مفارقة ومقارفة في بريَّــة...!!

[الكوثري]

مفارقة ومقارفة في برآئتين
برية أديب كبير هو الرافعي،وبرية ناشئ متأدب ريِّض

ليس من عادتي ان أبث ما بيني وبين أصدقائي من مراسلات وبريات على النت ؛ غير أن الاستثناء يحكم كل قاعدة؛وإذا كان الشاذ قاعدة نفسه فهذه المرة اتجوّز واترخّص بقانون الشاذ ، وسأشارككم إحدى رسائلي لصديق
وقد ترددت كثيرا في كتابة الموضوع
القصة وما فيها أنني سئمت من بعض الكلام الذي قيل عن مبارات الفريقين ومن كثير من العث واللث ،والطم والرم، وبتعبير احدهم : وبي من القرف تخمة....!!
سمعت كما سمعي غيري مضروب زيد المؤدب ذلك المسمى عمرو اديب -وأنا هنالا أراعي الا سياق الرسالة وحذف ما لا علاقة له وما يمس اشخاصا بأعيانهم......
سمعت كلامه على اليوتيوب وبخاصة : احنا علمناهم العربي...!!!

وسأقصر تعليقي عليها وعلى جزئية تاريخية كما كتبتها في حينها الى صاحبها الاول ؛هي:

لعل كثيرين لا يعلمون أن للرافعي نشيدا وطنيا لمصر العثمانية قبل قيام ثورة الضباط الاحرار الثورة التي

لخصها مؤرخها محمد حسنين هيكل بـــ: ثورة الا ربع.....

يعني أنها ولدت ولادة قيسرية ولم تتربى في مناخ سليم، اللهم الا اضاءات يحمدها التاريخ والناس كي لا نبخس الناس اشياءها.

هذا النشيد الذي درأ الرافعي عنه بشدة ودفع لاجله بقسوة ؛كما هي عادة الاديب الكبير حين تمس حرمة من حرمه ،ومن باب الشيئ بالشيئ يذكر ؛ ذكروا من غيرة الرافعي انه كان في مصيفه بــ: سيدي بِشر بالاسكندرية كان لا يقترب الناس منه في مصيفه ؛وقد سمّوه تندرا وتفكها : بلاج الرافعي .

قلت: هذا النشيد خاض لاجله الرافعي معركة أدبية وانسانية حامية الوطيس؛ وهو محارب الكلمة، النشيد الذي اثنى عليه سعد زغلول (لانه ذكره فيه وبزعامته للامة) وهو بجبل طارق بما نصه:



حضرة الاديب مصطفى الرافعي قرأت النشيد الذي ألفته والخطاب الذي أرسلته فرأيتهما جديرين بادبك

ولكنهما فوق ما أستحق ،فلك مني وافر الشكر ومن الله حسن الجزاء -اه


وأنا ارى بخبرتي بنفس الرافعي انه قاله والحس الوطني غالب عليه واحتلال الانجليز يضيق عليهم الصدور والافاق ، والا فهو نفسه قال يوما : لولا ما يشغلني لزاحمت سعدا بمنكبي...!!
او كلمة هذا مؤداها ،فالرافعي ذو النفس المرهفة، والهمة العالية ،يحق له مثل ذلك،وكلمته في النشيد لسعد يبررها عندي :أن سعدا كان تمثيلا لضمير الامة وكلمة حريتها،فليس من الحكمة كسر هذه الصورة امام الناس الذين هم مادة السياسة دائما كما هو شان الاغبياء في كل عصر ومصر،وهذه نقطة قل من تنبه لها، ولقد كان الرافعي مهموما بالنشيد بله مهووسا،ويكفي أن تعرف ما كتب الى صديقه ابي رية ،يوما في برية ،وقد أشاعوه بين الناس ملحناعلى غير ما يرضى ذوق الرافعي ؛قال:



والذي يحيرني هو تلحين النشيد وكيفية اشاعته ملحنا،فالملحون في غاية الضعف بجانب هذه الحماسة الوطنية لانهم لم يعتادو الا تلحين أدوار التخنث والسخف والذل ولعل الله يفتح على أحدهم هذا الباب الجديد.اه (كيف لو سمع ما نراه اليوم...!!) ولا تقولن لي :إن الغناء يسمع ولا يرى وهذا خطأ فاحش وانت المَعنِّيّ بالعربية والمتوفر عليها جهدك، لأنه ببساطة كان الغناء فيما مضى يسمع واليوم مع الكليبات والكلبات صار مرئيا

( ومحور هذ البرية هذ النشيد بصح مش عارف هو الاصل او تبدل وحطو غيرو...؟؟ سؤال معلق الى حين العثور على ما يقطع الشك والتردد... وفي احد هذين اللحنين لحن لحنه سيد درويش ،و المهم رانا القينا ... الي كان تايه على ارض اليوتيوب )

ولمعرفة خلفيات هذا الوطيس الحامي يجب أن تعرف أن قضية النشيد كان طرفاها شوقي والعقاد وهما من هما ؛أدبا ووجاهة في المجتمع المصري إبّان الملكية ،

فالاول: نديم الملك وسميره وابن حجره وتنشأته، بل لعله حسنة من حسنات عائلة محمد علي المتأخرة كالخديوي والملك فؤاد على الادب العربي والمصري خاصة.

والثاني: كان لسان الوفد بكل ما له من وزن في الامة وكاتبه الاوحد وهذا ما أغرى طه حسين ان يبايع العقاد بإمرة الشعر بعد ما بويع شوقي...!!!

اذن النشيد ومعركته كانت بين شوقي(اديب الملوك) والعقاد(اديب السياسة المصرية بكل ما فيها) من جهة ،والرافعي وحده مجردا الا من أصغريه وقلمه ،وهو الذي كانت باش كاتب بالمحكمة ومخلص وامين صندوق (caissé)

ولاختصار المعركة والظروف التاريخية وبعض شخصياتها سأنقل لك نص برية ،بعث بها الى ابي رية؛ في 23 ديسمبر سنة 1920 هي: :

يا ابا رية السلام عليك وبعد فاني شاكر لك اهتمامك..اما جفعر باشا(كان رئيسا للجنة التي ألفت للنظر في الاناشيد المقدمة لتنتخب منها ما تراه صالحا أن يكون شعار الامة، فالنشيد والعلم هم عنوان مشخصات اي امة واعتبره في نشيدنا " قسما" عندنا لتعرفه من نفسك،وهذا مبرر المعركة عندي فقد كان يدفع عن عنوان امة وليس مجرد قصيدة) فقد قابلته في ادارة الاخبار والرجل في نهاية الظرف وأنا آسف لاني كتبت عن لجنته والحيث طويل..... ولكن محصله انه يريد الا أكتب عن اللجنة فاظهرت اني مطيع ، على شرط أن ينشر رئيس اللجنة بان القرار الذي أصدرته ليس حكما للجمهور ولا في معنى الحكم ولما كان رأي الامة فوق كل راي بطبيعة الحال فالامة حرة في اختيارما تريده من الاناشيد...

وقد كتبت الكلمة وتركتها عند امين بك (الرافعي ابن عمه) ليطلع عليها الباشا فإذا وافق على نشرها باسمه انتهينا( الكلمة هنا عن اللجنة وعملها، يعني ينشرها باسم امين لا مصطفى الرافعي وهو كثيرا ما كان يفعلها حيلة ادبية مع خصوم كلهم ساسة وقوّادا) والا فكأني لم أقابله.وكنت اتفقت على نشر كلمة اقل من هذه وقام الرجل معتقدا ان الاتفاق تم ولكن امين بك لم يقبل الا ان يظهر الحلق كله في الاتفاق.

