السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل نبي المرسلين صلى الله عليه وسلم............. وبعد....
إننا ابتلينا في هذه الأزمان بأناس تمرغوا على عتبات الحضارة الغربية الكافرة الضالة ، انبهاراً بعلومهم المادية الزائلة ، وتأثراً بشبهاتهم الفاسدة الخاسرة ، فتنكبوا طريق الحق الذي معهم وتركوه يسيرون على غير هدى خلف أقوام في نهاية السفل و الانحدار ، و الله المستعان ، ولم يكتف أقوام منهم بذلك ! بل راح يطيل لسانه في سلفنا الصالح ويتطاول عليهم ويصفهم بالأباطيل و الأكاذيب ، وهذا نص نفيس كالذهب متين كالألماس من الإمام العلامة ابن قيم الجوزية يرد فيهم على قالات هؤلاء وترهاتهم وفيه : - بيان حقيقة العلم النافع الصالح .
- وبيان حقيقة منزلة السلف الصالح من الصحابة و التابعين و إظهار فضلهم وعلومهم .
- وبيان حقيقة ما عليه هذه الأقوام الكافرة الضالة .
فخذه أيها السلفي و تمعنه و تفهمه ولتشرئب عنقك عزة وفخراً ولتسمو هامتك فوق السحاب كرامة وإباءً ، وليخسأ عدوك الكافر البغيض ، و تابعه المفتون المريض .
[ المسلمون فوق كل الأمم في الأعمال و المعارف النافعة ]
قال الإمام العلامة المحقق شمس الدين ابن قيم الجوزية في مصنفه هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى [ من صفحة 120 ] :
(فصل) : قال السائل:
تدخل علينا الريبة من جهة عبد الله بن سلام وأصحابه، وهو أنكم قد بنيتم أكثر أساس شريعتكم في الحلال والحرام والأمر والنهي على أحاديث عوام من الصحابة، الذين ليس لهم بحث في علم ولا دراسة ولا كتابة قبل مبعث نبيكم، فابن سلام وأصحابه أولى أن تأخذ بأحاديثهم ورواياتهم، لأنهم كانوا أهل علم وبحث ودراسة وكتابة، قبل مبعث نبيكم وبعده، ولا نراكم تروون عنهم من الحلال والحرام والأمر والنهي إلا شيئا يسيرا جدا، وهو ضعيف عندكم.
والجواب من وجوه:
أحدها:أن هذا بَهْتٌ من قائله، فإنا لم نبن أساس شريعتنا في الحلال والحرام والأمر والنهي إلا على كتاب ربنا المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي تحدى به الأمم كلها على اختلاف علومها وأجناسها وطبائعها وهو في غاية الضعف، وأعداؤه طبق الأرض، أن يعارضوه بمثله فيكونوا أولى بالحق منه، ويظهر كذبه وصدقهم فعجزوا عن ذلك. فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، فتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا.
هذا وأعداؤه الْأَدْنَوْنَ منه أفصح الخلق، وهم أهل البلاغة والفصاحة واللَّسَنِ والنظم والنثر والخطب وأنواع الكلام، فما منهم من فاه في معارضته ببنت شفة، وكانوا أحرص الناس على تكذيبه وأشدهم أذى له بالقول والفعل والتنفير عنه بكل طريق، فما تفرد أحد منهم عنه بسورة واحدة إلا مسيلمة الكذاب بمثل قوله: يا ضفدع بنت ضفدعين، نِقِّي كَمْ تَنِقِّينَ، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين، ومثل: والطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، فالخابزات خبزا، إهالة وسمنا، وأمثال ذلك من هذه الألفاظ التي هي بألفاظ أهل المجون والمعتوهين أشبه منها بألفاظ العقلاء.
فالمسلمون إنما بنوا أساس دينهم ومعالم حلالهم وحرامهم على الكتاب الذي لم ينزل من السماء كتاب أعظم منه، فيه بيان كل شيء وتفصيل كل شيء، وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور، به هدى الله رسوله وأمته فهو أساس دينهم.
