البدع المتعلقة برؤية هلال رمضان ..
ومن المحدثات في شهر رمضان ، ما تفعله العامة في بعض البلدان الإسلامية ، من رفع الأيدي إلى الهلال عند رؤيته يستقبلونه بالدعاء قائلين : ( هل هلالك ، جل جلالك ، شهر مبارك ) . ونحو ذلك ، مما لم يعرف له أصل في الشرع ، بل كان من عمل الجاهلية وضلالاتهم .
والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى الهلال قال :" اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ، ربي وربك الله " رواه أحمد في مسنده .
فما يفعله بعض الناس عند رؤية الهلال من الإتيان بهذا الدعاء ، والاستقبال ورفع الأيدي ، ومسح وجوههم بدعة مكروهة ، لم تعهد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه _ رضوان الله عليهم _ ولا السلف الصالح _ رحمه الله عليهم _
ومن ذلك أيضاً ما تفعله العوام ، وأرباب الطرق من الصوفية المخرفين من الطواف في أول ليلة من رمضان في العواصم وبعض القرى _ المسمى بالرؤية _ فإنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا لأصحابه ولا أحد من السلف الصالح ، مع اشتماله على قراءة الأوراد والأذكار ، والصلوات مع اللغط والتشويش بضرب الطبول ، واستعمال آلات الملاهي ، وزعقات النساء والأحداث وغير ذلك ، مما هو مشاهد في بعض البلدان والأقطار الإسلامية .
بدعة التسحير ..
التسحير من الأمور المحدثة التي لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به ، وليس من فعل الصحابة أو التابعين أو السلف الصالح _ رحمة الله عليهم أجمعين _ ولأجل أنه أمر محدث اختلفت فيه عوائد الناس ، ولو كان مشروعاً ما اختلفت فيه عوائدهم .
ففي الديار المصرية يقول المؤذنون بالجامع : تسحروا كلوا واشربوا أو ما أشبه ذلك ، ويقرؤن قول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " سورة البقرة 183 .
ويكررون ذلك مراراً عديدة ، ثم يسقون على زعمهم ويقرؤن قوله تعالى : " إن الأبرار بشربون من كأس كان مزاجها كافورا " إلى قوله تعالى : " إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً " سورة الإنسان 5_ 23
والقرآن العزيز ينبغي أن ينزه عن موضع بدعة ، أو على موضع بدعة ، ثم ينشدون في أثناء ذلك القصائد ، ويسحرون أيضاً بالطبلة يطوف بها بعضهم على البيوت ، ويضربون عليها هذا الذي مضت عليه عادتهم ، وكل ذلك من البدع .
وأما أهل الإسكندرية ، وأهل اليمن ، وبعض أهل المغرب ، فيسحرون بدق الأبواب على أصحاب البيوت ، وينادون عليهم : قوموا كلوا ، وهذا نوع آخر من البدع نحو ما تقدم .
وأما أهل الشام فإنهم يسحرون بدق الطار والغناء والرقص واللهو واللعب وهذا شنيع جداً ، وهو أن يكون شهر رمضان الذي جعله الشارع للصلاة والصيام والتلاوة والقيام ، قابلوه بضد الإكرام والاحترام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وأما بعض أهل المغرب فإنهم يفعلون قريباً من فعل أهل الشام ، وهو أنه إذا كان وقت السحور عندهم يضربون بالنفير على المنار ( هي الآلة التي تجمع الناس للحرب أو لأمر ما ، ويكون لها صوت قوي ) ، ويكررونه سبه مرات ، ثم بعده يضربون بالأبواق سبعاًأو خمساً ، فإذا قطعوا حرم الأكل إذ ذاك عندهم .
والعجيب أنهم يضربون بالنفير والأبواق في الأفراح التي تكون عندهم ، ويمشون بذلك في الطرقات ، فإذا مروا على باب مسجد سكتوا وأسكتوا ، ويخاطب بعضهم بعضاً بقولهم : احترموا بيت الله تعالى فيكفون حتى يجوزوه ، فيرجعوا إلى ما كانوا عليه ، ثم إذا دخل شهر رمضان ، الذي هوشهر الصيام والقيام ، والتوبة والرجوع إلى الله تعالى من كل رذيلة ، يأخذون فيه النفير والأبواق ، ويصعدون بها على المنار في هذا الشهر الكريم ، ويقابلونه بضد ما تقدم ذكره .
