الحل بين النظام الجزائري و التونسي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحل بين النظام الجزائري و التونسي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-12-30, 10:06   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الحل بين النظام الجزائري و التونسي

مقدمــة
في الوقت الراهن تجد الدول العربية نفسها أمام ضغوط لا حصرلها تحيط بأنظمتها السياسية داخليا وخارجيا لإجبارها على التغييروالإصلاح في إطارمنظومة عالمية مدروسة ونموذج جاهز للتطبيق، وهي في الواقع لا تهدف إلى دمقرطة هذه الأنظمة بقدر ما تريد أن تفرض عليها نظاما معينا، وتجد الضغوط الخارجية لها منفذا عبر السلبيات التي تحيط بالأنظمة العربية وفي مقدمتها دول المغرب العربي من حيث تركيز السلطات الذي يميزها وتأخرها في مسايرة الديمقراطية، مما يحتم عليها مراجعة العديد من الآليات الدستورية سعيا لتوزيع أكثرللسلطات في الدولة وإعطاء السلطة التشريعية دورا أكبر في صنع القرار باعتبارها تمثل سيادة الشعب والأمة وهذا ما يجعل منها عصب الديمقراطية.
تمكن النظامان الدستوريان الجزائري والتونسي خلال أكثر من أربعة عقود من الزمن، من إرساء قواعد نظامين سياسيين تعرضا للعديد من الانتقادات من طرف الفقه داخليا وخارجيا خاصة فيما يتعلق بالسلطات الواسعة لرئيس الجمهورية اتجاه جميع المؤسسات الدستورية، وككل الأنظمة التي تسعى للحفاظ على نفسها من الانهيار، حاول هذان النظامان توزيع السلطات بين هيئات مختلفة تأسيا بالأنظمة الديمقراطية عامة والتي لا يخرج توزيع السلطات فيها عن الإطار المعهود الذي تبناه العديد من الفقهاء والمنظرين لمبدأ الفصل بين السلطات، حيث تم توزيع الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية بين سلطات ثلاث مستقلة عن بعضها البعض وتقرير رقابة متبادلة بينها لمنع استبداد إحداها أو تفوقهاعلى الأقل من الناحية النظرية، فالسلطة التشريعية تتولى سن القوانين والتشريعات والسلطة التنفيذية تعمل على تنفيذها والسلطة القضائية تسعى لحل مختلف المنازعات سواء كانت بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والدولة أو أحد هيئاتها، وتحاول هذه السلطات أن تعمل بشكل يحفظ توازنها واستقرارها، حيث تنفرد كل منها بالوظيفة التي أنيطت بها دون أن تتدخل في مهام غيرها من السلطات .
إن استقلال هذه السلطات وانفصالها عن بعضها البعض لا يعني الفصل التام أو الجامد لأن هذا الأخير من الصعب بل من المستحيل تحقيقه عمليا وهو يؤدي حتما إلى شلل النظام وتوقفه لذلك تقررت عدة آليات تملكها كل سلطة اتجاه غيرها من السلطات، خاصة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كونهما متلازمتين وعمل إحداهما مرتبط بعمل الأخرى ومن هنا، وجدت حتمية التعاون بينهما وبالتالي وجود وسائل للتأثير والرقابة المتبادلة تضمن صيرورة النظام بشكل منسجم وحركي.
تطورت السلطة التشريعية في الجزائر وتونس من حيث تشكيلتها وقوتها على الساحة السياسية وضمن مؤسسات الدولة، فبعد أن كان البرلمان الجزائري وكذلك التونسي سابقا مكونا من غرفة واحدة وهي المجلس الشعبي الوطني في الجزائرومجلس النواب في تونس، أضيف للبرلمان الجزائري في ظل دستور 1996 غرفة ثانية وهي مجلس الأمة وأضيف مجلس المستشارين كغرفة ثانية للبرلمان التونسي وذلك في آخر تعديل للدستور التونسي عام 2002، وجاء هذا في إطار اتجاه البلدين إلى الثنائية البرلمانية في موجة عرفتها العديد من دول العالم وكان لكل بلد مبرراته الخاصة به.
يتم انتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات وهو يمثل الارادة الشعبية ويمارس المهمة التشريعية إضافة إلى صلاحياته في مجال الرقابة على الحكومة، ويتمتع أعضاؤه بالاستقلالية العضوية والوظيفية ويشمل تمثيله أغلب التشكيلات السياسية وكذلك مرشحين أحرارا والأمر نفسه في تونس إذ يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع العام و يضطلع بدوره بالمهمة التشريعية والرقابية.
أما بالنسبة للغرفة الثانية من البرلمان في البلدين فيتم تعيين ثلثها من طرف رئيس الجمهورية والباقي عن طريق الاقتراع غير المباشر ودورها التشريعي والرقابي محدود مقارنة بالغرفة الأولى.
تملك السلطة التشريعية في كل من الجزائر وتونس على غرار العديد من الدول اتجاه السلطة التنفيذية حق الرقابة التي تتدرج من الأسئلة الشفوية والكتابية إلى طرح مسألة الثقة والتصويت على ملتمس الرقابة الذي يليه سقوط الحكومة وهو ما يعبر عنه الفقه بالمسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وفي مقابل ذلك تملك السلطة التنفيذية سلاحا خطيرا اتجاه السلطة التشريعية وهو ما يعرف بحق حل البرلمان وهو موضوع دراستنا.
إذن تتطرق هذه الدراسة لمسألة حل اليبرلمان في كل من الجزائر وتونس في إطار دراسة مقارنة على ضوء النظامين الدستوريين لهذين البلدين المتجاورين جغرافيا والمشتركين في العديد من الخصائص والقيم الدينية والثقافية وكذلك الجوانب التاريخية.
عرفت الحل الدساتير الأربعة للجمهورية الجزائرية ولم يعرفه الدستور التونسي لعام 1959 لأن النظام آنذاك أراد تحقيق الفصل التام بين السلطات، ثم جاء التعديل الدستوري لعام 1976 الذي أدرج لأول مرة حق الحل في النظام التونسي ويتميز الدستور التونسي بتعديلاته الكثيرة
( 14 تعديلا).
وتتناول معظم الدساتير في العالم مسألة حل البرلمان بطرق مختلفة ففي حين تمرعليها بعض الدساتير مرورا سريعا، هناك دساتير أخرى تتناولها بشكل مفصل وتختلف هذه الدساتير أيضا في الجهة التي يتقرر لها حق حل البرلمان والمبررات والحالات التي ينجم عنها الحل وكذلك الإجراءات والآثار، ونشير إلى أن العديد من الدول لم تأخذ بفكرة حل البرلمان لاعتبارات تتعلق بكل نظام سياسي وخصوصيته و فلسفة الدستور، أما بالنسبة للنظامين الجزائري والتونسي الحاليين فتبنيا الحل، حيث يرد في كلى البلدين على الغرفه الأولى من البرلمان فقط، بخلاف بعض الدول التي أخذت بحل الغرفتين.
تكمن أهمية موضوع الدراسة في كون الحل من أهم الآليات الدستورية المؤثرة على بنية النظام الدستوري وعمل النظام السياسي، إذ لا يتوقف الأمر عن كونها آلية دستورية، بل إن لها بعدا سياسيا مهما يجعل منها أداة يمكن استخدامها لأغراض سياسية بحتة، وذلك كونها سلطة بيد رئيس الجمهورية الذي يتمتع بصلاحيات واسعة إتجاه جميع السلطات وفي مقدمتها السلطة التشريعية، كما أن مسألة حل البرلمان عموما تعد من الموضوعات الدستورية التي تشكل قطب الرحى ومركزاهتمام الرأي العام وأهل الاختصاص في جميع الدول بحكم اتصالها بالنظام السياسي والاجتماعي، وباعتبار أن التجربتين الدستوريتين الجزائرية و التونسية في هذا الخصوص حديثتين مقارنة بغيرها،إضافة إلى حداثة التعددية السياسية داخل البرلمان بالنسبة لكلى البلدين وما أحدثه ذلك من تأثير في بنية النظامين السياسيين، مما يستدعي الانتباه والدراسة لإحدى الآليات الدستورية الفاعلة في النظامين وهي الحل .
من جملة الاسباب لاختيار موضوع حل البرلمان في كل من الجزائر وتونس سبب شخصي وهوالرغبة في الاطلاع على تجربة بلد شقيق وكذلك الميل لموضوعات القانون الدستوري وما تتميز به من إثارة واهتمام من الرأي العام ولما تشكله من تأثير على جميع جوانب الحياة العادية، فضلا عن تعدد أبعادها وقيمة الأقلام التي كتبت فيها إضافة إلى أن هذا الموضوع يشكل مثارا للنقاش والجدل وله علاقة وطيدة بالكيفية التي يعمل بها النظام السياسي باعتبار الحل أحد أهم الميكانيزمات التي تميز النظامين الدستوريين الجزائري والتونسي، فضلا عن توفر المصادر والمراجع خاصة العامة منها والقرب الجغرافي للجمهورية التونسية مقارنة بغيرها من الدول العربية، إضافة إلى كون الموضوع المختار يتناسب والإمكانيات المادية المتاحة بالإضافة إلى العامل الزمني المناسب لإنجاز البحث .
أثناء إعداد هذا البحث تعرضنا لبعض الصعوبات في مرحلة تجميع المراجع والمتمثلة في قلة الامكانيات المادية التي تتيح لنا التنقل أكثر من مرة إلى الجامعات والمعاهد التونسية أين لم تصادفنا دراسات أو مراجع خاصة بموضوع حل البرلمان في النظام التونسي، بل وحتى المراجع العامة كانت قليلة جدا مقارنة بتلك الخاصة بالجزائر، هذا فضلا عن تصرفات بعض الجهات الإدارية من حيث تحفظها على تسليم وثائق أو مراجع للباحثين عموما وهذا في كلى البلدين .
كما تكمن الصعوبة في دراسة الحل أنها إضافة إلى كونها آلية قانونية، فلها أيضا بعد سياسي، لأن النظام الدستوري عموما يتأثر بثبات بالإطار السياسي الذي يؤثر بدوره على بنية الدستور بأن يحاول أن يفرض عليه طريقة عمل معينة والحل تتحكم فيه عوامل عديدة ومتنوعة وهي بالأساس سياسية، لأن استعماله ليس آليا تماما، خاصة في ظل التعددية الحزبية، حيث نجد أهم الاتجاهات السياسية ممثلة في البرلمان.
كأية دراسة مقارنة، يهدف هذا البحث للكشف عن مدى التقارب والاختلاف بين الحل في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي من جميع النواحي و توضيح العلاقة القائمة ما بين السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية و السلطة التشريعية ممثلة في المجلس المنتخب في كلى البلدين، وبيان القوة الحقيقية التي يمثلها حق الحل و دوره في عمل كل نظام سياسي و من خلال ذلك الكشف عن طبيعة النظام السياسي في كل من الجزائرو تونس .
بالنسبة للدراسات المتخصصة لم تصادفنا إلى حد الساعة إلا بعض الدراسات الدستورية التي تناولت موضوع حل المجلس الشعبي الوطني و ذلك كجانب فرعي نذكر منها:
-علاقة المؤسسة التشريعية بالمؤسسة التنفيذية، رسالة دكتوراه للدكتور سعيد بو الشعيرحيث تناول الحل في ظل دستور 1976.
-خصائص التطور الدستوري الجزائري، رسالة دكتوراه للأمين شريط، و بحث للأستاذ محمد إبراهيمي و كلاهما تناولا الحل في دستور1989.
-العلاقات بين السلطتين التنفيذية و التشريعية من خلال تطور النظام الدستوري الجزائري، رسالة دكتوراه لبوقفة عبد الله، تناول الحل في ظل دستور 1996 في إطار دراسته للعلاقة بين السلطتين.
أما بالنسبة للدراسات التي تناولت حق الحل في النظام التونسي، فإننا لاحظنا إنعدامها كليا ما عدى بعض الدراسات التي عالجت الموضوع بنوع من الاقتضاب نذكر منها:
-تعديلات الدستور التونسي، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة لإكرام بن عمر.
-دور رئيس الدولة في حل الأزمات السياسية في التجربة التونسية ،دبلوم الدراسات العليا في القانون، لمحمد العايدي .
كما وجدنا الإشارة للموضوع في المراجع العامة التي اعتمدنا عليها حيث تعرضت العديد من الأقلام لموضوع حل البرلمان، سواء منها العربية أوالغربية، وفي الجزائرو تونس كذلك تناول العديد من الدارسين موضوع حل البرلمان و إن لم يكن ذلك بصفة مفصلة، إذ نجد الحل جانبا من جوانب دراسات يصب أغلبها في خانة دراسة علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية .
إن أهم الاشكاليات التي تطرح في مسألة حل البرلمان في النظامين الجزائري و التونسي هو كون رئيس الجمهورية في كل من الجزائر و تونس منتخب من الشعب مباشرة ، لكن المجلس المعني بالحل هو سلطة تشريعية منتخب أيضا مباشرة من الشعب و الاصل عدم إمكان حل المجلس المنتخب انفراديا من طرف رئيس الجمهورية الذي يمثل الجانب الاقوى في السلطة التنفيذية وهنا يحق لنا أن نتساءل : ما هي الجدوى من الحل ؟
- ما هي نقاط الاختلاف و الالتقاء بين النظامين فيما يتعلق بالحل من حيث المبررات، الصور، الإجراءات والآثار؟
- ما ما مدى تأثير هذه الآلية على مبدأ الفصل بين السلطات والديمقراطية وعلى طبيعة النظام السياسي في البلدين؟
- هل من الأفضل للبلدين الإبقاء على الحل أو الإستغناء عنه كما فعلت العديد من الدول ؟
في هذه الدراسة سنحاول الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع وذلك بمناقشة النصوص الدستورية وكذلك التشريعية وبالأخص تلك المتعلقة بعلاقة الحكومة بالبرلمان وسنسعى للإجابة عن مختلف التساؤلات مع تقديم جملة من الاقتراحات ووجهات النظر.
اتبعنا في هذه الدراسة المنهج المركب نظرا لتعدد أوجه وأبعاد الموضوع، حيث اعتمدنا على المنهج التاريخي و المنهج المقارن و منهج تحليل المضمون.
وقد إرتأينا تقسيم هذا البحث إلى فصلين :
-الفصل الاول : تعريف الحل، مبرراته وصوره في النظامين الجزائري والتونسي، حيث نخصص المبحث الأول للتعريف بالحل ومبرراته والمبحث الثاني لصور وأشكال الحل في النظامين الجزائري و التونسي.
- الفصل الثاني: إجراءات الحل وآثاره في النظامين، حيث ومن خلال مناقشة النصوص الدستورية نحاول إبراز مواطن القوة والضعف، لنخلص في الأخير بخاتمة نقدم فيها جملة ما توصلنا إليه من اقتراحات والتي تصب في تعديل بعض النصوص الدستورية والتشريعية المتعلقة بالموضوع آملين أن تكون في المستوى المطلوب.


الفصل الأول : تعريف الحل ، مبرراته و صوره في النظامين الجزائري والتونسي

ظهر الحل لأول مرة في كنف النظام البرلماني التقليدي الذي لم يكن وليد نظريات فقهية بل كان نتاج ظروف تاريخية عرفتها بريطانيا عبر قرون من الزمن .
تطور النظام البرلماني ومعه تطورحق الحل في انجلترا( ) و قد كان بيد الملك يستعمله متى أراد لتجميد تمثيل البرجوازية التي كانت تضايقه وبفضل النظال الحزبي استقلت الوزارة عن الملك واستحوذت على السلطة وانتقل حق الحل إليها( ) ، حيث مورس لأول مرة من طرف وزارة "وليم بيت W.pitt" الذي احتكم إلى الشعب لحسم الخلاف الذي نشب بينه وبين البرلمان وأدى إلى حله وجاءت نتيجة الانتخابات مؤيدة للحكومة( ).
مع تطورالزمن وضعت للحل ضوابط ليصبح والمسؤولية السياسية تقنيتين تحفظان التوازن والتعايش بين السلطتين والتشريعية والتنفيذية في إطار ما يعرف ب " تقنية التوازن "، الذي يعد مسألة في غاية الحيوية ويشكل في مجال القانون الدستوري معيارا لتصنيف الأنظمة السياسية إلى استبدادية و ديمقراطية، كما أنه يشكل في مجال العمل السياسي محور الصراع الدائم بين السلطة و المحكومين.
أصبح الحل في نظر الكثير من الفقه التقليدي والحديث أيضا مقابلا للمسؤولية السياسية للحكومة وقد تبنت العديد من الدول النظام البرلماني البريطاني بكل خصائصه ، في حين اكتفى البعض منها باقتباس بعض سماته فقط ، منها حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان ومن بينها النظامين الجزائري و التونسي.
سيكون هذا الفصل مدخلا للتعريف بالحل و كذلك جملة المبررات التي يسوقها الفقه لتبني هذه الآلية الدستورية الهامة التي تلعب دورا كبيرا في عمل النظام السياسي و عليه نتناول تعريف الحل و مبرراته في مبحث أول ثم صور الحل في النظامين في مبحث ثان .

المبحث الأول : تعريف الحل و مبرراته
سنخصص المطلب الأول للتعريف بالحل لغويا واصطلاحيا ثم نتناول مبرراته في مطلب ثاني .
المطلب الأول : تعريف الحل
الفرع الأول:التعريف اللغوي
نقول حل أي فك ، إرخاء ما كان مشدودا ، و نقول حل مؤسسة أي أنهى وجودها و أعلن بطلانها قانونيا ( ).
الفرع الثاني : التعريف الاصطلاحي
يعرف بعض الفقه في مصر الحل كما يلي : "يقصد بالحل إنهاء مدة المجلس النيابي قبل المدة القانونية المقررة لنيابته أي قبل نهاية الفصل التشريعي " ( )و يعرفه بعض الفقه في الجزائر كالتالي: " الحل هو أمر معطى لمجلس منتخب أن ينفض قبل نهاية عهدته " :
«La Dissolution: ordre donné à une assemblée élue de se séparer avant l’expiration de son mandat» " ( )
إذن يتمثل الحل في: إنهاء مهمة البرلمان قبل انتهاء عهدته القانونية وبذلك يتوقف تمثيل الهيئة التشريعية لمدة محددة، ويأخذ حل البرلمان عدة صوروفق ما تحدده أحكام الدستورالتي تتناول موضوع الحل و ذلك بالنظر إلي الهيأة التي تقرره ( ).
وقد حاول الفقه تصنيف الحل إلى عدة صور وأشكال وفي الحقيقة أن هذا التصنيف ما هو إلا محاولة فقهية تهدف إلى تمييز أشكاله بعضها عن بعض، وتختلف هذه الأشكال من دولة إلى أخرى، فهناك الحل الوزاري وهو الحل الذي يجريه رئيس الجمهورية أو الملك أو صاحب الحق في إجرائه تلبية لطلب الوزارة أو الحكومة في حالة نشوب خلاف بينها وبين البرلمان، والحل الملكي أو الرئاسي الذي يجريه الملك أو رئيس الدولة من تلقاء نفسه و بإرادته وفقا لما يخوله له الدستور( )، وهنالك ما يعرف بالحل التلقائي أو الآلي وهو صيغة يقترحها بعض الباحثين والتي تغدو بموجبها الجمعية النيابية التي تسقط حكومة ما مشلولة لهذا السبب بالذات( ) و هذه الصور ليست حصرية ، إنما أوردناها على سبيل المثال و سوف نخصص مبحثا لصور الحل في النظامين الجزائري و التونسي .

المطلب الثاني: مبررات الحل
في الحقيقة أن الحل لا يجب أن ننظر إليه من الناحية السلبية كونه يمثل إنهاء لتمثيل شعبي ، فلديه العديد من المبررات التي ستكون لنا مناسبة لدراستها .
اعتبر الفقه التقليدي وعلى رأسهم "ديغي Duguit" أن الحل والمسؤولية السياسية للحكومة الوسيلتان الأساسيتان اللتان تؤثر بهما كل سلطة على الأخرى، في حين اعتبره كل من "إيزمان" و"برتملي" عنصر أساسي لتوازن النظام البرلماني أما "هوريو" ، فإضافة إلى ذلك اعتبره:"Elément de moralité politique. ( ) .
بالرغم من الانتقاد الذي تعرض له الفقه التقليدي من حيث تبنيه لحق الحل كأحد مميزات النظام البرلماني( ) ومن كونه ينطلق من فكرة الفصل بين السلطات والتي في ضوئها يحلل هذا الفقه حق الحل، واعتباره أن حق الحل الذي لا يحقق قاعدة التوازن يصبح وسيلة للهيمنة على السلطة التشريعية ، إلا أن هذه الافكار لها ما يبررها و لقد أثبت" Carré de malberg " أن التساوي بين السلطات التي بنى عليها الفقه التقليدي نظريته لم يحدث أبدا، بل إنه " لا يمكن أن يكون حقيقة في المجال القانوني"( ) ففي كل الحالات وفي تاريخ جميع الأنظمة كانت هناك إحدى السلطات هي التي تهيمن، لقد كان حق الحل أحد الصلاحيات الملكية يهدف إلى حماية سموها من سلطة البرلمان، ورغم أفول نجم الملكية، صمد حق الحل وأريد إعطاؤه مبررات جديدة ، إلا أن هذه المبررات لا يمكن أن يكون لها طابع إلزام قانوني بأي حال من الأحوال( ).
و رغم ذلك يرى الفقه أن الحل تفرضه مبررات عملية لا شك في قوتها ، وأن أهم هذه المبررات ترتكز أساسا في عدة نقاط ، ربما لا نجدها جميعا في نظام دستوري واحد ، بل نجد أحدها على الأقل وقد صنفناها كما يلي :
ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الفرع الأول)
البحث عن أغلبية برلمانية (الفرع الثاني )
الفرع الأول: ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية
يعمل الحل على حفظ التوازن بين البرلمان والحكومة في إطار تقنية التوازن المعروفة بـ ( )"Poids et Contrepoids "أو" Checks and balances " التي تعطي لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية آليات تأثير متبادلة، وهذا في إطارالنظام البرلماني الكلاسيكي( ) الذي يقوم على الفصل المرن بين السلطات.
يلعب حق الحل في إطار ضبط العلاقة بين السلطتين دورين رئيسيين :الأول هوالمساهمة في إقامة التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، و الثاني هو حل الخلاف بينهما في حال تعذره بطرق أخرى .
الفقرة الأولى : إقامة التوازن بين السلطتين
إن قاعدة حل البرلمان كأية قاعدة دستورية، يفترض أن تهدف إلى حصر السلطة السياسية في إطار ظوابط و نظم تتحرك وفقها و داخلها لأن الدساتير أصلا ارتبطت بفكرة الحد من الافراط في السلطة لفسح المجال أمام الحرية، وإذا كان من المألوف تقسيم السلطة إلى ثلاث اجنحة كما في الجزائروتونس، فإن إيجاد التوازن بين هذه السلطات يعتمد على طريقة تنظيم السلطة و كيفية تحديد الصلاحيات وتحديد العلاقة بينها بشكل يكفل منع الاستبداد و طغيان سلطة على البقية.


-أولا: مفهوم التوازن
مبدأ التوازن من المبادئ الأساسية للنظام البرلماني التقليدي الذي يقوم على عدم ترجيح كفة هيئة على أخرى حتى يستمر الاثنان في السلطة، مما يفترض أن تكون العلاقة العضوية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مؤسسة على عدم التعارض وهذه الموازنة أمر حيوي، بل ويعد أكثر الأمور حساسية، والملاحظ أنه لا يمكن لمبدأ التوازن أن يتحقق عمليا إلا إذا قام النظام السياسي على مبدأ حكم الأغلبية( ) وهو في الحقيقة لا يتوقف على التوافق بين السلطتين، بل بوجود آليات تتولى حل الاختلافات التي قد تظهر بين السلطات( ).
ثانيا : دور الحل في تحقيق التوازن
حق الحل عادة يكون مقابلا للمسؤولية السياسية للحكومة، هذا في النظام البرلماني التقليدي، فالبرلمان دائم الرقابة على الحكومة وله حق إسقاطها، وإزاء هذا يجب أن يعطى للسلطة التنفيذية حق الدفاع عن نفسها، وبمنحها حق الحل، يتحقق ذلك التوازن( ) ونعتقد أن هذا الدورمن الممكن أن يلعبه الحل في كل من النظامين الجزائري والتونسي، بالرغم من إجماع الفقه على عدم تصنيفهما في خانة الأنظمة البرلمانية، فإدراج حق الحل في الدستور لا يعني أن النظام برلماني و هو النظام الذي يعتبر الفقه الغربي الحديث "المسؤولية السياسية" أهم معاييره حتى وإن لم تنص على الحل، فهذا الأخيركما يقول الأستاذ "دي فرجيه" هو وحده من يسمح بإعادة الكفة أو تعديلها لصالح السلطة التنفيذية بسبب تأثير البرلمان على الحكومة بواسطة المسؤولية السياسية، لكن لعبة الأحزاب السياسية تغير جذريا العلاقات بين البرلمان والحكومة( ).
إن أعضاء البرلمان عادة يحرصون على البقاء في مناصبهم بشكل أكبر فلا يمكن أن يدمروا أنفسهم بمثل هذا الإجراء و يفضلون في نهاية المطاف الخضوع للسلطة التنفيذية بدل سقوط الهيئتين والعودة للناخبين، فأعضاء الحكومة عادة زعماء أو أعضاء مهمين في أحزاب قوية ولديهم نفوذ واسع وحظ أوفر للعودة للسلطة، بينما أعضاء البرلمان أقل حظا ونفوذا، بل معظمهم أشخاص عاديون، فإعادة انتخابهم قد تكون مكلفة وتنطوي على معاناة مادية ونفسية لا يستهان بها.
سحب الثقة لا يكون إلا إذا كانت الحكومة ائتلافية فإذا ساد الخلاف بين الأحزاب، قد تسحب الثقة من الحكومة مما يؤدي إلى حل البرلمان، ففي بريطانيا لا يحدث ذلك نظرا للنظام الحزبي الموجود المبني على الثنائية و نظام الانتخابات القائم على الأغلبية المطلقة( ).
ويرى بعض الفقه أن التهديد وحده أو التلويح بالحل وحده يكفي لإقامة التوازن ( )، إنه تهديد متوازن يسميه "Vedel" "توازن الرعب" " L’équilibre de la terreur " ( ) وهذا الأمر يدعو النواب إلى التفاهم مع الحكومة ( ) والعكس صحيح، فتهديد النواب للحكومة بسحب الثقة منها يجرها إلى التفاهم معهم وبدون حق الحل يرى جانب من الفقه أن التوازن يختل وتميل الكفة لصالح البرلمان( )، مما ينعكس على طبيعة النظام السياسي .
إذا كان الفقه قد اختلف حول اعتبار حق الحل معيارا للنظام البرلماني و الذي إذا فقده يميل النظام وينحرف إلى نظام الجمعية النيابية ( )، إلا أنه يكاد يجمع أن حق الحل سلاح جبار يستخدم لإعادة التوازن بين السلطات ( )، إنه بقاء تاريخي "Une survivance historique" صمد رغم ضعف الأنظمة الملكية التي نشأ في ظلها، أكثر مما هو معيار للنظام البرلماني الذي ظهر في كنفه.
الفقرة الثانية: حل النزاع بين السلطتين
يفترض أن يكون حق الحل وسيلة لحل الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وظهور الخلاف بين السلطتين يعود لأسباب عديدة، من بينها فرضية سحب الثقة من الحكومة أو التصويت على ملتمس الرقابة (لائحة اللوم)، ففي هذه الحالة يكون تدخل رئيس الجمهورية بالحل لإنهاء التعارض بين السلطتين باللجوء إلى الناخبين، ويفترض ألا يكون رئيس الجمهورية طرفا في الخلاف، فالهدف من إعطائه هو حق الحل دون الحكومة هوألا يكون(أي الحل) وسيلة هجومية ضد المجلس( )، فيتدخل دون انحيازه لأي طرف بصفته ضامنا لاستمرارية المؤسسات.
أولا: مفهوم النزاع : حسب الفقه التقليدي حق الحل هو إجراء لحل النزاع بين الهيئات الدستورية، وعليه فهذه النظرة ترتبط خاصة بالجوانب الخارجية لهذا النزاع دون الأخذ كثيرا بأسبابه وأبعاده المتغيرة، فكيف يظهر هذا النزاع؟ وما هي العوامل التي ينشأ منها؟
النزاع يعني الصدام بين أشخاص أو قوى، وتطبيقه في القانون الدستوري، يثير جملة من الصعوبات، وأهمها التداخل الدائم للمعطيات القانونية والسياسية، ففي ظل غياب بعض النصوص الدستورية أو غموضها، تفسر المؤسسات صلاحياتها وتتصرف انطلاقا من معطيات غير قانونية Extra juridique والتي قد يؤثر عليها الدستور لكن لا يمكنه التحكم فيها مهما كانت دقته ومهما كان جموده.
إن العلاقات بين السلطات تتوقف على حالة الأحزاب السياسية وبالتحديد اتجاه أغلبية المجلس المنتخب، وظهور أي نزاع بين السلطات يتوقف أيضا على المدرسة الانتخابية وبنيتها الاجتماعية التي تعطي للقوى السياسية وجهها، فالتوترات التي تحدث داخل أي نظام سياسي لا يكون لها أبدا بعدا قانونيا فقط ، حتى وإن كان موضوع الخلاف يبدو على أنه قانوني( ).
والمصادر القانونية للخلاف يمكن أن تكون النظام الحزبي القائم على التعددية التي قد تفرز مجلسا منقسما مما يشكل مصدرا لعدم الاستقرار الوزاري خاصة في ظل الأنظمة التي تعتمد على الأغلبية، فيتدخل الحل لتشكيل أغلبية أكثر تماسكا مساندة للرئيس أو الحكومة، وقد تختفي كل مصادرالخلاف كأن يكون الصراع موجودا بين المجلس والحكومة لكن لا يعلن عنه أحيانا( )، خاصة في الدول التي لم تترسخ فيها القيم والتقاليد الديمقراطية كالجزائر و تونس .
إن الخلاف بين السلطتين جد وارد وأحيانا يكون مرغوبا ومطلوبا حتى تتبلور الاتجاهات العامة وتظهر الحقيقة، فلا تطرح مسألة مسؤولية الحكومة أمام البرلمان لمجرد رفض هذا الأخير مشروع قانون تقدمت به الحكومة، بل يجب أن تكون المسألة موضع الخلاف مسألة سياسية هامة وبمثابة محك الثقة للحكومة ( )، يجب أن يظهر أن المجلس قد تجاوز وتمادى في سلطاته.
أما بالنسبة للنظامين الجزائري والتونسي، يقوم كلاهما على ثنائية الجهاز التنفيذي و الحكومة مسؤولة أمام كل من الغرفة الأولى للبرلمان ورئيس الجمهورية وينجم عن ذلك قيام علاقات بين الأقطاب الثلاثة:رئيس جمهورية، حكومة، برلمان ، وقد تصطدم هذه الهيئات بمواجهات متوقعة أثناء صيرورة النظام السياسي وتتراوح هذه المواجهات بين الضعف والقوة إلى درجة يمكن أن تهدد استمرار أحدها في السلطة، فالثنائية في مسؤولية رئيس الحكومةعلى حد قول البعض تعد مصدرا للتوترومنشأ للأزمات بين الهيئات( ).
إن النزاع يمكن أن يكون بين الغرفة الأولى من البرلمان والحكومة أو بين رئيس الجمهورية والبرلمان أوخلافا داخليا في السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المنبثقة عن الأغلبية البرلمانية .
ثانيا: دور الحل في تسوية الخلاف بين السلطتين
إن فكرة الحل كوسيلة لحل الخلاف بين المؤسسات الدستورية ساقها الفقه التقليدي متأثرا بالنموذج الإنجليزي في إطار نظرة شاملة للنظام البرلماني أين تسود ثنائية الجهاز التنفيذي الذي تشكل فيه الحكومة وسيطا بين البرلمان ورئيس الدولة، واعتبر هذا الفقه أن حق الحل وسيلة لتحقيق وضمان التعاون بين السلطات(أي الفصل المرن) و أنه حق طبيعي وشرعي : "Un droit naturel et légitime وضرورة التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تؤدي حتما إلى إمكانية نشوب خلاف بينهما، فهذا أمر طبيعي لا مفر منه والصدام بينهما حتمي و الحل يحسم هذا الخلاف بدعوة الهيئة الناخبة لتقول رأيها، فالنظام البرلماني يقبل بكل هدوء إمكانية الخلاف بين السلطات لأن لديه من الإمكانيات التي تجعله ينهيها دون عنف( ) ،طالما أن الحل يسمح بنقل الخلاف أمام هيئة الناخبين ( ).
وقد ميز الفقه هنا بين الحل الملكي الذي يأتي حلا للنزاع بين رئيس الدولة والبرلمان، والحل الوزاري الذي يهدف لحل النزاع بين البرلمان والوزارة( ).
أما في النظامين الجزائري والتونسي فقد سبق وأشرنا أن الخلاف يمكن أن يكون بين المجلس المنتخب من الشعب مباشرة والحكومة أو بين المجلس المنتخب من الشعب مباشرة ورئيس الدولة( ) ، أو حتى خلافا داخليا في كنف السلطة التنفيذية : رئيس الجمهورية في مواجهة رئيس الحكومة المساند من البرلمان .
1- حل النزاع بين الغرفة الأولى والحكومة
كل من النظامين الجزائري والتونسي منحهما المؤسس سلطة الحل الرئاسي التي يمكن استخدامها من طرف رئيس الدولة في حالة نشوب خلاف بين الغرفة الأولى للبرلمان والحكومة التي هي مسؤولة أمامه ، وذلك في حال تصويت النواب على لائحة لوم(ملتمس رقابة) أو رفض منح الثقة للحكومة( )، وليس هناك شك أن هذا النزاع يمس مباشرة رئيس الجمهورية فهو من يختار رئيس الحكومة( ) الذي لا يطبق إلا سياسة رئيس الجمهورية( ) فهو رئيس يحكم "Un chef qui gouverne" والماسك الأول بزمام السلطة التنفيذية، بل إنه في حالة تضامن معها وأي ملتمس رقابة موجه نحوه دون شك( ) وهو يملك من الوسائل التي تمكنه من إنهاء هذا النزاع وبالتحديد حقه في حل البرلمان( )، حيث يتدخل في حالة الخلاف بين المؤسستين الدستوريتين لإنهاء الانسداد الذي قد ينشأ من جراء عدم التوافق بين السلطتين( ).
إن تحكيم الشعب بعد الحل لن يكون إلا حيث تعدد الأحزاب فيتخذ الشعب بعد الحل موقفا من الأغلبية المختلفة مع الحكومة، فإما أن ينحاز لها ويعيد انتخابها أو يقلل من المعارضة باتخاذه موقفا لصالح الحكومة، فانتماء الهيئتين لحزب واحد يحول دون تحقيق ذلك لأن أي خلاف بينهما تتم تسويته داخل الحزب هذا إذا ما يحدث فعلا ( ).
2- حل الخلاف بين الغرفة الأولى من البرلمان ورئيس الجمهورية
قد يلجأ رئيس الجمهورية إلى استعمال حق الحل كنتيجة لعدم التوافق بينه وبين نواب الغرفة الأولى، ويلجأ إلى الإرادة الشعبية لتقول كلمتها التحكيمية بناء على أن الديمقراطية الحديثة تعطي للمواطنين دورالحكم( ) ، فحق الحل وإن كان يعبر عن وجود أزمة عند ممارسته، فعن طريقه يتم تحكيم الشعب وهذا ما دعا الكثيرين إلى اعتبار الحل بديلا عن الاستفتاء( ) لأنه يسمح بتدخل الهيئة الانتخابية في الحياة السياسية في الوقت الذي تعاني فيه المؤسسات خلافا أو مشكلا خطيرا وتتردد الطبقة الحاكمة في تقرير مصير نواب الشعب دون استشارته، وكأن الرئيس لا يفصل في النزاع بقدر ما هو يلجأ لهيئة الناخبين، بعبارة أخرى هو يلجأ للحل من أجل القيام بالاستفتاء( ) و هذا الطابع التحكيمي للشعب هو الذي يؤكد الطابع الديمقراطي للمؤسسات( ).
وتتدخل نظرية الحل كبديل عن الاستفتاء( )، خاصة عندما تتضح معارضة الشعب لآراء النواب وميوله السياسية والاقتصادية ، حتى يتأكد مدى التطابق بين إرادة النواب والإرادة الشعبية وتعتبرهذه النظرية أن الحل وسيلة تمنح للشعب فرصة التعبير عن مدى قبوله لنوابه ، إنه وسيلة لرقابة وملاحظة مدى تطابق إرادتي الشعب والنواب( )، التي قد تنشأ بينهما هوة إما لطول العهد أو لتغير الحوادث( ).
أما إذا اصطدم رئيس الدولة مع الحكومة المعززة بتأييد البرلمان فإنه يلجأ إلى إقالة الحكومة وحل البرلمان في آن واحد( ) وهذه تعد مغامرة منه، إذ لن يقوم بها إلا إذا كان مدعوما من أغلبية معارضة أو من الرأي العام ( )، في هذه الحالة فإن الرئيس لن يلجأ إلى الحل بوصفه حكما، لأنه طرف في النزاع، بل كونه الضامن لسير المؤسسات والسلطات بانتظام واطراد.
يبقى أن نشير أن استعمال حق الحل لا يكون بمجرد نشوب الخلاف بين الطرفين، فلا شك أن من يملك سلطة الحل سوف يختار الوقت المناسب لإجرائه، حتى تكون نتيجة الانتخابات لصالحه، ورغم ذلك فقد أثبتت التجربة الدستورية في الانظمة المقارنة أن الحل تتدخل فيه كثير من المعطيات عدا القانونية منها وهي معطيات سياسية لا يتحكم فيها الدستوروهي متغيرة ولا يمكن التنبؤ بها.
لقد انتقد بعض الفقه فكرة أن يكون الحل سلاحا بيد السلطة التنفيذية تحمي به نفسها أو أنه أدة لحل الخلاف بين السلطتين التشريعية و التنفيذية،إذ اعتبر هؤلاء أن - حق الحل لا يستطيع أن يحمي أو يعزز السلطة التنفيذية طالما أن القرار في النهاية بيد الهيئة الناخبة، فالحل في حالة الخلاف لا يمكن أن يكون أبدا حماية للسلطة التنفيذية ضد البرلمان .
الاعتقاد بان الحل يمكنه عن طريق الانتخابات تجاوز الخلافات في النظام الدستوري لا يتحقق دائما فالواقع أكثر تعقيدا لأن السلطة التي تملك حق الحل لن تستعمله إلا إذا رأت أن لديها فرصة للحصول على قرار لصالحها من طرف الهيئة الناخبة، فماذا تستفيد إذا كانت الظروف السياسية غير مجتمعة، وأبرز مثال على ذلك ما حدث في فرنسا من 1877 إلى 1940، حيث ظهرت عدة خلافات بين الحكومة ورئيس الجمعية الوطنية وغرفة النواب، ولم يجر أي حل، وبالعكس منذ 1958 مورس حق الحل عدة مرات، في ظل توفر شروط سياسية تتمثل في وجود حزب قادر على تشكيل أغلبية ( ).
الفرع الثاني: البحث عن أغلبية
لا تتوقف مبررات الحل على ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من خلال دوره في إقامة التوازن أو حل الخلاف المتوقع بينهما، فقد يمارس الحل في غياب كل خلاف أو نزاع وهذا ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي "بومبيدو" في 30/06/1968، وذلك في غياب أي تهديد للحكومة من طرف الجمعية الوطنية، كما وقد يستعمل الحل لحل أزمة سياسية ( ) وذلك للحصول على أغلبية برلمانية ( ).
إن البحث عن أغلبية برلمانية لا يكون فقط عند انعدامها، فهذا الأمر موجود في نظام الثنائية الحزبية كبريطانيا أين تنبثق الحكومة دوما من الأغلبية في مجلس النواب، بل قد يكون أيضا في الأنظمة التي يتشتت فيها البرلمان ( )، و هذا من شأنه أن يؤدي إلى استقرار الحكم و يقف كحاجز أمام الأزمات السياسية خاصة في حالة وجود حكومات ائتلافية ( ) .
التحليل العميق للدستور الجزائري وكذلك التونسي يوحي بأن رئيس الجمهورية في حاجة لتأييد أغلبية برلمانية تمكنه من تنفيذ سياسته وإلا فإنه سيكون بين خيارين:إما أن يخضع أو يستقيل( ) ، وهذا ما نلمسه من خلال حالات الحل التي سوف نتعرض لها لاحقا في الدستورين.
إجراء الحل للحصول على أغلبية يضعنا أمام احتمالين:الاحتمال الأول:وجود أغلبية برلمانية (فقرة أولى) و الاحتمال الثاني: وجود مجلس مشتت ومنقسم (فقرة ثانية) .
الفقرة الأولى: وجود أغلبية برلمانية
إن وجود الأغلبية البرلمانية ونقصد بذلك أغلبية موالية للرئيس، لن تمنعه من استعمال الحل، فرغم اتسام هذه الحالة بتوافق الشركاء الثلاثة، أين يصبح رئيس الجمهورية منشطا حقيقيا للأغلبية، في هذه الحالة فإنه يتصرف كحكم حيادي، ويفترض أنه غير معني بالصراعات السياسية، أما رئيس الحكومة فإنه يظل تابعا سياسيا له، والحل في هذه الظروف يتم إجراؤه للبحث عن أغلبية تحقق عدة أهداف:
-الهدف الأول:تمديد حالة التجانس الموجودة (أولا).
-الهدف الثاني:مطابقة الأغلبية الرئاسية مع الأغلبية البرلمانية ( ثانيا).
-الهدف الثالث:إعطاء توجه جديد للحياة السياسية ( ثالثا) .
أولا: تمديد حالة التجانس الموجودة
في هذه الحالة فإن إجراء الحل يسعى لإفراز أغلبية تمدد من حالة التجانس الموجودة ( ) وذلك لتحقيق المزيد من الغلبة على الأحزاب السياسية المنافسة رغم تمتع الحكومة بالأغلبية في المجلس وانصياعه لمطالبها، وقد تطلب الحل الحكومة عندما ترتفع شعبيتها في وقت ما نظرا لإنجاز حققته أو فضيحة وقع فيها أحد خصومها، ونضرب مثالا لذلك الحل الذي أجراه الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام 1997 مستغلا شعبيته التي حققها انتصاره في انتخابات الرئاسة عام 1995، وادعى شيراك في خطاب له أن الحل أجري بهدف إعطاء الشعب الكلمة ليقول رأيه في مدى إيقاع "Rythme " التغيرات المستقبلية "، لكن الناخبين لم يتقبلوا أسباب الحل لأن الحكومة كانت تملك أغلبية واسعة، فانتصرت المعارضة لتحكم على رئيس الجمهورية الفرنسي بالتعايش الطويل، مما سينعكس سلبا على استعمال مثل هذا الحل" التكتيكي" في المستقبل ( ).
وقد تكون الأغلبية غير مريحة أو أنها محققة بسبب تحالف عدة أحزاب، وأجري الحل اعتقادا من السلطة التنفيذية أن نتائجه ستكون لصالحها ( )، ليفرز أغلبية أفضل.
في مثل هذه الظروف فإن الرئيس وفي حالة التعايش يجري الحل قاصدا من ذلك ضرب حكومة التعايش ( ) والتي تكون في الواقع مسؤولة أمام المجلس وغير مسؤولة أمام الرئيس، والفقه في فرنسا يرى أن حكومات التعايش لا يكون في ظلها وجود لازدواج في السلطة التنفيذية ( ) ،لكن الأمر يختلف في أنظمة كالجزائر وتونس بالرغم من إقرارهما لثنائية الجهاز التنفيذي ومرد ذلك يعود إلى عدم ترسخ الافكار الديمقراطية بعد فيها و على رأسها فكرة التعايش و ذلك لقصر التجربة الديمقراطية في البلدين والتي تتطلب لا محالة عقودا من الزمن، فهناك ممارسات لا يمكن للدستورأن ينظمها نظرا للارتباط الوثيق للنظام الدستوري بالنظام السياسي، هذا من جهة و من جهة أخرى يلاحظ أن رئيس الجمهورية في كلى البلدين يتمتع بشعبية واسعة ومساندة من الحزب أو مجموعة الأحزاب المتكتلة داخل البرلمان، ضف إلى ذلك الوسائل العديدة و المتنوعة التي يؤثر بها الرئيس على البرلمان سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد يلجأ الرئيس للحل دفاعا عن حقوقه أمام اعتداءات المجلس النيابي ( ) و يتوقف ذلك على الإطار السياسي الذي يجري فيه الحل خاصة موقف الرأي العام من الحكومة والبرلمان، فوضع رئيس الجمهورية يتغير حسب شدة المساندة أو المعارضة التي يتعرض لها ويلجأ عادة إلى الحل عندما يعتقد أن الشعب يؤيده ( ).
ثانيا: مطابقة الأغلبيتين
قد يستعمل الرئيس المنتخب جديدا حقه في حل مجلس النواب وذلك حتى تتطابق الأغلبية الرئاسية مع الأغلبية البرلمانية وهذا في الواقع حق مشروع للرئيس في أن يحل مجلسا انتخب قبله بمدة خاصة إذا كانت الأغلبية فيه معارضة له وقد سمح بذلك المؤسس الدستوري التونسي بصريح النص ( ) ،أما النظام الجزائري فاكتفى بآلية الحل الرئاسي التي يرجع اختيار استخدامها لرئيس الجمهورية ( )، فهو غير مقيد بأي شرط زماني،ويمطنه استعماله عقب انتخابه .
وقرار الحل كما سبق وأشرنا قد يكون من أجل اقتران الأغلبيتين( ) بعد الانتخابات الرئاسية كما في النظام التونسي أو قبلها لكن في هذه الحالة قد يصبح سلاحا خطيرا ضد الرئيس نفسه وينقلب ضده ، فاستعماله ضد مجلس معارض قد يجعل من الحل مسألة ثقة ويصبح مستقبل الرئيس على المحك ( )، فرفض الرئيس التعامل مع الأغلبيةعن طريق الحل و اللجوء إلى الشعب لا يمنع هذا الأخير من معارضة رئيس الجمهورية في قراره و إعادة نفس الأغلبية ( ) ، في هذه الحالة و إذا لم يقدم استقالته، سيضطرلخوض تجربة التعايش ( ) .
ثالثا: إعطاء توجه جديد للحياة السياسية
في غياب أي خلاف بين السلطتين قد يكون الحل في عدة أحوال ضرورة واجبة لصالح البلاد ( )، وذلك عندما تحدث فجوة بين إرادة الشعب وإرادة ممثليه، فكثيرا ما تتغير آراء الشعب وميوله السياسية والاقتصادية، بينما يظل مجلس النواب على نزعته الأولى وفي هذه الحالة لا يكون الشعب على وفاق مع المجلس ولا تكون الحكومة وهي من زعماء الأغلبية معبرة عن إرادة الأمة ( ) ، وقد يترتب على ذلك نتائج خطيرة إذا ما تناول المجلس تقرير المسائل الحيوية في البلاد فعلى رئيس الدولة أن يعمل على تحقيق إرادة الرأي العام فيحل المجلس.
في هذا الإطار يرى بعض الفقه أن الحل هنا أيضا يقوم كبديل عن الاستفتاء ( )، حيث يرى "ديغي" أنه : "يجب على الحكومة أن تحل البرلمان عندما ترى أن السياسة المتبعة منه لم تعد تستجيب لإرادة البلاد، فإن الحل عندئذ يثير استفتاء حقيقيا" ( ) .
وقد تزعم نظرية الحل بديل عن الاستفتاء الفقيه" Carré de malberg" في بداية القرن العشرين عندما رأى أن الحل إجراء يهدف لإثارة استشارة شعبية، واعتبره وسيلة لمعرفة مدى تطابق إرادتي الشعب والنواب، فالناخب على حد رأيه لا يختار النائب بل يختار سياسة معينة، وفريقا حزبيا معينا بذاته ( ) .
وأيا ما كانت مبررات الحل في مثل هذه الظروف فإن رئيس الدولة الذي يملك سلطة الحل سيتصرف حتما بوصفه الضامن لاستمرارية عمل السلطات و ممثلالإرادة الأمة بسبب طريقة انتخابه والتي ينافس بها مجلس النواب من حيث الشرعية الشعبية.
الفقرة الثانية : وجود مجلس مشتت ومنقسم
في الواقع أن إيجاد أغلبية برلمانية من شأنه أن يؤدي إلى استقرار الحكم ويقف كحاجز أمام الأزمات السياسية ، خاصة في حالة وجود حكومات إئتلافية، ناتجة عن برلمان منقسم
ومشتت ( )، و يرجع تشتيت المجلس في كل من الجزائر و تونس بالأساس إلى النظام الانتخابي القائم على الأغلبية النسبية و نظام تعدد الأحزاب الذي يصعب معه فوز حزب واحد بالأغلبية البرلمانية( ) ، فمثل هذا الأمر لا يحدث في بريطانيا مثلا نظرا لقيام الثنائية الحزبية التي تسمح بفوز أحد الحزبين بمقاعد المجلس ومن ثمة تشكيل الحكومة مما يضطر معه تعيين حكومة ائتلاف فسلطة تعيين رئيس الحكومة تكون متوقفة على التوافقات المسموح بها، ولم يلزم المؤسس الدستوري في كل من تونس و الجزائر رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، لكن ذلك لا يمنع من مراعاته لهذه الأغلبية تجنبا للصدام بين الحكومة والمجلس ( ).
إن تعيين حكومة إئتلاف يؤدي إلى تقليص حرية رئيس الجمهورية بسبب تهديد التحالف الحكومي، فتصبح الحكومة مركزا للتوترات بين المجلس من جهة والحكومة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى و ووجود مجلس منقسم يسبب العديد من المشكلات التي تعوق سير المؤسسات الدستورية مما يدفع بالخلافات بين الأحزاب داخل البرلمان إلى الواجهة ، ويجعل من حل المجلس أمرا لا مفر منه للحصول على أغلبية برلمانية تسمح باستقرار النظام الدستوري ( ) .
فما هي الآثار السلبية التي يخلفها تشتيت المجلس؟(أولا)وكيف يتم التعامل معها؟(ثانيا).
أولا: الآثار السلبية لتشتت المجلس النيابي
أول ما ينتج عن تشتيت المجلس النيابي وانعدام أغلبية متجانسة به هي أن الأمورقد تصل في إطار صيرورة النظام السياسي إلى نوع من الانسداد لأن الحكومة لا تستطيع تنفيذ برنامجها إلا إذا حازت ثقة البرلمان، مما يتطلب وجود ائتلاف يكون أغلبية مساندة لها داخل المجلس النيابي حتى وإن كانت مكونة من أحزاب متعارضة لا تجمعها إلا المصالح الآنية وإن كان البعض يرى في أن تشتت البرلمان هو الذي يسمح للحكومة بتنفيذ أي برنامج سياسي ( ) ، نظرا لاستحالة توحد المجلس ضدها، وهذا الأمر ليس خطأ طالما أن استعمال الحل يتم وفق ما تقدمه المعطيات السياسية، فهشاشة الأغلبية هي أمر إيجابي وسلبي في آن واحد، وعلى كل فإن الأنظمة تختلف فيما بينها بالنسبة لتقبل التعايش، فالنظامان في الجزائر وتونس وفق البنية التي هما عليها اليوم، يتيحان لرئيس الجمهورية سلطات واسعة تجعلهما يتعايشان مع ألد الخصوم السياسيين دون اللجوء إلى حل المجلس، فعقب الانتخابات الرئاسية في الجزائر عام 2004 لم يقم رئيس الجمهورية بحل المجلس الشعبي الوطني كما توقع البعض عقب انهزام زعيم الأغلبية بالمجلس في انتخابات الرئاسة، لأن رئيس الجمهورية استطاع أن يشكل تحالفا رئاسيا قويا لا زال قائما إلى اليوم.
ثانيا: دور الحل في التعامل مع انقسام المجلس
نلاحظ أن الكثير من الأنظمة كالجزائر وتونس تقرر الحل كنتيجة لبروز أزمة وزارية ثانية و ذلك عند التأكد من استحالة وجود أغلبية توافق على برنامج الحكومة أو تمنحها الثقة التي
تطلبها ( ) مما يحتم البحث عن أغلبية بإجراء الحل تمكن الحكومة من العمل، لكن المشكلة تكون عندما تجد السلطة التنفيذية نفسها أمام ذات الأغلبية البرلمانية ( ) ، في هذه الحالة فإن رئيس الجمهورية يكون قد تصرف كحكم ليضمن استمرار عمل النظام السياسي وقد يتصرف كزعيم حزب يهدف إلى حصول حزبه على الأغلبية البرلمانية ليحقق حالة التجانس التي يسعى إليها كل نظام سياسي ( ).
نتائـــج:
بعد استعراضنا لتعريف الحل و مجمل مبرراته يتضح أن النظر إلى مسألة حل البرلمان لا يمكن أن تتم بمعزل عن العديد من الآليات الدستورية الأخرى حتى يمكن الإلمام بكافة أبعادها .
-بالنسبة لتعريف الحل لاحظنا شبه إجماع على أنه إنهاء المدة النيابية للمجلس ، إلا أن الاختلاف الفقهي يظهر لاحقا حول مدى إرتباط حق الحل بالنظام البرلماني لأنه على ضوء الاجابة على هذه الاشكالية تتم دراسته .
-إن المبررات التي ساقها الفقه لتبني الحل بدءا من ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية وذلك باعتباره الوسيلة التي يقترحها البعض لإقامة التوازن بينهما أوحل الخلاف الوارد بين هاتين المؤسستين المرتبطتين وظيفيا ، إلى غاية البحث عن أغلبية برلمانية تتيح لرئيس الجمهورية تجنب تجربة التعايش ، تجد مكانا لها في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي .
- بالنسبة لعنصر إقامة التوازن بين السلطتين، وجدنا أن هناك العديد من النصوص الدستورية الخاصة بتنظيم العلاقة بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية ، والتي تتماشى و هذا المبررعلى الأقل من الناحية النظرية، و يمكن إعتبارالمادتين 82 و84 من الدستور الجزائري، والفصل 63 من الدستور التونسي تصب في هذا الاتجاه .
-بالنسبة لعنصر البحث عن أغلبة برلمانية ، نجد المادة 129 من الدستور الجزائري و كذا الفصل 57 من الدستور التونسي يمكن أن يحققا النتيجة المرجوة ، لكن طبعا في وجود مخاطر عديدة ناتجة عن المعطيات غير القانونية .




