![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]()
2ـ المشروع والممنوع بعد الوفاة إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..... { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (سورة آل عمران: 102) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء: 1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }(سورة الأحزاب:70،71) أما بعد...، فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. قبل الكلام عن المشروع والممنوع (ما ينبغي فعله) بعد الوفاة، هناك بعض الأمور التي ينبغي الوقوف عليها:- 1ـ أعمار هذه الأمة مابين الستين إلى السبعين سنة، ولا يجاوز ذلك إلا القليل: أخرج البخاري عن أبي هريرة t أن الرسولr قال: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجاوز ذلك" 2ـ يستحب أن يتمنى الإنسان الموت في أرض مباركة كما كان عمر t يتمنى ذلك فقد كان يتمنى أن يموت بالمدينة: فقد أخرج البخاري أن عمر t كان يدعو فيقول: "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتى في بلد رسولك" (البخاري) وكما دعا موسي u ربه عند الموت أن يدنيه من الأرض المقدسة قال البخاري ـ رحمه الله ـ: باب "من أحب الدفن في الأرض المقدسة ونحوها" 3ـ ينبغي على الإنسان أن يغتنم عمره باكتساب الطاعات: فقد أخرج الترمذي وابن ماجة عن حديث أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: " ألا أُنَبِّئكُم بخياركم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: خياركم أطولكم أعماراً، وأحسنكم أعمالاً" وليعلم أنه إذا بلغ الستين فقد أعذر الله إليه. فقد أخرج ابن حبان وأحمد من حديث أبي هريرة t أن رسول الله r قال: "من عمَّره الله ستين سنة، فقد أعذر إليه في العمر" قال الحافظ – رحمه الله- كما في فتح الباري (11/240): الإعذار: إزالة العذر، والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مدَّ لي في الأجل لفعلت ما أمرت به، يقال: أعذر إليه إذا بلغ أقصى الغاية في العذر ومكَّنه منه. س:ما الذي ينبغي فعله مع الميت بعد الوفاة ؟ هناك أمور ينبغي فعلها تجاه الميت بعد الوفاة منها:- 1ـ تغميض عينيه والدعاء له: فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: "دخل رسول الله r على أبي سلمة وقد شَقَّ بصَرُهُ فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قُبض تَبِعَه البصر، فضجَّ ناسٌ من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يُؤمِّنُون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين المقربين، واخلفه في عَقِبِه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونَوِّر له فيه" ـ شَقَّ بصَرُهُ: شخص ورفع بصره، وقال النووي في شرح مسلم (2/583): وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه. ـ الغابرين: الباقين، والمراد: كن خليفة له في ذريته. قال الشافعي في الأم (1/248): أول ما يبدأ من يحضر الميت من أوليائه، أن يتولى أرفقهم به إغماض عينيه. والحكمة من تغميض العينين: ألا يقبح بمنظره لو ترك إغماضه، كما قال الله تعالى عن أصحاب الكهف:{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }(الكهف:18) 2- شـدُّ لحييه: واللحيان: هما العظمان اللذان فيهما الأسنان، أي الفكَّان، وشدهما: أي ربطهما قال الشافعي – رحمه الله – في كتابه الأم(1 /248): يشد تحت لحييه عصابةٌ عريضة، وتربط من فوق رأسه، كي لا يسترخي لحيه الأسفل، فينفتح فوه ثم يحسو بعد الموت ولا ينطبق. وقال ابن قدامة - رحمه الله - كما في المغني (2 /451): ويستحب شد لحييه بعصابة عريضة يربطها من فوق رأسه؛ لأن الميت إذا كان مفتوحَ العينين والفم فلم يغمض حتى يبرد، بقي الفم مفتوحاً، فيقبح منظره ولا يؤمن دخول الهوام فيه والماء في وقت غسله. 3ـ تليين مفاصله: قال الشافعي – رحمه الله – في الأم (1/248): يرد إليه يديه حتى يلصقهما بعضديه، ثم يبسطهما ثم يردهما ثم يبسطهما مرات؛ ليبقى ليناً إلى وقت دفنه، ففكتا وهما لينتان، ويلين كذلك أصابعه، ويرد رجليه من باطن حتى يلصقهما ببطون فخذيه كما وصفت فيما يصنع في يديه. قال ابن قدامة - رحمه الله - كما في المغني(2 /456): معني تليين المفاصل: هو أن يرد ذراعيه إلى عضديه، وعضديه إلى جنبيه، ثم يردهما ويرد ساقيه إلى فخذيه، وفخذيه إلى بطنه، ثم يردهما ليكون ذلك أبقى للين، فيكون لذلك أمكن للغاسل من تكفينه وتمديده وخلع ثيابه وتغسيله، قال أصحابنا: ويستحب ذلك في موضعين: عقيب موته قبل قسوتها ببرودته، وإذا أخذ في غسله. وإن شق ذلك لقسوة الميت أو غيرها تركه؛ لأنه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه، ويصير به ذلك إلى المثلة. 