الفصل الرابع
حديث الأرقام
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين ..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم ، فإن غير المسلمين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته ، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للرب العظيم ..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ..
ففي أحدث الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من عشرة ملايين امرأة .. وفى بريطانيا تقترب الزيادة من ستة ملايين امرأة . وفى ألمانيا كانت نسبة النساء إلى الرجال-بعد الحرب العالمية الثانية- هي 3 : 1 . وذات الأوضاع المضطربة في كل دول أوروبا الأخرى بلا استثناء.
وفى روسيا الآن أكثر من عشرين مليون امرأة زيادة على عدد الرجال ، مما دفع رئيس الحزب الشيوعي الروسي إلى المطالبة بتعديل القانون لإباحة تعدد الزوجات حلا لهذا الخلل الاجتماعي الخطير .
لاحظ أن هذا الرجل ملحد لا يؤمن بدين ، لكن عقله لم يجد حلا آخر سوى ما جاء به الإسلام !!
وفى جمهورية أنجوشيا إحدى جمهوريات ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي المنهار أصدر البرلمان هناك قانونا منذ بضع سنين للسماح بتعدد الزوجات بعد أن بلغ عدد النساء ثلاثة أضعاف عدد الرجال ، وفتّش القوم ويحثوا في كل الخيارات المطروحة فلم يجدوا أنسب ولا أحكم ولا أصلح من الحل الإسلامي .
و اضطر رئيس جمهورية الشيشان إلى إصدار قرار جمهوري بقانون- عام 2009 م- يسمح للرجال بالزواج من أكثر من واحدة لعلاج المشاكل الاجتماعية والأمنية والأخلاقية الخطيرة التي سببها المباشر أن عدد النساء الشيشانيات أضعاف عدد الرجال !! و كذلك لاحظنا أن المفكّرين في دول غربية أخرى تعانى من ذات المشكلة المزعجة – تزايد أعداد النساء - اضطروا إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات ، لأنه الحل الوحيد أمامهم لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لهم بمواجهته أو علاج آثاره المدمرة. ونضيف هنا ما حكاه الدكتور محمد يوسف موسى عما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد بمدينة ميونخ الألمانية .. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية .. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين ، وانتهت إلى رفضها جميعا ، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة . وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الأخر بالحل المنطقي الوحيد ، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات ..
في البداية قوبل هذا الرأي بالدهشة و النفور .. ولكن الدراسة العميقة المحايدة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة ، وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي .. حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين – بالاسم فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته !!
وبعد ذلك بزمن وجيز تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة (( بون )) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون !!
وفى أفغانستان تبلغ نسبة عدد الرجال إلى عدد النساء 1 إلى 3 ، وهى ذات النسبة في الفلبين وسنغافورة وماليزيا.
و فى هونج كونج ذكرت أحدث الإحصاءات-التي صدرت عام 2009م- أن هناك رجلان لكل خمس من النساء!! .
وفى العراق الآن أكثر من ثلاثة ملايين أرملة وخمسة ملايين من الأيتام بسبب الحروب الطاحنة المتواصلة في هذا البلد المنكوب!!ولعلاج هذه الكارثة الاجتماعية اضطرت الحكومة العراقية مؤخرا- عام2010م- إلى الإعلان عن تقديم مساعدات مالية مغرية لمن يتزوج ببعض الأرامل، وتتضاعف المنحة إذا تزوج الشخص من ثلاث أو أربع منهن. وذات الأوضاع المأساوية- الأعداد الهائلة من الأرامل والأيتام – قائمة في فلسطين وكشمير .وفى لبنان تبلغ نسبة عدد الرجال إلى عدد النساء واحد إلى ستة بسبب الحروب وهجرة معظم شباب البلد للعمل ثم الاستقرار بالخارج.
وفى إيران أيضا اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت مع العراق 8 سنوات .. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى .
والأمر شديد الخطورة ، بل هو بلاء مبين في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة - من عام 1992 حتى عام 1996 - فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل واحد لكل 27 امرأة !! والسبب أن الصرب- النصارى - كانوا يقتلون جميع الذكور في كل منطقة يحتلونها ويستبقون النساء المسلمات لاغتصابهن!!! ولنا أن نتخيّل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين ، ثم تحرّر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما .. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟! هل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يرفضون تعدد الزوجات ؟!! أو أن هؤلاء يفضلون- ويفضلن- أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة ) من خلف الستار على النمط الغربي المنحل ؟!!
وقد نُشرت مؤخرًا أبحاث عملية متواترة في الغرب أجمعت على أن كروموسوم " "y الذي ينتج عنه إنجاب الذكور يتناقص بشكل حادٍّ مستمر جيلاً بعد الآخر. وهذا يتسبب - كما هو مُشاهد الآن – في تزايد أعداد المواليد من الإناث، وتناقص أعداد المواليد من البنين . وهو دليل جديد على عظمة تشريع الإسلام في إباحة التعدد للتغلب على المشكلة الخطيرة. وهو يثبت أيضًا صدق ونبوة خاتم المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبرنا منذ 14 قرنًا بهذه الظاهرة في حديث صحيح عن علامات الساعة ,و ذكر منها أن تتناقص أعداد الرجال وتتزايد أعداد النساء ، حتى يكون : " للقيّم- للرجل -الواحد خمسون امرأة " . ونص الحديث موجود لمن أراد في صحيحي البخاري ومسلم ، و رواه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه. وهو ما تؤكد كل الشواهد والحقائق العلمية والواقعية أننا في الطريق إليه بالفعل!!
وفى إحصائية بمصر (12) أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج - الذي تأخر من سن 22 إلى سن 35 سنة وما بعدها - تتزوج واحدة فقط !! والزوج يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين – غالبا - حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على الوظيفة والشقة ثم يدخر المهر ثم يبدأ في البحث عن نصفه الآخر !!
وقالت الصحيفة : إن العلاقات المحرمة تتزايد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج .. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما(13) تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن .
.
وفى تحقيق ساخن عن ( انفجار العوانس ) ذكرت السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات،وتطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة .. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة "الأهرام العربي" في عددها الأول : إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة .وحسب مصادر أخرى يرتفع الرقم حاليا إلى أكثر من مائة ألف عانس
وهو عدد ضخم بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل . وهناك مصادر أخرى تؤكد أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ أكثر من 35 % من عدد النساء. و في السعودية وغيرها من البلدان العربية الأخرى ترتفع نسبة العوانس إلى أكثر من أربعين بالمائة والبقية تأتى !!
***
و يقول البعض أن أضرار تأخر سن الزواج تصيب الرجال أيضا وليس النساء فقط ، وهذا صحيح جزئيا ، لكنّهم يغفلون عن حقيقة هامة وخطيرة هي أن المرأة تفقد الفرصة في الإنجاب في سن الأربعين أو بعدها بقليل ، بينما يظل الرجل قادرا على الإنجاب طوال حياته ، وبالتالي تتسبب العنوسة في فقدان كثير من الفتيات من حق مشروع تهفو إليه كل أنثى وهو حقهن في الأمومة. وفى المقابل تبقى الفرصة سانحة لإخوتهن الذكور في الإنجاب مدى الحياة. والسماح للفتاة بالاقتران برجل متزوج - إن لم تجد شابا أعزب - يكفل لها إمكانية الإنجاب قبل فوات الأوان.
* ويقرر الطب أن حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي .. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لديها.. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تثيرها أكثر بكثير ، وتجعلها تنعم بالإشباع . هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي ، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها (14)
الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد يؤكد أن انعدام الزواج أو تأخيره يعرّض المرأة لأمراض الثدي و سرطان الرحم والأورام الليفية أكثر من المتزوجة.. وقد سأل كثيرا من المترددات على العيادة : هل تفضّلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟ وكانت إجابة أغلبهن هي قبول الزواج من رجل متزوج بأخرى على الوحدة الكئيبة ، و بعضهن فضّلت أن تكون زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة .
* وإذا كان هذا هو رأى العلم ، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال .. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت: ( قرأت إحصائية تقول أن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن .. وهن إما مطلّقات ، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ، أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ثم كبر الأبناء وتزوّجوا أو هاجروا..وتضيف الطبيبة : هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم النساء الوحيدات ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين ، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات .. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب ، ورفض الحياة ، وعدم القدرة على التكيّف مع نسيج المجتمع..وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذّرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة و قرحة الإثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي ،وتضطر الكثيرات منهن للارتباط برجل متزوج" انتهى (15).
* وأكدت كل الإحصائيات في أوروبا وأمريكا أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا في العالم. ويعتنق الملايين من الناس الدين الإسلامي كل عام عن اقتناع تام بعد دراسات عميقة متأنية.
ومما ذكرته وسائل الإعلام الغربية أن أكثر من 80% من الذين يعتنقون الإسلام هم من النساء. ويعنى هذا بوضوح أنه مقابل كل رجل يعتنق الإسلام هناك أربع من النساء المسلمات الجدد.
ومن المعلوم من الإسلام بالضرورة أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوّج بشخص غير مسلم. فإذا كانت المسلمة الجديدة لا تستطيع الهجرة أو الانتقال للحياة في بلد إسلامي , فإنها تكون أمام عدة خيارات أحلاها مرير شديدة المرارة. فإما أن تظل وحيدة وتدفن شبابها وأحاسيسها , وتعانى كل أنواع الأمراض النفسية والعصبية والبدنية الناجمة عن العنوسة والكَبْت والحرمان طوال حياتها , أو أن تقع في الحرام بمعاشرة جنسية خارج إطار الزواج ، وهو ما يحظره الإسلام تمامًا, أو أن تسقط فريسة للشذوذ وهو محظور كذلك.
وهكذا فإنه لا يوجد حل نظيف طاهر أمام ملايين من المسلمات الجدد في الغرب أفضل من قبول تعدد الزوجات مع العدل وكفالة كل الحقوق المتساوية لهن ولأطفالهن. والله وحده أعلم بما يُصْلِح حال خلقه أجمعين. ولقد أنعم الله على الكثيرات من المسلمات في الغرب بفهم وإدراك أهمية التعدد الإسلامي ونُبْل مقاصده وضرورته المتزايدة , وهناك حالات كثيرة قبلت فيها مسلمات جدد الاقتران بمسلم متزوّج بالفعل, بعد أن تأكّدن من أنَ هذا هو أفضل وأكرم الحلول لهن . والطريف أن كثيرا من النساء الأمريكيات اللاتي أسلمن قمن- مؤخرا- بتأسيس جمعية تدعو إلى تطبيق ونشر ثقافة تعدد الزوجات في أمريكا ، وبلغ عدد عضوات الجمعية حتى الآن -2010 م- أكثر من 900 امرأة !!
وكذلك وعت بعض النساء الصالحات العاقلات في وطننا العربي المصالح العظمى التي يحققها نظام التعدد الشرعي للملايين من بنات جنسهن الوحيدات في كل مكان ، فقمن بتبني الدعوة إلى تطبيق تعدد الزوجات على نطاق واسع.
ومثال ذلك جمعية أسستها في مصر الإعلامية المصرية السيدة هيام دربك - وهى متزوّجة - واختارت لها شعارًا طريفًا يقول:"امرأة واحدة لا تكفى!".لاحظ أن الجمعية أسستها امرأة ، وأن معظم أعضائها من النساء!! وأكَّدت السيدة هيام ضرورة تطبيق نظام تعدد الزوجات كما جاء به الإسلام للقضاء على مشكلة العنوسة في المجتمعات العربية التي تهدد عشرات الملايين من الفتيات بفقدان الفرصة في تكوين أسرة والحرمان من الأمومة إلى الأبد.(16)
وتأسست في الأردن جمعية نسائية مماثلة تناشد الرجال تطبيق تعدد الزوجات رحمة بملايين العوانس والأرامل والمُطَلَّقات.
وعلى ضوء ما تقدم نقول لخصوم التعدد: دونكم شاهدات من النساء على عظمة الإسلام في تشريع التعدد رحمة بهن وحلاًّ لمشاكلهن ، ومَن لا يعجبه ما نقول فليتوجّه إليهن وليجادلهن ما شاء ، وأظن أنه لن يكسب المعركة بأي حال !!.
لقد أنقذ الأخذ بنظام تعدد الزوجات المجتمعات الإسلامية من شرور ومصائب لا حصر لها .. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة – وبين المجتمع الأمريكي الذي تزيد نسبة العشيقات فيه على نسبة الزوجات ، وتبلغ معدلات جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي هناك أرقاما فلكية هي - باعتراف المصادر الغربية - أضعاف مثيلاتها في البلاد الإسلامية!!
والحمد لله على نعمة الإسلام ، وكفى بها نعمة .