المبحث الثاني : صور الحل في النظامين

لقد أردنا أن يكون هذا المبحث تقديما لصور الحل المعتمدة في النظامين وذلك للتعريف أكثر بهذه الآلية قبل التطرق لمختلف الإشكاليات التي تثيرها.
بناءا على النصوص الدستورية يعرف النظامان الدستوريان الجزائري و التونسي صورتين للحل، حيث يشتركان في صورة الحل الرئاسي في حين ينفرد النظام الجزائري بالحل التلقائي والإجراءان يختلفان من حيث الجهة التي تباشر التصرف أي الرئيس في كلى البلدين ، والمجلس الشعبي الوطني في الجزائرفيما يتعلق بالحل التلقلئي( )، والطبيعة المزدوجة للحل في الجزائريعتبرها البعض أمرا سياسيا قبل أن يكون قانونيا ( ).
قبل التعرض لصور الحل نشير إلى أن هذه آلية لا ترد إلا على الغرفة الأولى للبرلمان"المجلس الشعبي الوطني" دون الغرفة الثانية أي مجلس الأمة هذا في الجزائروذلك لعدة اعتبارات، حيث يرى البعض أن الغرفة الثانية تلعب دور مراقب وتحل محل المجلس الشعبي الوطني في حالة شغوره وذلك كهيئة تشريعية ( )، في حين يرى اتجاه آخر أن عدم قابلية مجلس الأمة للحل هو ضمان لاستقرار مؤسسات الدولة واستمراريتها والأستاذ الأمين شريط من هذا الرأي وهو الذي أعطى أرقاما عن الغرف الثانية القابلة للحل في العالم إذ قدرها بحوالي 19 حالة فقط، كما رأى أن إقرار التجديد الجزئي للغرفة الثانية هو حتمية عن عدم قابليتها للحل ( ).
في حين يرى اتجاه آخرفي تبريرعدم قابلية مجلس الأمة للحل كضمان لديمومة المؤسسة لا أساس له من الصحة ( )، هذا في الوقت الذي ينتقد فيه العديد من الدارسين وجود مجلس الأمة ويرون فيه تفكيكا للبرلمانية وإضعافها على حد تعبيرهم ( )، بالرغم من وجود العديد من الفقه المؤيد لوجوده( ).
في الواقع نحن لا نميل إلى فكرة نيابة الغرفة الثانية للغرفة الأولى في فترة شغورها، فهي لا تضطلع بالدور التشريعي الذي أسند للمجلس الشعبي الوطني ونعتقد أن عدم قابلية الغرفة الثانية للحل يعود لجملة من الأسباب أهمها الوسائل الرقابية التي تتمتع بها الغرفة الأولى دون الغرفة الثانية اتجاه السلطة التنفيذية عامة والحكومة خاصة، وسوف ترى مدى ارتباط صورتي الحل بالعلاقة بين الحكومة والمجلس الشعبي الوطني.
أما المؤسس الدستوري التونسي فقد أراد بدوره أيضا أن يرد الحل على الفرفة الأولى للبرلمان بعد إحداث الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) و ذلك بناءا على التعديل الدستوري لعام 2002.
نظرا لاشتراك النظامين في صورة الحل الرئاسي سوف نقوم بدراستها أولا في(مطلب أول) مع بيان خصائصها و الوظائف التي تؤديها مع بيان الطبيعة القانونية للحل الرئاسي ، ثم نتطرق للحل التلقائي الذي ينفرد به المؤسس اللدستوري الجزائري في (مطلب ثان) .

المطلب الأول: الحل الرئاسي – الصورة المشتركة بين النظامين -
سبق و أشرنا أن الحل يكون رئاسيا أي بناء على رغبة الرئيس وباقتراح منه ، ويكون وزاريا إذا كان بناء على طلب رئيس الحكومة، وفي الحالتين لا يتم إلا بمرسوم رئاسي ( ) ،وإذا كان معظم الفقه يميز بين الحلين الرئاسي والوزاري ، فإنه في الجزائر و كذلك تونس عمليا يكون الحل رئاسيا ولو طلبته الحكومة أو بادر به رئيس الجمهورية لأنه وحده يملك سلطة تقريره، لذا يسميه البعض بالحل الإرادي.
نبحث أولا عن الحالات التي قررها كل مؤسس دستوري للحل الرئاسي مع بيان خصائصها ووظائفها ( فرع أول) ثم نتطرق للطبيعة القانونية للحل الرئاسي في النظامين (فرع ثان) .
الفرع الأول : حالات الحل الرئاسي في النظامين ، خصائصها ووظائفها .
الفقرة الأولى : حالات الحل الرئاسي في النظامين
أولا : حالات الحل الرئاسي في النظام الجزائري
أورد المؤسس الدستوري الجزائري حالة واحدة للحل الرئاسي وهي تلك المنصوص عليها في المادة 129 من دستور 96 " يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة، ورئيس الحكومة ...".
كما نصت المادة 84 من دستور 1996 على ما يلي : " تقدم الحكومة سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة..... لرئيس الحكومة أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة.في حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته.
في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يلجأ قبل قبول الاستقالة إلى أحكام المادة 129 أدناه" ( )، أي يمكن لرئيس الجمهورية حل المجلس الشعبي الوطني، ويظهر من خلال نصي المادتين أن الحل الرئاسي يمكن إجراؤه عند رفض المجلس الشعبي الوطني منح الحكومة الثقة التي تطلبها منه أو عند أي وقت يراه رئيس الجمهورية مناسبا، فقد يحل الرئيس المجلس إذا قاومه عند ممارسة صلاحية من صلاحيته كأن يطلب قراءة ثانية ويرفض المجلس أو يطلب الموافقة على المعاهدات التي يبرمها أو في حالة التعديل الدستوري...ألخ ( ) .
وتثير المادتين عدة إشكالات سوف نطرحها ونحاول الإجابة عليها و ذلك في إطار دراسة خصائص هذا النوع من الحل و الوظائف التي يؤديها .
ثانيا: حالات الحل الرئاسي في النظام التونسي
نحى المؤسس التونسي الأصلي سنة 1959 منحى الدساتير التي تأخذ بنظام الفصل الصارم للسلطات مائلا إلى نظيره لأمريكي، إذ لم يمكن رئيس الجمهورية من حل البرلمان وفي المقابل لم يمكن البرلمان من ممارسة رقابة على الحكومة تصل إلى حد إسقاطها، واكتفى بوضع آليات رقابية بعيدة كل البعد عن تلك المعروفة في النظام البرلماني وكان ذلك بسبب تحفظ المشرع الدستوري التونسي حول النظام البرلماني الذي اتبعته عدة دول و تعرضت لأزمات سياسية متتالية ( ) ،وهذا بعد أن كان النظام البرلماني حلما للشعوب التي كانت محرومة منه والذي توقع العديد من الدارسين انهياره في نهاية القرن العشرين بسبب الأزمات الخطيرة التي يعيشها في كل الأنحاء والتي تبشر بزوال حكم البرلمانات ( ).
تغير توجه المؤسس الدستوريالتونسي تدريجيا منذ التعديل الدستوري المؤرخ في 08/04/1976 الذي أدخل بعض الميكانيزمات البرلمانية على النظام التونسي، حيث أصبح من حق رئيس الجمهورية حل البرلمان ( ) والذي كان يسمى آنذاك " مجلس الأمة" ( الفرقة الوحيدة للبرلمان آنذاك) قبل التحاق تونس بركب دول التي تبنت نظام الفرقتين في موجة دستورية اجتاحت العديد من الدول ( ) وفي مقابل الحل بإمكان البرلمان التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة.
ثم جاء تعديل 25/07/1988 ليغير من شروط الحل لكنه أضاف إمكانية أو حالة أخرى للحل الرئاسي وهي سلطة لرئيس الجمهورية المنتخب جديدا إثر شغور منصب الرئاسة، حيث أجاز له التعديل حل المجلس المنتخب الذي أصبح يحمل اسم" مجلس النواب " والدعوة لانتخابات تشريعية قبل أوانها ( )وأدخل تعديل 1988 على الحل شروطا جديدة و بذلك يكون المؤسس الدستوري التونسي تبنى فقط الحل الرئاسي الذي يكون بمبادرة من رئيس الجمهورية لكن إمكانية استعماله تكون في مناسبتين :
- إمكانية حل مجلس النواب من طرف الرئيس المنتخب جديدا بعد حالة الشغورفي منصب الرئاسة و قد نص على ذلك الفصل 57 : " عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أواستقالة أو عجز تام ... ولرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس النواب و يدعو لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفقا للفقرة الثانية من الفصل 63 " و الفقرة هذه هي آخر فقرات الفصل 57 الذي ينظم حالة الشغور في منصب الرئاسة ( ) .
- إمكانية حل الرئيس لمجاس النواب على إثر مصادقة المجلس على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة طبقا للفصل 63: "يمكن لرئيس الجمهورية إذا صادق مجلس النواب على لائحة لوم ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه أثناء نفس المدة النيابية إما أن يقبل إستقالة الحكومة أو أن يحل مجلس النواب ..... "
ونتعرض لهاتين الحالتين تباعا.
1- الحل الموالي للفوز بالانتخابات الرئاسية:
نص الفصل 57 من الدستور التونسي الذي تناول مسألة الشغور في منصب الرئاسة وما ينجر عنها من آثار وكيفية تنظيم قواعد الإنابة في فقرته الأخيرة " لرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس النواب ويدعو لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفقا للفقرة 2 من الفصل 63 وقد نصت هذه الفقرة على وجوب تضمن قرار الحل دعوة الناخبين لانتخابات تشريعية مسبقة خلال 30 يوما على الأكثر.
مما سبق يتضح لنا أن الحل المشار إليه يندرج في إطار إعطاء رئيس الجمهورية الجديد المنتخب إثر حصول شغور في منصب الرئاسة سلطة حل مجلس النواب سعيا منه للبحث عن أغلبية رئاسية أو تطابق الأغلبية الرئاسية مع الأغلبية البرلمانية وقد اعتبره بعض الفقه في تونس قبيل تجديد مشروعية الغرفة الأولى ( )
ثانيا :الحل الرئاسي الموالي للتصويت على لائحة اللوم الثانية ضد الحكومة
نص الفصل 63 من الدستور التونسي على الحالة الثانية للحل الرئاسي :
" يمكن لرئيس الجمهورية إذا صادق مجلس النواب على لائحة لوم ثانية بأغلبية ثلثي أعضاءه أثناء نفس المدة النيابية ( ) إما أن يقبل استقالة الحكومة أو أن يحل مجلس النواب ".
يستفاد من الفصل 63 أن هذا النوع من الحل مرتبط بالعلاقة بين الحكومة ومجلس النواب، حيث نص الفصل 62:" يمكن لمجلس النواب أن يعارض الحكومة في مواصلة تحمل مسؤولياتها، متى تبيين له أنها تخالف السياسة العامة للدولة والاختيارات الأساسية المنصوص عليها بالفصلين 49 و 58 ويكون ذلك بالاقتراع على لائحة لوم " ( ).
الشيء الملاحظ من قراءة هذا الفصل و كذلك الفصلين49 و 58 ( ) هو أن مراقبة مجلس النواب للحكومة تتعلق بطريقة تنفيذ هذه الأخيرة للسياسية التي يضبطها رئيس لجمهورية ولا تتعلق المراقبة بمحتوى السياسة وبذلك يتحول مجلس النواب إلى مساعد لرئيس الجمهورية في مراقبة الحكومة ( ).
وقد عدل المؤسس الدستوري التونسي إجراءات التصويت على لائحة اللوم التي كانت إجراءاتها أكثر شدة، حيث قلص من عدد المراحل من جهة ومن جهة أخرى أبعد رئيس الجمهورية عن كل صراع بين مجلس النواب والحكومة حيث كان الدستورالتونسي قبل تعديله سنة 1988 يجعل اللجوء إلى لائحة اللوم إجراءا شبه مستحيل، حيث كان يشترط تقديمها من طرف ثلث أعضاء مجلس النواب ولا يصوت عليها إلا بعد 48 ساعة وهذا مع العلم أن التصويت على لائحة الثقة يجب أن يسبقه التصويت على لائحة معللة بأغلبية الأعضاء تقدم إلى رئيس الجمهورية وإذا لم تلق صدى خلال 3 أشهر، هنا فقط كان بامكان النواب التصعيد والوصول إلى المواجهة بينهم وبين الحكومة بالتصويت على لائحة اللوم التي تؤدي إلى استقالة الحكومة.
بالرغم من كل القيود الواردة على مثل هذه الرقابة قبل تعديل 1988، إلا أن نتيجة التصويت على لائحة ثانية ضد الحكومة تجعل من رئيس الجمهورية يستقيل حيث أن اللائحة الثانية إذا كانت لنفس الأسباب وفي نفس الظروف تحول الصراع بين مجلس النواب ورئيس الجمهورية ( ) إلا أنه يمكن القول ان الدستور التونسي آنذاك كان يقيم نوعا من التوازن بين السلطتين من خلال الحل والاستقالة لكن بعد تعديل1988 والأمر كما هو اليوم تخلى الدستور المعدل على استقالة الرئيس في حالة مصادقة مجلس النواب المنتخب على إثر حل سابق على لائحة لوم ثانية لنفس السبب، في هذا التخلي أكثر من دلالة سياسية بالأساس ( ) و هذا يجعل من الحل في هذه الظروف مختلفا عن سابقه، فقبل التعديل تميز الحل الوارد بالفصل 63 أنه مرتبط بالعلاقة بين الحكومة ومجلس النواب .
الفقرة الثانية : خصائص الحل الرئاسي في النظامين ، ووظائفه
أولا : خصائص الحل الرئاسي في النظامين
ينطوي الحل الرئاسي على عدة خصائص مشتركة تكشف عنها النصوص الدستورية وهي أن الحل الرئاسي بكافة حالاته في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي سلطة خاصةو تقديرية لرئيس الجمهورية مع انفراد المؤسس الدستوري التونسي بخاصية تفيد تقييده للحل الرئاسي و حصره في مناسبتين اثنتين فقط و المنصوص عليهما في الفصلين 57 و63 من الدستور و هما عقب الانتخابات الرئاسية ( سلطة خاصة برئيس الجمهورية المنتخب جديدا ) و تصويت مجلس النواب على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة و يشترك الفصل 63 مع المادة 129 من الدستور الجزائري في إضفائهما الطابع التحكيمي للحل الرئاسي في حين تغيب هذه الخاصية في الحل الوارد في الفصل 57 و من هنا سوف تتم دراسة خصائص الحل الرئاسي في النظامين كما يلي :
1-الحل سلطة خاصة وتقديرية : خاصية مشتركة
2-الحل الرئاسي سلطة تحكيمية : خاصية مشتركة
3-الحل الرئاسي سلطة مقيدة : خاصية ينفرد بها النظام التونسي



1-الحل سلطة خاصة وتقديرية : خاصية مشتركة
أ-الحل الرئاسي سلطة خاصة برئيس الجمهورية: سلطة حصرية.
في النظام الجزائري تدل المادة 129 من الدستورعلى أن سلطة الحل تعود لرئيس الجمهورية دون غيره، إذ بإمكان الإطاحة بالهيئة الشرعية النابعة عن الشعب مباشرة في الوقت الذي يفرض فيه الوضع السياسي والقانوني تواجدها وهذه السلطة خاصة وفاعلة ( ) ، فحتى إذا كانت الحكومة هي من تطلب الحل فالسلطة تظل ملكا لرئيس الجمهورية دون غيره وذلك بالاستناد إلى:
- النص الصريح للمادة 129 الذي يجيز لرئيس الجمهورية الحل.
- أن المؤسس الدستوري الجزائري لم يدمج فكرة "التوقيع المصاحبContreseing " أو فكرة التصديق على قرارالحل بل وعلى أي قرار يتخذه رئيس الجمهورية ( ) ،هذا عكس النظام البرلماني أين يكون رئيس الحكومة هو صاحب المبادرة بقرار الحل وما على رئيس الدولة إلا التوقيع المجاور( ) مما يجعلنا نلاحظ أن الؤسس الدستوري الجزائري أضفى على الحل الرئاسي مرونة لاستعماله وفق معطيات الساعة.
- أن الحل سلطة غير قابلة للتفويض وهذا ما نصت عليه المادة 87/2 التي منعت تفويض رئيس الجمهورية سلطته في حل المجلس الشعبي الوطني وتقرير إجراء الانتخابات التشريعية قبل أوانها، بل إنه حتى في حالة الغيبة أو الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، يمنع إجراء الحل ( ).
- إن الاستشارة المنصوص عليها في المادة 129 ليست إلا إجراء شكليا ولا تمس بأي حال سلطة رئيس الجمهورية.
ولقد منح حق الحل لرئيس الجمهورية ولم يمنح لرئيس الحكومة لعدة اعتبارات، أهمها أن رئيس الجمهورية يعتبر حامي الدستور ومجسد وحدة الأمة والدولة وممارسته لحق الحل تأتي في سياق تكريس المؤسس الدستوري لتفوق رئيس الجمهورية وتعبيرا عن إرادته في التدخل في المجال السياسي وذلك كصاحب السلطة التنفيذية وقد يستعمل الحل كأداة للضغط على المجلس الشعبي الوطني ليتعاون مع الحكومة.
إن إعطاء حق الحل لرئيس الجمهورية عرف دستوري 76 و 89 وإذا كان دستور 1989 كرس تعددية الأحزاب التي تتطلب وجود مثل هذه السلطة بيد رئيس الجمهورية الذي يفترض أنه فوق الأحزاب وصراعاتها ( )، فإنه في دستور 1976 والذي بدوره أخذ بعدة آليات تكفل تفوق رئيس الجمهورية الأمين العام للحزب الواحد، وهو نظام يضمن عدم ظهور أي صراع بين المؤسسات وبالتالي يقضي على احتمال قيام أية معارضة وقد كان في ظل هذا الدستور حق الحل حقا مطلقا لرئيس الجمهورية بالرغم من أنه يتعارض ومنطق النظام لأن استعماله يثبت سوء اختيار الرئيس، كما أنه يتعارض مع وحدة القيادة .
وفي الحقيقة أن دستور 1976 اقتبس واضعوه العديد من أحكام دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي لعام 1958 خاصة تلك المتعلقة بتدعيم سلطات رئيس الجمهورية وتقويته على البرلمان حيث كان الدستور الفرنسي الوحيد من ضمن الدساتير الغربية التي أعطت امتدادا بذلك الشكل لسلطات السلطة التنفيذية خاصة رئيس الجمهورية، و في مقابل ذلك واضعو دستور 1976 استبعدوا كل ما يتعلق بالتعددية الحزبية والتداول على السلطة، إلخ ...( )
وفي النظام التونسي نجد الحل الرئاسي الوارد بالفصلين 57 و 63 يتميز أيضا بكونه سلطة حصرية خاصة برئيس الجمهورية التونسي دون سواه و ذلك أيضا بصريح النص، كما يدعم هذا القول أن سلطة الحل لا تفوض في حالة غيبة الرئيس ولا حتى في حالة الشغور وكذلك الحالة الاستثنائية ( ) و قد يكون في هذا الأمر تدعيم و حماية لمجلس النواب و باستقراء الفصل 57 استرعى انتباهنا أن هذا الفصل ينظم إحدى الحالات التي لم ينظمها الدستورالجزائري الذي لم ينص بصريح النص على حق رئيس الجمهورية الجديد في حل المجلس الشعبي الوطني لكن الحل الرئاسي في الجزائرو الذي سبقت لنا دراسته يمكن أن يمارسه رئيس الجمهورية في الوقت الذي يراه مناسبا له وبالتحديد عقب انتخابه حتى يتاح له العمل مع برلمان يريحه .



