السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
.
شكرا لأخي سفيان على ما كتب؛وهذا ما نحتاجه في المنتدى أن يدلي الناس بدلاءهم في الدلاء فإما حمأة وإما ماء على ما قال الخليل ابن أحمد الفراهيدي،فقد سئمنا من عبارات الشكر المجرّدة من ارآء أصحابها بصرف النظر عن الموافقة أو المخالفة.
أخي سفيان لمست من كلامك أنك غير راض عن قوله يشيد ببعض مبادي الماركسية-أو نقلتَ انتقاد الناس له من هذه الحيثية- وأنه كان عيساويا،فالرجل كان ابن وقته كما يقال،ولا يمكن عزل الحوادث والأفكار عن سياقها التاريخي،وإلا فقد حنّطنا الأفكار ،وحنطنا معها ارآءه وحلوله التي طرحها لمشكلات العصر،ومذكراته ؛مَن تمعن فيها وقف على ما كوّن شخصيته، واختياره للمدرسة التي رآها ممثلا صحيحا وسويا للاسلام،وهو بعدُ يصرح بوهابيته،حتى ذكر قصة تألم لها كثيرا في سفارة مصر مع سفيرها "الباشا" بفرنسا ،لاستخراج وثائق للسفر،وقد نوى الذهاب للسعودية فقد كان يرآها بلاد الاسلام الخالص،ومع ذلك ومحاربته للخرافة كثير التَّرداد لعادة والدته معه حين تنتهي عطلته حين تصب الماء على قدميه بأمل العودة، وهذه مفارقة،ولفتني مثلها قصتان ذكرهما في مذكراته،ويمكن تعليل ذلك أنه كان يسرد تاريخه مجردا عن الحكم لها أو عليها،ولم تكن الملكة مستحصفة بعدُ-ملكة النظر والتنظير وهندسة الأفكار.
ولمن يهمه أمر الشرع في مثل هذه المسائل من رجل متمرس بعلوم الشرع متضلع منها فليرجع إلى أضخم موسوعة فلسفية كلامية -كُتبت في العصر الحديث؛في خمسينيات القرن المنصرم-ناظرت كلّ المدراس الفكرية والفلسفات الوضعية من سبنوزا إلى هيجل مرورا بديكارت،وما بينها فعليه بــــ: موقف العقل والعلم والعالّم من رب العالمين وعباده المرسلين ،تأليف شيخ الإسلام مصطفى صبري التوقادي.
أما ما يخص حوارت الجماعات الاسلامية بالجزائر فيمكن أن يقال أن كلا الفريقيْن وجد ضالة في تراث الرجل،وهو أقرب للإخوان منه إلى السلفية،ذلك أن الاخوان منفتحون بخلاف السلفية المنغلقة الانطوائية،وأولائك لهم اهتمام بالمشاكل الحضارية والعمل الدعوي والجماعي،بخلاف هؤلاء الذين ركّزرا على سطحيات دونما غوص وخوض في العمق؛هذا إلى نبذهم العمل الجماعي،والنظرة التفردية والاستبداد بالرأي.
وأحيانا يخيّل إلي أن الرجل لم يجد المجال الواسع والمناخ الطبيعي لتنضج أفكاره فيه؛وإن كانت الدعائم إلى ما كان يدعوا إليه واضحة ،والمعالم مرسومة،وكذا شأن كلِّ مَنْ كتب في فن جديد وهو يريد التأصيل له ،يجعل همّه القواعد الكليّة دون الجزئيات،ويدلك على الاعتراضات التي قد تجي على المنهج دون التفاصيل،وهكذا كان ابن نبي بالجزائر؛وهو لم يجد تلامذة يخدمون ما دعا له،فالرجل حوصِر من الساسة،وتكفي الاشارة إلى أنهم كانوا يتعمدون وضع الصابون في طريقه؛أو تصبين الأرض لينزلق فينصدع "رأسه" الذي حمل أفكارا لم تجد عند الساسة هوىً،فما ظنك برجل هذا شأن خصومه معه!! زدْ أن الاستعمار رسخ في نفسيات الناس التذمر والتيئيس ؛ثم طبيعة التعليم المفرنس التي كانت في طوايا النفس،وطبعتها بطابَعِها،ولكن ابن نبي غلبها بتعلقه بهويته ودينه،وحُرقة على ماكان فيه المسلمون من طنجة إلى جاكرتا.
ولا يزال في كلامك أخي الكريم سفيان ما يمكن النقاش فيه ونفض الغبار عنه كما قلتَ.
وبعد:
كلامي هذا ليس متجها لمشاركة أخي سفيان بقدر ما هي نافذة اتخذها تعلّة لتسطير ما كتبتُ،فالكلام في المشكلات الحضارية وحلولها من أصعب الكلام،خصوصا وأن الأمة الاسلامية تمر بوقتٍ عصيب؛وقتٍ مِيزَتُه القلالق والاضطراب،في هذا العالم المفتوح من كل صوْب على كل فكرة مهما بلغت من السخف والضحالة،وهذه سانحة نتذاكر فيها؛ لعل المرء يخرج برأي قريب للصواب،ونصف عقلك عند أخيك.