ثورة البحرين المكون الداخلي والمؤثر الجيوستراتيجي
تنظر المعارضة البحرينية إلى ثورتها على انها ثورة تشبه باقي الثورات في العالم، فدعوتها السلطة لإعطاء الحقوق للمواطنين مرتبطة بالحقوق الشرعية التي يطالب بها كل شعب، ويعتبر البحرينيون أن ثورتهم هي ثورة محقة في وجه نظام يستأثر بالبحرين وبخيراتها من البترول، إضافة إلى الاستئثار السياسي، وما يميز عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين هو نوعية العقلية التي تتعاطى بها مع الرعية أو مع من يفترض أن يكونوا مواطنين كسائر المواطنين مثلهم مثل باقي الشعوب في كافة انحاء العالم. هذا ما بينه كل من رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان يوسف ربيع والمفكر والكاتب ورئيس تحرير جريدة "الوسط" البحرينية سابقا وليد نويهض في الندوة التي دارت حول المؤثر الجيوستراتيجي على ثورة البحرين وما للتكوين الداخلي من تأثير على هوية الثورة.
يوسف ربيع كبحريني اعتبر ان المشكلة الأساس هي في العقلية التي تتعاطى بها عائلة آل خليفة كسلطة تفرض على الشعب البحريني واجب الطاعة، لأن آل خليفة ما زالوا يعيشون في القرون الوسطى ويتعاطون مع الشعب بعقلية الفاتحين، ويطالبون الشعب بالولاء والطاعة العمياء لأنهم كما كان حال الغزوات والفتح قديما عندما كانت تنصاع الشعوب المغزوة إلى غازيها، فهم يتوقعون من شعب البحرين الطاعة العمياء.
ويقول ربيع إن خير مثال على عقلية الفتح هي التسميات التي تصبغها العائلة الحاكمة على بعض الأماكن، مثل: مسجد الفاتح، مدرسة الفاتح، شارع الفاتح، وهكذا… ويؤكد ربيع "ان العائلة الحاكمة ترفض المطالب الشعبية لأنها لا تتوقع من الشعب إلاّ الولاء والطاعة فقط. نحن ليس لدينا فضائية بحرانية سوى التلفزيون الرسمي البحريني، وقمع الحريات متواصل وخوف النظام البحريني من الثورة أوصله إلى أن يخاف من المساجد، فقد تم تدمير 40 مسجدا في البحرين".
منظومة الولاء وعقلية الغنيمة لم يستطع الشعب البحريني تحملها كونه شعب حر لا يقبل الذل، وقد وعت العائلة الحاكمة هذه المسألة وانتبهت إلى مسألة مهمة وهي التكوين الديمغرافي في البحرين الذي يمكن ان يطيح بالعائلة المالكة وبكل ما استأثرت به منذ أكثر من مئتي عام، فلجأت إلى التجنيس كما يقول ربيع "عندما وجدت العائلة الحاكمة ان العدد مهم، وهذا طبعا من ضمن عقلية الولاء والغنيمة، لجأت إلى التجنيس السياسي، وإذا اردنا أن نلاحق ملفات التجنيس فإننا سوف نضيع في متاهات عديدة لأن التجنيس يتم في حالة من الفوضى غير المنظمة، وتتعاطى العائلة المالكة بعقلية القبيلة المتحكمة على باقي العشيرة، فنجد الملك يجنس بقرار خاص منه، ونجد أيضا وزارة الداخلية تجنس والديوان الملكي يجنس، حتى إن نساء قبيلة آل خليفة يجنسن من يردن من الغرباء بقرار مباشر منهن ويؤخذ به، وللآن ليس لدينا رقم دقيق عن عدد المجنسين ولكن الأرقام المتداولة هي ما بين 300 إلى 400 ألف مجنس. هذا التجنيس السياسي ليس لصالح الطائفة السنية في البحرين، إنما هو لصالح الولاء للملك، وهنا نرى كيف ان المجنسين في الشرطة والجيش يستخدمهم النظام ليبطشوا بالناس سواء كان سنة أم شيعة لانهم غرباء".
