المستقبل السياسي للمعارضة الخارجية للنظام السوري
لم تنته الأزمة السورية بعد، ولا يمكن الادعاء أنها ستنتهي خلال الأشهر القادمة، ولكن ما هو واضح أن نظام الحكم في سورية استطاع أن يتجاوز مرحلة صعبة من هذه الأزمة مع استعداده للسيطرة على الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية لقطع خطوات مهمة في المجال السياسي، وهذا الأمر ما تزال هناك إمكانية لتقويمه والسيطرة عليه من جانب الدولة السورية وذلك في حال أن المعارضة قبلت بالتخلي عن السلاح، فإن الحكومة السورية ستكون مستعدة لاستضافتهم في دمشق ومنحهم مجالا للدخول إلى الحياة السياسية في مجال السلطة.
ولعل السبب الذي أدى إلى صمود الحكومة السورية وبقائها متماسكة رغم شدة الضغوط والتهديدات المفروضة عليها، هو ما ذكرناه في المقدمة آنفاً، إلا أن المسألة المهمة والمصيرية لكثير من الجهات في المستقبل السياسي السوري، هي المستقبل السياسي للمعارضة لا سّيما المعارضة الخارجية التي تقدم نفسها على أنها أكثرية في الشارع السوري وذلك بمساندة من الأبواق الإعلامية العربية والأجنبية.
إن الخلافات العميقة بين المعارضين، كانت أحد العوامل المهمة لانتصار نظام الحكم في سورية وتغلبه على التمردات المسلحة والسيطرة على الوضع السياسي لمصلحته، ورغم كل مساعي تركيا والدول الغربية لتقويض الحل السياسي في سورية إلا أنها لم تستطع أن تثني القيادة السورية عن سعيها للمضي في مسيرة الإصلاحات.
المعارضة داخلية
ولا يخفى على أحد أن المعارضة في سورية تنقسم بصورة رئيسة إلى قسمين، الأول: معارضة داخلية، والثاني خارجية، حيث تطالب المعارضة الداخلية بالإصلاحات السياسية كما حصل في العام الماضي من تاريخ الأزمة السورية، من حيث مطالبهم بتعديل المادة الثامنة من الدستور، وتخلي حكم حزب البعث، فضلا عن مطالبهم بالنظام التعددي وحرية الصحافة ومعارضتهم لكل أشكال التدخل العسكري وحتى الحصول على السلاح، وقد حاولت قطر ومعها الأتراك في الخريف الماضي أن تجمع هذا التيار في مؤتمر المعارضة في اسطنبول، الذي يعرف عنه معارضته الشديدة لنظام حكم "بشار الأسد" آخذين بعين الاعتبار مواقفهم المتخذة في المجال من السلطة ومن الانتخابات القادمة. ولا يزال يتوقع أنه بمجرد خروج حزب البعث كحلقة أولى من السلطة في سورية، فإن هذا الحزب سيتحول مثله مثل بقية الأحزاب الأخرى وسيدخل في تحالفات ثنائية أو متعددة في انتخابات مجلس الشعب، وهذا ما حصل.
كما يعي المعارضون في الداخل عقلانية القوة السياسية والعسكرية للنظام وذلك بغية تغلبه على التمرد المسلح، هذا في حين أن الدولة السورية منحتهم مجالاً واسعاً للحركة وحتى إن بعض قادة المعارضة الداخلية اتجهت نحو دول حليفة لسورية كروسية وأوصلوا مطالبهم في التغيير إلى دمشق عن طريق الدولة الروسية.
المعارضة الخارجية
إلا أن التيار الآخر المعارض للحكم في سورية فهو المعارضة المتواجدة في الخارج، وهذه المجموعة من المعارضين تحتوي بعض التيارات الإسلامية المتطرفة وبقيادة ليبرالية! والجميع يعرف أن المعارضين المتواجدين في الخارج اليوم وتحديداً اسطنبول، ينشطون تحت مسمى "المجلس الوطني السوري"، كما أن الجيش المعروف بـ"الجيش السوري الحر" الذي يقوده متمردون خلال السنة الماضية الأخيرة لديه صلة وثيقة بالمجلس الوطني نظراً لكونه الذراع العسكرية للمجلس في الداخل السوري.