وكتبت الكلمة التي اشرت اليها ثم كتبت الى الباشا في البريد اني لا اوافق الا على هذه ولا ادري ماذا تم بعدها لاني لم اسافر امس..

ومن التوفيق ان الذي كان يكتب لي حديث الباشا هو صادق عنبر وقد سلمني الاوراق التي دار فيها الحديث وفيها سطر بخط الباشا نفسه وفي هذه الاوراق اسرار مهمة ( لما كان الرافعي اصما كانت طريقة التواصل معه تكون كتابة تكتب ويرد)لان الرجل أقر بكثير مما سأكشفه في الطبعة الثانية فقد حصلوا في يدي والحمد لله وصارت مصلحتي الحقيقية في ان لا يوافقو حتى اكشف اسرارهم التي ستخدم النشيد اعظم خدمة وفي طبعة ثالثة انشر ما دار في المقابلة اذا ظلوا مصرين على المكابرة....واما البرقوقي(عبد الرحمن البرقوقي صهره وخال اولاد الرافعي) فلم اعد اقابله ولا ينتظر منه ان يجرؤ على نقد شوقي ولكني سأوبخه، والعقاد والمازني سيصدران رسالة اسمها الديوان يصدر العدد الاول منها غدا،وهي كما يقولان لهدم شوقي فقط ،وقد طلبا صورة النقد الذي ساكتبه وقالا إن شوقي عرض عليهما 200 جنيه ليكفا عن نشرها فلم يقبلا.وأمر هذه الرسالة شائع في مصر.

كأني اتمنى أن لا يوافق جعفر باشا ويتركني حرا في عملي حتى تعصف بهم هذه الثورة الادبية.

مع انه لو قرأ ونشر لكان نصرا مبينا بحول الله وقوته والله يهيئ لنا ما فيه الخير..........هذا والسلام عليك ورحمة الله.مصطفى .اه


اما بعد :

فالغرض من هذه البرية ،الرد على المصرين المتفرعنين...!! هنا في لفظ المتفرعنين تورية ، واعني بهم المتعصبة للفرعونية وهي دعوة موسى سلامة وشلّته إبان ما يسمونه عصر التنوير ونرى اليوم -مثلها-التعصب لغير مصر التاريخية التي نعرف والتي كان اثرها الناعم يسري دون قيد او شرط في مناحي الحياة العربية كلها......
وانا أكاد أجزم أن كثيرين ممن مضغو الماء على الجزائر وتاريخها والشهداء -ولم يكن من مضغ الذين غمزهم زيد وعمرو إتاء-من يعرف تاريخه ولا نشيده،اللهم قلة لا يعتد بها في باب الموازنة

والبارحة قرأت كملة لاحدهم على منتدى كذا.. قال : بلِّي حنا ولادْ فراسنا واطلع لي الدَّمْ.......

وثاني الاغراض أردت مشاركتك فرحتي بالعثور على الفيديو في اليوتيوب فلي عناية خاصة بأدب الرافعي:
أكتب : الرافعي واسمع النشيد...!!!
فانظر الى المفارقة في قسما الذي لحنه محمد فوزي المصري عليه رحمة الله
والمقارفة في اسلمي يا مصر التي يجهلها اهلها
أول برية من الرافعي لصديقه
وثاني برية مني لصديقي

فيا جاهل التاريخ كيف تزايد على الناس في التاريخ

ملاحظتان- كلمة براءة مصطلح اندلسي لا يتقيدون فيه بالمعنى اللغوي بل يريدون مطلق الرسالة،وبما ان الهمزة تخفف في كلام العرب وهي من بقايا الفصحى في عامِّيتي فعلى أصول كلام العرب آثرت اللفظة الاندلسية مخففة على لفظ الرسالة

ما حمرته فهو لي،وما كتب أزرقَ فهو لغيري احتاجه السياق