يرفض رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان تسمية ثورة البحرين بأنها ثورة طائفية ويقول: "هناك اشكال طائفي وليس ثورة طائفية، وهذا الإشكال رسخه النظام وعائلة آل خليفة بعقلية الفتح والغنيمة، فأُلصقت المطالبة بالحرية والعدالة والمشاركة السياسية بالطائفية وأن مردها طائفي من إيران كما يزعمون للتغطية على ما يقومون به من قمع للحريات وخاصة بعد ان تفاقم الوضع الاجتماعي. نعم هناك نهضة ظاهرية في البحرين ويمكن للزائر ان يرى أن هناك فنادق وحانات ومراقص ليس من باب تحديث المجتمع أو بناء الدولة المدنية، بل من باب المفاسد كي تكون البحرين ملجأ للخليجي الذي لا يجد هذه المفاسد في بلده. وفي المقابل فإن من يدقق بالداخل فلا يجد ان هناك مجلسا تشريعيا منتخبا من الشعب ويقرر فعلا بما يرضي الشعب، ولا يجد مؤسسات مدنية تدير المجتمع، وكأن آل خليفة تعمد إلى إيجاد جو الفساد للإيحاء بأن هناك نهضة كاذبة، وهي بذلك كما قلت تعمد إلى تثبيت عقلية الولاء والغنيمة اللتين تضمنان لها البقاء والإستمرار".
اما عن المؤثر الجيوستراتيجي للبحرين التي لا تتجازو مساحتها 500 كلم مربع، وهي كما يقول رئيس تحرير جريدة "الوسط" أقل من مساحة جنوب لبنان، وتعتبر الأكثر كثافة بالسكان نسبة إلى صغر حجمها وعدد سكانها الذي في غياب الإحصاءات لا يتجاوز 800 ألف نسمة، "آخر إحصاء سكاني في البحرين كان عام 1941 أجراه الإحصاء البريطاني وأظهر ان الشيعة يمثلون 51 بالمئة من السكان والسنة يمثلون 49 بالمئة، أما الآن وفي ظل غياب الإحصاء الجديد وعدم وضوح الخريطة السكانية يبدأ طرح أسئلة التهميش والتمييز وتبدأ الهوية الوطنية بالتعطل وتبرز المشاعر الطائفية، نعم هناك مشكلة طائفية، وهي ليست مفتعلة وإن حاولت بعض القوى استغلالها حتى تغطي على المطالب الإجتماعية، فالإصلاح الذي تطالب به المعارضة عموما يطاول كل الفئات، والنظام العادل يستفيد منه الجميع وليس لجهة ضد أخرى، لذلك ليس من مصلحة المعارضة التورط في ازمة ترتدي اللون المذهبي، إذاً السلطة هي التي لها مصلحة في التناحر تحت العنوان الطائفي". اما الجانب الآخر من الصورة فيقول نويهض من باب العلم كونه عاش فترة عشر سنوات في البحرين "الجانب الآخر هو الموقع الجيوسياسي، فالجغرافيا السياسية لعبت دورا وجعلت من البحرين منطقة قطع وصل بين المحيط، فكانت تحت عناوين ومسميات مختلفة منها: كونها المحطة التجارية سابقا وبعد ذلك الملجأ للفارين وللغزاة ومن ثم جسر الوصل كونها ذات ضفتين، ومن هنا سميت بالبحرين".
المكون البحريني الآن في مأزق والحالة السياسية معدومة كما يضيف نويهض: "المجلس الوطني المؤلف من غرفتين، غرفة منتخبة من 40 نائبا وغرفة أخرى معينة من الملك مؤلفة أيضا من 40 نائبا، ولكن المفارقة بين الغرفتين هي ان النواب المعينين من الملك لهم سلطة تعطيل القرارات في المجلس. هذا الوضع الدستوري قاطعته المعارضة ثم عادت للمشاركة وفازت جمعية "الوفاق" المعارضة بنسبة 45% من المقاعد ومع هذا لم تستطع أن تغير اي شيء في المجلس لأن المعينين من قبل الملك كان لهم سلطة تعطيل أي قرار (بما يشبه الفيتو في مجلس الأمن الدولي)، هنا كان العقم في اعطاء المعينين سلطة اكثر من المنتخب، ويمكن القول ان المشكلة في البحرين طويلة ومعقدة".
29-06-2012