فن الادّعاء عند أرباب الخواء .. عيّنات بشرية نماذجا

[بنت الرّحّل]

فن الادّعاء عند أرباب الخواء .. عيّنات بشرية نماذجا

(قال انجليزي : أخلاقنا تظهر دائما في العمل
وأخلاقكم تظهر دائما في الكلام الفارغ)
الرّافعيّ

أعتقد أنّـه يجب علينا أن نطالب بإدراج فنّ جديد ضمن قائمة الفنون التي اختُرعت أو بالأصحّ: التي اخترعناها ! فنحن يوما بعد يوم نثبت -وبجدارة- أنّنا لسنا أقواما مستهلكين فحسب ؛ وإنما نحن أقوام منتجون بل ومبدعون أيضا ، لدرجة أنّ إبداعنا ليس خاصا بأعلام معيّنين ولا مجالات محدودة إذ هو عامّ شامل لجميع الطبقات في المجتمع ولجميع الجوانب ... إنّه فـنّ (الادّعاء) ! فإنّ للادّعاء باللسان سهولة لا توصف بشيء ألبتة فإنّك إن رُمت تشبيهها ظلمت سهولة هذا الفنّ وسهولة اكتسابـه .
برزت علينا في عصرنا - ونحن أهل عصرنة ومواكبة ؛ نتلّقف كل جديد مهما كان . المهم أنه جديد ، ونمشي مع أهل الوقت كيفما مشوا ولو مشوا مشية بطريق - كنت أقول في عصرنا سلوكيات غريـبة غزت المجتمع وتجلّيها ألفاظ تستوطن الألسن ، وأقوام يدّعون ما ليس فيهم

فمن الناس أقوام ....(1)
اشتهروا بنمط من الكتابة والألفاظ والمباني عارية تماما عن حقيقة ( الأدب) حتى قال أحدهم معلّقا على هذا النّوع من الكتابات التي تربّعت على عرش الشّهرة أنـه (أدب بدون أدب) فهو مخل بالحياء والقيم ، بعيد عن الأخلاق وآداب الإسلام والفضائل التي دعا إليها
فيا له من أدب مذهل ... ليس فيه شيء من الأدب!(2)
ولا غرابة أن يجد هؤلاء المدّعون للأدب والأحاسيس المرهفة أصحاب المشاعر الشهوانية أن يجدوا شعارا براقا يمرروا به شهوانيتهم إلى غيرهم ، فهم يودون لو فسد النّاس مثلهم ، وهم قوم يستحقون أن يُرفعوا عند من هم على شاكلتهم إذ الطيور على أشكالها تقع ...
ومع ذلك فإنك تجدهم أبطالا أفذاذا ورجالا زهّادا وإن تكلموا عن (الأخلاق ) فهم فرسانها يبكون الظلم وفيه قد وقعوا ، ويشكون فساد الزمن وهم من أفسده
فيا لها من أخلاق ... ليس فيها شيء من الأخلاق ...!

ومن الناس أقوام ....
يتغنّون بحب الأجداد والتعلق بهم، ولسانهم (تراثنا) (أمجادنا) (تقاليدنا) ( هويتنا)...ثم أنت بعد ذلك لا تجد إلا طبلا وزمارة ورقصا على نغماتها في كل مناسبة تراثيةأحب التقاليد إليهم ماكان شركا أو خرافة أو مادة للمفاخرة والخيلاء ...
فيا له من تراث ثقيل .. ليس فيه شيء من التراثية...!

ومن الناس أقوام ....
إذا تحدّثوا خلت أنهم قد تخرجوا من معاهد سياسية أومدارس عسكرية فالتحليلات تنهال عليك والتصويبات لفلان وفلان وكأنك في عالم غير العالم الذي تعرفه .. مراجعهم أخبار صحفية، وأنشطة تلفيزيونية

فيا لها من سياسة ... ليس فيها شيء من السياسة ...!

ومن الناس أقوام ....
هم أصحاب ( واحدة ونص ورقصني يا ....) يوصف أحدهم بـ(القدير) و(العظيم) الذي ضحى في سبيل الفن ، عاش ومات عليه وإن كان حيا فسيموت عليه إن شاء الله -ولنعم الميتة هي عندهم - يقيمون عليها الحفلات التكريمية والندوات الفنية زعما على شرفـه ...! وإن هذا لشرف عظيم للدول العربية والإسلامية فهم قدّموا لها رقيّا في مجالات اللهو لم يسبق إليه أحد من قبل
فيا له من شرف ....ليس فيه شيء من الشرف ...!


ومن الناس أقوام....

يعيشون حياتهم الدينية على الرخص من هنا وهناك يجمعها أحدهم في عقله ثم تظهر في سلوكه كأنها ثوب بخرق منوعة وألوان متعددة
فهو في الغناء على مذهب فلان في الجواز
وفي الربا على مذهب فلان في الجواز
وفي التعامل مع النساء والتبسط معهم واتخاذ الصديقات منهن على رأي فلان
وفي الرقص أو رؤيته على قول فلان من الناس
وفي الحشمة على رأي فلان من الناس

فيا له من تدين ! ليس فيه شيء من التدين ...!

مع تحيّة بنت الرّحّل

-------------------------
(1) أسلوب مقتبس من كلام العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله
(2) مقتبس من كلام الأستاذ محمود شاكر رحمه الله