اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثائرة الجبال
هل تساءلتم يوما ماذا سيكون رد الأسرة ، الحي ، الشارع ، المؤسسات الإدارية العامة ، كل مرافق الحياة تجاه من سلم سلاحه من الذين غرر بهم ؟
هل ستكون حياته كما كانت ؟
هل سينسى المجتمع مافعله ؟
هل سيسامح المجتمع كل أفعاله ؟
|
موضوع المصالحة موضوع شائك ومتشعب ومعقد جدا ولا يمكننا الإلمام به من كل الجوانب إلا إذا تمكنا من معرفة تفاصيل ما حدث في الماضي كي نفهم ما يحدث في الحاضر ونستقرأ ما قد يحدث في المستقبل.
بلا شك المجتمع الجزائري رحب بفكرة المصالحة لأن استمرار العنف لا يزيد إلا حصدا لأرواح الآلاف من الأبرياء. لكن الشكل الذي خرجت به المصالحة للوجود فيه الكثير من الغموض بل ويبعث على الشك والريبة عن الدافع الحقيقي من وراء هذه المصالحة، فالإمتيازات والمكانة الخاصة التي حظي بها العائدون من الجبل تجعلنا نطرح العديد من التساؤلات والإستفسارات، حدثني قريب لي وهو ضابط سامي في الجيش أن العائدين من الجبل لهم علاقات طيبة مع قادة الجيش والمسؤولين وأن أعراسهم وحفلاتهم لا يحضرها إلا علية القوم، ألا يجعلنا هذا الأمر نتسائل عن حقيقة هؤلاء وعن سر العلاقة الطيبة بينهم وبين قادة الجيش وكبار المسؤولين وما هو الدور الحقيقي الذي لعبه هؤلاء في الجبل؟
حقيقة ما حدث في العشرية السوداء وما يحدث الآن يصعب فهمه بشكل جيد ما دمنا نجهل الكثير من التفصيل.
وبما اننا نجهل الكثير من الأمور فسأجيبك على أسئلتك إجابات مجردة بعيدا عن كل الحسابات.
1- هل ستكون حياته كما كانت ؟
أولا وقبل كل شيء يفترض أن يكون العائد من الجبل قد تاب توبة نصوحا وأنه ندم على كل مافعله في إخوانه المسلمين. في الحقيقة يصعب عليه استئناف حياته كما كانت في السابق لذلك من الأفضل له أن يبدل مكان إقامته إلى مكان لا يعرفه فيه أحد بهذا الشكل قد يستطيع إعادة بناء حياته بشكل أفضل بعيدا عن ضغط المجتمع ولنا في قصة قاتل المائة نفس بغير حق التي رواها البخاري في صحيحه عبرة وفائدة فهذا المجرم قتل مائة نفس ثم سأل عالما هل لي من توبة فقال له نعم ومن يمنعك من التوبة ولكنه نصحه بأن يهاجر من بلده إلى بلد آخر حتى يتسنى له إعادة بناء حياته بهدوء.
2- هل سينسى المجتمع مافعله ؟
لا أظن ذلك، فهذا الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام لما جاءه وحشي قاتل عمه حمزة رضي الله عنه قبل إسلامه لكنه طلب منه ألا يريه وجهه.
فقد التقى النبي صلى الله عليه وسلم بوحشي قاتل حمزة، حين جاء مسلماً، وذلك بعد إسلام أهل الطائف، قال وحشي: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال: أنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني، قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسليمة الكذاب قلت: لأخرجن على مسليمة لعلي أقتله فأكافيء به حمزة، قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضرب بالسيف على هامته. رواه البخاري.
قال الحافظ في الفتح: وعند يونس بن بكير في المغازي وعند ابن إسحاق قال: فقيل لرسول الله هذا وحشي فقال: دعوه فلإسلام رجل واحد أحب إلى من قتل ألف كافر.
قال الحافظ: وفيه -أي في الحديث- أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما، وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله (وكذلك التوبة تجب ما قبلها).
حتى إن كان المجتمع لايستطيع أن ينسى أفعال العائدين فعلى هؤلاء أن يبذلوا قصارى جهدهم في عمل الخير والإحسان إلى الناس فالإحسان يغطي عيوب الإنسان. فهناك كثير من الصحابة من حارب الإسلام والمسلمين قبل إسلامه لكن بعد إسلامه أصبح من أعظم الصحابة شأنا كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم رضي الله عنهم.
3- هل سيسامح المجتمع كل أفعاله ؟
كان من الممكن جدا أن تنجح المصالحة الوطنية ونصل بعدها إلى الوئام المدني ( البعض يجعل الوئام المدني قبل المصالحة والوطنية وهذا خطا فما لم تكن هنا مصالحة ناجحة فلن نصل إلى وئام مدني) لو كانت هناك مساواة وعدالة إجتماعية ورغبة حقيقية من المسؤولين في تجاوز الأزمة. لكن السلطة لم تفعل شيء من أجل تحسين مستوى معيشة المواطنين وجعلهم يهتمون بحياتهم ويسعون لبناء مستقبله وينسون ماضيهم بكل آلامه وأحزانه بل عكس ذلك ما يحدث تماما وهذا من شأنه أن يجعلنا نعيش في دائرة مفرغة ويجعل الكثير يفكر في الإنتقام بأي شكل من الأشكال فكما هو ملاحظ تحسنت فعلا الأحوال الأمنية لكن ظهرت مقابل ذلك آفات إجتماعية لا تقل خطورة عن الإرهاب وذلك لأن أصل المشكلة لم يستأصل بعد.