من خلال المعاني المذكورة نفهم ماذا تعني الحرية حين تطلق على الألسنة في كل ميدان في هذه الأيام ونقول: هي أن للإنسان أن يختار ما يشاء من سلوك في قول أو فعل أو اعتقاد، دون أن يرهب أحد من الخلق، أو يتأثر بضغط أو يمارس عليه إكراه طالما أن تصرفه ضمن قواعد وضوابط تحقق النبل والارتقاء، وتعود بالنفع على الفرد والمجتمعات
وفي المفهوم الاسلامي هي ما يميز الإنسان عن غيره، ويتمكن بها من ممارسة أفعاله وتصرفاته بإرادة واختيار، من غير قسر ولا إكراه، ولكن ضمن حدود معينة، أهمها تحقيق الصالح العام، وتجنب الإفساد، وإضرار الآخرين
ودعا الإسلام أيضا إلى حرية التعبير عن الرأي، ابتداء أو نقدا بناء، سواء في مجال تلمس الخير والمصلحة والصواب في قضايا الدين، أو من اجل رعاية مصالح المسلمين عامة
فهي حق الإنسان في اختيار عقيدته الدينية، ولقد قامت دعوة الإسلام على احترام هذه الحرية وصونها قولا وعملا، فكرا وممارسة، مدنيا في المعاملات، وقضائيا في مظلة المحاكم، حيث تحميها سلطة الدولة وتمنع أي واحد من تجاوزها، وليس لأي إنسان حاكم أو رعية استخدام القوة أو الإكراه في فرض العقيدة على أحد.
كل ما في الأمر أنه لا مانع من الحوار أو النقاش أو الدعوى إلى الدين الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدل بالتي هي أحسن، كما أن هذه الحرية مسؤولية، حيث يسأل كل إنسان أمام ربه عن نتيجة ممارسته، فإن أصاب الاعتقاد الصحيح نجا وإن تعثر وزاغ أو انحرف، وجب عليه تغيير معلوماته ومعارفه واستعمال وسائل معرفة جديدة لتبين وجه الحق والصواب فإن أصر على الخطأ وتأثر بعوامل البيئة وتقليد الآباء والأسلاف، كان مسؤولا عن خطئه
واخيراهناك ضوابط كثيرة لحرية الفكر في المفهوم الإسلامي لا لذاتها وإنما في جدواها، أهمها ما يأتي:
1. التزام مفهوم الحق بالمعيار الإلهي، ومقاومة الباطل، والتوصل إلى عقيدة التوحيد.
2. توجيه حرية الفكر في سبيل الانفتاح والتقدم وتحضر الأمة، وتصفية كل مظاهر التخلف والتفرق والشتات والضياع.
3. احترام ظاهرة الاختلاف في الرأي للتوصل إلى الصواب.
4. مواكبة كل ما تقتضيه متطلبات الحضارة الإنسانية في كل عصر وزمان.
5. التحذير من خشية الناس على حساب الحقيقة، وترك المجاهرة بالحق الخالد، لقوله صل الله عليه وسلم لمن سأله أو طلب منه: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول النبي صل الله عليه وسلم: "فإياي كنت أحق أن تخشى".
6. مراعاة مبدأ الإسلام الإصلاحي العظيم، وهو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
7. التأسي بالمنهج النبوي الثابت في الحق العام، وهو الأخذ بنظام الشوري، وسماع النصيحة في مناقشة الأمور الحساسة، ثم الأخذ بما هو خير ومصلحة.
8. إقرار حق النقد كما جاء في أول خطبة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد توليه الخلافة: "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني".
9. إفساح المجال لرأي المعارضة والإصغاء لأربابها، مع محاولة إقناعهم.
10. التوسط في حل المشكلات الطارئة غير المنصوص على حكمها في ضوء مقاصد الشريعة العامة، والانضباط بسياستها وحكمتها القائمة على الوسطية والاعتدال والرحمة وحب الخير لجميع الناس
تحياتي وشكري لصاحب الموضوع