ب- الحل سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية
الدليل على ذلك أن طلب الرأي بشأن قرار الحل كما تشير المادة 129 من الدستور الجزائري يعد مجرد تشاور لا غيرو مرسوم الحل لا يحتاج إلى تصديق من أي جهة كانت عكس بعض الأنظمة الأخرى .
لقد تأثر الدستور الجزائري بفكرة أن رئيس الجمهورية يقرر الحل بناء على ما يقدره فكره فعليه أن يفحص الأمر بروح العقل المسؤول الذي لا يعرف العاطفة أو الخطأ، له وحده أن يضع البنواب أمم الهيئة الناخبة و يضمن لنفسه أسباب النجاح ( ) .
إن نص المادة 129 وسع من دائرة السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية وهذا الاستنتاج مؤسس على وجهة نظر المؤسس الدستوري التي أصلا من الجانب النظري لا تقبل الجدل ( ) ، إنها سلطة تقديرية كامنة في ذاته الشخصي ( ).
وتظهر السلطة التقديرية في الحل من خلال:
- عدم خضوعها إلى أي شرط جوهري: لا من حيث الآجال أو الإجراءات.
- اختصاص الرئيس بالحل دون غيره وهو اختصاص فعلي كما رأينا لا اختصاص شرفي كما في النظام البرلماني ( ).
و قد نحى المؤسس الدستوري التونسي هذا المنحى وبدوره منح لرئيس الجمهورية المنتخب جديدا مطلق الحرية في استعمال حقه في حل مجاس النواب، أي أنه يتمتع بسلطة تقديرية في تقرير الحل من عدمه وهذا يستنتج من عبارة " و لرئيس الجمهورية الجديد ..."التي وردت في الفصل 57 و عبارة " يمكن لرئيس الجمهورية ...." الواردة بالفصل 63 و بذلك "أتاح الفصل 63 لرئيس الجمهورية هامش تحرك هام إذا صادق مجلس النواب على لائحة لوم ثانية، ذلك أنه يمكن له في مثل هذه الحالة إما أن يقبل استقالة الحكومة أو أن يحل مجلس النواب بحيث يسمح له باستخلاص العبرة من استمرار معارضة البرلمان للحكومة في اتجاه تغليب موقف المجلس بقبول استقالة الحكومة أو في اتجاه تغليب موقف الحكومة بحل المجلس و يندرج هذا الخيار المرن و الذي يعطي رئيس الجمهورية هامش مناورة في هذا المجال "( )
2-الحل سلطة تحكيمية : الطابع التحكيمي للحل الرئاسي لا يمكن فهم الحل كآلية منفصلة، بل يجب أن يتم ذلك في إطار المجموعة الدستورية التي ينتمي إليها، إن جميع المبادئ والتجارب تفرض أن يوجد هناك حكم فوق التيارات السياسية يستطيع ضمان استمرارية الدولة و مؤسساتها، في ظل التوافقات ( ) .
لقد أراد التحول الدستوري الجزائري منذ 1989 إرساء دولة غير حزبية تتواجد خارج الصراعات الحزبية وحتى تكون محايدة فإن رئيس الجمهورية بتجسيده للدولة وهو المستفيد من هذا البناء الدستوري، ومبدئيا لا ينتمي إلى أي حزب و ينجر عن ذلك أن يتوقف ( ظاهرا ) عن النضال لحزبه ليصبح رئيس كل الجزائريين فلديه الشرعية بذلك ويقوم بضمان حماية المبادئ الأساسية للدولة، الاستقلال الوطني، سلامة التراب الوطني والسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري ( ).
يرى بعض الدارسين في الجزائر أن المادة 129 من دستور1996 تفيد أن الحل اختصاص تقديري وتحكيمي لرئيس الجمهورية دون أن تنص على ذلك صراحة كالمادة 05 من الدستور الفرنسي التي تعتبر رئيس الجمهورية حكما " Arbitre " وهذا ما يفسر اتساع صلاحياته وعبارة التحكيم ظهرت لأول مرة في الدستور الفرنسي وأكدها الجنرال "ديغول" الذي كان له الدور الأبرز في وضع دستور 1958. ( )
وتظهر خاصية رئيس الجمهورية كحكم بين المؤسسات في البلدين من خلال استعماله لصلاحيات تهدف لاستقرار العلاقات بين المجلس والحكومة وما يخول له هذه الوظيفة هو الآتي:
أ- منافسته للمجلس المنتخب في تمثيله للشعب فله الحق في التوجه إليه بالاستفتاء دون واسطة وباعتبار أن الشعب مصدر كل سلطة مما يمنح الرئيس صفة تمثيلية للشعب بأكمله ويخول له التعبير عن الإرادة العامة والتكلم باسمه، بل بإمكانه تجاوز السلطة التشريعية باللجوء مباشرة إلى الشعب ( ) .
ب- رئيس الجمهورية هو أول مسؤول في هرم الدولة أي السلطة ( ) وله تأثير على عمل المؤسسات الأخرى، وتمتعه بالسيادة باعتباره ممثلا للدولة وهو يتفق مع التكييف الذي قدمه الرئيس ديغول.( ) وما يزيد من مكانة شمولية وظيفة التمثيل العام التي تبدأ من التدشين والافتتاح إلى اتخاذ القرارات الهامة وفي إطار تواجد رئيس الجمهورية في مركز يجعله يمثل كل الشعب وهو يعلو على السلطات وعلى جميع المتناقضات والاختلافات السياسية الداخلية وهذه في الحقيقة تقنيات منبثقة عن دوره السلطوي المركزي المخفف أحيانا والمكثف أحيانا أخرى( ) ،وكونه المسئول عن سير السلطات العمومية، فإن ذلك يمكنه من استعمال حق الحل لإنهاء أي نزاع بين المؤسسات ويتدخل في حالة الأزمة لإعادة سير النظام فيظهر الحل بأنه وسيلة للتحكيم الرئاسي تهدف إلى تسوية النزاعات ( ) ،لكن هل حقا أن الحكم وفق المفهوم المبين يفرض رأيه الخاص على الآخرين؟ فرئيس الجمهورية ينطق بالحل ممارسا مهمته كحكم ، لكن كحكم بالمعنى الإيجابي ( ).
كما يصر بعض الدارسين في تونس على الطابع التحكيمي للحل الرئاسي في النظام التونسي من خلال تحليل الفصل 63 من الدستور و الذي بموجبه لا يمكن لرئيس الجمهورية اللجوء للحل إلا بعد مصادقة مجلس النواب على لائحة لوم ثانية خلال نفس المدة النيابية ومعنى ذلك أن رد فعل الرئيس على لائحة اللوم الأولى غير ممكن لأن تعديل 1988 أخرجه من دائرة النزاع بين الحكومة والمجلس( ) بعد أن كان التصويت على لائحة اللوم الثانية يؤدي إلى حل المجلس وكان يتعين على رئيس الجمهورية تقديم استقالته، أما حاليا فلائحة اللوم لم يعد ينتج عنها استقالة الرئيس بل إمكانية حل المجلس النيابي أو إقالة الحكومة.
إذن لم يعد رئيس الجمهورية وحسب بعض الفقه في تونس طرفا في الخلاف بين مجلس النواب والحكومة وبالتالي لا يمكن أن يتأثر بانعكاساته وبذلك يكون المؤسس التونسي على حد قولهم أعاده إلى منزلة الحكم بين المجلس والحكومة، يخير بين الحل وقبول استقالة الحكومة( )، هذا و يرفض العديد من الباحثين إضفاء الطابع التحكيمي للحل الرئاسي و على رأسهم الدكتور الأمين شريط الذي يرفض اعتبار الرئيس الجزائري حكما بالمفهوم الذي أتى به دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي عام 1958 لوجود العديد من الاختلافات بين النظامين الدستوريين،أهمها فكرة التوقيع المجاور وامتلاك الرئيس الجزائري لسلطات هامة على المجلس دون أن يمتلك عليه المجلس
شيئا ،و هو طرف في "للعبة السياسية وإن لم ينص الدستور صراحة على إنه رئيس السلطة التنفيذية، فهو رئيسها القانوني ، بل هو روحها و مصدرها بكاملها"( ).
في الحقيقة أن وظيفة التحكيم أو سلطة التحكيم تعرضت لنقاش شديد من طرف بعض الفقهاء بين مؤيد ومعارض ورأى معارضو هذه الفكرة أن مفهوم التحكيم يصطدم بمشكلتين:
الأولى: تتعلق بغموض مفهوم التحكيم وكونه مفهوم قديم تجاوزه الزمن ، حيث وحسب فقه القانون الدستوري الحديث أن فقه التحكيم ينتمي للملكيات الدستورية في القرنين 18 و19، ليدعم سلطة الملك شبه الإلهية التي جعلته فوق الجميع) (.
الثانية: تتعلق باستحالة تطبيق فكرة التحكيم في الأنظمة الحديثة لتعارضها مع الديمقراطية الغربية التي تعتبر الشعب هو الحكم ووضع رؤساء الدول لا يسمح لهم بلعب دور الحكم، فالرئيس إما أن يكون معينا بطريق الاقتراع المقيد وبالتالي لا شيء يعطيه هذه المكانة العالية أو السلطة ليكون حكما، أو أن ينتخبه الشعب مباشرة وهنا لن يكون تدخله كحكم، بل بالضرورة سيكون تدخل " خصم وحكم" .
في الواقع إن القيام بمهمة التحكيم يفرض الحياد، والقاعدة الذهبية تقول أنه لا يمكن أن يكون الشخص خصما وحكما في آن واحد : " On ne peut être juge et partie à la fois " ونحن نؤيد هذا الرأي إذ يصعب أن يكون رئيس الجمهورية في كل من الجزائر و تونس حكما في مسألة الحل ( ) لأن سلطة الحل كما هي في النظامين الدستوريين من الصعب أن تكون سلطة محايد ة أو نوع من التحكيم بين هيئتين دستوريتين إحداهما ترتبط عضويا ووظيفيا برئيس الجمهورية، فمجرد وجود حق الحل في الدستور من ضمن الكثير من الآليات الدستورية التي بيد الرئيس و التي يستطيع من خلالها التأثير على أية هيئة دستورية ( ) ، يعد كافيا لتكريس تفوق رئيس الجمهورية على المجلس المنتخب، أضف إلى ذلك طريقة توزيع السلطات في النظامين التي لا تضمن لرئيس الجمهورية الحياد الذي يفرضه دور الحكم الذي يمارسه باسم الشعب ( ) ، دون أن ننسى التعددية السياسية ومكانة رئيس الجمهورية في النظامين السياسيين الجزائري و التونسي و التي لا تسمح له بالبقاء محايدا أو مستقلا في ممارسة الحل .
إذا كانت مهمة التحكيم موجودة فعلا في النظام الدستوري الجزائري ويعهد بها إلى رئيس الجمهورية باعتبارها وظيفة ضرورية تتطلبها طبيعة النظام ( ) وحسن سيره بصفة مطلقة فإنها في الحل حتما لن تكون كذلك ، لأنها تمثل قيمة سياسية قبل أن تكون قانونية ( ) والدليل على ذلك أن رئيس الجمهورية لا يستعمل الحل لأجل الحل، وقد سبق ورأينا جملة المبررات التي تسوق استعمال الحل الرئاسي وكيف أن الفقه حكم على مثل هذا الحل الذي لا يكرس التوازن بين السلطتين أنه أداة للهيمنة في يد رئيس الجمهورية، فهذا الأخير عندما يقرر الحل لا يتصرف كحكم محايد،فهو في كل الأحوال لن يتصرف بمعزل عن رئيس الحكومة الذي يثق في شخصه، فوجود مجال مشترك بين الحكومة ورئيس الجمهورية يجعل هذا الأخير مقدما في خلاف بين الحكومة وأغلبية النواب وفي مثل هذه الفرضية يجد نفسه أمام خيارين: إجراء الحل أو عدم إجرائه ( ) ومن الطبيعي أن رئيس الجمهورية قد يحل المجلس بطلب من رئيس الحكومة، لكن هذا الطلب يقع على مستوى العلاقات السياسية و ليس على المستوى القانوني( ) ، إن قراءة المادة 84/6 والتي تجيز لرئيس الجمهورية استعمال المادة 129 أي حل المجلس الشعبي الوطني على إثر عدم منحه الثقة للحكومة، يثبت بصورة قطعية أن رئيس الجمهورية ليس محايدا وسوف نثبت من خلال دراستنا للحل التلقائي مدى التلاحم بين رئيس الجمهورية وحكومته، وأنه عندما يحل المجلس، فإنه يتصرف كحكم ولكن حكم نشيط وفاعل وبالتالي يبتعد عن فكرة الحياد ( )، و الامر ذاته يمكن أن يحدث في النظام التونسي نظرا لطبيعة العلاقة التي تربط رئيس الجمهورية بالحكومة، فرئيس الدولة في النظام السياسي التونسي يمارس دستوريا سلطات واسعة، فهو رئيس لسلطة تنفيذية قوية تهيمن على السلطة التشريعية وعلى باقي مؤسسات الدولة و يسيطر كليا على الجهاز التنفيذي ويمارس سلطات على الحكومة ممثلة في شخص الوزير الأول وباقي الوزراء و ذلك في الظروف العادية وتزداد قوة في الظروف غير العادية،كما تتضاعف أهمية مركزه انطلاقا من كونه يستمد مشروعية أوسع من الشعب، مما يخوله نفوذا رمزيا ومعنويا قد يطمس ويسبق حتى شرعيته الدستورية ( ).
إذا كان العميد بوعوني " رأى في تعديل الفصل 63 اتجاه المؤسس الدستوري التونسي إلى وضع الرئيس الحكم " Le président Arbitre " ( ) إلا أننا نخالفه الرأي فالرئيس ليس غريبا عن السلطة التنفيذية، فهي كما سبق وأشرنا تستمد وجودها منه والرقابة التي يمارسها مجلس النواب على الحكومة ليست رقابة سياسية بالمعنى الصحيح بقدر ما هي رقابة من نوع خاص ، مضمونها السهر على حسن تنفيذ الحكومة للسياسة العامة التي يرسمها رئيس الجمهورية، وهذا ما نص عليه الدستور بصريح النص ( ) وبالتالي ففكرة حياد رئيس الجمهورية عند استخدامه لحق الحل طبقا للفصل 63 مردود عليها، هذا فضلا عن الطابع الرئاسي للنظام التونسي وذلك ما نستخلصه من مجمل نصوص الدستور، بل من إرادة المؤسس الدستوري عام 1959 ( ).
3- الحل الرئاسي سلطة مقيدة (الخاصية التي ينفرد بها النظام التونسي).
الحل الرئاسي مقيد من حيث المناسبة التي يتم فيها،و يظهر ذلك من خلال تحليل الفصلين 57 و 63، فالحل الرئاسي الذي نص عليه الفصل 57 من الدستور لا يرد إلا إثرالانتخابات الرئاسية التي تلي الشغور في منصب الرئاسة لوفاة أو استقالة أو لعجز تام، ولا يمارسه إلا الرئيس المنتخب جديدا ، فقد نص الفصل 57 على هذا النوع من الحل في الفقرة الأخيرة منه بعد تناوله أولا لحالة الشغور في منصب الرئاسة وذلك لوفاة أو استقالة أو لعجز تام وهي الحالة التي يقررها المجلس الدستوري التونسي بالأغلبية المطلقة لأعضائه ثم يبلغ إلى رئيسي مجلسي البرلمان و يتولى رئيس مجلس النواب مهام الرئاسة بصفة مؤقتة ، وإذا تزامن شغور منصب الرئاسة مع حل البرلمان فإن رئيس مجلس المستشارين هو الذي يتولى منصب الرئاسة ويمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة المهام الرئيسية على ألا يحق له ممارسة البعض منها كاللجوء إلى الاستفتاء وحل مجلس النواب( ) ، فالحالة الأولى للحل التي نص عليها الفصل 57 تبين أنه جائز فقط لرئيس الجمهورية المنتخب جديدا بعد حالة الشغور في منصب الرئاسة ، فقد وقع تعديل الفصل 57 عام 1988 لتمكين رئيس الجمهورية المنتخب إثر شغور منصب الرئاسة لوفاة أو استقالة أو عجز تام من حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، غير أنه طرح إشكال آنذاك أن تلك الانتخابات لم تتزامن بالضرورة مع شهر نوفمبروفق ما يقتضيه الفصل 29 من الدستوروالذي كان يحدد بداية الدورة الأولى من المدة النيابية خلال النصف الأول من شهر نوفمبر، فاقترحت اللجنة المكلفة بدراسة مشروع تعديل الدستور سنة 1993 تعديل الفصل 29، لكن الحكومة لم ترض بذلك لكثرة الفرضيات التي قد تتم الانتخابات التشريعية فيها منفردة دون تزامنها مع الانتخابات الرئاسية لأن هذا التزامن كان يستفيد منه نواب الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، فينتفعون من إشعاعه ويستغلون مشروعيته الشعبية ( ).
كما نص الدستور التونسي على عدم جواز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة خلال الفترة الرئاسية المؤقتة ومن كل ما سبق يتبين أن المؤسس الدستوري التونسي أراد أن يكون الحل سلطة خاصة برئيس الجمهورية دون سواه إذ منع على من يتولى منصب الرئاسة بصفة مؤقتة اللجوء إلى حل مجلس النواب وهذه النقطة تسجل لصالحه بسبب حرصه الشديد على الحفاظ على مصدر الشرعية الشعبية الثاني في غياب مصدر الشرعية الأول وهذا ما ذهب إليه المؤسس الدستوري الجزائري.
يستفاد من نص الفصل 57 بمفهوم المخالفة أنه إذا أعاد رئيس الجمهورية ترشيحه بعد استقالته أو فوزه بعهدة ثانية، فإنه لا يملك سلطة الحل هذه مع حرمان كل من رئيسي غرفتي البرلمان من الترشح لمنصب الرئاسة حتى في حالة تقديمها للاستقالة ( ).
أما بالنسبة للحل الرئاسي الوارد في الفصل 63 فلا يمكن إجراؤه إلا في إطار تصويت مجلس النواب على لائحة اللوم الثانية أثناء نفس المدة النيابية ، بعبارة أخرى أنه إذا لم تتعرض الحكومة لهذه الائحة فلن يستطيع رئيس الجمهورية ممارسة سلطة الحل ابدا ، لكن هذه المادة تثير بعض التساؤلات:
-إذا كان المؤسس الدستوري التونسي إشترط لجوازحل مجلس النواب تصويته على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة أثناء نفس الفترة النيابية، فهل يقصد ذات الحكومة التي تعرضت للائحة اللوم الأولى ؟ لكن تلك الحكومة إستقالت بحكم الفصل 62على إثر لائحة اللوم الأولى ، هذا يعني أنها حكومة أخرى هي التي تتعرض للائحة اللوم الثانية ومعنى هذا أن المجلس و خلال مدة نيابته (خمس سنوات) لا يملك إلا التصويت على لائحة لوم واحدة و إلا تعرض للحل ونحن نرى أن في ذلك إجحاف في حق المجلس خاصة إذا لم تكن الحكومة الثانية في المستوى المطلوب ومن ذلك يتبين بوضوح أن بقاء الحكومة ليس مرهونا برضى المجلس بل بإرادة رئيس الجمهورية.
ثانيا: وظائف الحل الرئاسي
إذا كان إدراج حق الحل ساقته عدة اعتبارات ومبررات سبق لنا التعرض لها، فإن الحل الرئاسي يؤدي وظائف نستخلص أهمها من تحليل النصوص الدستورية، وأول هذه الوظائف أن الحل الرئاسي يشكل أداة لإخضاع الغرفة الأولى وتقليصا لدورها الرقابي، كما أنه يعزز المكانة السامية لرئيس الجمهورية على باقي المؤسسات وبالتحديد المؤسسة التشريعية أي أنه أداة لهيمنة رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية.
يثير الحل الرئاسي في كل من الجزائر و تونس العديد من الإشكاليات التي تؤدي إلى وضع الغرفة الأولى للبرلمان محل انتباه وحذر مما يستدعي مسايرتها لسياسة السلطة التنفيذية، فتهديده الدائم للنواب بالعزل الجماعي طيلة الفترة التشريعية يظهر الحل الرئاسي على أنه وسيلة لكي تضع الغرفة الأولى محل انضباط، ونحن نؤيد هذا الرأي استنادا إلى النصوص الدستورية التي تكشف لنا الكثير و سنقوم بدراسة كل نظام على حدة .
1- الحل الرئاسي أداة لإخضاع المجلس النيابي
أ-في النظام الجزائري
يلاحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري ربط إمكانية استخدام الحل الرئاسي عند عدم منح المجلس المنتخب الثقة للحكومة عند تقديمها للبيان السنوي أو تصويت المجلس على ملتمس الرقابة الذي ينجم عنه استقالة الحكومة، وهذا ما نصت عليه المادة 84 حيث نسجل الملاحظات التالية :
أ- المادة 84/1: " تقدم الحكومة سنويا( ) إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة " والبيان السنوي يتضمن حصيلة الإنجاز، نوعيته وعراقيله و الصعوبات والحلول المتخذة لمواجهتها إلخ ( )..وفي هذا الأسلوب تبدو لنا رقابة شديدة للمجلس على الحكومة.
ب- نصت المادة 84/3 على إمكانية إيداع لائحة عقب اختتام مناقشة النواب لعمل الحكومة، وذلك دون أن يبين لنا المؤسس الدستوري نوع هذه اللائحة الجوازية وإن كان تقديمها يغني الحكومة عن طلب الثقة، ويقول الدكتور الأمين شريط أنها يمكن أن تتضمن تحفظات من طرف المجلس الشعبي الوطني على عمل الحكومة ( ) .
لكن الدستور الجزائري لم ينص على إمكانية إصدار مجلس الأمة لأية لائحة على إثر تقديم الحكومة لبيان عن سياستها العامة أمامه عكس الأثر الذي رتبه على تقديم عرض عن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة ( )، أما بالنسبة للائحة التي يصدرها المجلس الشعبي الوطني ، هل يمكن اعتبارها لائحة سحب ثقة ؟ وما هو أثرها على الحكومة ؟ إذا كان هناك غموض في هذه النقطة ، فما هو واضح أن مناقشة البيان لا تفضي بالضرورة إلى إصدار اللائحة ( ).
ج- نصت المادة 84/4 على إمكانية إيداع النواب لملتمس رقابة ( ) وتحيلنا المادة هذه إلى المواد 135، 136 و 137 من الدستور وهي المواد التي تتحدث عن مسؤولية الحكومة أمام البرلمان وعن شروط إيداع ملتمس الرقابة (يجب أن يقدمه 1/7 النواب على الأقل) وعلى النصاب المطلوب للتصويت عليه (أغلبية 2/3) و الآجال إذ يتم التصويت عليه إلا بعد 03 أيام من تاريخ إيداعه.
إن تصويت النواب على ملتمس الرقابة يعني أن السياسة العامة لم تف بأغراضها المرجوة والتصويت بالأشكال المذكورة أعلاه، يرى فيه البعض أنه يمنح لمتلمس الرقابة جديته وأصالته ( )، في حين يرى البعض الآخر أنه من قبيل إخضاع الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة إلى إجراءات أكثر دقة وأكثر شدة بهدف تقليصها ( ).
يعبر ملتمس الرقابة عن تدهور العلاقة بين الحكومة والمجلس وانكسارها بشكل خطير ونجاحه مرهون بنوعية الأغلبية السائدة في المجلس ومدى انضباطها، ففي حال تمتع الحكومة بأغلبية قارة ومنضبطة من المستحيل نجاح ملتمس الرقابة ويصبح تقديمه من طرف المعارضة للوقوف أمام الحكومة ومراقبتها وليس لإسقاطها ( ).
في الواقع أن ملتمس الرقابة تحيط به جملة من الشروط والإجراءات التي تتجه في استبعاده، فنسبة 1/7 النواب صعبة التحقيق، كما أن النائب لا يصوت إلا على ملتمس رقابة واحد، ومهلة 03 أيام للتصويت عليه يرى البعض أنها كافية لإقناع النواب المؤيدين للحكومة زملاءهم والضغط عليهم للعدول عن ملتمس الرقابة هذا فضلا عن نصاب الموافقة الصعب( 2/3 )وهذه القيود تجعل من اللجوء إليه شبه مستحيل ( ).
د-تجيز المادة 84/5 للحكومة طلب تصويتا بالثقة: إن النص يعطي الحكومة الاختيار في هذا الأمر وبالتالي فإن منح المجلس الثقة للحكومة أو عدم منحها مرهون أولا وأخيرا بتقديمها للطلب، مما يجعل من طلب الثقة نتيجة دون مقابل في حين أن ذلك أمر وجوبي ومهم لأن الثقة جزء من المسؤولية السياسية للحكومة وهذا لسببين:
الأول : أن المجلس الشعبي الوطني لا يملك حق منح الثقة من تلقاء نفسه، وبالتالي لا يملك سحبها (فاقد الشيء لا يعطيه) عملا بمبدأ " من يملك التعيين ... " و هذا ما تؤكده المادة 62 من القانون العضوي 99/02 التي تنص " يكون تسجيل التصويت بالثقة لفائدة الحكومة في جدول الاعمال وجوبا بناءا على طلب رئيس الحكومة ..."
الثاني : خلو صياغة المادة 84/5 من أي صفة إلزامية وهي خاصية قواعد القانون العام وعلى رأسه القانون الدستوري ، وقواعد القانون العام كلها آمرة، وإعطاء رئيس الحكومة نصا يخول له الاختيار بين تقديم طلب الثقة من عدمه غير مستساغ( ).
إن الحكومة لا يمكن أن تطلب تصويتا بالثقة إلا في حالة واحدة وهي عند تقديمها للبيان السنوي عن السياسة العامة للمجلس، ولا يلجأ رئيس الحكومة إلى هذا الإجراء إلا إذا كان متأكدا من مساندة الأغلبية البرلمانية ( )، لأن الإقدام على ذلك دون ضمانات يعد مجازفة، ويرى الدكتور سعيد بوالشعير أن هذه الآلية تعد وسيلة يمكن أن يستخدمها رئيس الحكومة للضغط على رئيس الجمهورية إذا أحس بمحاولة ضغط من قبل هذا الأخير، وهذه المسألة لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود أغلبية برلمانية متماسكة وقوية حتى تتناسب والمركز القوي لرئيس الجمهورية ( ).
وإضافة إلى حالة خلاف الحكومة مع رئيس الجمهورية ( )، فقد تطلب الحكومة الثقة أيضا في حالات أخرى:
- إذا كانت هناك معارضة واضحة لسياسة الحكومة في البرلمان أو خارجه، فتريد الحكومة تدعيم مركزها بحصولها على الثقة، مع العلم أن طلب الثقة يكون في مناسبة عرض الحكومة للبيان السنوي وهذه هي الحالة الوحيدة التي نص عليها الدستور، وهذا خلافا لبقية الأنظمة ، إذن فإمكانية طلب الثقة تكون مرة واحدة سنويا، ويستنتج من ذلك أن رفضها الذي يؤدي إلى الحل يكون سنويا، وعليه فالحل يمكن أن يجرى كل سنة، وهذا الأمر تدعيم لفكرة إطلاق المؤسس الدستوري الجزائري لسلطة الحل الرئاسي، أي إمكانية تكراره( ).
عرفت الجزائر تعاقب حكومات لم تقدم بيان السياسة العامة لعدم مرور سنة عليها وحكومات أخرى لم تقدمه رغم بقائها في الحكم أكثر من سنة ( )، من بينها حكومة علي بن فليس الذي قدم بيان السياسة العامة في 08/11/2001، ولم يطلب تصويتا بالثقة نظرا لتمتعه بأغلبية مريحة ناتجة عن تحالف ثلاثة أحزاب كبرى، ولم يكن ذلك مخالفا للدستور، لأن المادة 84/5 نصت على الإمكانية وقد سجلنا جملة من الملاحظات حول ظروف التصويت على لائحة الثقة التي تصب في تيسير الحصول عليها، عكس ملتمس الرقابة .
-تقليص حدود النقاش السابق للتصويت بالثقة وحصره في أضيق الحدود، حيث بعد تقديم رئيس الحكومة بعرض يشرح فيه أسباب طلب الثقة، يتدخل نائب يريد التصويت بالثقة، ثم نائب ضد التصويت بالثقة ( ) وقد تجاهل كل من الدستور والقانون العضوي 99-02 آجال المناقشة.
- لم ينظم المؤسس الدستوري نصاب الموافقة على لائحة الثقة وترك ذلك للقانون 99-02، خلافا لملتمس الرقابة الذي رسم حدود استعماله من حيث النصاب والآجال دستوريا، وفي هذا الخصوص لاحظنا أن القانون 99-02 نص على الأغلبية البسيطة( ) عكس ملتمس الرقابة(أغلبية الأعضاء) بينما لم يشرالنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني الحالي إلى أي من هذه الاجراءات مطلقا،وتناول القانون 99-02 أثر عدم منح الثقة للحكومة فتحدث عن استقالة الحكومة وإمكانية حل المجلس( ).
إن ترتيب حل المجلس كأثر لعدم منح الثقة للحكومة، يؤدي إلى تعطيل أو تجميد ميكانيزم المسؤولية الوزارية وإلزام المجلس بالموافقة على طلب الحكومة حتى وإن كان مبرر الحل حسم الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، هذا فضلا عن أن المساءلة السياسية تقع ظاهريا على الحكومة لكنها تتجه في الجوهر إلى رئيس الجمهورية باعتباره منتخبا وصاحب برنامج وهو من يعين الحكومة التي تستمد وجودها منه ( ).
لقد أظهرت الممارسة الدستورية في الجزائرأن التصويت بالثقة لن يكون وسيلة لتحميل الحكومة مسؤوليتها كما يفترض ، بل هو أداة فعالة للضغط على البرلمان وبالتحديد المجلس الشعبي الوطني ولن يكون أداة فعالة للرقابة البرلمانية إلا إذا تم تدعيم الخصائص البرلمانية للنظام الدستوري الجزائري والتي تجعل من الحكومة أكثر استقلالا عن رئيس الجمهورية.
في كل الأحوال فإن المؤسس الدستوري ضيق من مجال استغلال النواب للمادة 84/5 تكريسا منه لإضعاف المجلس الشعبي الوطني، الذي أيا ما كانت نتائج مناقشته لبيان السياسة العامة، فهو الخاسر الأول و ينعكس ذلك إيجابا على الحكومة بالتقليل من مصادر عدم الاستقرار في علاقتها مع المجلس.
في فرضية سحب المجلس الثقة من الحكومة يجد رئيس الجمهورية نفسه أمام عدة خيارات: إما أن يلجأ للحل و يقبل استقالة الحكومة ويعيين آخرى مباشرة بعد الحل، أوأنه يتمسك بالحكومة بقبول استقالتها ثم اعادة تعيينها بعد أن يقرر الحل وفي كل الأحوال فإن رئيس الجمهورية لا يتصرف كحكم ( ) وفرضية استعماله لحق الحل تكمن خاصة في وجود أزمة بين رئيس الجمهورية بوصفه رئيس الجهاز التنفيذي والمجلس الشعبي الوطني ويستعمل الرئيس الحل لحماية الحكومة أو على الأقل يلوح باستعماله في حال توجيه ملتمس رقابة للحكومة وهذا يدعم بشكل كبير مركزها ويسمح لحكومة أقلية أن تظل في السلطة( ).
لقد منح حق الحل لرئيس الجمهورية ولم يمنح لرئيس الحكومة حتى لا يستعمله في حالة الخلاف بينه وبين المجلس ( )، لكن رئيس الجمهورية لا يستعمله بوصفه حامي وحدة الأمة والدولة وضامن لحسن سير المؤسسات بل بوصفه صاحب السلطة التنفيذية كأداة للضغط على المجلس ليتعاون مع الحكومة ( ).
حق الحل يظهر في كل الدساتير الجزائرية بصفة مطلقة تعطي لرئيس الجمهورية حق تجاوز السلطة التشريعية دون أية شروط تذكر( )، حتى دستوري 89 و96 اتجها إلى ترك الهيئة التمثيلية في درجة ثانية ولا تستطيع الارتقاء إلى مستوى رئيس الجمهورية ( ).
أيا من كان السبب في تدهور العلاقة، إن كانت الحكومة كونها المسؤولة عن تنفيذ البرنامج والسياسة العامة حسب المادة 83 من الدستورأو المجلس الذي يريد عرقلة الحكومة ويرفض التصويت على مشاريع قوانين تنفيذا لبرنامج سبق أن وافق عليه، فإن طرح الثقة يراد منه معرفة مدى رضى المجلس على أداء الحكومة فإذا منحها الثقة فذلك يعني التزاما منه بعدم مضايقتها مستقبلا وأي تدهور في العلاقة مستقبلا فإن المجلس يتحمل عبئه سياسيا، في هذه الحالة فإن رئيس الجمهورية سيلجأ إلى الحل إذا كانت له قناعة بأن المجلس هو المتسبب في سوء العلاقة وانكسارها بشكل خطير، سواء نجم ذلك عن تفتت الأغلبية في المجلس، أو لأي سبب آخريجعله غير قادر على أداء عمل تشريعي جيد، و هنا فيتصرف هنا رئيس الجمهورية كونه الساهر على حسن سير المؤسسات وصاحب برنامج منتخب على ضوئه( )، وعامل الأغلبية ومدى تماسكها له دور مفصلي في آداء البرلمان سواء كانت من حزب واحد أو عدة أحزاب ، و قد سبق و أشرنا إلى انتقاد البعض للائتلاف ، حيث يرون فيه تنكرا للناخبين الذين منحوا أصواتهم لبرنامج معين وفكر معين والائتلاف يؤدي إلى طمس معالمه "( ) ولا يعكس بالفعل الخارطة السياسية في الجزائر( ).
وبالرغم من ذلك فإنه وعلى أرض الواقع، استطاعت أحزاب التحالف الرئاسي أن توفر للحكومة أغلبية مريحة وسدت كل مبرر لحل المجلس الشعبي الوطني، في حين كان الكثير يتوقعون من رئيس الجمهورية حله عقب إعادة انتخابه في 2004 للتخلص من الأغلبية التي كان يمثلها حزب جبهة التحرير الوطني قبل انقسامه إلى جناحين، لكن رئيس الجمهورية لم يستعمل المادة 129 لأن أسباب حل المجلس قد زالت ولم تعد موجودة على حد قول البعض( ).
ب- في تونس
يشير الاتجاه العام للدستور التونسي إلى تغليب الآليات الرئاسية ، والحل في الواقع وإن كان البعض يعتبره أداة للاستقرار الحكومي، إلا أنه يعد وجهان لعملة واحدة، الوجه الأول أنه يعد أداة لإضعاف السلطة التشريعية وفي آن واحد هو أداة لهيمنة رئيس الجمهورية المهيمن أصلا على باقي المؤسسات و هذه الصورة تشمل الفصل 63 من الدستور التونسي و المادة 129 من الدستور الجزائري.
بقراءة توطئة الدستورالتونسي نجد عبارات تفيد التعهد بإقامة "ديمقراطية أساسها سيادة الشعب وقوامها نظام سياسي مستقر يرتكزعلى " قاعدة تفريق السلـط" ( ) أي الفصل بين السلطات وقد قسم الدستور التونسي إلى عدة أبواب، وخصص الباب الثاني، الثالث، والرابع للسلطات الثلاث على التوالي، التشريعية، التنفيذية والقضائية.
لقد طغت فلسفة النظام الرئاسي على دستور جوان 1959 لكنها لم تخلق نظاما سياسيا رئاسيا بمقوماته المؤسساتية الكلاسيكية، بل إن النظام التونسي كان رئاسيا متميزا( ) يهيمن فيه الرئيس على كافة المؤسسات حتى عندما أراد المؤسس الدستوري إدخال بعض الآليات البرلمانية عام 1976 كإجابة ممكنة لحل أزمة سياسية بعد فشل تجربة التعاضد و لكن دون المساس بمكانة رئيس الجمهورية ( )، وقد كانت ولا زالت لا ترقى إلى المستوى المعروف في الأنظمة الأخرى، وقد سبق وأن رأينا ذلك من خلال تحليل النصوص المتعلقة بحل المجلس النيابي وإسقاط الحكومة وكيف أن الاتجاه العام يصب في استبعاد تحريك الرقابة البرلمانية والحل يظل سلاحا بيد رئيس الجمهورية ليس له مقابل ، فإذا كان بإمكان المجلس الإطاحة بالحكومة فإنه لا يستطيع الإطاحة برئيس الدولة ( ).
والواقع أن تحديد الأساس لمسؤولية الحكومة يمكن تأويله كإقصاء لإعادة النظر في التوجيهات والاختيارات الأساسية التي يضبطها رئيس الجمهورية من قبل المجلس فلا يستطيع هذا الأخير إثارة مسؤولية الرئيس سياسيا أمامه في أي حال من الأحوال ، فقد حذف تعديل الفصل 63 من الدستور سنة 1988 إمكانية تقديم رئيس الجمهورية استقالته في صورة تصويت المجلس المنتخب على لائحة اللوم.
لقد جعل الدستور من المجلس هيكلا يسهر على حسن تنفيذ السياسة التي ضبط اختياراتها الأساسية رئيس الجمهورية( ) وجعل السلطة التشريعية غير مستقلة وغير منفردة باختصاصها التشريعي وفاقدة لأي دور في الظروف الاستثنائية ( ) في حين يصرح أحد المسؤولين التونسيين أمام مجلس النواب أن الفصل 62 يخول لمجلس النواب معارضة الحكومة وأن هذا الفصل فيه دعم للسلطة التشريعية وليس إضعافها ( ).
يضاف إلى جملة العوامل السابقة التي جعلت من مجلس النواب تابعا لمؤسسة الرئاسة، ضعف الأحزاب بصفة عامة وهذا الأمر ليس غريبا، فالنظام التعددي القائم في الدول العربية حاليا،لا يختلف عن نظام الحزب الواحد، ففي جميع هذه الدول يوجد حزب رئيسي تابع للدولة يرأسه رئيس الدولة شخصيا أو شخصا مقربا منه، يحتكر العمل السياسي ويسيطر على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان ويختلط بأجهزة الدولة الإدارية( ).
ولقد لفت نظرنا استياء أحد الباحثين التونسيين من تصرف النواب التونسيين عقب تولي الرئيس بن علي الرئاسة أول مرة من استعدادهم وموافقتهم على إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تقلص من مدة نيابتهم: " فللمرة الثانية وفي ظرف لا يتجاوز العشر سنوات، أعلن نواب الشعب موافقتهم اللامشروطة ومباركتهم الكاملة لمشروع يقلص من مدة نيابتهم ويحد من فترة نشاطهم النيابي ...وهو لعمري أمر غريب بالنظر إلى دور النائب كممثل لسيادة الشعب وهو المطالب أساسا بممارسة صلاحيته والحرص على دعمها دون أن يصبح أداة في يد غيره يقررله مصيره ويطوع دوره.أما في تونس، فيظهر أن المسألة تتعدى حدود الثقة المتبادلة بين السلطتين السياسيتين لتعكس بوضوح الوضع السلبي الذي يمر به المجلس النيابي" ( ).
الواقع أنه وكما لا يخفى على أحد، وقد سبق وأشرنا إلى هذه النقطة عند دراسة الحل الرئاسي في النظام الجزائري أن الخوف هو الخاصية المميزة للنواب وأن التلويح بالحل هو بداية تعقل المجلس.
ثانيا- الحل الرئاسي أداة لتكريس هيمنة رئيس الجمهورية
1- في الجزائر
أ-الحل الرئاسي وفقا للمادة 129 يعد وسيلة بيد رئيس الجمهورية تمكنه من منع سقوط الحكومة ( )، فالحل يوازن به المسؤولية السياسية للحكومة أمام المجلس الشعبي الوطني، وبدونه تصبح الحكومة مجرد واجهة يمكن التخلص منها في أي وقت.
ب- يرى البعض في الحل وسيلة لتعين السلطة التشريعية من طرف رئيس الجمهورية ( ).
ج-تكريس الدستور مركزا لرئيس الجمهورية يجعله الثقل الحقيقي للسلطة( ).
د-سلطات رئيس الجمهورية اتجاه المجلس الشعبي الوطني متعددة :يملك حق التشريع بأوامر بين دورتي البرلمان، وحتى مصادقة المجلس على هذه الأوامر عليها قيود حقيقية ( )، كما أن السلطة التنفيذية تتدخل في عمل البرلمان، حيث تساهم حتى في تحديد جدول أعماله، وقد يصادق المجلس على أوامر الرئيس خوفا من الحل ( ) ، ويملك رئيس الجمهورية إصدار القوانين، وطلب مداولة ثانية ( )، هذا فضلا عن سلطته في حل المجلس الشعبي الوطني، مما يصعب على المجلس مواجهته، علما بأنه منتخب مباشرة من الشعب.
يرى بعض الدارسين أن هناك غموض في تعريف دور رئيس الجمهورية في دستور96 الذي جعل منه رئيس السلطة التنفيذية دون أن يذكر ذلك بصراحة، فهو يذكره في أول الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية ويذكره أكثر من 60 مرة وحتى رئيس الحكومة فرغم اللقب الذي يحمله إلا أنه لا يمارس أية إدارة عليا إلا من الناحية الإدارية و الدستور يؤكد أن واضعيه لم يريدوا شخصا ثانيا في السلطة التنفيذية ( ) ، وبهذه المناسبة أعرب الرئيس "بوتفليقة" مرارا أنه لا يريد أن يكون ثلاثة أرباع رئيس ( ).
لقد تم إبعاد رئيس الجمهورية عن مهام التسيير والتنفيذ وكلف بها رئيس الحكومة طبقا للمادة 85 من دستور 96 ( ) وذلك بهدف إبعاد رئيس الجمهورية عن كل مبارزة سياسية، خوفا من فقدان سلطته وشعبيته.
هـ-أعفى الدستور رئيس الجمهورية من المسؤولية السياسية عن سياسة هو صاحبها من الناحية العملية، و هذه الخاصية مستمدة من النظام البرلماني إعمالا لقاعدة "حيث لا توجد سلطة لا توجد مسؤولية" لكن المؤسس الدستوري الجزائري نحا في اتجاه مثيله الفرنسي، الذي أعطى رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، وذلك ليجعل منه حكما بالمفهوم الذي تعرضنا له آنفا في ظل التعددية الحزبية، ويفسر سلوكه هذا، كون رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من الشعب على أساس برنامج انتخابي ملتزم به أمام الشعب فقط ( ) ، لكن في الحقيقة إن رئيس الجمهورية عندما يقرر الحل، لا يفقد حساسياته السياسية العميقة وكونه رئيس كل الجزائريين، لا يمنعه من اتخاذ مواقف سياسية معينة والعمل على تأييدها ( ) و في غياب أي نص يفيد إمكانية التأثير على رئيس الجمهورية ولو معنويا، إلا أنه باعتباره حامي الدستور، وممثل الشعب، لا يمكنه تجاهل انشغالات هذا الأخير، وممثليه أي النواب.
ما ليس غريبا عن المؤسس الدستوري اتجاه جميع الدساتير الجزائرية إلى الأخذ بالتقنيات التي تسمح بعقلنة العمل البرلماني وتلك التي توطد رئاسة الجمهورية في مواجهة السلطة التشريعية بدرجات متفاوتة من دستور لآخر( ).
هناك تفوق واضح لرئيس الجمهورية على المجلس الشعبي الوطني، ورئيس الحكومة هو كبش الفداء في حالة الأزمة حتى لا يفقد رئيس الجمهورية مصداقيته وصورته، وهذا هو العنصر النفس اجتماعي " Pshychosocial " الذي لديه كبير الأثر على عامة الشعب ( ).


مما سبق يتبين لنا أن الحل الرئاسي أداة لإضعاف المجلس الشعبي الوطني، ومما يترتب عنه تقوية السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، تدعيما لصلاحياته، فهو يملك سلطة مستقلة تسمح له بالتوجه إلى أية سلطة أو هيئة دستورية، بل وحتى الأحزاب السياسية ورغم صراحة النصوص من الصعب جدا معرفة المكانة الحقيقية لهيئة الرئاسة في النظام السياسي الجزائري ( ).
يجب أن ندرك ان النظام الجزائري يفلت من التناقضات القانونية لهذا النظام المؤسس على مزج عناصرمن النظامين الرئاسي والبرلماني، وذلك عند تطابق الأغلبيتين، أين يتحول النظام الجزائري إلى نظام رئاسي حقيقي، فهذا التطابق في الأغلبية يؤدي إلى نتيجة حتمية، وهو أن يصبح رئيس الجمهورية محورا لكل شيء ولا وجود لسلطات موازية لسلطاته، لا رئيس الحكومة المحصور بين مطرقة رئيس الجمهورية وسندان المجلس( ) ولا النواب الذين فرض عليهم القانون واستخدام الأغلبية طاعة صارمة، ولا مجلس الأمة الذي فقد كل تأثير حقيقي له على القرار الرئاسي( ).
2- في تونس إن تحليل الدستور التونسي لا يدع مجالا للشك أن المؤسس الدستوري أراد رئيسا قويا يجمع بين يديه الكثير من السلطات الفاعلة من بينها سلطة الحل ، فالمسؤولية التي يتحدث عنها الفصل 62-63 للحكومة وكذلك الحل الرئاسي لا يعني وجود توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في تونس ، لقد تم إدراج هاتين الآليتين أي مسئولية الحكومة و الحل لتدعيم مكانة رئيس الجمهورية بالنسبة لمجلس النواب ( )، وإذا كان المؤسس الدستوري التونسي وضع حدا لما كان سائدا في الصيغ القديمة في الفصل 63 التي كانت تتطلب أن تكون لائحة اللوم الثانية متخذة في نفس الظروف والأسباب التي أحاطت بمعارضة الحكومة في تحمل مسؤولياتها، فيمكن حاليا أن تستند لائحة اللوم الثانية إلى أسباب مختلفة ويرى الأستاذ بوعوني أن تعديل 1988 للفصل 63 لم يشدد على شروط المصادقة على لائحة اللوم الثانية ولم يحصر مجالها في نفس الأسباب، بل ترك المجال واسعا لإمكانية معارضة مجلس النواب للحكومة مما أضفى عليهامرونة، ويرى أن تعديل 1988 يعد ترشيدا مفرطا وأنه أعاد رئيس الجمهورية إلى سالف وضعه بجعله في مأمن من مغبة المواجهة مع البرلمان وأعاده إلى وضع اللامسؤولية السياسية التي خصه بها المشرع التأسيسي سنة 1959 الذي أعاد تنزيله منزلة الهيكل غير المسئول سياسيا في كل الأحوال ( ).
الواقع أننا نستغرب رأيا مماثلا للأستاذ بوعوني أحد أبرز أساتذة القانون العام في تونس في حين أن أبسط الباحثين بإمكانه أن يجزم تكريس الفصل 63 للهيمنة بشكل أكبر من طرف رئيس الجمهورية على مجلس النواب، فالمرونة التي يتحدث عنها الأستاذ بالنسبة لتقديم لائحة اللوم والاقتراع عليها بمقتضى تعديل 2002 (يقصد نسبة الأغلبية اللازمة لتقديم اللائحة ونسبة التصديق عليها) ( ) لا وجود لها ، لقد أصبح الرئيس غير خاضع لأية رقابة ولا محاسبة من أي جهة كانت لا من السلطة التشريعية ولا حتى من الشعب وهذا ما يدعم مركزه ويهمش المجلس النيابي والحكومة وإذا كان الحل في الواقع يستعمل لحل الأزمات السياسية على خلفية الصراعات بين المجلس النيابي والحكومة ، فإن احتمال حصول هذه الأزمات في النظام التونسي غير وارد ولا حتى ممكن في ظل المعطيات السياسية والدستورية الحالية ( ) .
" إن دراسة الدستور التونسي اليوم تظهر بدون شك وجوج آليات مراقبة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، لكن البحث عن خصائص هذه الرقابة يحتاج إلى كثير من الحذر والاحتراز، ففي حين تقهقرت الوظيفة التشريعيةللمجلس، اكتسب هذا الأخير وسائل مراقبة على عمل السلطة التنفيذية، إذمكنه الدستور من وسائل المراقبة العادية وكذلك من وسائل إثارة المسئولية و لكن من هنا تأتي ملاحظتنا بخصوص الاحتراز ذلك أن وسائل المراقبة لم تمس بنفس القوة أو الحدة مكوني السلطة التنفيذية:الحكومة و رئيس الجمهورية، رغم بعض التردد حافظ هذا الأخير على مكانته الأولى في الدولة و في علاقته مع السلطة التشريعية ." ( )
لقد حافظت سلطات رئيس الدولة في الدستور التونسي رغم تعديلاته الكثيرة على كل مميزاته وخاصة بعد حذف الفقرة الخامسة من الفصل 63 واستبعاد أية مسؤولية يمكن أن يتحملها الرئيس في حالة معارضته لإرادة أعضاء البرلمان ومن ورائه إرادة الشعب ( )، ضف إلى ذلك أن الرئيس التونسي يملك عدة وسائل للتأثير على مجلس النواب بخلاف حق الحل، فهو:
1- يتمتع بحق المبادرة التشريعية إذ نادرا ما تصدر مبادرة من النواب ما عدا ما يكون في شكل تعديل.
2- له وحده صلاحية عرض مشاريع القوانين على المجلس الدستوري( ).
3- يمارس السلطة التقديرية إزاء مشاريع القوانين التي تصدر عن مجلس النواب الذين أصبح مجال تشريعهم محددا( ).
4- يشرع خلال عطلة النواب بمراسيم( ).
5- يختم القوانين (يصدرها).. إلى غير ذلك من الصلاحيات، هذا فضلا عن صلاحياته في الظروف الاستثنائية.
بالرغم من وصف بعض الفقه في تونس لإجراءات مراقبة الحكومة بالمرونة تدعيما للاتجاه الديمقراطي وتعزيزه، حتى يتم الانسجام بين السلطات الثلاث في تجسيد التطور المتوازن في جل الميادين ( ) فإن تلك الإجراءات لا تمت للديمقراطية وتوازن السلطات بصلة.
إضافة إلى ما تقدم يمكن إعتبار الحل الرئاسي أداة للحصول على أغلبية برلمانية و قد سبق تفصيل ذلك عند دراسة مبررات الحل ،فالحل الذي يلي الانتخابات الرئاسية تقره العديد من الأنظمة حتى في حال عدم السعي لتطابق الأغلبيتين، و هذا أمر مشروع بالنسبة لأي رئيس منتخب جديدا، خاصة في ظل التعددية السياسية في المجالس النيابية، و الذي تعرفه بعض البرلمانات العربية بما فيها البرلمانين الجزائري و التونسي ، فمنذ إعلان الرئيس بورقيبة على عدم ممانعته ظهور تنظيمات وطنية سياسية في 10/04/ 1981، ظهر المجلس الجديد المنبثق عن انتخابات نوفمبر 1981 التي أجريت في ظل التعددية، إلا أن تركيبة المجلس لم تختلف عن سابقاتها، وظل الحزب الدستوري مهيمنا إلى غاية يومنا هذا، رغم أن المجتمع التونسي عرف التعددية منذ الاستقلال لكن قانون الجمعيات الذي نظم عمل الأحزاب السياسية ، اعتبره بعض الدارسين مناف لروح الدستورلأنه جعل حق تكوين الأحزاب السياسية خاضعا لإرادة السلطة السياسية( ) .
في الفترة الممتدة من 1981 إلى1987 تم الاعتراف ببعض الأحزاب السياسية في تونس وهي: التجمع الاشتراكي التقدمي، الاتحاد الديمقراطي الوحدوي والحزب الاجتماعي التحرري، إلا أنها لم تسجل إلا حضورا ضعيفا جدا، فضلا عن عدة أحزاب أخرى، انشقت عن الحزب الاشتراكي الدستوري، و ظلت ضعيفة جدا كأحزاب معارضة( )، مما يدعونا للتساؤل حول جدوى الحل المنصوص عليه في الفصل 57 إن كان يفسر في الأنظمة التعددية العامة بأنه سبيل للبحث عن أغلبية تريح السلطة التنفيذية، فالحال في تونس فيه ما يقال .
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للحل الرئاسي
الفقرة الأولى: في الجزائر
يتضح من نص المادة 129 أن حل البرلمان لا يدخل في إطار التصويت بالثقة على الحكومة كما توحي المادة 84/6 من الدستور، إنما يندرج في إطار السلطات التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية أين يتصرف بالحل بوصفه حكما، إذا كان النزاع بين المجلس الشعبي الوطني والحكومة ، وحتى في هذه الفرضية فقد رأينا أن رئيس الجمهورية لا يمكن أن يكون حياديا وكذلك قد يقرر الحل، عندما لا تصبح المؤسسة التشريعية تعبر عن طموحات وإرادة الناخبين( ).
اعتبر "إيزمان" أن حق الحل الذي لا يشكل المقابل المنطقي للمسؤولية السياسية،( الصورة التي عليها الحل الرئاسي في النظام الجزائري) يعد وسيلة للهيمنة على السلطة التشريعية ممنوحة لرئيس الجمهورية ( )، ويظهر ذلك من خلال عدة عوامل:
1- أن مركز رئيس الجمهورية في النظام الدستوري من حيث منافسته المجلس الشعبي الوطني في تمثيله للشعب، والمادتان 06 و07 من الدستوردعمتا علاقته بالشعب( )، إضافة إلى سلطاته الواسعة التي تضعه في وضع قريب من وضع الملك ( ).
2-الحل الوارد بالمادة 129 يختلف عن الحل المعروف في النظام البرلماني ، فغياب آلية التوقيع المجاور على قرار الحل تنفي عنه الطبيعة البرلمانية مما يجعله وسيلة للهيمنة على السلطة التشريعية ( ).
يرى الدكتور بوقفة أن الحل الرئاسي وسيلة قانونية ومبدأ دستوري "يقع عند الحد الفاصل بين النظامين البرلماني والرئاسي" أي أنه إحدى الخصائص الرئيسية للنظام البرلماني التي تقابل حجب الثقة على الحكومة أين يكون الحل والمسؤولية السياسية الوسيلتان اللتان تقيمان التوازن بين هيئتين، لكن كل المؤشرات تتجه إلى أن المؤسس الدستوري يغلب تطبيقات النظام الرئاسي على نحو من الشدة على الميكانزمات البرلمانية، فتفسير المواد الدستورية التي تنظم علاقة الحكومة بالبرلمان وبالنظر إلى الجانب التطبيقي للمادة 129 يظهر ذلك جليا( ).
3- إذا كان الحل مقررا لحل أزمة، فيمكن أن تحل الأزمة عن طريق استقالة رئيس الحكومة، عندما يرى أنه عاجزعن تسيير وإدارة أزمة، أو عند خلافه مع رئيس الجمهورية وهذه الحالة وهي الأكثر احتمالا( )، و من جانبنا نرى أنه مع السلطات الهائلة لرئيس الجمهورية مقارنة بالبرلمان، يظهرالحل الرئاسي على أنه أداة لإضعاف المجلس و تقوية الرئيس و ينعدم التوازن الذي يعطي للحل طبيعته البرلمانية .
4- إن ممارسة حق الحل تفترض أن يتمتع رئيس الجمهورية صاحب هذا الاختصاص بقوة كافية لمواجهة البرلمان، هذا الأمر يخوله له مركزه من خلال الاحتكار الواضح لسلطة القرار من طرفه( )، وعلى كل حال، فإن الحل الرئاسي يعد حقا رئاسيا مركزيا محضا، يحفظ استقلالية السلطة التنفيذية من السقوط من مستواها التنفيذي أو الرضوخ للاحتكار التشريعي البرلماني( ).
الفقرة الثانية: في تونس
يرى بعض الفقه في تونس أن طريقة الحل الرئاسي طبقا للفصل 63 ذات بعد برلماني، حيث أن النظم الرئاسية لا توجد بها هذه الطرق كماكان الأمر في الدستورالتونسي في صيغته الأولى، أي قبل التعديلات الدستورية عام 1976، فالحل بمثابة رد الفعل على مجلس النواب الذي صوت على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة ( ).
إلا أن اتجاه آخر يتزعمه الأستاذ رافع بن عاشوريرى أن مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب تختلف عما هو متعارف عليه في الأنظمة البرلمانية، فموضوع المسؤولية وإجراءاتها يجعلان منها مسؤولية خاصة ومتميزة ( ) ،ويؤكد هذا القول أحد المسؤؤلين في الحكومة:" الدستور التونسي منذ البداية اعتمد النظام الرئاسي و في ذلك ضمان للاستقرار السياسي و النجاعة في تصريف شؤون الحكم وأنه رغم التعديلات التي أدخلت على الدستور التونسي ( حوالي 14 تعديلا كان آخرها تعديل 26/05/2002 الذي عدل 38 مادة من أصل 78 ) ومن بينها تعديل
08/04/1976 الذي أقحم لائحة اللوم و حل مجلس النواب ( وهي ميكانيزمات معروفة في الأنظمة البرلمانية) فقد حافظ النظام السياسي التونسي على طبيعته الرئاسية و يبقى رئيس الجمهورية ركيزة هذا النظام باعتباره يستمد الشرعية من الشعب ".( )
من جهتنا نرى أن الحل الرئاسي في النظامين الجزائري و التونسي بعيد كل البعد عن الحل البرلماني و قد رأينا أن المناسبات التي يمكن تحريكه فيها لا تمت للميكانزمات البرلمانية بصلة وحتى الحل الذي نص عليه الفصل 63من الدستور التونسي والمادة 84من الدستور الجزائري قد يوحي بأنه يندرج ضمن العلاقات بين الحكومة و الغرفة الأولى، قد توصلنا إلى أن هذه العلاقات لا تقوم على أساس المسؤولية السياسية بمعناها المتعارف عليه ، أين يقوم التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، و عليه فنحن نؤيد رأي الفقيه آيزمان والعديد من الباحثين الجزائريين و على رأسهم الأستاذان بوقفة و الأمين شريط و كذلك بعض الدارسين في تونس من بينهم الاستاذ رافع بن عاشورفي اعتبارهم الحل الرئاسي خارج دائرة الحل البرلماني .
الفقرة الثالثة :الحل الرئاسي وطبيعةالنظامين الجزائري و التونسي
يرى البعض أن الحل الرئاسي هو الذي يجنب الانحراف نحو حكومة الجمعية النيابية، أين تهيمن السلطة التشريعية مطلقا، ولا يبدو الجهاز التنفيذي إلا عونا تنفيذيا خاضعا لها( ) فأيا ما كانت صحة هذا الرأي من عدمه فالواقع أن غياب الحل الرئاسي لا يحقق هذه النتيجة أبدا في كل الأنظمة، لأن كل نظام له خصائصه و لا يمكن إصدار الاحكام بشأن طبيعة أي نظام إلا بعد دراسة جميع الآليات الدستورية التي تحكمه باعتبارها جزء من كل ، أي باعتبار كل آلية منها جزء من النظام الدستوري، و ذلك مع مراعاة الاطار السياسي الذي يؤثر فيه بثبات.
إذا كانت النظم الديمقراطية الليبرالية تعطي لفكرة الحل مهمة مزدوجة، باعتباره تقنية دستورية بمثابة صمام أمان لتفادي شلل النظام أو جموده وكذلك كونه صيغة سياسية تساعد السلطة التنفيذية على توخي الحذر من الهيئة التمثيلية، فإن هذا الوصف يعد أقرب في النظامين الجزائري و التونسي، لقد كرس هذان النظامان كما رأينا سلطة تنفيذية قوية تتمتع بصلاحيات غاية في الخطورة، من بينها سلطة رئيس الجمهورية في حل المجلس النيابي وإقالة الحكومة وفي هاتين النقطتين يرى العديد من الفقه اقتراب النظامين من الرئاسي والبرلماني في آن واحد.


والواقع أن زرع أي نظام في مجتمع معين لا يجدي كثيرا لأن الزرع السياسي أصعب بكثير من زرع الأعضاء كما يقول أحد اباحثين الجزائريين :
" La greffe politique est encore plus difficile que la greffe d'organes "( )، صحيح أنه لا بد من نظام قوي لمجتمع في طريق النمو، إلا أن القوة يجب أن تكون في خدمة العدالة، وليس في خدمة العشوائية ( ).
الحق أن التعسف في استعمال الحل، لا يخشى فقط من أنظمة دول العالم الثالث، فكثيرا ما استعمل الحل في غياب أية أزمة، وحتى في ظل وجود أغلبية مريحة للحكومة ومثال ذلك الحل الذي أجاه جاك شيراك عام 97، حيث صرح في 02-04-1995، بأن "الحل لم يكرس من أجل أن يكون مقررا متى يكون ذلك مناسبا لرئيس الجمهورية، إنها سلطة ملكية إذا لم توجد أزمة كبرى لا يوجد حل" ( ) وأعاد هذا التصريح في 14/04/1996 بعد انتخابه، لكنه حل الجمعية الوطنية مرة أخرى في: 21/04/1997.
وإذا كانت بلدان العالم الثالث في وقت ما لا تمارس فيها الوظيفة الرئاسية لنفس الأهداف التي تمارس فيها هذه الوظيفة في النظام الرئاسي الأمريكي، ولا في نفس الظروف، وذلك لان هذه الدول كانت تسعى إلى توحيد الجهود والطاقات، مما أدى إلى توحيد السلطة وشخصنتها وسحبها من مجال التنافس وذلك ليكون رئيس الدولة هو عامل من عوامل الوحدة الوطنية وزعيم الأمة - هذا رأي الأستاذالأمين شريط الذي نراه أقرب إلى الواقع -( )، ويبقى النظامان رهينا التصنيف الذي منحه لهما العديد من الفقه العالمي و الفقه الوطني ( ) : نظامان رئاسيان مشددان ، بينما يحبذ الأستاذ بوالشعيرعدم تبني " التحليل السلبي إنما ينبغي إعتماد التحليل الأيجابي الذي يخدم تطور النظام الديمقراطي و تفسير النصوص العامة بما يدعم المسار الديمقراطي، لاسيما أن الأدوات القانونية تخدم ذلك الاتجاه، فبدلا من تبني التحليل الذي يخدم النظام الرئاسوي، نتبنى التحليل الذي يوجه إلى إقرار النظام الشبه رئاسي، لاسيما مع توفر أدوات تحقيق ذلك النظام سياسيا( الاحزاب) و دستوريا و عمليا " ( )، ومع إحترامنا لتفاؤل الأستاذ بوالشعير حول إتجاه النظام السياسي الجزائري إلى الطبيعة شبه الرئاسية ، فإننا نميل إلى رأي الأستاذ الأمين شريط بناءا على الرؤية التي أتاحتها لنا دراسة الحل في النظام الجزائري و كذلك التونسي الذي لا يبتعد كثيرا عنه، فقد سبق أن بينا أن مسئولية الحكومة أمام مجلس النواب مسئولية من نوع خاص و الحل الذي يقابلها بعيد عن الحل البرلماني و قد سبق و عرفنا إصرار الكثيرين على الطبيعة الرئاسية للنظام التونسي، و عليه فبالرغم من إلتقاء النظامين في العديد من النقاط المتعلقة بالحل من حيث صورة الحل الرئاسي و خصائصه و الوظائف التي يؤديها وكذلك من حيث طبيعته القانونية البعيدة عن الطابع البرلماني -ذلك لا يعني أن الحل الرئاسي في النظامين ذو طبيعة واحدة- إلاأن النظامين لا يختلفان كما رأينا من حيث التصنيف .