4ـ تجريده من جميع ثيابه برفق: لئلا يخرج منه شيء يفسد به ويتلوث بها إذا نزعت عنه. قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ كما في الشرح الكبير (2/214): فإذا مات أغمض عينيه، وشد لحييه، ولين مفاصله، وخلع ثيابه، وسجَّاه بثوب يستره. أهـ 5ـ تغطية جميع بدنه بثوب: فبعد أن يجردوه من ثيابه، يغطوه بثوب يستر جميع بدنه صيانة له عن الانكشاف وذلك لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة t: "أن رسول r حين تُوفِي سُجِّي ببردة [ببرد] حَبْرةٍ" ـ سُجِّي: غطي. ـ بُردة: ثوب يشمل جميع البدن. ـ حبرة: نوع من الثياب تصنع باليمن فيه أعلام. وفي رواية في الصحيحين أيضاً عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: " سُجِّي رسول الله r حين مات بثوبٍ حَبرة" قال النووي – رحمه الله – في هذا الحديث: وفي الحديث استحباب تسجية الميت وهو مجمع عليه، وحكمته صيانته من الانكشاف، وستر عورته المتغيرة عن الأعين، قال أصحابنا: ويلف طرف الثوب المسجي به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه، قالوا: تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي تُوفِّي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها. فـائـدة: 1- من مات وهو محرم في حج أو عمرة لا يُغَطَّى رأسه ولا وجهه. وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته ـ أو قال: فأقعصته ـ الناقة، فقال النبي r: اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنُوه في ثوبين ـ وفي رواية: في ثوبيه ـ ولا تحَنِّطُوه ـ وفي رواية: ولا تطيبوه ـ ولا تُخَمِّرُوا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً". ـ فوقصته: وطأته فكسرت رقبته. وقـفـة: يرى بعض أهل العلم: أن الميت يوضع على بطنه شيء بعد موته حتى يمنع من الانتفاخ. فقد قال الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه الأم (1/248): ويوضع على بطنه شيء من طين أو لبنة أو حديدة سيف أو غيره، فإن بعض أهل التجربة يزعمون أن ذلك يمنع بطنه أن تربو. وقال ابن قدامة في المغني (2 /452): ويجعل على بطنه شيء من الحديد كمرأة أو غيرها؛ لئلا ينتفخ بطنه، فإن لم يكن شيء من الحديد فطين مبلول، ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به بأرفق ما يقدر عليه. أهـ وهذه من الأمور التي ليس عليها دليل صحيح وكل ما ورد في هذا الشأن أثر في مصنف ابن أبي شيبة في المصنف (3 /241) بسند ضعيف عن عامر قال: كان يستحب أن يوضع السيف على بطن الميت فمن قال بهذا ربما استند على هذا الأثر الضعيف، أو كان مرجعه في هذه المسألة إلى أهل التجربة كما ذكر الشافعي، لكن في هذا الزمان مع وجود إمكانية حفظ الميت كالثلاجات أو التكييف أو المبردات الهوائية، فإنه لا يحتاج إلى هذه الخطوة، ولاسيما أمر النبي r بتعجيل الدفن ولكن إن تأخر الدفن، وكانت البلاد حارة، ربما احتاج لمثل هذا. والله أعلم. 6 – أن يُعَجِّلُوا بتجهيزه وإخراجه: فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: "اسرعوا بالجنازة فإن تك صالحه فخيرٌ تقدمونها عليه، وإن تكن غير ذلك فشرٌ تضعونه عن رقابكم" وقول النبي r:"اسرعوا بالجنازة" يدخل فيه سرعة تغسيله وتكفينه وتجهيزه، والإسراع في حملها إلى القبر، وقد قال الإمام أحمد: كرامة الميت تعجيله. (أحكام الجنائز للألباني) قال ابن عثيمين – رحمه الله – الشرح الممتع (5/329) في الحديث السابق: لكن ظاهره فيما لو كانت محمولة؛ لأن قوله: "فشرٌ تضعونه عن رقابكم" ظاهر أن المراد بذلك الإسراع بها حين تشييعها، لكن نقول: إذا كان الإسراع في التشييع مطلوباً مع ما فيه من المشقة على المشيعين، فالإسراع في التجهيز من باب أولى. ويشهد لهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود وسكت عنه، والحديث ضعيف وفيه: "أن النبي r زار طلحة بن البراء عندما مرض، فقال النبي r: لا أري طلحة إلا قد حدث به الموت، فآذنوني به – أعلموني – حتى أشهده فأصلي عليه وعجِّلوا، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" وأيضاً هناك حديث ضعيف أخرجه أحمد والترمذي أن الحبيب النبي r قال لعلىٍّ t: "يا علىُّ ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفئاً " ـ الأيم: التي لا زوج لها. (وفيه وهب بن سعيد، قال المناوي: وهو مجهول) ملاحظة: يجوز التأخير الغير مضر؛ وذلك لعذر أو لغرض، كانتظار من يُرْجَى منهم الخير والصلاح للصلاة عليه، أو انتظار وقت الصلاة المفروضة؛ ليكثر الجمع للصلاة عليه. 7ـ أن يدفنوه في البلد التي مات فيها: فلا ينقل الميت إلى غير البلد التي مات فيها؛ لأن هذا ينافي الإسراع المأمور به في الحديث وفيه: "اسرعوا بالجنازة" ومما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه البيهقي بسند صحيح عن عائشة- رضي الله عنها-قالت: "لما مات أخٌ لي بوادي الحبشة، فحُمِلَ من مكانه قالت: ما أجدُ في نفسي ـ أو يحزنني في نفسي ـ إلا أني وددت أنه كان دُفِن في مكانه" وقال النووي في الأذكار: وإذا أوصى بأن ينتقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون وصرح به المحققون. هذا وقد سئل الشيخ/ ابن باز ـ رحمه الله ـ كما في كتابه أحكام الجنائز: إذا أوصى الرجل بنقله إلى بلد ليدفن فيه، هل تنفذ الوصية؟ فأجاب: تنفيذ الوصية هنا ليس لازماً، فإذا مات في بلد مسلم فليدفن فيه. والحمد لله. وقال الشيخ الألباني – رحمه الله – في أحكام الجنائزصـ14: ولا يفعلوا به ما ينافي الإسراع في دفنه؛ كأن ينقلوه من المكان الذي مات فيه إلى بلده؛ لأن ذلك ينافي الإسراع المطلوب، ثم هو منهي عنه، وقد قال الإمام أحمد:كرامة الميت تعجيله. أهـ بتصرف
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]()
أَبُنَيَّتِي لا تجزعـي كـل الأنـام إلى ذهـاب نوحي عليَّ بحسرةٍ من خلف سترك والحجاب قـولي إذا ناديتني زين الشبـاب أبو فـراس ويروي عن عمر بن الخطابt: "سمع صوت نوح في بيت، فدخل ومعه غيره، فمال عليهن ضرباً حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها وقال: اضرب فإنها نائحة لا حرمة لها، إنها لا تبكي لشجوكم، إنما تريق دموعها على أخذ دراهمكم، إنها تؤذي موتاكم في قبورهم، وأحياءكم في دورهم، إنها تنهى عن الصبر الذي أمر الله به، وتأمر بالجزع الذي نهى الله عنه" تنبيه: كما أن الإسلام حرم النياحة، فإنه كذلك حرم الإسعاد، والإسعاد هو أن تقوم المرأة بالنياحة فتقوم معها نساء أُخر يساعدنها على النياحة، ولا تزال هذه العادة السيئة عند كثير من النساء، وتردد إحداهن هذا المثل الجاهلي: "كل شيء دين حتى دموع العين"، لكن هذا كله من فعل عادات الجاهلية التي جاء الشرع وأبطلها. فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن أنس t: "أن رسول الله rأخذ على النساء حين بَايَعْهُنَّ أن لا يَنُحْنَ، فقلن: يا رسول الله، إن نساء أسعدتنا في الجاهلية أَفَنُسْعِدُهُنّ، فقال رسول الله r:لا إسْعَادَ في الإسلام" وأخرج الإمام مسلم من حديث أم سلمة –رضي الله عنها – قالت: ولما مات أبو سلمة قلت: غريبٌ وفي أرض غُرْبَة لأبْكِيَنَّه بكاءً، يُتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه، إذ قبلت امرأة من الصعيد – عوالي المدينة- تريد أن تُسْعِدَني فاستقبلها رسول الله r، وقال: أتريدين أن تُدْخِلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه، فكففتُ عن البكاء فلم أبْكِ" ـ تُسْعِدَني: أي تساعدني على البكاء والنوح. · إشكال والرد عليه: جاء في الأحاديث أن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله عليه. فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة أن النبي r قال: "الميت يُعَذَّب ببكاء الحيِّ عليه" وعند البخاري ومسلم أيضاً من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي r قال: " إن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله عليه" وأخرج البخاري في كتاب الجنائز (باب يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه): أنه عندما طعن عمر بن الخطاب t دخل عليه صهيب يبكي يقول واأخاه، واصاحباه، فقال عمر t يا صهيب أتبكي علىَّ وقد قال رسول الله r: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" وقد ذهب هذا المذهب أيضاً الترمذي – رحمه الله-: فقد روى حديث عمرtبلفظ: " الميت يعذب ببكاء أهله عليه" ، ثم قال: وقد كره قوم من أهل العلم البكاء على الميت، قالوا: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وذهبوا إلى هذا الحديث ملاحظة: المقصود بالبكاء في هذه الأحاديث: هو البكاء الذي يصاحبه نوح. ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت النبي r يقول: "إن كذباً علىَّ ليس ككذبٍ على أحد، من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، سمعت النبي rيقول: من نِيح عليه يعذب بما نِيح عليه" وعند البخاري أيضاً عن عمر t أن النبي r قال: "الميت يعذب في قبره بما نِيح عليه" أما البكاء الذي هو دمع العين، فلا مؤاخذة عليه ولا ذنب فيه. قال الشوكاني في النيل (2/102): فيجمع بين الأحاديث بحمل النهي عن البكاء مطلقاً ومقيداً بِبَعْدِ الموت على البكاء المفضي إلى ما لا يجوز من النواح والصراخ ...وغير ذلك، والإذن به على مجرد البكاء الذي هو دمع العين، ومالا يمكن دفعه من الصوت. أهـ وهذا هو الرأي الذي ينبغي المصير إليه، ويدل عليه كذلك تبويب البخاري والحديث الذي ذكره:"إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" أي:لا يُعَذَّب بكل بكاء. فالبكاء الذي تدمع فيه العين ولا شق ولا لطم معه، لا يؤاخذ صاحبه به، وقد جاءت في ذلك نصوص كثيرة تذكرها بمشيئة الله في مبحث: "ما يباح لأهل الميت فعله" وسيأتي... وقد نقل النووي – رحمه الله-: الإجماع على أن المراد بالبكاء في الحديث: هو البكاء بصوت ونياحة، فقال – رحمه الله-: وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين. ونأتي هنا إلى الإشكال وفيه أن عائشة ـ رضي الله عنهاـ أنكرت أن يكون الرسول r قد قال هذا: أي: "إنما يعذب الميت ببكاء الحي عليه" ففي صحيح البخاري أن ابن عباس – رضي الله عنهما- ذكر لعائشة ما قاله عمر t بعد وفاته، فقالت: "رحم اللهُ عمرَ، والله ما حَدَّثَ رسول الله r أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن الرسول r قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، حسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(فاطر:18) فكيف الرد على هذا الإشكال؟ وكيف يمكن الجمع بين حديث عائشة – رضي الله عنها- وباقي الأحاديث السابقة والتي فيها: "أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه" ؟ أولاً: وقبل الجمع بين حديث عمر وحديث عائشة – رضي الله عنهما - لابد أن نعلم أن إنكار عائشة لكلام عمر tلا يعني ذلك صحة ما ذهبت إليه عائشة – رضي الله عنها -، فكونها أنها لم تسمع، لا يعني أن هذا لم يحدث، فالمثبت مقدَّم على النافي لأنه عنده مزيد علم. قال القرطبي- رحمه الله – كما قال في فتح الباري (3/154): إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة، أو النسيان، أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً فهذا كله بعيد؛ لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح. إذاً: كيف نجمع بين الأدلة في كون الميت يعذب ببكاء أهله، وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} اختلف العلماء في الجواب عن ذلك إلى ثمانية أقوال أقربها إلى الصواب هي: 1- أنهم يبكون عليه وإنه ليعذب في قبره. 2- أنه يعذب بتوبيخ الملائكة له بسبب تعديد شمائله ومحاسن أفعاله. كما جاء في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير قال: "أُغمي على عبد الله بن رواحة t فجعلت أخته عمرة تبكي [وتقول]: واجبلاه، واكذا واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلا قيل لي، أنت كذلك؟! فلما مات لم تبكِ عليه" بل إن هذا المعني ورد صريحاً في الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند حسن من حديث أبي موسي الأشعري t أن رسول الله rقال: "ما من ميت يموت فيقوم باكيه، فيقول: واجبلاه، واسيِّداه...أو نحو ذلك، إلا وُكِّلَ به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟!" ـ اللهز: هو الدفع بجمع اليد في الصدر (أو اللهزمة والرقبة) . ولعل هذا ما كان يقصده عمر؛ ولذا فإنه نهى أخاه صهيب عن النواح والتعديد عليه. قال الحافظ في الفتح ضمن التأويلات التي تأولها فقال: وهذه الأحاديث تدل على أن العذاب هو توبيخ الملائكة. 3- إن معني يعذب: أي يتألم بسماعه بكاء أهله عليه، ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة، وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى (24/374): وأما تعذيب الميت، فالنبي r لم يقل:"إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه"بل قال:"يعذب" والعذاب أعم من العقاب، فإن العذاب هو الألم، وليس كل من تألم بسبب ذلك عقاباً له على ذلك السبب، فإن النبي r قال كما في مسند الإمام أحمد: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه" فسمي السفر عذاباً وليس عقاباً. (صحيح الجامع:3686) والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها مثل: الأصوات الهائلة، والروائح الخبيثة، والصور القبيحة، فهو يتعذب بسماع هذا، وشَمُّ هذا، ورؤية هذا، ولم يكن ذلك عملاً له عوقب عليه. فكيف ينكر أن يعذب الميت بالنياحة، وإن لم تكن النياحة عملاً له يعاقب عليه؟!. 4ـ إن حديث عمر محمول على مَن أوصى بالنواح عليه، أو كان يعلم أنهم سيفعلون هذا من بعده ولم ينهاهم، أو أن النواح من سنته، وهذا هو قول الجمهور، وهو الراجح إن شاء الله. أهـ باختصار من فتح الباري(3/150) وقد ترجم البخاري لحديث عمرt باب "قول النبي r: "يعذب الميت ببعض ما ينح عليه"إذا كان النوح من سنته ، وإن لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة – رضي الله عنها –: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – كما في فتح الباري(3/351) تعليقاً على كلام البخاري: وتقيد ذلك بمن كانت تلك سنته أو أهمل النهي عن ذلك، فالمعني على هذا أن الذي يعذب ببعض بكاء أهله من كان راضياً بأن تكون تلك طريقته. ولذلك قال المصنف (البخاري): فإذا لم يكن من سنته، أي كمن لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئاً من ذلك أو أدَّى ما عليه؛ بأن نهاهم فهذا لا مؤاخذة عليه بفعل غيره. أهـ من كلام الحافظ وقال عبد الله بن المبارك – رحمه الله-: أرجو إن كان ينهاهم في حياته أن لا يكون عليه من ذلك شيء " (فتح الباري: 3/351) وقال القرطبي – رحمه الله – كما في التذكرة صـ102: قال بعض العلماء أو أكثرهم:"إنما يعذب الميت ببكاء الحي عليه" إذا كان البكاء من سنة الميت واختياره، كما قال بعضهم: إذا أنا متُّ فانعيني بما أنا أهله وشُقِّي علىَّ الجَيْبَ يا ابنةَ معبد وقال ابن الأثير في جامع الأصول (103): وقد كان النواح ولطم الخدود وشق الجيوب من شأن أهل الجاهلية، وكانوا يوصون أهاليهم بالبكاء والنوح علهيم وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم، وموجوداً في أشعارهم كثيراً، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك؛ لما تقدم إليهم في وقت حياته وقال النووي – رحمه الله – في شرح مسلم: واختلف العلماء في هذه الأحاديث فتأولها الجمهور على من أوصى بأن يُبْكَى ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم؛ لأنه بسببه ومنسوب إليه، قالوا: فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه، فلا يعذب، لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(فاطر:18) ثانياً ـ ومن الأمور المنهي عنها: ضروب الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية:وهي من الأمور المحرمة وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود t أن النبي r قال: "ليس منا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" قال الحافظ في الفتح (3/195): قال المهلب: قوله: "ليس منا"ليس متأسياً بسنتنا، ولا ممتثلاً لطريقتنا التي نحن عليها، كما قال r:" ليس منا من غشنا"لأن لطم الخدود، وشق الجيوب من أفعال الجاهلية. وقوله:"لطم الخدود" خص الخد بذلك؛ لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك، وقوله:"وشق الجيوب" جمع جيب، وهو ما يفتح من الثوب؛ ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه: إكمال فتحه إلى آخره، وهو من علامات التسخط وقوله:"ودعا بدعوى الجاهلية" ـ وفي رواية مسلم:"بدعوى أهل الجاهلية" أي: من النياحة ونحوها، وكذا الندبة كقولهم: "واجبلاه" ,وكذا الدعاء بالويل والثبور.أهـ وندبة الميت في هذا الزمان هي التعديد المعروف عند النساء تقول إحداهنَّ: "يا سبعي، يا جملي" مما هو مشهور, وهذا كله منهي عنه. فقد أخرج البخاري من حديث النعمان بن بشيرtقال: "أُغمي على عبد الله بن رواحة t فجعلت أخته عَمْرَةُ تبكي: واجبلاه، واكذا تُعَدِّدُ عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلا قيل لي، أنت كذلك؟!، فلما مات لم تبكِ عليه" أي: تعدد عليه وتندبه. أخرج الترمذي من حديث أبي موس الأشعري t أن الرسول r قال: "ما من ميت يموت فيقوم باكيه، فيقول: وإجبلاه !واسيِّداه! أو نحـو ذلك، إلا وُكِّل بــه ملكـان يلهزانه ؛أهكذا كنت؟" (صححه الألباني في صحيح الترمذي:801) تنبيه: هناك حديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي موسي الأشعري t مرفوعاً: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فإذا قالت النائحة: واعضُداهُ، وامانعاه، وناصراه، واكاسياه، فقيل له: أناصرها أنت؟ أكاسيها أنت؟ أعضُدُها أنت ؟" (وهذا الحديث ضعيف ضعفه الألباني في ضعيف الجامع:1793) فلطم الخدود، وشق الجيوب، والتعديد، والندب كلها من فعل الجاهلية كما كان البعض منهم يقول لزوجته وهو على فراش الموت: إذا أنا متُّ فانعيني بما أنا أهله وشُقِّي علىَّ الجَيْبَ يا ابنةَ معبد ثالثاً ـ ومن الأمور المنهي عنها: حـلـقُ الشـعـر عند نزول المصيبة: وهو محرم. فقد أخرج البخاري من حديث أبي بُردة بن أبي موسى قال: "وجع أبو موسى وجعاً فغُشِيَ عليه، ورأسه في حِجْر امرأةٍ من أهله، فصاحت امرأةٌ من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً، فلما أفاق قال: أنا بَرِيءٌ ممن بَرِئَ منه رسول الله r، فإن رسول الله r برئ من الصالقة والحالقة والشاقة" ـ الصالقة: هي التي ترفع صوتها بالنياحة عند الفجيعة بالموت، أو عند نزول المصيبة. ـ الحالقة: هي التي تحلق رأسها عند المصيبة. ـ الشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة. قال النووي – رحمه الله- كما في الأذكار صـ145: وكل هذا حرام باتفاق العلماء، وكذلك يحرم نشر الشعر، ولطم الخدود، وخمش الوجه، والدعاء بالويل. رابعاً ـ ومن الأمور المنهي عنها:نـشر الشـعـر: وهو نفشه ونشره وتفريقه عند المصيبة، وهو محرم. فقد أخرج أبو داود بسند صحيح أن امرأة ممن بايعت الرسول rقالت: "كان فيما أخذ علينا رسول الله r في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نعصيه فيه، وأن لا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، وأن لا ننشر شعراً" ـ أن لا نخمش وجهاً: أي لا نجرح وجهنا بالظفر، وهو ما ينتج عن لطم الخدود، أو تعمد جرح الوجه بالأظافر. ـ ولا ندعو ويلاً: لا نندب بـ(ياويلاه) ـ أن لا ننشر شعراً: أن لا ننفش شعراً. · خطأ يقع فيه الرجال: وإعفاء بعض الرجال لحاهم أياماً قليلة حُزناً على ميتهم، ثم بعد ذلك يعودوا إلى حلقها، فهذا الإعفاء في معنى نشر الشعر، فالأصل أن يعفوها ولا يحلقوها قال ابن القيم كما في زاد المعاد (1/527): وكان من هديه r السكون والرضا بقضاء الله، والحمد لله والاسترجاع، ويبرأ ممن خرق لأجل المصيبة ثيابه، أو رفع صوته بالندب والنياحة أو حلق لها شعره هذا وقد وجه سؤال إلى سماحة الشيخ/ ابن باز – رحمه الله – وفيه: ما حكم الشرع في النساء اللاتي يلطمن خدودهن عند حدوث حالات وفاة؟ فأجاب - رحمه الله -: لطم الخدود، وشق الجيوب، والنياحة عند المصيبة، كل ذلك محرم لا يجوز. لقول النبي r:"ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية". (متفق عليه) وقوله r:"أنا برئ من الصالقة والحالقة والشاقة". (متفق عليه) وقال رسول الله r: "أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة" (رواه مسلم) وقال r: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" (رواه مسلم في صحيحه) فالواجب عند المصيبة الصبر، والاحتساب، والحذر من هذه الأمور المنكرة، والتوبة إلى الله مما سلف من ذلك. لقول الله سبحانه:{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وقد وعدهم الله خيراً كثيراً فقال: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155ـ157) (فتاوى المرأة صـ40-41) سؤال: هل يجوز لبس الثوب الأسود حزناً على المُتَوَفَّى، وخاصة إذا كان الزوج ؟ فقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله – كما في فتاوى المرأة صـ65: لبس السواد عند المصائب إشعار باطل لا أصل له، والإنسان عند المصيبة ينبغي له أن يفعل ما جاء به الشرع، فيقول: "إن لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي ،واخلف لي خيراً منها" فإذا قال ذلك بإيمان واحتساب، فإن الله سبحانه وتعالى يأجره على ذلك، ويبدله بخير منها، أما ارتداء السواد وما شابهه فهو لا أصل له. وهو أمر باطل ومذموم. أهـ خامساً ـ ومن الأمور الممنوعة: ألا ينعوه نعياً منهياً عنه: والنعي: هو الإخبار بموت الميت، والنعي نعيان: نعي ممنوع، ونعي مشروع. والنعي المشروع: هو الإخبـار عن وفاة الميت؛ لكي يجتمع الناس لتجهيزه، والصلاة عليه، ودفنه ... ونحو ذلك. ومما يدل على هذا:- 1ـ ما أخرجه البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: "أن رسول الله r مر بقبر قد دُفِنَ ليلاً، فقال: متى دُفِنَ هذا؟ قالوا: البارحة، قال: أفلا آذنتموني؟ ـ وفي رواية: ما منعكم أن تعلموني، قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلَّى عليه" 2ـ وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t: "أن رسول الله rنعي النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلَّى فصف بهم وكبر أربعاً" ـ النَجاشي: بفتح النون على المشهور، وقيل: تكسر، واسمه: "أصحمة بن أبحر" ملك الحبشة، والنجاشي لقب له. قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث: فيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام للصلاة عليه، وتشييعه، وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا، وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها. 3ـ وعند البخاري أيضاً من حديث أنس t قال: قال النبي r(يوم مؤتة): "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب – وإن عَيْنَيّ رسول الله r– لتذرفان - ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له" وقد ترجم البخاري لهذين الحديثين: باب الرجل الذي ينعى إلى أهل الميت بنفسه. قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله- في الفتح (3/117): وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، إنما نهي عمَّا كان أهل الجاهلية يصنعون، وكان يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق. أهـ وكذلك النعي بقصد الفخر والخيلاء، كقولهم: مات اليوم فلان، وكان كذا، وأبوه كذا، وقريبه كذا، أو النعي على رءوس المنائر. وقال ابن المرابط: إن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمَّة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء له والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الإعلام بالموت لا يكون نعياً محرَّمَاً وهناك آثار عن الصحابة والتابعين تدل على مشروعية النعي منها:- ـ ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في السنن بسند حسن عن يحيى بن عبد الحميد بن رافع عن جدته: أن رافع بن خديج مات بعد العصر، فأتى ابنُ عمرَ فأخبر بموته، فقيل له: ما ترى، أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال: إن مثل رافع لا يُخْرَجُ به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فأصبحوا فأخرجوا بجنازته. ـ وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ: أنه كان لا يرى بأساً أن يُؤْذِنَ الرجلُ حميمهُ وصديقهُ بالجنازة وقال الحافظ في نفس المصدر السابق (3/117): وحاصله: أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا. وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له ميت يقول: "لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، وإني سمعت رسول الله r بأُذُنَيَّ هاتين ينهى عن النعي". (أخرجه الترمذي، وابن ماجة بسند حسن حسنه الشيخ الألباني، وضعفه بعض أهل العلم) ثم أورد الحافظ كلام ابن العربي - رحمه الله – فقال: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:- الأولـى: إعلام الأهل، والأصحاب، وأهل الصلاح، فهذه سنة. الثانية: الدعوة للمفاخرة بالكثرة، فهذا مكروه. الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة... ونحو ذلك، فهذا يحرم.أهـ ـ ولعل النعي المنهي عنه الذي يقصده حذيفة tفي الحديث السابق، هو من جنس الحالة الثانية والثالثة التي ذكرها ابن العربي وعلى هذا تحمل الآثار التي تنهي عن النعي ومنها:- ـ ما أخرجه عبد الرازق في مصنفه عن محمد بن زيد العمري: أن ابن عمر t كان يتحين بجنائزه غفلة الناس ولعل هذا قبل أن يعرف ابن عمر فضل الاجتماع على صلاة الجنازة، ويدل على هذا حديث رافع بن خديج الذي مر بنا. ـ وأخرج سعيد ابن منصور بسند صحيح عن ابن عون قال: قلت لإبراهيم: أكانوا يكرهون النعي؟ قال: نعم. ـ وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه جملة من الآثار:- * عن أبي وائل أنه قال عند موته:" إذا أنا مت فلا تؤذنوا بي أحداً" * وقال مطرف:" لا تؤذنوا بجنازتي أحداً" * وعن نصر بن عمران بن عصام الضبعي قال: "لا تؤذنوا بجنازتي أهل مسجدي" وكل هذه الآثار التي تنهي عن النعي محمولة على النعي المصحوب بالمفاخرة بالأحساب، وتعديد المآثر، والصياح والعويل، وما يتحف به من أفعال الجاهلية. قال النووي ـ رحمه الله ـ كما في المجموع: والصحيح الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة: أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه، بل إنْ قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب، وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء، وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه، فقد صحت الأحاديث بالإعلام، فلا يجوز إلغاؤها، وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين. والله أعلم.أهـ وقال ابن عبد البر في كتابه التمهيد (6/258): في حديث المرأة السوداء ـ التي توفيت ودفنت دون علم من النبي r، فقال لصحابته: "أفلا آذنتموني"ـ جواز الإذن بالجنازة، وذلك يرد قول من كره ذلك، والحجة في السنة لا فيما خالفها، وقد قال النبيr: "لا يموت أحدٌ من المسلمين فيصلى عليه أمةٌ من الناس يبلغون مائة فيشفعون له إلا شُفِّعُوا فيه" ففي هذا دليل على إباحة الإشعار بالجنازة والاستكثار من ذلك بالدعاء، وقد أجمعوا أن شهود الجنائز خير وعمل بر، وأجمعوا أن الدعاء إلى الخير من الخير.أهـ فالحاصل: أن الإعلام للغسل، والتكفين، والصلاة، والحمل، والدفن، مخصوص من عموم النهي. وقال الألباني في أحكام الجنائز صـ32: ويجوز إعلان الوفاة إذا لم يقترن به ما يشبه نعي الجاهلية، وقد يجب ذلك إذا لم يكن عنده من يقوم بحقه من الغسل والتكفين والصلاة عليه... ونحو ذلك. س: هل يجوز النعي في المساجد؟ جـ: ذهب فريق من أهل العلم: إلى المنع من ذلك. واستدلوا بالأدلة التي تنهى عن النعي وقالوا كذلك:إن النعي في المساجد يلبس ويشوش على الناس صلاتهم وقراءتهم. قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ كما في التاج والإكليل (2/241): أما النداء بالجنازة في المسجد فلا يجوز لكراهة رفع الصوت في المسجد. وفي نفس المصدر قال ابن القاسم ـ رحمه الله ـ: سُئل مالك عن الجنائز يؤذن بها على أبواب المساجد فكره ذلك، وكره أيضاً أن يُصاح في المسجد بالجنازة ويؤذن بها، وقال: لا خير فيه، وقال: لا أرى بأساً أن يدار في الحِلَق يؤذنُ الناس بها ولا يرفع بذلك صوته. أهـ وهذا ما كان يفعله أبو هريرة t فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عروة قال: "تُوفِّي رجل، قال: فجعل أبو هريرة يمر بالمجالس، ويقول: إن أخاكم فلاناً تُوفِّي فاشهدوا جنازته" لكن ذهب فريق آخر من أهل العلم: إلى جواز النعي في المساجد، واستدلوا بما يلي:- 1ـ ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك t قال: " خطب النبي r فقال: أخذ الراية زيد فأصيب ...." الحديث وفي رواية عند الطبراني: " نعى رسول الله r أصحاب مؤتة على المنبر رجلاً رجلاً، بدأ بزيد بن حارثة" 2ـ وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t: "أن رسول الله rنعي النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلَّى فصف بهم وكبر أربعاً" 3ـ وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إياس بن معاوية قال: "جلست إلى سعيد بن المسيب، فقال لي: ممن أنت ؟ قلت: من مزينةَ، قال: إني لأذكر يوم نعى عمرُ بنُ الخطاب النعمان على المنبر" 4ـ وكذلك لما نعى أبو بكرt النبي r للناس ... (والحديث عند البخاري) وفي بعض الروايات جاء فيها: " فقام أبو بكر فصعد المنبر" (أخرجها ابن ماجة بسند فيه مقال) ـ أما مسألة أن النعي في المساجد يشوش ويلبس على الناس صلاتهم وقراءتهم فالرد على هذا: إنه قد ثبت في السنة رفع الصوت في المسجد من أجل الخصومة، ولم ينكر النبي rذلك. فقد أخرج البخـاري في باب " رفع الصوت في المساجد" وعند مسلم كذلك من حديث عبد الله بن كعب بن مالك: " أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديْناً كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله r وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه أي الشطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: قم فاقضه" قال النووي- رحمه الله- في شرح هذا الحديث: قال القاضي: قال مالك وجماعة من العلماء: يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره، وأجاز أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك ـ رحمه الله ـ رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة ... وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس؛ لأنه مجمعهم ولابد لهم منه. أهـ ويتضح مما سبق: أنه إذا جاز رفع الصوت في المسجد للعلم أو للخصومة، فيجوز للنعي حتى يكثر عدد المصلين، وهذا أنفع للميت، وكذا لمن حضر الصلاة عليه حتى يرجع بقيراط في الجنة، أضف إلى هذا أنه يمكن أن يعلن الناعي في السماعات الخارجية للمسجد ويغلق الداخلية، فيتم الإعلام والإخبار دون تشويش على مَن بداخل المسجد. وأميل في هذه المسألة إلى أمر وهو: إن كان الإخبار عن الميت في المساجد عن طريق المنـائر فلا يذكر اسم الميت؛ لأن هذا جرَّ الناس إلى تعديد شمائله، ومآثر عائلته، وهذا يشبه نعي الجاهلية، والمنائر لم تُبنَ لهذا، لكن عليه أن يعلن فقط عن وجود صلاة جنازة بالمسجد دون ذكر للاسم، وهذا سيفي بالغرض (وهو اجتماع الناس للصلاة عليه). ـ أما إن كان سيتم الإعلان والإخبار عن الميت داخل المسجد، وعدم إعلان ذلك على المنائر فلا مانع من ذكر اسمه كما فعل النبي r وأصحابه. والله أعلم [1])) قال ابن المنظور في لسان العرب (6/4570): والمناحةُ والنوح: النساء يجتمعن للحزن. والتَنَاوُحُ: التقابل: ومنه تَنَاوُحُ الجبلين ,وتَنَاوُحُ الرياح، ومنه سميت النساء النوائح، نوائح لأن بعضهن يقابلن بعضاً إذا نُحْنَ، وعرفها القاضي عياض فقال: هو اجتماع النساء للبكاء على الميت متقابلات. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]()
وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ مع " الْغُسْلُ بَيْنَ المَشْرُوعِ وَالمَمْنُوعِ" فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان على إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه. هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفر لي وإن وجدت العيب فسد الخللا جلّ من لا عيب فيه وعلا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا والله تعالى أعلى وأعلم......... سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() بارك الله فيك وجزاك خيرا .......................... |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() بارك الله فيك لكن الموضوع مكانه ليس هنا "لكل مقام مقال وشكرا |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() بارك الله فيك |
|||
![]() |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الجامع لاحكام |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc