تمرد النساء الآن !!! - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تمرد النساء الآن !!!

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-06-24, 20:23   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الفقيرة الى الله
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خرا أختي على الموضوع القيم









 


قديم 2012-06-25, 10:13   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الفرق الثالث
الفرق ما بين ترك الفتوى والسكوت عن الحق

لاشك أن الصحابة لم يسكتوا عن حق تعيّن، وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الفتوى طلبا للسلامة.
والفرق بينهما أن ترك الفتوى عند عدم التعين تعين الإفتاء فيها أن هذا يقتضيه الورع وهذا هدي السلف الصالح، أما إذا تعينت عليه بحيث إنه عنده علم وإذا تكلم في المسألة لم يفتِ فإنه يؤول المستفتي إلى الجهل أو يأخذ بالهوى أو بالرأي أو نحو ذلك أو يسأل من لا علم عنده، فحينئذ يلزمه أن يفتي لأنه تعينت عليه ذلك، أما السكوت عن الحق فإن هذا مرتبط بسعة الوقت ومرتبط بالإمكان والمصالح التي يراها والمفاسد، وبالجملة فإن كتمان العلم وتأخير البيان عن وقت الحاجة هذا سكوت عن الحق في وقته، وهذا يختلف عن الفتوى، فليس لأحد أن يسكت عن بيان الحق باللسان؛ بالأسلوب الشرعي الذي أمر الله جل وعلا به في كتابه وسنّه نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نحو قوله «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من تشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة في قصة عتق بريرة المعروفة.
المسألة السادسة
قواعد في هذا الأمر

