السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إخواني الكرام لما رأيت الأخ يونس العامري قد ارتقى مرتقى صعبا ونطح جبلا صلبا ولم يكن منصفا في كلامه على شيخ الإسلام وهو في ذلك ذيل لغيره، أحببت أن أنقل لإخواني جواب نفيس لأحد العلماء في عصرنا ممن أنصف شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر ما له وما عليه، وساق كلام العلماء فيه، جريا وتمشيا مع مبدأ أهل السنة والجماعة: أنهم يذكرون ما لهم وما عليهم، لأن الإنصاف عزيز كما يقول العلماء....... أسأل الله تعالى أن يهدي أخانا إلى الحق ويجعله ممن يعظم الحق وأهله ويأخذ العلم ويجتنب زغله، لأن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )).........
سئل الشيخ العلامة محمد رشيد رضا عن موقفه من الإمام ابن حجر الهيتمي المكي في فتاويه وهو يطعن ويجرح ويقدح في شيخ الإسلام ابن تيمية فأجاب قائلا:
(......يغلب على ظننا أن الفقيه ابن حجر الهيتمي - رحمه الله تعالى - لم يطلع على كُتب ابن تيمية، وإنما رأى ما انتقده عليه بعض معاصريه كالشيخ تقي الدين السبكي وغيره ، فأنكر ذلك عليه ، ولا يبعد أن يكون بعض المفسدين قد دس في كلام ابن حجر ذلك السباب والشتم الذي يجل مثله عن مثله ، وذلك مما حدث كثيرًا كما بيَّنه الشعراني في (كتاب اليواقيت والجواهر) وغيره ، حتى ذكر أن بعض كتبه نسخ في عصره ودست فيه ضلالات كثيرة ، ولم يقتنع العلماء بأن تلك الضلالات من دسائس المفسدين ، إلا بعد أن أبرز لهم ما كتبه بخطه.
ويظهر أنه لم يطلع أيضًا على ما قاله حفاظ الحديث والعلماء والمؤرخون في الثناء على ابن تيمية ، بما لم يثنوا بمثله على أحد ، حتى شهد له معاصروه ومناظروه بالوصول إلى رتبة الاجتهاد المطلق ، ومن كان كذلك لا بد أن يخالف غيره من المجتهدين في بعض المسائل ، ويعز على الفقهاء المقلدين أن يوجد في عصرهم من يخالف أئمتهم ، بل مَن دون أئمتهم ممن يجلون من الميتين ، حتى كأن الموت يجعل العالم معصومًا !.
ولذلك ترى أن سبب قيام الشيخ كمال الدين الزملكاني والشيخ نصر ابن المنبجي على ابن تيمية ؛ هو إنكاره على الشيخ محيي الدين بن عربي ، وسبب قيام أبي حيان عليه هو إنكاره على سيبويه وتخطئته له , فهؤلاء الثلاثة والشيخ تقي الدين السبكي هم أعظم العلماء الذين أنكروا عليه في عصره ، ومن أسباب حنقهم عليه تشدده في الإنكار عليهم هم فيما انتصروا به لابن عربي وسيبويه , ولكن كل واحد منهم قد أثنى عليه ثناءً عظيمًا قبل وقوع النفور بينهم كما سيأتي.
وقد ألَّف بعض العلماء كتبًا خاصة في الثناء على ابن تيمية والانتصار له ، منها (القول الجلي في ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي) للعلامة المحدث السيد صفي الدين الحنفي البخاري نزيل نابلس . ومنها ( جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) أي: أحمد بن تيمية ، وأحمد بن حجر ، وإننا ننقل عن كل منهما طائفة من النقول عن العلماء في ترجمة ابن تيمية.