وهذا يدل على أن فعل التسحير بدعة بلا شك ولا ريب ، إذ أنها لو كانت مأثورة لكانت على شكل معلوم لا يختلف حالها ، في بلد دون آخر كما تقدم ..
فيتعين على من قدر من المسلمين عموماً التغيير عليهم ، وعلى المؤذن والإمام خصوصاً ، كل منهم يغير ما في إقليمه إن قدر على ذلك بشرطه ، فإن لم يستطع ففي بلده ، فإن لم يستطع ففي مسجده .
ومسألة التسحير هذه لم تدع ضرورة إلى فعلها وإذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شرع الأذان الأول للصبح دالاً على جواز الأكل والشرب والثاني دالاً على تحريمها ، فلم يبق أن يكون ما يعمل زيادة عليهما إلا بدعة ؛ لأن المؤذنين إذا أذنوا مرتين انضبطت الأوقات وعلمت .
بدعة حفظية رمضان ..
ومن البدع التي أحدثت في هذا الشهر الكريم ، كتب الأوراق التي يسمونها ( حفائظ ) في آخر جمعة من رمضان ، ويسمون هذه الجمعة بالجمعة اليتيمة ، فيكتبون هذه الأوراق حال الخطبة ، ومما يكتب فيها قولهم ( لا آلاء إلا آلاؤك سميع محيط علمك كعسهلون وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) .
ويعتقد هؤلاء الجهال المبتدعة أنها تحفظ من الحرق والغرق والسرقة والآفات .
فلا شك في بدعية هذا الأمر ، لما في ذلك من الإعراض عن استماع الخطبة بل والتشويش على الخطيب وسامعيه ، وذلك ممنوع شرعاً كما لا يخفى ، ولا خير في ذلك ولا بركة ، فإنما يتقبل الله من المتقين لا من المبتدعين .
وقد يكتب فيها كلمات أعجمية قد تكون دالة على ما لا يصح ، أو فيها كفر بالله ، ولم ينقل هذا عن أحد من أهل العلم ، وذك _ والله أعلم _ من بدع الدجالين التى زينهوها للعامة البسطاء الجهال ، ولذلك لا تقع إلا في القرى المتأخرة ، والبلدان التى تكثر فيها البدع ، فيجب النهى عنها ، والتحذير منها ، مثلها في ذلك جميع البدع التي تشغل الناس عما أوجبه الله عليهم من الفروض والواجبات .
بدعة قرع النحاس آخر الشهر ...
ومن البدع المحدثة في شهر رمضان بدعة القرع على النحاس ونحوه آخر يوم من رمضان ، عند غروب الشمس ، يأمر الناس بذلك أولادهم ، ويعلمونهم كلمات من يقولونها حالة القرع ، تختلف باختلاف البلدان ، ويزعمون أن ذلك يطرد الشيطان التي هاجت في هذا الوقت ، لخروجها من السجن ، وخلاصها من السلاسل التي كانت مقيدة بها في شهر الصوم ، قاتل الله الجهل كيف يؤدي بالناس إلى هذه المهازل .
بدعة وداع رمضان ..
ومن البدع المحدثة فى شهر رمضان : انه إذا بقي من رمضان خمس ليال ، أو ثلاث ليال يجتمع المؤذنون ، والمتطوعون من أصحابهم ، فإذا فرغ الإمام من سلام وتر رمضان ، تركوا التسبيح المأثور ، وأخذوا يتناوبون مقاطيع منظومة في التأسف على انسلاخ رمضان ، فمتى فرغ أحدهم من نشيد مقطوعة بصوته الجهوري ، أخذ رفقاؤه بمقطوعة دورية ، باذلين قصارى جهدهم في الصيحة والصراخ بضجيج يصم الآذان ، ويسمع الصم ، ويساعدهم على ذلك جمهور المصلين .
