أمر خطير , ساحر في مدرستنا ....

[zima2012zima]

قصتي عبرة لكلامكم :

بعد تخرجي من الجامعة في مجال الترجمة , لم أرى التعليم مجال أود أن أشتغل فيه ,لما أسمعه عنه , و أنا في عمر 22 سنة, و لكن في أحد الأيام , جاءني شخص يشتغل في مدرسة متوسطة في قريتنا ,طالبا مني أن أشغل منصب استخلاف في مادة اللغة الفرنسية لأستاذة في عطلة مرضية .

رفضت في الأول و لكن شخصيتي محبة للتحدي ,فوجدت في الأمر تحدي أردت أن أثبت به لنفسي و لكثير من الناس أمورا لطالما آمنت و اعتقدت بها .

عند دخولي الأول, بدأ كل شخص في المؤسسة ينصحني بنصيحة ," اترك عنك هذا المجال , احذر , الأطفال شياطين " .. و غيرها مما جادت به أفواه المحبطين و المثبطين.

و لكن ضربت بها عرض الحائط متبعا ايماني بأن المشكل يكمن في المركز الأول بالأستاذ و ليس التلميذ.
بدأت مرحلة جديدة في حياتي معهم , عاملتهم, علمتهم , درستهم , ضحكت معهم و سعدت بصحبتهم لمدة 3 أشهر , و رغم أن مستواي في اللغة الفرنسية ليس بالعالي , ولكن اسلوبي في التعليم كان أكثر من ناجح , أصبح كل التلاميذ دون استثناء يتحدثون عني بالخير أمام باقي زملائهم في أقسام أخرى لا أدرسها أصلا , أصبح يأتيني بعض التلاميذ طالبين مني حضور جميع الحصص التي أدرسها حتى و ان كانت ليست في نفس المستوى الدراسي الذين هم فيه ,فأجد تلاميذ السنة 2 متوسط يحضرون مع تلاميذ السنة 3 والعكس .

حتى أنه في أحد الأيام كان هناك استدراك , لمستوى السنة 2 متوسط , و أنا في الأصل ادرس قسمين في المستوى الثاني فقط , فقلت في نفسي لن أختار التلاميذ لكي يحضروا رغما عنهم و سأدع المجال لهم ,لأني كنت أضن أنه لن يحضر لي أكثر من 10 الى 15 تلميذا من القسمين .... , تخيلوا أنه على الساعة الرابعة مساءا أي وقت انطلاق حصة الاستدراك ,توجهت الى قسم الاستدراك ,و اذ بي أجد صفين طوييييييييلين للغاية , حتى أن القسم لم يرفعهم , و كثير من التلاميذ بقوا واقفين طوال الحصة , تخيلوا أنه حضر للحصة أكثرمن 75 تلميذ من كلا القسمين , مع مجموعة تلاميذ من مستويات أخرى ...... حتى أن المدير و الادارة وبخوني على كيف أن أحضر75 تلميذ لكي يحضروا الاستدارك , ولكن ما عساي أن أفعل ان كان هناك 75 تلميذ رأو النور , لأنهم لطالما حصلوا على نقاط كارثية في مادة اللغة الفرنسية كما تعرفون و نحن في الجنوب الأمر أسوأ و أسوأ.

بعد مرور بعض الوقت , أصبح يأتيني الأولياء يشكرون و يبحثون عني لكي يتعرفو على الاستاذ الجديد الذي أصبح بسببه أولادهم يدرسون اللغة الفرنسية طوال الليل كما قال لي أحد الأولياء : ابني أصبح يدرس اللغة الفرنسية ليل نهار و هو الذي كان يحصل على نقطة 1 أوا2 من أصل عشرين طوال مسيرته الدراسية.


و جاء يوم الامتحان( الفرض الأول) قلت في نفسي أن هذه لحظة الحقيقة لكي أعرف مدى نجاعة عملي , و هنا كانت الصاعقة, نتائج خرافية لكل التلاميذ الذين درستهم , تخيلوا أن هناك قسم تحصل فيه 6 تلاميذ على نقطة 20 من 20 و الباقي من 17 الى 19 و قلائل حصلوا على 12 الى 17 و 4 تلاميذ فقط حصلوا على نقطة 9 من عشرين.

يوم توزيع النتائج كنت أسألهم عن النتائج السابقة قبل أن أعطيهم نتائجهم الحالية , فصعقني الأمر حقا , أسأل الأول : كم حصلت في الاختبار الأول فيقول" 2.5من عشرين يا الشيخ" و هو الان حاصل على 14 في هذا الفرض , و اخر حصل على 1 من عشرين في الاختبار الأول و هو الذي حصل على 12 في هذا الفرض و غيرها من النقاط التي جعلتني أفكر مرة أخرى , هل المشكلة كانت في الأستاذ أم كانت في التلميذ؟؟.