قال صاحب القول الجلي في أول كتابه ما نصه :
( ولد - رحمه الله تعالى - في عاشر ربيع الأول سنه إحدى وستين وست مائة ، وقرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو دون البلوغ ، وبرع في التفسير
وأفتى ودرَّس ، وله نحو العشرين ، وصنف التصانيف ، وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه ، وله المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان ، ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراسة وأكثر ، وفسر كتاب الله تعالى مدة سنين.
وكان يتوقد ذكاء ، وسمع من الحديث أكثره ، وشيوخه أكثر من مئتي شيخ ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى ، وحفظ الحديث ورجاله وصحته وسقمه فما يلحق فيه ، وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلاً عن المذاهب الأربعة فليس له فيه نظير ، وأما معرفته بالمِلَل والنِحَل فلا أعلم له فيها نظيرًا ، ويدري جملة صالحة من اللغة ، وعربيته قوية جدًّا ، ومعرفته بالتفسير والتاريخ فعجب عجيب. انتهى ملخصًا من كلام شيخ الإسلام أبي عبد الله الذهبي فيما نقله عنه الحافظ الكبير ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي.
قال الحافظ الذهبي الدمشقي في معجم شيوخه ـ الذي قال فيه الحافظ ابن حجر: هو من أهل الاستقراء التام في نقده الرجال ـ قال:
شيخنا وشيخ الإسلام ، وفريد العصر علمًا ومعرفة وشجاعة وذكاء وتنويرًا إلهيًّا وكرمًا ونصحًا للأمة ، وأمرًا بالمعروف ، ونهيًا عن المنكر ، سمع الحديث ، وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته ، وخرج ونظر في الرجال والطبقات ، وحصل ما لم يحصل غيره وبرع في تفسير القرآن ، وغاص في دقائق معانيه بطبع سيال ، وخاطر وقاد إلى مواضع الإشكال ميال ، واستنبط منها أشياء لم يسبق إليها ، وبرع في الحديث وحفظه ، فقل من يحفظ ما يحفظه من الحديث ، مع شدة استحضاره له وقت الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه ، واختلاف المذاهب ، وفتاوى الصحابة والتابعين ، أتقن العربية أصولاً وفروعًا . ونظر في العقليات ، وعرف أفعال المتكلمين ورد عليهم ، ونبه على خطئهم وحذر منهم ، ونصر السنة بأوضح حجج ، وأبهر براهين وأُوذي في ذات الله من المخالفين ، أخيف في نصر السنة المحفوظة حتى أعلى الله تعالى مناره ، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له ، وكبت أعداءه ، وهدى به رجالاً كثيرة من أهل الملل والنحل ، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبًا ، وعلى طاعته ، وأحيا به الشام بل الإسلام ، بعد أن كاد ينثلم خصوصًا في كائنة التتار ، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي فلو حلفت بين الركن والمقام ؛ أني ما رأيت بعيني مثله ، وأنه ما رأى مثل نفسه لما حنثت. اهـ
وقال الحافظ شمس الدين السخاوي الشافعي في فتاواه في حديث ( كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين ) ، وفي حديث ( كنت نبيًّا ولا آدم ولا ماء ولا طين ) ، حيث أجاب باعتماده كلام ابن تيمية في وضع اللفظيين ، وناهيك به اطلاعًا وحفظًا ، أقرَّ له بذلك المخالف والموافق ، قال:
وكيف لا يعتمد كلامه في مثل هذا ؟ وقد قال فيه الحافظ الذهبي: ما رأيت أشد حفظًا للمتون وعزوها منه ، وكانت السنة بين عينيه وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة ، وعين مفتوحة.
وقال حافظ الإسلام ، الحبر النبيل ، أستاذ أئمة الجرح والتعديل ، شيخ المحدثين جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الركن عبد الرحمن المزي الشافعي فيما نقله عنه الحافظ ابن ناصر الدين:
ما رأيت مثله - يعني ابن تيمية - ولا رأى هو مثل نفسه ، وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أتبع لهما منه. اهـ
وقد تقدم عن الحافظ الذهبي نحوه ، وناهيك بهذا الكلام من الحافظين العدلين المستوعبين: أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي.
