....صوت يقترب من الباب...و كنت لازلت احاول النوم ،أضع وسادة فوق رأسي ،أغمض عيناي بشدة كي لا أرى النور المتسلل من النافذة لكن ..صوت الهاتف المزعج يرن...و أحاول أن أتجاهله ..أرفع غطائي لمواصلة النوم ...يرن من جديد ..أنظر بملل الى الساعة ...لقد حان الوقت لكن لازلت أشعر برغبة في النوم فلم أنم البارحة بسبب التخيلات و الكوابيس التي اقتحمت عالمي..حياتي ...منذ قدومي الى هنا...،و صوت أعتبره الهاتف الثاني .. رنينه أكثر ازعاجا من الأول – استيقظي انت متأخرة – أدعي عدم سماعه ..و يتكرر بصوت أعلى –ستتأخرين هيا و الا نزعت الغطاء عنك- كانت ذلك أصعب احساس ..حين تنزع من فوقي غطاءا دافئا تذكرني على اثرها أني متواجدة هنا...و يتملكني شعور بالبرد ...بنقص الأمان أو حتى انعدامه ...و حين تصرخ الصرخة الأخيرة أدرك أني في مسابقة للوقت أو بالأحرى يكون العد التنازلي قد بدأ...رغم ذلك أفتح عيناي بصعوبة مطلقة..لدرجة أني أحس كيف ترتفع جفوني الى الأعلى و كيف تفترق رموشي العليا عن السفلى ...وقبل أن ألقي بأول نظرة الى جدران تلك الغرفة ،أتخيلها ...و أرسم تفاصيلها ..أتمنى أن أجد أي تغيير فيها لكن..أنظر..نفس الجدران الباردة التي أراها كجدران سجن ..تقيد أفكاري...تقتل أحلامي بل لا تسمح حتى برسمها في مخيلتي ...نفس الأسرة المغطاة بلون باهت ...لون رؤيتي له كل صباح طردت من حياتي ألوانها و غدت أيامي دون ألوان...أنظر فوق الطاولة ..كالعادة خبز...حليب..قهوة ...و أسمع صوتها من جديد - ألن تتناولي حليبك-...أنهض من فراشي ببطء شديد لطالما كان يقلقها ،يغضبها...فتدفعني بقوة الى خارج الغرفة ...- أن أسرعي-...ألقي نظرة من النافذة ككل صباح لعلي التقي بالنسيم الذي ينعش أمالي..النسيم الذي فارقته منذ أن وصلت لكن...أضع وجهي تحت الحنفية فما عاد الماء الذي تحمله يداي يكفي لطرد الخمول ، النعاس و الرغبة القاتلة للنوم عني..أرتدي ملابسي بملل ...أحمل حقيبتي بتعب و عياء و كأني أحمل أكياس الطحين فوق ظهري...أفتح الباب ...أضع موسيقى غالبا ما تكون هادئة و حزينة..أرفع الصوت الى اخره حتى لا أتمكن من سماع أي أحد...حتى لا يجرب أحد الحديث معي و ببساطة حتى انسى كل من حولي..أتجاهل المارين من أمامي ...عدم اللمبالاة بالأخرين عنونت ملامح وجهي... أصل الى الباب الخارجي...أتوقع كالعادة تواجد متسولة تحمل بين يديها رضيعا لا أدري ما كان ذنبه ؟ لا أدري هل خرج من ظلمات الرحم ليرى ظلمات الحياة؟؟ ..و بالقرب منها فتاة في عمر الزهور...جالسة تلم رجليها الجامدتين ،أصابع رجليها تظهر من شيء اعتقد أنه يشبه الى حد ما حذاءا مزقتة ابر السم القاتلة التي اخترقت جسم الفتاة و تغلغلت بين حناياها فتسمع صوتا خافتا كأنها أصيبت بانفونزا و كان ذلك الصوت سعالها،كانت تغلق يديهاالصغيرتين تاركة فتحة صغيرة تحاول التنفس داخلها لتجمع بعض الدفىء...شهقاتها...زفيرها..أنفاسها ...لحن حزين تعزفه كل يوم للمارين من امامها ...تضفيه على كلمات أمها الممزوجة بين الدعاء و التوسل –الله ينجحكم..الله يستركم ..قيس شوية خبز لاولادي..-..و كان المارون أمامها كثر ان منح كل واحد منهم دينارا لجمعت ما يكفيها لتقي ولديها شر هذا البرد لكن كانت معظم الأيادي مخفية ...و نادرا ما ألمح يدا تتسلل من الجيب واضعة بين يدي تلك المراة دينارا أو أكثر ..و شدني بريق في عيني تلك الفتاة...لا أدري ان كان بريق حزن كونها وجدت نفسها في شارع تستجدي المحسنين بوجهها البريء ام بريق خوف من عيون المارة و كلماتهم القاسية أن أمها ليست سوى متسولة محترفة أم بريق امل في أنه سيأتي يوم ما و تجد نفسها كأقرانها بين أحضان المدرسة لا بين أحضان الشوارع..تحمل اسم تلميذة و ليس اسم متسولة ...
يتبع...