أعني في الفتوى، القواعد كثيرة لكن نأخذ منها المهم بما يناسب المقام.
القاعدة الأولى: لا اجتهاد مع النص.
والعلماء نصوا على هذه القاعدة في كتبهم، وبينوا أن النص إذا ورد فإنه ليس للعالم أن يجتهد؛ لأن الله جل وعلا قد حكم فيها وحكم فيها نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه حينئذ لا قول لأحد بعد ورود قول الله جل وعلا أو قول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا تكلم ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، أو معالم الموقعين عن رب العالمين؛ يعني معالم عن طريق الإفتاء للذين يوقعون ويفتون عن رب العالمين تكلّم عنها بكلام طويل في هذا الكتاب.
ومن فروع هذه القاعدة أنه لا تجوز الفتوى على خلاف النص.
وهنا نجد أن هناك اجتهاد مع النص عند كثير من المنتسبين للعلم، والاجتهاد إذا ورد مع النص فله أحوال:
الحال الأولى: أن تكون المسألة المنصوص عليها هي عين المسألة المسؤول عنها، فهذه حينئذ لا يجوز الاجتهاد مع النص في ذلك.
مثلا هل المجلس فيه خيار؟ يعني إذا باع الإنسان بيعا، فهل له خيار المجلس، فهل يجتهد أم لا يجتهد؟ نقول هنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص فقال «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» هنا نأتي لهذا الحديث.
بتمثيل آخر بأن بعض العلماء اجتهدوا مع ورود النص فقالوا لا خيار في المجلس، لماذا؟ قالوا لأن قوله هنا (ما لم يتفرقا) ليس المقصود به التفرق في المجلس ولكن التفرق في القول بإمضاء المشتري شراءه وإمضاء البيع بيعه، وهذا مذهب الإمام مالك، رحمه الله تعالى حتى إن ابن أبي ذئب رحمه الله وكان بينه وبين الإمام مالك بعض ما يكون بين العلماء سئل عن هذه المسألة وقول مالك في إنكار مجلس الخيار والإمام مالك من هو، فقال: يستتاب مالك فإن تاب وإلا قتل. وهو الإمام مالك رحمه الله تعالى، هو لا يريد بهذا إلا أن يشنّع على الذين يريدون أن يخالفوا النص، لأن النص أعظم من شأن العالم، والعلماء عدوا هذه من أبي ذئب من عباراته التي لا تسلم له.
المقصود هنا أن الاجتهاد مع النص إذا كانت المسألة عين المسؤول عنها موجود في النص فلا يجوز الاجتهاد، أما إذا كان النص محتملا للاجتهاد فحينئذ يكون الاجتهاد ليس في المسألة وإنما الاجتهاد في فهم الدليل وهذا له بحث.
القاعدة الثانية: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
العلماء نصوا في قواعد هذا الباب على أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها.
وتتبع هذه القاعدة بقاعدة أخرى وهي: لا إنكار في مسائل الخلاف.
وهنا تحتاج هذه إلى شيء من التفصيل أما مسائل الاجتهاد فلا إنكار فيها بمعنى أن المسألة لم يرد فيها دليل من الكتاب أو السنة لم ينص فيها على شيء، ونزلت نازلة واجتهد العلماء فيها، فهنا لا ينكر على المجتهد في هذه المسألة، لا إنكار في مسائل الاجتهاد، أما مسائل الخلاف فمن أهل العلم من قال لا إنكار في مسائل الخلاف، وهذا ليس بجيد وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية وبين تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله أن هذا قول من لم يحقق.
أما أهل التحقيق والدراية بكلام أهل العلم بالفتوى والحكم والاجتهاد والخلاف العالي والنازل فإنهم يقولون لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
أما مسائل الخلاف فهي التي اختلف فيها العلماء، والعلماء اختلفوا في مسائل كثيرة جدا، المسائل المجمع عليها قليلة، أما المسائل المختلف فيها فهي بالألوف كما هو معلوم لمن يعلم الخلاف العالي فضلا على الخلاف النازل.
فهنا هل يقال لا إنكار في مسائل الخلاف نقول: المسألة فيها تفصيل الخلاف على نوعين:
خلاف قوي، وخلاف ضعيف.
أما الخلاف القوي: فهو ما كان المجتهد فيه أو ما كان قائل هذا القول له شبهة من الدليل؛ لكنه اجتهد في فهم الدليل، ولاجتهاده مساغ، فخالف فهذا نقول فيه خلاف قوي.
مثلا زكاة الحلي هل يجوز زكاة الحلي أم ما تجوز زكاة الحلي؟ واحد قال: ما أقول يزكون عن الحلي ما يكون. وآخر يقول: لا لابد يزكون الدليل فيها كذا.
هنا هذه المسألة الخلاف فيها قوي فبذلك لا إنكار فيها.
مسألة قراءة الفاتحة للمأموم وراء الإمام في الصلاة الجهرية واحد يقرأ والآخر لا يقرأ، هل نقول للذي لم يقرأ أعد صلاتك والقراءة في الفاتحة ركن على القول الآخر؟ نقول: لا، هذه من المسائل التي خلاف فيها قوي ولهذا لا إنكار فيها.
وهكذا في مسائل كثيرة.
النوع الثاني المسائل التي الخلاف فيها ضعيف: فيه خلاف ولكنه ضعيف.
من مثل المعازف، سِماع المعازف ولا تقل سَماع؛ سِماع المعازف يعني الإنصات إليها واستماع المعازف، فهذا هناك من قال من التابعين وممن بعدهم قالوا بجواز ذلك، وذهب إليه بعض المشهورين وابن حزم وجماعة وكَتَب بعض أهل العلم في نصرة هذا القول؛ لكن هذا القول وإن كان خلافيا؛ لكنه خلاف في معارضة الدليل، والأدلة واضحة في تحريم هذا الأمر، فحينئذ نقول الخلاف في هذه المسألة ليس قويا؛ بل هو خلاف ضعيف فيه إنكار.
ومنه كشف وجه المرأة السفور إذا كان يفضي إلى الفتنة، فإن العلماء أجمعوا إلا من شذ أن وجه المرأة إذا كان فيها جمال أو أنه يفضي إلى تعرّض الناس لها أو تعرض الفسقة لها أو التلذذ بهذا النظر، فإنه لا يجوز لها الكشف، هذا باتفاق أهل العلم، إلا من شذ فقال الأصل فيه أنه يجوز كشفه، فنقول هنا هذه المسألة لا يقال فيها لا إنكار في مسائل الخلاف؛ لأن الخلاف فيها ضعيف؛ لأن كشف الوجه إذا كان سيفضي إلى شهوة أو إلى فتنة أو إلى تعرض عليها، أو إلى من المفاسد فإنه حينئذ لا ينبغي أن يجعل الخلاف فيه قويا، أو أن الخلاف فيه معتبرا؛ بل يجب أن ينكر في مثل هذه المسائل لأنه يفضي إلى الفتنة.
من القواعد أيضا المهمة في باب الفتوى، هذه قاعدة كلية أجمع عليها العلماء: أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها.
الشريعة جاءت بتحصيل المصالح كل مصلحة في دين الناس أو في دنياهم فإن الشريعة جاءت بها وكل مفسدة في دين الناس أو في دنياهم فإن الشريعة جاءت بالنهي عنها، وأصول الشرع وكليات الشرع الخمس تعود إلى هذا سواء كانت هذه الكليات راجعة إلى الضروريات أو راجعة إلى الحاجيات أو راجعة إلى التحسينات كما هو التقسيم المعروف في هذا الباب.
فإذا كان كذلك، فإن الفتوى يجب أن تعمل هذه القاعدة، في أن الفتوى مرتبطة بأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح، فيكون المفتي إذا أفتى ينظر بأن الفتوى تحصل المصلحة وتدفع المفسدة.
مثلا هناك من يقول وهذا أحد الفتاوى الموجودة، وهذا يعظم إذا كانت الفتاوى في العقيدة، في عدم رؤية المصالح والمفاسد، أو كانت المسألة في أمر يترتب عليه أمر من الحدود أو كبيرة من الكبائر، قال قائل من أهل هذا الزمان في غير هذه البلاد: إن الرجل إذا وضع على ذكره عازلا يمنع الحبل فحينئذ يكون قد جامع المرأة بحائل، والعلماء نصوا على أن جِماع المرأة بحائل أنه لا حد فيه.
وهذا لاشك أنها فتوى أو حكم باطل؛ لأنه يفضي إلى مفاسد جاءت الشريعة بصدّها، مع أنه في مبناه ليس على فهم لكلام أهل العلم؛ يعني تفصيل الكلام في المسألة يطول؛ لكن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، فإذا قبل بهذا فإنه مع منافاته لحقيقة الزنا؛ لأن الزنا هو التلذذ بالجماع في الفرج وهذا حصل، فإنه أيضا يفضي إلى ما لا حد له منه المفاسد والاستحلال والعياذ بالله.
أيضا إذا كانت المسألة متعلقة بالعقائد، أو كانت المسألة متعلقة بعالم من أهل العلم في الفتوى في شأنه بأمر من الأمور، فإنه هنا يجب النظر فيما يؤول إليه الأمر من المصالح ودفع المفاسد، لهذا ترى أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى من وقت الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن أحد الأئمة المشهورين إلى وقت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى إذا كان الأمر متعلقا بإمام أو بعالم أو بمن له أثر في السنة فإنهم يتورعون ويبتعدون عن الدخول في ذلك.
مثاله الشيخ الصديق حسن خان القنوجي الهندي المعروف عند علمائنا له شأن ويقدرون كتابه الدين الخالص مع أنه نقد الدعوة في أكثر من كتاب له؛ لكن يغضون النظر عن ذلك ولا يصعدون هذا لأجل الانتفاع بأصل الشيء وهو تحقيق التوحيد ودرء الشرك.
المثال الثاني الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المعروف -صاحب كتاب سبل السلام غيره- له كتاب تطهير الاعتقاد وله جهود كبيرة في رد الناس للسنة والبعد عن التقليد المذموم والتعصب وعن البدع؛ لكنه زل في بعض المسائل، ومنها ما ينسب إليه في قصيدته المشهورة لما أثنى على الدعوة قيل إنه رجع عن قصيدته تلك بقصيدة أخرى يقول فيها:
رجعت عن القول الذي قد قلت في النجدي
ويعني به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويأخذ هذه القصيدة أرباب البدع وهي تنسب له وتنسب أيضا لابنه إبراهيم؛ وينشرونها على أن الصنعاني كان مؤيدا للدعوة لكنه رجع.
والشوكاني رحمه الله تعالى مقامه أيضا معروف، الشوكاني له اجتهاد خاطئ في التوسل، وله اجتهاد خاطئ في الصفات وتفسيره في بعض الآيات فيه تأويل، وله كلام في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس بجيد، أيضا في معاوية رَضِيَ اللهُ عنْهُ ليس بجيد؛ لكن العلماء لا يذكرون ذلك.
وألف الشيخ سليمان بن سحيمان كتابه تبرئة الشيخين الإمامين يعني بهما الإمام الصنعاني والإمام الشوكاني.
وهذا لماذا فعلوا ذلك؟ لأن الأصل الذي يبني عليه هؤلاء العلماء هو السنة، فهؤلاء ما خالفونا في أصل الاعتقاد، ولا خالفونا في التوحيد ولا خالفونا في نصرة السنة، ولا خالفونا في رد البدع، وإنما اجتهدوا فأخطؤوا في مسائل، والعالم لا يُتبع بزلته كما أنه لا يُتّبع في زلته هذه تترك ويسكت عنها، وينشر الحق وينشر من كلامه ما يؤيد به.
وعلماء السنة لما زلّ ابن خزيمة رحمه الله في مسألة الصورة كما هو معلوم ونفى إثبات الصورة لله جل وعلا رد عليه ابن تيمية رحمه بأكثر من مائة صفحة، ومع ذلك علماء السنة يقولون عن ابن خزيمة إنه إمام الأئمة، ولا يرضون أن أحدا يطعن في ابن خزيمة لأجل أن له كتاب التوحيد الذي ملأه بالدفاع عن توحيد الله رب العالمين وإثبات أنواع الكمالات له جل وعلا بأسمائه ونعوت جلاله جل جلاله وتقدست أسماؤه.
والذهبي رحمه في سير أعلام النبلاء قال: وزلّ ابن خزيمة في هذه المسألة.
فإذن هنا إذا وقع الزلل في مثل هذه المسائل، فما الموقف منها؟ الموقف أنه ينظر إلى موافقته لنا في أصل الدين، موافقته للسنة، نصرته للتوحيد، نشر العلم النافع، ودعوته للهدى، ونحو ذلك من الأصول العامة، وينصح في ذلك وربما رُدّ عليه؛ لكن لا يقدح فيه قدحا يلغيه تماما.
وعلى هذا كان منهج أئمة الدعوة في هذه المسائل كما هو معروف.
وقد حدثني فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله تعالى حينما ذكر قصيدة الصنعاني الأخيرة (رجعتُ عن القول الذي قلت في النجدي) التي يقال إنه رجع فيها، أو أنه كتبها قال: سألت شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عنها هل هي له أم ليست له؟ قال فقاتل لي الشيخ رحمه الله: الظاهر أنها له. والمشايخ مشايخنا يرجحون أنها له؛ ولكن لا يريدون أن يقال ذلك لأنه نصر السنة ورد البدعة. مع أنه هجم على الدعوة تكلم على هذه القصيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الشوكاني له قصيدة أرسلها للإمام سعود ينهاه فيها عن كثير من الأفعال من قتال ومن التوسع في البلاد ونحو ذلك فيه أشياء.
لكن مقامهم محفوظ لكن ما دلوا فيه لا يتابعون عليه وينهى عن متابعته فيه.
فإذن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وهذه القاعدة المتفق عليها لها أثر كبير؛ بل يجب أن يكون لها أثر كبير في فتوى المفتي وفي استفتاء المستفتي أيضا.
إذا نظرنا إلى أنّ الحكم عند الله جل وعلا واحد، ومع ذلك الخمر تأخّر تحريمها، والزنا تدرّج الرب جل وعلا في تحريمه؛ يعني في جملة أحكامه، فالخمر صار فيه تدرج مع أن الحكم عند الله جل وعلا أنه حرام، وأنه محرم في الإسلام؛ لكن لم يأت للناس دفعة واحدة؛ لأجل مراعات تحصيل المصالح ودرء المفاسد.
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل الكعبة قال لعائشة «لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم ولجعلت لها بابين» قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ (لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر) يريد به أنه لا تتحمل عقولهم أن تهدم الكعبة وأن يُعاد بناؤها مع أن إعادة بنائها على قواعد إبراهيم هي الأفضل، وهو إرجاع الأمر على ما هو عليه؛ لكنه ترك ذلك عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ رعاية للمصالح ودرءا للمفاسد وبوّب عليه البخاري رحمه الله بقوله وهو الفقيه الإمام: باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقع في أشد منه. يعني أن يكون هناك اختيار الإمام المفتي يُعلن أو لا يعلن، يقول يفتي أو لا يفتي، إذا خشي أن يقصر فهم الناس عن الفتوى أو أن لا ينزلوها على فهم المفتي، أو أن تحدث من الأضرار أكثر من مصلحة الفتوى، فإنه يترك الاختيار حتى لا تُحدث الفتوى ما تحدث.
واليوم تسمعون كيف أن بعض المفتين يتكلم في كل مسألة دون نظر، يأتي مستفتي من أمريكا يمكن بلد –أستغفر الله وأتوب إليه- لا تعرف نور الله جل وعلا الإسلام، ويسأل عن الهوى في بلد في الخليج الواقع مختلف والزمان مختلف والشخص مختلف والحال مختلفة، ويأتي المفتي ويفتي فتعلن الفتوى على الجميع.
والفتوى غير الحكم، الحكم هذا واحد لا يتغير؛ لكن الفتوى تتغير بتغير المكان والزمان.
ولهذا تجد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لما ذهب إلى مصر من بغداد رجع وفيه فقه الشافعي القديم وفيه الفقه الجديد، الحنفية لهم أيضا أقوال هؤلاء وهؤلاء، الإمام أحمد له في بعض المسائل أربع روايات في بعض المسائل خمس روايات، الفتوى تختلف الحكم واحد.
فإذن لا يقال إن كل فتوى هي حكم، الفتوى تتعلق بالشخص وتتعلق بالزمان وتتعلق بالمكان وتتعلق بالمصالح والمفاسد.
من أمثلة ذلك خذ مثلا لو أن سائلا سأل في بلد من بلاد الغرب في أي بلد مثلا، شاب هناك يريد أن يدرس: هل لي أن أتزوج امرأة وأنوي أني إذا انتهيت هذه المدة سنة أو ستة أشهر أني أطلقها؟ هل لي أن أفعل ذلك؟ فينظر المفتي إلى حاله فإذا به شاب وإذا به متدفق فإذا أغلقت به هذا الباب وإذا كان الاختيار عدم ذلك، فإنه قد يؤول إلى الزنا فلا شك أن هذا بالإجماع أخص، فيفتى هذا بما يناسبه في شخصه وزمانه ومكانه، فذهبت الصحف والمجلات فأعلنت الفتوى للناس جميعا.
فإذن صرنا في مشابهة للمتعة المحرمة بشكل أو بآخر، مع أن العلماء نصوا أن النية نية الطلاق في العقد غير مؤثرة؛ لكن الناس لا يفهمون من الفتوى لا يفهمون حدود ما يفهمه المفتي، ولهذا يجب أن يرعى المفتي المصالح ويدرأ المفاسد في جميع الاعتبارات في ذلك.
القواعدة الأخيرة ولا نريد أن نطيل في هذا الباب: الشريعة يسر.
كما ثبت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، وقد قال الله جل وعلا ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286] وقال جل وعلا ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾[الطلاق:7]، وقال جل وعلا ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾[الحج:78] ونحو ذلك من الآيات فالدين يسر هذه القاعدة حق لكنها استخدمت في غير الحق.
الدين يسر ما معناه؟ معناه أن تشريع الإسلام يسر في الأحكام، يعني ما نص الله جل وعلا عليه تشريع الصلاة تشريع الوضوء تشريع الصيام تشريع الزكاة، الزكاة اثنين ونصف في المائة هذا يسر، ما كلفنا عشرة أو عشرين في المائة من المال، يسر، الصيام شهر في السنة يسر، صلاة الجمعة مرة في الأسبوع، الصلوات خمس في اليوم وليس بالخمسين هذا يسر.
فإذن معنى القاعدة أن أحكام الشريعة مبنية على اليسر.
هنا الأمر الثاني أن المجتهد في المسائل التي لا نص فيها إذا صار هناك وجهان للقول فإنه ينبغي له أن يختار أيسرهما؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، أما إذا اتضحت له المسألة فليس له الخيار ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾[الأحزاب:36]، فإذا كان كذلك فهذه القاعدة أعملها السلف في شرح أحكام الإسلام وأعملها السلف في المسائل الاجتهادية، إذا نزلت نازلة نظروا هذه فيها تضييق وهذه فيها سعة اختاروا ما فيه سعة.
ولأنه من القواعد التي اختارها الشافعي رحمه الله تعالى ووافقه عليها جمع من أهل العلم أن الأمر في الشريعة إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق، معنى ذلك أن المجتهد ييسر في الأمر.
قد قال سفيان الثوري رحمه الله فيما ذكره عنه النووي وجماعة قال: ليس العلم بالتشديد وإنما العلم الرخصة تأتيك من فقيه. لماذا؟ هذه الكلمة استغلها بعضهم في أن التيسير والترخيص في كل شيء، وهذا ليس بجيد؛ لماذا؟ لأن التشديد يُحسنه كل أحد إذا اشتبه على الواحد شيء، أتركه ما يصلح لا تأتي هذا، هذا يحسنه كل أحد، والمرء قد يتورع في نفسه؛ لكن فيما يفتي به الناس ينبغي أن ينظر ما ينبغي شرعا وألا يشدد على الناس، في نفسه قد يختار الأشد تورعا أو بعدا؛ لكن فيما يفتي به الناس ييسر عليهم في المسائل الاجتهادية.
قال: وإنما العلم الرخصة تأتيك من فقيه. يعني أن الفقيه يعلم كتاب الله جل وعلا، ويعلم سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعلم كلام أهل العلم، فيعلم أن هذه الرخصة لا تخالف الكتاب ولا تخالف السنة ولا نخالف ما أجمع عليه أهل العلم، حينئذ التيسير فيه مدعاة.
فإذن التيسير أصل من أصول الشريعة في تشريعات الشريعة كلها يسر والشريعة شملت أحكامها كل ما يحتاجه المكلف فإذن هي اليسر في نفسها وإذا كان الأمر بالاجتهاد فإن المفتي ينبغي له أن يختار اليسر.
المسألة السابعة
ما يلزم المفتي أن يتصف به

