الثورة ومحنة المثقفين / عزلة العقل وثقافة القطيع

[أبو يوشع]

الثورة ومحنة المثقفين / عزلة العقل وثقافة القطيع

المثقف الوطني طالما كان وصمة عار بحق حكام العرب وطالما كان من المحتم عليه أن يمر عبر أقنية الحكام وأن يتكلم باسمهم ووفقاً لرؤيتهم وإلا خون أو سخف أو نفي أو قتل أو اعتقل
فمن قبل قال أحد فيلسوفي الماركسية فردريك آنجلس في كراسه ( الحرب الفلاحية في ألمانيا ) بأن هؤلاء – ويقصد هنا اشباه المتعلمين الذين يدعون العلم بالثقافة – بأنهم (يرفعون نخب كأس الحزب عالياً في أيام السلم ) ، بينما وصف الجمهرة الكبرى من الهتيفة والمصفقين ومن على شاكلتهم من الغوغاء الذين يندسون في الحزب الثوري ب ( حثالة البروليتاريا الذين يساهمون في فشل معظم الثورات والحركات الجماهيرية وهم السبب الرئيسي في فشلها وابتعاد الجماهير عنها ) ..
وعندما ظهرت براعم ثورات (الحرية) في عالمنا العربي استبشرت هذه الطبقة من المثقفين الوطنيين - والتي يوصفها لقب المعارضة الوطنية - خيراً عل محنتها تنتهي .. لكنها اصطدمت بواقع القوى الثورية الذي هو أمر وأدهى مما كانت تعانيه .. هذا الواقع الذي ينفي الآخر نفياً تاماً والذي تجاوز بطروحاته الفقيرة فكرياً – إن وجدت – كل المسلمات والبديهيات الفكرية والفلسفية والمجتمعية مناصباً العداء لها ، متخذاً من الدين ستاراً فولاذياً مقبلاً لا يمكن اختراقه أو المس به .. إن كان في مصر أم في تونس أم في ليبيا أم في سورية ..
ونرى مثالاً صارخاً لهذه القوى الثورية الجديدة في سورية التي تكالب عليها كل قياصرة الأعراب والأجانب .. على الكيان السوري وعلى الشعب السوري .. هذا الكيان المطلوب تفتيته وتمزيقه وهذا الشعب المطلوب تفرقته وتجهيله وتسخيف مثقفيه وعلمائه أو قتلهم كي يبقى العرب متربعين على عرش التخلف العالمي .. فهاهي جحافل الجيش الحر في سورية من كل حدب وصوب تتحرك متخذة من الحق الإلاهي نبراساً لتحركها الذي يسير على هدى كلام جورج بوش الابن ( من ليس معنا فهو ضدنا ) ضاربة عرض الحائط بمعنى كلمة الحرية التي اتخذتها اسماً وشعاراً لتعزل طبقة المعارضة الوطنية من جديد بعد فشل الحوار الوطني في استيعاب هذه الطبقة إلا ما ندر والتي وجدت أن لا دور لها يذكر في هذه المعركة الضروس .. فالحرية المنشودة على يد العرعور وآل عثمان وآل سعود ومن خلفهم العم سام ترى في هذه الطبقة خطراً محدقاً يهدد مشاريعها وطموحاتها كما يهدد مصداقية جحافل الجيش الحر والتنظيمات التكفيرية التي اتخذت من الجيش العربي السوري عدواً لها ، في معركة واضحة من أجل إضعاف وتفكيك آخر جيش عربي وطني متماسك ، معتبرة أن واجبه في بسط الأمن على الأراضي السورية هو احتلال لهذه الأراضي ، وكأنه مكون من مرتزقة أجانب وليس من أبناء هذا البلد الذي تشهد مدنه وريفه مسلسل دم يحصد يومياً العشرات من القتلى لتبقى مواكب التشييع هي الحدث الأبرز الذي يزيد الفرقة يومياً بين عموم الشعب ويزيد العزلة يومياً لأصوات العقل التي باتت في حيرة عمياء أسورية هذه التي نراها الآن أم بلد آخر ..


بقلم علاء غانم
2012/9/7