 


قديم 2010-12-30, 10:14   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

لمطلب الثاني: الحل التلقائي -الصورة التي ينفرد بها النظام الجزائري-
ظهر الحل التلقائي بعد الحرب العالمية الثانية في العديد من الدراسات والمشاريع وأريد به أن يكون علاجا لعدم الاستقرار الحكومي الذي عرفته الجمهورية الثالثةفي فرنسا، حيث أريد به أن يكون بديلا لنظام الجمعية النيابية( ) ، إلا أن مؤسسي دستور 1946 الفرنسي رفضوا تبني الحل التلقائي لجملة من الأسباب من بينها إعتباره يمس بقداسة المجلس المنتخب بالرغم من وجود تيار مؤيد لهذه الصورة من الحل و كذلك الحرص على ألا يكون أي شيء آلي في السياسة ( ).
" En politique, il ne doit rien y avoir d'automatique"
في الجزائر عرف الحل التلقائي في دستور 1963 حيث ينحل المجلس الوطني وجوبا بمجرد سحب الثقة من رئيس السلطة التنفيذية( ) ،وأساس ذلك أن الحكومة عليها أن تحوز ثقة الأغلبية البرلمانية، لكن المؤسس الدستوري آنذاك قيد حق الحل عندما ربط بين إزاحة الرئيس والحل التلقائي، فتقرير ملتمس الرقابة من النواب يؤدي إلى عزلهم، ولكن أفرغ استعمال ملتمس الرقابة من محتواه، وحتى حل المجلس لأن طبيعة النظام السياسي آنذاك والمعروف بتبنيه للحزب الواحد أين كانت أول هيئة منتخبة "المجلس الوطني"( ) مكونة من نواب يرشحهم الحزب الواحد، الذي له حق اقتراح وإسقاط العضوية عن النواب، وكان الحزب هو الذي يكفل ويحدد سياسة الأمة ويراقب عمل الحكومة والمجلس الوطني( )، إضافة إلى أن رئيس الجمهورية هو الأمين العام للحزب، فكل هذه العوامل تتناقض مع إمكانية رقابة المجلس للحكومة خاصة وأن أعضاءها مسؤولون أمام الرئيس، ومن الصعب إثارة مسؤوليته من طرفهم( ) ، و يرى الاستاذ عبد الله بوقفة أن العلاقة التي تربط الإسقاط بالحل، هي علاقة سياسية وليست علاقة دستورية، لذا فلا يجب تكييفها من الجانب القانوني، لأنها في الحقيقة تعد ضربا من ضروب الدهاء السياسي ( ).
لم يكتب لدستور 63 البقاء وتم تجميده وتولي مجلس قيادة الثورة السلطة المطلقة وذلك بتأييد أغلبية النواب(110 من بين 138)( ).
اختفى الحل التلقائي في دستور 76 ( ) ثم ظهر في دستور89 وبذات الأشكال المنصوص عليها في دستور96 ، حيث نصت عليه المادة 82 من الدستور الجزائري، و التي لا يمكن أن نفهم فحواها إلا بالنظر إلى المواد التي تسبقها بدءا من المادة 79/2، وهذه المواد تنظم جانبا من جوانب علاقة الحكومة بالمجلس الشعبي الوطني وهو عرض البرنامج الحكومي على النواب للموافقة عليه قبل الشروع في تنفيذه.
-المادة79/2:"يضبط رئيس الحكومة برنامج حكومته و يعرضه في مجلس الوزراء"
-المادة 80:"يقدم رئيس الحكومة برنامجه إلى امجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه، يجري المجلس الشعبي الوطنيلهذا الغرض مناقشة عامة.
و يمكن لرئيس الحكومة أن يكيف برنامجه على ضوء هذه المناقشة...."
-المادة 81:"في حالة عدم موافقة المجلس الشعبي الوطني على البرنامج المعروض عليه يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته لرئيس الجمهورية..."
-المادة 82:" إذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني ينحل وجوبا…"
إذن يرتبط الحل التلقائي في النظام الجزائري بعرض برنامج الحكومة على المجلس الشعبي الوطني( )، ليبدي موافقته عليه، فإذا لم يحدث ذلك تستقيل الحكومة لكن الرفض الثاني لبرنامج الحكومة من طرف المجلس يؤدي إلى حله تلقائيا( ) وهنا تثور بعض المسائل الخاصة بالحل التلقائي، سواء من حيث خصائصه أو الوظائف التي يؤديها في النظام الدستوري والسياسي معا والتي سوف نستعرضها تباعا مع تحليل للنصوص الدستورية في فرع أول ثم نتطرق للطبيعة القانونية للحل التلقائيفي فرع ثان.
الفرع الأول : خصائص الحل التلقائي ووظائفه
الفقرة الأولى : خصائص الحل التلقائي
يتميز الحل التلقائي بجملة من الخصائص أهمها ارتباطه ببرنامج الحكومة، واتجاه المؤسس الدستوري إلى استبعاده.
أولا- ارتباط الحل التلقائي بالبرنامج الحكومي
سبق وأشرنا ان الحل التلقائي لا يمكن حدوثه إلا بمناسبة عرض برنامج الحكومة على المجلس الشعبي الوطني ورفض هذا الأخير للبرنامج للمرة الثانية.
في الحقيقة أن الأمور ليست بالبساطة التي تبدو عليها إذا أخذنا في اعتبارنا سلسلة من العوامل والمتغيرات التي تؤثر على آلية الحل التلقائي والتي لا يمكننا فهمها إلا بتتبع و تحليل النصوص الدستورية، وأول هذه العوامل هو "برنامج الحكومة" ( ) ورأينا أنه يتحتم علينا الوقوف عند هذه النقطة بالتعريف والتحليل لبيان أثرها على الحل التلقائي الذي سوف نتحقق من أنه آلية سياسية أيضا.
1- تعريف برنامج الحكومة
" يعد برنامج الحكومة في الدولة الديمقراطية البرلمانية وعاء سياسة عامة واستراتيجية شاملة وخطط عمل تتضمن مجموعة مبادئ ومحاور ووسائل عمل الحكومة والنشاط الإداري في كافة المجالات داخليا وخارجيا، كما يعد في حقيقته السياسية والدستورية والقانونية ميثاقا وتعهدا والتزاما سياسيا دستوريا يتوجب تقديمه للبرلمان لدراسته ومناقشته وتحديد الموقف منه، تتقدم به الحكومة متعهدة بحسن التطبيق والأداء تحت الرقابة البرلمانية"( ).
وتعد موافقة المجلس الشعبي الوطني على برنامج الحكومة من قبيل منحها الثقة التي لا بد أن تحوزها من ممثلي الشعب ومن الطبيعي أن يعبرعن هذه الثقة الممثلون الأقرب للأمة( ) ،وهذا أمر طبيعي لأن المجلس لا يمكن أن يصوت على قوانين تأتي تنفيذا لبرنامج حكومي يرفضه مبدئيا( ).
هذا من الناحية النظرية لكن في الجزائر ورغم صمت النصوص الدستورية والقانونية لا أحد ينكر علاقة رئيس الجمهورية بالبرنامج الحكومي ومدى تأثيره عليه وبالتالي تأثيره على الحل التلقائي رغم عدم مباشرته له.
2- مظاهر تأثير رئيس الجمهورية على البرنامج الحكومي إن العديد من المؤشرات تدل على أن رئيس الجمهورية يؤثر بطرق عديدة في إعداد البرنامج الحكومي ومن ثمة يمكن اعتبار الحل التلقائي أداة دستورية لحماية تدخل رئيس الدولة في إعداد السياسة الوطنية ( ).
إعداد البرنامج الحكومي وعرضه على المجلس الشعبي الوطني لم يعمل به في التجربة الدستورية الجزائرية إلا بعد إصلاحات 1988( ) وذلك بعد إدخال ثنائية الجهاز التنفيذي على أرض الواقع فأصبحت الحكومة جهازا متميزا عن رئيس الجمهورية تتولى ضبط البرنامج الحكومي وتنفيذه وتتجلى مظاهر تأثير رئيس الجمهورية على البرنامج فيما يلي:
أ-الهيمنة عند إعداد البرنامج
بقراءة أحكام دستور 96، يعتقد أن رئيس الحكومة هو من يضبط البرنامج الحكومي حسب توجيهات الأغلبية التي يمثلها داخل البرلمان لأنه مطالب بالحصول على ثقته على البرنامج، ويعتبر ذلك من صور الرقابة الشديدة على كفاءة الحكومة في وضع برنامج شامل ومقنع والذي يستلزم حكومة قوية ( ) لكن الواقع يظهر أن رئيس الحكومة ليس حرا في ضبط برنامجه ( ) ويتساءل البعض: برنامج رئاسي أم برنامج حكومي؟ ( ).
لقد أكد العديد من المسؤولين في السلطة أن رئيس الجمهورية "يثبت برنامج الحكومة"( ) وقد أثبت الواقع العملي بعد انتخاب كل من الرئيسين "زروال" و"بوتفليقة " بوضوح أن برنامج الحكومة هو برنامج رئيس الجمهورية وهذا ما عبر عنه العديد من المسؤولين في الحكومات أثناء زياراتهم الميدانية ويأتي في مقدمتهم رئيس الحكومة السابق "علي بن فليس" الذي أعلن صراحة في الندوة الوطنية حول علاقة الحكومة بالبرلمان في أكتوبر 2000: "… من منطلق برنامج الحكومة الذي يندرج بالضرورة في إطار البرنامج الرئاسي…" ، كما جاء في نفس الندوة، في كلمة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان:"… وذلك بالرجوع الدائم كما أسلفنا إلى الدستور باعتباره الوثيقة الأولى في البلاد وبرنامج رئيس الحكومة الذي هو في الحقيقة ترجمة فعلية وتجسيد ميداني للمحاور الكبرى التي وردت في برنامج السيد رئيس الجمهورية…"( ).
ب- عرض برنامج الحكومة على مجلس الوزراء قبل عرضه على المجلس الشعبي الوطني
يرى الأستاذ بوالشعير أن برنامج الحكومة لا يعد من طرف رئيس الجمهورية الذي يرأس مجلس الوزراء إنما يتم ذلك من قبل رئيس الحكومة المسئولة أمام البرلمان،-تماما بالنسبة لمشاريع القوانين-، مما يجعله و مساعديه في مركز يسمح لهم بالمناقشة التي قد تصل إلى حد المعارضة( ) في حين يرى الدكتور إبراهيمي أن رئيس الجمهورية يؤثر تأثيرا كبيرا على البرنامج الحكومي من خلال عاملين وهما :
- العامل الأول :طريقة تعيين رئيس الحكومة التي تتم على أساس الثقة في شخصيته.
- العامل الثاني :مرتبط بوضع رئيس الجمهورية كونه منتخبا مباشرة من الشعب على أساس برنامج انتخابي ، مما يدفع به إلى توجيه عمل الحكومة من خلال توجيهاته والأهداف التي يسطرها لبرنامج الحكومة داخل مجلس الوزراء وذلك عند عرض البرنامج على هذا الأخير بعد ضبطه من طرف رئيس الحكومة( ) الذي يظل مسئولا أمام رئيس الجمهورية والمجلس في آن واحد،و يرى الأستاذ بوالشعير أن رئيس الجمهورية لا يختار لمنصب رئيس الحكومة( ) إلا من رآه أهلا لذلك و ينال ثقة الأغلبية( )، ورغم انعدام أية قيود دستورية "إلا أنه سياسيا وعمليا يتوخى الحذر لدى اختياره تجنبا لإحداث انشقاق يحتمل حدوثه بين رئيس الحكومة و أغلبية النواب، على الأقل والتعامل معها، ذلك أن رفض البرنامج واستقالة الحكومة معناه أن رئيس الجمهورية لم يأخذ كل المعطيات السياسية لدى اختيار رئيس الحكومة، وهو أمر نادر الحدوث إذا لم يكن مستحيلا، إلا إذا كان الرئيس يقصد من وراء ذلك أن ينحل البرلمان بقوة القانون..."( ) و نحن نؤيد الأستاذ بوالشعير في رأيه، ونضيف أن رئيس الجمهورية حتى وإن تجاهل الأغلبية داخل البرلمان قاصدا الاصطدام بين الحكومة والمجلس أثناء عرض البرنامج، فإن ذلك يعد من قبيل المغامرة منه إذا عادت نفس الأغلبية للمجلس، ولكن بالرغم من ذلك يبقى رأي الأستاذ إبراهيمي واردا في ظل المعطيات الدستورية الحالية .
تكمن أهمية عرض البرنامج على مجلس الوزراء في طبيعة هذا المجلس الذي "يتم فيه التداول على المواضيع الأساسية التي تهم الأمة و اتخاذ القرارات المناسبة المعتمدة على الجماعية بقيادة رئيس الدولة" ( )وللمجلس صلاحيات كثيرة توضح أهميته( ) ،هذا فضلا عن ترأس رئيس الجمهورية له يجعله متأثرا لا محالة بتوجيهاته، ورغم أن الدستور سكت عن تدخل رئيس الجمهورية في وضع السياسة الداخلية مع تأكيده على تدخله في وضع السياسة الخارجية( ) عكس دستوري 63 و76( )، إلا أن تدخله يظل وثيقا بعمل الحكومة ( ).
مما سبق، يتبين بوضوح أن النواب عند مواجهتهم لبرنامج الحكومة سيجدون أنفسهم أمام برنامج رئيس الجمهورية، والذي بعيدا عن الحل التلقائي للمجلس يملك من الصلاحيات الدستورية التي تجعله يهيمن على باقي المؤسسات، وهذا ما لاحظنه آنفا .
إذا كانت القراءة العابرة للنصوص الدستورية توحي بمشاركة المجلس الشعبي الوطني في إعداد البرنامج الحكومي لاسيما المادة 80 التي تتحدث عن مناقشة النواب لهذا البرنامج وخيارهم في رفضه أو قبوله، فإن هذه المشاركة في الواقع تكتسي طابعا جد سطحي، فالبرنامج يدرس في مجلس الوزراء تحت رئاسة رئيس الجمهورية وهو أول من يعطي موافقته على كل البرنامج الذي يجب أن يعكس سياسة كل السلطة التنفيذية، وبالتالي يمكن أن يتضمن البرنامج تنشيطا لسياسة الرئيس إن لم ينسب له ذاتيا، فلا شك أنه يكون بصورة واسعة مستلهما منه، ويبرر هذه الحالة كما سبق وأشرنا وضعية رئيس الحكومة إزاء المؤسسات الأخرى، إذ لا يفرض الدستور على رئيس الجمهورية أن يختار رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية، كما هو الشأن بالنسبة للديمقراطيات الغربية( ) و يرى الأستاذ بوشعير أنه يتعين على المؤسس الدستوري النص على إلزام رئيس الجمهورية تعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية حتى لا يخلق عرض برنامج الحكومة في كل مرة على البرلمان أزمة في دواليب الحكم بين السلطتين ( ).
من جانبنا نرى صعوبة في تحقيق مطلب الأستاذ بوالشعير فحتى إذا طالبنا المؤسس الدستوري النص على وجوب تعيين رئيس الحكومة من حزب الأغلبية ، فإننا نصطدم بإمكانية عدم فوز أي حزب بأغلبية مقاعد المجلس الشعبي الوطني، وحتى التحالفات السياسية فلا يجب التعويل عليها كثيرا، ونعتقد أن المؤسس الدستوري أحسن صنعا عندما ترك لرئيس الجمهورية هامش يتحرك فيه وفق معطيات الساعة، و قد أعطت أزمة حزب جبهة التحرير الأخيرة أكبر دليل على حسن مسلك المؤسس الدستوري.
ثانيا - اتجاه المشرع الدستوري إلى استبعاد حدوث الحل التلقائي
يتجلى ذلك من عدة أمور تلخصها الإجراءات السابقة للحل الوجوبي، و دور رئيس الجمهورية فيه :
1- الإجراءات السابقة للحل الوجوبي: وقد سجلنا في هذا الخصوص جملة من الملاحظات:
أ- بموجب المادة 80 من دستور 96، تلتزم الحكومة بتقديم برنامجها أمام المجلس الشعبي الوطني لمناقشته حتى يتسنى لها تنفيذه، كما يتضح من المادة 80 أن المناقشة تكون عامة وقد نظم إجراءات تقديم البرنامج القانون العضوي 99-02 الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وكذلك النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، حيث حدد مهلة 45 يوما منذ تعيين الحكومة لتقديم برنامجها أمام المجلس الشعبي الوطني( )، كما نص ألا تتم المناقشة بشأنه إلا بعد 7 أيام من تبليغه للنواب لمنحهم فرصة الاطلاع على البرنامج وتحضير تدخلاتهم، لكننا نلاحظ تجاهلا تاما لطريقة تبليغ النواب بالبرنامج مع عدم كفاية مدة 7 أيام لإصدار ملاحظات تتطلب دراسات معمقة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب المالية( )، فهي مدة لا تتناسب والبرنامج الحكومي وحتى مدة تدخل النواب في هذا الإطار قصيرة، و عليه يفترض أن البرنامج الذي تقدمة الحكومة "ليس نهائيا و أن المهمة سياسية و بالتالي يتوقف نجاحها على التشاور" ( ).
ب- لم يتضمن النص الدستوري النص على نصاب الموافقة على البرنامج وكذلك القانون العضوي 99-02 والنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، ومن جانبنا نرى أن القانون العضوي 99-02 كان غامضا في تحديد آجال التصويت على برنامج الحكومة حيث تنص المادة 46 على تقديم رئيس الحكومة لبرنامجه أمام المجلس الشعبي الوطني ويفتح المجلس لهذا الغرض مناقشة عامة، ونصت المادة 47 من القانون أعلاه على ألا تتم المناقشة الا بعد 7 أيام من تبليغ النواب بالبرنامج وهنا نتساءل هل عرض رئيس الحكومة للبرنامج أمام المجلس يعد تبليغا للنواب به ؟ وقد نصت المادة 48 من القانون 99-02 على أن التصويت على البرنامج يتم خلال العشرة أيام على الأكثر من تاريخ تقديمه في الجلسة وهنا تطرح عدة احتمالات من بينها أنه إذا كان المشرع يقصد تاريخ تقديم البرنامج في الجلسة تاريخ عرض رئيس الحكومة للبرنامج طبقا للمادة 46 السابقة، فإنه لا تبقى أمام النواب سوى 3 أيام لمناقشة البرنامج، هذا إذا اعتبرنا أن المادة 47 تعتبر يوم عرض رئيس الحكومة للبرنامج هو ذاته يوم تبليغ البرنامج للنواب وهذا أمر غير مقبول ( ).
أما النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، فإنه يتجاهل تماما إجراءات عرض البرنامج الحكومي والمصادقة عليه وهذا بعد تعديله و إلغاء النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني المقر بتاريخ 22/06/1997 واستبداله بالنظام الداخلي المنشور في 30/07 /2000 .
ج- بالعودة إلى نص المادة 80/2، فإنها تتيح لرئيس الحكومة أن يكيف برنامجه على ضوء المناقشة( ) بما يتوافق و رؤية الحكومة و أغلبية النواب، "تجنبا لإحداث أزمة سياسية بالإمكان تفاديها و نتائجها" ( ) ، ثم تأتي المادة 81/1 بحكم آخر:"في حالة عدم موافقة المجلس الشعبي الوطني على البرنامج المعروض عليه، يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية"و عند مقابلة المادتين ببعضهما نلاحظ ما يلي:
أعطت المادة 80/2 لرئيس الحكومة حق تكييف البرنامج، وتعديله بشكل يحوز رضى المجلس، وهنا أصبح تطبيق المادة 81/1 مستحيلا.
ويرى بعض الفقه أن مجرد ظهور عيوب في البرنامج يعد قرينة على ضعف الحكومة وضيق أفقها وقصر تصرفها ويتعين لهذه الأسباب أن تقدم استقالتها وهنا نكون أمام إلغاء أو نسخ للفقرة 2 من المادة 80 ويبرر هذا الاتجاه بأن هذه الفقرة الأخيرة تعد مساعدة لحكومة عاجزة في وقت يتطلب الكفاءة مما يستلزم التخلص من مثل هذه الحلول الوسطية وهذا الأسلوب المعروف بدورة اللحاق "Rattrapage" في الدراسة الجامعية( ).
- إن بقاء المادتين 80/2 و81/1 يشكل تناقضا وغموضا.
التناقض يظهر من خلال منح الحكومة فرصة لتكيف برنامجها، مما يشكل لها منفذا من الاستقالة التي يصبح احتمال حدوثها نظريا فقط، مما يؤدي إلى فتور حماس الحكومة، وانعدام فعالية الرقابة، واستقالتها بعد تعديل البرنامج ليس لها مبرر.
أما الغموض فيبدو في غياب أي نص يلزم الحكومة بالتقيد بآراء المجلس أثناء المناقشة وذلك يبدو من صريح المادة 80/1 والتي لا تشير أن البرنامج الذي عرض على المجلس الشعبي الوطني من طرف الحكومة يعاد عرضه عليها بعد المناقشة، إذ ليست هناك مادة تبين مصير البرنامج المكيف بعد المناقشة وحتى المادة 83 تنص: " ينفذ رئيس الحكومة وينسق البرنامج الذي يصادق عليه المجلس الشعبي الوطني"، بمفهوم المخالفة، أن البرنامج الذي لا يصادق عليه المجلس الشعبي الوطني لا ينفذ، لكننا بالرجوع إلى المادة 81/1 نتحدث عن أثر رفض المجلس للبرنامج للمرة الأولى وهو استقالة الحكومة وهذا يعني أن رئيس الحكومة لا يكيف البرنامج رغم ملاحظات النواب و بالرجوع إلى المادة 82/1 والتي تتحدث عن رفض البرنامج للمرة الثانية و يترتب عنه حل المجلس البرنامج لا يعرف مصيره ومن المفروض أنه ينتهي باستقالة الحكومة التي قدمته،لكن المهم أنه ليست هنالك أية إشارة إلى أنه سيتم استبعاده وحتى لو افترضنا حدوث ذلك، فإننا بتتبع المواد 81/2 و82 نلاحظ ما يلي:
المادة 81:تعيين رئيس حكومة من جديد: ولا يوجد أي نص يلزم الرئيس بتعيين رئيس حكومة جديد، بل إن النص الدستوري يؤكد ذلك.
المادة 82:" إذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني ينحل وجوبا" ونلاحظ أن غياب أية إشارة على "ما الذي تحصل عليه موافقة المجلس" هل يقصد المؤسس الدستوري البرنامج المعدل وقد استبعدناه لأنه لو كيف رئيس الحكومة البرنامج لما استقالت الحكومة الأولى أصلا ولما وصلنا إلى مرحلة تعيين رئيس حكومة جديد هذا من ناحية، ،أم أن الموافقة المطلوبة هي عن برنامج جديد لحكومة جديدة، أم برنامج جديد للحكومة المستقيلة ؟
في الحقيقة إن هناك جملة من العوامل، تشير إلى أن البرنامج الذي يراد حصول موافقة المجلس عليه، ما هو إلا البرنامج الوحيد الذي قد يكون رفضه المجلس، وهذا يعود إلى أن المادة 80/2 جاءت بعبارة مجازية بحتة:"يمكن" فلرئيس الحكومة مطلق الحرية بأن يأخذ أولا يأخذ بما يراه ملائما أثناء المناقشة، ثم إن عدم التحديد الدقيق، إن كان البرنامج الذي يعاد عرضه على المجلس الشعبي الوطني هو البرنامج بعد التكييف يسقط كل قيمة للجهود التي يبذلها النواب وقد ثبت عمليا أنه ومع هشاشة تلك التعديلات المقترحة فالحكومة لا تأخذها بعين الاعتبار( ).
من كل ما سبق، يتضح لنا أن استقالة الحكومة الأولى أمر مستبعد ، إن لم يكن مستحيلا وإن حصل يرى البعض أنه غير منطقي( ).
أما بالنسبة للحكومة الثانية والتي ينتج عن رفض برنامجها الحل التلقائي للمجلس، فقد نص الدستور على تعيين رئيس حكومة بذات الكيفيات ( ) ، والواقع كما بينا سالفا، أن بلوغ تعيين الحكومة الثانية مادامت الحكومة الأولى لا تستقيل أمر مستبعد، فقد سبق أن عرفنا أن رئيس الحكومة تمنح له فرصة تكييف البرنامج، مما يحول دون سقوط الحكومة وعدم استقالة الحكومة الأولى، يحول دون تعيين حكومة جديدة، بمفهوم المادة 81/2 من الدستور، وبالتالي استحالة بلوغ مرحلة الحل التلقائي.
بغض النظر عما سبق، وحتى لو تجاهلنا التحليلات السابقة، ووصلنا إلى مرحلة
المادة 82/1، أي المجلس أمام الحكومة الثانية، فإن هذه المادة تجعل المجلس الشعبي الوطني في مركز القوي نظريا الضعيف عمليا لأنها ترجع الحل التلقائي للمجلس إلى رفضه برنامج الحكومة الثانية ( ) والذي يقدم أمامه للمرة الأولى.



2- دور رئيس الجمهورية في الحل الو جوبي
إن حصول الحكومة على تأييد المجلس بالموافقة على برنامجها مرتبط باختيار رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة، ويعد ذلك الضمان الوحيد لظهور حكومة متجانسة مع البرلمان فيمرر لها ما تريد من برامج و هذا هو السائد، ولرئيس الجمهورية أيضا سلطة غير مقيدة في إرجاع ذات الحكومة التي استقالت طبقا لمادة 81/1، إذ يمكنه أن يعين رئيسا جديدا للحكومة، حتى وإن لم يكن يمتلك نفس المميزات السياسية التي يتحلى بها سابقه، ويقدم نفس البرنامج الذي أدى إلى استقالة الحكومة السابقة، وتكون المفاجأة في موافقة البرنامج من طرف المجلس ليفلت من الحل.
من جهة أخرى، إذا كان من المسلم به أن برنامج الحكومة هو في جوهره برنامج رئيس الجمهورية، فإذا عين هذا الأخير رئيسا جديدا للحكومة، فإنه من غير المتصور أن يقدم برنامجا جديدا، فكان أولى به أن يوعز للحكومة المستقيلة أن تعدل البرنامج أمام المجلس وتتجنب الاستقالة( ).
بالإضافة إلى جملة العوامل التي تحدثنا عنها و التي تساهم في استبعاد الحل التلقائي، إمكانية تكراره( ) ، بخلاف العديد من الأنظمة الدستورية،و سوف نعود لهذه النقطة لاحقا .
الفقرة الثانية : وظائف الحل التلقائي
لم يستطع الفقه أن يميز بين وظيفة الحل، ومبررات السلطات التي تستخدمه، أو المؤسس الدستوري الذي أنشأه، فإذا كان هذا الأخير أدرجه في الدستور لهدف معين، فهذا لا يعني أن الحل يؤدي حتما هذه الوظيفة في النظام الدستوري( )، إذ يمكن للحل أن يؤدي وظائف تفرضها النصوص ذاتها، إما لغموضها، أو تعمد المؤسس الدستوري ذلك حتى يؤدي الحل الوظيفة التي لا يعلن عنها صراحة ، لكنها حقيقة تفرض نفسها.
يبدو أن الحل التلقائي وبالصورة التي تكلمنا عنها سابقا عند بيان خصائصه انه يقوم على شرط، وهو رفض المجلس الشعبي الوطني للمرة الثانية الموافقة على برنامج الحكومة، وبالتوقف هنا يظهر الحل التلقائي وسيلة سهلة وممتازة لحفظ الاستقرار الحكومي(أولا)، أما الوجه الآخر للحل التلقائي، أن المجلس الشعبي الوطني سوف يبدي حتما تخوفا من احتمال حله، مما يجعل من ذلك مصدرا لآثار ردعية( )، وبالتالي يصبح الحل أداة لإضعاف المجلس الشعبي الوطني و تدعيما للسلطة التنفيذية(ثانيا).
أولا- الحل التلقائي أداة للاستقرار الحكومي
إن الحل التلقائي الذي كرسته المادة 82 من الدستور يبدو أنه يستجيب أساسا لهدف الحفاظ على الاستقرار الحكومي، وحماية استقلال الوزراء في نظام تكون فيه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان( )، وذلك بتجنيب الحكومة السقوط في صف "كاتب" للجهاز التمثيلي للأمة، فالحل التلقائي يجنب سقوط الحكومات إلى مالا نهاية، وبالتالي تجاوز شلل النظام و يمثل بهذا الشكل، إعادة توازن الديمقراطية( ) ، فقدرة المجلس على التأثير في سياسات السلطة التنفيذية أكثر أهمية من القدرة على تعيين رئيس الحكومة أو عزله، لأن القدرة على هزيمة الحكومات في جوهرها إذا زادت عن حدها، تصبح قدرة سلبية يطلق عليها" سياسة عدم الحركة" ( ) ، فكيف يمكن تصور ما تكون عليه الأمور في غياب آلية الحل التلقائي كرد فعل لتعسف المجلس الشعبي الوطني، ومن هنا يبدو أنه ضمانة لمبدأ سير النظام بانتظام واطراد، بمنعه خلق أزمات وزارية، بالتغيير المستمر للحكومات .
في الحقيقة إن الاستقرار الحكومي يتحقق بتطابق الأغلبية البرلمانية مع الأغلبية الرئاسية ( )، وسوف نعود لاحقا لدراسة أثر تشكيلة المجلس على إجراء الحل التلقائي.
إذا كان رفض المجلس الشعبي الوطني للبرنامج الحكومي، إثارة لمسؤولية الحكومة أمامه في المرة الأولى، فإن المؤسس الدستوري لم يقرر أثرا لذلك اتجاه المجلس، وبالتالي تقبل إمكانية الخطأ من المجلس، لكن بظهور رفض ثان، وبالتالي أزمة ثانية، دليل كاف على عدم قدرة المجلس تجاوز انقساماته، وتبني حكومة دائمة، ويتم الحل التلقائي وتبقى الحكومة قائمة بصفة مؤقتة، كوسيلة لتجاوز الاستقرار الحكومي وتبني أغلبية جديدة( )، كما أن نظام الأغلبية سواء لحزب واحد أو عدة أحزاب يقوي مركز الحكومة أمام المجلس حيث تساعد الأغلبية فيه الحكومة التي من صلبها، وتراقبها لكن لا تشد عليها( ).
ثانيا- الحل التلقائي أداة لإضعاف المجلس الشعبي الوطني
إن سيادة البرلمان نظريا غير منازع فيها، وقد منح له المشرع الجزائري جملة من الضمانات الدستورية والقانونية لضمان استقلاله( )، لاسيما طريقة انتخاب المجلس الشعبي الوطني بالاقتراع العام المباشر والسري، و سلطته في إعداد نظامه الداخلي( ).
لكننا بالعودة إلى النصوص المتعلقة بالحل التلقائي، نجدها لأول وهلة تفيد بأن المجلس سيد في اختيار الوقت المناسب لتطبيق هذا الإجراء، مما يبدي أن الحل الوجوبي يمكن أن يعيد للمجلس الشعبي الوطني كرامته ومسؤوليته عن أعماله( )، إلا أننا نلاحظ تدخل جملة من المعطيات التي تشير إلى أن الحل التلقائي ليس إلا أداة لتقييد المجلس وإضعافه، أولها أن المسؤولية التي تثار أمام المجلس هي مسؤولية الحكومة عن برنامج يعد فيه رئيس الجمهورية طرفا حاسما( ) :
1- رغم أن النصوص الدستورية لاسيما المواد 81/1 و82/1 تعطي للمجلس مطلق الحق في رفض البرنامج الحكومي، إلا أن هذا الحق يظل ناقصا ومشروطا فهو ناقص بناء على المادة
80/2 التي تجيز لرئيس الحكومة التكييف وتستبعد بالتالي الاستقالة فينحصر حق المجلس في مناقشة البرنامج المعروض عليه مرة واحدة، أما المادة 82 فإنها لا تمثل حقا للمجلس بمناقشة البرنامج المعروض عليه، بقدر ما هي تمثل حرمانا منه، فإعطاء المجلس حق رفض البرنامج في كفة، وتهديده بالحل في الكفة الأخرى يعد في الحقيقة إلزاما له بالموافقة على البرنامج المعروض عليه حتى وإن لم يكن في المستوى المطلوب، فالمادة 82 تعتبر الحكومة مقبولة بقوة القانون لأن المجلس لن يستعمل إجراءا يعود عليه بالحل( ) وهذا أغرب ما في الأمر، فكيف نتصور أن تنصب المسؤولية على من قضى بها( )، وفي هذا إجبار للمجلس عن التخلي عن دوره الرقابي.
2-غياب أي نص دستوري يمنع رئيس الجمهورية من إعادة رئيس الحكومة المستقيلة إلى الواجهة السياسية تطبيقا للمادة 81/2، وسبق وأشرنا إلى ذلك، حيث يصبح تدخل رئيس الجمهورية في الحل التلقائي مباشرا، مما يجعل المجلس في موقف أضعف.
3- تشكيلة المجلس الشعبي الوطني لها أثرها على إمكانية إجراء الحل التلقائي بما يدعم هذه الآلية باعتبارها سلاح تهديدي مسلط على رقاب أعضاء المجلس، ويظهر ذلك من خلال النظام الانتخابي القائم على الأغلبية النسبية،وفي الوقت الذي يتصور فيها النواب أنه بإمكانهم الضغط على الحكومة، أو المساس بها، فالنص الدستوري يقوم بالتلويح بالحل وهذا يجعلهم يتراجعون، فقد قيل إن:" "التهديد بحل المجلس هو بداية تعقل أعضائه" ( ) .
وخارج هذا الإطار وفي غياب التهديد، يتم إجراء الحل فعلا " On passe à l'acte " وتختفي مزايا الحل( ).ّ
إذا كان البعض يرى أن الخوف هو الخاصية الأساسية للنواب، تجعلهم يعدلون عن الدخول في نزاع مع حكومة رئيس الجمهورية ، فتصبح المسؤولية القائمة باتجاه الحكومة طبقا للمادة 82، تكاد تكون خيالية، لأن المجلس إذا أقرها فإنه يلغم طريقه، وبالتالي لن يستعملها النواب لأنهم يعرفون مصيرهم( ) ، فإن تهديد النواب الدائم بالحل الرئاسي طبقا للمادة 129 من الدستور يجعل الحل التلقائي إجراءا غير عادل( )، لكن و بالرغم من كل ما سبق، و ما سقناه من تحليلات تصب في إضعاف الحل للسلطة التشريعية، فإننا نرى أنه مهما كان النقص في النصوص الدستورية أو الغاية التي سعى لها المؤسس الدستوري عند وضع النص، يبقى للسلطة التشريعية قوتها و هيبتها التي تستمدها من الشعب مصدر كل سلطة، فطالما كان النواب يمثلون الشعب سوف يعيد انتخابهم حتى لوتم حل المجلس عشرات المرات، و قد أعطى النائب الانجليزي" غالواي" أفضل الأمثلة في معارضة الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه و تم فصله من الحزب و فقد صفته كنائب في مجلس العموم، لكن دائرته الانتخابية أعادته إلى المجلس كمترشح حر قبل أن يؤسس حزبه الجديد، وفي التاريخ الفرنسي عدة أمثلة عن الحل الذي أعاد ذات الأغلبية التي أراد رئيس الجمهورية التخلص منها.
4– أثر النظام الانتخابي على إجراء الحل التلقائي
النظام الانتخابي يساهم كثيرا في الاستقرار الحكومي عندما يسمح بإفراز أغلبية حكومية، لكن عندما تكون الأغلبية منقسمة أو نسبية، فالخوف من الحل يجعل النواب يتجنبون تحريك استقرار الحكومة، و يرى بعض الدارسين أن النظام التناسبي المعتمد في الجزائر كنظام انتخابي، يعد نظاما مثاليا من حيث قدرته على تمثيل أكبر وأصدق، لكنه عمليا قد لا يفرز أغلبية برلمانية منسجمة، وكل ذلك ينعكس على السلطة المركزية، فيسفر عن حكومات ائتلافية غير فعالة( ) وغير مستقرة ويقلل من إمكانية وضع برامج تحوز رضى الجميع، فالحكومات تكون عبارة عن تسويات بين الأحزاب، وتكثر الصراعات الحزبية في المجلس الشعبي الوطني وقد يصعد الخلاف بين السلطتين إلى أشده، فتتحرك آلية الحل ( ) ، إذن قد نكون أمام احتمالين:
الاحتمال الأول :وجود أغلبية تنبثق منها الحكومة، في هذه الحالة تكون العلاقة بين السلطتين في أحسن حال، فتستطيع الحكومة أن تفرض على أعضائها في المجلس الشعبي الوطني ولاء تاما، مما يبعد عنها أي حرج، وبالتالي يفرغ مفهوم الرقابة والمسؤولية السياسية للحكومة من محتواه( ).
من جهة أخرى فإن الضعف الهيكلي للمعارضة، يمنعها من أداء دورها الطبيعي في نظام الأغلبية، والتي تعد ضرورية في مثل هذه الأوضاع، وإن كان يساعد على الاستقرار الحكومي إلا أنه يبطل ممارسة البرلمان لوظائفه الأساسية ( )، وبالتحديد الرقابية منها، فلا نجد معنى لطريقة مصادقة وإقصاء برنامج رئيس حكومة يخضع لذات الأغلبية الموجودة بالمجلس الشعبي الوطني، إلا إذا تخيلنا رئيس حكومة منشق عن أغلبيته، ويعد هذا انتحارا سياسيا بالنسبة له، ولم يسبق من الناحية العملية أن رفض المجلس الشعبي الوطني أي برنامج حكومي منذ ظهور هذه الآلية في التجربة الدستورية الجزائرية.
إن وجود الأغلبية التي تشكل من خلال عددها وانضباطها مجلسا داخل المجلس، سواء كانت لحزب واحد أو عدة أحزاب متحالفة، حيث تتم تسوية الخلافات بين النواب والحكومة في اجتماعات حزبية يحرم منها باقي النواب، فيصبح عمل المجلس ميتا إن صح التعبير، لان المشهد الحقيقي يحدث في الكواليس في نطاق الأغلبية ( ).
الاحتمال الثاني : في حال تشتت الأغلبية البرلمانية على مستوى المجلس الشعبي الوطني، وبالتالي انعدام الأغلبية لحزب واحد أو لعدة أحزاب(ائتلاف حزبي) يسمح للحكومة بتنفيذ برنامجها السياسي، يستبعد في هذه الحالة الحل الوجوبي، نظرا للاتجاه العام لتكريس تفوق وهيمنة رئيس الجمهورية على كافة المؤسسات، بما فيها المؤسسة التشريعية، مما قد يسبب انعدام الفعالية في الوسائل الرقابية البرلمانية، التي تتحكم فيها الحكومة، وتعنت الأحزاب على مستوى المجلس يضعف الرقابة ويدعم السلطة التنفيذية وتصبح السلطة التشريعية مشلولة بسبب الاختلافات الحزبية( ) ، لكن من جهة أخرى قد يكون تشتت المجلس و عدم توحد أعضائه ، فرصة للحكومة في تمرير برنامجها ( ).
في النهاية إن جملة ما قدمناه حول خصائص الحل التلقائي، والوظائف الحقيقية التي يؤديها في النظام الدستوري الجزائري، نؤكد أنه بقدر ما هو آلية قانونية، فهو أيضا آلية سياسية، حيث يتوقف استعمالها على جملة من المعطيات التي لا تكشف عنها حتما النصوص الدستورية وحدها.
الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للحل التلقائي
إن الحل التلقائي يعتبر تقنية دستورية مرتبطة بالعلاقات بين الحكومة والمجلس الشعبي الوطني، فهو مقابل للمسؤولية السياسية للحكومة عن برنامجها، مما يظهر أن الحل التلقائي في صورة الحل البرلماني( )، الذي يكون وفقا لنظرية "التوازن" التي تبناها الفقه التقليدي كمعيار لتصنيف أي نظام بأنه برلماني، مقابلا لحق البرلمان في سحب الثقة من السلطة التنفيذية( )، فما مدى تطابق هذه الفكرة و الحل التلقائي في النظام الجزائري ؟ (فقرة أولى ) و هل ذلك يعني تصنيف النظام الجزائري في خانة الأنظمة البرلمانية ؟ ( فقرة ثانية ) .
الفقرة الأولى: الحل التلقائي ومبدأ التوازن( )
الحل التلقائي كما سبق ورأينا يرتبط بعلاقة الحكومة بالمجلس الشعبي الوطني، حيث يتقرر مقابلا لرفض المجلس البرنامج الحكومي للمرة الثانية، طبقا للمادة 80 من الدستور، لكن لم تهدف النصوص الدستورية إلى إنشاء التساوي بين السلطتين على حد قول البعض ، بل إلى إخراج الحكومة من الضيق الرقابي من خلال اتباع المشرع الدستوري سياسة عريقة في النظام الجزائري( ).
و أيا ما كانت نية المؤسس الدستوري، فإنه لا مجال للقول بأنه أحدث التوازن بين الهيئتين وفق ما يقتضيه النظام البرلماني التقليدي الذي يقر ظاهرة التلازم بين الحل والحجب ( )، بل إن السيادة التي يمارسها الشعب بواسطة النواب، والمجلس الشعبي الوطني( ) تفقد معناها عندما يجد المجلس نفسه مهددا ومجبرا على مسايرة الحكومة عوض أن يكون رقيبا عليها، و يرى الدكتور بوقفة أن الدستور التونسي شأنه في ذلك شأن الدستور الجزائري بخصوص الرفض الثاني للبرنامج وأن المؤسس التونسي يهدف إلى لفت نظر النواب إلى ما يمكن أن ينصب عليهم من عزل في حالة إطاحة الحكومة للمرة الثانية ( )، ويرى الأستاذ أن المراجعة الدستورية الشاملة ضرورية في إطار إقامة التوازن بين السلطتين و نحن نؤيده وذلك لحماية سلطة المجلس الشعبي الوطني ليمارس اختصاصه الرقابي الفاعل وهو أهم أساس لقيام أي نظام ديمقراطي،فالمجلس يقضي بالمسؤولية لكن آثارها تنصب عليه، فالحل في النظام البرلماني مقابلا لسحب الثقة من الحكومة، والحل الذي لا يتطابق مع المفهوم السالف الذكر، يعتبر وسيلة لتفوق رئيس الدولة، كما يرى " أيزمان"( )، فلا هو بالحل الوزاري الذي تطلبه الوزارة التي فقدت الأغلبية، ولا هو رئاسي على الطريقة الفرنسية فليس هناك ربط منطقي بين المسؤولية والحل.
الفقرة الثانية: الحل التلقائي و النظام الجزائري
الحل التلقائي وإن كان في النظام الدستوري الجزائري يأتي كرد فعل لمسؤولية الحكومة عن برنامجها، إلا أنه ليس بالحل البرلماني، وذلك يعني عدم تصنيف النظام الجزائري في خانة الأنظمة البرلمانية بالإضافة إلى انعدام عدد من عناصر النظام البرلماني الأخرى، بدليل أن مرسوم الحل مرسوم رئاسي لا يخضع توقيعه لآلية أو إجراء التوقيع المجاور Contreseing المعروفة في الأنظمة البرلمانية، أين يكون توقيع رئيس الحكومة مجاورا لتوقيع رئيس الدولة أو الملك.
يعتبر العديد من الدارسين أن النظام الجزائري بأخذه لآليات من النظام الرئاسي والنظام البرلماني في آن واحد متأثرا بالنظام الفرنسي لدستور1958 لذا يصفونه بالنظام البرلماني العقلاني أو المعتدل، ويسميه فقه آخر بالنظام شبه الرئاسي ( ) ،في حين هناك اتجاه آخر يرى في النظام الجزائري نظاما رئاسويا مشددا( ) وهذا رأي الأستاذ الأمين شريط ( )الذي أيدناه .
نشير أخيرا إلى أن الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان و التي يفترض أن تكون القناة التي تجمع بين السلطتين، وبحكم العلاقة المباشرة و الغير مباشرة التي تربطها مع النواب و الكتل البرلمانية واللجان ورئيسي غرفتي البرلمان تلعب دورا كبيرا في إقناعهم عند الضرورة بتأييد موقف الحكومة، وهذا بفضل حضورها الدائم و تدخلاتها المكثفة في الأعمال الرقابية للبرلمان، مما يؤثر سلبا عليه، فهي عبارة عن دعم للحكومة ( ) ،و حتى الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان يبدو من المهام المنوطة به( ) أنه لا يخضع إلا لرئيس الجمهورية( ) .

نتائــج
من خلال دراستنا لصور الحل في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي يمكننا تسجيل النتائج التالية :
أولا :من حيث صور الحل
-يرد الحل في النظامين الجزائري و التونسي على الغرفة الأولى للبرلمان و هي الغرفة المنتخبة مباشرة من الشعب، بعد اتجاه كل منهما إلى نظام الثنائية البرلمانية، و إن كان المؤسس الدستوري الجزائري سبق نظيره التونسي في ذلك، مع العلم أنه في النظام الجزائري يتم تمثيل الأحزاب السياسية في الغرفة الثانية في حين تحرم من ذلك الأحزاب في تونس، مما أثار حفيظة أعضاء مجلس النواب أثناء مناقشته لمشروع التعديل الدستوري الذي أقحم الغرفة الثانية ( ).
-يشترك النظامان في صورة الحل الرئاسي التي قرر لها المؤسس الدستوري الجزائري حالة واحدة وهي تلك المنصوص عليها في المادة 129 وسبق و أشرنا إلى إمكانية استعماله بعد انتخاب رئيس جديد و هذا يقربه من الحل الرئاسي الذي نص عليه الفصل 57 من الدستور التونسي، ومن خلال التحليل يمكن القول أن المؤسس الدستوري الجزائري قد أطلق من حالات الحل الرئاسي وترك لرئيس الجمهورية اختيارالمناسبة لإجرائه سواء عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية أو غير ذلك من المناسبات، حيث لم يحدد إمكانية واحدة لاستعماله إلا تلك المنصوص عليها في المادة84 من الدستورعقب تصويت المجلس الشعبي الوطني على ملتمس رقابة ضد الحكومة، و بذلك يكون المؤسس الجزائري قد تجاوز نظيره التونسي الذي حصر إمكانية إجراء الحل الرئاسي في مناسبتين فقط هما : عقب الانتخابات الرئاسية التي تلي حالة الشغور في منصب الرئاسة و هي سلطة معطاة لرئيس الجمهورية التونسي الجديد فقط طبقا للفصل 57 من الدستوروالحل الرئاسي الذي يمكن أن يجريه الرئيس التونسي إذا أراد، عقب تصويت مجلس النواب التونسي على لائحة لوم ثانية ضد الحكومة و في نفس المدة النيابية طبقا للفصل 63، مما أضفى قيودا على الحل الرئاسي، ونرى أن المؤسس التونسي كان أكثر صرامة في ضبط الحل الرئاسي من حيث المناسبة التي يمكن استعماله فيها .
- أضاف المؤسس الدستوري الجزائري صورة أخرى للحل و هو الحل التلقائي للمجلس في حال رفضه الموافقة على برنامج الحكومة للمرة الثانية والمنصوص عليه في المادة 82 من دستور 96 وخارج هذا الأطارلا يجري هذا الحل،في حين لا نجد للحل التلقائي أثرا في النظام التونسي، و قد يتبادر للأذهان لأول وهلة التقارب بين الحل التلقائي في الجزائر والحل الذي نص عليه الفصل 63 من الدستور التونسي، كون أن هذا الأخير وارد نتيجة مواجهة ثانية بين المجلس و الحكومة ، إلا أن الحلان مختلفان جذريا فالحل التلقائي في الجزائر و كما رأينا لا يقرره رئيس الجمهورية رغم أنه يصدر بمرسوم رئاسي لكنه يظل حلا يحدث بقوة القانون ولا يثار إلا من خلال مناقشة المجلس الشعبي الوطني لبرنامج الحكومة وبالتالي ليس هناك أي تشابه بين الحلين في النظامين، وحتى لو حاولنا التقريب بين الحل الرئاسي في الجزائر و الذي أشارت المادة 84/5 إلى إمكانية استعماله عند رفض المجلس الشعبي الوطني منح الثقة للحكومة، مثلما أجاز الفصل 63 للرئيس التونسي حل مجلس النواب الذي صادق على لائحة لوم ثانية، إلا أننا رأينا أن منح الثقة للحكومة في النظام الجزائري يندرج في إطار المسؤولية السياسية للحكومة أمام المجلس الشعبي الوطني و التي لا يختلف إثنان على وجودها برغم كل الانتقادات الموجهة للمؤسس الدستوري الجزائري، في حين رأينا أن مجلس النواب التونسي يراقب الحكومة في إطار ما تنفذه من السياسة التي يرسمها الرئيس التونسي، مما يفقدها مصداقيتها و فعاليتها .
ثانيا: من حيث الخصائص
1- بالنسبة للحل الرئاسي
-جعل كل من النظامين سلطة الحل الرئاسي سلطة حصرية، خاصة برئيس الجمهورية دون سواه حيث لا تقبل التفويض ولا تمارس في غيبة الرئيس وهي معفاة من آلية التوقيع المجاورالذي لا يعرفه أي من النظامين، وترك أمر تقريرها إلى سلطته التقديرية، وقد رأينا رغم أن بعض الدارسين في البلدين رأوا في الحل الرئاسي سلطة تحكيمية لرئيس الجمهورية فإن جانب كبيرمن الفقه في البلدين رفض هذه الفكرة لاستحالة بقاء رئيس الجمهورية محايدا أمام أية توترات تشهدها الساحة السياسية، و قد أيدنا من جانبنا هذا الاتجاه .
2- بالنسبة للحل التلقائي
الحل التلقائي في النظام الجزائري يتميزبارتباطه بعرض الحكومة لبرنامجها أمام المجلس الشعبي الوطني و حصول الرفض الثاني له من طرف المجلس و هذا في إطار الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، و قد رأينا من خلال التحليل المفصل أن النصوص الدستورية تصب في استبعاد حدوث الحل التلقائي لما يشوب البعض منها من التناقض والغموض و قد أشرنا إلى ذلك في موضعه .
ما لاحظناه هو اتجاه النظامين إلى استبعاد تحريك الرقابة البرلمانية التي قد تؤدي إلى الحل و بالتالي يتجه كلاهما إلى جعل التلويح فقط بالحل دون إستعماله يؤدي الغرض، ففي حين ينص الدستورالتونسي بصريح النص على أن السياسة التي تنفذها الحكومة هي تلك التي يضبطها رئيس الجمهورية وعلىخضوع الحكومة التام له، نجد الدستورالجزائري لا ينص عل ذلك صراحة، بالرغم من أن القاصي والداني يعرفان أن البرنامج الذي تساءل عليه الحكومة و كذلك سياستها ، ما هو إلا برنامج و سياسة رئيس الجمهورية وقد عرفنا صلة هذه الأمور بتحريك آلية الحل في النظامين.
ثالثا: من حيث الوظائف
- من خلال مجمل التحليلات السابقة لاحظنا أن الحل بكل أشكاله في النظامين الجزائري والتونسي، من حيث الظاهرقد تقررا لحفظ التوازن بين الحكومة و المجلس النيابي وحفظ الاستقرارالحكومي، لكن الحقيقة التي تم البرهان عليها بواسطة تحليل النصصوص الدستورية ذاتها أن الحل في النظامين أداة لإضعاف المجلس المنتخب من الشعب، و في آن واحد أداة لتدعيم قوة رئيس الجمهورية الرجل الوحيد في السلطة التنفيذية في واقع الأمر، فوظيفة التحكيم التي يزعمها البعض و التي تظهر أساسا في استخدام الرئيس لحق الحل، لا وجود لها في الواقع لأن المكانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في النظامين، تشبه إلى حد بعيد مكانة الملوك في الأنظمة الملكية سابقا، إن الحكم يجب أن يكون خارج اللعبة السياسية، و هذا ما عبر عنه النواب التونسيون عام 2002 ( ) عندما طالبوا أن يتخلى رئيس الجمهورية عن رئاسة الحزب، إلا أن الحكومة ردت بغياب ذلك في كل الأنظمة المقارنة لأنه من المستحيل أن نطلب من رئيس الجمهورية التخلي عن ميوله السياسية .
- نعتقد من جانبنا أن المؤسسين الدستوريين قد أخفقا إخفاقا شديدا من حيث إقامة التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، ولا ندري إن كان ذلك عن سهو أو قصد، فقد قررالمؤسس الجزائري صورتين للحل في حين وضع نظيره التونسي الحل الرئاسي في مناسبتين، صحيح أن هذه الصور تختلف في كلا النظامين جذرياعن بعضها البعض إلا أنها تحمل الخصائص ذاتها وتؤدي الوظائف نفسها، والأهم أنها تحقق نتيجة واحدة ، هي تكريس الهيمنة على المجالس النيابية بصفة خاصة و السلطة التشريعية بصفة عامة من طرف السلطة التنفيذية ( ).
كأن دواليب الزمن لم تتحرك، و كأن الأنظمة السياسية في العالم العربي لا تستشعر الخطرالذي يهددها في وجودها، فرغم التعديلات الدستورية العديدة و التطور الذي عرفته المؤسسة التشريعية في كل من الجزائر و تونس وفي الجزائربشكل خاص، أين أخذت الديمقراطية تشق طريقها السليم، سواء من حيث بناء السلطة التشريعية أو الصلاحيات المخولة لها و فتحها الباب أمام تعدد الأحزاب إلا أن ذلك يبدو غير كاف، فإذا كان النظامان يريدان فعلا تكريس مبدأ الفصل بين السلطات وهو دعامة الديمقراطية، فلا بد من مراجعة شاملة للنصوص التي تنظم العلاقة بين السلطات و على رأسها تلك التي تنظم آلية الحل .
بعد تناول تعريف الحل والمبررات التي يسوقها الفقه بخصزصه، ودراسة صور الحل في النظامين الجزائري والتونسي وما تتميز به من خصائص، وبيان مختلف الوظائف التي يؤديها كل منها، ستكون لنا في الفصل الثاني مناسبة لدراسة إجراءات الحل وآثاره، في النظامين الدستوريين موضوع الدراسة المقارنة.
الفصل الثاني:إجراءات الحل وآثاره في النظامين الجزائري والتونسي

بعد الاطلاع على الأشكال التي تبناها المؤسسين الدستوريين لحل البرلمان ،خصص هذا الفصل لدراسة الاجراءات و الآثار المترتبة عن الحل وفقا للمنهجية السابقة ،حيث من خلال قراءة النصوص الدستورية تبين لنا الاختلاف في إجراءات الحل في النظامين، لكن تشابه في الآثار وبالرغم من ذلك سوف نتبع طريقة المقارنة الموضوعية، وسوف تتم دراسة الإجراءات أولا في مبحث أول، ثم نتطرق للآثار في مبحث ثان، و ننبه أننا سوف لن نتعرض في المبحث الأول المتعلق بالإجراءات إلى الإجراء المشترك بين النظامين في البداية كما فعلنا في المبحث الثاني من الفصل الأول الذي تناولنا فيه صورالحل في النظامين، أين تطرقنا أولا للحل الرئاسي (الصورة المشتركة بين النظامين) ثم الحل التلقائي الذي يميز النظام الجزائري، بل سوف نستعرض الإجراءات وفق ترتيبها الشكلي لعدم إمكانية التصرف في الاجراءات بالتحوير و التبديل، أما بالنسبة للمبحث الثاني ستتم دراسة آثار الحل بصورة عادية نظرا لإشتراك النظامين تقريبا في جميعها .

