السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تحياتي لجميع الطلبة و أرجو لكم التوفيق و النجاح .
قرأت الردود لكن لم أتعجب لنظرتكم السوداوية ـ إن صح التعبير ـ للحفظ، ففي يوم من الأيام كنت مثلكم، أكره الحفظ و أنظر إليه نظرة دونية، و عليه كرهت كل المواد الحفظية، لكن بعد دراستي في الجامعة تغيرت نظرتي 180 درجة .
الفهم و الحفظ يا إخواني مرحلتان تكملان بعضهما البعض، فالحفظ لا يتم و يكون نافعا من دون فهم و الفهم لا يتم و لا نصل إليه من دون حفظ، فالحفظ و الفهم متلازمان لا ينفصلان .
الطفل الصغير كيف يتعلم لغة قومه ؟؟ أليس بكثرة السماع ؟؟؟؟ يسمع و يسمع و لما يصل سنا معينة يتمكن من النطق و مع ما رزقه الله من عقل و فهم و قدرة على التعبير يُوظف محفوظاته التي تلقاها ممن حوله و يبدأ بالكلام، فلولا كثرة السماع أي الحفظ و ما خلقنا الله عليه من عقل و فهم لما تمكنا و نحن صغار من الكلام، و قس على ذلك في شتى العلوم الأدبية منها و العلمية .
كيف يصبح الواحد منا شاعرا ؟؟؟؟ عليه أن يكون ملما بقدر كاف من كلام العرب نثره و شعره، و أن يكون حافظا للشعر الفصيح لفحول الشعراء القدامى و ليس شعراء القرن العشرين، بكثرة المحفوظات الشعرية و مع نباهة و فطنة تتكون للمرء ملكة شعرية و حينها يمكنه أن يأتي بشعر فصيح من عنده .
إذا أتيت لشخص لا يتكلم الألمانية و قلت له: هيا اكتُب مقالا بليغا بالألمانية، فسيكون جوابه أنه لا يتكلم الألمانية، و أنه لن يتمكن من كتابة مقال بالألمانية إلا بعد أن يتعلم الألمانية، و كيف سيتعلم الالمانية ؟؟؟؟ سيتعلمها كما يتعلم الطفل الصغير الكلام ممن حوله، سيتعلم الألمانية بجمعه بين وسيلتي الحفظ و الفهم، يحفظ مختلف المفردات و التعابير بالألمانية، يحفظ قواعد اللغة و الإملاء و يفهمها، وهكذا يتدرج في التعلم إلى أن يصل إلى مبتغاه .
من ردود بعض الطلبة هنا تظن أنهم أذكياء زمانهم و أفهم الفاهمين غير أن المنظومة التربوية ظلمتهم و أجبرتهم على الحفظ، فأقول لهم أنتم مخطؤون يا أحبابي .
ذاك الذي يدرس في كلية الطب أو الصيدلة و يتذمر من كثرة الحفظ، هيا يا أخي أنت ذكي و فهمان، أريدك الآن أن تصنع دواء لمرض السيدا ................................. طبعا لن يتمكن هذا الطالب الذكي من صنع الدواء .
حتى في المواد العلمية كالطب و الصيدلة و البيولوجيا و الرياضيات و الفلك هناك أسس على الطالب المبتدىء أن يلم بها، ولن يكون ملما بها إلا بوسيلة الحفظ و في نفس الوقت على الطالب أن يبحث ويستعمل عقله و فهمه، لما يُلم طالب العلم بكل ما كُتب في العلم الذي هو متخصص فيه، عند ذلك يسعى لأن يأتي بالجديد، أي أنه يبدأ أين انتهى غيره، فيبني أبحاثه على أبحاث سابقة، و هكذا كل العلماء و الباحثين بنوا أبحاثهم على أبحاث غيرهم، فالنهضة العلمية الأوروبية قامت على مخلفات النهضة العلمية الإسلامية في القرون الوُسطى .
باختصار: الفيزيائي الجهبذ لكي يأتينا بالجديد عليه أن يكون عالما بالقديم ليبني عليه فيأتي بالجديد، و لكي يعلم القديم عليه بالحفظ يقرأ و يقرأ و يطلع على ما وصل إليه الفيزيائيون قبله، ليبدأ من النقطة التي توقفوا عندها، و قس على ذلك كل العلوم .
أما نحن طلبة هذا الزمان فلما نعجز بسبب كسلنا عن الحفظ نتحول إلى فهمانين و أفهم الفهمانين و نحن لسنا سوى فنيانين لم نعرف الحفظ على أصوله و لم نذق لذته التي لا غنى للفهمانين الحقيقيين عنها .
و للعلم فإن للانسان قدرة عجيبة على الحفظ ففي الدماغ خلايا كلما زادت محفوظات المرء انقسمت هذه الأخيرة و ستظل تنقسم و تنقسم إلى أن يترك الانسان الحفظ، و لا أفضل من حفظ كتاب الله العزيز فدراسات غربية أُجريت على مجموعة من العلماء أثبتت أنه يوجد في دماغ عدد من هؤلاء العلماء مادة لا توجد لدى غيرهم و تبين أن العلماء المنفردين بتلك المادة علماء مسلمون و السبب في ذلك هو حفظهم للقرآن الكريم، هؤلاء العلماء ( في تخصصات علمية ) وُجد أنه كلما كثر مقدار حفظ القرآن لدى العالم زادت تلك المادة .
أرجو أن تكون الفكرة التي أردت إيصالها واضحة، و بالتوفيق لي و لجميع الطلبة .