المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرواء الغليلإإرواء الغليل والدفاع عن حامل جرح والتعديل


ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:13
إرواء الغليل
في الدفاع عن الشيخ العلامة ربيع المدخلي
حامل لواء الجرح والتعديل


تقريظ
الشيخ العلامة المحدث
أحمد بن يحيى النجمي حفظه الله ورعاه

تقريظ الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:
هذا كتاب المسمى بـ"الكشف والإيضاح عما في تحذير المأربي من الأباطيل والكذب الصراح"( ) حيث أرسله إلَيَّ فقرأته من أوله إلى آخره قراءة تفحص وتمعن فرأيته قد وفق وسدد في دفاعه عن ذلكم الشيخ الجليل العلامة السلفي المجاهد في الذب عن السنة، والمنافح دفاعاً عنها، عرفناه كذلك بلا إطراء ولا مبالغة، مع أنا لا نعطيه هو ولا غيره العصمة، ولا الحصانة من الخطأ، بل نقول هو كغيره من الناس يُتَصور وقوع الخطإ منه، ومع ذلك فقد عرفنا الشيخ متواضعاً، رجَّاعاً إلى الحق إذا تبيَّن له، ولكن المأربي ساقه الهوى الذي يسوق أهل البدع في التجني على المشائخ السلفيين، ورميهم بالعيوب المزورة، والنقائص المكذوبة التي ليست فيهم.
فها هو المأربي يدعي على الشيخ ربيع أنه له كلام أساء فيه مع الله تعالى، وملائكته الكرام، ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، وصحابة رسوله رضوان الله عليهم، وما كان ذلك من المأربي غَيرةً على حق أضاعه الشيخ ربيع، ولا على باطل نشره الشيخ ربيع، ولكنه المكر والكيد والتلبيس، خدمة للباطل وأهله من جند إبليس، وما سيجمع إلا الخسار والبوار وغضب الملك الجبار إن استمر على عداوة أهل الحق وصداقة أهل الباطل.
.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي؛ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فقد كتب أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل المأربي -عامله الله بعدله- كتاباً سماه: "تحذير الجميع من أخطاء الشيخ ربيع وأسلوبه الشنيع" ملأه بالدعاوى والأكاذيب، وجاء بثوب الناصح وما هو إلا ماكر وقادح .
ولقد أخطأ المأربي -عامله الله بعدله- السبيل القويم، والصراط المستقيم بظنه أن هذا من النصيحة، ومن بيان الحق وهذا دال على جهله بالطرق الشرعية لإنكار المنكر .
## فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة وأجمع العلماء على حرمة الكذب، وأنه ليس من صفات أهل الحق، ومع ذلك نجد المذكور قد جعل من أسلحته ووسائل رده على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ وكَسَر شوكةَ عَدُوِّهِ-: الكذب والافتراء والبهتان .
## وقد اجتمعت الأدلة على حرمة الظلم والبغي ومع ذلك نجد أن الْمَذْكُورَ قد استخدم في "تحذيره" البغيَ والظلمَ والعدوان دون رادع من دين أو خلق .
## ولقد تميَّز الْمَذْكُورُ بالجهل بالشرع، وبالفهم السقيم لكلام العلماء، وسوء الأدب مع أهل الفضل والعلماء، والكبر والغرور والإعجاب بنفسه مع ما عنده من جهل وانحراف .
ولقد نشر مصطفى المأربي من كتابه المذكور عددا من الحلقات:
* خصص الأولى منها بذكر أصولٍ زعم أنها من أصول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ومن وافقه من إخوانه العلماء وأبنائه طلاب العلم وأنها أصول فاسدة مخالفة للحق وما عليه السلف الصالح .
وقد خلت الحلقة الأولى من ذكر بينة أو برهان إلا الكذب والبهتان، وسوء استدلال مع ما صحبه من سوء الفهم والقصد .
وقد شابه في دعاواه ومزاعمه المبنية على الكذب والظنون الفاسدة أهلَ الزيغ والضلال، ونهل من مستنقعهم القذر، ومشربهم العفن .
فقد جمع هذا المأربي - أصوله من كلام الحدادية والقطبية والسرورية إضافة إلى الأوهام والخيالات المأربية!!
ورددت على حلقته الأولى في التمهيد لهذا الكشف أبنت فيه عن كذبه وافترائه، ووهاء بنيانه وعنونته بـ" الرد والبيان لبعض ما تكلم به المأربي من الكذب والبهتان" "رميه الشيخ ربيعاً بالغلو في التكفير"
* وأما الحلقة الثانية: فذكر فيها شبهات لمن يعترض عليه، ورد عليها بردود تدل على مدى جهله وانحرافه وسيكون عليها رد مستقل -إن شاء الله تعالى- .
* وأما الحلقات الباقية فهي مقالات للشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- صنفها الْمَذْكُورُ حسب فهمه، وأراد أن يبين للناس أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- له كلام أساء فيه مع الله وملائكته ورسله وصحابة رسوله -صلى الله عليه وسلم-!!
فأتى هذا المتعالم بأوابد وطامات وعجائب ما كنت أظن أن عاقلاً يقولها، مع ما يشوب كلامه من الحق ليلبس على الناس ويذر الرماد في العيون .
وهذا مسلك أهل الزيغ يلبسون الحق بالباطل لينطلي على الناس باطلهم .
قال تعالى: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}.
وتلبيس الحق بالباطل من صفات أهل البدع والنفاق .
قال ابن القيم -رحمه الله- عن المنافقين: "ومن صفاتهم كتمان الحق، والتلبيس على أهله، ورميهم لهم بأدوائهم، فيرمونهم إذا أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، ودعوا إلى الله ورسوله بأنهم أهل فتن مفسدون في الأرض، وقد علم الله ورسوله والمؤمنون بأنهم أهل الفتن المفسدون في الأرض .
وإذا دعاهم ورثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى كتاب الله وسنة رسوله خالصة غير مشوبة؛ رموهم بالبدع والضلال، وإذا رأوهم زاهدين في الدنيا، راغبين في الآخرة، متمسكين بطاعة الله ورسوله؛ رموهم بالزور والتلبيس والمحال .
وإذا رأوا معهم حقاً ألبسوه لباس الباطل، وأخرجوه لضعفاء العقول في قالب شنيع لينفروهم عنه، وإذا كان معهم باطل ألبسوه لباس الحق، وأخرجوه في قالبه ليقبل منهم...". طريق الهجرتين(ص/602-603) .
وقال -رحمه الله- في الصواعق المرسلة(3/925-927): "الوجه السادس والخمسون: إن هؤلاء المعارضين للكتاب والسنة بعقلياتهم التي هي في الحقيقة جهليات؛ إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة محتملة، تحتمل معاني متعددة، ويكون ما فيها من الاشتباه في المعنى، والإجمال في اللفظ؛ يوجب تناولها بحق وباطل، فبما فيها من الحق يقبل من لم يحط بها علما ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس، ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء، وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا، وهو منشأ البدع كلها .
فإن البدعة لو كانت باطلاً محضاً لما قبلت، ولبادر كل أحد إلى ردها وإنكارها، ولو كانت حقاً محضاً لم تكن بدعة، وكانت موافقة للسنة، ولكنها تشتمل على حق وباطل، ويلتبس فيها الحق بالباطل؛ كما قال تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}.
فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه، ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس؛ وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره.
فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق، وتكلم بلفظ له معنيان؛ معنى صحيح، ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح، ومراده الباطل، فهذا من الإجمال في اللفظ.
وأما الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان هو حق من أحدهما، وباطل من الآخر، فيوهم إرادة الوجه الصحيح، ويكون مراده الباطل.
فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة، والمعاني المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهانا مخبِّطَةً، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب؟!!
فسل مثبت القلوب أن يثبت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في هذه الظلمات".
وقد بدأ الْمَذْكُورُ ردوده على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بزعمه أن الشيخ ربيعاً عنده أخطاء في العقيدة؛ فذكر –على حد زعمه- أخطاء في حق الصحابة -رضي الله عنهم-، وحق جبريل –عليه السلام-، وحق أنبياء الله، بل وحق الله عز وجلَّ!!!
وقد اشتملت الحلقة الثالثة والرابعة بما زعمه أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أخطأ في حق الصحابة -رضي الله عنه-، واشتملت الحلقة الخامسة بما زعمه أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أخطأ في حق الأنبياء وجبريل عليه السلام!!
وفي الحلقة السادسة ذكر ما زعم أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تكلم بكلام لا يليق بالله عز وجل!!
وفي الحلقة السابعة ذكر ما زعم أن الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أخطأ في علاقة الحاكمية بمنهج الأنبياء -عليهم السلام-.
وسأبداً ردي عليه بما زعمه هذا الجاهل أن في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عبارات لا تليق بالله عز وجل لأن هذه الأمور تتعلق بالله الرب المعبود وهي أولى بالاهتام من غيرها، وبها يتبين مدى علم هذا المأربي - بالله وما يجب له وما لا يجب .
ومع أهمية ذلك أخر هذه الأمور إلى الحلقة السادسة لضعف اهتمامه بشأن الرب جلا وعلا.
علماً بأن الخطأ فيما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته أعظم من غيره .
قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إداً * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً}.
وقال تعالى: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}.
فالغلط في جنب الله أعظم من غيره .
وإن زعم أنه بدأ بالشيء الذي أخذ عليه المأربي - في بداية فتنته وهو كلامه في الصحابة -رضي الله عنهم- فهذا جهل منه، لأن ذاك كان أعظم خطأ كان قد ظهر منه .
عموماً هو أراد حشد كل ما يظن مصطفى المأربي أن فيه ما يدين الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ-، ويتمم للمأربي ما يريده من خلو الجو له ولأمثاله من الجهال المتعالمين والله المستعان.
وقد قسمت ردي عليه إلى مقدمة، وتمهيد وأربعة فصول .
أما المقدمة: فذكرت فيها سبب كتابة هذا الكشف، وتلخيصاً لحلقات المأربيِّ التي نشرها، وخطتي في هذا الكشف .
وأما التمهيد: ففيه مبحثان:
المبحث الأَوَّل: الثناء البديع عَلَى الشَّيْخِ العلامة ربيع -حفِظَهُ اللهُ ورعَاهُ-.
المبحث الثَّانِي: رددت فيه على الحلقة الأولى من تحذيره .
وأما الفصل الأول: ففيه إبطال افتراءات مصطفى المأربيّ فيما يتعلق بجناب الرب -عزَّ وجلَّ- .
وأما الفصل الثاني: ففيه إبطال افتراءات مصطفى المأربيّ فيما يتعلق بالأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-.
وأما الفصل الثالث: ففيه إبطال افتراءات مصطفى المأربيّ فيما يتعلق بالملائكة الكرام -عليهِم السَّلامُ-
وأما الفصل الرابع: ففيه إبطال افتراءات مصطفى المأربيّ فيما يتعلق بالصحابة الكرام -رضي الله عنهم-( ) .
وسميته: « إرواء الغليل في الدفاع عن الشيخ العلامة ربيع المدخلي حامل لواء الجرح والتعديل» بَعْدَ أنْ كنت قَدْ سميته: « الكشف والإيضاح عما في تحذير المأربي من الأباطيل والكذب الصراح» وَذَلِكَ لأني رأيت أعداء السُّنَّة يشيعون شبه هَذَا المأربي، وينشرونها لثلب الشَّيْخِ ربيعٍ المدخلي، والطعن فِيْهِ، فرأيت أن العنوان الجديد أنسب، وأشمل.
وطريقتي في هذا البحث أن أذكر كلام مصطفى المأربي ثم أبين ما فيه من كذب وباطل بالأدلة من الكِتَاب، والسُّنَّة، وكلام أَئِمَّة السنة.
وحيث قُلْتُ: قَالَ الْمَذْكُورُ، أَوْ نحوها من العبارات فأعني بِهِ غالباً مصطفى المأربي.
وأسأل الله التوفيق والسداد والهدى والرشاد.