لاشك إذا بينا هذه القواعد والأصول العامة، صفة المفتي ما هية؟ ما الذي يجب على المفتي أو ينبغي أن يتصف به؟
لم أجد أحسن من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين عن رب العالمين قال رحمه الله: قال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح عنه: ينبغي للرجل –هذا كلام إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد- ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا –وانظر إلى تعبير الإمام حمل نفسه على الفتيا يعني تجرأ وفعل وكان ينبغي له أن لا يحمل نفسه- ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن، عالما بالأسانيد الصحيحة، عالما بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقلة معرفتهم لصحيحها من سقيمها.
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه الفقيه والمتفقه وقد عقد أبوابا وفصولا في صفة المفتي والمستفتي والفتوى وهي فصول حسنة قال ما حاصله:
أول أوصاف المفتي أن يكون بالغا، هذا وصف عام لأنه حكم تكليفي فيلزم فيه البلوغ.
الثاني أن يكون عدلا ثقة، عدلا لا يأتي ما يؤخذ عليه في دينه بفسق أو كبيرة أو نحو ذلك، ثقة فيما ينقل عن الدين يتحرى لا يتجاسر لم يجرب عليه الكذب، لم يجرب عليه افتئات، لم يجرب نسبة أشياء إلى غير من تنسب إليهم، قال: لأن علماء المسلمين لم يختلفوا في أن الفاسق غير مقبول الفتوى في أحكام الدين، وإن كان بصيرا بها فإنه لا تقبل فتوى الفاسق.
الثالث أن يكون عالما بالأحكام الشرعية وعلمه بها يشتمل على معرفته بأصولها وفروعها، وأصول الأحكام في الشرع أربعة:
أحدها: العلم بكتاب الله تعالى.
الثاني: العلم بسنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثالث: العلم بأقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه ليتّبع ألأحكام وليجتهد بالرأي فيما فيه الاختلاف.
والرابع: العلم بالقياس الموجب ليرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها والمجمع عليها، حتى يجد المفتي طريقا للعلم بأحكام النوازل وتمييز الحق من الباطل، فهذا ما لا مندوحة للمفتي عنه ولا يجوز الإخلاف بشيء منه.
انتهى كلام الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى.
الوصف الخامس أن يعلم المفتي أحوال الناس وأهواءهم وأغراضهم؛ لأنه ربما توصل الناس بكلام المفتي إلى أغراضهم وأهوائهم وهؤلاء الناس قد يكونون من علية القوم وقد يكونون من أهل الأهواء على أي اختلاف، فالمفتي إذا لم يعلم الشأن فإنه قد تُسَمّى له الأمور بغير اسمها وقد توصف له الأمور بغير وصفها، فحينئذ إذا علم الأهواء وعلم ذلك فيجب عليه حينئذ الحذر مما تحدثه فتواه في الناس مما قد يكون من المفاسد التي يجب أن يصد عنها أن يترفّع عنها رعاية للدين وحفاظا على الكلمة.
وهذه الأهواء قد تكون في علاقة رجل بامرأته، وقد تكون في علاقة رجل مع تركة يراد أن تقسم ويسأل فيها، وقد تكون علاقة رجل بوصية في يده، وقد تكون علاقة الرجل بوقف، وقد تكون المرأة تسأل لشيء تصل به إلى غرض من أغراضها، وقد يكون الأمر أكبر من الوصول بالفتاوى إلى أشياء تغير في الأمة وتقلب في الأمة أشياء فحينئذ يجب الأمر أن يكون المفتي متثبتا متأنيا لا تصدر فتواه إلا بعد إيقان وإتقان ونظر في المصالح والمفاسد حتى لا تعوذ الفتوى على أصل الشريعة وقاعدة الشريعة بالإبطال وهي أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح ودرء المفاسد.
المبحث الثاني ما يلزم المستفتي أن يتصف به.
هذا المفتي في بعض الأشياء.
لكن المستفتي ما حاله؟
المستفتي ينبغي له وبعض العلماء يقول يجب عليه أن يطلب الأعلم الأتقى لله ليسأله، مرة أنا في الحرم في مكة قابلني شخص من الآفاق، قال: أنا أريد أستفتيك، فقلت له: تستفتيني لماذا اخترتني أنا بالضبط ليش بالضبط استفتي فلان، قال أخي باين، وأخبرته الناس ينظرون إلى وجه أهل الخير مثلا أو من ظاهره خير والله أعلم بسريرته وينظرون له ويقولون هذا طالب علم هذا شيخ.
بل قد رأينا في مجتمعاتنا والمجتمعات القريبة منا أن كل من ظاهره الالتزام يسمى شيخا، الشيخ فلان والشيخ فلان والشيخ فلان، كلمة شيخ لم تكن تطلق إلا على العالم المتبحر الشيخ فلان، والآن زادوا فضيلة الشيخ، شيء فيه زيادة وتبدّل في الألفاظ مما يجب حماية الشريعة فيه؛ لأنه إذا سمّى واحد فلان وسمى فضيلة الشيخ، معناه أنه أهل، لاشك فيجب أن نتأنى في الألفاظ وأن نصف الناس بما ينزلون به «أنزلوا الناس منازلهم» هذا حكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يثق المستفتي بظاهر المرء بل يبحث عن العالم الأعلم الأتقى لله؛ لأنه سيفتيه بما يجب عليه عند ربه جل وعلا، فإن قصّر في البحث أو في التحري فإنه يأثم لأنه ما تحرى الصواب في ذلك.
الصفة الثانية أن لا يُخفي شيئا من الحقيقة عن المفتي؛ لأن المفتي يفتي على نحو ما يسمع، فإذا أخفى بعض الحقيقة فإنه لا ينجيه هذا، فيجب عليه أن يذكر كل الحقيقة حتى تكون الفتوى مطابقة للاستفتاء، قد كان العلماء الأقدمون إذا جاءتهم الفتوى، إذا جاءهم الاستفتاء في ورقة كتبوا الفتوى تحتها مباشرة بكلام من طرف الصفحة لطرف الصفحة؛ يعني ما يبقون مجال لكلمة تضاف، رعاية لجانب أن يأتي صاحب هوى ويضيف كلمة أو يحذف كلمة.
الوصف الثالث أن يجل العالم؛ لأن بعض المستفتين يأتي بعبارة فيها فضاضة أو في وقت غير مناسب، أو أنه لا يصبر على العالم ونحو ذلك، فينبغي له أن يجل العالم أولا في صيغة السؤال.
وهنا نَقْل يقول الخطيب أيضا في الفقيه والمتفقه ما نصه: لا ينبغي للمستفتي إذا سأل المفتي أن يقول له ما يقول صاحبك، أو ما تحفظ في كذا؟ بل يقول ما تقول أيها الفقيه أو ما الفتوى في كذا.
يعني هذا من باب الأدب معه؛ لأن المفتي نفس بشرية، فأحيانا تكون صيغة السؤال غير جيدة، فلا ينشط لإعطاء الجواب كما ينبغي بما ينفع السائل، تعطي كلمات وجيزة السائل لا يستوعبها ويبني عليها ويكون مخطئا، وهنا ينبغي للمفتي أن يتأنى وأن يصبر على وعر الناس، وكذلك المستفتي ينبغي له أن يُجل العالم وأن يصبر عليه وأن يستفتي بأناة وهدوء.
من صفات المستفتي أن المستفتي لا يلزم أن يسأل على الدليل، بعض الناس ظن أن المستفتي يجب عليه أن يسأل على الدليل ويقول إن الدليل على ذلك قول الله جل وعلا ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾[النحل:44] فيقول اسألوهم بالبينات والزبر، وهذا تفسير مخالف لما عليه المفسرون، فإن المفسرون جعلوا الجار والمجرور في قوله ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ أن هذا راجع إلى أول الآية في تأييد كل نبي أوحى الله إليه بالبينات والزب. أما السؤال فإنما يلزم أن يسأل فإذا أجابه المفتي العالم بجواب يلزمه أن يأخذ به بطون أن يسأله عن الدليل.
وإذا نظرنا في المدونة للإمام مالك بن أنس أسئلة لمالك وأجوبة رجل كذا تجد أن أكثرها بل جلها بلا دليل.
مسائل الإمام أحمد تجد أن أكثرها أو جلها بلا دليل والمسائل المنقولة المعروفة عن أهل العلم أكثرها بلا دليل.
بهذا نقول إن المفتي يذكر الدليل هذا من باب الأفضلية إذا نشط لذلك وكان المستفتي يعي، أما إذا كان المستفتي لا يعي فإنه لا يذكر له الدليل.
الوصف الخامس ألا يكون للمستفتي غرض أو هوى في استفتائه، وإنما غرضه بيان الحق وزوال الجهل والشبهة ليلتزمه المستفتي ويبني عليه، هذه مسألة عظيمة في الناس، فإن الناس يستفتون عن أشياء لهم غرض فيها؛ بل قد قيل إن السائل الواحد يتصل بسبعة ثمانية عنده أرقام المشايخ يتصل بهذا وهذا وهذا في نفس المسألة، وإذا أحرجته في السؤال قال أما سألت فلان وقال لي كذا، أولا أشغلت المشايخ والوقت قصير والواجبات كثيرة جدا جدا جدا أكثر من الأوقات، والآن الواحد يستغفر الله جل وعلا عن ضعف الوقت لأداء الواجب.
الثاني فالذي ينبغي لك أن تجتهد في البحث عن الأعلم والأفقه وتسأله ويلزمك أن تأخذ الفتوى عنه، أما أن تسأل سبعة ثمانية فهذا لا ينبغي في ذلك.
ولهذا أقول ينبغي للذين يجيبون عن الأسئلة في الإفتاء في الاستفتاءات أن يأخذوا الحيطة والحذر، فكثير من المستفتين يسجّل الكلام، وربما يكون المفتي أو يكون المجيب على السؤال ربما يكون في حال لا يحب أن يجيب عليها، أو ربما يكون ما تثبت من المسألة وظن أنها لن تتعدى هذا، وضعف ورعه أن يقول لا أدري، فتسجل عليه كما سمعت من تسجيلٍ على بعض طلبة العلم سجِّل له بكلام غلط بالاتفاق وغلط فيه وزل فيه خالف فيه لكن ذاك سجل سينقلها، حينئذ يقع الزلة والزلة.
ومن واجب المستفتي ولا يحل له أن يسجل كلام عالم دون إذنه لأن كلام العالم هذا في تسجيله ينبني عليه ما دونه غرق الأساس هذه تبعة للدبين وللمستقبل فكل من أراد أن يسجل فليخبر المفتي أو من سـأل أنا أريد أن أسجل الفتوى، فإن أذن وإلا فلا يجوز له أن يخدعه؛ لأن المفتي ينظر إلى أن هذا الجواب لواحد لكن إذا سجل صار لمئات.
وأنا اختبرت بعض الناس في ذلك فكان الأكثرون يقولون نعم عندنا تسجيل، وخاصة في الأزمة التي مرت أزمة الخليج وما تبعها، فكان أكثر من يتصل يكون معه تسجيل، أسأله معك تسجيل يقول نعم، ليش ما أخيرت؟ وهل المصلحة ضرب الأمة بعها ببعض وتكثير الأقوال؟ تكثير الفتاوى؟ لا، المصلحة في الائتلاف والاجتماع، والفرقة هي نصيب الشيطان من هذه الأمة.
الحقيقة المسائل كثيرة ومتعددة من المسائل هذه المسألة التاسعة
مراتب الفتوى