وفي المؤتمر الأخير المعروف بـ"أصدقاء سورية" الذي أقيم في اسطنبول، اتخذ قرار غريب للغاية من جانب الدول المشاركة فيه، تجلى من خلال الاعتراف الرسمي بهذا المجلس كممثل شرعي للشعب السوري، وهذا الخطأ الاستراتيجي في حال تم إقراره من جانب المعارضين في الخارج والذين يحملون السلاح، فإنه سيحولهم إلى معارضين ذوي أقلية في الشارع السوري، وهذا السلوك يحيلنا بالذاكرة تماماً إلى الأحداث التاريخية للثورة البلشفية عام 1917 في روسيا التي تعتبر نفسها أنها أكثرية رغم عددها القليل، وحتى في هذه الحالة فإنها تصادر مقدرة الأكثرية الأخرى بقوة الأقلية في ظل الدعاية الواسعة.
إن القرار الخارج عن العقلانية للمسؤولين المشاركين في مؤتمر اسطنبول في الاعتراف الرسمي للمجلس الوطني السوري بقيادة "برهان غليون" ولاعبين ناشطين من الأخوان المسلمين، رغم الأهداف الخفية الكثيرة التي تحملها، فإنها مع الوقت ستخرجهم من الساحة السياسية والاجتماعية السورية، بحيث إنه لن يكون هناك أمل في عودتهم إلى هذه الساحة.
لا شك أن المجلس الوطني السوري سيواجه مصيراً مثيراً للحزن ويمكن أن يشبه من حيث المصير، منظمة خلق(1) "المنافقين" الإيرانية، حيث يوجد تشابهات كبيرة بين المجلس الوطني السوري ومنظمة خلق من حيث مصيرها المحتوم المشابه لمصير المعارضة السورية من حيث حمل السلاح واللجوء إلى دول هي حاليا عدوة كـ"إسرائيل" وأمريكا، فضلا عن اتباع نهج الاغتيالات والقتل التي تعتبر لعبة بيد دول أخرى، إضافة إلى الحصول على المال والسلاح للنيل من قوى النخبة واغتيال العلماء وأساتذة الجامعة والضباط العاملين في القوى الجوية والأطباء، إضافة إلى العناد وعدم المرونة و.... وكل هذه الأمور ستأخذهم إلى مجال الصدام المعدوم كما حصل مع "منظمة المنافقين"، كل ما يقوم به المجلس الوطني وغيابه عن الساحة السياسية السورية فضلا عن الارتماء في الحضن التركي واستغلال اتساع الحدود بين البلدين، إضافة إلى قيامها بأعمال التفخيخ والاغتيال وإيجاد عدم الاستقرار الداخلي والتجسس وبيع الوطن هي نفس الطريقة التي كانت تتبعها منظمة خلق المعروفة بـ"المنافقين".
وإذا أراد المجلس الوطني السوري أن يتحرك طبقاً لهذا النهج، مع الأخذ بعين الاعتبار وضع سورية منذ مرحلة الأزمة إلى الاستقرار ومشاركة المعارضين الداخليين في مصيرها السياسي والاجتماعي، فإنهم سيفاجأون بعدو آخر لهم ممن يؤمنون معهم على الأقل في معارضة نظام الحكم السوري.
حوار شامل ولكن!!
إن نظام الأسد يسعى جاهداً لأن يحول دون أن يتجه نحو النفاق السياسي ويريد من المعارضين في الخارج بأن يتخلوا عن التعامل مع تركيا والسعودية وقطر، وأن يدخلوا في حوار شامل بحضور التيارات السياسية الأخرى، وبالطبع ليس من الواضح حتى الآن، أي أمل قد بقي للمعارضين السياسيين والمتمردين المسلحين في سورية كي يستمروا في أعمالهم التخريبية، وكأنهم منشغلون باللعب في الوقت الإضافي، وربما أنها لعبة انتهت وما زالوا يشغلون أذهانهم بها، تماماً مثل "مسعود رجوي" (2) لأن مهمة كوفي عنان في سورية بمنزلة إنهاء الحرب في هذا البلد، فمهمة عنان هي فقط أن يصل إلى توقيع اتفاق بين القوى العظمى والحكومة السورية وإلا فإنه لن يكون جاهزاً كشخص بأن يضحي بماء وجهه، وألا يصل إلى نتيجة مرضية بين جميع الأطراف، تماماً كما حدث في خطة قطر والسعودية في الجامعة العربية التي كان هدفها الأول والأخير الإطاحة بنظام الحكم في سورية.