التمهيد
المبحث الأَوَّل: الثناء البديع عَلَى الشَّيْخِ العلامة ربيع -حفِظَهُ اللهُ ورعَاهُ-.
فَإِنَّ الشَّيْخ العلامة ربيع المدخلي مَعْرُوفٌ لدى أَهْل العِلْم بواسع علمه فِي العَقِيْدَة السَّلَفِيَّة، وعلم الْحَدِيْث، وَهُوَ مرجع عِنْدَ أَهْل العِلْم فِي معرفة الْمَنَاهِج البدعية، والطوائف المنحرفة عن الطريقة السلفية السوية.
وسأذكر طرفاً من ثناء أُولَئِكَ الأَئِمَّة الأعلام عَلَى هَذَا الأسد الهمام حفِظَهُ اللهُ:
قال الشيخ الألباني( )-رحمه الله-: " نحن بلا شك نحمد الله عز وجل أن سخر لهذه الدعوة الصالحة القائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، دعاة عديدين في مختلف البلاد الإسلامية يقومون بالغرض الكافي الذي قل من يقوم به في العالم الإسلامي اليوم، فالحط من هذين الشيخين، الشيخ ربيع والشيخ مقبل الداعيين إلى الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح ومحاربة الذين يخالفون هذا المنهج الصحيح، هو كما لا يخفى على الجميع إنما يصدر من أحد رجلين إما من جاهل أو صاحب هوى . إما جاهل فيعلم، وإما صاحب هوى فيستعاذ بالله من شره، ونطلب من الله عز وجل إما أن يهديه وإما أن يقصم ظهره ."
ثم قال الشيخ رحمه الله: " فأريد أن أقول إن الذي رأيته في كتابات الشيخ الدكتور ربيع إنها مفيدة، ولا أذكر أني رأيت له خطأً، وخروجاً عن المنهج الذي نحن نلتقي معه ويلتقي معنا فيه ".
وقال الشيخ رحمه الله: "وباختصار أقول إن حامل راية الجرح والتعديل اليوم في العصر الحاضر وبحق هو أخونا الدكتور ربيع والذين يردون عليه لا يردون عليه بعلم أبداً، والعلم معه "
وقال الشيخ ابن عثيمين: " إننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن يسر لأخينا الدكتور ربيع بن هادي المدخلي أن يزور هذه المنطقة حتى يعلم من يخفى عليه بعض الأمور أن أخانا - وفقنا الله وإياه - على جانب من السلفية طريق السلف، ولست أعني بالسلفية أنها حزب قائم مضاد لغيره من المسلمين، لكني أريد بالسلفية أنه على طريق السلف في منهجه ولا سيما تحقيق التوحيد ومنابذة من يضاده، ونحن نعلم جميعاً أن التوحيد هو أصل البعثة التي بعث الله بها رسله عليهم الصلاة والسلام،،، زيارة أخينا الشيخ ربيع بن هادي إلى هذه المنطقة وبالأخص إلى بلدنا عنيزة لا شك أنه سيكون له أثر، ويتبين لكثير من الناس ما كان خافياً بواسطة التهويل والترويج وإطلاق العنان للسان .
وما أكثر الذين يندمون على ما قالوا في العلماء إذا تبين لهم أنهم على صواب ."
ثم قال أحد الحاضرين في الشريط نفسه: هاهنا سؤال حول كتب الشيخ ربيع .
فأجاب الشيخ العثيمين رحمه الله قائلاً: "الظاهر أن هذا السؤال لا يحتاج لقولي .
وكما سئل الإمام أحمد عن إسحاق بن راهوية رحمهم الله جميعاً فقال: مثلي يسأل عن إسحاق؟! بل إسحاق يسأل عني .
وأنا تكلمت في أول كلامي عن الذي أعلمه عن الشيخ ربيع وفقه الله وما زال ما ذكرته في نفسي حتى الآن، ومجيئه إلى هنا وكلمته التي بلغني عنها ما بلغني لا شك أنه مما يزيد الإنسان محبة له ودعاء له ".
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: "ومن علماء السنة الأفاضل المعاصرين الواقفين في وجه أصحاب الباطل الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ / عبدالعزيز بن باز، والشيخ / ربيع بن هادي وآخرون".
وثناء العلماء على الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- كثير ووفير.

المبحث الثَّانِي:الرد والبيان لبعض ما تكلم به مصطفى المأربي من الكذب والبهتان
"رميه الشيخ ربيعاً بالغلو في التكفير"
وقبل أن أذكر كلام مصطفى المأربيَّ وأكر عليه مبيناً بطلانه أقدم بمقدمة مهمة وهي:
أنَّ المذكور- عنون مقاله بـ"تحذير الجميع من أخطاء الشيخ ربيع .."
والواقع أنه نسب إلى الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ وَكَسَرَ شوكة عدوه- ما هو منه بريء، وعمم في كلامه وأحكامه، بحيث إن معظم ما ذكره يَبْرَأُ الشيخ ربيعٌ منه، ويتحمل مصطفى المأربي وزر نسبة هذه الأباطيل للشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-.
ومن الأمثلة:

التعليق:
فرمى الشيخ ربيعاً وطائفته بذلك مع علمه بأن الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لا يكفر سيد قطب الذي يقول بوحدة الوجود علماً أن القول بوحدة الوجود من نواقض الإيمان عند الشيخ ربيع، لكن هنا حكم على المعين فيحتاج إلى توفر الشروط وانتفاء الموانع. وسيأتي مزيد بيان لذلك .

التعليق:
قول البعض الذي لم يذكر لنا مصطفى المأربي سنده لنعلم هل صدق أم كذب؟ وكذلك ما علاقة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بهذا؟
والحكم على الشيخ أو العالم بقول بعض تلامذته أو أكثرهم مما لا يقره شرع ولا عقل إلا عقل أهل الأهواء!!
قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ {98} لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ {99} لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ {100} إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ {101} فعيسى عليه السلام عُبِدَ من دون الله، ولكنه لا يتحمل تبعتهم لأنه غير راض بذلك، بل هو مُنْكِرٌ له كما قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
وهات لنا برهانك أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- وإخوانه من العلماء والمشايخ يقرون هذا حتى تذكر هذا من منهج السلفيين .
أم أنك استجزت لنفسك أن تجمع لنا أقوال السواقط واللواقط، ومن هو جاهل ومنحرف فتنسب هذا الباطل لأهل السنة؟!!
فبئس ما سولت لك نفسك يا هذا!!
ولكن من الناحية الثانية نجد أن الشيخ ربيع -حفظهُ اللهُ- إنما يدينك بما كسبت يداك، وبما نطق به فوك، وبما خطه قلمك .
سارت مشرقة وسرت مغرباً

شتان بين مشرق ومغرب
وقال مصطفى المأربي ذاكراً قواعد مخترعة –بزعمه- ما أنزل الله بها من سلطان، وإخراج السلفيين بسببها من دائرة السلفية، وإلحاقهم بركب أهل البدع بسببها،
فذكر منها: "(من لم يزر الشيخ ربيعًا ومن كان على شاكلته، أو يتصل بهم هاتفيًا؛ فهو حزبي)".
ومنها: "و(من تحفّظ في كلام الشيخ ربيع في مخالفه؛ فهو حزبي)".
ومنها: "و(من لم يبدِّع فلانًا، ويقول: هو أكذب أو أخبث أو أضر من اليهود والنصارى والروافض؛ فهو مميع، أو حزبي متستر)".
ومنها: "و(الشيخ ربيع معصوم في مسائل المنهج، والجرح والتعديل)".
التعليق:
فأقول له: أين قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أو أي واحد من العلماء هذا الكلام؟
أثبت هذا الكلام بالبينة الشرعية .
فهذا افتراء منك على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- حيث تنسب له قول من هو جاهل أو ضال أو منتسب للشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- زوراً وبهتاناً .
وقد سلك مصطفى المأربي- عامله الله بعدله- هذا المسلك بل بنى عليه معظم افتراآته في حلقتيه الأولى والثانية، بل في كثير من مواضع كتابه.
فسبحان الله!! بنى بناءه على قاعدة فاسدة وباطلة!! وسلك مسلكاً مزرياً في نسبة الباطل بالباطل!! فحسبه الله ما أعظم فتنته!!
والأمثلة من كلامه تطول وتطول والله المستعان وبحوله أصول وأجول.


رميه الشيخ ربيعاً وإخوانه من السلفيين بالغلو في التكفير
قال مصطفى المأربي -: "وخلاصة هذا المنهج تتلخص في أمور:

الجواب من وجوه:
الوجه الأول: ذكر معنى التكفير المذموم .
فالتكفير المذموم هو: التكفير بفعل أو ترك ليس بمكفر عند أهل السنة، أو تكفير من وقع في مكفر يحتاج للحكم على المعين تطبيق ضوابط التكفير .
فهل الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- كفَّر بفعل أو ترك ليس بمكفر عند أهل السنة؟
وهل كفَّر الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- معيناً دون تطبيق ضوابط التكفير؟
الذي يعرفه أهل السنة أن الشيخ ربيعاً موافق للسلف في الأفعال والتروك المكفرة لم يأت بشيء من عنده وعلى المدعي البينة والبرهان .
وكذلك لم يؤثر عن الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- تكفير معين دون تطبيق ضوابط التكفير .
وحكمه على سيد قطب خير شاهد على ما نحن فيه .
فالشيخ ربيع لم يحكم بكفره مع قوله بوحدة الوجود، واستهزائه بموسى عليه السلام، وتكفيره وطعنه في بعض الصحابة -رضي الله عنهم-.
وبالمقابل نجد أن مصطفى المأربي يُعْلِنُ بلسانه -فيما سبق- عن تكفير المعين دون تطبيق لضوابط التكفير!!
قال المذكور- في أشرطة مأرب والتي يسميها هو (مناظرة الحدادية)!!: "لو ظهر لي أن سيد قطب يقول بوحدة الوجود لكفَّرته"!!".
ثم لما تبين له – بناء على قوله- لم يكفره بل أرجع تكفيره إلى ضوابط التكفير
فقال في شريطه الثالث، الوجه(أ) من أشرطة(القول الأمين..): "أيضاً طلب أحد إخواننا أنْ ألخص الكلام أو موقفي في أمر سيد قطب، فخلاصة ذلك أنني كنتُ من قبلُ لا أراه يقول بوحدة الوجود، وبعد الذي قرأته واطعلتُ عليه بنفسي، فأرى أنه قال بهذه المقالة الخبيثة، ويجب أن يكون هذا معلوماً عني، وأما أنه كافر أو أنه في النار أو أنه مات على ذلك هذا أمر لا أخوض فيه،فلهذا ضوابط ليست متيسرة لي الآن، فعلى إثر ذلك يكفني أن أقول: المقالة كذا ويُحذرُ منها، أما الشخص فما نستطيع أنْ نقول إنه مات كافراً أو مات وهو في النار أو مات وهو مصراً على ذلك، الله أعلم.."" .
فلماذا هذا الاضطراب والخلل في المنهج؟
ولا يقال إنه كان مخطئاً ثم تراجع .
فهذا شيء، وكونه تكلم كلامه الأول بجهل ومخالفة لعقيدة السلف شيء آخر .
وعموماً تراجعه عن باطله خير له من التمادي في الباطل .
وأنا لا ألومه عن ذنب تاب منه، ولكن أبين له مدى جهله ومكابرته وأسلوبه في رد الحق الذي ما زال ملازماً له وليس غرضي المسألة فقط.
الوجه الثاني: أن المذكور- بنى افتراءه على الشيخ ربيع بالغلو في التكفير بإطلاقات وعبارات يفهم منها التكفير .
فيرد هذا بعدة أمور:
الأمر الأول: أن العبارات المطلقة المشتبهة لا يحكم بها على عقيدة شخص، ولا ينسب إليه هذا الفهم .
بل ينظر في العبارة إن كانت صريحة ألزم بلوازمها، وإن كانت باطلة موهمة ردت على صاحبها وبين ما فيها من الخطأ والإيهام، ولا يحكم على المعين إلا بالضوابط الشرعية .
وقد نص على هذا الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في بيانه مع إخوانه من مشايخ الأردن حيث قالوا جميعاً: "ثانياً: ما تكرر ذكره من مسألة (المجمل والمفصل) وما يتعلق بها؛ الحق فيه ما يأتي:
مسألة (المجمل والمفصل) مسألة - بهذا الاصطلاح - لا تبحث إلا في كلام الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - . بحث هذه المسألة في كلام العلماء يسمى (إطلاقات العلماء) - كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
الإطلاق المغلوط الذي يوضحه ويبينه كلامٌ آخر - للقائل نفسه - يعامل كالآتي:
أ - تخطئة هذا الإطلاق - بحسبه - بدعةً أو غلطاً .
ب - قبول ذلك البيان .
ج - عدم الحكم على هذا المُطْلِق الغالِط حكماً عينياً بأنه (مبتدع) إلا إذا كان مبتدعاً أصلاً أو صاحب هوى.
د - وأما طالب العلم السلفي المعروف بسلفيته ومنهجه إذا واقع شيئاً من ذلك؛ فإننا نخطئه في إطلاقه، ونجعل صوابه المبين هو الغالب، مع نصيحته وتذكيره وبيان الحق له؛ إلا إذا ظهرت معاندته وانكشف إصراره" انتهى المقصود من البيان.
فكيف تبني حكمك الجائر على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وإخوانه من السلفيين بإطلاقات أنت تعلم ونحن نعلم أن الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لم يرد بها تكفيراً ولا إخراجاً من الملة .
الأمر الثاني: أن الألفاظ التي أطلقها الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- إنما هي من باب التهديد والوعيد وعظم قبح ما فعل، وهي مما تندرج أصلاً تحت ما وصفه الشرع بأنه كفر.
بل عبارات قد يفهم البعض على أنها تكفير يخرج من الملة وهذا ليس مراداً من الإطلاق.
والأدلة على ذلك من القرآن كثيرة جداً كقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}وقوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً} وقال تعالى:{بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
وقال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة))، وقوله-صلى الله عليه وسلم-: ((مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن)).
وكقول الإمام أحمد وغيره من السلف: من أنكر علو الله على خلقه فهو جهمي، مع تكفيرهم للجهمية .
وكقوله-فيمن أعاد الضمير في حديث الصورة إلى المضروب أو إلى آدم: إن هذا قول الجهمية .
ونحو ذلك من الألفاظ التي يراد بها التهديد والوعيد وعظم قبح تلك الأمور.
فهل يقول الإمام أحمد: إن من أول حديث الصورة يكفر كفراً عينياً مطلقاً؟
الجواب قطعاً: لا . وقول الإمام أحمد في المعتصم معلوم مشهور.
فخرج كلام الإمام أحمد مخرج التهديد والوعيد وأن تأويل صفات الرب -عزَّ وجلَّ- من أعمال الكفار والمشركين، وبيان أن تأويل حديث الصورة –في الأصل- إنما يجري على قواعد الجهمية .
فهكذا كلمات الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- خرجت على سبيل التهديد والوعيد وتقبيح تلك الفعال، وهي مما تندرج أصلاً تحت ما وصفه الشرع بأنه كفر.
الأمر الثالث: إلزام: مصطفى المأربي يقول بقاعدته الفاسدة وهي "حمل المجمل على المفصل" ولم يطبقها مع الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-!!!
فمصطفى المأربي يعرف أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- لا يكفره ولا غيره ممن رد عليهم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ممن ثبت لهم الإسلام كسفر وسلمان وعبد الرحمن عبد الخالق وعرعور والمغرواي وغيرهم .
فلماذا لا يحمل مجمل الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- على مفصله في كتبه وأشرطته وردوده على التكفيريين؟!!!
والله يقول: {وإذا قلتم فاعدلوا}.
الأمر الرابع: إلزام –أيضاً-: لو حكمنا على مصطفى المأربي بمثل صنيعه لحكمنا عليه بأنه من الغلاة في التكفير!!
برهان ذلك أن المأربي أطلق إطلاقات ووصف الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بأوصاف مخرجة من الملة!!
المثال الأول: قال المذكور-: "6) أنزلوا أنفسهم -بلسان الحال- منـزلة ليست لهم، فمن وقع في خطأ، وشنَّعوا عليه، فعرف خطأه، وتراجع عن قوله بلسان عربي مبين، وأعلن ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ اتهموه بأنه كذاب مراوغ في توبته، ولا تصح توبته إلا بين أيديهم، وبالألفاظ التي يُملونها عليه، والله عز وجل يقول: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، ولم يجعل التوبة لفلان أو فلان!!".
فتضمن كلامه هذا أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- نزل نفسه منْزلة الرب جل وعلا في وجوب التوبة إليه وقد أجمع العلماء أن التوبة عبادة لا تصرف لغير الله، فمن صرفها أو دعا صرفها لغير الله فقد أشرك .
وهذا كذب من مصطفى المأربي فهذا لم يدعه الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ولا غيره من أهل السنة .
بل لما حصلت فتنتك في اليمن ونوقشت في بعض أقوالك واتفقت كلمة المشايخ في اليمن معك –في أول الأمر- فرح بذلك الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ونهى الناس عن الكلام فيك ولو بكلمة واحدة .
ولم يشترط الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن تأتيه أو تتصل به لتعلمه توبتك!!!
فلو أنك تركت الجدل والخصام وتبت مما أخذ عليك لانتهت فتنتك في اليمن، ولكنك تكبرت واستكبرت، ورفعت عقيرتك بالسوء، وزعمت التراجع في مواطن، وتبين كذبك في تراجعك .
ولقد سألت عنك الشيخ صالح السحيمي والشيخ محمد بن هادي والشيخ عبد الله البخاري فكلهم قال: إنك كذاب . وفسروا جرحهم وبينوه .
فكيف بعد هذا ستصدق في تراجعك وأنت تنقضه؟!!( )
وكلامك السابق يتأول لك ولكن أردت تنبيهك إلى أنا لو أردنا أن نفعل فعلك لحكمنا عليك بمثل ما رميت به الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ-.
المثال الثاني: قال مصطفى المأربي: "15) هؤلاء يجيزون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، فعندما استُدل على الشيخ ربيع بأن الشيخ ابن باز لم يتكلم في بعض دعاة القطبية؛ قال: (نحن لا نقلد ابن باز، وابن المبارك ما هو بنبي، ونحن لا نقدس الأشخاص، وعندنا ميزان نزن به الناس)، وهذا حق في ذاته، لكن عندما قلتُ: لا أقلد الشيخ ربيعًا، وليس وصيًا علينا؛ صاحوا وهاجوا: هذا إسقاط لمرجعية العلماء!! فيا لله العجب..." إلخ كلامه .
فهو هنا يتهم الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- والسلفيين بأنهم يجيزون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم فهذا يتضمن اتهام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وإخوانه بأنهم أرباب من دون الله يشرعون من دون الله فيحلون ويحرمون حسب أهوائهم!!
ولا يصح حمل كلامك هنا على التحريم والتجويز اللغوي فإنه قد ترتب على هذا التفريق تأثيم وحكم بالزيغ والضلال!!
ولولا علمنا بأنك لم ترد التكفير لحكمنا عليك بالتكفير والغلو فيه.
ولكن بناءً على اتهامك للشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- والسلفيين بالتكفير بل الغلو فيه بإطلاقات نحو إطلاقاتك؛ فيلزمك –حينئذ- أن تحكم على نفسك بالتكفير والغلو فيه .
والله المستعان .
الوجه الثالث: أن مصطفى المأربي حكم على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بالغلو في التكفير بناء على فعل بعض الأتباع –بزعمه- الذين عملوا بإطلاق الشيخ –الذي سبق الجواب عنه- فحمَّل المذكور- الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تبعة الجهال والمنحرفين!!
وقد أبطلت طريقة هذا المأربي في مقدمة الرد.
الوجه الرابع: سمِّ لنا من كفرك أو كفر مسلماً ممن رد عليهم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
وهل من كفرك أو كفر مسلماً ممن رد عليهم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- هو من العلماء أو المشايخ أو حتى من طلاب العلم؟
أما أن تأتي بقول جاهل، أو قطبي متستر، أو مخرف منحرف يدَّعي تعظيم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وهو عدوه في الحقيقة ثم تنسب هذا الإفك والبهتان للشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-!!
فهذا من ظلم مصطفى المأربي ، وبهتانه، واتهامه للمسلم بما ليس فيه .
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج)) قيل: وما ردغة الخبال؟ قال: ((عصارة أهل النار)).
وقد أغرب بعضهم فاستدل بكلام لأحد الإخوة الفضلاء( ) الذين ردوا على مصطفى المأربيّ وهو قوله: "أبو الحسن كاد أن يكون منافقا خالصا" فهل هذا فيه تكفير أيها العقلاء؟!!
فلقد صار سوء الفهم، والجهل المركب سمة للمصطفى المأربي وأتباعه.
فبان وظهر بما سبق أن مصطفى المأربي قد افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وإخوانه من السلفيين بما هم منه بريؤون، وأنه قال فيهم ما ليس فيهم .
ومجال الرد عليه طويل جداً –كما أسلفت- وإنما أحببت في هذا التمهيد بيان بعض أباطيله وافترائه .
أسأل الله أن يهديه ويصلحه وإلا أن يقصم ظهره ويريح المسلمين من شرِّه .
والله أعلم
كَتَبَهُ
أبو عُمَرَ أسامةُ بنُ عَطَايَا بنِ عُثمانَ العُتَيْبِيُّ

ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:16
الفصل الأول
إبطال افتراءات مصطفى المأربيّ فيما يتعلق بجناب الرب -عزَّ وجلَّ- .
لقد وصلت الجرأة على الكذب بالمذكور- أن اتهم الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- بأنه تكلم بكلام لا يليق بحق الربِّ -عزَّ وجلَّ-، وهو كاذب فيما ادعاه، متناقض فيما يقول ويفتري.
فحينما يتكلم المأربي بكلام صريح في الذم والسب، ويُدان بذلك، ويطالب بالتوبة يدَّعي أنَّ ما تكلَّم به ليس سباً ولا تنقصاً، كما عرف عنه من دعواه أنَّ وصف الصحابة -رضي اللهُ عنهم- بالغثائيَّة ليس سبّاً!!
ثم مع جهله الفاضح بما هو سب وتنقص، وبما ليس كذلك يأتي إلى عبارات وقعت في كلام الشيخ ربيع -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- ليست سباً ولا خطأً فيجعلها سبا وتنقصاً متناقضاً بذلك، ومتكلماً بما ليس له به علم كما سيأتي بيانه -إنْ شاءَ اللهُ تعالَى- .
*قال المأربي في الحلقة السابعة من كتابه الفاسد: "

أولاً:فمن هذه الأخطاء: أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأن يفقه الواقع!!!"
واستدل بقول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فيشريط "الجلسة الثالثة من المخيّم الربيعي" (أ): "هو بنفسه- يعني الشيخ ابن باز - هذا كلامه مسجل , يقول: إني ما قرأت للبنا والمودودي ,ولاشئ ,إنسان وقته كله مشغول بقضايا الأمة, ماعنده فراغ للهراءات هذه,إحنا عندنا وقت فراغ ,نتابع هذه البلايات "
فقال السائل: على قولك يا شيخ، راح يقولون: الشيخ ابن باز ما يفقه الواقع؟! قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "الشيخ يفقه الواقع، لكن ما يفقه الواقع كله مثل الله ".
ثم قال المأربي: "فهل هذا التعبير فيه إجلال لله عزوجل؟وهل بمثله يعبِّر العلماء الكبار؟!! إن هذا التعبير لوعبر به طالب علم؛لابتدرته الأبصار بالتعجب والدهشة ,لكن حدِّث أيها الشيخ بمايحلو لك؛ فإن وراءك أقواماً لايعرفون معروفاً من غيرك, ولا ينكرون منكراً منك,فالله المستعان!!".
ثم قال المأربي: ",فإني لم أعلم عن أحد من السلف أنه قال: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وقوله ما لم يقله .
فليس في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن الله "يفقه الواقع" لكنه وصف الشيخ ابن باز بفقه الواقع مع نفيه أن يكون فقهه للواقع -أي علمه ومعرفته بالواقع- مثل الله .
فالمثلية راجعة إلى المعنى الذي تضمنته لفظة "الفقه" لا مجرد اللفظ.
الوجه الثاني: على التسليم أن الشيخ ربيعاً وصف الله عز وجل بأنه يفقه الواقع فتعبيره صحيح ولكنه خلاف الأولى .
وذلك لأن فقِه تأتي بمعنى علم فيكون المعنى: الله يعلم الواقع وهذا حق بلا ريب.
قال في القاموس المحيط: "الفقه -بالكسر-: 1- العلم بالشيء، 2- والفهم له، 3- والفطنة، 4- وغلب علم الدين لشرفه"( ) .
فذكر للفقه هنا أربعة معانٍ كما هو موضح.
وسياق كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يدل على هذا فهو يتكلم عن معرفة الواقع والعلم به ويبين أن الإحاطة بالواقع إنما هو من خصائص الله لا يستطيعه الشيخ ابن باز -رحمه الله- ولا غيره من البشر .
الوجه الثالث: أن المأربي جعل وصف الله بالفقه بالواقع أي العلم به مثل قول القائل: الله عز وجل أفقه من العالم الفلاني ,أو أن فلان ليس في الفقه مثل الله!!.
وهنا يظهر سوء فهم المذكور- لكلمة "الفقه" فهو يظنها بالمعنى الاصطلاحي عند علماء الفقه وأصوله وهو: العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية .
ولكن نقول للمأربي: إن الفقه يأتي بمعنى العلم ويجوز في العلم أن تقول: الله أعلم من فلان، وفلان في علمه ليس كعلم الله .
وعليه فيصح إطلاق الفقه موضع العلم، لكنه خلاف الأولى لما فيه من الإيهام لا سيما إذا كان جاهلاً مثل هذا المأربي فيتوهم في الله ما لا يليق به عز وجل.

إنكار مصطفى المأربيّ لصفة "الإدراك"
* قال المذكور-: "ثانياً:وللشيخ ربيع كلام ظاهره قبيح,ولازمه أنه يصف الله عز وجل بالبداء، وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-!!"
ثم نقل كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في شريط "مناظرة عن أفعانستان" (أ): "...فأي انحدار يلحق "هذا الإسلام من الإنسان من هذا"؟ أن يعبد القردة والفرج والصنم والحجر والشجر، هذا خطير،ما هو ساذج, هذا أمر خطير, أمر خطير جدًا، ولهذا أدرك خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه ..."
ثم قال المذكور-: "فقوله: (ولهذا أدرك خطورته ربنا ...) هذا لفظ ظاهر جداً في القبح!! يجب على الشيخ ربيع أن يتراجع عنه، وإني لأعلم أنه ما يقصد حقيقة اللفظ، لأن حقيقته يلزم منها ما سبق ذكره، واليهود- أو أكثرهم, على ما عندهم من البلاء- ينكرون جواز النسخ، لأنه يلزم منه البداء، فلا شك أن الشيخ ما يقصد هذا المعنى، إنما هو خطأ لفظي،".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" ليس خطأ لفظياً، بل هو حق وصواب، وإنما أتي المأربي من قبل سوء فهمه، مع سوء قصده، وحبه الظهور، والانتصار لنفسه، ولو بالكذب والبهتان .
وبيان هذا بأمور:
الأمر الأول: أن صفة الإدراك ثابتة لله عز وجل .
قال الله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}.
وقال تعالى: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم}.
فإدراك الله عز وجل للأبصار هو إحاطته بها وعلمه بها .
فالإدارك بمعنى الإحاطة كما ثبت عن غير واحد من السلف.
وقال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: {وهو يدرك الأبصار} أي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه لأنه خلقها ..".
وأما الإدراك في الآية الثانية فبمعنى اللحاق والإحاطة أيضاً فمعنى الآية: لولا أن نعمة الله لحقته وأحاطت به لنبذ بالعراء وهو مذموم .
قال الإمام القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء الحنبلي في كتابه«المعتمد في أصول الدين»(ص/48): «وهو سبحانه مدرك لجميع الْمدْرَكَاتِ، وذلك صفة هو عليها، زائدة على معنى وَصْفِهِ بأنه حي عالم قادر مريد».
فثبت أن الله عز وجل يوصف بالإدراك، والتدارك، وهو بمعنى الإحاطة والعلم، وتأتي بمعنى اللحاق مع الإحاطة .
فكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهره وباطنه: أن الله أدرك بعلمه وإحاطته حاجة الناس إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب لخطورة الشرك في الألوهية .
ولو استبدلنا كلمة (أدرك) بـ(علم) أو (أحاط علمه) فستكون العبارة هكذا: "ولهذا (علم) خطورته ربنا تبارك وتعالى، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل له الكتب ,وأرسل له كرام الأنبياء ,أولي العزم ,يحاربونه".
فهل هذا فيه أي محظور أو بداء أيها المتعالم؟!!
الأمر الثاني: أن كثيراً من العلماء لما فسروا صفة العلم لله عز وجل؛ فسروه بأنه الإدراك .
وأذكر مثالين مع كثرة الأمثلة .
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً، والله عز وجل {يعلم ما بين أيديهم} المستقبل، {وما خلفهم} الماضي، وكلمة {ما} من صيغ العموم تشمل كل ماض وكل مستقبل، وتشمل أيضاً ما كان من فعله وما كان من أفعال الخلق."
وقال شيخ الإسلام: "فإن الإدراك يستعمل في إدراك العلم وإدراك القدرة".
وانظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/331) ومفتاح دار السعادة لابن القيم(1/258).
الأمر الثالث: أن كثيراً من العلماء فسروا صفة السمع بالإدراك .
من ذلك: قال الإمام البيهقي في الاعتقاد(ص/51تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي): "السميع: من له سمع يدرك به المسموعات، والسمع له صفة قائمة بذاته" .
وانظر: الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام(1/89) .
الأمر الرابع: أن كثيراً من العلماء فسروا البصر بالإدراك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد(3/686): "والتحقيق أن السمع له مزية، والبصر له مزية، فمزية السمع العموم والشمول، ومزية البصر كمال الإدراك وتمامه ، فالسمع أعم وأشمل، والبصر أتم وأكمل فهذا أفضل من جهة شمول إدراكه وعمومه، وهذا أفضل من جهة كمال إدراكه وتمامه".
وكلامه -رحمه الله- في صفتي السمع والبصر على الإطلاق فإذا أضيفت كان لله ما يليق بكماله وجلاله وغناه، وللعبد ما يليق بضعفه وفقره.
وانظر: الصواعق المرسلة(3/874-875) والعقيدة الأصفهانية(ص/84) .
وقد قال الشيخ عبد الباقي البعلي الحنبلي المتوفى عام1071هـ في كتاب"العين والأثر في عقائد أهل الأثر" راداً على من أنكر أن كلام الله بحرف وصوت(ص/87): "أنَّ الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه، كما أن إدراك البصر بأنه إدراك المبصرات، والسمع في أنه إدراك المسموعات، والعلم في أنه إدراك المعلومات ليس بتشبيه كذلك هذا".
وانظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعة(ص/96) .
الوجه الثاني: من سبقك من العلماء أو حتى الجهلاء إلى أن لفظة: "أدرك" بمعنى البداء؟!
وكيف تجعل فهمك السقيم –غير المسبوق- حكماً على أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟!!
ألا تستحي وتتقي الله وتلزم حدك؟!!
الوجه الثالث: أن المأربي لجهله بمسائل التوحيد يظن –فيما يظهر لي- أنَّ صفة العلم ونحوها من الصفات كالسمع والبصر إذا تعلقت بزمن أو بسبب فهذا يلزم منه القول بالبداء أو أن الله لم يكن يعلم فعلم!!
وهذا باطل .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فهل سيأتي جاهل ويفهم من هذه الآية أن الله لما فرض عليهم القتال والمشركون عشرة أضعافهم لم يكن يعلم ضعفهم؟!!
بل المراد بالعلم هنا علم حادث متجدد لما وجد الضعف، وإن كان الله جل وعلا يعلم ضعفهم في الأزل، وفائدته بيان رحمة الله، ومراقبته لهم، وتخفيفه عليهم .
*ومن عبارات العلماء السلفيين: ما قاله قتادة -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى:{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}: "لم ينفع قرية كفرت، ثم آمنت حين حضرها العذاب، فَتُرِكَت إلا قوم يونس، لَمَّا فقدوا نبيَّهم، وظنُّوا أنَّ العذاب قد دنا منهم؛ قذفَ اللهُ في قلوبهم التَّوبةَ، ولبسوا الْمُسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عَجُّوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم؛ كشف عنهم العذاب، بعد أن تدلى عليهم" نقله ابن كثير وأقره .
ومن ذلك ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل(ص/161): "ثم أخبر سبحانه خبراً مستأنفاً عنهم أنه سيهديهم، ويصلح بالهم لما علم أنهم سيقتلون في سبيله، وأنهم بذلوا أنفسهم له فلهم جزآن جزاء في الدنيا بالهداية على الجهاد وجزاء في الآخرة بدخول الجنة ..."
فهل يفهم من كلام ابن القيم -رحمه الله- أن الله لم يكن يعلم أنهم سيقتلون في سبيله ثم علم ذلك؟!!!!
ونحو ذلك من العبارات .
فلما نقول: لما علم .. ليس معناه أنه لم يكن يعلم ..
فافهم هذا أيها المأربيّ .
وانظر: روضة المحبين(ص/30-31)، الجواب الكافي(ص/129)، إعلام الموقعين(4/202) .
يزيده بياناً:
الوجه الرابع: قول المأربي: "وأن علمه مُحدث،قد سبقه جهل -والعياذ بالله-".
قد يفهم منه أن هذا المأربي -عامله الله بعدله- يلزم من يثبت علم الله الحادث أن يكون قد سبقه جهل!!
وهذا باطل .
فعِلْمُ الله -عز وجل- نوعان: علم أزلي قديم، وعلم حادث متجدد متعلق بالمعلومات ووجدوها حسب أزمان حصولها .
وقد نبه على هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- في المسائل والرسائل .
وقال -رحمه الله- في الرد على المنطقيين(ص/464): "أدلة القرآن والحديث على إثبات العلم لله تعالى.
وعامة من يستشكل الآيات الواردة في هذا المعنى كقوله {إلا لنعلم}، {حتى نعلم}؛ يتوهم أن هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون .
وهذا جهل؛ فإنَّ القرآن قد أخبر بأنه يعلم ما سيكون في غير موضع، بل أبلغ من ذلك: أنه قدر مقادير الخلائق كلها، وكتب ذلك قبل أن يخلقها، فقد علم ما سيخلقه علماً مفصلاً، وكتب ذلك وأخبر بما أخبر به من ذلك قبل أن يكون .
وقد أخبر بعلمه المتقدم على وجوده، ثم لما خلقه علمه كائناً مع علمه الذي تقدم أنه سيكون، فهذا هو الكمال، وبذلك جاء القُرْآنُ في غير موضع.." إلخ كلامه وهو نفيس جداً.
* فإن قيل: إن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- إنما علل الإدراك بالمفاسد فقال: "ولهذا أدرك خطورته ربنا" فهو يجعل الإدراك معللاً وهذا يلزم منه أن ناتج عن أمر سابق، والذي يلزم منه أنه ظهر لله بعد أن لم يكن ظاهراً .
فالجواب:
هذا باطل، وهو مردود عليه بما سبق، فإن الله علل علمه بأشياء، وعلق علمه على وجودها كقوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم} الآية.

