وأما قصة عمرو بن لحي وتغييره دين إبراهيم
فإنه نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين . فأحبه الناس حبا عظيما . ودانوا له لأجل ذلك . حتى ملكوه عليهم . وصار ملك مكة وولاية البيت بيده . وظنوا أنه من أكابر العلماء وأفاضل الأولياء . تم إنه سافر إلى الشام . فرآهم يعبدون الأوثان . فاستحسن ذلك وظنه حقا . لأن الشام محل الرسل والكتب . فلهم الفضيلة بذلك على أهل الحجاز وغيرهم . فرجع إلى مكة ، وقدم معه بهبل . وجعله في جوف الكعبة ، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله . فأجابوه . وأهل الحجاز في دينهم تبع لأهل مكة . لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم . فتبعهم أهل الحجاز على ذلك ظنا أنه الحق . فلم يزالوا على ذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بدين إبراهيم عليه السلام وإبطال ما أحدثه عمرو بن لحي .
وكانت الجاهلية على ذلك وفيهم بقايا من دين إبراهيم لم يتركوه كله . وأيضا يظنون أن ما هم عليه وأن ما أحدثه عمرو : بدعة حسنة . لا تغير دين إبراهيم . وكانت تلبية نزار لبيك . لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك فأنزل الله ( 30 : 27 ) ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون .
ومن أقدم أصنامهم " مناة " وكان منصوبا على ساحل البحر بقديد . تعظمه العرب كلها ، لكن الأوس والخزرج كانوا أشد تعظيما له من غيرهم . وبسبب ذلك أنزل الله ( 2 : 158 ) إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما .
ثم اتخذوا " اللات " في الطائف ، وقيل إن أصله رجل صالح كان يلت السويق للحاج فمات فعكفوا على قبره .
ثم اتخذوا " العزى " بوادي نخلة بين مكة والطائف .
فهذه الثلاث أكبر أوثانهم . تم كثر الشرك . وكثرت الأوثان في كل بقعة من الحجاز .
وكان لهم أيضا بيوت يعظمونها كتعظيم الكعبة . وكانوا كما قال تعالى ( 3 : 164 ) لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ولما دعاهم رسول الله إلى الله اشتد إنكار الناس له علمائهم وعبادهم وملوكهم وعامتهم حتى إنه لما دعا رجلا إلى الإسلام قال له " من معك على هذا ؟ قال حر وعبد " ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضي الله عنهما .
وأعظم الفائدة لك أيها الطالب وأكبر العلم وأجل المحصول - إن فهمت ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال بدأ الإسلام غريبا . وسيعود غريبا كما بدأ . وقوله لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ . وقوله ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة . كلها في النار إلا واحدة .
فهذه المسألة أجل المسائل . فمن فهمها فهو الفقيه . ومن عمل بها فهو المسلم . فنسأل الله الكريم المنان أن يتفضل علينا وعليكم بفهمها والعمل بها .