنه يصح مجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين، وبه أخذ المالكية والشافعية، وذلك كالشهادة في سائر الأحكام. وقال أبو حنفية: لا تقبل شهادتهم إلا إذا كانوا مجتمعين غير متفرقين، فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم لأن الشاهد الواحد لما شهد صار قاذفا، ولم يأت بأربعة شهداء، فوجب عليه الحد، ولم يعد صالحا للشهادة. ونقل ذلك أيضا عن مالك. وظاهر الآية أيضا أن القاذف يجلد إذا أتى بشاهدين أو ثلاثة فقط، وكذلك يجلد هؤلاء الشهود إذا لم يكملوا النصاب، بدليل فعل عمر الذي أمر بجلد ثلاثة شهود وهم شبل بن معبد وأبو بكرة (نفيع بن الحارث) وأخوه نافع شهدوا بالزنى على المغيرة بن شعبة، وأما رابعهم زياد فلم يجزم بحدوث حقيقة الزنى. والخطاب في قوله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً هم أولياء الأمر الحكام، وظاهر هذا العموم يشمل الحر والرقيق، فحدهما ثمانون جلدة، وبه أخذ ابن مسعود والأوزاعي والشيعة، وأجمع بقية الفقهاء على أن حد الرقيق في القذف النصف وهو أربعون جلدة. ودل هذا الظاهر أيضا أن الحاكم يقيم الحد ولو من غير طلب المقذوف، وبه أخذ ابن أبي ليلى، وقال الجمهور: لا يحد إلا بمطالبة المقذوف، وقال مالك: إذا سمعه الإمام يقذف، حدّه ولو لم يطلب المقذوف، إذا كان مع الإمام شهود عدول. والخلاصة: أن الإمام لا يقيم حد القذف إلا بمطالبة المقذوف في المذاهب الأربعة. وفي إقامة حد القذف: مراعاة لحق اللّه تعالى في حماية الأعراض، ولحق العبد الذي انتهكت حرمته، لكن اختلف الفقهاء في المغلّب في هذا الحد: فقال الشافعية: يغلّب حق العبد باعتبار حاجته، وغنى اللّه عز وجل. وذهب الحنفية إلى تغليب حق اللّه تعالى لأن استيفاءه يحقق مصلحة العبد أيضا. وتظهر ثمرة الخلاف في أمثلة منها: أ- إذا مات المقذوف قبل استيفاء الحد، فيسقط عند الحنفية تغليبا لحق اللّه تعالى، وقال الشافعية: لا يسقط الحد بموت المقذوف، بل يتولى ورثته المطالبة به تغليبا لحق العبد. ب- وإذا قذف شخص جماعة بكلمة واحدة أو بكلمات متعددة، فالحنفية يقولون بتداخل الحد، ويكفي للجميع حد واحد، تغليبا لحق اللّه تعالى كمن زنى مرارا أو سرق أو شرب الخمر، ولا يتداخل الحد عند الشافعية، وعليه لكل واحد حد تغليبا لحق العباد. ج- وإذا عفا المقذوف عن الحد، يسقط عند الشافعية تغليبا لحق العبد، ولا يسقط عند الحنفية بعد طلب إقامته. وبما أن مجموع العقوبات الثلاث مرتب على القذف بالعطف بالواو، فترد شهادة القاذف ولو قبل جلده في رأي الشافعي، ولا ترد شهادته إلا بعد جلده في رأي أبي حنيفة ومالك لأن الواو وإن لم تقتض الترتيب، لكن المراد الترتيب لقوله صلّى اللّه عليه وسلم فيما رواه الديلمي وابن أبي شيبة عن ابن عمرو مرفوعا: «المسلمون عدول، بعضهم على بعض، إلا محدودا في فرية» أي قذف، ورواه الدارقطني عن عمر في كتابه إلى أبي موسى.ورد شهادة القاذف عام يشمل ما إذا كانت الشهادة واقعة منه قبل القذف أم بعد القذف، ويشمل شهادة من قذف وهو كافر ثم أسلم، إلا أن الحنفية استثنوا الكافر إذا حد في القذف ثم أسلم، فإن شهادته بعد إسلامه تكون مقبولة، لاستفادته بالإسلام عدالة جديدة. ورد شهادة القاذف هي من تمام الحد في رأي الحنفية، عملا بظاهر الآية التي رتب اللّه فيها على القذف عقوبتين، فكان الظاهر أن مجموعهما حد القذف. وقال مالك والشافعي: الحد هو جلد ثمانين فقط، وأما رد الشهادة فهو عقوبة زائدة على الحد لأن الحد عقوبة بدنية، ورد الشهادة عقوبة معنوية، ولأن قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم لهلال بن أمية فيما أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس: «البينة أو حد في ظهرك» يدل على أن الجلد هو تمام الحد. ويلزم على قول الحنفية أن الحاكم لا يرد شهادة القاذف إلا بطلب المقذوف، أما الآخرون فلا يرون توقف رد الشهادة على طلب المقذوف. ثم استثنى اللّه تعالى حال التوبة فقال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي إلا الذين رجعوا عن قولهم وندموا على فعلهم، وأصلحوا حالهم وأعمالهم، فلم يعودوا إلى قذف المحصنات، قال ابن عباس: أي أظهروا التوبة، فإن اللّه غفور ستار لذنوبهم، رحيم بهم، فيقبل توبتهم، ويرفع عنهم صفة الفسق التي وسموا بها. قال الشافعي: توبة القاذف: إكذابه نفسه، والمعنى كما فسره الاصطخري من أصحاب الشافعي: أن يقول: كذبت فيما قلت، فلا أعود لمثله، وفسره أبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي: لا يقول: كذبت لأنه ربما يكون صادقا، فيكون قوله: (كذبت) كذبا، والكذب معصية، والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى، بل يقول: القذف باطل، وندمت على ما قلت، ورجعت عنه، ولا أعود إليه. ورجح أبو الحسن اللخمي أن التوبة إنما تكون بالتكذيب في القذف. وقال بعض العلماء: توبة القاذف كتوبة غيره، تكون بينه وبين ربه، ومضمونها الندم على ما قال، والعزم على ألا يعود. وقد اختلف العلماء في هذا الاستثناء، هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، فترفع التوبة الفسق فقط، ويبقى مردود الشهادة دائما، وإن تاب وأصلح، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة أو إلى الكل؟ يلاحظ كما ذكرنا أن الآية ذكرت ثلاثة أحكام بثلاث جمل متعاطفة بالواو، معقبة بالاستثناء، فاتفق العلماء على أن الاستثناء لا يرجع هنا إلى الجملة الأولى، فلا يسقط الحد بتوبة القاذف، للمحافظة على حق العبد وهو المقذوف. وانحصر الخلاف في عود الاستثناء إلى الجملتين الثانية والثالثة، أي رد الشهادة والفسق، فقال الحنفية: إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط، فيرتفع الفسق بالتوبة، ويبقى مردود الشهادة أبدا لأن قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ جملة مستأنفة بصيغة الإخبار، منقطعة عما قبلها، لدفع توهم أن القذف لا يكون سببا لثبوت صفة الفسق بهتك عرض المؤمن بلا فائدة، وإذا كانت الجملة الأخيرة مستأنفة، توجه الاستثناء إليها وحدها. وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): يعود الاستثناء إلى كلتا الجملتين الثانية والثالثة لأن جملة وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً مستأنفة منقطعة عما قبلها لأنها ليست من تتمة الحد، وجملة وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ تبين علة رد الشهادة، فإذا ارتفع الفسق الذي هو علة بالتوبة، ارتفع المعلول الذي هو رد الشهادة، فهذه الجملة تعليل، لا جملة مستقلة بنفسها، أي لا تقبلوا شهادتهم لفسقهم، فإذا زال الفسق فلم لا تقبل شهادتهم؟.ولا يثور هذا الخلاف بين الفريقين إذا قامت قرينة أو دليل على أن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة أو إلى الجمل كلها، كما في المثالين الآتين: الأول- قوله تعالى في دية القتل الخطأ: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ، إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء 4/ 92] فيه قرينة تدل على أن الاستثناء عائد إلى الدية لا إلى تحرير الرقبة لأن التحرير حق اللّه تعالى، وتصدق الولي لا يسقط حق اللّه تعالى. الثاني- قوله تعالى في المحاربين: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة 5/ 34] فيه دليل على رجوع الاستثناء إلى الجمل كلها، فإن التقييد في قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ يمنع عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة، وهي قوله سبحانه: وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ لأن التوبة تسقط العذاب الأخروي، سواء أكانت قبل القدرة عليهم أم بعدها، فلم يكن لهذا التقييد فائدة إلا سقوط الحد، فهذا الاستثناء راجع إلى الجميع بالاتفاق. فقه الحياة أو الأحكام: 1- أرشدت الآية إلى وجوب حد القاذف ثمانين جلدة إذا عجز عن إثبات تهمته بأربعة شهود، وإلى الحكم برد شهادته، وصيرورته فاسقا، إلا إذا تاب فتقبل شهادته وترتفع صفة الفسق عنه في رأي الجمهور، وتزول عنه صفة الفسق فقط بالتوبة في مذهب الحنفية، ويظل مردود الشهادة أبدا وإن تاب. 2- وللقذف شروط تسعة عند العلماء: شرطان في القاذف: وهما العقل والبلوغ لأنهما أصلا التكليف. وشرطان في المقذوف به: وهو أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد: وهو عند الجمهور غير الحنفية: الزنى واللواط، أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي.وخمسة شروط في المقذوف: وهي العقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عن الفاحشة التي رمي بها. 3- واتفق العلماء على أن القذف بصريح الزنى يوجب الحد، أما القذف بالتعريض والكناية، مثل ما أنا بزان ولا أمي بزانية، فقال مالك: هو قذف. وقال الشافعي: هو قذف إن نوى وفسره به فقال: أردت به القذف. وقال أبو حنيفة: ليس ذلك قذفا، لما فيه من شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات. 4- وذهب الجمهور إلى أنه لا حد على من قذف رجلا من أهل الكتاب أو امرأة منهم، ولكنه يعزر، وقال الزهري وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى: عليه الحد إذا كان لها ولد من مسلم. 5- وإذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفا عند مالك وقال الآخرون من الأئمة: ليس بقذف لأنه ليس بزنى إذ لا حد عليها، ويعزّر. 6- وأما شرط أداء الشهادة وهو كون ذلك في مجلس واحد ففيه رأيان للعلماء كما تقدم: رأي يشترط اجتماع الشهود في مجلس واحد، ورأي لا يشترط ذلك، ويصح أداؤهم الشهادة متفرقين. 7- إن رجع أحد الشهود، وقد رجم المشهود عليه في الزنى، فقال الجمهور: يغرم ربع الدية، ولا شيء على الآخرين. وقال الشافعي: إن قال: تعمدت ليقتل، فالأولياء بالخيار: إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، وأخذوا ربع الدية، وعليه الحدّ. 8- صفة حد القذف فيها رأيان أيضا: قال أبو حنيفة: هو من حقوق اللّه تعالى والمغلب فيه حق اللّه، وقال الجمهور: هو من حقوق الآدميين. وفائدة الخلاف: أنه على الرأي الأول تنفع القاذف التوبة فيما بينه وبين اللّه تعالىولا يورث الحد ولا يسقط بالعفو، وعلى الرأي الثاني: لا تنفع القاذف التوبة حتى يسامحه المقذوف، ويورث الحد، ويسقط بالعفو. وقد ذكر سابقا آثار أخرى للخلاف. قال ابن العربي: والصحيح أنه حق الآدميين، والدليل أنه يتوقف على مطالبة المقذوف، وأنه يصح له الرجوع عنه. 9- الشهادة تكون على معاينة الزنى، يرون ذلك كالمرود في المكحلة، وفي موضع واحد في رأي مالك، فإن لم يتحقق ذلك جلد الشهود، كما بينا. 10- إذا تاب القاذف قبلت شهادته في رأي الجمهور لأن ردها كان لعلة الفسق، فإذا زال بالتوبة، قبلت شهادته مطلقا قبل الحد وبعده. ولا تقبل شهادته مدة العمر وإن تاب في رأي الحنفية. ويترجح الرأي الأول بأن التوبة تمحو الكفر، فما دونه أولى، و بقوله صلّى اللّه عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه عن ابن مسعود: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» وإذا قبل اللّه التوبة من العبد، كان قبول العباد أولى. 11- تسقط شهادة القاذف في رأي الشافعي وابن الماجشون بنفس قذفه، ولا تسقط في رأي مالك وأبي حنيفة حتى يجلد، فإن منع من جلده مانع عفو أو غيره لم تردّ شهادته. 12- تجوز شهادة المحدود بحد القذف بعد التوبة في كل شيء مطلقا في رأي الأكثرين. وقال ابن الماجشون: من حد في قذف أو زنى، فلا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنى، ولا في قذف ولا لعان، وإن كان عدلا. 13- إذا لم يجلد القاذف بأن مات المقذوف قبل أن يطالب القاذف بالحد، أو لم يرفع إلى السلطان، أو عفا المقذوف، فالشهادة مقبولة لأن النهي عن قبول الشهادة معطوف على الجلد. وقد بينا أن الشافعي ومثله الليث والأوزاعي قالوا: ترد شهادة القاذف بالقذف نفسه، وإن لم يحد لأنه بالقذف يفسق لأنه من الكبائر، فلا تقبل شهادته حتى تصح براءته بإقرار المقذوف له بالزنى أو بقيام البينة عليه. ويرى أبو حنيفة ومالك أنه لا ترد شهادة القاذف إلا بعد جلده وصيرورته محدودا في القذف، للحديث المتقدم الذي رواه الديلمي وابن أبي شيبة عن ابن عمرو: «المسلمون عدول، بعضهم على بعض، إلا محدودا في قذف». 14- لا تكفي التوبة الشخصية أو القلبية لإعادة اعتبار القاذف وقبول شهادته لأن الأمر متعلق بحق الغير وهو المقذوف، بل لا بد من إعلانها، لذا قال تعالى: وَأَصْلَحُوا أي بإظهار التوبة. وقيل: وأصلحوا العمل، لكن هذا لا يناسب هنا. الكتاب : التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج المؤلف : د وهبة بن مصطفى الزحيلي الناشر : دار الفكر المعاصر - دمشق الطبعة : الثانية ، 1418 هـ |
||||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مُفرَدَاتٌ, قُرءانيّةٌ |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc