منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كتاب المواقف والأمير عبد القادر الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-06, 08:24   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الأميرة بديعة الحسني
كبار الشخصيات
 
إحصائية العضو










افتراضي

*وكما ترون أيها الأخوة الكرام فالأمير لم يكن شخصية عادية، إذ كان بالتأكيد مسؤولاً عن عائلة كبيرة، عشرة أولاد ذكور وستة إناث وآلاف من المهاجرين الجزائريين بالإضافة إلى مسؤولياته الاجتماعية والخيرية والثقافية، فهو الذي كان يساعد الشيخ طاهر الجزائري الشهير على النهضة باللغة العربية في بلاد الشام، الذي أسس المكتبة الظاهرية بدمشق، والمكتبة الخالدية في فلسطين بأموال كان يدفعها الأمير لهذه المشاريع، وسار في هذا الطريق ابنه علي باشا بعد وفاته. وما أذكره موثق تاريخياً، ومما ذكرته السيدة فادية طرشون في أطروحتها للماجستير في دمشق والتي أهدتني نسخة عنها فور استلامها.


ومما سمعته أيضاً أن الأمير كان يتمنى أن تسمح له الظروف والوقت لتأليف كتاب يرد فيه على كتب قديمة يسميه (الأعلام بأغاليط الإعلام)([1]) لأن التأليف يحتاج إلى تفرغ، وهذا التفرغ كان بعيد المنال ومستحيل في حياة الأمير التي كان يحياها في دمشق.


هذه المعلومات عن الأمير حُفرت في ذاكرتي، لذلك لم أصدق عندما قرأت في كتاب تشرشل الجاسوس البريطاني الحاقد المغرض في الصفحات التي كتبها في لندن أن الأمير كان منتمياً إلى الجمعية الماسونية. هذا الخبر المزعوم من غير أي دليل، الذي نقله عنه جرجي زيدان لم أصدقه، بالإضافة إلى غيره، ولكن لم تكن قناعاتي كافية لنفي كل ما قيل من أكاذيب عن الأمير. كنت بحاجة إلى أدلة ووثائق، وهذا عمل لم يكن سهلاً، مثلاً لو كان لديكم صديق تعرفونه كما تعرفون أنفسكم ملازمين له بحكم الجوار والقرابة العائلية والعمل أيضاً، تعرفون عنه أنه كان ملتزماً بدينه الإسلامي، لا يقرب المحرمات، بل كان من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، شجاعاً، مهذباً، محباً للجميع، وبعد وفاته كتب عنه أنه كان منتسباً إلى نادي قمار، مدمناً على الكحول، جباناً ومغروراً، هل تصدقون عنه هذه الأوصاف؟ ولكن نفيها ليس سهلاً ولا تكفي قناعاتكم، ومن الصعوبة نفي معلومة مر أو مضى عليها أكثر من قرن من الزمان كالتي نحن بصددها وهي نسبة كتاب (المواقف)، ومثال من تاريخنا الإسلامي وهو حرق مكتبة الإسكندرية، ذلك العمل الشنيع الذي نسب إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مدة خمس قرون ظلت أقلام المؤرخين تتناقله من الخلف إلى السلف، ذكرها وأكدها المؤرخ أبو الحسن القفطي في كتابه (تاريخ الحكماء)، ونقلها عنه المؤرخ أبو الفرج بن العبري وغيرهم. ولعل المهارة في أسلوب روايتها سهلت تصديقها خمس قرون فتحت أبواباً للطعن أمام المغرضين من أعداء الإسلام والمسلمين إلى أن كشف الحقيقة أحد المستشرقين الباحث (بتلر)([2]) في القرن التاسع عشر. خمس قرون وليس قرن واحد من الزمان، كنسب كتاب ((المواقف)) للأمير عبد القادر.


وزيارة الدكتور عمار الطالبي لداري برفقة مجموعة من الأساتذة الأكاديميين قبل شهر رمضان المبارك دليل على أهمية هذا الموضوع، وهذا البحث الذي طرحته، أي براءة الأمير من هذا الكتاب وأبدى هؤلاء الأساتذة اهتماماً كبيراً بنفي نسبة ((المواقف)) للأمير عبد القادر ورحبوا بما قدمته من أدلة، والحقيقة أني كنت أملك من الأدلة أكثر مما ذكرته في كتابي (فكر الأمير عبد القادر)، ولكن كما أسلفت كنت أتحاشى ذكر الأسماء، ولذلك لم أذكر فيه كتاب (الكواكب الدرية على الحدائق الوردية) لأنني لو ذكرته لا بد لي من ذكر أسم مؤلفه، وهذا ما لا كنت أريده لأسباب كثيرة. وهنا لا بد لي من تقديم الشكر الجزيل من الأعماق للأخ الكريم الدكتور بوصفصاف والدكتور إسماعيل زروخي من الجزائر جامعة قسنطينة الدكتور أمين يوسف من الأردن.


ودليل آخر، معتبر جداًأرويه لكم، ذكره السيد جواد المرابط([3]) (وهو أن في أحد مجالس الأمير طلب منه ثلاثة من الزوار السماح لهم وتدوين أحاديثه في مجالسه، فكان ذلك نواة الكتاب الذي عرف فيما بعد بالمواقف)، وهذه شهادة أن الكتاب تألف من (نوطات) كان دوّنها أصحابه بإذنه للاحتفاظ بها ولكنهم تجاوزوا ذلك فألفوا منها كتاباً، أضافوا فيه أخدان وأقران ونصوص لغيره. وكلمة (نواة) لي وقفة عندها، فالنواة تخرج منها النبتة التي يمكن تطعيمها بنوع آخر مختلف، ولذلك نجد أنواعاً من الفاكهة طُعمت بغير أصلها فجاءت مختلفة في الطعم والشكل، ونجد مثلاً خوخاً بطعم الموز، وأخرى بطعم تفاح وشكل بندورة، وفواكه أخرى إذا لم تُطعم بنوعها تخرج مرّة الطعم لا تؤكل.


واسمحوا لي بتقديم هذا المثال الصغير، مهندس أراد تأسيس مشروع ما، طلب من مهندس آخر تصاميم هندسية، كان معجباً بها وأخذها بإذنه، لم يسرقها وألحقها بتصاميم كانت لديه من أقران وأخدان فهل يجوز وضع اسم المهندس الآخر على هذا المشروع لمجرد أن فيها بعض من تصاميمه وبعد وفاته؟ وفي ظرف لا يستطيع فيه الاحتجاج. هذه الأدلة لا ريب فيها كما ترون.

[1]- الدكتور عمار الطالبي، مجلة (الثقافة الجزائرية، العدد 75، عام 1998م، الصفحة 261، بحث مطول بعنوان الأمير عبد القادر والتصوف)

[2]- حسين هيكل، كتاب (الفاروق عمر)، الصفحات 169، 173

[3]- جواد المرابط، كتاب (التصوف والأمير عبد القادر)، 1966م، دار اليقظة العربية، دمشق









رد مع اقتباس