دخلنا قسم استعجالات جراحة الأطفال، أسرعنا إلى غرفة الطّبيب راجين أن لا يكون هناك الكثير من المرضى،
بمجرّد أن وصلنا كان المريض الّذي يعانه الطّبيب يهمّ بالخروج،
حمدا لك ربّنا،
ادخُلي رُؤَى،
تدخل رُؤَى و أدخل بعدها فإذا بشابّ بهيّ الطّلعة،
إنه الطّبيب ،
حضرة الطّبيب؛ كانت الفتاة تجري و فجأة سقطت،
يُقاطعني الطّبيب على عجل بعدما رأى ذراعها،
عمليّة جراحيّة مستعجلة،
لا بُدّ من عمليّة جراحيّة في الحين و لا نملك المعدّات اللّازمة لإجرائها هنا، يتوجّب حالا نقلها إلى المستشفى الجامعيّ مصطفى باشا،
استبشرتُ بشكلك و مظهرك غيرَ أنّك فجعتني و فجعْت الصغيرة،
و كأنّك سللت خنجرا و طعنتني به حضرة الطّبيب،
تلتئم جراح البدن بعد تلقّي طعنات السّنان و لا تلتئم جراح القلوب و النّفوس بعد تلقّي ضربات اللّسان سيادة الحكيم،
ألا ترى الصّغيرة تئنّ و تبكي مصفرّ وجهُها من الألم و مما ترى من عظم ذراعها المكسور المُعْوجّ الذي لا تقوى على حمله،
إن كنت لا تبالي بطعني فلا تطعن الصّغيرة أرجوك،
راعِ حالها،
راعِ سنّها،
راعِ براءَتها،
أترى من الحكمة أن نصارح الصّغار بطريقة كهذه ؟!
تسمع رُؤَى ما قاله الطّبيب فيزداد صراخها و بُكاؤها،
عمليّة جراحيّة،
عمليّة جراحيّة،
ينظر إليها الطّبيب نظرة قاسية قساوة كلماته و لسان حاله يقول :
أزعجتنا بأنينك و صراخك،
اسكتي،
اصمُتي،
أقاطع نظراته و أخاطب رُؤى :
لا تخافي،
لا تبكِ،
لم ير الطّبيب الأشعّة بعد و قج يقومون بجَبْر ذراعك فقط،
تُواصل الأنين و البكاء،
يُطلّ علينا رجلا الحماية المدنيّة من الباب و كان أحدهما ذلك الشّابّ الطّيب،
ألا تحتاجوننا الآن، هل ستأتي سيارة مرافقيكم ؟ كانوا قد سمعوني و أنا أتّصل،
نعم؛ سيأتي من يرافقنا،
بارك الله فيكم،
بارك الله فيكم،
هنا وددت لو أقوم إلى ذلك الشّاب لآخذه بالأحضان لكنّ الخجل صدّني،
كلماته و هو يمازح رُؤَ و يصبّرها كانت بردا و سلاما على قلبي،
و كأنّه يُصبّرني أنا لا هي،
الطّبيب منهمك في الكتابة؛
......
في الرّواق المقابل تجد قسم التّصوير بالأشعّة، تفضّل الرّسالة سلّمها للموظّف هناك،
أُسرع و رُؤَى إلى الرّواق المُجاور، إنه قسم الأشعّة،
باب صلب مُغلق بإحكام،
أطرق الباب،
أضربها بكلّ قوّتي لعلّ أحدهم يسمعني،
صلب جدّا،
تدخل يميني جيبي فأخرج قطعة نقديّة و أضرب بها الباب، أضرب مجدّدا، لا فائدة،
أتحسّس الباب لعلّي أجد منفذا فإذا بثقب صغير جدا، أدخل فمي و أصرخ و لا حياة لمن أنادي،
تخاطبني امرأة كانت تترقّبني من بعيد : يبدو أنّ الغرفة خالية من الموظّفين،
أحمل رُؤى و أجلسها على سرير خاصّ بالمرضى موضوع بالرّواق و أنتظر،
رُؤى لا زالت تئنّ و تبكي،
أسمع صوتا يخاطبني من بعيد؛
اهدأ، سأوضّح لك، تقول امرأة يبدو أنها من موظّفي المستشفى،
موظّف الأشعّة لا يعمل بهذا القسم فحسب، يعمل أيضا في قسم ثان و قسم ثالث أيضا، و عليه لا بُدّ من الانتظار،
أردّ عليها : أليس من الواجب أن يكون بكلّ قسم موظّف ؟
تهزّ الموظّفة رأسها و لسان حالها يقول : هذه أحوالنا، عليك أن تصبر، الموظّف في طريقه إلى هنا،
......
يصل الموظّف و يفتح الباب،
ندخل فيطلُب منّي أن أكشف عن ذراع رُؤى،
تصدّني، أنت تؤلمني،
يتوجّب فعل هذا يا رُؤَى،
أكشف عن ذراعه و هي تبكي،
ضعي ذراعك على الطّاولة، يقول الموظّف،
لا، مُدّيها،
كيف تمّدّها و العظم مكسور مُعوجّا قد شكّل زاوية ؟
يمدّ يده ليساعدها فتقول :
لا تكسِر يدي،
أكسر يدك ! يدك أصلا مكسورة،
لمّا سمعت ردّه طرحت علامات استفهام كثيرة و مثلها علامات تعجّب،
أهكذا نخفّف آلام الصّغار حضرة الموظّف ؟!
ألم يكن بِوسعك إسماع الصّغيرة كلمات تخفّف عنها ألمها ؟!
لا تخافي بُنيّتي،
لن ترَيْ شرّا،
مذا ؟! إنّه كسر خفيف، ستبرئين بسرعة،
هنا تذكّرت ذالك الشّاب، موظّف الحماية المدنيّة الّذي اصطحبنا و كان طوال الطّريق يمازح رُؤَى و يخفّف من معاناتها،
تمنّيت لو كان هو ذلك الطّبيب،
تمنّيت لو كان هو هذا الموظّف،
بارك الله فيه و أسعده في الدّارين،
يُتْبَع ...