إنَّ القلب ليحزن، وإن النفس لتضيق من التزامٍ صوريٍّ يعيشُ صاحبُه ضمن دائرةٍ ضيقة من معاني الإسلام الظاهرة، فيدور في فلكها دون أن يخالط الإيمانُ شغافَ قلبه لينعكس خُلقاً كريماً وسلوكاً رفيعاً.. وإلى مثل هؤلاء وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطابه فقال: «يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبِعوا عوراتِهم»
وإنك لتعجب من أبي بكرٍ الصّديق حين يقول فيما أخـرجه عبد الرزاق في مصنفه: «لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره عليه»، ولعلَّ ابن هبيرة قد فقِهَ قول الصِّديق فأسرَّها إليك أن «اجتهد أن تستر العصاة؛ فإن ظهور معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام، وأوْلى الأمور ستر العيوب»
إن قلباً كبيراً رحيماً كقلب الصدّيق - رضي الله عنه - قد وسع العصاة المجرمين ليسترهم، وأولئك ضاقت نفوسهم عن نجاحات إخوانهم؛ فأبت إلا أن تتتبَّعَ عوراتهم لتفضحهم؛ فيا لله العجب!
وكان سفيان بن الحصين جالساً عند إياس بن معاوية، فمرّ رجلٌ فنال منه سفيان، فقال إياس: اسكت! هل غزوتَ الروم؟ فرد سفيان أن لا، فسأله إياس ثانية: أغزوتَ الترك؟ فقال سفيان: لا؛ فعلَّمه إياسٌ درساً لم ينسه سفيان أبداً، حين صاح فيه: سلم منك الروم، وسَلِم منك الترك، ولم يسلم منك أخوك المسلم؟!
وهذا الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ـ حفظه الله ـ يعرّي دعاوى زائفة طالما تشدق بها أشباه المتدينين لاستباحة أعراض إخوانهم الدعاة والعاملين في قوله: «إنه ما زال المسلمون إلى يومنا هذا يطلع عليهم بين الحين والآخر مَن يزعم نصرَ الدِّين وقول كلمة الحق، فيترك أهل الأوثان والشرك والإباحية والكفر، ويُعمِل قلمه ولسانه في المسلمين، بل وجدنا منهم مَن لا همَّ له إلا مـشاغلة الدعاة إلى الله والتعرض لهم بالـسبِّ والتشـهير... ولمثل هذه الأمور - التي يرونها مخالفاتٍ وما هي بمخالفات ـ يستحلّون أعراضـهم، وينتـهكون حرمـاتهم، ويفتّشـون على أسرارهـم، ولا يجدون لهم ديناً في الأرض إلا تفريق جماعتهم، وتمزيق وحدتهم وملء صدور الناس بكراهيتهم ومحاولة فضِّ الناس عنهم»