مراتب الفتوى فيها مباحث الفتوى.
تارة تكون صريحة وتارة تكون تلميحا، فما كان صريحا هذا لا إشكال فيه، وما كان فيه تلميح أو فيه كناية فإنه يلزم فيه الإيضاح والسؤال.
ومن حيث الصحة وعدمها الفتوى يقال عنها صحيحة إذا وفقت الدليل أو وافقت قواعد الشرع ترتب عليها تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ويقال لها فاسدة أو باطلة إذا كانت مصادمة لنص من الكتاب أو من السنة.
ننتقل إلى آخر البحث لأن الوقت ربما يقصر بنا.
في آخر بحث بنا:
طرق مسايرة الفتوى للهوى

يعني ما هي الطرق التي يخشى منها ليكون الهوى مأثرا على الفتوى.
أولها تتبع الرخص واستدامة ذلك، فإن تتبع الرخص من العالم والرغبة في أن يرخص ويرخص ويرخص في أي قول يجده، هذا شاع في فتوى بعض الناس في هذا الزمن، هذا ليس بطريق، أنه يبحث عن الرخصة كيفما كان، ويفتي بها الذي ينبغي؛ بل الذي يجب عليه أن يتحرى الحق وأن يفتي بما يرى أنه الصواب في هذه المسألة.
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات ما نصه: فإذا اعتاد الترخّص صار كل عزيمة في يده كالشاقة منها. وهذا ظاهر وقد وقع المتوقع في أصول كلية وفي فروع جزئية كمسألة الأخذ بالهوى في اختلاف أقوال العلماء، ومسألة الإطلاق بالجواز عند اختلافهم بالمنع والجواز. وقال أيضا: تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى.
الطريق الثاني إعمال الحيل المذمومة، فتجد أنه يجد حيلة للتخلص من الحكم الشرعي، والحيل ذم الله جل وعلا عليها اليهود ولعنهم بذلك؛ لأنهم استحلوا محارم الله بأدنى الحيل، وضابط الحيل المذمومة ما قاله الشوكاني في السيل الجرار قال: كل حيلة تنصب لإسقاط ما أوجبه الله أو تحليل ما حرّمه الله فهي باطلة. لا يحل لمسلم أن يفعلها ولا يجوز تقرير فاعلها عليها ويجب الإنكار عليه.
أما إذا كانت الحيلة لا تنصب لإسقاط حكم شرعي؛ فإن بعض العلماء رخص في الحيل وسمّى بعضهم بعض الحيل حيلا شرعية، نسبها للشرع، ولا يصح أن تسمى حيلا حينئذ؛ بل يقال رخص في أنه يسلك طريقا للخروج من الإثم والإلزام بوجه من أوجه الشرع، هذا لا يسمى حيلة بل أخذ بطريق من الطرق.
لكن الحيل المذمومة كما ذكرنا هي ما نُصب من الحيل لإسقاط واجب أو تحليل محرم، يذهب يحتال على الربا بالعينة، يقول لك أنا أبيعك هذا القماش أو أكياس الأرز أنا بعت إياها الكيس بمائة وعشرين واشتريتها منك الكيس بمائة، يعطيه مائة ومائة وعشرين مؤجلة بعتك بمائة وعشرين بعد سنة، خلاص حط يدك عليها حط يده عليها استلمتها قال استلمتها فقال أنا أشتريها منك الكيس بمائة، خلاص اشتريتها ويذهب يعطيه الأكياس لها مدة طويلة مثل ما هو معلوم، هذا احتيال بيع العينة والعينة محرمة في أنها احتيال على الربا.
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: إن اتباع الهوى في الأحكام الشرعية مظنة لأن يحتال بها على أغراضه، فتصير كالآلة المعدة لاقتناص أغراضه، ويكون كالمرائي يتخذ الأعمال الصالحة سلما لما في أيدي الناس وبيان هذا ظاهر.
السبب الثالث من أسباب اتباع الهوى في الفتوى حب استدامة الرئاسة والإمارة، وهذا أمر خطير لأنه ما أحد يعلم الشرع ويعرف أن الشرع يوافق أهواء الناس، الشرع لا يوافق أهواء الناس، الشرع حكم على الناس تارة يكون الشرع فيما يختاره الناس، وتارة يكون ما يضاد الناس في أفعالهم، فإذا كان هذا الذي يفتي يريد استدامة الرئاسة ورضى الناس عنه ومحبتهم له وتوجيه وجوه الناس إليه، فإنه يقول لهم ما يرضيهم، يقول للناس ما يرضيهم يخشى أن ينصرفوا عنه.
نزيد بالمناسبة أو يقول في المحاضرة ما يرضيهم ولا يبين لهم حكم الله جل وعلا وبيان الحق الواضح فحينئذ يقع في الغلط.
نعم ليس كل حق يعلم يلزم بيانه في كل زمان ومكان؛ لكن يجب على المرء أن لا ينطق بباطل، وأن لا ينسب للشريعة ما ليس منها بهذا نقول ما قاله ابن حزم في ذلك، قال: إن الذي ينحرف في الفتوى ويتبع هواه، يفتي بما يتفق له مستديما لرياسة أو لكسب مال، وهذا واقع يفتي بما اتفق ما يحرف المسألة، كلام رجال ما يخالف سهل، اعمل ما تريد، الرخصة تأتيك من فقيه هذا محمود يتحرى ويرخص ما في الشرع، والشرع ولله الحمد لم يأتي بما يشق على الناس لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
السبب الرابع اتباع الآباء في أصل الدين أو اتباع ما عليه المجتمع أو البلد، وجعل هذا مرجعا يرجع إليهم دون غيرهم.
السبب السادس التقليد المذموم والتعصب للمذاهب لأن المتعصبة يزعمون أن إمامهم -يعني غلاة المتعصبة- أن قول إمامهم في الشريعة يلزم الأخذ بها، ويأنفون أن يُنسب الصواب إلى أحد من العلماء من ممن يخالف هذا المذهب.
أيضا مما يقال في هذا أنّ من طرق دخول الهوى في الفتوى تقديم العقل على ما دل عليه الشرع في الفتوى نصا أو استنباطا أما النص فيأتي يقول لا يحسن الأخذ بهذا الحديث، هذا الحديث لا يناسب هذا الزمان، أو هذه السنة صالحة للصحابة للبدو، صالحة لزمان ما؛ لكن لا تصلح لزماننا، هذا التعبير ليس تعبير عالم، ليس تعبير متحرٍّ للحق في مثل هذا.
لكن قد يأتي العالم ويقول إن هذه السنة مثلا أو الفتوى هذا الدليل يترتب عليه مفسدة لو عمل به فإنه يؤخذ بالمصلحة في ذلك؛ لأن المصلحة دلت عليها الشريعة مثل ما قالها ابن تيمية في مسائل وقالها الإمام أحمد في مسائل ونحو ذلك.
ويدخل في هذا مسألة التحسين والتقبيح العقلي ومرجع الحكم على الدليل والاستنباط منه إلى العقل؛ بل زاد الأمر في بعض المنحرفة في هذا الباب إلى أن قالوا إنّ أصول الاستنباط للفتوى وللفقه التي قررها العلماء في أصول الفقه يجب أن تغيَّر إلى أصول فقه جديدة تناسب العصر، فلا نقول مثلا إنّ الدليل الكتاب والسنة والإجماع والقياس وكذا، نقترب لا نقول إن الأمر يدل على الوجوب؛ بل نفصل لا نقول إن الأصل في الأمر الوجوب، لا نقول إن الأمر لابد أن يكون إما للوجوب أو للاستحباب أو الإباحة، إذا كان بعد نهي ونحو ذلك على ما هو معلوم وتفصيل الكلام في هذا، يريدون أصول فقه جديدة، وإذا قننوها صار الاستنباط من الدليل على وفق أصول محرفة، وهذا أشد في الانحراف في الشريعة وتحكيم للهوى لا في فهم الدليل؛ ولكن في أصل الاستنباط من الدليل، وهذا أمر خطير للغاية لأثره على الأمة.
على كل حال لعل فيما ذكر كفاية، وهذا الموضوع مهم.
وأرجو أن يستزاد من البحث فيه وأن نتقي الله جل وعلا في ذلك، وأوجه الخطاب في ذلك إلى نفسي المقصرة أولا، وإلى كل أخ يخاف الله جل وعلا ويتقيه، ويرجو أن يخفف عنه الحساب في ذلك أن يتقي الله في الفتوى، أن يتقي الله في الفتوى، وأن لا يقول في مسألة إلا بعلم، وقد كان جمع من السلف يهربون إذا اجتمع إليهم أربعون، إذا اجتمع إليه أربعون رأى الناس كثير هرب، ليقولوا عنه ما يقولوا؛ لكن الرياسة والتصدر لكل مجال هذا أمر ليس بالسهل؛ فينبغي على الجميع الخوف من الله جل وعلا والتحري في ذلك واحترام أهل العلم ومحبة أهل السنة والائتلاف وعدم الاختلاف وتحري الحق حيثما كان العبد، وسؤال الله جل وعلا دائما بدعوة العلماء: اللهم إما نعوذ بك أن نزل أو نزل أو نضل أو نضل أو نجهل أو يجهل علينا أو نظلم أو نظلم، اللهم فأجب، نسألك اللهم أن تغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.
اللهم لا تجعل في قلوبنا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
اللهم أوسع رحمتك وأمطر شعابيب عفوك وجودك وإحسانك وقدسك ورحمتك على أئمتنا الماضين.
اللهم بارك في علمائنا الحاليين وسددهم في أقوالهم وفي أعمالهم، وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويُنطق فيه بالحق ويعافي فيه أهل المعصية إنك على كل شيء قدير.
نسألك اللهم أن توفق ولاة أمورنا لما فيه الرشد والسداد، وأن تجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى، ونعوذ بك اللهم من التعاون على الإثم والعدوان.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