ولعلم الناس بأن تلك الليالي هى ليالي الوداع ، ترى الناس في أطراف المساجد وعلى سدده وأبوابه ، وداخل صحنه ، النساء والرجال والشبان والولدان ، بحالة تقشعر لقبحها الأبدان ، وقد اشتملت هذه البدعة على عدة منكرات منها :
1. رفع الأصوات بالمسجد ، وهو مكروه كراهة شديدة ..
2. التغني والتطرب في بيوت الله ، التي لم تشيد إلا للذكر والعبادة .
3. كون هذه البدعة مجلبة للنساء والأولاد والرعاع ، الذين لا يحضرون إلا بعد انقضاء الصلاة للتفرج والسماع .
4. اختلاط النساء بالرجال .
هتلك حرمة المسجد ، لاتساخه وتبذله بهؤلاء المتفرجين ، وكثرة الضوضاء والصياح من أطرافه ، إلى غير ذلك ، مما لو رآه السلف الصالح لضربوا على أيدي مبتدعيه _ وهذا هو الواجب على كل قادر على ذلك _ وقاموا بكل قولهم من أحدث فيه .
ومن الأمور المحدثة المتعلقة بوداع رمضان ، ما يفعله بعض الخطباء في آخر جمعة من رمضان ، من ندب فراقه كل عام ، والحزن على مضيه ، وقوله : لا أوحش الله منك يا شهر كذا وكذا .
ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة ، ومن ذلك قوله : لا أوحش الله منك يا شهر المصابيح ، لا أوحش الله منك يا شهر المفاتيح .
نسأل الله تعالى العون على تغيير هذا الحال بمنه وكرمه .
معنى سدده : كالظلة على الباب ، لتقي الباب عن المطر ، وقيل : هي الباب نفسه ، وقيل : هي الساحة بين يديه .
بدعة الاحتفال بذكرى غزوة بدر .
ومما أحدث في هذا الشهر المبارك الاحتفال بذكرى غزوة بدر ، وذلك أنه إذا كانت ليلة السابع عشر من شهر رمضان اجتمع الناس في المساجد واغلبهم من العامة ، وفيهم من يدعى العلم ، فيبدأون احتفالهم بقراءة آيات من الكتاب الحكيم ، ثم ذكر قصة بدر وما يتعلق بها من الحوادث ، وذكر بطولات الصحابة _ رضوان الله عليهم _ والغلو فيها ، وانشاء بعض القصائد بهذه المناسبة .
وفي بعض البلدان الإسلامية تحتفل الدولة رسمياً بهذه المناسبة فيحضر الاحتفال أحد المسئولين فيها .
ولا يخفى ما يصاحب هذه الاحتفالات من الأمور المنكرة كالاجتماع في المساجد لغير ما عبادة شرعية ، او ذكر مشروع ، وما يصاحب هذه الاجتماعات من اللغط والتشويش ، وكذلك دخول بعض الكفار إلى المسجد كالمختصين منهم في محال مكبرات الصوت، او الإضاءة ، أو الصحافة والإعلام ، وكذلك دخول المصورين للمسجد لتصوير هذه المناسبة ، بالإضافة إلى اعتبار هذا الاجتماع سنة تقام في مثل هذا اليوم ، أو هذه الليلة في كل عام .
فتخصيص هذه الليلة _ ليلة السابع عشر من رمضان _ بالاجتماع والذكر وإلقاء القصائد ، وجعلها موسماً شرعياً ، ليس له مستند من الكتاب ولا من السنة ، ولم يؤثر عن الصحابة _ رضوان الله عليهم _ أو التابعين أو السلف الصالح _ رحمهم الله _ أنهم احتفلوا بهذه المناسبة في هذه الليلة أو في غيرها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ : " وللنبي صلى الله عليه وسلم _ خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة : مثل بدر ، وحنين ، والخندق ، ......... وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب متعددة يذكر فيها قواعد الدين .
ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى ، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله أتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه . ا . هـ
والاشتغال بهذه الأمور وأمثالها من الأمور المحدثة ، سبب في ابتعاد الناس عما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم من إحياء ليالي رمضان بالصلاة والذكر . ومن أعظم البلاء على المسلمين ترك المشروع وفعل الأمر المحدث المبتدع .
تم نقله من كتاب البدع الحولية .. عبدالله بن عبدالعزيز بن أحمد التويجري