المبحث الأول: إجراءات الحل في النظامين
بالاطلاع على النصوص الدستورية التي تنظم إجراءات الحل في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي نلاحظ اختلافها، ففي حين يفرض المؤسس الدستوري الجزائري على رئيس الجمهورية قبل تقرير الحل الرئاسي استشارة بعض الشخصيات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 129:ّ " يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء إنتخابات تشريعية قبل أوانها، بعد إستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة ، ورئيس الحكومة "، أما المؤسس الدستوري التونسي فقد استبعد مثل هذا الاجراء منذ 1988( ) وحاليا بإمكان رئيس الجمهورية التونسي تقرير حل مجلس النواب دون اسشارة أية جهة .
في هذا المبحث ستتم دراسة إجراءات الحل بالشكل التالي: الاستشارة في مطلب أول ثم صدور قرار الحل في مطلب ثان.
المطلب الأول: الاستشارة – الإجراء الذي ينفرد به النظام الجزائري -
لم يقرر المؤسس الجزائري إجراءات مشددة بالنسبة للحل التلقائي فقد رأينا أنه يحدث بمجرد توفر شروط المادة 82 من الدستوروهي الرفض الثاني لبرنامج الحكومة من طرف النواب وبالرغم من صيغته الآلية إلا أنه يحدث بموجب مرسوم رئاسي، و رغم كل العوامل التي درسناها و التي تصب في استبعاد حدوثه، إلا أنه تظل للمجلس سلطة تقديرية بإجراء الحل التلقائي من الناحية النظرية على الأقل.
أما بالنسبة للحل الرئاسي فقد قيد الدستور رئيس الجمهورية باستشارة كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني، رئيس مجلس الأمة ورئيس الحكومة( ).
و قد رأينا أنه يتوجب علينا التعرض لبعض المفاهيم و النقاط الأساسية حول موضوع الاستشارة : مفهومها ، الهدف منها ( في فرع أول ) ، ثم بيان مدى إلزاميتها( في فرع ثان) .
الفرع الأول : مفهوم الاستشارة و الهدف منها
الفقرة الأولى : مفهوم الاستشارة
الاستشارة مأخوذة من "الشورى و هي تعني و تؤكد وجوب عرض الأمر على الغيرالذي يعتقد فيه أن لديه القدرة على بيان الرأي بشكل يرتجى منه الوصول إلى الصواب، كما تعني عدم الانفراد بالتصرف قبل معرفة ما للأمروما عليه عند مراجعة الغير فيه " ( ) ، وللاستشارة عموما فوائد عملية هامة، فهي تصرف حكيم وحميد ( ).
الاستشارة قبل إصدار قرار الحل من ابتداع المؤسس الدستوري الفرنسي الذي سوقها للخارج وتبنتها العديد من الأنظمة، فيما تجاوزته أنظمة أخرى إلى ما هو أحسن منه( ) .
الفقرة الثانية : الهدف من الاستشارة
يرى الاستاذ أحمد بوضياف أن الاستشارة تشكل في جميع الأحوال عنصرا جديدا يؤثر في القرارحتى إن لم تكن ملزمة قانونا فيمكن أن تكون ملزمة معنويا ( ) ،و نحن نؤيد هذا الرأي، إذ من غير المعقول أن يتجاهل رئيس الجمهورية آراء كل تلك الشخصيات إذا كان بالفعل كما وضعه الدستور ضامنا لاستمرارية الدولة و مؤسساتها و حريصا على الاستقرار السياسي، فالاستشارة كما يقول الدكتور عمار بوضياف " من شأنها أن تعززجانب الشرعية في القرار "( ).
تطرح مسألة استشارة هذه الهيئات عدة تساؤلات وملاحظات نستعرضها تباعا :
1- بالنسبة لاستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، نتساءل:كيف يستشير رئيس الجمهورية رئيس غرفة ينوي حلها ؟ علما بأنه غير ملزم برأيه، خاصة إذا كان هناك خلاف بين رئيس الجمهورية والمجلس فما الجدوى من هذه الاستشارة؟ إذا كان رئيس الحكومة يمثل الحكومة أمام رئيس الجمهورية، فهل يتمتع رئيس المجلس الشعبي الوطني بصفة تمثيل المجلس في مثل هذه الظروف ؟
إن رئيس المجلس الشعبي الوطني يمثل المجلس الذي يترأسه لا شك في ذلك ، و هذا ما نص عليه القانون العضوي 99/02 ، ومصيره قانونا مرتبط بمصير المجلس، ولا يمكن أن نتصور أنه سيكون ضد الهيئة التي يمثلها.
2- استشارة رئيس مجلس الأمة: وهي الغرفة المستقرة من البرلمان وغير معنية بالحل، ورئيسها يعد الشخص الثاني في الدولة، فلماذا يستشار في مسألة حل الغرفة الأولى؟ ألا يعد ذلك من قبيل وصاية غرفة من البرلمان على أخرى ؟ .
ما يلاحظ في هذا الإطار أن المؤسس الدستوري كلما ذكر رئيس الغرفة الأولى من البرلمان ذكر رئيس الغرفة الثانية( ) .
3- استشارة رئيس الحكومة الذي يعينه وهو سياسيا و قانونيا تابع له من ناحية النصوص الدستورية على الأقل، و لكنه من الناحية العملية يعد فاقدا للسلطة، فكيف يستشيررئيس الجمهورية شخصا يمثل هيئة قد تكون في خلاف مع المجلس الشعبي الوطني؟ و في سياق المادة 84/6 على الأقل يعد طرفا في القضية التي يستشار فيها ، لكن ذلك لا يمنع من أن يلجأ رئيس الجمهورية إليه باعتباره أهم شخص في السلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية طبعا( ) ، لكن ألا تعد استشارة رئيس الحكومة مساس صارخ بمبدأ الفصل بين السلطات؟ ، ثم إن رئيس الجمهورية قد يكون قرر الحل للتخلص من رئيس الحكومة بطريق غير مباشر عبر التخلص من الأغلبية التي يمثلها داخل المجلس، فيضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، وذلك يعني أن هذا الشخص فرضته عليه ظروف التعايش وهو لا يرتاح له، فكيف به يستشيره ؟ .
إن رئيس الجمهورية في الحالتين طرف في القضية و قد بررنا ذلك عند انتقادنا لصفة الحكم التي يمنحها البعض له عند تقرير الحل .
لقد أخفق المؤسس الدستوري حتما، عندما جعل الاستشارة من طرف أشخاص لا من طرف هيئات معروفة بحيادها، وثقلها ضمن مؤسسات الدولة، كالمجلس الدستوري، نظرا لتركيبته البشرية من قضاة وإداريين، وكذلك حرية ومصداقية آرائه.
لقد ضيق المؤسس الدستوري الجزائري من نطاق الاستشارة وحصرها في ثلاثة أشخاص ليس لهم تأثير على رئيس الجمهورية و إن وجد سيكون معنويا، هذا ما نفهمه على الأقل من النصوص، بل قد يكون على الأقل أحدهم خصما سياسيا له إن لم يكونا إثنين :رئيس المجلس الشعبي الوطني زعيم الاغلبية البرلمانية و رئيس الحكومة اللذين ينتميان لأغلبية واحدة يريد رئيس الجمهورية التخلص منها .
يعتقد د.بوقفة أن الاستشارة تكون في شكل اجتماع في حين أن النص لا يفيد ذلك ويرى أن الهدف منها هو حماية الاختصاص الرئاسي فالنص لا يخول للجهات الثلاث أي اعتراض، فالغرض منها هو إطلاق سلطة الحل الرئاسي، فيظهر الحل على نحو غير ديمقراطي لكونه لا يرتكز على فكرة الأغلبية في اتخاذ القرار( ) ، في حين يرى الدكتوربوالشعيرأن سلطة رئيس الجمهورية في الحل الرئاسي ترد عليها قيود قانونية وسياسية، فالقيد القانوني يتعلق بالاستشارة وإن كانت غير ملزمة، إلا أنه سيكون لها أثرها على قرار الرئيس الذي باعتباره حامي الدستور وضامن لاستقرار المؤسسات، عليه استنفاذ كافة الطرق للتوفيق بين المجلس ورئيس الحكومةلأن قراره في ظل التعددية يمكن أن يصطدم بمعارضة الشعب فيعيد ذات الأغلبية مما يجعل الرئيس في موقف حرج( )، لذلك عليه أن يراعي الأغلبية في المجلس عند تعيين رئيس الحكومة.
في الواقع أن الدكتور بوشعير لم ينظر إلى الحل إلا من زاوية واحدة وهي إجراؤه على خلفية نزاع بين الحكومة والمجلس الشعبي الوطني، في حين يمكن أن يكون رئيس الجمهورية هو ذاته طرفا وفي هذه الحالة ومن دونها فإن اشتراط الاستشارة لا يعني أن رئيس الجمهورية قد يعدل عن رأيه في حل المجلس الشعبي الوطني إذا وجدت معارضة من الجهات المستشارة، بل إن النص الدستوري كما سبق وأشرنا لا يتضمن أية فكرة إلزامية لمضمون الاستشارة، مما يوحي بأن اشتراطها ما هو إلا إجراء شكلي لا يمس بأي حال بإرادة رئيس الجمهورية ورغبته في حل المجلس( ).
كان أجدر بالمؤسس الدستوري أن ينحو نحو غيره من المؤسسين الذين جعلوا الشعب هو المستشارالأول قبل تقرير الحل مع إلتزام الرئيس برأيه، ومن ضمنهم المؤسس المصري الذي وإن ترك لرئيس الجمهورية تقديرالضرورة التي تستدعي حل المجلس النيابي (مجلس الشعب) ، إلا أنه لا يتخذ قرارا بذلك إلا بعد الرجوع إلى الشعب في صورة استفتاء حول الموافقة على الحل، مع تقيده بنتيجة الاستفتاء( )، وهذا بعد أن عرفت مصر في ظل دساتيرها القديمة استعمالا متكررا للحل( ) .
بإمكان رئيس الجمهورية أن يوسع من دائرة الاستشارة لتشمل هيئات أخرى تكون في منأى عما يحدث من توترات بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و يشهد لها بالحياد ، ولم لا تكون: رئيس المجلس الدستوري و رئيس المحكمة العليا و رئيس مجلس الدولة الذي يعد مستشارا للحكومة( ) .
الفرع الثاني : مدى إلزامية الاستشارة
يعد طلب الاستشارة إلزامي ( ) طبقا لنص المادة 129/1 من الدستور.
إن استشارة رئيسي غرفتي البرلمان ورئيس الحكومة عبارة عن استطلاع آرائهم في هذا الخصوص دون أن يكون رئيس الجمهورية ملزما باتباع ما يشيرون به عليه، فحق الحل من الحقوق التي ينفرد بها رئيس الجمهورية وحده خاصة وأنه يمارسه دون توقيع مجاور لرئيس الحكومة( )، فالقرار النهائي يرجع لرئيس الجمهورية( ) وهذا يستفاد من نص المادة 129 من الدستور والتي لا تقبل أي تأويل آخر.
إن الاستشارة في ظل المادة 129 تبدوكأنها مجرد إعلام لا غيرلأن الرئيس إن قرر الحل فلن يتراجع عنه نتيجة آراء تلك الشخصيات( ) ، ولم يشهد التطبيق الدستوري أي إجراء للحل الرئاسي باستثناء حل الشاذلي للمجلس الشعبي الوطني ذلك دون أي إجراء دستوري (أي الاستشارة) مما جعله محل نقد( )، فرغم أن المرسوم 92/01 المؤرخ في 04/01/1992 المتضمن قرار حل المجلس الشعبي الوطني ، أشار في البداية :
" إن رئيس الجمهورية، بناء على الدستور لاسيما المادتان 74/6 و 120 منه وبعد استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، و رئيس الحكومة ...."
و هذا ما يفيد أن الاستشارة قد تمت، إلا أن الأمين العام للحزب الحائز على الاغلبية بالمجلس الشعبي الوطني آنذاك بنسبة 99% ورئيس المجلس الشعبي الوطني في آن واحد قد أكد عدم علمه بحل البرلمان إلا عن طريق التلفزة ،و هذا ما يخوله دستوريا إخطار المجلس الدستوري المطالب في تلك الظروف باتخاذ قرار حاسم حفاظا على احترام أحكام الدستورو استقرارمؤسسات الدولة، إلا أن الأمور أخذت منعطفا خطيرا عندما أعلن الرئيس آنذاك في رسالة وجهها إلى المواطنين أمام المجلس الدستوري في 11/01/1992عن استقالته و التي كانت محل نقد من طرف بعض الفقه في الجزائر، بل واعتبرت غيردستورية لجملة من الأسباب، أهمها أنها أتت في وقت يصعب فيه ضمان استمرار العمل بالدستوربسبب حل المجلس الشعبي الوطني، و أنها تتنافى مع أبسط الواجبات الدستورية الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية، بل اعتبرها الأستاذ بوالشعير من قبيل خيانة الأمانة إن لم تكن خيانة عظمى ( ) .
- بالنسبة للمؤسس الدستوري التونسي لم يلزم رئيس الجمهورية باستشارة أية جهة كانت ( )، وهذا بصريح نص الفصلين 57 و 63 من الدستور وأورد قيدا واحدا وهو وجوب أن يتضمن الأمر المتخذ لحل مجلس النواب على دعوة الناخبين لإجراء انتخابات تشريعية جديدة في مدة لا تتجاوز الثلاثين (30) يوما، وبذلك يكون قد حسم مسألة حق الحل وأسندها بصفة مطلقة لرئيس الجمهورية دون استشارة أية شخصية أو هيئة.
إن إجراء الحل ليس مجردا من كل قيود، فإذا لم تكن هناك قيود قانونية حقيقية فإن هناك قيودا خارج الإطار القانوني والمتعلقة بتعويل رئيس الجمهورية على الوضع السياسي ، فالحل حتى يؤدي الغرض منه، مشروط بوجود تيارانتخابي ملائم يتجاوب إيجابيا مع المسألة المطروحة أو بإمكانه تعيين نواب موالين لسياسة الرئيس( ).
إن الحل في جوهره ما هو إلا وسيلة تأثير على المجلس الشعبي الوطني، يفترض أن يستعمل فقط عند الضرورة لتجاوز أزمة سياسية لا يمكن تجاوزها بطريقة أخرى، وحتى لا يكون هناك انحراف في استعمال حق الحل ، نرى أن المؤسس الجزائري بإمكانه إدخال بعض التعديلات حول جهة الاستشارة، فالشعب أولى بتقرير عزل النواب الذين انتخبهم إعمالا لقاعدة "توازي الأشكال" وذلك بإجراء الاستفتاء والتقيد بنتيجته.
فإذا كان المؤسس الدستوري الجزائري أعطى لرئيس الجمهورية حق اللجوء إلى إرادة الشعب مباشرة( ) وذلك في نفس المادة التي تنص على أن الهيئة التي يحلها الرئيس هي ذاتها التي يمارس عن طريقها الشعب السيادة التي يملكها وحده، وله أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستفتاء( )، فإننا نرى أنه ليس هناك أهم من قضية حل المجلس الذي اختاره الشعب والذي يمثل إرادته، يجب أن يترك القرار لصاحبه الحقيقي وبالتالي يفقد رئيس الجمهورية الصفة التقريرية وتبقى الإرادة للشعب ( ).

المطلب الثاني : صدور قرار الحل – الإجراء المشترك بين النظامين -
في النظام الدستوري الجزائري بعد إجراء الاستشارة تأتي مرحلة إصدار القرار المتضمن الحل وهوالاجراء الوحيد الذي قرره المؤسس الدستوري التونسي.
وقبل التعرض للطبيعة القانونية لهذا القرارلدينا جملة من الملاحظات حول المادة 129 من الدستور التي تخير رئيس الجمهورية بين إجراء الحل أو تقرير الانتخابات التشريعية المسبقة. فالمؤسس الدستوري استعمل عبارة "أو" التي تفيد التخيير بين إجراءين، فهل هذا يعني أن الرئيس إذا لجأ إلى الحل لن يلجأ إلى الانتخابات التشريعية المسبقة، والعكس صحيح ؟
يرى الاستاذ الامين شريط أن هناك فرق أساسي و جوهري بين الحل المباشر و إجراء انتخابات تشريعية مسبقة من حيث الأسباب و الأهداف، فالحل يكون على إثر نزاع و صدام بين السلطتين ويهدف إلى ردع البرلمان و إبعاد الأزمات الحكومية، لكنه قد يشكل خطرا على الحكومة إذا ما عادت نفس الأغلبية، فتضطر الحكومة للاستقالة، بينما الانتخابات المسبقة لا تهدف إلى ردع البرلمان و إنما إلى تجديد الأغلبية البرلمانية أو تدعيم الأغلبية الموجودة و منحها مدة أخرى، و تختار السلطة التنفيذية الوقت الملائم لها خاصة إذا رأت أن الوقت الذي تنتهي فيه الفترة التشريعية القانونية لا يكون في صالحها، كل هذا يعني أن تقنية الانتخابات المسبقة هي وليدة الصراع بين الأحزاب و بالتالي تحتاج إلى تعددية حزبية، ونحن نؤيد وجهة نظر الأستاذ حول تمييزه بين الحل و الانتخابات المسبقة لما يبدو عليها من طابع سلمي لا يعبرعن الاصطدام بين السلطتين ( ) ، إلا أننا نرى الأسباب التي أدرجها الاستاذ لإجراء الانتخابات المسبقة هي في الواقع من مبررات للحل كالبحث عن أغلبية، ولا يوجد ما يمنع رئيس الجمهورية من حل المجلس لهذا الغرض ثم إن تقنية الحل الرئاسي كانت موجودة حتى في ظل الحزب الواحد و بنفس الصيغة الحالية تقريبا .
يرى د.بوالشعيرأن عبارة "أو" التي تحتويها المادة 129 من الدستور:"حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية قبل الأوان"، تفيد الخيار، فهل ذلك يعني أن إجراء انتخابات تشريعية مسبقة يعني انتفاء الحل ؟ و ما هو وضع المجلس القديم غير المنحل؟ هل يكون في حالة إيقاف أو حل تلقائي أم يتم تجميده أو إنهاء مهامه ؟
يرى الاستاذ أن مهمة المجلس تنتهي تلقائيا بمجرد صدور مرسوم الدعوة إلى انتخابات مسبقة، لأن القول بالإيقاف يعني بقاء المجلس القديم قائما إلى أن يصدر رئيس الجمهورية تصرفا بإنهاء هذه الحالة، والقول بالحل التلقائي يتناقض واختيار الرئيس، كما أن التجميد لا يتماشى مع المنطق، لأنه يسمح بازدواج في التمثيل إلى غاية تقرير رئيس الجمهورية إنهاء حالة التجميد، ولا يكون ذلك إلا بالحل( ).
في الواقع أن النص الدستوري صريح في هذا الاطار، وقد اعتبر الاستاذ بو الشعير أن الحل الذي أقدم عليه رئيس الجمهورية عام 1992 غيردستوري لهذا السبب بالذات ، فالنص الدستوري يخير رئيس الجمهورية بين الحل و إجراء انتخابات تشريعية مسبققة وهوما حدث، حيث قرر رئيس الجمهورية إجراء انتخابات تشريعية مسبقة، وذلك في 03/04/1991 بمرسوم ( ) ، وبالتالي يكون إجراء الرئيس للحل لا مبررله بل إنه يأتي مخالفة لاحكام المادة 120 من دستور1989 ( )
و نحن نرى من جانبنا أنه إذا كان الرئيس قد قرر الحل، فحتما سيقرر إجراء انتخابات تشريعية مسبقة و العكس صحيح أي أن الرئيس إذا قرر إجراء انتخابات مسبقة فإنه سيقرر الحل وذلك لسببين:
الأول: أنه من غير المعقول أن يظل المجلس في حالة شغور غير محددة زمنيا.
الثاني: نستخلصه من الفقرة 2 من المادة 129من دستور 96 التي تفيد أنه في كلتا الحالتين أي سواء لجأ الرئيس إلى الحل أو قرر انتخابات مسبقة فإنها تجري في أجل أقصاه 3 أشهر ( )، ونحن ندرك أن الفرق بين الحالتين يتمثل في أن قرار الحل يعد قرارا لإنهاء المدة النيابية للمجلس الشعبي الوطني بصفة فورية، أي أن آثار الحل تبدأ منذ بدء سريان قرار الحل كفقدان النواب لصفة العضوية، أما في حال تقرير رئيس الجمهورية إجراء انتخابات تشريعية مسبقة فالمجلس يستمر في آداء مهامه التي لا تنتهي إلا بانتخاب المجلس الجديد و ينتهي الوجود القانوني للمجلس القديم بقرار يتضمن حله، وسيان أن يكون هذا الحل تلقائيا أم لا، لأنه و خلافا لرأي الاستاذ بو الشعير الحل التلقائي للمجلس يتقرر بقوة القانون فليس هناك ربط بين تقرير رئيس الجمهورية للانتخابات التشريعية و صورة الحل الذي ينتهي بها الوجود القانوني للمجلس القديم .
عندما يستعمل رئيس الجمهورية الحل الوارد في المادة 129، فإن له أن يختار الوقت المناسب لتدعيم أغلبية موجودة أو إيجاد أغلبية جديدة أو لأية غاية في نفسه وفقا للظروف المتاحة لذلك، فيقوم بتقليص الفترة التشريعية وهنا يتصرف بالضرورة كرئيس حزب أو زعيم تيار خاصة إذا كان الهدف من الحل أن يحافظ الحزب الحاكم على دعم الهيئة الناخبة( ).
بعد أن يجري رئيس الجمهورية الاستشارة المنصوص عليها في المادة 129/1 بإمكانه أن يقرر حل المجلس الشعبي الوطني وذلك في شكل مرسوم رئاسي من المفروض أن يتخذ في مجلس الوزراء لأن جميع القرارات الهامة تتخذ فيه، كما بالنسبة لحل المجالس المحلية المنتخبة ، فما بالك بحل المجلس الشعبي الوطني.
يرى الأستاذ بوقفة أن تقرير الحل مشروط بقيدين وهما:
-وجوب أن يتضمن قرار مرسوم الحل الصادر بعزل النواب على دعوة الناخبين لإجراء انتخابات تشريعية مسبقة، في ميعاد لا يتجاوز ثلاثة أشهر.
-أن يجتمع المجلس الجديد في اليوم العاشر الموالي لتاريخ انتخابه( ).
إن مسألة تضمن قرار الحل على دعوة الناخبين لإجراء الانتخابات التشريعية لم تشر إليها أية مادة دستورية، بعكس الدستورالتونسي الذي نص أن يتضمن قرارالحل الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية ( ) .
أما عن اجتماع المجلس الجديد في اليوم العاشر، فذلك من آثار انتخاب المجلس الجديد، أي من آثار الحل وليست شرطا إجرائيا، إذ أن ذلك يمكن استنتاجه من نص المادة 113 من دستور 96 والتي تفيد بأن الفترة التشريعية تبتدئ وجوبا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ انتخاب المجلس الشعبي الوطني، وذلك سواءا كانت الانتخابات التشريعية ناتجة عن الحل، أي انتخابات تشريعية مسبقة، أو كانت انتخابات تجرى في الميعاد المقررعقب انتهاء المدة النيابية للمجلس الشعبي الوطني بصفة عادية .
عمليا فإن قرار حل المجلس الشعبي الوطني عام 92 بموجب المرسوم الرئاسي 92-01 المؤرخ في 04/01/1992( )، كان خاليا من أي دعوة لانتخابات تشريعية مسبقة وقد سبق و أشرنا أنه قرر ذلك قبل حل المجلس ولم يلجأ إلى استعمال حق الحل رغم الدعوات من طرف العديد من القوى منذ التعديل الدستوري في 23/02/1989، كون أن ذلك المجلس كان منبثقا عن نظام الحزب الواحد الذي أصبح مرفوضا واقعا وقانونا لكن الرئيس فضل السكوت وربما اتجهت إرادته إلى قبول فكرة الإصلاح المرن الذي يقوم على البناء ثم التهديم وليس العكس( ).
هناك مسألتان جد هامتين، تتعلقان بالطبيعة القانونية للمرسوم المتضمن الحل(فرع أول)، وكذلك قضية "تعليق إجراء الحل"(فرع ثان)، نتناولهما تباعا.

الفرع الأول: الطبيعة القانونية لقرار الحل
كما سبق وأشرنا، فإن القرار المتضمن حل المجلس الشعبي الوطني هو مرسوم رئاسي وهو من قبيل أعمال السلطة التنفيذية، فهل هذا يعني أن مرسوم الحل هو قرار إداري يخضع للرقابة القضائية مثله مثل الأعمال الإدارية الأخرى التي تصدر عن السلطة التنفيذية ؟ وهل ذلك يؤدي إلى إمكانية إلغاء مرسوم الحل إذا خالف مثلا شكليات سابقة عليه وبالتالي اعتباره غير مشروع ؟ و إذا تبين فعلا أن قرار الحل غير مشروع فمن هي الهيئة التي لها صلاحية إلغائه ؟
في الواقع إن هذه المسألة طرحت على مجلس الدولة الفرنسي وأصدر بشأنها قراره( ) و كان ذلك بشأن طعن السيد " M.Allain " في المرسوم الرئاسي الصادرفي 14/05/1988 المتضمن حل الجمعية الوطنية، و أصدر مجلس الدولة الفرنسي قراره بتاريخ 20/02/1989 ، حيث اعتبر أن المرسوم الرئاسي المتعلق بالحل يفلت من أية رقابة قضائية، فهو حسب مجلس الدولة من الأعمال الحكومية أو ما اصطلح عليها بأعمال السيادة ( ) ، التي تعرضت إلى انتقاد شديد من طرف الفقه باعتبارها خروجا على مبدأ المشروعية ( ) و قد تبناها القضاء الجزائري في حكم شهير للغرفة الادارية بالمحكمة العليا ( ) .
وقد استند قرار مجلس الدولة الفرنسي على نظرية أعمال السيادة أو الأعمال الحكومية
Les actes de gouvernement"" التي ابتدعها، وبرر الفقيه الفرنسي"ديغي" عدم خضوع هذه الأعمال للرقابة القضائية، كونها تصدر عن هيئة سياسية، وقد كان "الباعث السياسي" أهم معيار تبناه مجلس الدولة الفرنسي ، كما ظهر معيار آخر وهو "معيار القائمة القضائية" لتحديد أعمال الحكومة، و من بينها التصرفات الخاصة بعلاقة الحكومة بالبرلمان و التي من ضمنها مسألة حل البرلمان( ) التي اعتبرت غير خاضعة للرقابة القضائية ( ) .
وقد عرفت فرنسا أيضا اعتراضا على قرار الحل الذي أجراه "ميتران" عام 1981 عقب انتخابه من طرف رئيس الجمعية الوطنية " J. CHALRAM DELMA " وعندما أعاد ميتران الحل بعد إعادة انتخابه في 14/05/1988، انتقده نفس الشخص قائلا:" كان بإمكان الرئيس ميتران أن يلاحظ أن روح ونص الدستور سوف يحترمان لو أن الحكومة الجديدة تقدمت للمجلس وأطاح بها"( ).
إذن يصدر قرار الحل بمرسوم رئاسي غير خاضع لرقابة أية جهة كانت، وقد اعتبر العديد من الفقه في الجزائر أن قرار حل المجلس الشعبي الوطني في 1992 بعد الاعلان عن انتخابات تشريعية مسبقة كان معيبامن الناحية الدستورية، و انتقد الاستاذ بوالشعيررئيس المجلس الشعبي الوطني، و رأى أنه كان عليه إخطار المجلس الدستوري بعد نشر مرسوم الحل لبحث مدى دستوريته و اتخاذ مواقف بشأنه، لكن المجلس الدستوري غير مخول بإلغاء مثل هذه الخروقات أو حتى إصدار رأي بشأنها من تلقاء نفسه( ) رغم أن المادة 162 خولت له صلاحية السهر على احترام الدستورو يعتبر الاستاذ بوالشعير أن المجلس الدستوري باعتباره مؤسسة رقابية مستقلة تسهر على احترام الدستور، كان عليه تنبيه رئيس الجمهورية بالآثار الخطيرة للاستقالة المقترنة بالحل و رفض الاستقالة من الناحية القانونية أو فكرة الفراغ الدستوري بتقرير أهلية رئيسه في تولى الرئاسة بالإعتماد على روح الدستور بدلا من الاقتصار على إصدار بيان 14/01/1992 لإثبات حالة الشغورالنهائي لرئاسة الجمهورية( ) ،ونحن نرى من جانبنا أن رئيس المجلس الشعبي الوطني لم يكن بإمكانه إخطار المجلس الدستوري لأنه فقد صفته بمجرد صدور قرار الحل و بالتالي انعدام أية جهة تملك حق إخطارالمجلس الدستوري، فالأمور كلها تمت بذلك الشكل عن قصد حتى لا يترك المجال للطعن في عدم دستورية قرار الحل.
لقد سبق و بينا في الفصل الأول أن المؤسس الدستوري لم يضع قيودا على استعمال رئيس الجمهورية لحقه في حل المجلس الشعبي الوطني من خلال:
- السلطة التقديرية الواسعة في تقرير الحل الرئاسي ( ).
- اختصاص رئيس الجمهورية وحده بإصدار قرار الحل واستبعاد إجراء التوقيع المجاور( )، بالرغم من كل إيجابياته من حيث المشاركة في اتخاذ القرار وكشف الخطأ في الوقت المناسب وبالتالي إبعاد الرئيس عن كل ما ينتج عن تصرف الحل من مسؤولية ولو لم ينص عليها الدستور، ولهذا يقترح الأستاذ بوقفة أن يؤخذ بمبدأ التصديق على إجراء الحل من قبل الهيئة الناخبة أو على الأقل من طرف الرؤساء الثلاثة، رئيسي غرفتي البرلمان ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الدستوري حتى يكون التصرف جماعيا عند رسم القرارات الحاسمة( ) .
- ترك لرئيس الجمهورية حرية اختيار الوقت والظروف المناسبين لإجراء الحل، فليس هناك موانع تحد من سلطة الرئيس في مباشرته( )، في حين ذلك فقد حظر العديد من المشرعين، وعلى رأسهم المشرع الفرنسي إجراء الحل خلال السنة التي أجري فيها، أي رفض الحل على الحل )" Dissolution sur dissolution ne vaut" حتى لا يتكرر استعماله، وتعد القيود الموضوعة على استخدام حق الحل، ضمانة أكيدة لاستمرار المجلس في أداء رسالته، وبالأخص الرقابية، كما يظهر دور رئيس الجمهورية في تكرار الحل لذات السبب في عدم تقيده في إعادة ذات الحكومة التي سحب منها المجلس الثقة، أو رفض برنامجها( ).
يرى الفقه في مصر أنه بالرغم من غياب ضمانة " عدم جواز الحل على الحل" أو حل المجلس لنفس السبب مرتين في النصوص الدستورية " ، إلا أن ذلك يعد من قبيل السهو، ويرجح أن تعمل هذه القاعدة أو الضمانة التقليدية حتى دون تقريرها بنص صريح، فإذا حدث وأن حل المجلس لخلاف بينه وبين الحكومة، وجاء مجلس جديد مؤيد لوجهة نظر المجلس القديم، فإن احترام إرادة الشعب يحتم بلا جدال عدم حل المجلس لذات السبب مرتين( ) ، فذلك مناف للديمقراطية.
ندعو المؤسس الجزائري إلى وضع ضمانات تحد من تكرار الحل لذات السبب، وتحد من إمكانية "الحل على الحل" الذي وصفه الدكتور بوقفة بأنه حيلة دستورية تهدف إلى ترويض المجلس، فهو يمكن أية حكومة من الحصول على الموافقة على برنامجها أو الحصول على ثقة أي مجلس حتى ولو تشكلت من المعارضة ، وفي هذا تجاهل كلي لإرادة الشعب.
المؤسس الدستوري في كل من الجزائر و تونس لم يلزم رئيس الجمهورية بتسبيب قرار الحل كما فعل نظيرهما الكويتي( ) .
يصدر قرار الحل في النظام التونسي في شكل" أمر" وقد نص على ذلك الفصل 63 من الدستور التونسي و الأوامر في النظام التونسي ليس لديها نفس المفهوم في النظام الجزائري ، ففي هذا الأخير الأوامر هي ذات طابع تشريعي و تصدر عن رئيس الجمهورية في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان، أما الأوامر في النظام التونسي فهي ذات طابع تنفيذي أو ذات صبغة ترتيبية و هذا ما يؤكده الفصل 54 من الدستور التونسي، في حين يطلق المشرع التونسي على الأوامر التشريعية في النظام الجزائري " مراسيم " ( ) .
وقد أعلن الرئيس التونسي أمام خطاب ألقاه أمام مجلس النواب في 27/02/2002 أن الأوامر ذات الصبغة الترتيبية أصبحت قابلة للطعن ( ) و لا نعتقد أن ذلك ينطبق على قرار حل مجلس النواب وذلك للاعتبارات التي تحدثنا عليها سابقا، و يعتبر تقييد رئيس الجمهورية من حيث المناسبات التي تتيح له مباشرحق حل مجلس النواب من جملة الايجابيات التي تسجل إلى المؤسس الدستوري التونسي و لكنه أجحف في حق مجلس النواب عندما منحه فرصة وحيدة لتوجيه لائحة لوم ضد الحومة خلال المدة النيابية الواحدة، إذا كرر الامر تعرض لخطر الحل و مع ذلك نسجل له في هذا الإطار نقطة هامة تتعلق بضبطه لمسألة تعليق إجراء الحل .
الفرع الثاني : تعليق إجراء الحل
يقصد بتعليق إجراء الحل وقف إستعمال هذا الحق و ذلك بصفة مؤقة بسبب أوضاع تفرضها ظروف معينة و يمكن استنتاج الحالات التي يعلق فيها إجراء الحل في النظامين الجزائري و التونسي من النصوص الدستورية، وهي على التوالي :
- في حالة غيبة الرئيس، أي شغور منصب الرئاسة وذلك لصفة دائمة أو مؤقتة – في حالة تواجد الظرف الخطير الذي يفرض التمديد في الفترة النيابية ، و ستتم دراسة الحالتين في فقرتين متتاليتين .


الفقرة الأولى: حالة الشغور في منصب الرئاسة
قد تنتج حالة الشغور في منصب الرئاسة بصفة دائمة بسبب الوفاة أو الاستقالة أو لعجز تام، و قد تكون غيبة الرئيس مؤقتة في حالة النيابة التي ينفرد بتنظيمها الدستور التونسي بصريح النص، في حين يمكن استنتاجها من المادة 87 من دستور 96 ، إذن نحن أمام احتمالين : أن يكون الشغور نهائيا أو مؤقتا .
أولا : الشغور النهائي
سبق وعرفنا ان سلطة الحل الرئاسي سلطة خاصة لا تفوض ويعود ذلك إلى المكانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في النظامين الدستوريين الجزائري و التونسي وهذا الأمر نصت عليه مختلف الدساتير الجزائرية و كذلك الدستور التونسي، فالمؤسس الدستوري الجزائري نظم حالة الشغور النهائي في منصب الرئاسة وذلك عند ثبوت المانع لدى رئيس الجمهورية بسبب مرض خطير ومزمن يحول دون قيامه بمهامه أو استقالته أو الوفاة ، فيتولى رئيس مجلس الأمة أو رئيس المجلس الدستوري حسب الحالة منصب الرئاسة بصفة مؤقتة و قد نصت المادة 90 من الدستور: "لا يمكن أن تقل أو تعدل الحكومة إبان حصول المانع لرئيس الجمهورية ، أو وفاته أو استقالته ، حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه ... لا يمكن في فترتي 45 يوما والستين يوما المنصوص عليهما في المادتين 88و89 تطبيق الأحكام المنصوص عليها في الفقرتين ... والمواد ...و 129 ..." و بالتالي من غير الممكن استعمال القائم بمهام الرئاسة بصفة مؤقتة المادة 129 من الدستور، أو حتى إقالة الحكومة ،وذلك بهدف تفادي أي انحراف يمكن أن يصدر عن رئيس الدولة الحائز على الشرعية الدستورية دون الإرادة الشعبية وهذه نقطة تسجل للمؤسس الدستوري الجزائري لصالح المجلس الشعبي الوطني الذي أريد له أن يبقى كمصدر شرعي متواجدا في غياب المصدر الشرعي الأول، وبذلك يكون الدستور الجزائري قد أحاط تواجد الغرفة الأولى بسياج قانوني يكفل لها القيام بالسلطة التشريعية ويبدو جليا من المادة 90/3 قداسة وسمو سلطات الرئيس التي لا تباشر في غيبته وورد الحل من ضمنها و كذلك عدم جواز إقالة الحكومة مما يوحي بإقامة التساوي بين السلطتين التشريعية و التنفيذية .
و قد نص الفصل 57 من الدستور التونسي على حظر استعمال القائم بمهام الرئاسة بصفة مؤقتة لحق الحل في حالة الشغور النهائي لمنصب الرئاسة : "عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو لاستقالة و لعجز تام ... و يمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة المهام الرئاسية على أنه لا يحق له أن يلجأ إلى الاستفتاء أو أن ينهي مهام الحكومة أو أن يحل مجلس النواب او أن يتخذ التدابير الاستثنائية المنصوص عليها في الفصل 46 ..." وبذلك يكون المؤسس الدستوري التونسي جعل من سلطة الحل حصريا لرئيس الجمهورية دون سواه وفي مقابل ذلك أيضا لا يمكن خلال المدة الرئاسية الوقتية توجيه لائحة لوم ضد الحكومة وبذلك يكون حصن السلطتين معا .
نشير أخيرا إلى أن الرئيس " بن علي" عند استلامه لمقاليد الحكم عام 1987 قد استند في الليلة الفاصلة بين 6 و7 نوفمبر 1987 على تقرير طبي لإثبات عجز الرئيس " بورقيبة " وذلك من أجل إعمال مقتضيات الفصل 57 قبل تعديله والذي كان يقضي بتولي الوزير الأول وهو "بن علي " آنذاك مهام رئاسة الدولة ( ).
ثانيا : الشغور المؤقت
تجاوز المؤسس الدستوري التونسي مثيله الجزائري بتنظيمه لحالة النيابة، صراحة حيث نص الدستور التونسي في الفصل 56 :" لرئيس الجمهورية إذا تعذر عليه القيام بمهامه بصفة وقتية أن يفوض بأمر سلطاته إلى الوزير الأول ما عدى حق حل مجلس النواب ..."،كما قرر أنه في هذه الحالة فإن الحكومة تبقى قائمة وإن تعرضت إلى لائحة لوم إلى أن يزول العذر المؤقت، فقد أراد المؤسس الدستوري التونسي أن يجنب المؤسسات خطر المواجهة المباشرة خلال تلك الفترة التي قد تطول وقد تقصرو تبدو لا محالة حرجة باعتبارعدم قدرة رئيس الجمهورية الحكم على تحمل مسؤولياته، ويرى الأستاذ بوعوني أن ذلك الخيار سليم لحمل هذه السلطة وتلك على الاتزان والتريث ومراعاة الظرف وعدم الزج بمؤسسات الدولة فيما يمكن أن يقود إليه استغلال هذه المناسبة من تغليب كفة سلطة على حساب الأخرى ولا يخفى ما يمكن أن تؤول إليه نتائج مثل هذا الوضع ( ) ،ومعنى ذلك أن المؤسس الدستوري يقصد بهذه الحالة، كما ينص الفصل 56، العذر المؤقت لرئيس الجمهورية : " رئيس الجمهورية إذا تعذر عليه القيام بمهامه بصفة مؤقتة " ويمكن أن يكون ذلك مرضا عارضا وليس خطيرا يؤدي إلى العجز التام، لأننا في هذه الحالة نكون أمام حالة الشغورالنهائي .
أما المؤسس الدستوري الجزائري فبالرغم من عدم تنظيمه لحالة الغيبة المؤقتة لرئيس الجمهورية صراحة إلا أن تحليل المادة 87 من دستور 96 : " لا يجوز بأي حال من الاحوال أن يفوض رئيس الجمهورية سلطته في تعيين الحكومة و أعضائها ... كما لا يجوز أن يفوض سلطته في اللجوء إلى الاستفتاء ، وحل المجلس الشعبي الوطني و تقرير الانتخابات التشريعية قبل أوانها و..." يشير إلى إمكانية غيبة الرئيس المؤقتة لمرض عارض أو سبب ما ، مما يفرض عليه تفويض رئيس الحكومة باعتباره الشخص الأول في الحكومة بعض صلاحياته ، ولكن بقراءة المادة 87 نجد أن الصلاحيا ت الهامة كلها غير قابلة للتفويض، وعليه ننتهي إلى أن المؤسس الدستوري الجزائري بدوره يعلق إجراء الحل في غيبة الرئيس المؤقتة .
الفقرة الثانية : في حالة تواجد الظرف الخطير
للظروف العادية نظامها القانوني فطالما اتسم الجو العام بالامن العام فكل مؤسسة دستورية تباشر مهامها بشكل عادي، غير أن الظروف غير العادية التي قد يكون المجتمع عرضة لها تفرض بعض الأحكام الاستثنائية و هذه الظروف تختلف في درجة خطورتها( ) ، و قد نصت المادة 102/4 من دستور96:" لا يمكن تمديد مهمة البرلمان إلا في ظروف خطيرة جدا لا تسمح بإجراء انتخابات عادية ، يثبت البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا هذه الحالة بقرار بناء على إقتراح رئيس الجمهورية و استشارة المجلس الدستوري " ، كما نص الدستور التونسي على التمديد في الفترة التشريعية لمجلس النواب ، حيث نص الفصل 23 من الدستور التونسي على:" إذا تعذر إجراء الانتخابات بسبب حالة حرب أو خطر داهم فإن مدة مجلس النواب أو مجلس المستشارين تمدد بقانون يصادق عليه مجلس النواب إلى أن يتسنى إجراء الانتاخابات، وينطبق التمديد في هذه الحالة على بقية أعضاء مجلس المستشارين " ، وبالتالي فإن إجراء الحل يوقف في مثل هذه الحالة وتمدد مهمة البرلمان، و نلاحظ من خلال نصي المادتين اختلافات عديدة :
- في النظام التونسي مجلس النواب وحده يصادق على التمديد في شكل قانون إلى أن يتسنى إجراء الانتخابات و ذلك سواء بالنسبة له أو بالنسبة للغرفة الثانية من البرلمان التي تستفيد حتما من التمديد للغرفة الاولى مما يثير مسألة وصاية غرفة على غرفة ، في حين يلزم المؤسس الدستوري الجزائري البرلمان بتقرير حالة الخطر عن طريق قرار يصدره بغرفتيه المجتمعتين معا بناء على اقتراح من رئيس الجمهورية واستشارة المجلس الدستوري( )، مما يحقق استقلالية البرلمان في تحديد هذه الحالة، وإذا ربطنا نص المادة 102 فقرة 4 و 5 بالمواد المتعلقة بالخطر التي سنتعرض لها لاحقا و هي المواد 91 وما يليها يلاحظ أن حالة الخطر يتم تقريرها من طرف رئيس الجمهورية بعد استشارة عدة هيئات من بينها رئيسي غرفتي البرلمان، و قد نص الدستور التونسي على أن رئيس الجمهورية يتخذ التدابيرالإستثنائية التي تحتمها حالة الخطر الداهم و رغم غياب أي نص دستوري في البلدين يوضح صراحة الحالات التي يصبح فيها الوضع خطيرا جدا حتى يمكن معرفة بدقة الخطرالذي يفرض تمديد عهدة البرلمان وتعليق إجراء الحل حتى في وجود نية لذلك، جمع الد ستور التونسي حالة الخطرالداهم بصفة عامة في الفصل 46 ( ) :" لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية و أمن البلاد و استقلالها بحيث يتعذر السير العادي لدواليب الدولة إتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابيراستثنائية بعد استشارة الوزير الأول ورئيس مجلس النواب و رئيس مجلس المستشارين ... وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.." بينما وفقا لرؤية المؤسس الدستوري الجزائري يمكن أن يكون الظرف الخطير:حالة الطوارئ أو الحصار ، الحالة الاستثنائية أو الحرب وفق ما جاء في المواد : 91 ،93 ،95 .
أ - حالة الطوارئ أو الحصار
و قد نظمها الدستور الجزائري في المادة 91 : " يقرر رئيس الجمهورية إذا دعت الضرورة الملحة حالة الطوارئ أو الحصار لمدة معينة بعد إجتماع المجلس الاعلى للامن، واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الامة و رئيس الحكومة ... و لا يمكن تمديد حالة الطوارئ ( ) إلا بعد موافقة ابرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا " . لم يميزالدستور بين حالتي الحصار أو الطوارئ من حيث القواعد التي تحكمها ( ) رغم إختلاف درجة الخطر في كل حالة عن الأخرى، فغالبية الفقهاء يرون أن حالة الطوارئ تتميز عن حالة الحصار لكون الثانية تتصل بالأعمال التخريبية أو المسلحة كالعصيان و التمرد وهي حالة أقل خطورة من الحالة الاستثنائية ( ) ،ورئيس الجمهورية يقرر هاتين الحالتين بعد استشارة عدة هيئات، من بينها رئيس المجلس الشعبي الوطني، كما نصت على أنه لا يمكن تمديد حالة الطوارئ أو الحصار إلا بعد موافقة البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا ( ) و هذا يفيد وجود المجلس الشعبي الوطني بما يفيد وقف إجراء الحل أثناء حالة الحصار أو الطوارئ و نعتقد أن المؤسس الدستوري الجزائري يجب أن ينص على ذلك صراحة منعا لأي لبس .