منقول من مكتبة الشيخ .










قديم 2012-06-25, 11:20   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ناصر العلم
عضو فضي
 
الصورة الرمزية ناصر العلم
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال: ما حكم «الزغاريد»؟

الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالزغاريد تعبيرٌ عن الفرحة، لا يخرج عن جملة الغناء المباح في النكاح والعيد، ويجب أن يُقتصر على النساء فقط، ولا يجوز أن يَتَعَدَّى هذا الصوتُ إلى غيرِهنّ.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
فتوى من موقعه

الشيخ محمد علي فركوس










قديم 2012-06-27, 14:34   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
moh140
عضو متألق
 
إحصائية العضو










افتراضي

الله المستعان










قديم 2012-06-27, 18:07   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
محب السلف الصالح
عضو فضي
 
الصورة الرمزية محب السلف الصالح
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2012-06-27, 18:30   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عياد محمد العربي مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
وفيك بارك الله اخي عياد









قديم 2012-06-27, 18:56   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
hocine2007347
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hocine2007347
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اخيتي وجعلك نبراسا للسنة اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه
اسال اللهان يرزقك غلاما يعيد للامة قدسها










قديم 2012-06-27, 18:59   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
لزرق
خبير الشؤون الإدارية في منتدى انشغالات الأسرة التربوية
 
الصورة الرمزية لزرق
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










افتراضي

كلام النبي صلى الله عليه وسلم شامل وجامع ومانع ومازلنا نستشف من احاديثه العبر ونستخرج منها الأحكام ولا أظن أن ما طرحته أنت ينحصر فيه فقط
أليس عيبا عليك ان تصفيني بالأحمق وبعدما أرد لك الكرة تهبين وتستنجدين بفتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله
والله لئن هذا الشيخ رحمة الله عليه لا يمت لكم بصلة
كان اولى منك أن تقرئي فتاويه هل يجوز نعت الناس بأقبح الصفات
وهذا يدل على صغر عقلك وتفاهتك وأنك لست شيئا سوى آلة ناسخة تنقل ما ترى
رب حامل لفقه لمن هو أفقه منه
عيبكم أنكم لا تحاولون فهم ما تقرؤون بل تتلقون كل شيء دون تمحيص بل تنظر إلى الأشخاص فقط وكأنمنا فتنتم بهم؟ ونسيتم ان هؤلاء المشايخ بشر يخطئون ويصيبون وله الأجر والأجران
وأنت تقيمون هذا اللغط في هذا المنتدى صدقوني لن يسمع بكم احد خارج هذا الفضاء الإفتراضي










قديم 2012-06-29, 08:49   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
hero04dz
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أختي على هذه المواضيع القيمة جزاك الله كل الخير









قديم 2012-06-29, 09:14   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hero04dz مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أختي على هذه المواضيع القيمة جزاك الله كل الخير
وفيك بارك الله شكرا لك









قديم 2012-06-29, 10:11   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
وجدان الخواطر~
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية وجدان الخواطر~
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

موضووع قمة في التميز
و فيما يخص مصافحة الزميل لزميله اصبحت عندنا كأنه الذي لايصافح معقد و متشدد و...الخ

ربي يهدينا وخلاص
وجزاااااااك الله خيرااااااااااااااا










قديم 2012-06-29, 14:53   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

(عنوان1الـحـرب الـبـاردة عـلـى الـمـرأة الـمـسـلـمـة )

(عنوان3 تأليف)

(عنوان2 الشيخ بدر بن علي العتيبي
)

بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أمّا بعد :


فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .


{
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون } .

{
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }

{
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} .

فنحمد الله الذي أتم لنا الدين القويم ، كما قال تعالى : { اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ، وكان ذلك بإنزال كتابه الكريم ، الذي وصفه الله بأنه { تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } ، فبه يستبين الحق ، ومن سلكه اهتدى ، ومن اهتدى به فهو مرحوم من الشقاوة ، والبشارة له من ثم بعاقبة من كان دليله القران ، وهي سعادة الدارين .

وكذلك أتم الله لنا الدين بإرسال رسوله الكريم ، كما قال تعالى {
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } .

روى الحاكم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلاّ قد أمرتكم به ، ولا عمل يقربكم إلى النار إلاّ قد نهيتكم عنه )) الحديث .

وروى الطبراني عن أبي ذرٍ رضي الله عنه : (
تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه في الهواء إلاّ وهو يذكر لنا منه علما ) فما من خير إلا ودلنا عليه ، وما من شر إلاّ وحذرنا منه .

فشمل ديننا الحنيف جميع جوانب الحياة ، ما دقّ منها وما جلّ ، كيف لا وهو الدين الذي علمنا بآداب الأكل والشرب بل وقضاء الحاجة ، فكيف يغفل ما هو أكبر من ذلك وأهم من مسائل الدين والدنيا ، من جميع الشئون الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وجميع شئون الناس على تباين واختلاف أجناسهم من ذكر وأنثى ، ودياناتهم من مسلم وكافر ، وألوانهم من أبيض وأسود ، وأعمارهم من صغير وكبير ، ولغاتهم من عربي وعجمي .


فنحمد الله على هذه النعم السابغة ، التي كاد بنا من أجلها أعداء الدين ، ولا تزال مكائدهم تتوالى من عهد الأنبياء والمرسلين إلى هذا الزمان الغريب !! .


فالإسلام في هذه الأزمان تنتابه حرب شعواء شرسة طاحنة من أعدائه !!، من كل جهة !! ، مع الخور والضعف المستشري بين المسلمين في الدين والاقتصاد والسياسة .


ومن أخطر أساليب الحروب : الحروب الفكرية إذ أن الحروب العسكرية البدنية تفسد الأرض ابتداءاً والناس تبعاً ، وأمّا الحروب الفكرية الدينية فهي تفسد الناس ابتداءاً والأرض تبعاً !! ، وهذه أخطر ، وخاصة إذا كانت هذه الحرب تدور داخل حصون المسلمين ، ونبال الأعداء تنطلق من وراء ظهورهم من حيث يأمنون !! ، فجدّ أعداء الدين في زعزعة كثير من الثوابت الدينية في العقائد والعبادات والأخلاق بأسلحة شتى مدمرة ، فتارة بسلاح التشكيك وعدم ثبوت النصوص أو عدم الدلالة أو عدم الحجية !! ، وتارة بالتحريف للكلم عن مواضعة ، وتارة بدعوى أن المسألة خلافية والرأي فيها مفتوح للناظرين !! ، فيسقط جدار هذا الدين حجراً حجرا ، وزاوية زاوية والناس في غفلة ساهون ، فكم من أمرٍ قطعي الوجوب أو قطعي التحريم عند المسلمين من قديم الزمان لا يقبلون فيه المساومة والنقاش أصبح اليوم على موائد الصحف والقنوات الفضائية فاكهة الأخذ والرد والمخالفة وإبداء الرأي والرأي الآخر !! ومن عظيم تلك الثوابت (1) التي أخذت أسلحة ( الدمار الشامل الفكرية ) تنقض عليها هي ( قضية حقوق المرأة في الإسلام )، فقبل عقود قلائل مضت كنا لا نساوم ولا نقبل الكلام فيها ولا حولها !! ، والآن صارت محل انسلاخ كثير من الأقلام من حبر الحياء والحشمة من الدعوة إلى التبرج والسفور تحت شعار إرجاع الحقوق المسلوبة إلى المرأة !! ومساواتها بالرجل، وكأن الإسلام معتدٍ على حقوقها عندما جعل نصف شهادتها بنصف شهادة الرجل ، وإرثها نصف إرث الرجل ، وأمرها بالقرار في البيوت ، والحجاب ... و .. و .. الخ .


فثارت ثوائر الدعاة إلى خروج المرأة وتمثيلها وقيادتها للسيارات وتوليها للمناصب السياسية ولعبها للرياضة في الأندية والمدارس والشوارع !! ، وهذه والله زفرات شر يخشى علينا منها من الهلاك كما قال الله تعالى ذكره : {
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليه القول فدمرناها تدميرا} .

