قضاء الالغاء احد اوجه الرقابة على اعمال الادارة، واهمها على الاطلاق، والاقدر على حماية مبدا المشروعية والدفاع عن الحقوق والحريات الفردية، ودور قاضي الالغاء ينحصر في التصرف الاداري محل المنازعة من حيث مطابقته أو عدم مطابقته لمبدأ المشروعية دون ان تمتد هذه الرقابة إلى حيث مدى ملاءمة هذا التصرف بحيث يبقى تقدير هذه الملاءمة من المسائل المتروكة للادارة بما لها من سلطة تقديرية في هذا المجال (1). وعليه، فان الرقابة القضائية هي رقابة قانونية بسلطها القضاء للتعرف على مدى مشروعية العمل الاداري فيقف نشاطه في فحص الاعمال الإدارية عند حد المشروعية أو عدمها دون تجاوزها إلى وزن مناسبات القرار، وغير ذلك مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الادارة بغير معقب عليها (2).
ويستنتج من راي الاستاذين الطماوي وجمال الدين ان قضاء الالغاء يقتصر دوره ـ في مجال ممارسته للرقابة على اعمال الادارة في الحكم بمشروعية أو عدم مشروعية التصرف الاداري حيث يلغي هذا الأخير ويبت في تعويض الأضرار الناتجة عنه إذا ما طلب منه ذلك الطرف الطاعن، فلا يجوز له اذن التدخل في عمل الإدارة كان يحل محلها في اصدار قرار، أو ان يامرها بالقيام بعمل معين أو بالامتناع عن القيام به ولا ان يكرهها على ذلك عن طريق الحكم بالغرامات التهديدية، اذ تظل الادارة حرة ـ في نطاق سلطتي الملاءمة والتقدير ـ في اتخاذ ما تراه من القرارات بمقتضى وظيفتها الإدارية طالما ان هذه القرارات غير مخالفة للقانون ومستندة إلى الشرعية وإلا خضعت لمراقبة القضاء الإداري الذي وسع من مراقبته على سلطتي الملاءمة والتقدير في العقود الاخيرة، وضيق من مجالهما لفائدة حريات وحقوق الافراد والجماعات.
على ان هذه الرقابة القضائية تنصب فقط على القرارات الإدارية المحضة دون غيرها من الاعمال والقرارات التي لا تدخل في خانتها حسبما حددته التشريعات واقره الفقه والاجتهاد القضائي، واهم هذه الاعمال والقرارات التي لا تخضع لرقابة قضاء الالغاء من منظور الاجتهاد القضائي المغربي:
1. القرارات الملكية في المجال الاداري،
2. اعمال البرلمان " القانون"
3. الاعمال القضائية " الاحكام"
4. اعمال السيادة أو الحكومة،
5. مقررات الادارة الخاصة،
6. الاعمال المادية للادارة،
7. القرارات الإدارية التي لا تحمل طابعا تنفيذيا،
8. القرارات الصادرة عن الجمعيات والهيئات والأشخاص المعنوية الخاصة.
انظر الهامش (3)
وما يهمنا في بحثنا هذا هي الاعمال المادية للادارة.
يعرف الفقه والاجتهاد القضائي في كل من فرنسا، ومصر والمغرب الاعمال المادية للادارة بانها تلك الاعمال التي تقوم بها الإدارة دون قصد احداث نتائج قانونية جديدة أو تعديل اوضاع قائمة وذلك تنفيذا للمقررات والاوامر الإدارية مثل القاء القبض على الافراد، والاستيلاء على املاكهم، واقامة اعمدة كهربائية أو هاتفية في أراضيهم، والقيام بهدم منازل آيلة للسقوط، الخ. أو ارتكاب اعمال غير قانونية نتيجة خطا احد مستخدمي الادارة كحوادث السيارات والقطارات التي هي في ملكية الإدارة حيث يصيب موظف الادارة أو مستخدمها فردا أو عدة افراد باضرار مادية أو جسدية، أو اصدار منشورات أو تعليمات من جانب الادارة تتعلق بتنظيم داخلي للمرفق العام، أو القيام باعمال غير مشروعة تنطوي على خطا جسيم اثناء التنفيذ وتمس بملكية خاصة أو حرية شخصية وهو ما يطلق عليه اسم " الاعتداء المادي " (4).