ب-الحالة الاستثنائية ( )
إن الوضع الاستثنائي دستوريا هو الظرفية التي يكون فيها التهديد قائما بالنسبة للدولة أو النظام السياسي، بشكل يؤدي إلى تعطيل عمل الدولة، وانطلاقا من ضرورة ضمان استمرارية واستقرار عملها، تم وضع قواعد دستورية خاصة لهذه الظروف الخاصة، وإسناد هذه الصلاحيات للسلطة التنفيذية دون السلطة التشريعية له ما يبرره عمليا، فمباشرة الأولى للعمل التنظيمي، واتساع مجالات عملها مقارنة بالثانية واكتسابها مشروعية قاعدية بانتخاب رئيسها مباشرة من طرف الشعب،كل هذا أدى إلى تقوية متزايدة لدوره ومنح رئيسها سلطات استثنائية دستورية في وقت الأزمات( )، فالغاية من هذه الصلاحيات الخاصة هي ضمان استتباب النظام، وهي تبقى خاضعة إلى جملة من الشروط قد تتسع وتضيق حسب طبيعة النظام ( ).
يلاحظ أن نص المادة 93 من الدستور الجزائري التي تتحدث عن الحالة الاستثنائية ( )، عندما يهدد البلاد خطر داهم، ( وترجمة النص الفرنسي تحتمل الخطر الوشيك) ( )، يمكن لرئيس الجمهورية تقرير الحالة الاستثنائية، وبالتالي اتخاذ الإجراءات الاستثنائية التي تتطلبها حماية استقلال الأمة ومؤسسات الجمهورية، إذا ما توفرت الشروط الشكلية و الموضوعية للحالة الاستثنائية و أهمها الخطر الذي يهدد مؤسسات الدولة أو إستقلالها أو سلامة ترابها و هو أشد وقعا و أثرا من ذلك الخطر الذي تقرر له حالة الحصار أو الطوارئ ( )، و إن كان بعض الفقه في الجزائر يرى أن الدستور الجزائري يتميز بنقص كبير في تحديد هذه الشروط ( ) ، و يرى البعض الآخر أن هذه المادة تكرس ممارسة دكتاتورية مؤقتة، دون أن تنص على منع الحل خلال هذه الفترة التي قد تطول ، ومنح الرئيس حق الحل في هذه الفترة يزيد من خطورة التوصل إلى دكتاتورية نهائية ( )، ويرى الدكتور بوقفة بدوره أن المؤسس الجزائري على خلاف المؤسس الدستوري التونسي - و كذلك المؤسس الفرنسي - الذي ينص على عدم جواز الحل في الظروف الاستثنائية، ترك الأمر مثيرا للجدل، وطالب بأن يعدل الدستور، باتجاه النص صراحة على تعليق الحل في الظروف الاستثنائية، حتى يضع حدا لاختلاف وجهات النظر في هذا الشأن( ).
إلا أننا نختلف مع الرأيين السابقين، فالمؤسس الدستوري الجزائري حظر الحل في الحالة الاستثنائية، وذلك دون أن يترك مجالا للجدل، بدليل ذلك أن المادة 93 تنسجم مع المادة 102/4، فإذا كان المجلس الشعبي الوطني يساهم في تقرير حالة الظرف الخطير، أين يمنع إجراء الحل نظرا لأن فترة البرلمان يتم تمديدها ،فإننا نعتقد من جانبنا أن الظرف الخطير جدا، يمكن أن ينطبق على ما جاءت به المادة 93 ، أين يستشار المجلس الشعبي الوطني في تقرير الحالة الاستثنائية (رئيسه) ويجتمع البرلمان وجوبا( )، و ذلك لأن الخطر الداهم الذي تتحدث عنه المادة 93، "يهدد البلاد و يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها"، و المؤسسة التشريعية و كذلك مؤسسة الرئاسة من بين هذه المؤسسات المهددة بالخطر، سواء كان مصدره داخليا أو خارجيا، كما أن تهديد البلاد في استقلالها أو سلامة ترابها يعني أن مصدر الخطر خارجي، فكيف برئيس الجمهورية أن يتحول عن هذا الخطر الخارجي و يحل المجلس الشعبي الوطني، حتى و إن كان على خلاف معه ؟
لا شك أن تقرير الحالة الاستثنائية التي تتحدث عنها المادة 93، و الوصف الذي أعطاه المؤسس الدستوري لها، يتماشى و منطوق المادة 120/4.
و منعا لأية تأويلات فإن المؤسس الدستوري الجزائري مطالب بالنص صراحة على عدم استعمال رئيس الجمهورية سلطته في حل المجلس الشعبي الوطني، و ذلك أثناء الظروف الاستثنائية، حفاظا على وجود أهم المؤسسات الدستورية إلى جانبه في مثل هذه الظروف الحرجة .
نص الفصل 46 من الدستور التونسي على الظروف الاستثنائية وحظر على رئيس الجمهورية حل مجلس النواب وكذلك منع تقديم هذا الأخير لائحة لوم ضد الحكومة ( ) .
لقد عرفت تونس العديد من الأزمات ولكن الرئيس أبدا لم يلجأ إلى الحل بل طرحت مسألة تنظيم انتخابات تشريعية قبل أوانها، لأن الحل في تونس كانت له صورة واحدة ، وهي التي نص عليها الفصل 63 ، ثم أدرج الحل في إطار الفصل 57.


الواقع أن عدم استعمال الحل خلال الحالة الاستثنائية، يرى فيه البعض أنه لأسباب ديمقراطية ( ).
أخيرا فقد قيد المشرع الدستوري التونسي الحل من حيث مناسبة استخدامه ، و لكنه لم يقيد تكراره بمدة زمنية معينة ، بل ترك ذلك لمطلق حرية رئيس الجمهورية شرط أن يتزامن ذلك مع تصويت مجلس النواب على لائحة لوم ثانية و في نفس المدة النيابية أو عقب انتخابات الرئاسة التي تلي الشغور ..
ج- حالة الحرب( )
نظمتها المادتان 95 و 96 من الدستور الجزائري ، حيث تقرر أن يتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات في حالة الحرب و يوقف العمل بالدستور و يحل رئيس الجمهورية محل صاحب السيادة فيسمو على جميع المؤسسات الدستورية ويجتمع البرلمان وجوبا ، وإذا كان الدستور لم ينص صراحة على عدم استعمال رئيس الجمهورية لحقه في حل المجلس الشعبي الوطني خلال هذه الفترة ، فنحن نرى أنه طالما يتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات، فإنه يتم تجميد عمل جميع المؤسسات الدستورية بما فيها السلطة التشريعية ، علما أن نص المادة 96 يتماشى أيضا ونص المادة 102/4 وهل هناك ظرف أخطر من حالة الحرب ؟! ثم هل من المعقول أن يفتح رئيس الجمهورية على نفسه جبهة داخلية، في الوقت الذي يتطلب تجميع كل القوى السياسية لتأييده ، وذلك ما نفهمه من الاستشارة التي يقدم عليها عند تقرير حالة الحرب ، هذا بالإضافة إلى أن المادة 95 تقر باجتماع البرلمان وجوبا بما يفيد عدم إمكانية حل غرفة منه ، بل ويرى الأستاذ بوالشعير أن اجتماع البرلمان يكون مستمرا ( ).
أما المؤسس الدستوري التونسي فسبق و أشرنا إلى تقريره وقف إجراء الحل بتمديد المدة النيابية في حالة الحرب طبقا لما جاء في الفصل 23 السابق بيانه .
إن النصوص الدستورية الخاصة بالحالات الغير عادية التي قد تمر بها البلاد ، لا يبين أغلبها الآثار المترتبة عنها بدقة بقدر ما تبين كيف يحل رئيس الجمهورية تدريجيا محل الدستور نفسه أو بالأحرى يحل محل الدولة ( ) .


نتائــج
لقد لاحظنا من خلال دراستنا لإجراءات الحل في كل من النظامين الجزائري والتونسي اختلافا وتقاربا .
-في حين يشترط المؤسس الدستوري الجزائري على رئيس الجمهورية عند مباشرته لسلطة الحل الرئاسي استشارة كل من رئيسي غرفتي البرلمان ورئيس الحكومة، فقد استغنى مثيله التونسي عن مثل هذه الاستشارة غير الملزمة منذ تعديل 1988، وقد رأينا أن تلك الاستشارة وإن لم تكن ملزمة من الناحية القانونية فهي خير من عدم وجودها ، فقد تؤثر ولو بنسبة بسيطة رغم ما وجهناه لها من انتقادات، ورأينا أن استعمال الرئيس لسلطة الحل، لا يتوقف فقط على المعطيات القانونية ، بل تتداخل العوامل السياسية والاجتماعية والقانونية في مثل هذه المسألة، وباعتبار أن تلك الشخصيات المستشارة تعد أهم الأطراف السياسية و على رأس أثقل المؤسسات الدستورية وزنا في النظام ككل .
-المؤسس الدستوري التونسي ألزم أن يحتوي الأمر المتخذ لحل مجلس النواب، ويقصد بذلك قرار الحل على دعوة الناخبين لإجراء الانتخابات التشريعية المسبقة وهو أمر لا نجد له أثرا في الدستور الجزائري وهذه نقطة تسجل للمؤسس الدستوري التونسي.
-نص كل من المشرعين على صدور قرار الحل بمرسوم رئاسي ( أمر ذو صبغة ترتيبية-تنفيذية-في النظام التونسي ) و معفى من التوقيع المجاور لأية هيئة أخرى و بذلك يكون النظامان الدستوريان قد سارا في نفس الاتجاه من حيث السلطة التقديرية و الخاصة للرئيس في تقرير الحل من عدمه ، علما أن قرار الحل لا يخضع إلى أي نوع من الرقابة ، حتى الدستورية منها( ) .
-نص كل من الؤسسين الدستوريين على خظر استعمال سلطة الحل في حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية ،وانفرد النظام التونسي بحظر الحل في فترة نيابة رئيس الدولة، وإن كان المؤسس الجزائري عبر عن ذلك بمنع تفويض سلطة الحل .
-منع المؤسسين الدستوريين الحل في حالة الخطر التي تقتضي التمديد في المدة النيابية ، و الدستورالتونسي أعطى وصفا عاما لحالة الخطر ( الخطرالداهم ) الذي يتطلب من رئيس الجمهورية اتخاذ التدابيرالاستثنائية و منع إجراء الحل وذلك بصريح النص، في حين ترك الدستور الجزائري هذه المسألة موضع خلاف وغموض مع تفصيله لعدة أوضاع يمكن أن تمثل الخطرالذي يفرض التمديد للبرلمان و هي حالة الطوارئ ، الحصار، الحالة الاستثنائية و حالة الحرب ، دون أن ينص صراحة على منع الحل فيها إلا أننا رأينا أنه ساير مثيله التونسي بالرجوع إلى تحليل النصوص الدستورية .
-اتجه كل من النظامين إلى تبني مبدأ الحل على الحل، إلا أن المؤسس التونسي قيد استخدام رئيس الجمهورية لسلطة حل مجلس النواب بمناسبتين اثنتين فقط وقد سبق و درسناهما وبالتالي فخارج إطار هاتين المناسبتين لا يستطيع الرئيس التونسي استعمال حق الحل ، أما المؤسس الدستوري الجزائري فإنه ربط حدوث الحل التلقائي للمجلس الشعبي الوطني بعرض الحكومة لبرنامجها أمامه في حين أجاز استعمال رئيس الجمهورية لحقه في الحل الرئاسي على خلفية رفض المجلس الشعبي الوطني منح الثقة التي تطلبها الحكومة عقب تقديمها للبيان السنوي و ترك له اختيار الوقت الذي يريده لاجراء الحل، ومن هنا يظهر لنا تمادي المؤسس الدستوري الجزائري في إطلاق سلطة الحل الرئاسي بما يشكل تهديدا دائما للمجلس- و بهذا يكون قد جارى مثيله التونسي- من حيث الاختلال الرهيب في العلاقة بين السلطتين و جعل البرلمان حبيس إرادة السلطة التنفيذية ( ) .
بالرغم من نقاط الاختلاف بين النظامين في إجراءات الحل إلا أنه وبدون شك ، كلاهما يصبان في الأخير في نتيجة واحدة وهي انفراد رئيس الدولة بسلطة الحل وحتى تلك القيود الشكلية لا تعني الكثير في نظامين يتجهان إلى الانفراد بالسلطة التي لا مبرر لها، مثلما هو استغلال اللجوء المباشر للشعب لإلغاء أي صوت معارض وتقويض الطبقة السياسية التي تمثل الشعب في مؤسساته المنتخبة بأخرى بديلة، همها تأييد سياسة الرئيس ( ).
إن التشابه بين النظامين يظهر جليا من استقواء السلطة التنفيذية و إقرارها لحالة الطوارئ منذ سنوات عديدة ، حتئ بعد الانفراج السياسي و الاقتصادي ( ).






المبحث الثاني: آثار الحل في النظامين
لقد اعتبر العديد من الفقه أن الحل سلطة دعوة، يتم من خلالها دعوة الشعب ليفصل في مسألة معينة، فبتقرير الحل، يتوجه رئيس الجمهورية إلى الهيئة الناخبة ويعيد لها القرار، لأنها في النهاية هي من تعين المجلس الجديد( ).
يخلف الحل بصورتيه في النظامين الجزائري و التونسي جملة من الآثار، منها ما يتعلق بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، وبالتحديد المجلس المنتخب والحكومة ورئيس الجمهورية نتناولها في مطلب أول ثم نتعرض لما يحدثه الحل على مبدأي الفصل بين السلطات والديمقراطية من آثار باعتبارهما دعامتين أساسيتين لقوة السلطة التشريعية ونتناولها في مطلب ثان.

دة اليوم لتجاوز احتكار السلطة ( ).










قديم 2010-12-30, 10:19   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة 1

