.../...( سُبِـق )
..
وارتميت بجسدي للخلف مندهشا وقد سرق بوق سيارته سمعي وإدراكي..
..
كاد يصدمني لولا أن أحادها إلى أقصى الـ هناك.. واصل سيره دون اكتراث
..
أحسست بحرارة القهوة المنسكبة تداعب أصل إبهامي وتأملت السيارة تبتعد.. وقد راقبني على مرآته اليمنى .. وهو لم ينه مكالمته بعد
..
..
الذنب ذنبي فقد كنت أسير كعادتي غائب الوعي.... وما رد وعيي إلا بوق سيارته..
..
حمدت الله على السلامة ورافقتُ دهشتي إلى عمي علوان.. وجلست دون تحية.. ولم يعر ذلك انتباها ولم يلفته إليّ..
.. كان جالسا في كرسيه كمن غزاه جحفل هم ونوفل مشكلات.. غارق في التفكير حتى ألجمه الشرود..
..
وضعت شايه قرب آلة النسخ ووضعت قهوتي على الأرض بين رجليّ.. واستلت يسراي وريقة من عفوق مكتبه .. ومسحت ما انسكب على يدي من رغوة القهوة..
..
..
كاد يقتلني..
..
واختطف عمي علوان نفسه من سباته بالتفاتة زادت ارتجاجي.. وأعادت تسارع نبضات قلبي.. فقد كنت لم أسترد اتزاني بعد..
..
متى جئت يا ...
..
ابتسمت: الآن فقط.. فيم تفكر..
..
..
يبحث عن شايه في يدي وقربي ويطمئن نفسه بنظرة على وريقات النعناع المطلة من الكأس..
..
نكمل؟؟
..
..
ماذا؟؟
..
ناولني ألف نسخة عن ألف ورقة وأنصاف أوراق مدسوسة بينها بالغة السواد: رتِّبها خمسة خمسة..
..
وابتسم لما رأى في نظراتي أني استكثرتها.. حمل بعض الأدوات من على المكتب واستل بعضها وراح يضعها الواحدة قرب الأخرى حتى إذا أتم الخمسة وضع التي تليها على الورقة الأولى: هكذا.. وجلس
..
ورحت أجاريه في وضعها فوق بعضها.. ولما طال صبري قلت:
..
وبعد، ماذا حل بـ "زكية" يا عمي علوان..
..
لما تنهي ما بيدك هناك المزيد على الرف هناك..
..
كم أكره هذه الطريقة في التجاهل..
..
..
أطال صمته.. حتى أيقن أني لن أسأل.. ثم حل عقدة لسانه وجاد علي بصوت تعلوه غلظة وتصحبه بحة وتسبقه كحة:
..
طالما حدثني السي منصور رحمه الله عن تفوق ابنته ورجاحة عقلها واتقاد ذكائها، وأنها كانت دائمة التميز..
..
أصاب أمها مرض شديد أرقدها الفراش لشهور ، كان أشد ما كان منه أيام امتحان البكالوريا، فكرست زكية كل وقتها لأمها.. وإخوتها وأبيها.. وأعمال البيت،
..
كنت أزورهم فألاحظ كم كانت تروح وتجيء في نشاط يذكرك بالنحلة، وتدخل في كل شوط إلى غرفة أمها متفقدة وسائلة، وفي أعجل ما تكون كانت تميل رأسها إلى داخل الغرفة ثم تواصل رحلة الألف خطوة....
..
كادت تستغني نهائيا عن دراستها.. وأوشكت على عدم إجراء الامتحان.. وشاء الله أن تقتنع على غير عادتها بآراء من نصحها بالمشاركة، بدء بأمها وأبيها، وأساتذتها الذين كانوا على علم بحالها.. ولم يبخلوا عليها بالمشورة والنصح والتشجيع
..
..
واقتنعت.. وأجرت الامتحان على غير تحضير ودون استعداد يليق..
..
..
ونجحَتْ..
..
..
ضعها هناك، يشير بيده لمَّا ناولته الأوراق وقد رتبتُها كما تمنى..
.../... ( اضغط)