سمع المدير و الإدارة و الأولياء بهذه النتائج فكانت التبريكات و الفرحة تغمرهم ,و الاباء كذلك . عندها عرفت أنني وصلت الى غايتي و مبتغاي .

يسأل البعض و يقول ما السر وراء نجاحي , دعني أقول أنه ليس مستواي في اللغة الفرنسية مع العلم أنه مستوى عادي ,و ليس في "التزيار" لأني و لحد كتابة هذه الأسطر لم آخذ معي أي أداة للضرب الى المتوسطة , السر بسيط , هو معاملة التلميذ كتلميذ لا أكثر و لا تنسى الابتسامة , و درس التلميذ مثلما كنت تود أن يدرسك اساتذتك من قبل عندما كنت تلميذا في نفس المرحلة.

الان , لا يفصلني على انهاء عقدي في الاستخلاف سوى 10 أيام أو أقل.

جاء العديد من الأولياء يطالبون المدير ببقائيأو تجديد عقدي, لحسن الحظ هناك أستاذة فرنسية كذلك ستنتهي مهامها في هذه الفترة ,فقرر المدير أن أجدد عقدي الى نهاية الموسم الدراسي و الفرحة تعلوا وجهه , لكنه صدم عندما رفضت أن أجدد عقدي في الاستخلاف , فصرخ علي و بدأ يتكلم بصوت عالي , لماذا ؟ التلاميذ يحبونك , لقد حققت نجاحا كبيرا .... حتى اجتمع علينا الاساتذة و المراقبين ضنا منهم أننا كنا نتخاصم , ولكن قلت أن هدفي تحقق, و هو تحدي جديد أخوضه و أبرهن لنفسي و لعديد من الناس أمورا كان عليهم حقا أن يدركوها, حاول معي جميع من أعرفهم في المؤسسةو حتى من لا أعرفهم , الا أنني رفضت.

جائني أولياء لعديد من التلاميذ الا أنني رفضت ,لأني وصلت الى مبتغاي ,و برهنت لهم جميعا أن التلميذ ضحية أستاذ لا يفكر الا في نفسه أو في النقود لا أكثر , لماذا لم نسمع في حياتنا على اضراب قام به الاساتذة لأن مستوى زملائهم ضعيف و منحط ؟؟

ها انا اليوم أخرج من هذا الميدان مثلما دخلت اليه , تاركا ورائي إيمانا زرعته لدى التلاميذ بأن بإمكانهم أن يدرسوا اللغة الفرنسية مثلما يدرسون العربية و غيرها من المواد التي يبدعون فيها.

الأمر الذي حز في نفسي هو دموع التلاميذ بعدما عرفوا أنني سأتركهم ,و الله ان القلب ليتألم لمثل هذه المشاهد و لكم أن تتخيلوا تلميذة غمرت عيناها الدموع وهي تقول " مونسيو , الفرنسية أصبحت عندي أسهل من العربية و حتى من الرسم" و اخر يهدد بأنه سيقوم بشن اضراب على كل المواد هو و زملاؤه في كل الأقسام ان رحلت.

تبسمت والقلب يعتصره الألم ,هدأت من روعهم ,نشرت بسمة صغيرة على وجوههم البريئة ,و وضحت لهم أن هناك ضروفا لا يعلمون بها بحجة أنهم صغار , و وعدتهم أنهم لو تابعواو ثابروا سيحققون نتائج أفضل حتى من التي حصلوا عليها معي.
ا
الحمد لله الذي هدانا الى هذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله رب العالمين , هو تحدي ليس بالأول و لا بالأخير ,أخوضه , لا لشيء الا لأنني أود أن أبرهن أمورا لطالما اعتقد الناس عكسها.

أما عن الراتب و لأنه كان آخر همي ,فقد ضحكت كثيرا عندما سمعت أنه سيأتي بعد أكثر من سنة و قد يصل الى سنوات , هذا ان أتى أصلا.

و في هذ الأيام وردني اتصالين من شخصين لا أعرفهما , كل منهما طالبني بشغل منصب استاذ في ثانوية قريبة , اكتشفت بعدها أن أحدهما هو مدير للثانوية ,لكي أدرس تلاميذ الباكالوريا , و لكن هذه هي المسؤولية التي لن أود تحملها .

في الأخير أود أن أقول لكل أساتذتي الكرام الذين أصبحوا في مدة3 أشهر( زملائي ) عامل تلميذك مثلما كنت تود أن يعاملك أساتذتك من قبل ودرسهم مثلما كنت تود أن يدرسوك.

ولكم مني سلام على أمل أن نرى جزائر الغد يقودها شباب اليوم ,و الدنيا لا زالت بخير .