إن الحديث عن واقع الأسرة المسلمة مؤلم جداً، فدعاة تحرير المرأة من دينها يحيكون المؤامرة تلو المؤامرة منذ عشرات السنين من أجل زعزعة البنية الاجتماعية للأسرة المسلمة، بدءاً من دعوة الطهطاوي وقاسم أمين وهدى شعراوي، وسعد زغلول وانتهاءً بالقرارات الوزارية التي تهدف إلى إفسادها وإخراجها من بيتها، فيجب علينا جيل الصحوة أن نهتم بالمرأة؛ لأنها الأساس في صلاح المجتمع.
لما دخل موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام مدين وجد أمة من الناس، أي: خلق كثيرون: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ } [القصص:23]، تذود: أي: تكف الغنم عن البئر.
هذا يوم الورد، أي ورد الماشية على السقيا، وكل رجل من هؤلاء الرجال معه غنم ومعه بهائم، والكل حريص على أن يسقي ويرجع، والكل يتزاحم، لكنه وجد امرأتين تذودان الأغنام حتى لا تختلط بأغنام القوم: { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } [القصص:23]، لاحظ كلامه: { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص:23].
وهنا تظهر العضلات!! والشجاعة ما خطبكما؟ والمرأة الحرة لا تخالط الرجال.
المرأة الحرة درة مكنونة وجوهرة مصونة، إنما يخالط الرجال الإماء اللواتي يُشترين من الأسواق، وإنما الحرة مخبأة، لا يراها أحد؛ لأنها حرة، والقائم عليها حر، فهو يستنكر أن تخرج امرأته ليراها الخلق، ولذلك قال موسى -حين رأى امرأتين حرتين تختلطان بالرجال- قال: ما خطبكما؟ الخطب الذي هو المصيبة، يعني: أيُّ مصيبة أوقعتكما حتى اختلطتما بالرجال، المرأتان كانتا مرهفتا الحس لما سمعتا: ما خطبكما؟ قالتا: { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص:23].
(وأبونا شيخ كبير) أي: لا تسيء الظن بنا، فنحن ما خرجنا لنختلط بالرجال، وإنما الذي أخرجنا أن أبانا شيخ كبير، فدعتنا الضرورة للخروج، هذا الذي جعلنا نخرج، وهكذا الحر، إذا شعر أنه وقع فيما يسيء إليه وإلى مروءته ونبله، سارع وأعطى الدليل أنه ليس كذلك.
فالمرأتان حرتان، ومن بيت كريم.
ليستا ابنتي النبي شعيب كما ذهب إليه أكثر المفسرين.
ليس هذا الرجل هو شعيباً النبي.
لا.
إنما هو رجل صالح، والدليل على ذلك أن شعيباً عليه السلام قال لقومه وهو يعظهم { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } [هود:89]، وجاءت قصة شعيب بعد قصة لوط، ولما يقول لهم: { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } [هود:89]، أي: أن هلاك قوم لوط كان قريب العهد بهم.
حتى يتسنى لهم النظر والاعتبار، ولوط عليه السلام كان في زمان إبراهيم عليه السلام، قال تعالى بعدما ذكر قصة إبراهيم في سورة العنكبوت: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } [العنكبوت:26]، ولما جاءت الملائكة إبراهيم عليه السلام وتوجهوا إلى القرية المؤتفكة ليقلبوها على من فيها، قال إبراهيم عليه السلام: { إِنَّ فِيهَا لُوطًا } [العنكبوت:32]، وما بين إبراهيم عليه السلام وصاحب مدين أكثر من أربعمائة عام، فالصواب أنه عبد صالح وليس شعيباً النبي، ويدل على ذلك أيضاً أنه لو كانت المرأتان ابنتي شعيب النبي لعرف أهل مدين قدرهما، وما تركوهما، إنما كانوا أعانوهما على السقيا؛ لأنهما ابنتا النبي الكريم، نبي مدين.
إنما هو رجل صالح ممن آمن بشعيب عليه السلام وحمل رسالته.
إذاً: المرأتان من بيت كريم سواءٌ كانتا ابنتي النبي شعيب، أو كانتا ابنتي رجل صالح، فهما من بيت كريم، بيت ملتزم، بيت يحمل لواء الدين في قرية أغلبها كفرة، فالمناسب أن لا تخرج هاتان المرأتان الحرتان إلا لضرورة.
انظروا إلى واقعنا الآن، فإنه يبعث على البكاء.
بداية المطالبة بحق المرأة فى التعليم
بدأت البنت تطالب بحق التعليم؛ والبنت لها الحق في التعليم، هناك مدارس للبنات، ليس فيها إلا امرأة ما عدا رجلين، المدرس الأول مدرس اللغة العربية؛ لأنهم لم يجدوا نساءً أَكْفاء يدرسن اللغة العربية، فيأتون برجل في سن ستين سنة، فيكون بمنزلة الوالد للبنات، ويكون عادة رجلاً وقوراً وعفيفاً حتى لا ينفسخ الأمر، والرجل المسئول الذي هو الأخصائي الاجتماعي، دوره وعمله في المدرسة ليقابل أولياء الأمور؛ لأنه لا يوجد في الفصل إلا نساء، وترى البنت تخرج وهي لابسة القبعة وقد دلَّت ضفيرتين على ظهرها، يقول: لا مانع يا أخي! إنها بنت صغيرة لم تبلغ الحلُم، لما تُخرج الضفيرة لا إشكال وليس هناك مانع من ذلك.
وتكون الناظرة للمدرسة امرأة إنجليزية، كانت متشددة إلى أقصى درجات التشدد، بحيث لو خرجت البنت لمدة خمس دقائق تقوم بتحويلها للتحقيق، وتأتي بولي الأمر، وتقول له: البنت تلعب، البنت هذه أين كانت في الخمس دقائق؟ ما بعده التزام؟! فلماذا الرجل لا يسمح لابنته أن تذهب للمدرسة وهي تذهب في عربة إلى أن تصل، وتدخل المدرسة، وتقابلها ناظرة إنجليزية حازمة في التربية!! وبعد الانتهاء من الدرس تعود في عربة إلى البيت، إذاً: البنت لا تغيب عنهم طرفة عين، وفي نفس الوقت تتحصل على الآداب والعلوم، وتقرأ وتكتب وتستفيد، فما هو المانع.
هكذا بدأ الأمر واستمر ثم خفت قليلاً قليلاً، وتصبح بعد ذلك الناظرة على المدرسة امرأة مصرية، وكان الآباء من كثرة اطمئنانهم على بناتهم لا يذهبون معهن إلى المدرسة، فصرنا نرى البنات زرافات ووحداناً يمشين وحدهن في الشوارع، واستمر الأمر هكذا حتى صار عرفاً عاماً، وإن الرجل الذي لم يدخل ابنته المدرسة كان ذلك عارٌ عليه، ولكن بعد أن تقضي البنت كل هذه السنوات من سن ست سنين إلى سن اثنين وعشرين سنة، وهي تدرس، وجئت بعد ذلك وقلت لها: اجلسي في البيت، تقول لك: إذاً: لماذا كنت أتعلم؟ إذا كان العلم إلا لمجرد أن أقرأ وأكتب فلا، تعلمت لأجل أن أعمل.
يقولون: يجب أن تعلم المرأة حتى يكون معها سلاح.
فيا ترى هل ستدخل في حرب؟! فصارت المسألة طبيعية تتعلم لتعمل، وهكذا أريد بأمتنا، حتى صار النساء إماءً في زي الحرائر، فأين نساءنا من هاتين البنتين كما في قوله تعالى: { قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ } [القصص:23].
فلا تسئ الظن بنا وتقول: لماذا خرجتن من بيوتكن؟ إن الذي أخرجنا هو الضرورة القصوى: { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص:23] فأين الضرورة في خروج المرأة في عصرنا هذا؟! أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.