المطلب الأول: آثار الحل بالنسبة للسلطتين التشريعية والتنفيذية
الفرع الأول : آثار الحل بالنسبة للسلطة التشريعية
بصدور مرسوم الحل يكون رئيس الجمهورية قد أنهى المدة النيابية للمجلس القديم وحدد موعد الانتخابات التشريعية المسبقة في آن واحد، و التي يجب أن تجرى خلال ثلاثة أشهر كأقصى حد، هذا في الجزائر( ) و ثلاثون يوما في تونس( )، وبذلك ينتج العزل الجماعي للنواب و يكون المجلس المنتخب في حالة شغور.
نتناول هاتين النقطتين الواحدة تلو الأخرى في فقرتين متتاليتين .
الفقرة الاولى: إنهاء المدة النيابية و الدعوة لانتخابات تشريعية مسبقة
أولا: إنهاء الفترة النيابية أو العزل الجماعي للنواب
إذا كان البعض يرى في الحل التلقائي في النظام الجزائري سلطة تقديرية للنواب في عزل أنفسهم ورغم التحفظات التي أبديناها بهذا الشأن، فإن الحل الرئاسي يجسد قرارا بالعزل الجماعي للنواب وبالتالي يترتب عن ذلك سقوط عضويتهم، والغريب في الأمر أن المشرع الجزائري لم ينص على هذه الحالة من فقد العضوية لا في الدستور ولا في أي نص آخرحتى قانون الانتخابات( ) أوالقانون المتعلق بعضو البرلمان ( 01/01 )، و لا في النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، ومثيله التونسي نحى نحوه ( ) حيث يلاحظ في هذا الإطارأن النظام الداخلي لمجلس النواب لا يشير إلى حالة فقدان العضو للصفة التمثيلية عند حل مجلس النواب، عكس بعض التشريعات المقارنة ( ).
وبسقوط العضوية يفقد النواب كل المميزات التي منحتهم إياها الصفة النيابية وعلى رأسها الحصانة البرلمانية ( ) و يعاودون الالتحاق بوظائفهم ومهامهم التي كانوا يمارسونها قبل التحاقهم بالمجلس، لكنهم يحوزون صفة " برلماني سابق " ، مع العلم أن إسقاط العضوية عنهم بحل المجلس لا يمنعهم من الترشح للانتخابات التي ستجري لاحقا.
إذا كان قرار الحل يعد إنهاءا لمدة مجلس النواب، فإن هناك عدة ملاحظات سجلناها حول النظام التونسي :
قرر المؤسس الدستوري التونسي أن الانتخابات التشريعية في الحالة العادية (أي انتهاء مدة المجلس بصفة طبيعية دون اللجوء إلى الحل) تجرى خلال الثلاثين يوما الأخيرة من المدة النيابية، وهذا ينسجم مع الفصل 63 الذي منح مهلة ثلاثين يوما تجرى خلالها الانتخابات التشريعية المسبقة التالية للحل، وهي مدة معقولة قياسا بتلك التي فرضها المؤسس الدستوري الجزائري، مما لا يسمح بفراغ المؤسسة النيابية لمدة أطول.
وقد حدد كذلك المؤسس الدستوري التونسي دورة واحدة عادية للمجلس تبتدئ خلال شهر أكتوبر، وتنتهي خلال شهر جويلية، على أن تكون بداية الدورة الأولى من المدة النيابية لمجلس النواب خلال 15 يوما ( )، في حين قرر أن تلك المدة تكون 8 أيام بعد الإعلان عن نتائج الاقتراع في حالة الحل( ).
وقد أثارت مسألة تحديد بداية الدورة العادية لمجلس النواب عدة إشكالات عندما تقرر إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها عام 1991، حيث أن سلطة الحل يمكن أن تستعمل في وقت غير شهر سبتمبر، وبالتالي قد لا تتصادف بداية دورة المجلس الجديد مع شهر أكتوبر، وهذا الإشكال ظل حتى بعد تعديل الفصل 63 سنة 1999، إذ بقيت إمكانية حل مجلس النواب في أي وقت من العام، وغير مستبعدة على الأقل من الناحية القانونية( )، فلجأ المشرع التونسي إلى إصدار قانون دستوري عدد 105 لسنة 1993 المؤرخ في 08/11/1993، يقر استثناء لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 39 (التي تحدد بداية دورة مجلس النواب في شهر أكتوبر)، يجعل الدورة الأولى من المدة النيابية القادمة تبدأ خلال النصف الأول من شهر أفريل عام 1994، وتنتهي المدة النيابية الجارية يوم اجتماع مجلس النواب الجديد( )، وإذا كان المؤسس الدستوري التونسي قد حل الإشكال بإصدار القانون الدستوري المشار إليه آنفا، آنذاك، إلا أن الإشكال يظل مطروحا، فماذا لو حدث الحل في شهر جانفي أو فيفري أو ...
لاحظنا كذلك أن المؤسس التونسي توقع إمكانية حل مجلس النواب خلال فترة عطلة هذا الأخير أو على الأقل عند نهاية الدورة العادية، فقرر افتتاح مجلس النواب دورة لمدة 15 يوم، إذا تزامنت بداية الدورة الأولى من المدة النيابية للمجلس مع عطلته( ) .
عدم انسجام النصوص الدستورية التي أشرنا إليها آنفا يعود إلى أن التعديل الدستوري عام 1989 الذي على أساسه تمت الانتخابات التشريعية في 02/04/1989 والذي يقود إلى إنهاء مدة نيابة المجلس المنتخب في أفريل سنة 1994 مما يدفع إلى حذف الفصل 29 الذي كان يحدد بداية الدورة الأولى من المدة النيابية خلال النصف الأول من شهر نوفمبر (وحاليا خلال شهر أكتوبر)، وبالرجوع إلى الفصل 22 سيتعطل عمل المجلس أكثر من 6 أشهرأي من أفريل إلى نوفمبر وتبقى هذه الفرضية خطيرة العواقب نظرا لما تمثله من فراغ كبير يهدد مؤسسة هامة في الدولة، ونتج عن هذا الوضع إشكال دستوري، تنبهت إليه سابقا اللجنة المختصة بدراسة مشروع تعديل الدستور عام 1981 ولجأ المشرع الدستوري عام 1993، إلى التعديل الذي أشرنا إليه آنفا، والذي نص على جملة من الاستثناءات: استثناء الفقرة الأولى من الفصل 29 (السابق)، استثناء الفقرة الأولى من الفصل 39.
وتم التمديد في المدتين النيابية والرئاسية حينها و تعديل 1993 -وإن كان ضروريا- لكنه كما قلنا لم يكن حاسما للمسألة بصورة نهائية وباتة، وهذا ما لم يعجب بعض الحقوقيين الذين أكدوا ضرورة إيجاد حل نهائي وجذري( ).
لقد طرح هذا الإشكال جله منذ سنوات، عندما أراد الرئيس المتولي السلطة جديدا، حل مجلس النواب باستعمال حقه الذي ينص عليه الفصل 57، لكنه لم يستخدم سلطة الحل، بل قرر إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، وإن كان لجوؤه لحل مجلس النواب، كان سيرتب ذات الأثر وذات الإشكال، طالما أنه يفرز انتخابات تشريعية في غير أوانها.
لقد حاول المؤسس التونسي، أن يتزامن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، لغاية في نفسه، لكن الحفاظ على ذلك صعب جدا، فالنظام السياسي لا تحكمه آليات قانونية ودستورية يمكن ضبطها، إنه وكما قلنا مرارا وتكرارا يخضع لعوامل " جنب دستورية " يصعب على النظام الدستوري التحكم فيها وهذا ما يزيدنا قناعة بأن الحل آلية سياسية أكثر مما هو آلية قانونية.
ثانيا: الدعوة لانتخابات تشريعية مسبقة
نصت كل من المادتين 82/2 و129/2 من الدستور الجزائري على إجراء الانتخابات التشريعية المسبقة، وذلك في أجل ثلاثة أشهر على الأقل، وقد سبق ورأينا أنه رغم اتجاه بعض الفقه، وبعض المشرعين إلى وجوب أن يحتوي قرار الحل دعوة الناخبين للانتخابات المسبقة إلا أنه لا يوجد نص في الدستور الجزائري يفيد ذلك وقد سبق كذلك أن أبدينا ملاحظات حول استعمال المؤسس الجزائري في المادة 129/2 على عبارة "أو" للتخيير بين استعمال رئيس الجمهورية لحق الحل، أو تقرير إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، فالانتخابات التشريعية هي نتيجة حتمية لحل المجلس الشعبي الوطني، ولذلك فقد قيد المؤسس الدستوري إجراءها في اجل ثلاثة أشهر، و التي يرى فيها البعض أنها فترة معقولة لتمكين الإدارة من التحضير للانتخابات التشريعية ( )، من جانبنا نرى أنها مدة مبالغ فيها مقارنة بالأنظمة الأخرى وفي مقدمتها النظام الدستوري التونسي الذي حددها بـ30 يوما على الأكثر ويلاحظ أن فترة الثلاثة أشهر طويلة نسبيا،والنظام المصري الذي حددها بستين يوما على الأكثر، وذلك ابتداء من تاريخ الإعلان عن نتيجة الاستفتاء حول الحل ( ) ، إن مدة ثلاثة أشهر تقترب من المدة التي قررت لعطلة المجلس الشعبي الوطني، وهي أربعة أشهر على الأقل في الحالة العادية، علما أنه (أي المجلس الشعبي الوطني ) يجتمع في دورتين تدوم كل منها أربعة أشهر، هذا إذا لم يتم استدعاؤه في دورة غير عادية ( ) ومدة 3 أشهر رفضتها المعارضة في فرنسا عام 1875، أما المؤسس الفرنسي حاليا فقدرها بأربعين يوما على الأكثر ( )، وهذه الفترة حددت دستوريا، حتى لا يبقى الشغور في السلطة التشريعية لمدة كبيرة .
إن إجراء الانتخابات التشريعية عقب الحل ، تجسده الفكرة التي تقول بتحكيم الهيئة الناخبة ، لإعادة التوازن بين المؤسسات الدستورية، بل يتماشى مع نظرية الحل الاستفتائي التي سبق وتحدثنا عنها في الفصل الأول، وهي التي تعطي للحل طابعه الديمقراطي.
عندما تكون مثلا الحكومة في مواجهة مع البرلمان، يكون الشعب بعيدا عن اللعبة السياسية، إلى أن يتدخل الحل، ويمكن الشعب من الاشتراك في حل المسائل السياسية الهامة، حيث يسمح له بالفصل في مختلف الحلول المقترحة من طرف الأحزاب ( ).
لقد أثبتت التجربة أن استشارة الهيئة الناخبة بعد الحل، قد لا يؤدي إلى حل النزاع بين السلطات، بل قد يؤدي إلى اختلال في التوازن أكثر عمقا بين السلطات، وحتى عملية التحكيم، فإنها لا تكون بين الحكومة والبرلمان، لكن بين الأغلبية والمعارضة، فالحل قد يجرى عندما تكون للأغلبية إمكانية اختيار الوقت الذي تكون فيه المعارضة في موقف ضعيف أمام الهيئة الناخبة ( ).
وفي التجربة الجزائرية حل المجلس الشعبي الوطني، وأوقف المسار الانتخابي بعد إجراء الدور الأول من الانتخابات التشريعية المسبقة، التي جرت في 26/12/1991، واستقال رئيس الجمهورية ، حيث كان تزامن حل المجلس الشعبي الوطني مع استقالة رئيس الجمهورية أحد أهم العوامل التي أدخلت البلاد في أزمة سياسية واجتماعية ، اختلفت عن باقي الأزمات التي عرفتها، وبالتالي فالتجربة الجزائرية لا تتماشى والرأي القائل بأن الحل يتخذ أحيانا لحل أزمة سياسية ( ).
إن الأزمة التي عرفتها الجزائر عقب حل المجلس الشعبي الوطني في عام 1992 تبين إلى أي حد يمكن أن يكون الغموض أو غياب التحديد والوضوح في أي نص، سببا في نتائج في غاية الخطورة، فعدم توقع إجراءات نيابة رئيس الجمهورية بعد تقديمه للاستقالة، وحله للمجلس
( أي تزامن شغور منصب الرئاسة مع شغور المجلس الشعبي الوطني الذي كان الغرفة الوحيدة للبرلمان ) في ظل دستور1989 بين إلى حد بعيد، كيف يمكن أن يكون النص الناقص والذي لا يتوقع جميع الاحتمالات بخصوص مسألة معينة، أداة لافتعال انقلاب مقنع أكثر خطورة من انقلاب 1965 ( ).
وقد كان تأخير الإعلان عن حل المجلس الشعبي الوطني إلى حين إعلان رئيس الجمهورية عن استقالته محل نقد من طرف العديد من الفقه ، وقد رفض الأستاذ بوالشعير الاعتراف بوجود الفراغ الدستوري الذي أعلن عنه المجلس الدستوري و انتقد عدم تحرك هذا الأخير المكلف بالسهر على احترام الدستور، و اعتبر الأستاذ أننا إذا تتبعنا حرفية النص فإننا لن نكون أمام فراغ دستوري عند تزامن الاستقالة مع الحل فحسب، بل أيضا عند تعرض رئيس الجمهورية لمرض خطير ومزمن طبقا لأحكام المادة 84 من دستور 1989و ذلك بعد الحل، وكذلك وفاة رئيس الجمهورية بعد الحل و إصابة رئيس المجلس الدستوري بمرض لا يسمح له بأداء مهامه، و أكد الدكتور أن المؤسس الدستوري الجزائري عام 1989 لم ينظم حالة الشغور الناتجة عن الاستقالة في الفقرة9 من المادة 84 لاستحالة افتراض استقالة الرئيس أثناء الحل و اكتفى بحسن نية على ذكر الوفاة ( ) .
خلال الفترة الممتدة من 92 إلى 1998 تاريخ الانتخابات التشريعية الأولى بعد الأزمة، كان لدينا من الناحية النظرية دستور قيد التطبيق ، لكنه كما عبر عنه الأستاذ محيو:" أدواته كانت معطلة ، ولم يعمل إلا شكليا بواسطة جملة من الأعضاء الاصطناعية المؤقتة" ( ).
إن رد فعل الهيئة الناخبة، تحيط به جملة من المعطيات التي لا يؤطرها الدستور، فهي Extra constitutionnelle خارجة عن إطار الدستور، تتركز أساسا في النظام الحزبي ، فتلقي أي خلاف من طرف الناخبين يفترض وجود آليات تأطير قادرة على هيكلة العملية الانتخابية وذلك بفاعلية، وإذا فشلت الأحزاب في بلورة موضوع الخلاف، فإن الحل قد لا ينتج آثارا مختلفة عن تلك التي كانت ستفرزها الانتخابات العادية في نهاية المدة النيابية.
وإذا كان حق الحل يظهر متجاوبا مع التوترات التي تنشأ بين تصادم الأحزاب ، فإن آثاره المختلفة تتمثل في إعادة ترتيب القوى السياسية ، الذي تفرزه الانتخابات التي يثيرها الحل ( ).
مهما حاول المؤسس الدستوري إضفاء الصبغة القانونية على الحل، وبالتالي إمكانية توقع نتائجه وآثاره، بما فيها نتائج الانتخابات التشريعية المسبقة، فإن طبيعته السياسية تفرض نفسها، لأنه يمارس في إطار سياسي، ووفق معطيات سياسية واجتماعية لا يتحكم فيها الدستور.
الفقرة الثانية : حالة الشغور أو تجميد الدور التشريعي و الرقابي للمجلس
إن الواقع يفرض علينا أن نشير إلى أن السلطة التشريعية في الجزائر تضطلع بوسائل رقابية جد هامة على الحكومة بالرغم من كل ما يشوبها من نقائص تضعف من فعاليتها مقارنة بما هو سائد في النظام التونسي، فالدستور التونسي في صياغته الأصلية لم يقر وسائل تؤثر بها كل سلطة على الأخرى إلى غاية مخلفات الأزمة الاقتصادية التي عرفتها تونس عام 1969 على خلفية فشل تجربة سياسة التعاضد ( ) ، فتم إدخال بعض الوسائل الرقابية على عدة مراحل، لكنها إلى اليوم بعيدة كل البعد عن الوسائل الرقابية المعروفة في الأنظمة المقارنة .
لقد اختلف الفقهاء بشأن إمكانية استمرار النواب في أداء مهامهم العادية عند الحل، فمنهم من يؤيد استمرار أداء البرلمان لمهامه العادية التي تتطلبها الضرورة لضمان ديمومة الدولة، إلى حين انتخاب المجلس الجديد، تجنبا للفراغ الدستوري الذي يحتمل حدوثه قبل إجراء الانتخابات ، أما الرأي المعارض فيذهب إلى أن الحل يترتب عنه الموت المدني"civile La mort " ، و بالتالي تنتهي مهام المجلس بمجرد حله ، و هذا هو اتجاه النظامين الجزائري ( ) ، و التونسي .
خلال فترة الحل، تتعطل مؤقتا الحياة البرلمانية، وينتقل حق التشريع مؤقتا إلى رئيس الجمهورية، وبعض الأنظمة لم تضع ضمانات للحد من الحل فقط، بل أوجبت ما يسمى "بالحضور البرلماني أثناء الحل" من أجل استمرار الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، حتى لا تبقى تمارس أعمالها وحيدة ( ) ، لكن المؤسس الدستوري الجزائري لم ينظم هذه الحالة، و كذلك نظيره التونسي فرغم ديمومة الغرفة الثانية للبرلمان والتي حرمت من حق التشريع في وجود الغرفة الأولى وفي غيابها ( )، إلا أنها لا تمارس أي دور رقابي خلال فترة الحل، فهي تمارس المناقشة والمصادقة على النصوص التي تحال لها من الغرفة الأولى، وقد كان هذا التقليص من دور مجلس الأمة مثار نقد من طرف العديد من الدارسين في الجزائر في الملتقى الوطني حول إشكالية المادة 120 من الدستور ( ) .
أما بالنسبة لمسألة مراقبة الحكومة خلال فترة الحل، فلم يعطي الدستور التونسي الغرفة الثانية للبرلمان أي دور رقابي سواء في وجود مجلس النواب أو في غيابه في حين نجد أن بعض الدساتير قد نظمت حالة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية في فترة الحل، كالدستور الكويتي، الذي اختار أسلوب عودة السلطة التشريعية إلى ممارسة اختصاصاتها كاملة عند عدم إجراء الانتخابات خلال شهرين من تاريخ الحل، واعتبار أن قرار الحل كأن لم يكن، في حين أن بعض الأنظمة الأخرى قررت استمرار المجلس المنحل في أداء مهامه إلى حين تنصيب المجلس
الجديد ( ).
نعتقد أنه بإمكان الغرفة الثانية في النظامين أن تمارس بعض مظاهره المخففة : الاستجواب، توجيه أسئلة، إصدار لوائح… إلخ، لكنها لا ترقى إلى فعالية الآليات الثقيلة التي تملكها الغرفة الأولى للتأثير على السلطة التنفيذية في مقابل ما تملكه هذه الأخيرة من وسائل تصل إلى حد إلغاء وجود الغرفة الأولى و حتى هذه يعتبرها بعض الفقه وسائل " غير متكافئة تماما " ( ).
نشير في هذا الإطار إلى أن الدستورالجزائري و القانون العضوي 99-02 لم يتطرقا إلى فترة الحل، والدور الذي يمكن أن يلعبه مجلس الأمة، ولا النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان .
الفرع الثاني: آثار الحل بالنسبة للسلطة التنفيذية
لا يمكن الجزم أبدا، بأن المؤسس التونسي يأخذ بازدواجية السلطة التنفيذية، بل بالعكس، فقد نص في الفصل 37 على أن السلطة التنفيذية يمارسها رئيس الجمهورية بمساعدة حكومة يرئسها وزير أول، وقد سبق وعرفنا- أن المؤسس الدستوري التونسي- اتجه إلى اعتماد الفصل الجامد بين السلطات، بل إنه اتجه إلى تركيز السلطات وهذا ما عبر عنه الرئيس الراحل بورقيبة في خطاب ألقاه في 03/10/1958، " إننا نحتاج سلطة قوية لا تضعف بتشعبات مختلفة، إننا نحتاج التماسك والانضباط لمضاعفة الفاعلية، بتعبير آخر، نحن نحتاج تركيز السلطات"( ).
ورغم التعديلات الكثيرة في الدستور التونسي، وتغير القيادات السياسية فيه، إلا أن وجود شخص ثان في السلطة التنفيذية، لا يعني اقتسام السلطة، فرئيس الحكومة ليس إلا منفذا( ).
أما النظام الجزائري فقد سبقت الاشارة إلى أخذه بازدواجية السلطة التنفيذية منذ تعديل 1988 .
ونتعرض أولا لآثار الحل بالنسبة للحكومة(فقرة أولى) ثم لآثار الحل بالنسبة لرئيس الجمهورية ( فقرة ثانية ).
الفقرة الأولى: آثار الحل بالنسبة للحكومة
نصت المادة 82 على بقاء الحكومة القائمة في حال حدوث الحل التلقائي مباشرة إلى غاية انتخاب المجلس الجديد، وذلك في أجل أقصاه 3 أشهر، مما يفهم أن هذه الحكومة التي تسببت في حل المجلس تستمر إلى غاية انتخاب المجلس الجديد في إدارة الشؤون العادية ، و هذا ما قضى به مجلس الدولة الفرنسي في قراره المتعلق بقضية سيمونيه Simonet بتاريخ 17/05/1957 عقب حل الجمعية الوطنية ، و يرى الأستاذ بوالشعير أن هذا المسلك ينبغي التمسك به في ظل نظام ديمقراطي من الناحية النظرية ( ) ، وحول طبيعة هذه الأعمال، فقد قام مجلس الدولة في عدة مناسبات بتفسير معنى الشؤون العادية ( ) و يحتوي الملحق الخاص بالمذكرة صورة عن بعض القرارات المشابهة ( ).
هذا بالنسبة للحل التلقائي، وقد سبق وأبدينا تعسف المؤسس الدستوري، في تحميله للمجلس تبعة رفضه لمنح الثقة للحكومة على برنامجها، فالحكومة تبقى والمجلس ينحل.
أما بالنسبة للحل الوارد في المادة 129 أي الحل الرئاسي، فإنه إذا كان مقررا عقب عدم تصويت المجلس الشعبي الوطني على لائحة الثقة التي تطلبها الحكومة، فقد نصت المادة 84/6 أن رئيس الجمهورية يمكن أن يحل المجلس قبل قبول الاستقالة من الحكومة، وهذا يعني أنه قد تظل الحكومة قائمة إلى غاية انتخاب المجلس الجديد، ثم يقبل حينئذ رئيس الجمهورية استقالتها، فهي لا محالة مستقيلة، وأثناء فترة الحل، تقوم الحكومة بالشؤون العادية أي المشاكل الملحة التي لا تتطلب بصورة تقليدية التورط في سياسة جديدة، بغبارة أخرى الحكومة الباقية في ظل فترة الحل هي حكومة تصريف أعمال كما يقال، تستمر في تسيير الشؤون العادية، وما يمكن ملاحظته هو أن الحل لا يكون في صالح الحكومة في كل الأحوال ، ذلك لأنه حتى وإن لم يكن الحل ناتجا عن أزمة وزارية، فإنه يحط من قيمة الحكومة التي تصبح مجرد حكومة انتقالية، وحسب تقليد العديد من الأنظمة، تقدم هذه الحكومة استقالتها بعد الانتخابات التشريعية الجديدة ( )، وهذا حتى بالرغم من انعدام أي نص دستوري يلزمها بذلك، وتتولى الحكومة عملية التحضير للانتخابات التشريعية المسبقة وإدارتها أحيانا لصالحها، لذلك تطالب بعض الدساتير بتعديل الحكومة التي حل البرلمان في ظلها وذلك لضمان حيادها ( )، وقد رأينا أن سلطة رئيس الجمهورية في تعيين رئيس الحكومة الجديدة، لا ترد عليها أية قيود فعلية، لكن من مصلحة رئيس الجمهورية أن يكون رئيس الحكومة شخصية يساندها المجلس الجديد، أو على الأقل يحايدها، ويكون ذلك بالأخذ بعين الاعتبار التيارات الموجودة بالمجلس الجديد وأهميتها، فاختيار الرئيس واقعيا مقيد بعدم إثارة الحكومة لحساسيات الأغلبية البرلمانية ( ).
يعتبر قرار الحل الذي جاء نتيجة عدم نجاح الحكومة في إقناع المجلس الشعبي الوطني بالبرنامج المعروض عليه، أو رفض المجلس منحها الثقة، من آثاره حسب المجرى الطبيعي للأمور ألا تشكل الحكومة القادمة من أعضاء الحكومة المستقبلية، حتى ولو لم ينص الدستور على ذلك صراحة ( ).
في الجمهورية التونسية وبالرجوع إلى الفصل 63 من الدستور نجد أنه في حال تصويت مجلس النواب على لائحة لوم ثانية، فالرئيس إما أن يقبل استقالة الحكومة أو يقرر الحل.
إذن، إذا قرر رئيس الجمهورية حل مجلس النواب، فإنه لن يقبل استقالة الحكومة، ونص الفصل 63:" قبول استقالة الحكومة " يدل على أن الحكومة تتقدم بطلب الاستقالة حال مصادقة مجلس النواب على لائحة اللوم االثانية أثناء نفس الفترة النيابية التي أسقط فيها مجلس النواب الحكومة السابقة عقب تصويته على لائحة لوم أولى طبقا للفصل 62 بما يفيد أن مجلس النواب لا يمكنه خلال مدة نيابته إسقاط إلا حكومة واحدة ، و إذا فكر في إسقاط أخرى فإنه يجازف ببقائه .
إن الحكومة التي يكون الرئيس أمامها طبقا للفصل 63، ليست الحكومة التي نص عليها الفصل 62، والتي استقالت بفعل لائحة اللوم الأولى.
إذن نحن أمام حكومة جديدة تتلقى لائحة لوم للمرة الأولى، وعليه: إذا قرر رئيس الجمهورية حل مجلس النواب سوف لن يقبل استقالة الحكومة التي لم تحز ثقة المجلس النيابي ورضاه، وإن كانت هذه الفرضية مستبعدة ، لأن النواب يعرفون مسبقا نتيجة تصويتهم على لائحة لوم ثانية وأثناء نفس المدة النيابية، فإن المسؤولية تقع على من قضى بها.
إن قرار الرئيس بعدم قبول الاستقالة وإبقائه على الحكومة المغضوب عليها من قبل المجلس لا يعتبر قرارا تحكيميا حياديا ، فقد سبق وأن رأينا أن موضوع مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب يتمثل في مدى تنفيذها والتزامها بالسياسة العامة للدولة التي يضبطها رئيس الجمهورية، كما بينا الصلة الوثيقة لها بالرئيس، والكثير من الدارسين يرون في هذه الوضعية إعطاء لرئيس الجمهورية دور الحكم ( )، لكن في الواقع أن قرار الحل ، يعبر حقيقة عن الدور الفاعل لرئيس الجمهورية، وليس دور الحكم في النظام الدستوري ، فهو ليس بمنأى عن كل تأثير، فهو مؤسسة دستورية مقحمة في العملية السياسية، وليس حكما محايدا،و " Indiférent " أمام العلاقات بين مجلس النواب والحكومة ( ).
إن بقاء الحكومة برفض رئيس الجمهورية إقالتها، وهذا أمر يلزمه دستوريا في وضع الفصل 63 من الدستور، يخل حتما بمبدأ " الحل والحجب "، أي بمبدأ التوازن في سقوط الهيئتين (حكومة ومجلس)، هذا إذا ما وصل الأمر فعلا إلى الإمكانية التي يشير إليها الفصل 63 وهذا أمر مستبعد كما سبق وأوضحنا.
من جهة أخرى، فإننا نرى أن المؤسس الدستوري التونسي لا يعامل الحكومات على قدم المساواة، ففي حين تجبر الحكومة طبقا للفصل 62 و هي الحكومة التي تعرضت للائحة لوم أولى على الاستقالة ويلتزم رئيس الجمهورية بقبولها، تمنح الحكومة التالية وطبقا للفصل 63 ( رغم تلقيها للائحة لوم تعد الاولى بالنسبة لها) ، فرصة البقاء ويكون الثمن حل المجلس النيابي و كأن رئيس الجمهورية تارة يرضي المجلس و تارة يرضي الحكومة أو بالأحرى نفسه.
أما بالنسبة للحكومة التي يجرى الحل في ظلها طبقا للفصل 57 من الدستور فلم يبين لنا الدستور بوضوح مصيرها، لكن الأرجح أنها تستقيل إذا قرر الرئيس الجديد إجراء الحل، حتى يختر حكومة تتماشى و أغلبية مجلس النواب أو تتماشى و توجهات الرئيس .
الفقرة الثانية: آثار الحل بالنسبة لرئيس الجمهورية
بالنسبة لرئيس الجمهورية، هناك أثران مهمان ينتجان عن الحل، الأثر الأول دستوري وهو تشريع رئيس الجمهورية بأوامر، والأثر الثاني سياسي، وهو إمكانية إثارة المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية أمام الشعب.
عندما يقرر رئيس الجمهورية حل الغرفة الاولى للبرلمان، فإن الأثر المباشر لذلك يكون شغور في الوظيفة التشريعية والرقابية لهذه الغرفة، وإذا كنا تعرضنا سابقا لانعدام الرقابة على أعمال الحكومة في فترة الحل، فالأمر ليس كذلك بالنسبة للوظيفة التشريعية، حيث يتولاها رئيس الجمهورية الذي بإمكانه التشريع بأوامر أثناء فترة الحل ( ندرسها في فقرة أولى ) ، و عقب الانتخابات التشريعية المسبقة، قد يجد رئيس الجمهورية نفسه أمام مسؤولية سياسية لم ينص عليها الدستور، لكنها موجودة في الواقع( ندرسها في فقرة ثانية) .
أولا: التشريع بأوامر (الأثر الدستوري)
لقد حدث خلاف فقهي حول مدى سلطة رئيس الجمهورية في التشريع بأوامر خلال فترة حل المجلس النيابي، فالرأي القائل بعدم جواز ذلك استندوا إلى حقيقتين:
أ- أن فترة الحل لا تعتبر واقعة بين أدوار الانعقاد المنصوص عليها في الدستور( )، وهي حالة شغور المجلس النيابي، أو بين دورتي الانعقاد، ففترة الحل تفصل بين فصلين من فصول التشريع .
ب- إن فترة غياب البرلمان بالحل، وهو صاحب السلطة التشريعية، تجعل من غير الجائز أن تصدر السلطة التنفيذية مراسيم لها قوة القانون( ).
في حين ذهب اتجاه فقهي آخر إلى تأكيد إمكانية السلطة التنفيذية خلال فترة الحل، إصدار مراسيم لها قوة القانون ، فليس صحيحا أن هذه الفترة لا تقع بين أدوار الانعقاد، فهي تقع بين الدور الأخير للبرلمان المنحل، والدور الأول للبرلمان الجديد، وهذا يتفق مع الاعتبارات العملية، حيث لا يجوز أن تترك الدولة بدون أداة تشريعية خلال فترة الحل، تماما كما في الفترة التي تفصل بين انتهاء مدة النيابة للمجلس المنتهية مدته طبيعيا، وبداية المدة النيابية للمجلس المنتخب جديدا ، وهذا ما ذهب إليه كل من المؤسسين الدستوريين الجزائري و التونسي، عندما نظما حالة الشغور والذي لا يقصد بها فحسب حالة حل المجلس الشعبي الوطني بل حالة فراغ واضح وطويل المدى لأي سبب كان ( ) .
ويرى الأستاذ بوقفة أن الاختصاص التشريعي ينتقل لرئيس الجمهورية بمقتضى الحل ويصبح تواجد مجلس الأمة على حد قوله لا أساس له من الجانب النظري و العملي حيث يعلق اختصاص الغرفة الثانية إلى حين انتخاب مجلس جديد ( ) .
في النظام الجزائري يشرع رئيس الجمهورية خلال فترة الحل بأوامر، على أن تعرض على المجلس الشعبي الوطني في أول دورة له ليوافق عليها و هذا ما نصت عليه المادة 124 : " لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان..." وبذلك منح المؤسس الدستوري الجزائري لرئيس الجمهورية حق التشريع بأوامر عقب حل المجلس الشعبي الوطني طوال فترة الشغور، وذلك لمدة ثلاثة أشهر التي نص عليها الدستور لتنظيم الانتخابات التشريعية، أضف إليها مدة العشرة أيام التي قررت لاجتماع المجلس المنتخب، والتي تحسب من يوم إعلان نتائج الانتخابات لأن الفترة التشريعية تبتدئ فقط في اليوم العاشر، وفي المجموع تكون الفترة الممنوحة لرئيس الجمهورية للتشريع بأوامر بعد حل المجلس الشعبي الوطني مائة يوم على الأقل وهي أيضا ليست بعيدة عن الفترة المقررة لعطلة المجلس و التي تقدر بأربعة أشهر، ومن هنا يمكن لرئيس الجمهورية و بسبب الحل الذي يجريه أثناء دورات المجلس العادية أن يتولى التشريع بأوامر لفترة ( 3 أشهر+ 10 أيام+ 4 أشهر) و تساوي في المجموع سبعة أشهر وعشرة أيام، وهي مدة قريبة جدا من المدة المخصصة للبرلمان والتي حددها الدستور بأربعة أشهر على الأقل و خمسة أشهر على الأكثر طبقا للمادة 05/04 من القانون المتعلق بعضو البرلمان المؤرخ في 31/01/2001.
فبعد أن كان رئيس الجمهورية يشرع بمعدل نصف المدة المقررة للسلطة التشريعية في الحالة العادية تقريبا، فإن استعماله لحق الحل يتيح له أن يكون تقريبا في مرتبة واحدة مع المجلس الشعبي الوطني .
نص الدستور التونسي على اضطلاع مجلس النواب بالسلطة التشريعية إلى جانب مجلس المستشارين( )، وأجاز لرئيس الجمهورية أن يشرع بتفويض من غرفتي البرلمان ولمدة
محدودة ( ) ، حيث ينص الفصل 28 في الفقرة الخامسة : " ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين أن يفوضا لمدة محدودة و لغرض معين إلى رئيس الجمهورية إتخاذ مراسيم يعرضها حسب الحالة على مصادقة مجلس النواب أو المجلسين، و ذلك عند إنقضاء المدة المذكورة "( )، و تفويض البرلمان رئيس الجمهورية بالتشريع كان معروفا في النظام الجزائري في ظل دستور 1963 ( ) ، كما منح النظام التونسي لرئيس الجمهورية حق التشريع في فترة شغور مجلس النواب، حيث نص الفصل 31 على اتخاذ الرئيس لمراسيم خلال عطلة مجلس النواب " لرئيس الجمهورية أن يتخذ خلال عطلة مجلس النواب و مجلس المشتشارين مراسيم يقع عرضها حسب الحالة على مصادقة مجلس النواب أو مجلس المستشارين، وذلك في الدورة العادية الموالية للعطلة "، أما في حالة حل مجلس النواب، فقد نص الفصل 63 في الفقرة الثالثة منه : " و في حالة حل مجلس النواب وفقا لفقرة الاولى من هذا الفصل يمكن لرئيس الجمهورية إتخاذ مراسيم يعرضها فيما بعد على مصادقة مجلس النواب و مجلس المستشارين حسب الحالة " ومن هنا يتبين لنا أن المؤسس الدستوري التونسي يميز بين التشريع الذي يجريه رئيس الجمهورية بتفويض من البرلمان و خلال عطلة هذا الأخير،وبين التشريع الذي ينجزه في فترة الحل من حيث اشتراطه مصادقة البرلمان بغرفتيه عليه و بذلك يكون المؤسس التونسي نظم حق تشريع رئيس الجمهورية خلال فترة الحل في نص خاص في حين أدرجه الدستورالجزائري ضمن حالة الشغور عموما و المنصوص عليها في المادة124 أعلاه .
إن المراسيم التي يتحدث عنها المؤسس التونسي هي ذات طابع تشريعي ويفهم ذلك من مقابلة الفصل 63 في فقرته الثالثة مع الفصل 28 في فقرته الخامسة : " وتقابلها الأوامر التي يشرع بها رئيس الجمهورية الجزائري طبقا للمادة 120 من الدستور الجزائري لعام 1996.
المؤسس الدستوري الجزائري يعتبر أن الأوامر التي لا يصادق عليها البرلمان تعد لاغية : " تعد لاغية الأوامر التي لا يوافق عليها البرلمان " ( ) ، إلا أن طريقة الموافقة التي نص عليها القانون العضوي 99-02 والنظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني تنقص من قيمتها وتجعلها جد
محدودة ( ) ، هذا في الوقت الذي لا يحدد فيه المؤسس التونسي مصير المراسيم التشريعية التي يصدرها رئيس الجمهورية خلال فترة الحل أو خرجها ، بما يفيد تكريسه للقوة التنفيذية لهذه المراسيم ( ).
و يرى الدكتور بوقفة أن الأوامر الرئاسية التي يصدرها رئيس الجمهورية خلال فترة الحل، تختلف عن تلك التي يصدرها رئيس الجمهورية بين دورتي البرلمان من حيث تكييفه ، فالأولى تصدر في تواجد البرلمان فهي تتقيد بالشكل غير القانوني إلى أن يوافق عليها البرلمان و بالتالي تصبح قوانين قائمة بذاتها، أما الأوامر التي تصدر في غياب البرلمان كحالة حله، لم يصدر بشأنها نص صريح يضفي عليها الصبغة القانونية( ) ، و من جانبنا نرى أن المؤسس الدستوري الجزائري لم يميز بين الأوامر التي تصدر في وجود أو غياب البرلمان و ذلك ما يفهم من تحليل المادة 124، فإنه لم يورد نصا خاصا بالتشريع خلال فترة الحل و مباشرة بعد النص على حق رئيس الجمهورية في التشريع بأوامر بين دورتي البرلمان و في حالة الشغور في الغرفة الأولى، نص على: " و يعرض رئيس الجمهورية النصوص التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان ..." ، ثم أضاف :" تعد لاغية الأوامر التي لا يصادق عيها البرلمان".
هذا و يرى الدكتور سليمان الطماوي أن مثل تلك النصوص (الأوامر المشرعة في فترة الحل) كاشفة ومقررة لوضع تفرضه مجرد المحافظة على كيان الدولة واستمرارها وعند عودة الحياة النيابية وانعقاد البرلمان لا يكون ثمة داع لإعادة طرح التشريعات التي يصدرها رئيس الجمهورية، بل تظل نافذة حتى تعديلها وفقا للدستور( )، ونحن نؤيد هذا الرأي.
أما الدكتور عمار بوضياف فيرى أن الدستور الجزائري لعام 96 أضاف حالة جديدة من حالات سن التشريع بأوامر هي حالة شغور المجلس الشعبي الوطني و اعتبرها من قبيل تشريع الضرورة، لأن القاعدة العامة أن التشريع معقود للسلطة التشريعية و ذلك إقرارا لمبدأ الفصل بين السلطات، إلا أنه في حالات محددة تملك السلطة التنفيذية أن تحل محل السلطة التشريعية في سن التشريع العادي( ) .
نشير أن " الأمر " في النظام التونسي أو " الأوامر " هي ذات صبغة ترتيبية (تنظيمية) أو تنفيذية والتي تتخذ في مجلس الوزراء مثلا، كالأمر المتخذ لحل مجلس النواب ( ).
إن حق التشريع المخول لرئيس الجمهورية خلال فترة الحل أو التفويض به يعد تتويجا لجملة من السلطات الفاعلة التي تؤثر على السلطة التشريعية وخاصة الغرفة الأولى، حيث قرر الدستور التونسي أولوية لمشاريع القوانين التي يقدمها رئيس الجمهورية عن تلك التي يقدمها مجلس
النواب ( ) ، وله الحق في مخاطبة مجلس النواب وإعلامه، حيث يتاح له إمكانية الحضور شخصيا أمام كل غرفة لمخاطبة أعضائها أو يبعث لها بيانا ( ) ويساعده ذلك على انتهاز ما يراه سانحا من فرص لتعميق صلاته بالمؤسسة البرلمانية، بالتعريف بخياراته التي يحددها سعيا للحصول على تجاوب بشأنها ( ).
كما يمكن للرئيس استعمال أسلوب الخطاب المباشر، وتخصيص جلسات حوار بين الحكومة والنواب ( )، وبإمكانه دعوة البرلمان في دورة استثنائية طبقا للفصل 29 من الدستور، وكذلك له حق الاعتراض أو الرفض طبقا للفصل 52/2 من الدستور، وطلب مداولة ثانية (الفصل 52/3)، إلى غير ذلك من هذه الوسائل المعروفة في النظامين، لكنها تبدو أكثر حدة في النظام التونسي و ربما يعود ذلك إلى تقدم النظام الجزائري عن نظيره التونسي في مجال الانفتاح على مظاهر الديمقراطية من تعددية سياسية إلى التكريس الفعلي لمبدأ الفصل بين السلطات وذلك بالرغم من كل النقائص التي يشير لها العديد من الباحثين و الملاحظين ( ) .
ثانيا: إمكانية إثارة مسؤولية رئيس الجمهورية السياسية (الأثر السياسي)
عدم مسؤولية الرئيس عرف في النظام البرلماني إعمالا لقاعدة "الملك لا يخطئ:
The King can do no wrong"، وكنتيجة لانعدام مسؤولية الملك ، انتقلت السلطات الفعلية للوزارة و انتقلت معها المسئولية السياسية ( )، لكن المفارقة أن عدم مسؤولية رئيس الجمهورية سياسيا، كان مسلكا للعديد من البلدان النامية التي تتميز بسلطة تنفيذية قوية، و يرى بعض الفقه أن ذلك أملته ظروف تاريخية، أين كانت تحتاج السلطة السياسية إلى قوة للتعامل مع البرلمان والتحكم فيه، ودستور 96 الجزائري جاء بالمسؤولية الجزائية كمظهر لإرساء مسؤولية مباشرة لرئيس الجمهورية ( )، ويرى د.الأمين شريط أن هذا يدعم مركز رئيس الجمهورية سياسيا ولا يضعفه ( ).
أما النظام التونسي فقد أعفى رئيس الجمهورية من أية مسؤولية حتى الجنائية، و منحه حصانة تمتد إلى ما بعد اعتزاله ( ) ، و حتى المحكمة العليا التي قرر إنشاءها للمحاسبة على جرم الخيانة العظمى لا تخص رئيس الجمهورية بل أعضاء الحكومة ( ).
الغريب أنه في النظامين، بالرغم من اتساع سلطات رئيس الجمهورية فهو غير مسئول سياسيا بحكم نص الدستور أمام أية هيئة دستورية ( )، إلا أن مسؤوليته أمام الشعب قائمة، ويضيف بعض الفقه مسئولية سياسية للرئيس أمام الغرفة الأولى، وهي مسئولية غير مباشرة ، ذلك لأن إثارة مسؤولية الحكومة حول البرنامج أو بإيداع ملتمس رقابة أو عدم منحها الثقة بنحو أو بآخر موجه لرئيس الجمهورية لأنه الصاحب الفعلي للسلطة، إلا أن المؤسس الدستوري – وهذا في كلى البلدين - أراد إبعاده عن تحمل هذه المسؤولية أمام البرلمان خروجا عن المبدأ " حيث توجد السلطة، توجد مسؤولية " ( ) ، و رغم ذلك فإننا نلمسها بعد مباشرته للاستفتاء و للحل الرئاسي ، وذلك أمام الشعب الذي تعهد أمامه بالسهر على استمرار الدولة ( ).
إن استخدام حق الحل ليس آليا تماما، إنه يفترض ان يكون الإطار السياسي مهيئا لإجراء كهذا، وفي غياب الشروط السياسية والاجتماعية فقد لا يؤدي الحل ما هو منتظرمنه ( ) ، فإن كان هناك نزاع بين الهيئات الدستورية، فقد يزيد الحل من عمق الخلافات بدل تسويتها، فما النفع إذن من استخدام الحل إذا كانت نتائجه ستعود سلبا حتى على من استعمله وهو رئيس الجمهورية، وذلك عندما تسفر نتيجة الانتخابات عن إعادة ذات الأغلبية إلى المجلس، وهنا من غير الممكن تجاهل الترابط بين نتائج الانتخابات الناتجة عن الحل الرئاسي خاصة، وما يمكن أن يقيمه ذلك التصرف من مسؤولية سياسية للرئيس، و رأينا سابقا أن مفهوم التحكيم لا ينطبق في الواقع على رئيس الجمهورية عند استخدامه لحق الحل لأنه مقحم في اللعبة السياسية، إن الحل في جوهره يعد كشفا لرئيس الجمهورية، يخلق مسؤولية واقعية له، عن انحيازه لأحد الأطراف ( ).
نتائج الانتخابات تؤثر على الوضع المستقبلي لرئيس الجمهورية إن كانت ستزيد مركزه قوة أو ستضعفه، لأنه أيا كانت المبررات التي أجري الحل من أجلها، فإن آثاره حتما ستطول الرئيس ولو بشكل غير مباشر و يرى "René capitant " أن هناك قياما لمسؤولية رئيس الجمهورية سياسيا أمام الشعب على إثر الحل ، وتعد إعادة ذات الأغلبية إلى البرلمان بمثابة رفض لتصرف الرئيس بالحل ، تماما مثلما تبرز تلك المسؤولية عند الانتخابات الرئاسية ( ).
لقد سبق ورأينا عند دراسة الحل التلقائي في النظام الجزائري أن المساءلة السياسية طبقا للمادة 81 تتجه نحو الحكومة ظاهريا ، لكنها في الجوهر متجهة نحو رئيس الجمهورية باعتباره منتخبا وصاحب برنامج وهو من يعين الحكومة ( ) ،وهكذا يكاد يجمع أغلب الدارسين على أن إثارة مسؤولية الحكومة خاصة على برنامجها هي إثارة مسؤولية رئيس الجمهورية والتي قد تؤدي إلى إحداث أزمة سياسية تهز أركان النظام السياسي وتدخل البلاد في أزمة يصعب الخروج منها ( ).
في الواقع إن إثارة مسؤولية رئيس الجمهورية السياسية أمام الشعب في حالة إعادة انتخاب نفس المجلس المنحل تظهر خاصة إذا كان رئيس الجمهورية هو الذي بادر بالحل ، فيجد نفسه أمام بعض الخيارات :
- يدافع عن سياسته ولا يكون ذلك إلا بإجراء انتخابات رئاسية جديدة وهنا يكمن التوازن والرقابة بين الرئاسة والمجلس ( ) ، لكن المؤسس الجزائري إن كان نص على الانتخابات التشريعية المسبقة فإنه استبعد الانتخابات الرئاسية المسبقة وحذو المؤسس التونسي حذوه .
- إذا كانت الأغلبية الجديدة معارضة لرئيس الجمهورية فالخلاف الذي أجرى الرئيس الحل لأجله يظل قائما، والمخرج الوحيد المنتظر هو خضوعه ولو مؤقتا ( )، ويجبر على التعامل مع المجلس الجديد وإذا أصر على المقاومة فإن ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، قد يهدد وجوده ( )، وإذا لم يذعن فعليه أن يستقيل ( )، وقد حدث أن استقال الرئيس الفرنسي " ماك ماهون " من الرئاسة في فرنسا عام 1877 عقب نتائج الانتخابات التشريعية المسبقة التي تلت حله للجمعية الوطنية وكانت قد أفرزت أغلبية مضادة له ( )، وقد عدل بعده الرؤساء عن استخدام حق الحل، إلى غاية ما بعد 1958 ، في حين ظل " شيراك " في سدة الرئاسة عندما أجرى الحل في غياب أية أزمة سياسية عام 1997 ، ولكنه وجد نفسه أضعف ومجبرا على التعايش مع خصومه السياسيين، لأنه اعتقد أنه بإمكانه عن طريق تحديد تاريخ الانتخابات التشريعية المسبقة، الحصول على أغلبية مريحة أكثر ولم يتصور أن المعارضة ستفوز،( بعكس رئيس الحكومة البريطانية الذي يستقيل في الحالة المشابهة) ،و اضطر للبقاء في الرئاسة لكن مع تراجع في سلطاته الرئاسية ( ).
أما بالنسبة لمسؤولية رئيس الجمهورية أمام المجلس النيابي فقد انقسم الفقه في فرنسا بين مؤيد ومعارض، ويتجه الرأي الراجح إلى أن الخلاف بين رئيس الجمهورية والبرلمان لا يرتب أية مسؤولية أمام المجلس النيابي في ظل غياب العوامل القانونية ( ) ، ولم يتطرق المؤسس الدستوري الجزائري للمسؤولية السياسية للرئيس إلا مرة في ظل دستور 1963، إذ أقر بالمسؤولية المتبادلة والمباشرة بين الرئيس والمجلس، إلا أنها تكاد تكون خيالية ، نظرا لطبيعة النظام آنذاك .
في دستوري 1976 و1989، سكت المشرع عن أية مسؤولية لرئيس الجمهورية ثم بادر بالمسؤولية الجنائية في دستور 1996 عن جرم الخيانة العظمى .
أما النظام التونسي فقد لاحظنا أن المؤسس الدستوري في 1988 وفي إطار إجراء تغيرات هامة، لم يحافظ التعديل على الخطوط العريضة لمهام واختصاصات الرئيس في النظام السياسي التونسي فقط والتي كانت محل انتقاد، بل ذهب في تدعيم دوره إلى حد أبعد ، خاصة بعد حذف الفقرة الخامسة من الفصل 63 (قبل التعديل)، والتي تقضي بتقديم رئيس الجمهورية استقالته في حال مصادقة المجلس الجديد على لائحة لوم أخرى في نفس الظروف والأسباب ( )، وبذلك يكون المؤسس الدستوري التونسي، قد استبعد أية مسؤولية يمكن أن يتحملها رئيس الجمهورية في حالة معارضته للبرلمان، فالرئيس يقود ويحكم دائما، لكن عن طريق حكومة تتلقى وحدها الطلقات ( ).
عدم تنصيص الدستور على المسؤولية السياسية للرئيس لا يمنع من قيامها ولو ضمنيا تماشيا مع مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية وذلك لتساهم على الأقل في إعادة التوازن وترجيح الاختلال الرهيب الذي تضمنته النصوص الدستورية ( ).
تشكل المبادرة بالحل حقا، نوعا من المخاطرة الدستورية بالنسبة لرئيس الجمهورية إذا ربحها فإنه يخرج منها أقوى وإذا خسرها سيجد نفسه حتما أضعف، وإذا كان المؤسس الجزائري لم يسيج الحل بقيود تحد من التعسف في استعماله وتكراره، إلا أن الرئيس الذي يملك هذا الحق بالتأكيد لن يستعمله إلا إذا قدر أن الظروف ستكون لصالحه، ونقصد بالظروف القدرة على تأطير الهيئة الناخبة والأوضاع السياسية و حالة الأحزاب، إن عدم قدرة النظام الدستوري على ضبط هذه الظروف يجعل من الحل حقا مخاطرة قد تثير مسؤولية الرئيس أمام الشعب ، أما بالنسبة لمسؤوليته أمام المجلس ، فنرى أنه لا وجود لها أصلا بناء على ما تم تحليله على ضوء دراسة الحل في النظامين والوظائف الحقيقية التي يؤديها فقي النظام السياسي، والتي تصب في مجملها في تكريس تفوق رئيس الجمهورية ليس على الغرفة الأولى فحسب، بل على كافة المؤسسات.
في النظام التونسي، يسود ما يعرف بنظام الاقتراع على القوائم بالأغلبية في دورة واحدة، والذي جعل الحزب الحاكم يخوض الانتخابات التشريعية بنوع من الاطمئنان والثقة، لاسيما أنه هو المرشح الأول في الفوز بالانتخابات في كل دائرة، وفي أسوء الأحوال، تكفيه الأغلبية النسبية للفوز بجميع مقاعد الدائرة، وهذا من شأنه أن يفقد أحزاب المعارضة كل حماس للمناقشة، وقد قفاز الحزب الحاكم في التجمع الدستوري الديمقراطي، في جميع الانتخابات التشريعية التي عرفتها تونس، سواء كانت تعددية أو غير تعددية، كان آخرها تلك التي سجل فيها هذا الحزب نسبة 91.59% من مجموع الأصوات المصرح بها ( ).
يرى البعض أن الغرض من عدم المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية في تونس، يفسر ببقاء الرئيس في السلطة لأطول فترة ممكنة حتى يسمح للدولة المستقلة حديثا أم تهتم بتطوير نفسها، وهذا الوضع لا زال قائما لليوم، أين يظهر رئيس الجمهورية أول مؤسسة دستورية، يؤثر على باقي السلطات ( ).
المنطق الدستوري يفترض أن كل شخص منتخب ليتولى سلطة عادية يجب أن يحاسب على أعماله ويتحمل نتائجها، صحيح أنه لا يوجد نصوص صريحة تفيد إمكانية إثارة مسؤولية لرئيس الجمهورية، لكن هناك أشياء أخرى، فالبرامج الرئاسية والعقود التي يبرمها الرئيس بعد انتخابه تجعل من مسؤولية الرئيس مزدوجة فهي سياسية وعقدية ( )، إن إدارته للسياسات الكبرى للبلاد لا تتجزأ عن مسؤوليته السياسية باعتباره منتخبا مباشرة من الشعب، " إن الرئيس يعلم انه ليس ملكا، وليس دكتاتورا مؤبدا، يجب أن يحاسب مهما كانت قوته وسموه أثناء توليه السلطة" ( )، لاشك أن الخلل ليس في النصوص الدستورية، التي يمكن رأب صدعها، وسد ثغراتها، فما هي إلا نصوص وضعية، تسخر لأغراض معينة ، عوض أن تكون ضمانة للحكام والمحكومين.
إن قرار الحل قرار خطير -إن لم يكن الأخطر- لأنه ينهي التمثيل الشعبي في مؤسسات الدولة و النظامان محل الدراسة حظرا استعماله في حالة غيبة الرئيس أو شغور منصب الرئاسة، ليجعل منه سلطة حصرية لرئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب، وهو مسؤول أمامه قبل أي هيئة أخرى عن كل قرار يصدر عنه بالأخص إذا كان معارضا للإرادة الشعبية، والتي يعبر عنها من خلال الانتخابات المسبقة ، لذلك فإن إعادة توزيع الأدوار بين الفاعلين والمؤثرين في السلطة والمجتمع، تظل الإمكانية الوحيدة اليوم لتجاوز احتكار السلطة ( ).
المطلب الثاني : آثار الحل على مبدأي الفصل بين السلطات و الديمقراطية
الفرع الأول : الحل و مبدأ الفصل بين السلطات
لقد تبنى دستوري الجزائر و تونس مبدأ الفصل بين السلطات من الناحية النظرية وهذا ما نفهمه من خلال قراءة ديباجة و أحكام الدستور الجزائري وإن لم ينص على المبدأ بصراحة، و كذلك بقراءة توطئة الدستور التونسي التي جاء فيها : " ....و على إقامة ديمقراطية أساسها سيادة الشعب و قوامها نظام سياسي مستقر يرتكز على قاعدة تفريق السلط .."
إن الفهم القار عند أهل الاختصاص، هو أن مبدأ الفصل بين السلطات ( ) يشكل الأرضية الصلبة لدولة المؤسسات، وقد كرس الدستور الجزائري الحالي حوالي 90 مادة لوضع هذا المبدأ على أرض الواقع، بعد أن أصبح من المبادئ الأساسية للنظام الدستوري الجزائري ( )، لكن يظل إدراج حق الحل في النظام الدستوري الجزائري و بصورتين، يثير سؤال ملحا : ألا يعد إدراج حق الحل، مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات ؟
على المستوى الفقهي ظهر اتجاهان :
اتجاه يرى في الحل خروجا عن مبدأ الفصل بين السلطات ، فقد رفض واضعو الدستوري الفرنسي عام 1791 إدراجه في الدستور بشدة ، حيث رأوا فيه مساسا صارخا بهذا المبدأ المقدس عندهم، واستندوا على أن توازن النظام يعتمد عل استقلال الهيئة الناخبة عن الملك، و أن الحكومة التمثيلية تقتضي إبعاد الهيئة الناخبة عن العلاقات بين المؤسسات الدستورية وإدراج حق الحل لصالح الملك يخل بهذا التوازن( ) ، و تبنى هذا الرأي العديد من الفقه الفرنسي وعلى رأسهم" أيزمان" ( ) .
أما الاتجاه الثاني فيرى في تبني حق الحل تكريسا لمبدأ الفصل بين السلطات ، لأنه يعد وسيلة لحماية استقلالية الحكومة عن البرلمان و ضمان توازن السلطات في النظام الذي يعتمد الفصل المرن للسلطات ( ) .
في الواقع أن استقلالية البرلمان من حيث المبدأ تؤكدها العديد من النصوص الدستورية في النظامين الجزائري و التونسي، على الأقل من من الناحية النظرية فهما إعتبراها سلطة قائمة ( )، لكن هنالك هوة عميقة بين تبني نظرية الفصل بين السلطات و بين التطبيق الدستوري، ففي الجزائر يرى بعض الدارسين أ ن هناك استحالة على أية غرفة من البرلمان بوضع نظامها الداخلي بمفردها، حيث تقحم الحكومة نفسها في ذلك و تحاول بشكل أو بآخر التأثير على إرادة الأغلبية ( )، فتطور الأنظمة حول العالم أدى إلى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية التي تتحول شيئا فشيئا، وتتضاءل كسلطة، فقد أكدت دراسة أجراها أحد الباحثين الجزائريين عن التجربة البرلمانية في الجزائر في الفترة الممتدة من 97 إلى 2001 ، أنه في تلك الفترة اتضحت تبعية السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية حيث كان البرلمان مرتبطا بتوجهات صناع القرار في الرئاسة
وربما ذلك لا يعود بالدرجة الأولى إلى خوف النواب من الحل ( ).
إن مبدأ الفصل بين السلطات في الجزائرو تونس يتميز بالهشاشة ، بل إنه لم يعد موجودا في الواقع بين مؤسسات الدولة، لأن من رأينا عدم اكتفاء المؤسس الدستوري بصورة واحدة لحل المجلس الشعبي الوطني في الجزائر، و تركيز السلطة في يد الرئيس التونسي، يزيد في هيمنة الجهاز التنفيذي على السلطة التشريعية، فليس هناك عدالة أو مساواة بين السلطتين من حيث تحمل آثارالحل أوغيره، ولم يشفع للغرفة الأولى أنها المجلس الذي اختاره الشعب ليمثله، ومن المفروض أن الحكومة ذاتها تتشكل في الجزء الأكبر منها من اتجاه الأغلبية في هذا المجلس، ثم ما الذي يعطي لرئيس الجمهورية حتى ولو كان هو أيضا منتخبا من الشعب الحق في حل الهيئة التي اختارها الشعب لتمثله في مؤسسات الدولة و ذلك بمجرد توقيع، فأين هي قاعدة توازي الأشكال ؟ قد يقول البعض أن الأمر ليس بهذه السهولة، لكنه بهذه السهولة و الدليل من الواقع، حيث لم نسمع بتدخل أية هيئة دستورية أو غير دستورية بإعلان عدم دستورية الحل الذي أجري في 1992 في الجزائر و الذي أغرق البلاد في أزمات سياسية و اقتصادية واجتماعية لازالت آثارها إلى اليوم، و من جهة أخرى نجد المؤسس الدستوري التونسي لازال يتخبط في تعديلات الدستور ذي الـ46 عاما التي لا حصر لها و التي تقترب من تعد يلات الدستور الأمريكي الذي مر عليه أكثر من قرنين من الزمن .
لا شك أن الحل منطقيا يعد خروجا على مبدأ الفصل بين السلطات، هذا إذا ما اعتمدنا عل الفصل الجامد أو المطلق الذي صيغت على أساسه العديد من الدساتير وعلى رأسها الدستور الأمريكي، ولكن و كما يعلم أهل الاختصاص أن الفصل المطلق لا يمكن له إلا أن يؤدي إلى شلل النظام السياسي، و الدستور الأمريكي نفسه تبنى العديد من الآليات التي تؤثر بها كل سلطة على الأخرى و إن كان لم يتبنى حق الحل ، لكننا إذا رجعنا إلى النظام البرلماني التقليدي لذي نشأ الحل في ظله بل كان في يوم ما معيارا له، نجده هو الذي استلهم منه المفكر المعروف " مونتسكيو" المنظر الأكبر لفكرة الفصل بين السلطات، وقد أكد العديد من الدارسين و سبق الاشارة إلى البعض منهم، أن هذا المفكر كان يقصد الفصل المرن للسلطات المبني على العديد من مظاهر التعاون و التأثير، لكننا عندما نقارن بين هذا المفهوم للفصل بين السلطات ،وذلك الموجود في النظامين الجزائري و التونسي، فإننا نكاد نجزم بأن هناك اختلاف كبير بينهما، لأن الفصل المرن بين السلطات في النظام البرلماني نجح في إقامة التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية بجعله الهيئتين في مرتبة واحدة من حيث الإسقاط و الحجب، في حين كرس حق الحل في النظامين محل الدراسة بشكل أخضع السلطة التشريعية ، وجعلها مهددة بالسقوط بشكل دائم .
ربما يعتقد البعض أن المؤسس الدستوري في البلدين يقلد المؤسس الدستوري الفرنسي بدون قصد، لكنه في الحقيقة يقوم بعملية انتقائية ، فيأخذ ما يناسب رئيس الجمهورية و يقويه، و يستبعد ما يضعفه و يجعله موضع مسؤولية و هذا ليس جديدا عليهما .
الفرع الثاني : الحل و الديمقراطية
يتردد حق الحل بكونه ديمقراطيا وغيرديمقراطي ، حيث يرى الدكتور إبراهيمي أن الحل يمكن أن يكون موضوع استعمال مخالف للنظام التمثيلي و يمكن اللجوء إليه كسلاح حرب ضد الديمقراطية، مثلما يمكن أن يكون أداة للتحكيم الشعبي و الديمقراطية شبه المباشرة بإعطائه الكلمة للشعب( ) .
1- الطابع الديمقراطي للحل : يظهرالطابع الديمقراطي للحل من خلال استدعاء الهيئة الناخبة ، عقب إجراء الحل ،فهو إجراء يقحم الشعب لتحكيم رأيه في نزاع بين المؤسسات ( ) و يصبح النواب تحت الرقابة الشعبية، وفي هذا تشبيه للحل بالاستفتاء بل يتجاوزه كونه يعيد النظر في الفترة النيابية للنواب، فيظهر الحل على أنه آلية للديمقراطية شبه المباشرة، تسمح بالكشف عن مدى الانسجام بين إرادة الشعب و ممثليه ( ) .
2- الطابع غير الديمقراطي للحل : يظهر ذلك من خلال :
- التعسف في استعماله يؤدي إلى مخاطر على الإرادة الشعبية، فالبعض يرى أن الرأي العام في الجزائر- كما في تونس- غير ناضج سياسيا و غير مطلع على حقيقة الصراعات السياسية، فقد يستعمل الحل مثل الاستفتاء لحصاد الموافقة الشعبية على قرارات السلطة و سياستها ( ) .


- طريقة توزيع السلطة في دستوري الدولتين، الجزائر و تونس، يمنح رئيس الجمهورية حق اختيار رئيس الحكومة ( ) من بين الأغلبية البرلمانية، فإذا كانا من اتجاهين مختلفين ، يمكن تصور أن يلجأ رئيس الجمهورية للحل كإجراء ضد البرلمان عندما لا يوفر له فرصة تنفيذ البرنامج الرئاسي، أو بسبب أي خلاف مع رئيس الحكومة، و رغبة منه في التخلص منه ومن الأغلبية البرلمانية.
-التعددية الحزبية و التي حتى لو تصورنا أنها أصبحت فعلية ، قد تؤدي إلى نوع من الضعف البرلماني مما يمكن رئيس الجمهورية من الهيمنة على المجلس الشعبي الوطني بصفة أكبر و يمكنه من حله حتى و إن كان ذلك لغير سبب جدي ، إلا بإرادة منه ( ).
– طريقة استعمال الحل تبين أن رئيس الجمهورية يمكن أن يكون حكما غير محايد ، فبإمكانه استعمال الحل عقب ملتمس رقابة ناجح أو التلويح به ضد المجلس حتى لا تسقط الحكومة ( ) . -ينتقد بعض الفقه حق الحل و يعتبره مناف لمبدأ سيادة الأمة ، و يتعارض مع مفهوم الحكومة التمثيلية ( ) ،حيث يرى : “Carré De Malberg “ أن الحكومة التمثيلية تهدف إلى إبعاد إرادة الشعب عن التقرير، و خارج الانتخابات لا يستطيع المشاركة في القرارات السياسية، فذلك معهود به لممثليه، و حق الحل الذي يثير الانتخابات يتعارض مع هذا المفهوم .
بالرغم من أن الأثر المباشر للحل هو إجراء الانتخابات، و بالتالي إقحام الهيئة الناخبة واستفزازها لتقول كلمتها حول مسألة معينة، وهذا ما يرى فيه البعض تعزيزا للديمقراطية، إلا أننا نرى أن هذا الطابع الديمقراطي لا يمكن أن ننسبه للحل في حد ذاته بل يجب أن ننسبه لأحد آثاره المباشرة، وحتى إن كان الأمر كذلك فقد سبق و رأينا أن كل الإمكانيات متاحة للسلطة التنفيذية في توجيه الهيئة الناخبة لصالحها، لا يمكن أن يكون الحل بالصور والإجراءات التي رأيناها ديمقراطيا لأن الحكم الديمقراطي يفيد أن الشعب مصدر كل سلطة، و له الحق في مساءلة و محاسبة حكامه وعزلهم، وتلك هي المسؤولية السياسية، و هذه هي علامة دولة القانون ( ).
إن المراجعة الدستورية ملحة في هذا الإطار، لكنها لا تكفي ، فمثلما يطالب القاضي العادل أن يكمل نقص النصوص بعدله، فكذلك السلطة الأقوى مطالبة بإدراك تعثر المؤسس الدستوري في إقامة التوازن بين السلطات، لأن الشعب عندما يحس يوما الاستخفاف بالمجلس الذي ينتخبه من طرف السلطة، فإن ذلك اليوم حتما هو الذي تفقد فيه تلك السلطة مصداقيتها، بل و مشروعيتها ، والنواب كذلك مطالبين بأن يكونوا أوفياء لناخبيهم قبل أحزابهم لأنهم هم من أوصلوهم إلى البرلمان، و إذا كانت النصوص تصب في إضعاف الهيئة التشريعية، فإن ذلك أبدا ليس مبررا للاستسلام والتخلي عن الدور المنتظر من نواب المجلس ( ) الذي أصبح محل انتقاد بسبب ظاهرة التغيب البرلماني ( ) .
أخيرا و ليس آخرا فكل سلطة سياسية تمارسها أي مؤسسة دستورية في الدولة، تقابلها مسؤولية سياسية عنها، وخارج هذا الإطار فإن النظام الدستوري يكون غير ديمقراطي ( ).

نتائـج
من خلال دراستنا لآثار الحل في النظامين التونسي و الجزائري لاحظنا بعض التشابه في الآثار القانونية مع بعض الاختلاف في التفاصيل .
أولا : بالنسبة للسلطة التشريعية :
- في كلى النظامين يترتب عن الحل ذات الآثار بالنسبة للسلطة التشريعية في النظامين تقريبا، إذ يؤدي الحل إلى إنهاء الفترة النيابية للمجلس المنتخب قبل أوانها ، و تسقط بذلك صفة العضوية عن النواب و يتقرر إجراء إنتخابات تشريعية قبل أوانها .
- ينص الدستور الجزائري على أجل ثلاثة أشهر لانتخاب المجلس الجديد وهي فترة طويلة نسبيا مقارنة بما قرره الدستورالتونسي الذي حدد هذه الفترة بثلاثين يوما وهي مدة لا بأس بها لعدم ترك المجلس النيابي شاغرا و عدم تعطيل مهامه التشريعية و الرقابية .
- قرر المؤسس الدستوري التونسي اجتماع المجلس الجديد بعد إجراء الحل وما ينتج عنه من إنتخابات مسبقة في ظرف ثمانية أيام بعد الاعلان عن نتائج الاقتراع و ذلك في نفس الفصل الذي يتحدث عن الحل (الفصل 63) ، بالتالي ميز المؤسس التونسي بين أول اجتماع للمجلس المنتخب عقب الحل، وبين اجتماع المجلس المنتخب في أوانه والذي حدده الفصل 29 من الدستور التونسي "خلال الخمسة عشر يوما الموالية لانتخابه" ، أما المؤسس الدستوري الجزائري فقد نظم هذا الأمر في مادة مستقلة تتحدث عن بداية الفترة التشريعية التي تكون في اليوم العاشر الموالي لتاريخ انتخاب المجلس الشعبي الوطني، وهذا سواء كانت الانتخابات التشريعية تتم في ميعادها أو كانت مسبقة.
- في كلى النظامين تصبح الغرفة الاولى من البرلمان في حالة شغور عقب الحل مما ينتج عنه تعطيل دورها التشريعي الذي يمتد إلى الغرفة الثانية و ينتقل إلى السلطة التنفيذية و رئيس الجمهورية تحديدا ، بينما يتجمد الدور الرقابي للغرفة الأولى تماما، حيث لم يعتمد أي من النظامين أسلوبا للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة أثناء فترة الحل، وهذا ما يعد نقيصة في النظامين ينبغي تداركها .
ثانيا : بالنسبة للسلطة التنفيذية
1- بالنسبة الحكومة
جراء الحل الرئاسي في النظام التونسي يسمح للحكومة بالبقاء، و هذا ما نص عليه الفصل 63 من الدستور التونسي الذي يخير رئيس الجمهورية بين حل مجلس النواب أو قبول استقالة الحكومة، أما إذا استعمل رئيس الجمهورية المنتخب على إثر حالة الشغورلسلطته في حل المجلس النيابي طبقا للفصل 57، لم يشر المشرع التونسي إلى مصير الحكومة التي يجرى في ظلها الحل، لكن في غالب الأحيان أنها تستمر إلى غاية انتخاب مجلس النواب الجديد، أي لمدة شهر على أكثر تقدير، حتى تشرف على الانتخابات التشريعية ونعتقد أنه سوف يقيلها بعد ذلك، و يعين أخرى وفقا لما أفرزته الانتخابات التشريعية المسبقة من أغلبية.
أما في النظام الدستوري الجزائري، ففي حالة حدوث الحل التلقائي فقد رأينا ان الحكومة تستمر في القيام بالأعمال العادية إلى غاية انتخاب المجلس الشعبي الوطني أي لمدة ثلاثة أشهر على الاقل، أما إذا استعمل رئيس الجمهورية الجزائري سلطته في الحل الرئاسي فهنا قد تستمر الحكومة، خاصة إذا كان استعمال رئيس الجمهورية لحق الحل قد تم خارج إطار المادة 84/5 من الدستور، لأنه في هذه الحالة تظل الحكومة بصفة مؤقتة فقط ، لكن بالرجوع إلى المألوف في جميع الأنظمة، فانتخاب المجلس الجديد يفرز حكومة جديدة تراعى في تشكيلها الأغلبية البرلمانية .
2- بالنسبة رئيس الجمهورية
بالنسبة للآثار التي تنجم عن الحل بالنسبة لرئيس الجمهورية، فقد خوله كل من النظامين الجزائري و التونسي حق التشريع في فترة الحل و التي تختلف في النظامين كما سبق و رأينا من حيث المدة، و قد لاحظنا كذلك أن المؤسس الدستوري التونسي فرق بين التشريع الذي يصدره رئيس الجمهورية خلال فترة الحل، و ذلك الذي يجريه بين دورتي البرلمان و أثناء تفويض البرلمان له بالتشريع من حيث المصادقة على الأول (أي التشريع ) من طرف غرفتي البرلمان ، وخضوع الآخرين لمصادقة الغرفة الأولى دون الثانية حسب الحالة ، في حين لم يميز الدستور الجزائري بين تشريع رئيس الجمهورية بين دورتي البرلمان و في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني كحالة حله .
-لا تقتصر آثار الحل بالنسبة لرئيس الجمهورية عما سبق ذكره ، فإلى جانب الأثر القانوني هناك أثر سياسي، يتمثل في إمكانية تعرض رئيس الجمهورية للمسئولية السياسية .
يعفي كل من المؤسس الدستوري الجزائري و نظيره التونسي رئيس الجمهورية من المسؤولية السياسية التي تقع على الحكومة، و قد كانت لنا مناسبة تعرضنا فيها إلى إجماع الفقه في كلى البلدين بل حتى في أنظمة مقارنة حول التناقض الذي وقع فيه النظامان من حيث إعطائهما لرئيس الجمهورية صلاحيات جد واسعة و خطيرة، أهمها حقه في حل الغرفة الأولى و ذلك دون أن يعرضه إلى أية مسئولية سياسية على الأقل من الناحية النظرية، لكن هناك عدة مناسبات يمكن من خلالها إثارة هذه المسئولية كالاستفتاء، والانتخابات الرئاسية، لكنها تبرز بشكل أفضل على خلفية حل الرئيس للمجلس النيابي، فهناك إمكانية إثارة مسؤولية رئيس الجمهورية السياسية أمام الشعب الذي انتخبه، وذلك عندما تعيد الهيئة الناخبة ذات الأغلبية التي كانت تشكل المجلس المنحل، لذلك نعتقد أن مثل هذه المسئولية تعد أهم وسيلة تجبر رئيس الجمهورية على التروي، و عدم تعريض نفسه لمخاطر المواجهة مع المجلس الذي تخلص منه و هنا يصبح أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن يستقيل و ينسحب من الساحة السياسية، أو يقبل بالتعايش مع المجلس الذي سوف يضعه تحت المجه، و ينتهز حساسية موقفه للإطاحة به عند أقرب فرصة .
إن نتائج الحل لا تتوقف على المعطيات القانونية وحدها، بقدرما تتوقف على المعطيات السياسية و التي تختلف حتما من بلد لآخر، حتى في ظل التشابه في الأحكام الدستورية، وقد أشرنا مرارا إلى أن تلك المعطيات لا يمكن للنصوص الدستورية أن تتحكم فيها و تضبطها مهما كانت دقتها و جمودها .
إن الأثر المباشرللحل هو إعادة ترتيب القوى السياسية في البلاد ، أما عن حل الخلاف بين السلطات و الذي قد يكون المبرر الرئيسي للحل فإن ذلك لا يتحقق بصفة آلية، فقد يزداد الخلاف أو يستمر حتى بعد إجراء الحل، فنجاح استعمال آلية الحل أو حق الحل مرهون بالوقت الذي يختاره رئيس الجمهورية لإجرائه و كذلك الاطار السياسي و القانوني الذي يتم فيه .
-ثالثا :بالنسبة لآثار الحل على مبدأي الفصل بين السلطات و الديمقراطية
مبدأ الفصل بين السلطات تبناه كل من النظامين وقد سبق بيان ذلك، لكن يبدو من الظاهر اختلافهما من حيث طبيعة هذا الفصل، فقد رأينا أن المؤسس التونسي كان ولازال يؤكد على الطبيعة الرئاسية للنظام التونسي و هذا ما لمسناه عند دراستنا لحق الحل في هذا النظام و طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية القائمة على شخص رئيس الجمهورية، و الهيئة التشريعية التي عزز إدراج حق الحل في الدستور التونسي من إخضاعها، و قد رأينا أنه حتى الرقابة التي يمارسها مجلس النواب على الحكومة قد أفرغت من محتواها، و قد زادتنا قناعة أن الفصل بين السلطات في النظام التونسي يكاد يختفي ، فهناك تركيز للسلطات الفاعلة و ليس توزيعا حتى، أما في النظام الجزائري فرغم وجود رقابة برلمانية بالمفهوم الموجود في العديد من الأنظمة التي عادة ما يستلهم منها المؤسس الدستوري الجزائري، إلا أننا رأينا ضعفها و قلة فاعليتها وهذا يشكل إلى جانب الحل مساس بمبدأ الفصل بين السلطات، لأنه لا يكفي أن يكون هناك فصل وظيفي و إن كنا نتحفظ على وجوده الفعلي، يجب أن يكون هنالك فصل عضوي أيضا يحمي البرلمان و حتى إن لم يتحقق في ظل وجود آلية الحل ، فعلى الأقل يجب إحاطته ( أي الحل ) بكافة الضمانات التي تمنع سوء استعماله .
إننا ندرك تماما أن ضعف السلطة التشريعية و بالأخص المجلس المنتخب من الشعب لا يرجع كلية للحل الذي يشكل تهديدا دائما للنواب، إن الخوف الذي يسيطر على النواب من فقدان الامتيازات والناصب، جعلهم ينسون تماما الشعب الذي الذي أوصلهم إليها، و أنهم يستمدون شرعيتهم منه وحده، فطالما كانوا عند حسن ظن الناخبين، فلن يؤثر الحل على مستقبلهم النيابي، و سيعيدهم الشعب إلى المجلس .
الواقع أن الفصل بين السلطات ليس القصد منه بناء حائط من زجاج بينها ، إنما الهدف منه هو توزيع الاختصاصات بين الهيئات بشكل مناسب لتحقيق طموحات و مطالب الشعب، و المبررات التي يسوقها العديد من الدارسين لتغليب السلطة التنفيذية في دول كالجزائر وتونس بدعوى أنها تخطو خطواتها الأولى نحو الديمقراطية التي تتطلب أدوارا انتقالية لم تعد تجدي، لأن أغلب الأنظمة في العالم تعيش أزمات حقيقية و تأتي في مقدمتها الدول العربية، و التي يجب أن تراجع حساباتها والعديد من نصوصها الدستورية، وتعيد صياغتها بما يكفل التوازن بين السلطات ، وتناسب السلطة مع المسؤولية .
لقد أكد العديد من الدارسين أن الحل يتأرجح ةبين كونه ديمقراطيا و غير ديمقراطي ، و يظهر الطابع الديمقراطي للحل بسبب استفزازه للهيئة الناخبة فهو بذلك يعيد الكلمة للشعب ، أما طابعه غير الديمقراطي فيتمثل في كونه يضع حدا للهيئة التي تمثل الشعب في مؤسسات الدولة ، و ذلك بقرار إنفرادي، يخرج عن قاعدة توازي الأشكال ، لذا فإن الكفة ترجح لصالح عدم تماشي الحل مع الديمقراطية إلا إذا أعاد النظامان سلطة تقرير الحل للشعب عن طريق الاستفتاء .


















