بدون مقدمات . ما يحدث من احتجاجات عنيفة و هجوم على السفارات ليس إلا دليل على أن مسيرة إصلاح العقل العربي و المسلم لازالت طويلة . فهذا العقل لازالت تغلب عليه النزعات العاطفية و العدوانية الغريزية و الانانية المركزية .
هذا الشارع المحتج لا يفهم شيء في القوانين الغربية و صلاحيات الحكومة هناك . لا يفهم و لا يريد ان يناقش و أن يفهم , و هو إلى جانب ذلك لا يفهم شيئا في القانون الدولي و لا يملك روحا اخلاقية تجعله يحترم حياة البشر و ممتلكاتهم . شعوب تحكمها عقلية الثأر الجاهلية , فلابأس عندهم ان يقتل سفير و مرافقوه بسبب جرم ارتكبه غيرهم . و لهذا دلالات خطيرة .
الذين يهاجمون السفارات , لا يدركون ان السفراء و أعضاء الهيئات الدبلوماسية لا يجوز الإعتداء عليهم حتى في حالة الحرب و أنهم في حكم الرسل و المبعوثين في كل عصر يعطون الأمان و لا يجوز الاعتداء عليهم , و في حالة توتر العلاقة من حق الحكومة وحدها ان تقرر استدعاء السفير أو طرده أو قطع العلاقات .
الذين يهاجمون السفارات لازالوا يفكرون بعقلية القرون الوسطى و ينسون أنه كما ان للدول الاجنبية سفارات عندهم و فهم ايضا لهم سفراء لدى الدول الاجنبية .
و مهما كان حجم الغضب الشعبي , فمن قبيح الجرم ان نقتل و نعتدي و نخرق العهود و المواثيق . لكن هؤلاء الرعاع من الهمج و الغوغاء لا يهمهم منطق و لا اخلاق و ولا عهود و لا مصلحة عامة و خاصة , فهم يعقدون من أوضاع إخوتهم في الدول الغربية و يمنحون اليمين المتطرف المزيد من الحجج لكسب التأييد الشعبي و هم أيضا يضعون الحكومات لدينا في مواقف محرجة دوليا .
و لكن الاهم من هذا كله . هل هذه الاحتجاجات الهمجية تدل فعلا على حب الرسول و الغيرة على الدين ؟؟ هذه الشعوب التي يسب فيها الله جهارا نهارا كل يوم و صار الامر عادة و لا تغير من هذا الواقع . هذه الشعوب التي تدعي التدين في حين تجد مساجدها فارغة صلاة الصبح . و اهم من هذا كله , هذه الشعوب الفاشلة اقتصاديا و عسكريا و تقنيا و علميا و اخلاقيا ثم تاتي بعد ذلك للتغنى بالغيرة على الدين .
ما يحدث من احتجاجات عنيفة ليس إلا مزايدات رخيصة نريد بها ان نغطي بها عوراتنا و إفلاسنا الديني و الاخلاقي . و سلوكات همجية لشعوب لا تحسن الإحتجاج السلمي و القانوني . نحن نوقع المزيد من الضرر على المسلمين في الغرب لاننا انانيون لا نفكر فيهم , و نحن نضع المزيد من الضغط على حكوماتنا لاننا حمقى لا نعرف مصلحتنا , و نحن ناخذ عمر بجريرية زيد لأننا مفلسون اخلاقيا , و نحن لا نحترم العهود و المواثيق لاننا لا زلنا نعيش وفق مبادئ الجاهلية كقانون الغاب و الغدر و الاستهتار بالنفس البشرية مسلمة كانت أو كافرة .
ما يحدث أيضا دليل على جهل المسلمين . فما جاء في الفيلم و اكثر من ذلك بكثير نجده في كتب المستشرقين و كثير من المواقع . لكن الاسوء من ذلك هو ان معظم المادة التي استلهمها الفيلم ماخوذة من كتب الحديث و السيرة لدينا , رواها و كتبها مسلمون , و البعض لازال يدافع عنها . و لو كنا امة عاقلة لكان من الاجدر أن نعيد مراجعة و قراءة تراثنا الذي قدم لهم تلك المادة للسخرية من النبي بدل ان نلومهم . و أنا مستعد هنا ان اناقش ما جاء به الفيلم و تقديم مصادره في كتبنا . إذا كنا نريد فعلا ان ننظر في عيوبنا و تفاهاتنا و كوارثنا قبل أن ننتقد الغير .