إننا نحزن كثيراً لما يجري على إخواننا المسلمين المنكوبين في مشارق الأرض ومغاربها وما ينهال عليهم من مكائد الأعداء ، من تشريدٍ ، واغتصابٍ ، وسلبٍ ، ونهبٍ ، وقتلِ ، ولكنهم في حقيقة الحال موقفهم أوضح وأهون من موقفنا اليوم حيث صرنا تحت وطأة : ( الحرب الباردة ) ، فحروب إخواننا تتلف الأجساد وتكون أرواحهم نقية نزيهة ، وهذه ( الحرب الباردة ) تبقي الأجساد ولكن بأرواح ممسوخة منحرفة ، فهذه ( الحرب الباردة ) هي التي سلك فيها خصوم الأنبياء والمرسلين والدعاة المصلحين مسلك المنافقين بالكيد والخديعة وإتقان أساليب المراوغة والتشكيك في الأصول ، ولو أن امرأة صنعت كما صنعت صفية زوجة الخائب سعد زغلول من نزعها الحجاب مع جموع المتهتكات أمثالها أمام قصر النيل بمصر في الميدان الذي سمّي لاحقاً بـ ( ميدان التحرير ) وأحرقت الحجاب هي وصويحيباتها وجعلنه تحت الأقدام كما يصنع اليوم بعلم إسرائيل في ذلك الميدان وغيره! (2) ، أقول لو أن امرأة بيننا اليوم رامت أن تصنع شيئاً من ذلك لقوبلت بقذائف النكير والسب ، والمعارضة والشجب .


ولكنهم اليوم سلكوا مسلك قائدهم الأول إبليس اللعين الذي قال الله تعالى محذراً منه : {
ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين } ، وقال في سورة النور : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } الآية ، فوقع التحذير من خطوات الشيطان قبل شخصه لأنه لا يستجيز أحد من سائر بني آدم على كافة مللهم وأديانهم أن يشرف بتبعية الشيطان ، ولكن خطواته يستهين بها المرء حتى يقع في الجرم الأكبر .

روى الإمام أحمد والطبراني من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل يجئ بالعود والرجل يجئ بالعود ، حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا ناراً فأنضجوا ما فيها )) .

ولهذا لا نعجب أن عامة الأفكار المنحرفة التي تتدفق من كل حدب وصوب اليوم تروج بأيدي من نشأ بين أظهرنا ويتكلم بألسنتنا (3) .


ومن حكمة الشارع وسماحة الشريعة أنه إذا حرم علينا عمل من الأعمال حرم علينا ما يوصل إليه أو كره لنا ذلك ، كما قال تعالى : {
ولا تقربوا الزنى } ، فحذر من جناب الحمى قبل الوقوع فيه ، فكل ما يقرّب للزنى من اختلاط وسفور وتبرج وغناء وصور ... و .. ، حذّر منه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقد روى الإمام أحمد والحاكم وأبو نصر في " السنة " من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((
ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ، وعلى جنبي الصراط سور فيه أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داعٍ يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتعوجوا ، وداعٍ يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد فتح شي من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه ، فالصراط الإسلام ، والستور حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم )) .

وروى الشيخان من حديث عقبة بن نافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((
إيّاكم والدخول على النساء )) .

ودعاة التبرج والسفور اليوم ومن يتابع كتاباتهم ( اليومية !! ) ، يرى منهم هذا المسلك الشيطاني العجيب ، فتارة تكتب ( مصممة أزياء وطنية !! ) في بعض الصحف أن العباءة السوداء منظر حزن وكآبة للمرأة ، وأن لديها ( موضات وموديلات !! ) بألوان زاهية ( ساترة !! ) تناسب كل مناسبة ، وأخرى تقول إن المرأة ( بيننا !! ) مقيدة بـ ( قيد حديدي أسود !! ) تعني الحجاب ، ويكتب آخر مخاطباً صديقاً له بقوله ( بايعني !! (4) ، على أن نفتح أكثر من ملفٍ في حق المرأة حتى إذا منعنا من البعض يرضخ المجتمع ببعض ما نطالب ) ، ويوصيه بأن لا يكثر الجدال في مسالة واحدة من هذه المسائل وليكثر من فتح الملفات حول : ( حقوق المرأة المسلوبة !! ) بزعمه ، ويقول في آخر مقاله المنحط المتهافت : ( مدّ يدك وبايعني على أن نطرح في الساحة النقاش حول موضوع جديد وهو : فتح أندية رياضية نسائية !! )(5) .


كما قد فتحوا من قبل : ملف كشف وجه المرأة ، وقيادة المرأة للسيارة ، وتمثيل المرأة ، وتوليها المناصب الوزارية ، ومقاعد الشورى ، ودراستها في الخارج بغير محرم ، وإباحة الغناء سافرة أمام الجماهير !! ، وفتح باب التعارف والتهاني والتهادي بين الأصدقاء والصديقات عبر المراسلات والإذاعات والإنترنت !! ، وإباحة الاختلاط في مقاعد الدراسة والعمل بين الجنسين ، كل هذه المطالب عندما يفجرها هؤلاء في مقدم هذه ( الحرب الباردة ) ، لكي تخف العزائم عن صدّها كلها فنحتضن بعضها وبهذا يحقق هؤلاء انتصاراً منشودا ولو بالبعض !! ، وهكذا القذائف تنهال دواليك .


ولو أن جهود الدعاة المخلصين تفانت عند بزوغ هذه الفتن ، وشمّروا سواعد الجد والجهاد بالحجة والبيان ، والاستعانة بسلطة السلطان الشرعية ، وقمعوا هؤلاء المنحلين ، لما تجرءوا على أي مطلب آخر من مطالبهم ، وما أحسن ما سمعته من بعض إخواننا في البلاد العربية المجاورة مثلاً يُستشهدُ به عندهم يقول : ( اصرخ إذا سُرقت البيضة تسلم لك الدجاجة !! ) ، ومعناه : لو أن صاحب الدجاجة إذا سرقت من عنده البيضة سكت وتهاون بها لتجرأ اللص على العود مرة أخرى للسرقة وربما تكون هذه المرة أكبر وتكون الدجاجة !! ، ولكن عندما يصرخ الصراخ الشديد ، ويقيم الدنيا ولا يقعدها عند سرقة البيضة منه ، يهاب هذا اللص من العود مرة أخرى ، ( ويسترجع !! ) ولسان حاله يقول خائفاً : (هذا فعله في البيضة فكيف لو سرقت الدجاجة !! ) .


وأفضل من هذا المثل ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((
مثل القائم في حدود الله ، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن اخذوا على أيديهم نجوا ، ونجوا جميعاَ )) رواه البخاري والترمذي من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .

فكان الحقيق بكل مسلم ومسلمة على شتى طبقاتهم إذا علموا وجه المنكر أن ينكروه ويجابهوه ، ويجابهوا دعاة التبرج والسفور فلا يخرج أحدهم من عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ((
من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) الحديث رواه مسلم.

روى محمد بن نصر في " السنة " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا : ((
كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام ، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك )) .

ثم روى عن الحسن بن صالح بن حي قال : ( إنما المسلمون على الإسلام بمنزلة الحصن فإذا أحدث المسلم حدثاً ثغر في الإسلام من قبله ، فإن أحدث المسلمون كلهم فاثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله بالأمر الذي أراده لخلقه لا يؤتى الإسلام من قبلك ) .


وفي مثل هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ((
لا يحقرن أحدكم نفسه !! ، قالوا : يا رسول الله وكيف يحقر أحدنا نفسه ؟! ، قال : يرى أن عليه مقالاً ثم لا يقول فيه ، فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ ، فيقول : خشية الناس ! ، فيقول : فإياي كنت أحق أن تخشى )) رواه ابن ماجة بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

فلا يحتقر المسلم نفسه في أن ينشر حجة الله على خلقه و {
لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها } ، فساهم أخي المسلم بكل ما تستطيع في نشر دين الله ، وتوعية الناس التوعية الصالحة ، وثق تماماً أن عامة ما يحصل في الناس من تفريط هو من جرّاء الذنوب والمعاصي وتقصير المصلحين ، وقد قال شيخنا الإمام العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله : ( إن الدعاة لو أنهم بينوا الإسلام على وجهه الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حق البيان لدخل الناس في دين الله أفواجا كما قال الله تعالى ذكره في سورة النصر : { إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } ) .

قلت : وهذا يعني أن التقصير من عند أنفسنا ، ولا يكن عنك حديث السفينة السابق ببعيد ، قال الله تعالى : {
فلولا كان من القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين * وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} .

أقول : ولكن الله يهلك القرى وفيهم الصالحون ، كما قال النبي صلى الله عليه لما سألته زينب بنت جحش رضي الله عنها : أنهلك وفينا الصالحون ؟! ، قال : ((
نعم إذا كثر الخبث )) متفق عليه.

وقالت له عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله ، إن الله أنزل سطوته بأهل الأرض ، وفيه الصالحون فيهلكون بهلاكهم ؟! ، فقال : ((
يا عائشة ، إن الله عز وجل إذا أنزل سطوته بأهل نقمته ، وفيهم الصالحون ، فيصيرون معهم ثم يبعثون على نيّاتهم )) رواه ابن حبان .

روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها : {
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم إذ من ضل إذا اهتديتم } ، وإنما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب )) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون على أن يغيروا ولا يغيرون ، إلاّ أوشك أن يعمهم الله بعقاب )) .

وروى أبوا داود وابن ماجة من حديث جرير رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله علي وسلم يقول : ((
ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلاّ أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا )) .

وروى أبو داود واللفظ له ، والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل ، فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله ، فلا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم قال : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * وترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } إلى قوله : {فاسقون } )) ، ثم قال : (( كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا )) ، ومعنى تأطرنه : أي تعطفه وتقهره إلى اتباع الحق .

وروى ابن ماجة وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرفت في وجهه أنه قد حضره شي فتوضأ ، وما كلّم أحداً ، فلصقت بالحجرة أستمع ما يقول ، فقعد على المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وقال : ((
يا أيها الناس ، إن الله يقول لكم : مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم ، وتسألوني فلا أعطيكم ، وتستنصروني فلا أنصركم )) ، فما زاد عليهن حتى نزل .

ومثل هذا كله قول الله تعالى في قصة أهل السبت : {
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذابٍ بئيس بما كانوا يفسقون } ، فأهلك الله طائفة ، وعفى عن الذين نهوا عن السوء وسكت عن الثالثة : الذين قالوا : { لما تعظون قوماً الله مهلكهم } . وكان ابن عباس يبكي بكاءاً شديداً عند هذه الآية ويقول : فأرى الذين نهوا قد نجوا ، ولا أرى الآخرين ذكروا، ليت شعري ما لله صانع بهم ، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها .

هذه الآثار غيض من فيض في أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يوشك أن يأخذنا نصيب منها في حقيقة الحال ، ذكرت منها ما لعلّه أن يوقظ القلوب الوسنانة ، وتقيم لهذا الأصل العظيم قوائم أركانه ، ولولا خشيت أن نخرج عن المقصود ، لذكرت منها ما تنقطع به علائق قلوب أهل التوحيد ، من الخوف مما ورد من شديد الزجر والوعيد ، على المقصرين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما توعدهم الله به ، ولكن عسى الله أن ينفع بما تقدم الوعظ به ، وتكون به نجاة من عرف ونبه ، والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله
.