الخاتمـــة
لقد حاولنا في هذا البحث أن تكون آلية الحل، وسيلة للإطلاع على النظامين الجزائري والتونسي المتقاربين جغرافيا، المختلفين دستوريا طبعا و خصوصا فيما يتعلق بمسألة حل البرلمان.
خصصنا الفصل الأول من بحثنا لدراسة تعريف الحل والمبررات التي يقترحها الفقه لممارسة هذا الحق، ثم مختلف الصور التي يأخذها في النظامين الدستوريين الجزائري والتونسي.
بالنسبة للمبررات، رأينا أن الفقه قديما و حديثا، رأى في الحل آلية ضرورية لتحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية باعتباره وسيلة ممتازة لحفظ الاستقرار الحكومي وحل الخلاف بين تلك السلطتين، كما أن حل البرلمان يعد مبررا هاما للبحث عن أغلبية برلمانية تمكن رئيس الجمهورية من تحقيق حالة الانسجام بين السلطتين، وقد رأينا كيف أن الفقه التقليدي كان يربط بين النظام البرلماني وحق الحل، حيث اعتبر هذا الأخير في وقت ما معيارا لهذا النظام لكن الفقه الحديث استبعده و تبنى المسؤولية السياسية، وقد رأينا أيضا كيف أخذت العديد من الأنظمة بلية الحل والمسؤولية السياسية، دون أن تكون من الأنظمة البرلمانية، كالنظامين الجزائري والتونسي .
عرف النظام الدستوري الجزائري حق الحل في جميع دساتيره وفي النظام الحالي هنالك صورتين للحل : الحل التلقائي أو الوجوبي والحل الرئاسي.
في حين يعرف النظام التونسي صورة واحدة للحل و هي الحل الرئاسي الذي يثار في مناسبتين إثنتين، وبذلك يشترك النظامان في صورة الحل الرئاسي في حين ينفرد النظام الجزائري بالحل التلقائي.
الحل الرئاسي في النظام الجزائري تناولته المادة 129 من الدستور، ويسميه بعض الدارسين الحل الإرادي، وسمي كذلك، لأن السلطة التقديرية والتقريرية لحل المجلس الشعبي الوطني بيد رئيس الجمهورية، ولم يورد المؤسس الدستوري أي مناسبة للحل الرئاسي إلا حالة رفض المجلس الشعبي الوطني التصويت على طلب الثقة الذي تطلبه الحكومة بعد عرضها لبيان السياسة العامة السنوي، حيث قرر المؤسس الدستوري لرئيس الجمهورية جواز حل المجلس الشعبي الوطني طبقا للمادة 84 من الدستور، كما يمكنه استعمال هذه السلطة في أي وقت آخر يراه مناسبا.
أما المؤسس الدستوري التونسي فقد رأينا أنه اتجه في البداية إلى استبعاد أية آليات للتأثير بين السلطتين في سعي منه لتكريس الفصل الجامد بين السلطات وفي الواقع أنها كانت مجتمعة في يد واحدة، هي يد الرئيس الراحل بورقيبة الذي كانت بصماته واضحة على الدستور التونسي، وعقب أزمة سياسية و اجتماعية عام 1976 انفتح النظام التونسي على التعددية السياسية، و أدخل بعض الميكانيزمات البرلمانية على النظام الدستوري للتخفيف من تركيز النظام، حيث ظهر حل البرلمان حينها في الدستور التونسي، عند تصويت المجلس المنتخب عل لائحة لوم ثانية، و يترتب عنه استقالة رئيس الجمهورية، لكن تعديل 1988 أضاف صورة أخرى للحل وهو ذلك الذي يباشره رئيس الجمهورية المنتخب جديدا بعد حالة الشغور في منصب الرئاسة، مع إلغاء استقالة الرئيس كأثر لحل البرلمان، و حاليا يعرف النظام الدستوري التونسي الحل الرئاسي فقط والذي يثار في مناسبتين فقط : الأولى عند انتخاب رئيس الجمهورية الجديد إثر شغور في منصب الرئاسة وقد نص عليه الفصل 57 من الدستور التونسي وهو يعود للسلطة التقديرية للرئيس الجديد، وقد رأينا فيه أنه من قبيل البحث عن أغلبية برلمانية تمكن الرئيس من تنفيذ سياسته.
أما المناسبة الثانية التي يمكن أن يثار الحل فيها، هي تصويت مجلس النواب التونسي على لائحة لوم ثانية وفي نفس المدة النيابية ضد الحكومة، و قد نص عليها الفصل 63 من الدستور، وقد رأينا من خلال تحليل النصوص أن الرقابة التي يمارسها مجلس النواب تختلف عن الرقابة البرلمانية المعروفة في باقي الأنظمة، فمجلس النواب يراقب مدى تطبيق الحكومة للسياسة التي يرسمها رئيس الجمهورية، وقد كان المؤسس الدستوري التونسي في هذه النقطة بالذات أكثر صراحة من مثيله الجزائري الذي أراد إبعاد رئيس الجمهورية عن العلاقات المباشرة للبرلمان مع الحكومة، لكنه صنع منه الرجل الوحيد في السلطة التنفيذية وهي نفس المكانة التي يتمتع بها الرئيس التونسي هذا بالرغم مما يبدو من ازدواجية في السلطة التنفيذية في النظام الجزائري.
سجلنا اشتراك النظامين في العديد من خصائص الحل الرئاسي، ككونه سلطة خاصة و تقديرية لرئيس الجمهورية، و تحفظنا على الطابع التحكيمي للحل الرئاسي في النظامين، و لحظنا تشابها في الوظائف التي يؤديها الحل الرئاسي من حيث اعتباره أداة لإخضاع المجلس النيابي، وفي آن واحد وسيلة لتعزيز مكانة رئيس الجمهورية و من ورائه السلطة التنفيذية ، طبعا مع وجود بعض الاختلافات التي أشرنا إليها في موضعها.
الحل التلقائي الذي ينفرد به النظام الجزائري وهو المترتب عن رفض المجلس الشعبي الوطني لبرنامج الحكومة للمرة الثانية، نصت عليه المادة 82 من الدستور، وقد رأينا أن النصوص الدستورية تتجه إلى استبعاده، و الحل التلقائي يؤدي وظيفة مزدوجة، إذ يظهر كأداة ممتازة لحفظ الاستقرار الحكومي، ووسيلة أيضا لإضعاف المجلس الشعبي الوطني و تكريس تفوق السلطة التنفيذية، وقد أبدينا عدم توفيق المؤسس الدستوري الجزائري في ضبط الحل بصورتيه إذ لم يقيد تكراره بالمرة وهذا يشكل فجوة كبيرة تسمح بسوء استعماله، وما يعزز هذا الرأي هو السلطة المطلقة لرئيس الجمهورية في تقرير الحل، و حتى الاستشارة المنصوص عليها في المادة 129 من الدستور ليست في مستوى الحدث، سواء من حيث الجهات المستشارة أو من حيث انعدام أي أثر قانوني لها، و قرار الحل يصدر في مرسوم رئاسي خال من التسبيب بالرغم من خطورته وبذلك يضاف الحل الرئاسي إلى الحل التلقائي من حيث تأثيره السلبي على المجلس الشعبي الوطني، وإضعافه وتقليص دوره الرقابي من خلال جعل الحل تهديدا دائما للنواب.
مما سبق يتضح جليا أنه رغم اختلاف النظامين حول صور الحل، إلا أنها تكاد تشترك في الخصائص نفسها و تأديتها للوظائف ذاتها، ليظهر حل البرلمان ليس عاجزا فقط عن إقامة التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل أصبح دون أدنى شك السلاح الأكثر خطورة ضد هذه الأخيرة، لأنه يكرس تفوق السلطة التنفيذية و بالتحديد رئيس الجمهورية .
نسجل للمؤسس التونسي أنه حصر إمكانية استعمال الرئيس لحق الحل في المناسبتين اللتين ذكرناهما، في حين فتح المؤسس الدستوري الجزائري الباب واسعا لتكرار الحل بصورتيه .
تختلف الإجراءات بين النظامين فيما يخص الحل، حيث فرض المؤسس الدستوري الجزائري على رئيس الجمهورية استشارة بعض الشخصيات قبل إصدار مرسوم الحل دون أن تكون لتلك الاستشارة أية آثار تذكر، أما المؤسس الدستوري التونسي فقد استغنى عن تلك الاستشارة منذ تعديل 1988 ليكون للمرة الثانية أكثر صراحة من حيث إطلاق يد الرئيس في تقرير الحل الذي يصدر بمرسوم رئاسي خال من التوقيع المصاحب الذي لم يتبناه أي من النظامين تعزيزا لمكانة رئيس الجمهورية و انفراده بتقرير الحل، وقد عرفنا أن قرار الحل يفلت من الرقابة القضائية، لكن يمكن الطعن فيه بعدم الدستورية فقط من رئيس الغرفة الثانية للبرلمان في الجزائر، أما في تونس فإن حق إخطار المجلس الدستوري هو حصريا لرئيس الجمهورية دون سواه، مع العلم أن المجلس الدستوري التونسي لا ينظر في دستورية الأعمال ذات الطابع التنفيذي.
سجلنا كذلك للمؤسس الدستوري التونسي اهتمامه وحرصه الشديد عل عدم استعمال الحل في الحالة الاستثنائية بصريح النص، في الوقت الذي ترك فيه المؤسس الدستوري هذه المسألة مثار جدل، لكن بالرغم من ذلك وفق كلاهما في منع تفويض سلطة الحل، وحظرا استعمالها في حالة شغور الرئاسة سواء مؤقتا أو نهائيا.
استعمال رئيس الجمهورية في كلى النظامين لحقه في حل البرلمان يكاد يرتب ذات الآثار من حيث مستقبل السلطتين، مع التباين في المدة المخصصة لإجراء الانتخابات التشريعية المسبقة والتي اعتبرنا أن المؤسس التونسي كان أكثر حرصا على تقصير فترة شغور المجلس المنتخب، حيث يتولى في تلك الفترة رئيس الجمهورية في النظامين مهمة التشريع .
أما الأثر الأكثر إثارة لحل البرلمان، و الذي لم تتناوله النصوص الدستورية في النظامين، هو إمكانية إثارة المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية أمام الشعب في حالة انتخابه لذات المجلس المنحل، وهي المسؤولية التي أراد المؤسس الدستوري في كلى النظامين إبعاده عنها عبر جعل الحكومة كبش فداء، وكما قال أحد الدارسين " رئيس يمارس السلطة و حكومة وحدها تتلقى الطلقات ".
بالنسبة لآثار الحل على مبدأ الفصل بين السلطات فقد رأينا أن الحل في النظامين الجزائري والتونسي و بالشكل الذي هو عليه اليوم لا يعد فقط مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي تبناه المشرعين الدستوريين، بل إنه أداة تخضع السلطة التشريعية التي تكاد تختفي كسلطة، و بالرغم من عدم استعمال الحل مطلقا في النظام التونسي و استعماله مرة واحدة في التاريخ الجزائري، إلا أن مجرد وجود هذه الآلية ضمن مجموعة الآليات التي تشكل النظام الدستوري في البلدين والتي في إطارها وحدها يمكننا فهم الحل، يشكل انتقاصا لمبدأ الفصل بين السلطات، ودون مراجعة شاملة للنصوص التي تنظم العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لا مجال للحديث عن الطابع الديمقراطي للحل بسبب اللجوء للهيئة الناخبة على إثره، لأن الرأي العام في أقوى الدول يمكن توجيهه في أي اتجاه فما بالك بشعوب منطقتنا.
يجمع الفقه على ضرورة حق الحل في الأنظمة التي تتبنى التعددية السياسية حتى تتمكن هذه الأنظمة من تجاوز الأزمات التي قد يخلقها انقسام المجالس المنتخبة، لتتدخل هذه الألية لحل الخلافات، و إقامة التوازن، وإيجاد أغلبية مريحة تعزز الانسجام بين المؤسسات الدستورية، بفضل تمكينه من إقامة حكومة الأغلبية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي، لكن لأسف الشديد أن الأنظمة العربية بصفة عامة تتبنى مفهوما للديمقراطية خاص بها وحدها، بعيدا عن كل خصائص ومميزات الديمقراطية في الأنظمة الغربية وعلى رأسها فكرة التداول على السلطة واحترام إرادة الشعوب، ونريد أن ننبه هنا أن الأنظمة في منطقتنا العربية ليست مطالبة بتبني المفاهيم السائدة في الديمقراطيات الغربية، لأنه بالرغم مما تدعيه هذه الأنظمة من أن الديمقراطية عندها مبنية على حكومة الأغلبية، فقد أكدت العديد من الدراسات كما أشار الأستاذ نصرالدين غزالي، أن هذه الأغلبية ليست حقيقية، بل مفبركة منهجيا، فطريقة الانتخاب التي يظهر فيها التمييز الثقافي والسياسي، وقوة المال وسيطرة النخبة و تحكمها في كل دواليب النظام السياسي، والقرار السياسي هو قرارها، فهذه الصورة الحقيقية للديمقراطية الغربية عموما- باستثناء بعض الأنظمة التي أدركت أن الشعب مصدر كل سلطة - سارت على المبدأ الذي سهل عليها الحصول على النصاب المطلوب للإطاحة بالحكومة.
إن النظامين الجزائري والتونسي بالرغم من الاختلافات التي رأيناها بينهما، إلا أنهما مؤكدا يدوران في فلك واحد، هو فلك الأنظمة الرئاسوية المطالبة بالاصلاح، وهذا لن يتحقق إلا بالتعديل الدستوري باتجاه إقامة التوازن بين السلطات الثلاث في الدولة وتوزيع الصلاحيات والاختصاصات بشكل يحقق العدالة والاستقلالية بينها، وهذا أيضا لن يتحقق إلا إذا تم ضبط آلية الحل، فنحن لا نطالب بإلغائها، فهي ضرورية من حيث المبدأ والانتقادات التي وجهناها إنما كانت لطريقة إدراجها في النظام الدستوري ومن هنا نقترح:
أولا - بالنسبة للنظام الدستوري الجزائري :
1- من حيث صور الحل :
- تعديل المواد المتعلقة برقابة المجلس الشعبي الوطني على برنامج الحكومة من حيث إلزامها بالملاحظات التي يبديها المجلس بخصوص البرنامج، حتى لا يضطر المجلس إلى رفض البرنامج ثانية و بالتالي حله، أو الإبقاء على صورة واحدة للحل، وهي صورة الحل الرئاسي مع إدخال تعديلات عليها، وهي كافية لتحقيق الاستقرار الحكومي وبالتالي الاستغناء عن الحل التلقائي نظرا لمساوئه العديدة، كما أن أغلب الدساتير في العالم تعرف صورة واحدة لحل البرلمان .
-النص على إلزامية تقديم الحكومة لطلب الثقة أمام المجلس و عدم ترك هذه المسألة الهامة وفق رغبة الحكومة كما تنص المادة 84/5 .


2- من حيث الاجرءات :
- أن تتوسع دائرة الاستشارة المنصوص عليها في المادة 129 من الدستور، إلى تلك الشخصيات المشار إليها : رئيس الحكومة ورئيسي فرفتي البرلمان إضافة إلى رئيس المجلس الدستوري وكل من رئيس المحكمة العليا ومجلس الدولة باعتبارها جهات محايدة ولها من الخبرة والكفاءة التي تتطلبها الاستشارة الخاصة بالحل، وفي حالة عزم رئيس الجمهورية على الحل، يتوجه إلى الشعب مباشرة لأستفتائه، مع التقيد بنتيجة الاستفتاء وهذا احتراما لقاعدة توازي الأشكال، وكذلك لإرادة الشعب الذي انتخب المجلس، وتماشيا مع المادة 07 من الدستور وبذلك وحده يتأكد الطابع الديمقراطي للحل .
- النص دستوريا على عدم إعادة الحل في مدة معقولة في حالة إجرائه، و لتكن سنة من تاريخ إجراء الحل الأول تأسيا بالمؤسس الدستوري الفرنسي.
- أن يتم تعديل اختصاصات المجلس الدستوري لتشمل امكانية إصداره لقرار يبن مدى دستورية قرار الحل قبل إصداره لما في ذلك من حرص على مطابقته للدستور مع توسيع دائرة إخطار المجلس الدستوري لتشمل عددا معينا من البرلمانيين أو إمكانية تحرك المجلس الدستوري من تلقاء نفسه.
- أن يتم تسبيب قرار الحل نظرا لما يحمله التسبيب من فوائد بالنسبة للرئيس الذي أصدر القرار وكذلك بالنسبة للشعب الذي انتخب المجلس الشعبي الوطني.
- إدراج فكرة التوقيع المصاحب ليس في قرار الحل فحسب، بل في قرارات أخرى تخفف من حده هيمنة رئيس الجمهورية على القرار السياسي.
3- من حيث الآثار:
- تقليص المدة التي تجري فيها الانتخابات المسبقة التي تلي الحل، ولتكن من شهر إلى أربعين يوما، حتى لا يظل البرلمان معطلا لمدة طويلة بسبب الحل.
- في حالة حدوث الحل نقترح تشكيل هيئة من الأعضاء في المؤسسات الدستورية والبرلمانيين السابقين الذين يشهد لهم بالكفاءة و الحياد لممارسة الرقابة على الحكومة أثناء فترة الحل.
ثانيا : بالنسبة للنظام الدستوري التونسي
1- من حيث صور الحل:
- لا نرى فيها أية عيوب، إلا أننا نعتقد أن تخيير الرئيس بين إقالة الحكومة وحل مجلس النواب يعد إضعافا للسلطة التشريعية، و بالتاي نقترح تدارك المؤسس التونسي لإقامة التوازن بين الحكومة ومجلس النواب من حيث الاسقاط والحل.
2- من حيث الاجراءات:
- نفس الاقتراحات المقدمة للمؤسس الدستوري الجزائري، مع تدارك نظيره التونسي لعدم دستورية النظام الداخلي لمجلس النواب فيما يخص اجراءات التصويت على لائحة الثقة.
- ضرورة إدخال تعديلات على اختصاصات المجلس الدستوري لتشمل الرقابة على قرار الحل قبل صدوره مع توسيع دائرة الأخطار مثلما اقترحنا سالفا على المؤسس الدستوري الجزائري.
3-من حيث الآثار:
- نفس الاقتراحات الموجهة للمؤسس الدستوري الجزائري فيما يخص تشكيل الهيئة المؤقتة للرقابة على الحكومة.
و أخيرا نضم صوتنا إلى أصوات العديد من الدارسين ، لنلفت المؤسس الدستوري في كل من الجزائر و تونس بضرورة المراجعة الدستورية الشاملة للنصوص التي تنظم العلاقة بين السلطات الدستورية ككل، وليس فقط فيما يخص مسألة حل البرلمان، لأن التعديل الجزئي لا يجدي، فلا يكفي أن يأخذ النظامان بآليات من هنا وآليات من هناك، يجب أن يكون النظام الدستوري معبرا عن إرادة الشعب ومكرسا لها، وتكون العلاقات بين الهيئات الدستورية مبنية على أسس سليمة و قوية تمنع الانفراد بالسلطة والذي لا محالة يؤدي إلى الاستبداد، و تاريخ الأنظمة حافل بالأمثلة قديما و حديثا .










قديم 2010-12-30, 10:21   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المراجع

قائمة المراجع
-أولا : النصوص الرسمية
1-الدساتير
1- الدستور الجزائري لسنة 1963
2- الدستور الجزائري لسنة 1976
3- الدستور الجزائري لسنة 1989
4- الدستور الجزائري لسنة 1996
5- الدستور التونسي لسنة 1959 بمختلف تعديلاته.
6- الدستور الفرنسي لسنة 1958 ( الحالي ) .
2-القوانين العضوية ، القوانين ، الاوامر
1- الأمر 94/ 01 المؤرخ في 10/08/1994 المتضمن تنظيم المجلس الوطني الانتقالي و سيره.
2- الأمر 94/02 المؤرخ في 12/04/1994 المتضمن القانون الأساسي لعضو المجلس الوطني الانتقالي .
3- الأمر97/07 المؤرخ في 06/03/1997 المتضمن قانون الانتخابات .
4- القانون01/01 المؤرخ في 31/01/2001 المتعلق بعضو البرلمان .
5-القانون العضوي 99/02 يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني و مجلس الامة و عملهما و كذا العلاقات الوظيفية بينهما و بين الحكومة .
3-النصوص التنظيمية
1-المرسوم الرئاسي 92/01 المؤرخ في 04/01/1992 المتضمن حل المجلس الشعبي الوطني .
2- المرسوم الرئاسي 94/04 المؤرخ في 09/02/1992المتعلق بنشر أرضية الوفاق حول
3- المرسوم الرئاسي 92/44 المؤرخ في 09/02/1992 المتضمن تقرير حالة الطوارئ.
المرحلة الانتقالية .
4-المرسوم التنفيذي 98/04 المؤرخ في 17/01/ 1998 يحدد صلاحيات الوزير المكلف بتنظيم العلاقة مع البرلمان.
5-المرسوم التنفيذي 98/04 المؤرخ في 17/01/1998 يحدد صلاحيات الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان.
6- المرسوم 78-49 المؤرخ في 26/01/1978 المعلن لحالة الطوارئ في كافة تراب الجمهورية التونسية.
4- الأنظمة الداخلية
1- النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني المؤرخ في 30/07/2000 .
2- النظام الداخلي لمجلس الأمة المؤرخ في 28/11/2000 .
3- النظام الداخلي لمجلس النواب التونسي وفق آخر تعديل .
ثانيا المؤلفات
-أ- باللغة العربية
1. الدكتورإبراهيم أبو خزام، الوسيط في القانون الدستوري الكتاب الاول، الدساتير والدولة ونظم الحكم دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الثانية، بيروت، 2001.
2. الدكتورإبراهيم عبد العزيز شيحا، النظم السياسية والقانون الدستوري، منشأة المعارف، الاسكندرية 2000.
3. الدكتورإبراهيم عبد العزيز شيحا، النظم السياسية، الدول والحكومات، منشأة المعارف، الإسكندرية 2003.
4. الدكتورأحمد بوضياف، الهيئات الاستشارية في الادارة الجزائرية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1989
5. أندريه هوريو، القانون الدستوري و المؤسسات السياسية، الجزء الثاني، ترجمة علي مقلد، شفيق حداد، عبد الحسن سعد، الأهلية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1977.
6. أنطوان نعمة وآخرون، المنجد في اللغة العربية المعاصرة، دار المشرق، بيروت، 2000.
7. أوصديق فوزي، الوافي في شرح القانون الدستوري، الجزء الثالث، السلطات الثلاث الطبعة الاولى، د.م.ج ،1994.
8. أوصديق فوزي، الوافي في شرح القانون الدستوري، الجزء الثاني، النظرية العامة للدساتير، د.م.ج، 1994.
9. الأزهر بوعوني، الأنظمة السياسية والنظام السياسي التونسي، مركز النشر الجامعي، تونس،2002.
10. الدكتورالأمين شريط، الوجيز في القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، الطبعة الثانية د.م.ج، الجزائر، 1993.
11. البشير بوعلي، مجلس النواب، 1956-1992، مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله للنشر والتوزيع، تونس، 1993.
12. الدكتور السيد صبري، مبادئ القانون الدستوري، مكتبة خيرالله وهبة، مصر، دون سنة نشر.
13. الدكتوربوكرا ادريس، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، دار الكتاب الحديث، الجزائر 2003.
14. الدكتور بوكرا ادريس، تطورات المؤسسات الدستورية في الجزائر منذ الاستقلال من خلال الوثائق والنصوص الرسمية، القسم الأول، د.م.ج، الجزائر، 1994.
15. الدكتور بوكرا ادريس، تطور المؤسسات الدستورية في الجزائر منذ الاستقلال من خلال الوثائق والنصوص الرسمية، القسم الثاني، د.م.ج. الجزائر 1994.
16. الدكتورتيسير عواد، محاضرات في النظم السياسية المقارنة، د.م.ج، الطبعة الثانية، الجزائر، 1993
17. الدكتورجورجي شفيق ساري، أصول وأحكام القانون الدستوري، الكتاب الأول، المبادئ الأساسية للقانون الدستوري، الكتاب الثاني، نظام مصر الدستوري، الطبعة الرابعة، دار النهضة العربية، القاهرة 2002،2003.
18. جون. م. فيفرز.ب.شيروو، التنظيم الاداري، ترجمة الدكتور محمد توفيق رمزي، وخير الدين عبد القوي، مكتبة النهضة المصرية، مصر، 1965 .
19. جيرار كورنو، معجم المصطلحات القانونية، ترجمة منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت 1998.
20. الدكتورخالد سمارة الزغبي، المسؤولية السياسية، مجلة العلوم الإدارية، الشعبة المصرية للمعهد الدولي للعلوم الإدارية، دون سنة نشر.
21. رافع بن عاشور، المؤسسات و النظام السياسي بتونس ( الإطار التاريخي- النظام الحالي) مركز النشر الجامعي، تونس، 2000.
22. الدكتورزهير شكر، الوسيط في القانون الدستوري، الجزء الاول، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، النظرية العامة والدول الكبرى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، لبنان، 1994.
23. سالم كرير المرزوقي، التنظيم السياسي والإداري بالبلاد التونسية، الدار التونسية للنشر، 1991
24. الدكتورسامي جمال الدين، أصول القانون الإداري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004.
25. الدكتورسعيد بو الشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، د.م.ج، الجزائر، 1994.
26. الدكتورسعيد بو الشعير، النظام السياسي الجزائري، دار الهدى، الجزائر، 1990.
27. الدكتورسعيد بوشعير، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة، الجزء الثاني، النظم السياسية د.م.ج، الطبعة الثانية، 1994.
28. الدكتورسليمان محمد الطماوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الاسلامي، الطبعة الثالثة، دار الفكر العربي، مصر، 1974.
29. الدكتورعبد الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية مع المقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993.
30. الدكتورعبد الحميد متولي، الدكتور سعد عصفور، والدكتور محسن خليل، القانون الدستوري والنظم السياسية، منشأة المعارف، الاسكندرية، دون سنة نشر.
31. الدكتورعبد العزيز محمد سالمان، رقابة دستورية القوانين، دار الفكر العربي، مصر، 1995.
32. عبد العزيز محمد سالمان، رقابة دستورية القوانين، دار الفكر العربي، مصر، 1995.
33. الدكتورعبد الغني بسيوني عبد الله، القضاء الإداري منشأة المعارف، الاسكندرية، 1996 .
34. الدكتورعبد الغني بسيوني عبد الله، النظم السياسية، دراسة لنظرية الدولة والحكومة والحقوق والحريات العامة في الفكر الإسلامي والفكر الأوروبي، الطبعة الرابعة، منشاة لمعارف، الاسكندرية، 2002.
35. الدكتورعبد الفتاح مراد، المعجم القانوني رباعي اللغة، دون دار أو سنة نشر .
36. الدكتورعبد الله بوقفة الدستور الجزائري – نشأته، أحكامه، محدداته – دار ريحانة، الطبعة الاولى الجزائر، 2002.
37. الدكتورعبد الله بوقفة، أساليب ممارسة السلطة في النظام السياسي الجزائري، دراسة مقارنة، دار هومة، الجزائر، 2002.
38. الدكتورعبد الله بوقفة، آليات تنظيم السلطة في النظام السياسي الجزائري، دراسة مقارنة، دارهومة، الجزائر، 2003 .
39. الدكتورعبد المعز نصر، في النظريات والنظم السياسية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1981.
40. الدكتورعفيفي كامل عفيفي، الانظمة النيابية الرئيسية، نشاتها، تطورها، تطبيقاتها، دراسة تحليلية مقارنة، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2002.
41. الدكتورعمار بوضياف، المدخل للعلوم القانونية، النظرية العامة للقانون وتطبيقاتها في التشريع الجزائري، الطبعة الثانية، دار ريحانة، 1999 .
42. الدكتورعمار بوضياف، الوجيز في القانون الاداري، دار ريحانة، 1999 .
43. الدكتورمحسن خليل، القانون الدستوري والدساتير المصرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، القاهرة، 1996.
44. محمد الحبيب الشريف، دستور الجمهورية التونسية، سلسلة الميزان التشريعي، طبعة أوت 2002، دار الميزان للنشر، سوسة، تونس، 2002.
45. الدكتورمحمد الصغير بعلي، القانون الإداري، التنظيم الأداري، دار العلوم للنشر والتوزيع، 2002 .
46. الدكتورمحمد رفعت عبد الوهاب، د. حسين عثمان محمد عثمان، مبادئ القانون الإداري، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، دون سنة نشر.
47. الدكتورمحمد رفعت عبد الوهاب، د.حسين عثمان محمد عثمان، النظم السياسية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2001.
48. الدكتورمحمد رفعت عبد الوهاب، مبادئ النظم السياسية، الطبعة الرابعة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2002 .
49. الدكتورمحمد عبد المعز نصر،في النظريات و النظم السياسية،دار النهظة العربية للطباعة و النشر، بيروت، 1981.
50. الدكتورمحمود حلمي، نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالأنظمة السياسية المعاصرة، الطبعة الثانية، دار الفكر العربي، مصر، 1973.
51. الدكتورمحمود عاطف البنا، الوسيط في النظم السياسية، دار الفكر العربي، مصر، الطبعة الثانية، 1994.
52. الدكتورمصطفى عبد الجواد محمود، الأحزاب السياسية في النظام السياسي والدستوري الحديث والنظام الإسلامي، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة، 2003.
53. مهدي حسن زويلف و آخرون، التنظيم والأساليب والاستشارات الادارية، دار وائل، الأردن،1999.
54. ميشال مباي، دولة القانون، مقدمة في نقد القانون الدستوري، الطبعة الثانية، د.م.ج الجزائر، 1990.
55. ناجي البكوش، محاضرات في القانون الدستوري للسنة الأولى من الأستاذية في الحقوق، الجزء الثاني، كلية الحقوق، صفاقص، 1991- 1992.
56. الدكتورنعمان أحمد الخطيب، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1999.

ب- باللغة الفرنسية
1- Claude leclercq, Droit constitutionnel et Institutions poli-tiques,Edition Dalloz 2èm éd ,Paris,1997.
2- Dictionnaire Larousse ,Librairie Larousse, Paris 5èm, 1978.
3- Geneviève koubi et Rafaël Romi, Etat, constitution, Loi, Edition ITEC,Librerie de la Cour de cassation, Paris 1993.
4- Guilliens Raymond et Jean Vincent,Lexique des termes juridiques,5èm éd Editions Dalloz ,Paris, 1981.
5- Guilliens Raymond et Jean Vincent .Lexique des termes juridiques, 5èm éd, Edition Dalloz ,Paris 1981.
6- Hugues portelIi, cours de droit constitutionnel, Manuel daloz, 3èm édition, EditionDalloz, paris 1999.
7- Jean paul Jacque, Institutios politiques et droit Constitutionnel, Mementos daloz, 5em Edition, Paris ,2003.
8- kalfa Mameri, Reflection sur la constitution algérienne Enal,opu, éd.1976.
9- Maurice Duverger Institutions politiques et droit Constitutionnel,Les grands systèmes politiques ,Presse Universitaires de France, 1973 .
10- Nasser Eddine Ghozali ,cours de systèmes politiques comparés, les systèmes libéraux, opu, Alger 1983.
11- Pierre Albertini, Le droit de dissolution et les systèmes politiques français,Presses Universitaires De France, 1978.
12- Pierre Avril, Les Français et leur constitution,collection PH,Belgique,Casterman,1972.
13- Pierre Lalumiere et André demichel, Les régimes Parlementaires Européens, PU de France,Paris,1966.
ثالثا: الرسائل الجامعية
أ- باللغة العربية
1- إكرام بن عمر، تعديلات الدستور التونسي، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام، جامعة الوسط، كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، سوسة.
2- الأمين شريط، خصائص التطور الدستوري في الجزائر، رسالة دكتوراه، جامعة قسنطينة، 1991.
3- العلجة مناع، التعددية الحزبية في الجزائر ودورها في البناء الديمقراطي، رسالة ماجستير جامعة الجزائر، 2001/2002.
4- بن سعدي عبد الحق، التجربة البرلمانية في الجزائر، دراسة الأداء البرلماني من جوان 97 إلى اكتوبر2001، رسالة ماجستير كلية العلوم الإنسانية، قسم العلوم السياسية، جامعة الجزائر، 2001.
5- بو رايو محمد، رئيس الجمهورية في ظل دستور 76، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 1988.
6- جفال نورالدين، النظام الداخلي لغرفتي البرلمان، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 2000 /2001.
7- خلوفي خدوجة، الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في ظل دستور 96، جامعة الجزائر، 2000/2001.
8- الدكتور سعيد بوالشعير، رسالة دكتوراه بعنوان علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، جامعة الجزائر،1984.
9- شربي مراد، مفهوم السيادة في النظام السياسي الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 2004
10- صليحة مراح، التصويت بالثقة في النظام الدستوري الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر،2002/2003.
11- عاطف عاتي، الاحزاب السياسية في تونس، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة الحقوق، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 1995/1996.
12- الدكتور عبد الله بوقفة، العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في الدستور الجزائري لعام 1963، أطروحة ماجستير، جامعة الجزائر، 1997.
13- الدكتورعبد الله بوقفة، رسالة دكتوراه، العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال تطور النظام الدستوري الجزائري، جامعة الجزائر، 2001.
14- علي صغير جمال العلاقة القانونية بين رئيسي الجمهورية والحكومة في ظل دستور 96، جامعة الجزائر، 2001/2002.
15- محديد حميد، التشريع بالأوامر في دستور 96 و تأثيره على استقلالية البرلمان، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 2001 /2002.
16- محمد العايدي، دور رئيس الدولة في حل الأزمات السياسية في التجربة التونسية، دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، المملكة المغربية، جويلية 1996.
17- نزيم آسي، مكانة رئيس الجمهورية في النظام الدستوري الجزائري انطلاقا من رئاسيات 15 أفريل 1996، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، نوفمبر2003.
18- وردة بلجاني، مدى التوازن بين سلطة و مسؤولية رئيس الجمهورية الجزائري في دستور96، مذكرة ماجستير، جامعة الجزائر، 2004.
19- وسام المكي، انتخابات 24/10/99، الرئاسية و التشريعية في تونس، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام والمالي، جامعة 7 نوفمبر بقرطاج، كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية، تونس، 2000 –2001

ب- باللفة الفرنسية
1-Dr. Abdelkrim HARTANI, Le pouvoir Présidentiel dans la constitution du 0811/1996 ,Thèse de Doctorat, Université d’Alger.2003.
2- Abderrahim FATAHINE, L’apport de la constitution algérienne de 1989 L’instauration de l’état de droit, Mémoire de Magister, université D’Alger.2001/2002.
3- Mohamed Slim BEN MILED : La présidence de la République à vie, mémoire de DEA, Faculté des sciences politiques et économiques de Tunis, 1984-1985
4- Mouna KRAIM, Le principe de l’irresponsabilité du Chef de l’Etat en Droit Constitutionnel compare, Mémoire en vue d’obtention du Diplôme d`Etudes Approfondies en droit Public et Financier, Université de Tunis 3,1997.
رابعا : المقالات و البحوث المتخصصة
أ-باللغة العربية
1- إبراهيم بولحية، علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية في ظل دستور 96، الندوة الوطنية حول علاقة الحكومة بالبرلمان، الجزائر، 2003.
2- الدكتورالأمين شريط:العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بحث قدم خلال الندوة الوطنية حول علاقة الحكومة بالبرلمان، 2000.
3- الدكتورالأمين شريط، "واقع البيكاميرالية في العالم ومكانة التجربة الجزائرية فيها" الملتقى الوطني حول نظام الغرفتين في التجربة البرلمانية الجزائرية، والأنظمة المقارنة، الجزائر في 29 و30 أكتوبر 2002.
4- الدكتورالأمين شريط، عن واقع ووظيفة المسؤولية السياسية في انظمة الحكم مجلة الفكر البرلماني الصادرة عن مجلس الامة العدد 03 ، 2003.
5- العيد عاشوري، المؤسسات التشريعية منذ الاستقلال، مجلة النائب، العدد 01 ، 2003.
6- العيد عاشوري، و يوسف براهيمي، المؤسسات التشريعية منذ الاستقلال، مجلة النائب، العدد 01 2003.
7- بن مالك بشير، علاقة مجلس الأمة بالبرنامج الحكومي، الملتقى الوطني حول نظام الغرفتين، الجزائر، 2000.
8- الدكتوربوكرا إدريس، التطور الدستوري الجزائري وحالات الأزمة في الجزائر، مجلة الفكر البرلماني، العدد 07، ديسمبر 2004.
9- زغوم كمال وبوديار حسني،"علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية في دستور 1996"، الندوة الوطنية حول علاقة الحكومة بالبرلمان، الجزائر، 2003.
10- الدكتورسعيد بوالشعير، وجهة نظر قانونية حول استقالة رئيس الجمهورية بتاريخ 11/01/1992، وحل المجلس الشعبي الوطني، إدارة، مجلة تصدر عن مركز الوثائق والبحوث الإدارية كل 6 أشهر، 1993.
11- الدكتورسعيد مقدم، التجربة البرلمانية في أقطار اتحاد المغرب العربي (دراسة مقارنة بالاستئناس بالتجربة الفرنسية، الملتقى الوطني حول نظام الغرفتين في التجربة البرلمانية الجزائرية و الأنظمة المقارنة الجزائر، 2002.
12- الدكتورعادل الطبطباني، الرقابة على أعمال الحكومة خلال فترة حل البرلمان، مجلة الحقوق العدد الاول، 1991.
13- عبد القادر بن صالح، "تقديم برنامج الحكومة للبرلمان، طبيعته، دلالاته، وأساسه القانوني"، بحث بمجلة الفكر البرلماني، العدد 03، 2003.
14- الدكتورعبد القادر بن هني، "الأسس العامة لتنظيم السلطة التشريعية في دستور الولايات المتحدة الأمريكية ودستور الجزائر"، دراسة تحليلية، بحث قدم خلال الملتقى الوطني حول موضوع "إشكالية المادة 120 من دستور 1996"، يومي 06 و07 ديسمبر 2004، الجزائر.
15- الدكتورعدنان حمودي الجليل، مبدأ الفصل بين السلطات و حقيقة أفكار مونتسكيو، مجلة الحقوق الكويتية، العدد02، جوان 1985.
16- الدكتورعوابدي عمار، دور مجلس الامة في ترسيخ دولة القانون، نشريات مجلس الامة، 1998.
17- الدكتورفضيل سعد وآخرون، من أجل تطبيق سليم لمشروع تعديل الدستور، مجلة العلوم القانونية الاقتصادية والسياسية، العدد 03، 1990.
18- الدكتورمحمد أرزقي نسيب ، "بعض الملاحظات حول كيفية تصور العلاقة بين البرلمان بغرفتيه مع السلطة التنفيذية (بشقيها رئيس الجمهورية والحكومة) "، بحث قدم خلال الندوة الوطنية حول علاقة الحكومة بالبرلمان، الجزائر، 2003.
19- الدكتورمحمد ابراهيمي . حق الحل في دستور 1989 م.ع.ق.ا.س. العدد03 سنة 1993.
20- محمد مرباح، تقرير حول رسالة الدكتوراه لحرطاني امين ك، "السلطة الرئاسية في دستور نوفمبر 1996، مجلة العلوم القانونية، الاقتصادية والسياسية، العدد 01/2003.

21- مزود أحسن، الفصل بين السلطات في دستور 1996، الندوة الوطنية حول علاقة الحكومة بالبرلمان ، الجزائر، 2000.
22- مقران آيت العربي، سلسلة مقالات بعنوان، "نظرة على مجلس الامة في نهاية العهدة الاولى"، جريدة الخبر بتاريخ 14،15،17،18 يناير 2004.
23- موسى بودهان، الفصل بين السلطات في النظام القانوني الجزائري، مجلة النائب، العدد 2/2003.
24- نصر الدين بن طيفور، "الطبيعة القانونية للوثائق الدستورية الجزائرية"، مجلة العلوم القانونية الاقتصادية والسياسية، العدد 04، 2002.

ب- بالغة الفرنسية
1- Ahmed MAHIOU, Note sur la constitution Algerienne du 28/11/1996, Annuaire de l’Afrique du Nord, CNRS Edition, Paris ,1998.
2- Jean Michel Duboi et Robet Etien, l’influence de la constitution française de 1958 sur la constitution Algérienne de Novembre 1976,
مجلة العلوم القانونية، الاقتصادية والسياسية، جامعة الجزائر، العدد 1978/02.
3- Kalfat Chokri. Relation Gouvernement-Parlement ,
الندوة الوطنية حول علاقة الحكومة بالبرلمان .الجزائر،2000 .
- خامسا : الدوريات المتخصصة
أ-باللغة العربية
1- مجلة النائب الصادرة عن المجلس الشعبي الوطني العدد 02 سنة 2003.
4- مجلة الفكر البرلماني ،الصادرة عن مجلس الامة ، العدد 05سنة 2004.
5- مجلة الحياة النيابية ،الصادرة عن مجلس النواب التونسي ، العدد 47 جانفي 2002
6- مجلة الحياة النيابية عن مجلس النواب التونسي العدد48 لسنة2002 .
7- مجلة الحياة النيابية عن مجلس النواب التونسي العدد55 سنة2004 .
8- المجلة القضائية العدد 02 اسنة 1995 .
9- مجلة العلوم القانونية و الاقتصادية و السياسية ، الاعداد التالية:
• العدد 01 سنة 2003
• العدد 04 سنة 2002.
10- مجلة القانون و الاقتصاد ، العدد 01 ، سنة 1939 كلية الحقوق ، القاهرة 1939 .
ب –باللغة الفرنسية
1- Annales du droit dallez, Edition LITEC, Librerie de la Cour de cassation,Paris , 1997.
سادسا : الملتقيات
- ملتقى حول " المجلي القومي التأسيسي " نظمته الجمعية التونسية للقانون الدستوري ايام :29 ،30،31 ماي 1984،مركز الدراسات و البحوث و النشر ،كلية الحقوق و العلوم الاقتصادية بتونس 1986.
- الندوة الوطنية حول العلاقة بين الحكومة و البرلمان في : 23و24اكتوبر 2000.
- الملتقى التونسي " الدستور التونسي في الذكرى الأربعين لإصداره "الجمعية التونسية للقانون الدستوري ،مركز الدراسات و البحوث الاقتصادية و الاجتماعية ،تونس 2000.
- الملتقى الوطني حول نظام الغرفتين في التجربة الجزائرية و الأنظمة المقارنة،نظمته وزارة العلاقات مع البرلمان يومي 29 و 30 أكتوبر2003.
- الملتقى الوطني حول اشكالية المادة 120 من دستور 1996، 24و23 ديسمبر 2004

سابعا:الجرائد اليومية
1- يومية الخبرالصادرة بتاريخ 23/05/2005 .
2- يومية الخبرالصادرة بتاريخ 02/06/2005 .
3- يومية الخبرالصادرة بتاريخ 24/05/2005 .
4- جريدة الشروق اليومي الصادرة بتاريخ 10/07/ 2004 .

ثامنا: مواقع الأنترنيت
www. Conseil-état.fr


الفهـــرس
مقدمــة 1
الفصل الأول : تعريف الحل ، مبرراته و صوره في النظامين الجزائري والتونسي 6
المبحث الأول : تعريف الحل و مبرراته 7
المطلب الأول : تعريف الحل 7
الفرع الأول:التعريف اللغوي 7
الفرع الثاني : التعريف الاصطلاحي 7
المطلب الثاني: مبررات الحل 8
الفرع الأول: ضبط العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية 9
الفرع الثاني: البحث عن أغلبية 16
المبحث الثاني : صور الحل في النظامين 23
المطلب الأول: الحل الرئاسي – الصورة المشتركة بين النظامين - 24
الفرع الأول : حالات الحل الرئاسي في النظامين ، خصائصها ووظائفها . 24
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للحل الرئاسي 51
المطلب الثاني: الحل التلقائي -الصورة التي ينفرد بها النظام الجزائري- 55
الفرع الأول : خصائص الحل التلقائي ووظائفه 57
الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للحل التلقائي 70
الفصل الثاني:إجراءات الحل وآثاره في النظامين الجزائري والتونسي 76
المبحث الأول: إجراءات الحل في النظامين 76
المطلب الأول: الاستشارة – الإجراء الذي ينفرد به النظام الجزائري - 77
الفرع الأول : مفهوم الاستشارة و الهدف منها 77
الفرع الثاني : مدى إلزامية الاستشارة. 80
المطلب الثاني : صدور قرار الحل – الإجراء المشترك بين النظامين - 82
الفرع الأول: الطبيعة القانونية لقرار الحل 86
الفرع الثاني : تعليق إجراء الحل 89
المبحث الثاني: آثار الحل في النظامين خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.99
المطلب الأول: آثار الحل بالنسبة للسلطتين التشريعية والتنفيذية 99
الفرع الأول : آثار الحل بالنسبة للسلطة التشريعية 99
الفرع الثاني: آثار الحل بالنسبة للسلطة التنفيذية 106
المطلب الثاني : آثار الحل على مبدأي الفصل بين السلطات و الديمقراطية 120
الفرع الأول : الحل و مبدأ الفصل بين السلطات 120
الفرع الثاني : الحل و الديمقراطية 122
الخاتمـــة 128
قائمة المراجع 136










قديم 2010-12-30, 11:37   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك جزيل الشكر و العرفان على هذا البحث القيم وجعله الله في ميزان حسناتك ونحن في انتظار المزيد من أعمالك واصل










 

الكلمات الدلالية (Tags)
التونسي, الحل, الجزائري, النظام


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc