القياس لا يقاس على القاسية

[مناد بوفلجة]

القياس لا يقاس على القاسية



حقيقة المجتمعات النامية أو كما تسمى في قاموس الدول المتقدمة . السائرة في طريق النمو . و دوما هي سائرة , و ستبقى سائرة .. حقيقتها هي في مجتمعاتها أي في الطبقات المكونة لهذه المجتمعات و أخص بالذكر الطبقات الغالبة و السائدة و هي الطبقة المتوسطة و الفقيرة و التي هي تحت خط الفقر .. هنا تكمن حقيقة هذه المجتمعات

في الحين حقيقة الدول النامية و السائرة في طريق النمو و هنا أقصد الدول و ليس المجتمعات .. حقيقة هذه الدول هي في شخص و أشخاص ,, حقيقتها تكمن في وزرائها و رؤسائها و بعض مسؤوليها .. نعم . حقيقتها هي في أشخاص تغني خارج السرب .. حينما فصلت المجتمعات عن حكامها

تونس الحبيبة قبل شهرين من الآن . كان رئيسها معززا مكرما .. ليس في مجتمعه و لكن بين أفراد حاشيته .. لو إطلعنا على جرائد و حوارات و قنوات تونس الحبيبة لسمعنا ما سمعنا من تمجيد لرئيسها .. و لسمعنا ما سمعنا عن البطولات و الانجازات التي قام بها رئيسها

لكن .. هل هي حقيقة أم أنها مجرد شاة تغني خارج السرب

تلك الشلة القاسية و التي لا يقاس عليها في قاموس تطور الجماعة و قاموس حقيقة الجماعة

تلك الشاة الخارجة عن الجماعة التي تغني و تغني و تقول نحن في أحسن الأحوال

تلك الشاة التي قد تكون فرد أو مجموعة أفراد

تمر الأيام و يكتب الله ما كتب من نصرة الحق و اندثار الباطل و علو كلمة الله في المساجد و القرآن في القنوات التونسية .. ها هي تونس الحبيبة تسترجع أنفاسها بعد ثلاثة و عشرون سنة من محاربة كتاب الله و محاربة المساجد

هاهو مجتمع تونس يعبر عن ما يجول في خاطره عبر القنوات و الجرائد .. لكن هذه المرة هي حقائق غير الحقائق التي كانت تغني بها تلك الشاة القاسية .. غير الحقائق التي كانت تقولها الدولة التونسية قبل الانهيار

لا يمكن بأي حال من الأحوال قياس تطور المجموعة على أساس آراء تلك القاسية التي تغني خارج السرب

لا يمكن قياس تطور المجتمعات على أساس آراء فرد أو أفراد هم خارج نطاق ذلك المجتمع .. فيلات و قصور و مزارع
لأن هؤلاء الأفراد لا يعيشون كما تعيش مجتمعاتهم و هنا أقصد الطبقات السائدة في المجتمع

و بعد حدوث ما حدث في تونس ها هم الوزراء و المسؤولين في أغلب الدول العربية التي تسمى في القاموس العالمي بالدول السائرة في طريق النمو و تسمى في الترتيب العالمي بالدول المتخلفة .. عفوا . هم من أسموها و لست أنا .. ها هم مسؤوليها .. أي أفرادها الذين كانوا و مازالوا يغنون خارج السرب .. ها هم يلغون قرارات و يصدرون قرارات ..و طبعا هذه كما يقولون , خدمة للشباب الجزائري .. هاهم الوزراء و المسؤولين يحذرون من أقل منهم رتبة في المسؤولية من مغبة الاستهزاء في طلبات المواطنين .. ها هم الوزراء و المسؤولين يبدون تخوفهم أن يحدث لهم ما حدث في تونس

أليس هذا بحد ذاته يمثل الاعتراف بهضم حقوق المواطن

لا يخاف من المجتمع سوى الذي هضم حق هذا المجتمع

حقيقة الجامعة الجزائرية .. هل جامعاتنا هي أيضا في تغريد خارج السرب كما هي تلك القاسية التي تغني خارج القطيع أم هي ضمن هيكلة مخابرها و تكوين إطاراتها و طلبتها و تنمية بحوثها و تقدير باحثيها . شيئان متعاكسان و متناقضان

تجد عمداء الجامعات و رؤساء البحث العلمي و وزيرهم يقولون و يدعون : لقد ظلمنا في ترتيب جامعاتنا .. نحن في مستوى جيد و الجامعة في نهاية طور الإصلاحات . لدينا مخابر علمية و لدينا تأطير جيد للطلبة بحيث لكل 12 طالب أستاذ . لدينا بحوث و مشاريع بحوث و طاقات متجددة .. تجدهم يقولون كل ما طاب للسان نطقه لأن اللسان عضلة تنحني و تتموج كما يشاء صاحبها . نعم . عضلة اللسان التي أدخلت الجامعة نحو الهاوية

ثم لو ذهبنا الى الجامعة بحد ذاتها فسوف نجد مكاتب فارغة و مخابر علمية مكونة من أجهزة إعلام آلي قديمة و طلبة بدون أساتذة و رؤساء أقسام و مخابر كتب لهم تدريس 10 ساعات يدرسون منها 5 ساعات فقط و البقية المتبقية تذهب هباء منثورا فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .. دروس تحولت إلى مشاريع بحوث محملة من النت . محاضرات فارغة من محتواها . أستاذ جامعي تجده مرتبك أثناء الحصة خوفا من سؤال من طالب ما . مرتبك لأنه يردس مقياس ليس من تخصصه .. تحول العلم من قراءة من الكتاب و بحث و تنقيب عن المعلومة بالقلم على الورقة إلى لوحة مفاتيح و ماوس و بحث في النت عن كل ما صلح و لم يصلح

هل يمكن تقييم مستوى جامعاتنا من خلال آراء أفراد هم في المسؤولية أم من خلال الطلبة الذين تحتويهم هذه الجامعات

أفراد في قمم المسؤوليات داخل الجامعات و الوزارة هم يغنون خارج السرب . خارج الحقيقة و الواقع الذي تعيشه
الجامعة .. أفراد هم مثل تلك الشاة القاسية التي تغني خارج القطيع يتربص بها الذئب و الشيطان

بضعت أفراد للكذب و النفاق و مجتمعات هي حقيقة لآلامها بحد ذاتها .. هي الألم بعينه

رؤساء جامعات يقولون و يقولون لسنا محتاجين لمناصب جديدة .. بهدف واحد و واحد فقط . هي تلك غنائم الساعات الإضافية التي سوف تذهب لرئيس القسم و أبن العميد و خليلة طباخ رئيس المعهد و زوجة رئيس المخبر

في الحين يبقى الطلبة بدون أساتذة و مخابر فارغة و زقاق بالجامعة مملوءة بالجالسين المستأنسين بزرقة السماء و لطافة الجو .. و ها نحن بين متناقضين .. حقيقة يقولها رؤساء الجامعات و المعاهد و حقيقة يذكرها واقع الجامعة

لن نتقدم و لن نتطور و لن يتحسن مستوى مجتمعاتنا إلا بإلغاء آراء أولائك الأفراد التي تغني خارج السرب و الذهاب لقلب المجتمع و قلب الجامعة لتقيم مستواها و معرفة حقيقتها

لأنك سوف تصدم بحقيقة هي معاكسة تماما لما قيلت من طرف أولائك الأفراد الذين يغنون خارج السرب

كم أتمنى أن يدخل ضمن ترتيب الجامعات العالمي . زيارة فجائية للجان عالمية مستقلة لتدخل وسط الحرم الجامعي لتكتشف الطامة الكبرى و هي .. أننا لا نملك جامعات .. هي الحقيقة المرة

أبدا لا يمكن قياس تطور الهيئات و المجتمعات من خلال آراء بضعت أفراد هم يغنون خارج السرب .. بل بالدخول وسط هذه المجتمعات و الهيئات و الهياكل المكونة لها و العيش معها لتكتشف حقيقتها و آلامها

أبدا لا يمكن علاج الأمراض و الآفات التي نخرت مجتمعاتنا .. جامعاتنا و مدارسنا و أبناءنا و بناتنا إلا بالذهاب و الدخول في قلب تلك المجتمعات . قلب تلك الجامعات و المدارس ,, لتكتشف الحقيقة المرة

. هناك تجد فعلا الحقائق , . لأن الحقيقة معناه الواقع و لا شيئ غير ذلك



كلمات العبد الضعيف الفقير إلى ربه الذي لا حول و لا قوة له بــ قلم رصاص ... تحياتي