بسم الله الرحمن الرحيم
هذا حوار إمام أهل السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل حيث ألف كتاباً مستقلاً في الرد على الجهمية
منقول الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه
للدكتور محمد أمان بن علي الجامي رحمه الله :
فيبدأ الحوار هكذا:
قالت الجهمية: إن الله لا يكلم ولا يتكلم، إنما كون شيئاً فعبر عن الله، وخلق أصواتاً فأسمع.
وزعموا أن الكلام "اللفظي" لا يكون إلا من جوف ولسان وشفتين.
فيقول الإمام أحمد: قلنا: هل يجوز لمُكَوّن أو لغير الله أن يقول: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّك} 1؟
أو يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} 2، فمن زعم ذلك فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية كما
زعم الجهم أن الله كوّن شيئاً كأن يقول ذلك المكوّن: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 3،
وقال جل ثناؤه: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 4، إلى تلك الآيات التي ساقها، وهو يحاورهم، ثم قال: فهذا منصوص القرآن،
ثم قال: فأما ما قالوا: "إن الله لا يتكلم"
فكيف يصنعون بحديث الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه".
ثم قال الإمام أحمد أما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف، وفم وشفتين، ولسان،
أليس الله قال للسموات والأرض: {اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 5، أتراها
قالت: بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات؟!! وقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} 6،
أتراها يسبحن بجوف وفم ولسان وشفتين"؟!!
الجواب الذي لا بد منه "لا" في جميع هذه الاستفهامات، ولكن الله القادر على كل شيء هو الذي
أنطق تلك الجمادات، فجعلها تتكلم حقيقةدون آلات معهودة للتكلم عادة تسمى "مخارج الحروف"،
فهل الذي مكن لهذه المخلوقات من التكلم يعجز عن الكلام؟ أو يمتنع عليه الكلام "اللفظي" -
كما زعمت الجهمية - لماذا يمتنع عليه؟!! هل لأن الكلام نقص؟!! أو بعبارة أخرى:
هل الكلام من صفات النقص أو من صفات الكمال؟!! أليس المخلوق الذي يتصف بالكلام خير
وأجمل من الذي لا يتكلم؟ الجواب "بلى" بإجماع العقلاء.
فهل تُسوّغ عقول الجهمية أن يكون المخلوق أكمل من الخالق؟ لأن كثيراً من المخلوقات تتصف بالكلام
- وهو صفة كمال- والخالق يمتنع عليه الكلام؟!!
أفليس الذي يعطي الكمال أولى بأن يتصف بالكمال على أكمل وجه بحيث
لا يشاركه أحد في خصائص ذلك الكمال؟!! الجواب "بلى" لدى جميع العقلاء.