كشفت الثورة السورية من بين ما كشفته عن محور «الممانعة» الطائفي, أنّ الحامي الحقيقي لظهر كل من حزب الله والنظام السوري هو النظام الإسرائيلي نفسه, الذي يدّعون «مقاومته», والذي يبررون باسم «ممانعته» ارتكاب كل الموبقات والجرائم التي يرتكبونها منذ عقود, وآخرها الجرائم بحق الشعب السوري والتدمير الممنهج للدولة السورية.
عندما نقول إنّ إسرائيل تحمي ظهر حزب الله والنظام السوري، فهذا ليس ادّعاءً أو تهكّما, وإنما حقيقة مدعومة بالوقائع. ففي شهر فبراير الماضي، قام النظام السوري بسحب عدد كبير من قواته المنتشرة على تخوم الجولان المحتلة, ونقلها إلى العاصمة دمشق لمواجهة تقدّم المعارضة على الأرض، وقد قام باستكمال سحب ما تبقى أيضا من قواته في تلك المنطقة في شهر أبريل، فهو لا مشكلة لديه في ترك «ظهره» و «مؤخرته» مكشوفتين للـ «عدو» الإسرائيلي! لأن المعارضة السورية أخطر عليه من الصهاينة، وهو محق في ذلك.
فبدلا من أن يثير وجود جيش «الممانعة» على الحدود مع إسرائيل مخاوف الصهاينة ويقض مضاجعهم، قام المسؤولون الإسرائيليون بالتعبير صراحة عن مخاوفهم من انسحاب الجيش «العلوي» السوري من منطقة الجولان, بشكل قد يتيح لمقاتلي المعارضة ملء الفراغ على الحدود مع إسرائيل! وفعلا هذا ما حصل.
ففي شهر يونيو وفي حدث تاريخي ولأول مرّة منذ أربعة عقود، تدخل دبابات الجيش «العلوي» السوري المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين سوريا وإسرائيل في الجولان, عند خط وقف إطلاق النار، ولكن ليس لمقاتلة الصهاينة وإنما لمقاتلة الجيش الحر! وإن كان الخبر مهما لهذه الجهة فإن الأكثر أهميّة هو ما كشفت عنه إسرائيل من تسلّمها طلباً رسمياً من النظام السوري يطلب فيه عدم التعرّض لدباباته لأنّها لن تستهدف الجيش الإسرائيلي, وإنما قوات الجيش الحر. ونِعمَ «المقاومة والممانعة» هذه!
فقد سيطر الجيش الحر على معبر القنيطرة ولم يكن من طريقة لاسترجاع المعبر سوى الالتفاف عليه من ناحية إسرائيل، وما لم يتوقعه مقاتلو المعارضة حصل. فقد قام النظام السوري بالتواصل مع الإسرائيليين للالتفاف على قوات المعارضة عبر التوغل في المنطقة الفاصلة والانقضاض من الخلف على قوات الجيش الحر المتمركزة على المعبر.
ليس هذا فقط، بل إن القوات الإسرائيلية دخلت بدورها إلى المنطقة العازلة, ولكن ليس للاشتباك مع قوات الأسد وإنما لتأمين ظهره ومؤخرته أثناء تلك المناورة! وبالفعل نجح التعاون بين النظام السوري والنظام الصهيوني في السيطرة على معبر القنيطرة من جديد، وعاد الأمن والسلام للطرفين «العدوين» هناك! وبالمناسبة هذه الأحداث جاءت بعد الخطابات «الناريّة» لحزب الله وأمينه العام حول مدى جدّية محور «الممانعة» في فتح جبهة الجولان!
حزب الله الذي أتحفنا أمينه العام بنظرياته التبريرية لغزو «قوات الولي الفقيه- فرع لبنان» للأراضي السورية, ومنها نظرية أن هذا الغزو هو لحماية ظهر «المقاومة»، تبين أيضا أن من يحمي «ظهره ومؤخرته» الآن هو إسرائيل نفسها!
أثناء المرحلة الثالثة من الهجوم على القصير خلال شهر مايو، أفادت معلومات عن سحب حزب الله لنخبته المقاتلة من الأماكن الاستراتيجية التي تنتشر فيها داخل لبنان, والدفع بها إلى جبهة القصير في إثر الخسائر الجسيمة التي مني بها مقاتلو النخبة من الجيل الجديد, الذين تمّ تجنيدهم بعد عام 2006.
وعندما نقل حزب الله لفوهة مدفعيته وبندقيته وراجماته وصواريخه من جبهة إسرائيل المفترضة ليزج بها باتجاه مواجهة الشعب السوري, الذي احتضن شيعته عام 2006، كشف ظهره لإسرائيل. وبدلا من أن يفترض المنطق قيام العدو الإسرائيلي باستغلال اللحظة التاريخية لتوجيه ضربة للحزب (العدو) أثناء انكشاف ظهره تقضي عليه، تلقى ثناءً ومباركة إسرائيلية على هذا العمل!
ولأن حزب الله ليس نظاماً فإنه لم يكن يستطيع إرسال رسالة رسمية إلى إسرائيل كما فعل النظام السوري أعلاه، ولكنه لم يعدم الوسيلة، فأرسل رسالة عبر الإعلام لكي تضمن إسرائيل حماية «ظهره» و «مؤخرته» أثناء هجومه على الشعب السوري. فقد أرسل الأمين العام حسن نصر الله رسالة إلى إسرائيل في خطابه الأخير أثناء الهجوم على القصير, مفادها «أننا نحارب التكفيريين هناك». هدفنا هم، أي أعداؤكم أيضاً, وليس أنتم!
المعلق الإسرائيلي «جاكي كوخي» كتب تقريرًا في صحيفة «معاريف» في 31/5/2013 أثناء هجوم حزب الله على القصير يقول فيه صراحة إن هناك التقاء مصالح غير معلن بين إسرائيل وحزب الله بشأن الموقف من نظام الأسد. ويقول ما نصّه: «ليس سرا أن إسرائيل تريد أن يبقى بشار الأسد، لكنها لا تستطيع الإعلان عن ذلك صراحة, لأن ذلك من شأنه أن يظهر أن هناك حلفا واحدا وتعاونا مع النظام السوري، وهذا سيضر به! التطور الأهم أن حزب الله يقاتل جنبا إلى جانب مع النظام السوري ضد الميليشيات السنيّة, التي هي جزء من المنظمات الجهاديّة... إنها لحظة نادرة لتطابق المصالح بين الحكومة الإسرائيلية والموقف العلني للتنظيم الشيعي في لبنان حول مستقبل النظام».
وقال مدير كليّة الإنسانيات في جامعة تل أبيب والباحث في مركز موشي دايان «إيال زيسر»: «عندما قام بوتن بزيارة لإسرائيل قبل بضعة أشهر قال للقيادة الإسرائيلية بصورة واضحة إنه يدافع عن بشار الأسد من أجلكم، يعني من مصلحة إسرائيل أن يبقى بشار الأسد في الحكم». وأضاف تعليقا على التهديدات التي تصدر بفتح جبهة الجولان والتهديدات ضد إسرائيل: «كل هذه التهديدات التي نسمعها من دمشق لا معنى لها، نحن نعرف أن بشار الأسد ملتزم التزاماً كاملاً بالحماية والهدوء على امتداد الحدود مع إسرائيل، وإذا حصل تصعيد فبإمكان إسرائيل إسقاط هذا النظام وهو يعرف ذلك تماماً». ونحن نعلم الآن من يحمي ظهر من بالضبط!
علي حسين باكير
المصدر: صحيفة العرب.