قديم 2012-06-29, 14:56   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

(عنوان1 يتبع إن شاء الله )

----------


الحواشي:


1) وقد كنت كتبت كتاباً سميته بـ ( قمع النوابت من زعزعة الثوابت ) يسّر الله تجهيزه لكي يزف إلى دور الطبع والنشر ، ذكرت فيه العديد من الثوابت العقدية والفقهية والأخلاقية ، مما قد تجرأت إليها بعض أيادي أدعياء العلم والفكر بالخوض والتشكيك ، وكتابي هذا هو على نسق كتاب شيخنا العلامة حمود بن عبدالله التويجري ـ رحمه الله تعالى ـ المسمى بـ ( تغليظ الملام على المتسرعين في الفتيا والأحكام ) ، أضفت عليه بعض الإضافات ، وحجاب المرأة وسترها أفردت له مبحثاً هناك كما صنع شيخنا رحمه الله تعالى إذ أنه من الثوابت التي أصيبت بوهن الخلاف وحرية الرأي والفكر !! .


(2) سيأتي في آخر الكتاب فصلاً بعنوان (الغارات السالفات على المسلمات) ، أذكر فيه شيئاً من أخبار أمثال صفية زغلول .


(3) وحق لهم الوصف بأنهم ( دعاة على أبواب جهنم ) كما جاء ذلك في حديث حذيفة رضي الله عنه ، في الفتن وهو متفق عليه ولفظه : (( كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ! ، فقلت : يا رسول الله لقد كان الناس في جاهلية وشر ، فجاء الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ ، قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ ، قال : نعم ، وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ ، قال : رجال يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ، قلت : وهل بعد ذاك الخير من شر ؟ قال : نعم ، فتنة عمياء ، ودعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله : صفهم لنا ، قال : قوم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : يا رسول الله ما تأمرنإن أدركت ذلك ؟ ، قال : تلزم جماعة المسلمين وإماهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ ، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك )) .


(4) اسمع إلى هذا الكلام وأذكر قول الله تعالى عن المشركين قولهم : { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئٌ يراد } ، كيف هم يتواصون على طريق الضلالة ويتعاهدون على ذلك ، عندما شغل بعضنا ببعض بتتبع العثرات والانشغال بسفاسف الأمور وقلة العلم وغلبة الجهل والهوى والانخراط في الأحزاب والجماعات التي أعقبت المسلمين بكل فرقة وبلية ، وترك الميدان لهؤلاء ، وكان واجب أهل الحق التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، والله المستعان .
(5) أنظر حركة ( هدى شعراوي ) في آخر هذه الكتاب ، وما فيها من شبه من هذا المنطلق !! .










قديم 2012-06-29, 14:59   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

هذه من نتائج ما يفعله اهل البدع من امثال ابن لادن يحرضون أهل الكفر ويستعدونهم على المسلمين
فتجدهم هيجوا الناس ثم قالوا للكفار لأنه ليس هناك حرية وهناك كمت فحصل هذا الذي ترون ,فقام الكفار بمساعدتهم في إظهار باطلهم , فتحالفوا معهم على أهل السنة .
فهؤلاء خدموا الكفار كما هو من قديم
فالله أعلم انهم لهم يد في الحجاب سابقا مع العلمانيين ليصيحوا ويخدعوا الناس بأنهم هم حماة شعائر الإسلام
وعندما صار لهم متنفس في إظهار ما يريدون لم نر لهم صوتا بل نرى ماذا قال عايض القرني عندما قال : في قيادة المرأة للسيارة . ثم كيف طار بهذا الحوار وما ذلك إلا أنه يعطيه الحرية في اظهار باطله
هذه من نتائج ما يفعله اهل البدع من امثال ابن لادن يحرضون أهل الكفر ويستعدونهم على المسلمين
فتجدهم هيجوا الناس ثم قالوا للكفار لأنه ليس هناك حرية وهناك كمت فحصل هذا الذي ترون ,فقام الكفار بمساعدتهم في إظهار باطلهم , فتحالفوا معهم على أهل السنة , ودول الإسلام مرة بالإستعداء ومرة بحوار الأديان والتعايش , ومرة بالتعاون الخفي
فهؤلاء خدموا الكفار كما هو من قديم
فالله أعلم انهم لهم يد في الحجاب سابقا مع العلمانيين ليصيحوا ويخدعوا الناس بأنهم هم حماة شعائر الإسلام
وعندما صار لهم متنفس في إظهار ما يريدون لم نر لهم صوتا بل نرى ماذا قال عايض القرني عندما قال : إن قيادة المرأة للسيارة ليس من ثوابت الدين., وما ندري ماذا سيقول عايض لو أنه لم يجعل له متنفسا لباطله باسم الحوار, في الحجاب وفي قيادة المرأة للسيارة........... أنه سيصح !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! و هو الأن يقوم بترقيع كلامه بحثا عن رضا العامة ولاتباع بعد ان غضبوا عليه .
وفكروا في نتائج ما قام به ابن لادن الضال عندما جعل أهل الكفر ...................... على المسلمين
من الحجاب إلى 0000000000000 الخ
واللبيب يفهم بالإشارة
انتبهوا ياأهل السنة للتعاون بين الإخوان المسلمين والكفار
ولماذا لايكشف هذا الأمر للمسلمين ويفضح الخوان وحبيبهم ابن لادن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

فبتدأً بغزوا أفغانستان إلى ............................ الحجاب ............ الخ


وفكر في نتائج ما قام به ابن لادن الضال عندما جعل أهل الكفر ...................... على المسلمين

من الحجاب إلى 0000000000000 الخ
واللبيب يفهم بالإشارة










قديم 2012-06-29, 15:00   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

(عنوان1 فصل: في ما يطلب ممن رام النصيحة والإنكار ؟! )

لاشك أن الناظر إلى حال المجتمعات اليوم يلحظ التغير الشديد ، والتدني الفاضح لموقف العامة من قضية حجاب المرأة واحتجابها !! ، حتى أصبح القرار في البيوت ، والتمسك بالحجاب الشرعي للمرأة في أنظار البعض : هي ميزة العجائز اللواتي أكل عليهن الزمن وشرب !! ، أو مجموعة من الفتيات المتشددات اللواتي تأثرن ( بالتيار الديني المتشدد !! ) على حدّ تعبيرهم !! ، ويقولون : (( إن المرأة الانفتاحية هي : تلك المرأة التي تسهم في بناء المجتمع !! )) ، وكأن هذا البناء لا يتم إلاّ بكشف الوجه!! ، وقيادتها للسيارة !! ، وابتعاثها في الخارج !! ، وتوليها للمناصب !! ، ومزاحمتها للرجال في أعمالهم حتى في ساحات القتال والمعركة في الأرض والجو والبحر !! .


هذه مزاعمهم إن كانت عليكم تخفى !! ، والله يعلم سر نواياهم وأخفى ، وهم دعاة الفاحشة والرذيلة من حيث علموا أم لم يعلموا ، وليذكروا قول الله تعالى : {
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون } ، فلم نرَ المرأة الانفتاحية إلاّ في أعفن الأوساط كالوسط الفني الغنائي والتمثيلي !! ، ولم نلحظ لتلك المرأة الانفتاحية مشاركة في الدعوة إلى الله وتعليم التوحيد والصلاة وواجبات المرأة في الإسلام ، لم نشاهد هذه المرأة الانفتاحية تحارب الأفكار المنحرفة المستوردة بل هي بالعكس من ذلك ، فهي الأرض الخصبة للفلاّح، والرحم المتأهب لنطفة اللقاح !! ، يلعب بهن الرجال ، وكل يستمتع بها بالمباشرة والمشاهدة في الحل والترحال !! .

وعلى هذا المنظار ( للمرأة الانفتاحية !! ) ، تكون خديجة وعائشة وأسماء وأم حرام وأم سليم ، وغيرهن من نساء الصحابة ، جنين على بناء الإسلام بالهدم والتحطيم !! ، وحاشاهن والله فهن اللواتي نصرن الإسلام باليد واللسان ، فقد شدّ الله أزر الإسلام منذ شروق شمس النبوة بالمرأة المسلمة ، فهي مع الرجل في الدعوة إلى الله ، وهي معه في الحرث والنسل ، وهي معه حتى في الجهاد على القدر المشروع لها من تطبيب المرضى ومساعدة المحتاج ، وإلاّ فجهادهن الشرعي هو الحج والعمرة مرة واحدة في العمر ثم ظهور الحصر ، كما قاله صلى الله عليه وسلم (1) .


إذا تقرر ما حركنا به سواكن الهمم في قلوب قاصدي القمم ، وما سبق الوعظ به من الترهيب من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فما هو المطلوب منّا بعد إذ هدانا الله لاتباع سبيل الحق القويم ، والصراط المستقيم ؟! ، وكيف نؤدي واجب النصيحة والإنكار ؟! ، فيقال : هذا سؤال وارد ممن رام السلامة وشمّر عن سواعد الجدّ في إنكار المنكر ، وبذل النصيحة لعموم المسلمين مما يكاد بهم وبدينهم ، ويجاب عليه :


بأن الواجب على من امتثل للتصدي للمنكرات والرد عليها ، ونصيحة الناس وإرشادهم أن يراعي ستة أصول :


الأصل الأول : الإخلاص لله تعالى .


فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والنصيحة من أجل العبادات ، والقاعدة الشرعية تنص على أن قبول العبادة متوقف على الإخلاص لله وحده ، كما قال تعالى : {
وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين } وقال تعالى : { ألا لله الدين الخاص } ، وقال : { إلاّ الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً } .

بل النصرة والتأييد لا تكون إلا بإخلاص العبادة لله كما قال تعالى : { كذلك
لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه كان من عبادنا المخلصين } .

روى النسائي في " السنن " وأصله في " صحيح " البخاري عن مسعد بن مصعب عن أبيه رضي الله عنه أنه ظن أن له فضلاً على من دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((
إنما تنصر هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم )) .

فبالإخلاص تنكشف الغمة ، وتلتهب الهمّة ، وتنجوا الأمة ، ولا يخفى علينا حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار فدعا كل منهم بصالح عمله وخالصه ، فكشف الله عنهم تلك المحنة والبلية بفضل صلاحهم وإخلاصهم ، والحديث رواه البخاري ومسلم .


