(إنما الأعمال بالنيات).
- إنما: أداة حصرٍ وقصر، والقصرُ عند البلاغيين: هو تخصيص أمر بأمر بطريق مخصوص، وقيل: هو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه، وفي نظرٌ، والصواب عند البلاغيين الأول، وأما الثاني: فهو قصرٌ لغوي، لا اصطلاحي.
- واختلفوا: هل (إنما): بسيطة أو مركبة، فقيل: هي بسيطة، هكذا وُضعت، وقيل مركبة من (إن)، و(ما)، والأقرب هو الثاني.
- (الأعمال): جمع عملٍ، فهو جمع محلًّى بأل الاستغراقية الدالة على العموم، أي: كل الأعمال، ويدخل في هذا: الأقوال والأفعال والاعتقادات.
ولكن النية، مع أنها عمل بهذا الاعتبار، إلا أنها لا تحتاج إلى نية؛ لأنه لو اشترطنا للنية: نيةً، لكان النية الثانية تحتاج إلى نيةٍ، وهذه النية إلى نية....... إلى ما لا نهاية، فيلزم الدور.
- (بالنيات): جمع (نيَّة)، بتشديد الياء وتخفيفها -لغتان-، والأشهر: التشديد.
وهي في الأصل: القصد، وفي الاصطلاح: قصد الشيء مقرونا بفعله.
- ولابد في هذه الجملة من تقدير بالإجماع -كما قال ابن دقيق-، ولكن اختلفوا في هذا التقدير:
1- فقيل: صحة الأعمال بالنيات، وهذا فيه إشكال، وذلك: أن الإنسان يأكل فيشبع، ولو لم ينو الشبع، ويشرب فيرتوي ولو لم ينو الرِّيّ.
فعلى هذا، لابد من تقييد (الأعمال): بكونها الأعمال التي يُشترط لها النية، فيكون لفظ (الأعمال) من العام الذي أُريد به الخصوص.
2- وقيل: كمال الأعمال بالنيات، وهذا يُشكل عليه: الأعمال التي تُشترط فيها نية، فلو صلى أحد ولم ينوِ، فصلاته صحيحة -لو أخذنا بظاهر هذا التقدير-، إلا أنها غير كاملة، وهذا خلاف ما عليه الفقهاء قاطبةً.
ويُمكن أن يُجمع بين القولين، فيُقال: إن صحة الأعمال بالنيات فيما تُشترط فيه النية، وكمالها بها فيما لا تُشترط فيه النية، والله تعالى أعلم، وكأن هذا القول اختاره الشيخ العلامة عطية محمد سالم رحمه الله تعالى.
3 - وقال بعض أهل العلم: إن قوله: (إنما الأعمال بالنيات) معناه: وجود الأعمال بالنيات، فلا يُوجد عمل إلا وله نية، واختاره الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وقال -في معنى كلامه-: ومن هنا قال الفقهاء: لو كلَّفنا الله بعمل بلا نية، لكان من التكليف بما لا يُطاق.
وقيل في تقدير المحذوف غير ذلك.
والله تعالى أعلم.
يُتبع......