الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
يجب إعفاء اللحية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمَر بإعفائها ونَهى عن حَلقِها . فالأمر يقتضي الوجوب ، والنهي يقتضي التحريم ، فاجْتَمَع فيها الأمران : الأمر والنهي ؛ الأمر بإعفائها والنهي عن حَلْقِها .
وقد جاء الأمر بإعفاء اللحية بِخَمْس صِيَغ .
قال الإمام النووي : فَحَصَل خمس روايات : " أعْفُوا " و " أوْفُوا " و " أرْخُوا " و" ارْجُوا " و"وَفِّرُوا " ومعناها كُلها تَرْكها على حالها ، هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه ، وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء . اهـ .
فهذه الألفاظ تأكيد للأمر ، والأمر يقتضي الوجوب .
ولم يأخذ الصحابة رضي الله عنهم شيئا مِن لحاهم إلاّ في حجّ أو في عمرة ، فإنهم يأخذون ما زاد عن القبضة .
ولا يُعْرَف في الصحابة مِن أخذ مِن لحيته في غير الـنُّسُك ، فضلا عن أن يُعرَف عنهم حلقها أو تشذيبها ! كما لا يُعرَف ذلك عن التابعين ، ولا عن العلماء المتقدِّمِين ، حتى دخل الاحتلال إلى بلاد المسلمين ، وكثُر المساس بالكفّار ! فصار تقليدهم بذلك والتشبّه بهم !
والعلماء يعتبرون الاعتداء على اللحية موجِب للدية الكاملة .
قال الخرقي : وَفِي قَرْعِ الرَّأْسِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ الدِّيَةُ . وَفِي شَعْرِ اللِّحْيَةِ الدِّيَةُ ، إذَا لَمْ يَنْبُتْ .
قال ابن قدامة : وَإِنْ أَبْقَى مِنْ لِحْيَتِهِ مَا لَا جَمَالَ فِيهِ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الشَّعْرِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ ; لِأَنَّهُ مَحَلٌّ يَجِبُ فِي بَعْضِهِ بِحِصَّتِهِ ، فَأَشْبَهَ الْأُذُنَ وَمَارِنَ الْأَنْفِ .
وَالثَّانِي : تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ; لِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْمَقْصُودَ كُلَّهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَ الْعَيْنَيْنِ ; وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ رُبَّمَا أَحْوَجَتْ إلَى إذْهَابِ الْبَاقِي ، لِزِيَادَتِهِ فِي الْقُبْحِ عَلَى ذَهَابِ الْكُلِّ ، فَتَكُونُ جِنَايَتُهُ سَبَبًا لِذَهَابِ الْكُلِّ ، فَأَوْجَبَتْ دِيَتَهُ . اهـ .
ونصّ العلماء على أن إتلاف اللحية لا يجوز القِصاص فيه ، تَعظيما لها ، ولأن حَلْقَها يُعتبر تَشْويها ومُثْلَة .
قال الباجي : الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُضَافُ إِلَى الْحَدِّ : هَلْ يُضَافُ إِلَيْهِ حَلْقُ الرَّأْسِ أَمْ لَا ؟ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ : لا يُحْلَقُ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ فِي الْخَمْرِ وَلا الْقَذْفِ ؛ لأَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ تَمْثِيلٌ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْحَدِّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، فَلَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ ، كَمَا لا يَلْزَمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ وَلا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّمْثِيلِ ، وَلأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَالصَّحَابَةَ بَعْدَهُ قَدْ حَدُّوا فِي الْخَمْرِ وَالْفِرْيَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْمَحْدُودِ . اهـ .
وقال البهوتي : " ويَحْرُم التعزير بِحَلْقِ لِحْيَته لِمَا فيه من الْمُثْلة " . اهـ .
ونَصُّوا على أن الإنسان لو حَلَق لحية مملوكه ، فإنه يعتق عليه ؛ لأنه تعدّى عليه .
قال الباجي في ذلك : وَأَمَّا الْعَبْدُ النَّبِيلُ الَّذِي قَدْ عَظُمَ قَدْرُهُ ، أَوْ الْجَارِيَةُ الَّتِي لَهَا قَدْرٌ رَفِيعٌ لا تَصْلُحُ لِلامْتِهَانِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا ، فَمَنْ بَلَغَهُ مِنْهُمَا عَتَقَا عَلَيْهِ . اهـ .