وقال الشيخ الإمام بقية المجتهدين تقي الدين بن دقيق العيد الشافعي لما اجتمع به وسمع كلامه:
كنت أظن أن الله تعالى ما بقي يخلق مثلك , وقال أيضًا: رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد. ذكره الحافظ المذكور.
ونقل في الشذرات عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ، وقد سئل عن الشيخ ابن تيمية بعد اجتماعه به ، كيف رأيته ؟ قال:
رأيت رجلاً سائر العلوم بين عينيه ، يأخذ ما شاء منها ، ويترك ما شاء فقيل له لم تتناظران ؟ قال: لأنه يحب الكلام وأحب السكوت.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير الشافعي:
وبالجملة كان - رحمه الله تعالى- من كبار العلماء ، وممن يخطئ ويصيب ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لُجِّيٍّ ، وخطؤه أيضًا مغفور له لما صح في صحيح البخاري ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ) ، وقال الإمام مالك بن أنس: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وآله وسلم. وما قاله في غاية الحسن ، والحافظ المذكور ثقة حجة باتفاق.
وقد ترجمه الحافظ ابن حجر بترجمة جليلة جدًّا فلا التفات إلى ما نقله عنه الشيخ تقي الدين الحصني ، نعم كان يقول: يقول الشيخ ابن تيمية في مسألة الطلاق ، فأوذي بسببه ومع أنه خالف الأئمة الأربعة في ذلك ، فلم يتفرد به كما هو مبين في موضعه ، وهو وإن كان خطأ فاحشًا فلا يوجب التفسيق فافهم.اهـ
( فإن قلت ) : ما ذكره الإمام الحافظ ابن كثير مبني على أن الشيخ قد بلغ رتبة الاجتهاد ، وأنى له بهذه المرتبة ، وقد انقطع الاجتهاد من زمان طويل ! !
( قلت ) : وقد نص على أنه بلغ رتبة الاجتهاد جمع من العلماء منهم الإمام أبو عبد الله الذهبي فيما ذكره ابن ناصر والحافظ ابن حجر ، كما سيأتي ، والحافظ السيوطي في طبقات الحفاظ فيما أحفظ ، ولم يتفرد بمسألة منكرة قط ، وإن كان قد خالف الأئمة الأربعة في مسائل فقد وافق فيها بعض الصحابة أو التابعين ، ومن أشنع ما وقع له مسألة تحريم السفر إلى زيارة القبور ، وقد قال به قبله أبو عبد الله ابن بطة الحنبلي في الإبانة الصغرى وسنذكره عن قريب ، إن شاء الله تعالى .
وقال الحافظ ابن حجر فيما كتبه على الرد الوافر لشيخ الإسلام الحافظ الهمام ابن ناصر الدين الدمشقي ما نصه:
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة مرارًا ، بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع ، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة وبدمشق ، ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ، ولا أفتى بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه - رحمه الله - من أهل الدولة ، حتى حبس بالقاهرة ، ثم بالإسكندرية ، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وورعه وزهده ووصفه بالسخاء والشجاعة ، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام والدعاء إلى الله في السر والعلانية ، فكيف لا ينكر على من أطلق عليه أنه كافر ، بل من أطلق على من سماه بشيخ الإسلام الكفر ، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك ، فإنه شيخ الإسلام بلا ريب ، والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادًا ، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبرئ منه ، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب ، فالذي أصاب فيه وهو الأكثر يستفاد منه ويترجم عليه بسببه ، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه ؛ أي كمسألة الزيارة والطلاق ، بل هو معذور ؛ لأن أئمة عصره شهدوا بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه ، حتى كان أشد المتعصبين عليه ، والقائمين في إيصال الشر إليه وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني يشهد له بذلك ، وكذا الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره ، ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قيامًا على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة ، وفتاواه فيهم لا تدخل تحت الحصر ، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا تكفيره ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره ، فالواجب على من تلبّس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل ، فيفرد من ذلك ما ينكر ، فيحذر من ذلك على قدر قصد النصح ، ويثني عليه بقضائه فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء ، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية ، صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف - لكان غاية في الدلالة على عظمة منزلته ، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتمييز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلاً عن الحنابلة ، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر أو على من سماه شيخ الإسلام ، لا يلتفت إليه ولا يعول في هذا المقام عليه ، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق، ويذعن للصواب ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل حسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال شيخ الإسلام صالح ابن شيخ الإسلام عمر البلقيني - رحمه الله تعالى - فيما كتبه على الكتاب المذكور:
ولقد افتخر قاضي القضاة تاج الدين السبكي في ثناء الأئمة عليه بأن الحافظ المزي لم يكتب لفظة شيخ الإسلام إلا لأبيه ، وللشيخ تقي الدين بن تيمية ، وللشيخ شمس الدين أبى عمر ، فلولا أن ابن تيمية في غاية العلو في العلم والعمل ، ما قرن ابن السبكي أباه معه في هذه النقبة التي نقلها ، ولو كان ابن تيمية مبتدعًا أو زنديقًا ، ما رضي أن يكون أبوه قرينًا له.
نعم وقد ينسب الشيخ تقي الدين لأشياء أنكرها عليه معارضوه ، وانتصب للرد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في مسألتي الزيارة والطلاق ، وأفرد كلا منهما بتصنيف ، وليس في ذلك ما يقتضي كفره ولا زندقته أصلاً ( وكل أحد يؤخذ من قوله أو يترك إلا صاحب هذا القبر ) والسعيد من عدت غلطاته ، وانحصرت سقطاته ، ثم إن الظن بالشيخ تقي الدين أنه لم يصدر ذلك تهورًا وعدوانًا - حاش لله - بل لعله لرأي رآه وأقام عليه برهانًا ، ولم نقف إلى الآن بعد التروي والفحص على شيء يقتضي كفره ولا زندقته ، وإنما وقفت على ما رده على أهل البدع والأهواء أو غير ذلك مما يظن به براءة الرجل ، وعلى مرتبته في العلم والدين ، وتوقير العلماء والكبار وأهل الفضل متعين ، قال الله تعالى: { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ( الزمر : 9 ) وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا - وفي رواية - حق كبيرنا ) وكيف يجوز أن يقدم على رمي عالم بفسق أو كفر ، ولم يكن ذلك فيه. اهـ
قلت : وسنذكر- إن شاء الله تعالى - قريبًا ما يكون صريحًا في تنزيهه عما نسب إليه من التشبيه والتجسيم .
وقال قاضي القضاة عبد الله التهفتي الحنفي عامله الله بلطفه الخفي فيما كتبه على الكتاب المذكور:
إن الشيخ تقي الدين كان على ما نقل إلينا من الذين عاشروه وما اطلعنا عليه من كلام تلميذه ابن قيم الجوزية الذي صارت تصانيفه في الآفاق عالمًا متعنيًا ، مقللاً من الدنيا ، معرضًا عنها ، متمكنًا من إقامة الأدلة على الخصوم وحافظًا للسنة ، عارفًا بطرقها ، عارفًا بالأصلَيْن : أصول الدين وأصول الفقه ، قادرًا على الاستنباط في تخريج المعاني ، لا يلومه ( لعله لا تأخذه ) في الله لومة لائم ، على أهل البدع: المجسمة والحلولية والمعتزلة والروافض وغيرهم .
(قال): فمن كان متصفًا بهذه الأوصاف كيف لا يلقب بشيخ الإسلام ، بأي معنًى أريد منه!!؟
( قال) : وإنما قام عليه بعض العلماء في مسألتي الزيارة والطلاق وقضية من قام عليه شهوده ، والمسألتان المذكورتان ليستا من أصول الأديان ، وإنما هما من فروع الشريعة التي أجمع العلماء على أن المخطئ فيها مجتهد يثاب ، لا يكفر ولا يفسق ... إلخ ما قال.
وقال شيخ الإسلام العيني الحنفي فيما كتب على الكتاب المذكور:
وما هم أي المنكرون على ابن تيمية - رحمه الله تعالى - إلا صلقع بلقع سلقع ، والمكفر منهم صلعمة بن قلمعة ، وهيان بن بيان ، وهيّ بن بيّ ، وضل بن ضل ، وضلال بن التلال ، ومن الشائع المستفيض أن الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين ابن تيمية من شمّ عرانين الأفاضل ، ومن جمّ براهين الأماثل.
( قال ) : وهو الذابّ عن الدين ، طعن الزنادقة والملحدين ، والناقد للمرويات عن النبي سيد المرسلين ، وللمأثورات عن الصحابة والتابعين ، فمن قال : إنه كافر فهو كافر حقيق ، ومن نسبه إلى الزندقة فهو زنديق ، وكيف ذلك ؟ وقد سارت تصانيفه إلى الآفاق ، وليس فيها شيء مما يدل على الزيغ والشقاق ، ولكن بحثه فيما صدر عنه في مسألتي الزيارة والطلاق ، عن اجتهاد سائغ بالاتفاق ، والمجتهد في الحالين مأجور ومثاب ، وليس فيه شيء مما يذم أو يعاب.
( قال) : ولا ريب أنه كان شيخًا لجماعة من علماء الإسلام ، ولتلامذة من فقهاء الأنام ، فإذا كان كذلك ، كيف لا يطلق عليه شيخ الإسلام ؛ لأن من كان شيخًا للمسلمين يكون شيخًا للإسلام.
وقال شيخ الإسلام البساطي المالكي:
وأما قول من قال إنه - يعني ابن تيمية - كافر ، وإن من قال في حقه إنه شيخ الإسلام كافر - فهذه مقالة تقشعر لسماعها الجلود ، وتذوب لسماعها القلوب ، ويضحك إبليس اللعين بها ويشمت ، وينشرح بها أفئدة المخالفين وتسمت ، ثم يقال : كيف لو فرضنا أنك اطلعت على ما يقتضي هذا في حقه ، فما مستندك في الكلام الثاني ، وكيف تصح لك هذه الكلمة المتناولة لمن سبقك ولمن هو آت بعدك إلى يوم القيامة ؟ وهل يمكنك أن تدعي أن الكل اطلعوا على ما اطلعت أنت عليه ؟ وهل هذا إلا استخفاف بالحكام وعدم مبالاة ببني الأيام ، والواجب أن يطلب هذا القائل ، ويقال له : لم قلت ؟ وما وجه ذلك ؟ فإن أتى بوجه لا يخرج به شرعًا عن العهدة بأن كان واهيًا ، برح به تبريحًا يردع أمثاله عن الإقدام على أعراض المسلمين. اهـ
( قلت): فتأمل - رعاك الله - كلام هؤلاء الأعلام في مدح هذا الإمام، فكيف ينسب إلى بدعة التجسيم أو يعاب بشيء غير ذلك أو يلام!.) انتهى كلام الشيخ محمد رشيد رضا من مجلة المنار (12/ 41).
المراجع التي ترجمت لشيخ الإسلام ابن تيمية:
الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي (1/27 وما بعدها)، الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 31ـ 67)، العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية لابن عبد الهادي (1/283).
الوفيات ( 7/15)، ذيل ابن رجب( 2/ 387 ) ، والدرر الكامنة(1/ 144)، والبدر الطالع( 1/ 63)، البداية والنهاية (14/ 135)، وتاريخ ابن الوردي (2/ 284)، والنجوم الزاهرة (9/ 271).