قال سهل بن عبدالله التستري رحمه الله : ( الناس موتى إلاّ العلماء ، والعلماء سكارى إلاّ العاملون ، والعاملون مغرورون إلاّ المخلصين ، والمخلصون على وجل حتى يُعلم ما يختم الله لهم به ) .


وهو ضرب من الجهاد الذي أمر الله به ، ولهذا عامة من يذكر أصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يذكره تحت أبواب الجهاد وأحاديثه ، ولا يقبل الله جهاد مجاهد في غير سبيل الله عز وجل .


قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى : ( وتحقيق ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها وقد قال تعالى : {
ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ، وهو كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله : أخلصه وأصوبه ، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ، أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .

فالعمل الصالح لابد أن يراد به وجه الله تعالى ، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلاّ ما أريد به وجهه وحده ، كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((
يقول الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه برئ وهو كله للذي أشرك )) .

وهذا هو التوحيد الذي هو أصل الإسلام ، وهو دين الله تعالى الذي بعث به جميع رسله ، ومن أجله خلق الخلق ، وهو حقه على عباده ، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، ولا بد مع ذلك أن يكون العمل صالحاً ، وهو ما أمر الله به ورسوله وهو الطاعة ، فكل طاعة عمل صالح ، وكل عمل صالح طاعة ، وهو العمل المشروع المسنون ، العمل المشروع المسنون هو : المأمور به أمر إيجاب أو استحباب ، وهو العمل الصالح وهو الحسن وهو البر ، وهو الخير ، وضده المعصية والعمل الفاسد والسيئة والفجور والظلم.


ولما كان العمل لا بد فيه من شيئين : النية والعمل ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أصدق
الأسماء حارث وهمام )) ، فكل أحد حارث همام ، له عمل ونية ، لكن النية المحمودة التي يقبلها الله ويثيب عليها هي أن يراد الله وحده بذلك العمل ، والعمل المحمود هو الصالح ، وهو المأمور به ، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه : اللهم اجعل عملي كله صالحا وأجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئا .

وإذا كان هذا حد كل عمل صالح فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون ذلك ، هذا في حق الآمر الناهي نفسه . ) انتهى كلامه رحمه الله .


الأصل الثاني : اتباع السنة في الإنكار ، وهذا من فقه السيرة .


لأن أعظم نجاح كان في هداية الخلق وإزالة ما هم عليه من منكرات هي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الدعوية ، حيث آمن به من الخلائق عدد لا يحصون ودخل الناس في دين الله أفواجاً كما قال تعالى ذكره : {
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } .

فلا بدّ لمن امتثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، والتفقه بها ، فيجد أن سيرته متنوعة بتنوع الأشخاص والمواطن الزمانية والمكانية ، فما أنكره وهو في مكة غير ما أنكره وهو في المدينة ، وما أنكره وهو في أرض الحرب غير ما أنكره وهو في أرض السلم ، كذا إنكاره على المتعلم غير إنكاره على الجاهل ، وإنكاره على حديث العهد بالكفر غير إنكاره على من رسخ في الإسلام ، وإنكاره على ذوي الهيئات غير إنكاره على عامة الناس ، وإنكار المنكر على الحدث الصغير غير إنكاره على الشيخ الكبير ، كذا يتنوع بتنوع المنكر فإنكاره للشرك غير إنكاره لسائر الذنوب .


كل هذه مواطن سجل عن النبي صلى الله عليه وسلم صور شتى من قوة الإنكار ولينه ، والردع والهجر وعدمه ، وهذا هو عين السياسة الشرعية النبوية ، ولولا أن يخرج الكتاب عن مقصود تأليفه لذكرت على كل ما تقدم شاهد ذلك من السنة النبوية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، وكتب السيرة قريبة الوصول ، لا يمل من قراءتها المجتهد ولا تعيي الكسول .


وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإتباع من جميع طرائق الرجال والله تعالى يقول : {
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } وقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } .

وهو القائل ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ((
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) رواه الإمام أحمد وغيره عن العرباض بن سارية رضي الله عنه بإسناد صحيح .

فطريقته عليه الصلاة والسلام أسلم الطرق وأحكمها ، ولهذا تجد أن أهل السنة هم الذين سلكوا الطريق المستقيم في إنكار المنكر من بين أهل الأهواء من الخوارج والمرجئة وغيرهم .


الأصل الثالث : العلم الشرعي الذي به ينكر المنكر .


وذلك لأن العلم سلاح بتار ، وشعلة من نار ، يحارب به ويستضاء ، والجاهل يفسد أكثر من أن يصلح . وكما قال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ( كم مريد للخير لم يدركه )، وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ( من عبد الله بغير علم ، كان ما يفسد أكثر مما يصلح ) .


وقال سفيان الثوري : ( لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث خصال : رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى ، عدل بما يأمر عدل بما ينهى ، عالم بما يأمر عالم بما ينهى ) .


ولهذا اتفقت العقول السليمة على أن هلاك الناس من ثلاثة أشخاص : نصف فقيه ، ونصف طبيب ، ونصف نحوي ، فالأول يفسد الأديان والثاني يفسد الأبدان والثالث يفسد اللسان .


وهؤلاء هم أنصاف المتعلمين ، لا ظهراً أبقوا ولا أرضاً قطعوا ، فلا هم بالجهل اعترفوا ، ولا بالعلم والتحقيق شرفوا ، فما يفسدون أكثر مما يصلحون ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله .


فكم من مُنْكرٍ للمنكر لا يعي وجه الإنكار ، ولربما تسرع متسرع بإنكار ما ليس بمنكر !! ، فأورث على الإسلام عاقبة وخيمة ، وأحدث منكراً أخطر وأشد .


قال النووي رحمه الله في شرح "صحيح مسلم " : ( ثم إنه يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به ، وينهى عنه ، وذلك يختلف باختلاف الشيء ، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة، كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها ، فكل المسلمين علماء بها ، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ، ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء ) .


قلت : وقوله ( دقائق الأفعال والأعمال ) معناه مسائل الاجتهاد وهو معنى قول بعض أهل العلم : ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) ، ولا يصح أن يقال : ( لا إنكار في مسائل الخلاف ) ، لأن الخلاف منه ما هو مستساغ ومنه ما لا يكون كذلك ، والثاني لا عبرة به و لا يؤخذ باجتهاده ذلك ، فعامة أهل الأهواء والبدع خرجوا وخالفوا باجتهاد ، ولكنه غير مستساغ عند أهل العلم ، فليس كل خلاف يعذر فيه المخالف حتى يكون هذا المخالف خالف باجتهاد مستساغ عند أهل العلم ، قال الشاعر :


وليس كل خلاف جاء معتبر ** إلاّ خلاف له حظ من النظر


قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : ( وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح ، فإن الإنكار إمّا أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل ، أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقاً وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف الفقهاء . وأمّا العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً ، بحسب درجات الإنكار كما ذكرناه من حديث شارب النبيذ المختلف فيه وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة وإن كان قد اتبع بعض العلماء .


وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً ، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ، والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ له ـ أي الاجتهاد ـ ) إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .


الأصل الرابع : مراعاة المصلحة والمفسدة .


وهذا لا يعيه إلا من ألمّ بالأصل السابق بتوفيق من الله وهداية ، ولا شك أن معرفة مصالح العباد ومفاسدها من أوجب ما يجب على من امتثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والحكم للغالب منهما لا مطلق تقديم درء المفاسد على جلب المصالح ، فتارة تكون المصلحة لا تتحقق إلاّ مع وقوع المفسدة ولكنها أهون من شأن المصلحة المتحققة ، وتارة تكون المفسدة لا تدرأ إلاّ بدفع المصلحة المتحققة ولكنها أهون من خطر المفسدة المدفوعة ، أمّا عند تساوي المرتبتين فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح وهذا المراد بهذه القاعدة عند أهل العلم .


ومن صورة جلب المصالح المقدمة على درء المفاسد عند علو المصلحة على المفسدة ما حصل من صنيع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية .


ومن صورة دفع المفسدة المقدم على جلب المصلحة عند علو المفسدة على المصلحة ما حصل من امتناعه صلى الله عليه وسلم من هدم البيت وبناءه على قواعد إبراهيم .


ومعرفة علو أحد الجانبين على الآخر لا يحصل إلاّ بالعلم والعدل ، ثم وجدت بحمد الله شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى يقرر هذا فقال : ( لكن اعتبار المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة ، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها ، وإلاّ اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر ، وقلّ أن تعوز النصوص من يكون بها خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام .


وعلى هذا إذا كان الشخص والطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما ، بل إما أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً ، لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا ينهوا عن منكر ، بل ينظر ، فإن كان المعروف أكثر أمر به ، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم بل يكون النهي حينئذٍ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وزوال فعل الحسنات .


وإن كان المنكر أغلب نهي عنه ، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف ، ويكون المر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه آمراً بمنكر وساعياً في معصية الله ورسوله .


وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان ، لم يأمر بهما ولم ينه عنهما ، فتارة يصلح الأمر ، وتارة يصلح النهي ، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي ، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين وذلك في الأمور المعينة الواقعة .. ) إلى آخر كلامه رحمه الله .


الأصل الخامس : الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، والترهيب من الحماس المفرط .


وقد جاء الأمر بذلك في محكم التنزيل كما قال تعالى : {
أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } وقال : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } وقال تعالى : { فقولا له قولاً لينا } وقال : { ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } .

وروى الإمام أحمد ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
ما كان الرفق في شي إلاّ زانه ، ولا نزع من شي إلاّ شانه )) .

وروى الإمام أحمد وغيره من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي عليه مالا يعطي على العنف )) .

وروى البخاري ومسلم من حديث أبي موسى وأنس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((
يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا )) .

وعندما أوذي النبي صلى الله عليه وسلم من قريش قال : ((
ربّي اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )).

وقال الإمام أحمد : ( الناس محتاجون إلى مداراة ورفق ، والأمر بالمعروف ، لا غلظة ، إلاّ رجل معلن بالفسق فلا حرمة له ) .


و الشكاية اليوم من قطّاع الطريق بين الناس وبين الله عز وجل الغفور الرحيم كما قال صلى الله عليه وسلم : ((
إن منكم منفرون )) ، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( كم مريد للخير لم يدركه ) ، فلربما أساء منهم مسي في الإنكار وأغلظ على العاصي فيتولى الآخر كبره ويتحقق منه الإعراض والاستكبار ، بعدما كان داءه مجرد الغفلة التي يستطيع الداعي أن يدعوه بالرفق واللين في القول
.










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأن, النساء, ثأري

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:59

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc