رسائل ابن حزم
ثم قالوا: " فنفس هذا السائل تنازعه أن الذي عليه الأكثر والجمهور هو الهدى، وانه الطريقة المثلى، لاتفاق العلماء، وائتلاف الجماعة وتتابع العمل، واستقرار الأمر عليه. ويقوله عليه السلام: إن أمتي هذه لا تجتمع على ضلالة، وإن أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - إن هذا من العار والشنار الذي ينبغي أن يستحيي منه من له مسكة حياء وعقل، لان ما اتفقت عليه الجماعة وائتلفت فيه العلماء واستقر الأمر عليه، فلا خلاف فيه بين أحد من الأمة، ولا هم أولى به من غيرهم. وأما ما اختلف الناس فيهن فليس بعضهم أولى بالحق فيه من بعض، إلا من وافق قوله القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، فلا أضل ولا أجهل ولا أقل حياء ممن يريد رأي مالك الذي خالفه فيه غيره من العلماء بان يوجب اتباع الإجماع.
وأما قولهم: إن الذي عليه الأكثر فهو الهدى والطريقة المثلى، فكلام في غاية السخف، لأن الحنفيين كانوا أكثر من المالكيين أضعافاً مضاعفة، ولعلهم اليوم يوازونهم في العدد، والشافعيين أكثر منهم، فينبغي أن يتبع الأكثر، وقد قيل أهل المقالة تعد كثرتهم، فينبغي أن يعود الهدى لذلك ضلالاً. وهذا كلام مبرسم لا يرضى به من له مسكة عقل. وقد كان مالك وحده ثم وافقه نفر يسير ثم كثروا. وقد كان القائلون بمذهب الأوزاعي كثيراً ثم انقطعوا، وكل هذا لا معنى له.