الثاني: أن قولكم إن المسلمين بنوا أساس دينهم على رواية عوام من الصحابة من أعظم البهت وأفحش الكذب، فإنهم وإن كانوا أُمِّيِّينَ قد بعث الله فيهم رسوله زكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة، وفضلهم في العلم والهدى، والمعارف الإلهية، والعلوم النافعة المكملة للنفوس على جميع الأمم، فلم تبق أمة من الأمم تدانيهم في فضلهم وعلومهم وأعمالهم ومعارفهم، فلو قيس ما عند جميع الأمم من معرفة وعلم وهدى وبصيرة إلى ما عندهم لم يظهر له نسبة إليه بوجه ما، وإن كان غيرهم من الأمم أعلم بالحساب والهندسة، والكم المتصل والكم المنفصل، والنبض والقارورة والبول والقسطة، ووزن الأنهار ونقوش الحيطان، ووضع الآلات العجيبة، وصناعة الكيمياء، وعلم الفلاحة، وعلم الهيئة وتسيير الكواكب، وعلم الموسيقى والألحان، وغير ذلك من العلوم التي هي بين علم لا ينفع، وبين ظنون كاذبة، وبين علم نَفْعُهُ في العاجلة وليس من زاد المعاد، فإن أردتم أن الصحابة كانوا عواما في هذه العلوم فَنَعَمْ إِذًا، وتلك شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
وإن أردتم أن الصحابة كانوا عواما في العلم بالله وأسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه، ودينه وشرعه وتفاصيله، واليوم الآخر وتفاصيله، وتفاصيل ما بعد الموت، وعلم سعادة النفوس وشقاوتها، وعلم صلاح القلوب وأمراضها، فمَن بَهَتَ نبيهم بما بهته به وجحد نبوته ورسالته التي هي للبصائر أظهر من الشمس للأبصار، لم يُنْكَرْ له أن يبهت أصحابه، ويجحد فضلهم ومعرفتهم، ويُنْكِرَ ما خصهم الله به وميزهم على من قبلهم، ومن هو كائن من بعدهم إلى يوم القيامة،
وقد كان الحواريون الذين نقلوا لأتباع المسيح معالم دينه، وسيرة المسيح لا يعلمون شيئا من ذلك، حتى مَنَّ الله بالمسيح وشاهدوا ما خصه الله به من الآيات وأظهره على يده من المعجزات، وكَمَّلَ نفوسهم بالعلوم الإلهية والفضائل النفسانية، فصاروا يفعلون ما نقله الجم الغفير إلينا عنهم من العجائب، ويدونون العلوم، كل ذلك ببركته،
وكذلك هؤلاء، أعني الصحابة رضي الله عنهم، وكيف يكونون عواما في ذلك وهم أذكى الناس فطرة، وأزكاهم نفوسا، هم يتلقونه غضا طريا، و مَحْضًا لَمْ يُشَبْ عن نبيهم، وهم أحرص الناس عليه، وأشوقهم إليه، وخبر السماء يأتيهم على لسانه في ساعات الليل والنهار، والحضر والسفر، وكتابهم قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين، وعلم ما كان من المبدأ، وتخليق العالم، وأحوال الأمم الماضية، والأنبياء وسيرهم وأحوالهم مع أممهم، ودرجاتهم ومنازلهم عند الله، وعددهم، وعدد المرسلين منهم، وذكر كتبهم وأنواع العقوبات التي عذب الله بها أعداءهم، وما أكرم به أتباعهم، وذكر الملائكة وأصنافهم وأنواعهم وما وكلوا به واستعملوا فيه، وذكر اليوم الآخر وتفاصيل أحواله، وذكر الجنة وتفاصيل نعيمها، والنار وتفاصيل عذابها، وذكر البرزخ وتفاصيل أحوال الخلق فيه، وذكر أشراط الساعة والإخبار بها مفصلا بما لم يتضمنه كتاب غيره من حين قامت الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما أخبر به المسيح عنه من قوله في الإنجيل وقد بشرهم به فقال: (( وكل شيء أعده الله لكم يخبركم به )) ، وفي موضع آخر منه: (( ويخبركم بالحوادث والغيوب )) ، وفي موضع آخر (( ويعلمكم كل شيء )) ، وفي موضع آخر: (( يحيي لكم الأسرار ويفسر لكم كل شيء وأجيئكم بالأمثال وهو يجيئكم بالتأويل )) ، وفي موضع آخر: (( إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم، ولكنكم لا تستطيعون حمله، لكن إذا جاء روح الحق ذاك يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع، ويخبركم بكل ما يأتي، ويعرفكم جميع ما للأب )) . فمن هذا علمه بشهادة المسيح، وأصحابه يتلقون ذلك جميعه عنه، وهم أذكى الخلق وأحفظهم وأحرصهم، كيف تدانيهم أمة من الأمم في هذه العلوم والمعارف؟
ولقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الصبح، ثم صعد المنبر فخطبهم حتى حضرت الظهر، ثم نزل وصلى، وصعد فخطبهم حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى وصعد وخطبهم حتى حضرت المغرب، فلم يدع شيئا إلى قيام الساعة إلا أخبرهم به، فكان أعلمهم أحفظهم. وخطبهم مرة أخرى فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم.
وقال يهودي لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! قال أجل. فهذا اليهودي كان أعلم بنبينا من هذا السائل وطائفته!! .