فليس فيه أن الله لم يكن يعلم المجاهدين، ولكنه علم حادث بما يستحقون عليه الثواب.
وكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لم يخرج عن الألفاظ الشرعية فإنه علق إنزال الكتب وإرسال الرسل على هذا الإدراك (العلم والإحاطة) وعلق قبل ذلك هذا الإدراك على المفاسد الناتجة من الشرك .
فليس فيه أن الله سبحانه لم يكن مدركاً (محيطاً بعلمه) هذا الأمر في الأزل، بل هو مدرك له في الأزل، ولكنه تجدد علمه بهذه المفاسد بعد عشرة قرون من وفاة آدم عليه السلام، ووقوع الناس في الشرك والفساد، فعلم الله حاجة الناس للرسل والكتب فأرسل نوحاً عليه السلام بالدعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشرك بشتى صنوفه .
وهذا يصح أن يقال بلا إشكال لأنه مبني على استنباط من الأحاديث النبوية .
والله أعلم .







مصطفى المأربيّ لا يفرق بين الاستفهام الإنكاري والاستفهام التقريري
* قال المأربي: "ثالثاً:ومما لا يليق ذكره في حق الله عز وجل، ما قاله الشيخ ربيع في نفس الشريط في سياق ذم من يرمي دعاة التوحيد بأنهم دراويش، فقال: (...يعني ربنا درويش، والرسول درويش؟ يا جماعة اتقوا الله، الآن الذي يحارب هذه الأشياء؛ يقولون: درويش، وهذه دروشة!!...).اﻫ
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتهمه قومه بعدة اتهامات، وذلك لما دعاهم إلى توحيد الله، وحارب الشرك بجميع صوره , ولم يقل لهم: إذا كنتم تقولون عني: كذاب وساحر ومجنون... الخ بسبب دعوتي إياكم إلى التوحيد؛ وتحذيري إياكم من الشرك؛فقولوا مثل ذلك في الرب عز وجل!!هل قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا جماعة اتقوا الله ,يعني ربنا ساحر وشاعر ..."؟!حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا!!أليس لك – أيها الشيخ - في رسول الله أسوة حسنة,الذي لم يعبـر بهذا التعبيـر السيئ؟!
وهل يُلزم المخالفون أن ما قالوه في الدعاة من مقالة السوء؛ أن يقولوا ذلك كله في الله عز وجل، أو في رسوله صلى الله عليه وسلم؟!ولو لزمهم هذا؛هل نعبر نحن بهذا التعبير؟!!إنا لله وإنا إليه راجعون".
الجواب:
هذا من المأربي جهل بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطريقة أهل العلم في الرد على المخالفين للحق .
وهو جهل من المأربي بين الاستفهام التقريري والاستفهام الإنكاري .
وهذه آفة هذا المأربي الجاهل .

والجواب على جهالاته من وجوه:
الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ-لم يصف الله عز وجل بخلاف ما وجب، بل هو معظم لله تبارك وتعالى، مُنَزِّه له-عز وجل- عن إفك الأفاكين، وباطل المبطلين.
فهو نفى عن الله ما يتهمه أعداؤه –بطريق غير مباشر- بالدروشة والجهل بطرق بيان الحق والدين .
وهذا ليس فيه سوء تعبير ولا خطأ في لفظ . يوضحه:
الوجه الثاني: أن لفظة درويش كلمة غير عربية يراد بها الجاهل الذي لا يدرك غور الأمور، والغافل، والذي يعمل أعملاً ليس مما يعمله أهل العقل الرجيح.
وقد نفى الله عن نفسه الجهل في كتابه فقال تعالى: { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}.
وقال تعالى-في عدة مواضع-:{وما الله بغافل عما تعملون}
وقال تعالى: {قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى}.
وقال تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} .
وقال تعالى: {لا يعزب عنه مثقال ذرة..} الآية
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فيُنَزِّه الله نفسه عن عدم العلم (الجهل)، وعن الغفلة، وعن الضلال، وعن النسيان –بمعنى الغفلة والسهو- .
وهذه الأمور التي نفاها الله عن نفسه هي حقيقة الدروشة ومعناها، فليس فيها إساءة إلى الله ولا كلام بما لا يليق ... يوضحه:
الوجه الثالث: أن نفي العيوب والنقائص عن الله ليس موقوفاً على ألفاظ معينة بل كل ما فيه نقص ينفى عن الله عز وجل، ما لم يكن ذلك النفي يحصل بسببه نقص لا كمال، كالتفصيل في النفي والإجمال في الإثبات كما هو عليه أهل الكلام .
أما كلمة "دروشة" أو "درويش" فهي لفظة قصيرة ينفى بها عدة صفات نقص .
قال تعالى: {ولم يكن له كفواً أحد} وقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال: {هل تعلم له سمياً}.
قال شيخ الإسلام في التدمرية(ص/88): "وبالجملة، فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى، وصفات الكمال ما قد ورد، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه، كما ينفي عنه المثل والكفؤ .
فإنَّ إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده، والعقل يعرف نفي ذلك، كما يعرف إثبات ضده، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه.
فطرق العلم بنفي ما ينَزَّه عنه الرب متسعة لا يحتاج فيها إلى الإقتصار على مجرد نفي التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير الذين تناقضوا في ذلك، وفرقوا بين المتماثلين حتى أن كل من أثبت شيئاً احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه....-إلى أن قال:- فطرق تنْزيهه وتقديسه عما هو منزه عنه متسعة لا تحتاج إلى هذا..".
نفي الجسم أو إثباته فيه تفصيل بينه شيخ الإسلام في التدمرية وغيرها من كتبه .
الوجه الرابع: ينبني على ما سبق جواز نفي العيوب والنقائص عن الله ولو كانت بألفاظ غير عربية كلفظة درويش أو نحوها من الألفاظ غير العربية .
فلا محظور في إنكار وصف الله بالدروشة أو الجهالة أو الضلال أو الغفلة أو نحوها من صفات النقص.
الوجه الخامس: أن بعض الألفاظ قد ينبو عنها السمع ولكن نجد أن الله عز وجل نفاها عن نفسه، أو نفاها عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو نفاها أهل العلم من أهل السنة والجماعة .
ومن الأمثلة غير ما سبق:
* نفي الصاحبة والولد: قال تعالى: {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد}.
وقال تعالى: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} .
إلى غير ذلك من الأدلة .
* نفي الإعياء والتعب عن الله: قال تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} وقال تعالى: {ولم يعي بخلقهن}.
* نفي السِّنَة والنوم: قال تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}
* نفي الظلم عن نفسه سبحانه: قال تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} وتكرر نفي الظلم في مواطن عديدة.
* نفي اللعب عن نفسه: قال تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين}.
إلى غير ذلك من الأدلة .
*ومن أقوال العلماء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في التدمرية(ص/90-91): "وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به، وكل نقص تنَزَّه عنه المخلوق فالخالق أولى بتَنْزِيهه عن ذلك، والسمع قد نفى ذلك في غير موضع كقوله تعالى: {الله الصمد}، والصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهذه السورة هي نسب الرحمن، أوهى الأصل في هذا الباب .
وقال في حق المسيح وأمه: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقَة كانا يأكلان الطعام}، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية، فدل ذلك على تنْزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأحرى .
والكبد والطحال ونحو ذلك: هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني الْمُنَزَّه عن ذلك مُنَزَّهٌ عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنَّها للعمل والفعل، وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل؛ إذ ذاك من صفات الكمال، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل.
وهو سبحانه منَزَّهٌ عن الصحابة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه، وكذلك البكاء والحزن؛ هو مستلزم الضعف والعجز؛ الذي ينَزه عنه سبحانه، بخلاف الفرح والغضب فإنه من صفات الكمال ، فكما يوصف بالقدرة دون العجز، وبالعلم دون الجهل، وبالحياة دون الموت، وبالسمع دون الصمم، وبالبصر دون العمى، وبالكلام دون البكم؛ فكذلك يوصف بالفرح دون الحزن، وبالضحك دون البكاء ونحو ذلك" .
واسمع ما يقوله ابن القيم -رحمه الله- لتعلم مدى جهلك، وتنكبك عن الصراط المستقيم: "قلت: وقريب من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب، فإنه جمعني وإياه مجلس خلوة أفضى بيننا الكلام إلى أن جرى ذكر مسبة النصارى لرب العالمين مسبة ما سبه إياها أحد من البشر .
فقلت له: وأنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة!
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأنكم تزعمون أن محمداً ملك ظالم، ليس برسول صادق، وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم، ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله، ويقول: الله أمرني بهذا، وأباحه لي، ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك، ويقول أوحى إلي، ولم يوح إليه شيء، وينسخ شرائع الأنبياء من عنده، ويبطل منها ما يشاء ويبقي منها ما يشاء، وينسب ذلك كله إلى الله، ويقتل أولياءه، وأتباع رسله، ويسترق نساءهم وذرياتهم؛
فإما أن يكون الله سبحانه رائياً لذلك كله عالماً به، مطلعاً عليه أو لا؟
فإن قلتم: إن ذلك بغير علمه واطلاعه؛ نسبتموه إلى الجهل والغباوة، وذلك من أقبح السب .
وإن كان عالما به، رائياً له، مشاهداً لما يفعله؛ فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا؟
فإن قلتم: إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده؛ نسبتموه إلى العجز والضعف.
وإن قلتم: بل هو قادر على منعه، ولم يفعل؛ نسبتموه إلى السفه والظلم والجور .
هذا وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه؛ يجيب دعواته، ويقضي حاجاته، ولا يسأله حاجة إلا قضاها له، ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له، ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ..." إلخ كلامه .
فقارن بين كلام شيخ الإسلام ابن القيم وبين أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- لتنظر أي الكلامين أشد وأولى بأن ينكر عليه –إن كان يستحق الإنكار-!!
فراجع نفسك أيها المأربيّ، وارفق بها، ولا تتعد حدود الله، ولا يحملنك الانتصار لنفسك وهواك أن تجعل المعروف منكراً، والمنكرَ معروفاً، والحقَّ باطلاً، والباطلَ حقاً .
وأنصحك بطلب العلم على العلماء المشهود لهم بحسن الطريقة، والاستقامة على منهج السلف كشيخنا أسد السنة الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- والشيخ الفوزان والشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم من علماء أهل السنة .

خلط مصطفى المأربيّ بين النفي والإثبات، وإنكاره ما ثبت في كتاب الله
* قال المأربي: "رابعاً:ومن ذلك أن الشيخ في سياق رده على الذين يرمون أهل السنة بالعمالة,لأنهم – في نظرهم – لا ينكرون باطل الحكام ,ويطالبونهم بالانضمام إليهم ,في الخروج على الحكام ,أو التهييج عليهم, ولقد أحسن الشيخُ في رده على ذلك ,إلا أنه أتى بعبارات سيئة ,تشمئز منها قلوب الموحدين ,وتقشعر منها الجلود ,فقد قال في شريط:"مرحباً يا طالب العلم "(1/أ):) الآن الذي لا يناطح الحكام عميل!! ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!! ولماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يناطح هذه المناطحات؟!! أهؤلاء أهدى من الله؟!!وأهدى من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!! يبدأون الدعوة إلى الإسلام, من آخر مراحل الإسلام , ولا يبدأون من الأصول والمنابع الأولى في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ....).
وفي هذا الكلام عدة مؤاخذات:


فهل يجوز لنا أن نقول:الله عزوجل أهدى من فلان؟!!فإلى الله المشتكى..
..."
الــــجَــــواب:
انتقد المأربي الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- في موضعين من هذا الكلام .
الأول: قول الشيخ حفظه الله وكسر شوكة عدوه: "!! ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!! ولماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يناطح هذه المناطحات؟!!".
الثاني: قوله الشيخ -حفظَهُ اللهُ-: "أهؤلاء أهدى من الله؟!!وأهدى من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!!".
والجواب عن الأمر الأول من وجوه:
الوجه الأول: أن مصطفى المأربي كذب على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- إذ نسب إليه وصفَ الله بالمناطحة!!
قال المأربي: "هل يوصف الله عز وجل بالمناطحة؟!!" موهما أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يقول بذلك .
الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- إنما قال: "ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!!"
فلم يفرق المأربي الجاهل بين الاستفهام الاستنكاري المتضمن إنكار الوصف المنسوب إلى الله، وبين الاستفهام الاستعلامي والاستخباري .
علماً بأن المأربي وضع بعد سؤال الشيخ علامة استفهام وعلامتي تعجب دلالة على أن السؤال سؤال استنكار لا استفسار!
فإن قيل: إنه وضع علامة التعجب لاستنكار لفظة المناطحة!
فيقال: لو كان الأمر كذلك لكان موضع علامة التعجب بعد كلمة "ناطح" وليس بعد نهاية السؤال .
الوجه الثاني: معنى كلمة ناطَح: مأخوذ من الفعل نطح .
قال ابن منظور: "النطح للكباش ونحوها؛ نطحه ينطِحُه وينطَحُه نطحاً...ويقتاس من ذلك تناطحت الأمواج والسيول والرجال في الحرب .
قال ابن سيده: والنطيح والناطح ما يستقبلك ويأتيك من أمامك من الطير والظباء ..
وقال الجوهري: نواطح الدهر شدائده . ويقال: أصابه ناطحٌ أي: أمر شديد ذو مشقة قال الراعي: وقد مسَّه منا ومنهن ناطحُ .
وفي الحديث: ((فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبداً)) ( ) قال أبو بكر: معناه: فارس تقاتل المسلمين مرة أو مرتين . وقيل: معناه: فارس تنطح مرة أو مرتين فيبطل ملكها ويزول أمرها" لسان العرب(14/184) .
فيتبين مما سبق أن كلمة ناطح لا تعني بالضرورة الضرب بالقرون كما يظهر من فهم المأربي وصنيعه!!
لا سيما أنه مزارع فلعله يعالج الثيران أو البهائم!!
فلا يلزم من الوصف بالنطح أن يكون له قرنان!!
بل ركناه: الضرب والمواجهة .
فيكون معنى ناطح الحكام: أي قاتلهم مواجهة .
والله -عَزَّ وَجَلَّ- وجل يحارب أعداءه.
قَالَ تَعَالَى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }البقرة27
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-: ((إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ
وأعداؤه يحاربونه:
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33.
فالمقصود أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- وجل لَمْ يحارب الحكام ، وَكَذَلِكَ رسوله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، وإنما يحارب مَنْ يعادي أولياءه، أَوْ لا ينتهي عَنْ الربا، ولَيْسَ ذَلِكَ خاصاً بالحكام.
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يصف الله بالمناطحة، بل نفاها عن الله عز وجل، واستنكر فعل الحزبيين الذين يواجهون الحكام ويعلنون عليهم الحرب والمخالفة دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله.
وقد سبق ذكر شيء من هذا في الفقرة السابقة كقوله تعالى: {وما كنا لاعبين}، وقوله: {لا يضل ربي ولا ينسى}.
وقوله تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} ونحوها من الأدلة، وقد نقلت كلام بعض العلماء بنحو ذلك.
الوجه الرابع: لو كان الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أخبر عن الله بلفظ "ناطح" فإن سياق كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يبين مراده بلفظة المناطحة ألا وهو المواجهة .
فالشيخ يقول بعد ذكره للأحبار والرهبان وأن الله عز وجل حذر منهم وبين مدى فسادهم وهم ليسوا ملوكاً ولا حكاماً ثم ذكر قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} ثم قال: فين الكلام على كسرى وقيصر؟ أين هو؟
ثم قال -حفظَهُ اللهُ-: "الآن الذي لا يناطح الحكام عميل!!" ومعناه ظاهر؛ أي الذي لا يواجه الحكام ويعلن عليهم الحرب والمخالفة يعده الحزبيون عميلاً . دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله؛ كما بينه الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في سياق كلامه بعد الكلام الذي نقله المأربي .
ثم قال -حفظَهُ اللهُ- مستنكراً ومنكراً على هؤلاء الحزبيين: "ليه ربنا ما ناطح الحكام؟!!" يعني: لماذا ما واجه الله الحكام بمثل ما عليه الحزبيون من الدعوة إلى السياسة والحكم دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله؟!!
ثم قال -حفظَهُ اللهُ-: "ولماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يناطح هذه المناطحات؟!!" أي: لماذا ما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يواجه الحكام بمثل ما يواجه به الحزبيون حكامهم من الدعوة إلى السياسة والحكم دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله؟!!
فهذا هو ظاهر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
ولا نقول إن قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- موهم أو مشتبه ونحتاج إلى كلام آخر له في موضع آخر لنعرف مقصده من كلامه!!
بل هو ظاهر كلامه وسياقه وسباقه ولحاقه وهذا عليه أهل العلم قاطبة وعلى رأسهم شيخنا الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
الوجه الخامس: من باب التَّنَزُّل: أن استخدام كلمة ناطح مع نفيها في هذا الموضع إنما هو من باب الإخبار -مع ظهور المراد به في سياق الكلام- وهو أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء.
قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين(3/415): "وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به فإنه يخبر عنه بأنه شيء وموجود ومذكور ومعلوم ومراد ولا يسمى بذلك"
وقال في بدائع الفوائد(1/170): "السابع أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل(1/297-298): "وقد يُفَرَّقُ بين اللفظ الذي يدعى به الرب، فإنه لا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وبين ما يخبر به عنه لإثبات حق أو نفي باطل .
وإذا كنا في باب العبارة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا أن نفرق بين مخاطبته وبين الإخبار عنه؛ فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى حيث قال: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} فلا نقول: يا محمد، يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضا، بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله.
والله سبحانه وتعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم، فقال: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}...ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال: {يا أيها النبي}، {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر}...فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه .
وأما إذا كنا في مقام الإخبار عنه قلنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}...
فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل، وبه يظهر الفرق بين ما يُدعى الله به من الأسماء الحسنى، وبين ما يُخبَرُ به عنه عز وجل مما هو حق ثابت؛ لإثبات ما يستحقه سبحانه من صفات الكمال، ونفى ما تنَزَّه عنه عز وجل من العيوب والنقائص، فإنه الملك القدوس السلام سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا".
فالشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- استنكر على الحزبيين المبطلين طريقتهم في الدعوة إلى الله، ونفى عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- مناطحة الحكام وهو مواجه الحكام وإعلان الحرب عليهم دون الدعوة إلى التوحيد وإخلاص الدين لله الذي هو السبيل للحكم بما أنزل الله .
والله أعلم .

ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:18
الأمر الثاني: قوله الشيخ -حفظَهُ اللهُ-:
"أهؤلاء أهدى من الله؟!!وأهدى من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!!".
ثم قول المأربي تعقيبا عليه: "فأثبت أن الله عز وجل مهتدٍ,إلا أنه سبحانه أهدى من غيره!!!".
والجواب عليه من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فنسب إليه ما لم يقله، فزعم أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أثبت لله أنه "مهتدٍ" وهذا من جهل المأربي باللغة والشرع كما سيأتي .
الوجه الثاني: وهو أن كلمة "أهدى" اسم تفضيل من الفعل "هدى"، والله عز وجل من صفاته الهداية فهو عز وجل: {يهدي من يشاء ويضل من يشاء}.
وقال تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء}.
وقال تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.
والأدلة التي تثبت صفة الهداية لله عز وجل كثيرة جداً .
وهداية الله نوعان:
النوع الأول: هداية توفيق وإلهام وهذه من خصائص الرب جل وعلا .
قال تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} .
النوع الثاني: هداية دلالة وإرشاد وهذه مشتركة بين العبد وبين ربِّه .
فلله كمال الدلالة والإرشاد .
وللعبد من هداية الدلالة والإرشاد بما يقْدِرُه الله عليه، ويعلمه إياه ؛ وذلك لفقر الإنسان، وحاجته إلى ربِّه عز وجل .
والمفاضلة في هداية الدلالة والإرشاد جائزة صحيحة .
فيصح أن يقال: الله أهدى منكم أي: أتم دلالة وأكمل إرشاداً.
يبينه:
الوجه الثالث: أن المفاضلة في الهداية واردة في كتاب الله تعالى .
وقال تعالى: {قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون}.
ففي الآية المفاضلة في الدلالة والإرشاد بين القرآن وهو كلام الله وصفته، وبين
ما وجدوا عليه الآباء ..
وجازت المفاضلة مع أنهم مشركون لأن ما وجدوا عليه آباءهم فيه شيء من الحق، وبقية من دين إبراهيم عليه السلام .
فيصح أن يقال: إن كلام الله أهدى مما وجدوا عليه آباءهم .
وهذا لا يلزم منه ما فهمه المأربي الجاهل أن يوصف القرآن بأنه مهتد!!
الوجه الرابع: أن المأربي من قبل العجمة أتي، وكم أفسدت العجمة من الأديان والعقول!!
فالمأربي ظنَّ أن كلمة "أهدى" مأخوذة من الفعل "اهتدى" وهذا جهل بمبادئ "المشتقات" و"تصاريف الأفعال"!!
فإن الفعل الرباعي التام المثبت المتصرف الذي يقبل التفاوت ومؤنثه ليس على فعلاء يؤتى منه باسم التفضيل بفعل مساعد كأشد وأعظم ونحو ذلك .
فلو قال القائل: فمن أشد اهتداءً من الله لصح انتقاد هذا المأربي الجاهل .
ولكن أنى له وهو متخبط في اللغة والشرع تخبط أهل الزيغ والضلال.
والله المستعان .

ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:19
بَتْرُ مصطفى المأربيّ كلامَ الشيخ ربيع المدخلي فيما يتعلق بأفعال الله -عزَّ وجلَّ-
قال المأربي: "
خامسا:ذكر الشيخ ربيع في شريط "الجلسة الثانية من المخيم الربيعي" (ب) كلامًا عن الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله تعالى، فقال: (إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم) قال قائل: قديم النوع، قال الشيخ: (قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية).اﻫ
وعبارة الشيخ هذه ظاهرة في تخصيص القول في هذه الصفات: بأنها قديمة النوع, حادثة الآحاد؛ بصفة الكلام فقط، وهذا هو موضع الاستدراك، فإن السلف قالوا في هذا النوع من الصفات:قديم النوع حادث الآحاد ,ولم يخصصوا ذلك بصفة الكلام، فالله عز وجل خالق لا مخلوق ,والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء متى شاء ,فكون الله خالقاً؛هذا قديم ,وأما المخلوق فمحدث,والله عز وجل يخلق ما يشاء، متى شاء، وكذلك الرحمة، فإنها صفة قديمة، ولكن الله عز وجل يرحم من خلقه من شاء ومتى شاء، وهكذا الرزق، فالله عز وجل رازق، وباعث ووارث، ومحي، ومميت، وكل هذا قديم النوع، حادث الآحاد.".
ثم قال المأربي: "وهذا بخلاف قوله السابق,فقد جزم بقوله: (هذا في كلام الله ,في الأفعال ما جاء)!! وعلى هذا فيلزمه التراجع".

الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي نقل كلام الشيخ محرفاً مزوراً ليس كما هو في الشريط، وأعني بذلك العبارة التي انتقدها المأربي على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
فالذي قاله الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بعد كلام السائل: "قديم النوع حادثة الآحاد، هذا في الكلام؛ في الأفعال الله يفعل ما يشاء , إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى ما لا نهاية".
والذي نقله المأربي وزور فيه: "قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فانظر إلى هذه الفروق بين النقلين:

ونقل المأربي: "قديمة النوع حادثة الأفعال"!!

ونقل المأربي: "هذا في كلام الله".

ونقل المأربي: "في الأفعال ما جاء"!!!.
فانظر إلى هذا التحريف الخطير من المأربي لتحقيق مآربه الدنيئة!!
فالجملة: "الله يفعل ما يشاء" جعلها المأربي: "في الأفعال ما جاء" .
فحسبه الله ما أكذبه، وعن الهدى ما أبعده، ولسبل أهل الزيغ ما أقربه، وللحق ما أعْنَدَه، وعلى الباطل ما أجلده!!
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قرر في كلامه المذكور القاعدة السلفية فيما يتعلق بأفعال الله وهي: أن الله يفعل ما يشاء، متى شاء، والله فعال لما يريد فيما مضى وفيما سيأتي إلى مالا نهاية، وأن أفعال الله وإن كانت حادثة الآحاد فهي ليست مخلوقة لأنها صفة الله، والقول في الصفات كالقول في الذات .
وهذا القدر أجمع عليه السلف، وليس فيه مشابهة لقول أهل البدع بل هو مبطل لكل قول مخالف لما عليه السلف في هذه المسألة .
فهذا كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهر جداً في مذهب السلف والرد على منهج الخلف.
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قد تضمن كلامه أن الله فعال في الأزل وهو معنى قول العلماء: "قديمة النوع" .
فقد قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فهذه الجملة المختصرة من شيخنا أسد السنة –حفظه الله وكسر شوكة عدوه- هي بمعنى قولهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد".
فالمأربي بجهله بعبارات العلماء يقف عند ظواهر بعض الألفاظ دون فقه أو فهم مع ما يقوم به من بتر وحذف –حسيبه الله!-.
فالسلف-أهل القرون الثلاثة- لم نجد في عباراتهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد" لفظاً، وإنما هو مستنبط من كلامهم: الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وما سيأتي ونحو ذلك .
قال حرب الكرماني في مسائله التي نقلها عن الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما: " وهو سبحانه بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش، وللعرش حمله يحملونه، وله حدٌّ، والله أعلم بحده، والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده، ولا إله غيره، والله تعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم، ويتحرك، ويسمع، ويبصر، وينظر، ويقبض ويبسط، ويفرح، ويحب، ويكره، ويبغض، ويرضى، ويسخط، ويغضب، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي ويمنع، وينْزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وكما شاء، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير -إلى أن قال:- ولم يزل الله متكلماً عالماً، فتبارك الله أحسن الخالقين" درء التعارض(2/23) .
وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي: أنا كافر برب يزول عن مكانه. فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: "لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين؛ لقوله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله تعالى بصفاته وأفعاله -يعني كما نتوهم فيهم، وإنما يجوز النظر والتفكر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله موصوفاً بالنُّزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يسأل كيف نزوله، لأن الخالق يصنع ما يشاء كما يشاء".
وقال الإمام أحمد –في كلام طويل-: "والتسليم لله بأمره يغير صفه ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف الله نفسه لا تدفع ولا ترد".
وقال عثمان الدارمي -رحمه الله-: "فالله الحي القيوم القابض الباسط يتحرك إذا شاء، وينْزل إذا شاء، ويفعل ما يشاء، بخلاف الأصنام الميتة التي لا تزول حتى تزال.
إلى أن قال: بل هو العالي على كل شيء، المحيط بكل شيء في جميع أحواله؛ من نزوله وارتفاعه، وهو الفعال لما يريد، لا يأفل في شيء، بل الأشياء كلها تخشع له وتتواضع، والشمس والقمر والكواكب خلائق مخلوقة، إذا أفلت أفلت في مخلوق في عين حمئة كما قال الله تعالى، والله أعلى وأجل لا يحيط به شيء ولا يحتوي عليه شيء".
تنبيه: النقول من درء التعارض لشيخ الإسلام -رحمه الله- المجلد الثاني.
إلى غير ذلك من العبارات التي نطق بها السلف .
فمن يثبت أن الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وفيما يأتي فهو قائل بقدم النوع وحدوث الآحاد . والله أعلم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثاً، بل قديماً، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه، فإن نعيم أهل الجنة يدوم نوعه ولا يدوم كل واحد واحدٍ من الأعيان الفانية، ومن الأعيان الحادثة مالا يفنى بعد حدوثه؛ كأرواح الآدميين، فإنها مبدعة، كانت بعد أن لم تكن، ومع هذا فهي باقية دائمة". درء التعارض(2/148) .
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أراد تقرير أمر مهم وهو أن آحاد الأفعال ليست قديمة بل هي حادثة وهي غير مخلوقة .
فقد قال -حفظَهُ اللهُ-: "إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم".
فقوله: "هذه الأفعال حادثة" إشارة إلى آحاد الأفعال ولم يتطرق إلى ذكر جنسها بتاتاً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ وهو صحيح مطابق لما عليه السلف الصالح.
الوجه الخامس: أن ما تبادر إلى ذهن المأربي من تخصيص صفة الكلام بأنها قديمة النوع حادثة الآحاد، وأن أفعال الله لا يقال فيها هذا؛ فهو من سوء فهمه .
وذلك لأنه ظن أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يتحدث عن جنس الأفعال وهذا ليس هو ظاهر كلام الشيخ -حفظَهُ اللهُ- .
وإنما ظاهره أنه أراد آحاد الأفعال وأفرادها كالنُّزول في الثلث الأخير من الليل والاستواء على العرش، والمجيء يوم القيامة ونحوها من الأفعال المقيدة بزمن، بخلاف صفة الكلام فإنها قديمة وأفرادها حادثة، وهي من الصفات الذاتية الملازمة لله عز وجل التي لا يصلح نفيها في زمن من الأزمان .
فالله عز وجل يتكلم ويسكت ولكن لما يسكت الله عز وجل لا يقال: إنه ليس متكلماً .
أما صفات الأفعال المتعلقة بأزمان فبخلاف ذلك .
مثل: صفة الغضب، فغضب الله قديم النوع حادث الآحاد ومع ذلك لا يجوز أن تقول –والله راضٍ- إنه غضبان .
ولا يجوز إذا كان غضبان أن تقول: إنه راضٍ .
أو قبل أن يستوي على العرش لا يقال إنه كان مستوياً على العرش قبل أن يخلقه.
أما صفة الكلام فهي ملازمة له أبداً .
فإذا سكت الله عز وجل لم يجز أن يقال إنه ليس بمتكلم، ويجوز أن تقول إنه لم يتكلم بصيغة الفعل وليس الوصف.
قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين في القواعد المثلى(ص/34): "القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة ومنها الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا .
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً . وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بمشيئته يتكلم متى شاء بما شاء ..." .
فصفة الكلام ذاتية فعلية بخلاف الأفعال الاختيارية كالنُّزول والاستواء والمجيء والإتيان فصفات فعلية غير ملازمة للذات دائماً .
بل هي بنوعها قديمة حادثة بآحادها .
وقال الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله- في الصفات الإلهية(ص/206): "فالقول الجامع لهذه الأقوال –في فهمنا- أن صفات الأفعال أو الصفات الاختيارية تختلف عن الصفات الذاتية الثبوتية التي تتعلق بها مشيئة الله تعالى، لا بأعيانها، ولا بأنواعها، كالقدرة، والإرادة، والعلم، والسمع والبصر، والحكمة، والعزة، والوجه، واليد، وغيرها
بل هي صفات تتعلق بها مشيئة الله، وتتجدد حسب المشيئة، كالمجيء، والاستواء، والغضب، والفرح، والضحك .
أما صفة الكلام فهي من صفات الذات باعتبار أصل الصفة، ومن صفات الأفعال باعتبار أنواع الكلام وأفراده، والله أعلم.
هذا ما يدل عليه كلام أهل العلم من أتباع السلف عند التحقيق وبالله التوفيق" انتهى كلام الشيخ محمد أمان -رحمه الله- .
فالمأربي بجهله لم يفرق بين صفة الكلام والصفات الفعلية الاختيارية كالنُّزول والإحياء والإماتة والاستواء، وظن أن التفريق يدل على أن الصفات الفعلية ليست قديمة النوع!
الوجه السادس: أن المأربي بنى نقده واتهام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بالقول بأن صفات الأفعال ليست قديمة النوع –بناه- على نقل محرف مزور مما يهدم بنيان المأربي من أساسه.
الوجه السابع: إن قيل: لم فرَّق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بين صفة الكلام وبين صفات الأفعال الأخرى؟
فيقال: الشيخ أراد الإلماح إلى الفرق الذي ذكرته من قبل عن الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد أمان وهو: أن صفة الكلام صفة ذاتية فعلية بخلاف الاستواء والنُّزول والمجيء فإنها فعلية اختيارية .

ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:21
أن المأربي محرف ومزور لكلام الشيخ لتحقيق مآربه الدنيئة .




2- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يقل: "في الأفعال ما جاء" بل هذا من اختراع المأربي وكذبه . 3- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يصف الله بأنه فعال لما يريد في الماضي واللاحق إلى مالا نهاية وهذا حقيقة قول السلف في الصفات الفعلية: "قديمة النوع حادثة الآحاد". 4- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يفرق بين صفة الكلام والصفات الفعلية الأخرى كالنزول والمجيء ونحوها من الصفات التي لا تلازم الذات دائماً وهذا هو ما عليه السلف . 5- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يتكلم عن آحاد الأفعال لا عن جنسها فبين أنها حادثة وليست قديمة الآحاد .


بيان معنى رؤية الله بالقلب ودحض أباطيل مصطفى المأربي.
قال المأربي: " الشيخ ربيع يدعي أنه يرى الله بقلبه ـ أي في اليقظة ـ بل وكل من يؤمن بأن الله في السماء كذلك!! وهذا قول المبتدعة الضُّلاّل!!
فقد جاء في شريط "الجلسة الرابعة في المخيم الربيعي" وجه (أ): قال السائل للشيخ ربيع: هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ: (لا,لا) قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟ قال الشيخاختلفوا في رؤية الله في الجنة؟)قال السائل ,لا, قال الشيخ: (اختلفوا في جزئية) قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة يا شيخ؟ قال الشيخ: (لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة ,ابن عباس يقول: رآه بقلبه, وعائشة تقول: ما رآه, فهم متفقون ما رآه بعينه أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اﻫ
قال المأربي: "ثم تأمل كيف لجّ الشيخ في الخطأ؛ فادعى أنه يرى ربه بقلبه، وذلك في اليقظة بلا شك، لأن السياق وكلامه الذي بعد هذا؛ يدل على هذا، والإسراء والمعراج كانا في اليقظة، وليس في نوم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن ذلك في المنام، انظر" شرح الطحاوية" (1/ 273).
وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!
وقال المأربي: "وإذا رجعت إلى سياق كلام الشيخ ربيع؛ ظهر لك أنه يرى الله بقلبه، تلك الرؤية التي عزاها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا سياق كلامه مرة أخرى، قال:
" ...... ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة، ابن عباس يقول: رآه بقلبه، وعائشة تقول: ما رآه، فهم متفقون ما رآه بعينه، أما الرؤية بالقلب: أنا أرى الله بقلبي، أنت ما ترى الله بقلبك؟! .... تؤمن بالله وتعرف أن الله في السماء؟.... فهذه الرؤية القلبية" إ هـ .
فها هو يذكر الاتفاق على عدم الرؤية البصرية، ويدعي مباشرة أنه يرى الله بقلبه، أي أن الرؤية القلبية التي ادعاها ابن عباس؛ موجودة عنده وعند أخريين!! لأن الصحابة لم يختلفوا في المثال العلمي المشهود، إنما اختلفوا في الرؤية البصرية، أو القلبية، أو نفي ذلك كله، لحديث: " نور أني أراه؟ "
وإذا ظهر لك هذا الحال من كلام الشيخ ربيع، فتأمل قول شيخ الإسلام:" فهذا كله وما أشبهه، لم يريدوا به أن القلب ترفع جميع الحجب بينه وبين الله تعالى .... الخ.
فهذا شيخ الإسلام يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم رؤيةً قلبية ـ على قول ابن عباس ـ وأما غيره فلم يجوّز ذلك له أحد من العلماء، إنما هي مشاهدة تتعلق بالمثال العلمي، ولعل ذلك لزيادة الإيمان في بعض الأوقات، كما جاء في الحديث، في تعريف الإحسان:" اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وأكد ذلك شيخ الإسلام بقوله: "ولكن هذا التجلي، يحصل بوسائط .. "
فلو أن الشيخ ربيعاً أثبت لنفسه هذا التجلي -فمع ما فيه من التزكية لنفسه، وناهيك بهذه الرتبة التي ادعاها لنفسه- لربما نازعه في ذلك غير واحد، كما هو ملاحظ من حاله في ظلم كثير من العباد!! فكيف وهو يدعي رؤيةً قلبيةً، بل جاد بهذه الرتبة السنية على كل من آمن بالعلو!!!".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي حرَّف في نقله، وبتر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وزاد فيه من عنده فحسبه الله ما أكذبه!
وهذه الفروق بين الحوار الذي بين السائل وبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل المأربي:

ونقل المأربي: "قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟"
وحرَّف كلام السائل فهو قال: "يا شيخ ورأى النبي-- ربَّه،ورؤيا النبي --لربه".
والمأربي نقل: ": لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج".
وزاد المأربي في كلام السائل"في المعراج"!!!

وحذف المأربي كلمة:"إيه" ولها دلالة هنا .كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

أ- قال السائل: "هذا ما يكون من العقيدة ياشيخ؟"
ونقل المأربي: "قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة ياشيخ؟"
فغير كلمة "من" إلى كلمة "في"!!
ب- وقال الشيخ: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة".
ونقل المأربي: "لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة".
فزاد المأربي كلمة: "نحن"!!

في الحوار: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى الله بقلبك؟!
قال السائل: نعم يا شيخ، أي كأنك تراه، "بعدها كلمة غير واضحة ولعلها: لا أكثر" تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية فما فيش خلاف بينهم".
ونقل المأربي: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اﻫ ".
فقارن بين كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل هذا المجرم الأثيم .
ففيه عدة فروق مع الحذف والتزوير وأهمها أن الشيخ يقول: "أي كأنك تراه" والمأربي يجعلها: "قليل"!!
فسبحان الله!
لماذا يخفي المأربي هذه الجملة؟
لأنها توضح مراد الشيخ والذي يريد المأربي أن يوهم خلافه وليطعن على الشيخ بالكذب والتزوير.
والسائل قال: "نعم يا شيخ" والمأربي جعلها: "فسكت السائل"!!
ثم أتى بكلام السائل: نعم بعد كلام الشيخ: تؤمن بالله وتعرف أنه في السماء فنقل قول السائل: "نعم" وهو لا وجود له في الشريط، بل من كيس المأربي!!
تنبيهان:


الوجه الثاني: أن الكلام الذي نقله مصطفى المأربي كان الشايجي قد نقله من قبل، وكذا الحداديون، فرددت عليهم كلامهم الفاسد قبل أكثر من سنة!
فها هو مصطفى المأربي يعيد كلام الشايجي القطبي والحداديين، ولكن مع مزيد تحريف وخيانة، فقد كانوا أقل خيانة منه في النقل. والله المستعان .
وهذا يبين لنا أن مصطفى المأربي مزبلة الحزبيين حيث إنه جمع كلام أعداء السلفيين، وصاغه بأسلوبه، وزاد في الكذب والخيانة والجهل والغباوة، عليه من الله ما يستحق .
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- وضح مراده من الرؤية القلبية وهي مرتبة الإحسان فقال الشيخ: "أي كأنك تراه" والتي حذفها مصطفى المأربي ليتم له مأربه من شين أسد السنة والطعن فيه، والمأربي حقيق بهذا الشين والطعن {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} .
الوجه الرابع: أن كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في معنى الرؤية القلبية وأنها مرتبة المشاهدة هي المرتبة الأولى من مرتبتي الإحسان؛ هو كلام العلماء .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى(3/389): "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي -- لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقال الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله- (3/999): "فقال --: ((الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))
أخبر -- أن مرتبة الإحسان على درجتين، وأن للمحسنين في الإحسان مقامين متفاوتين:
المقام الأول-وهو أعلاهما-: أن تعبد الله كأنك تراه، وهذا مقام المشاهدة وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته الله عز وجل بقلبه وهو أن يتنور القلب بالإيمان، وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان، فمن عبد الله عز وجل على استحضار قربه منه، وإقباله عليه، وأنه بين يديه كأنه يراه أوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم ".
الوجه الخامس: هب أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يفسر مراده بقوله: "أي كأنك تراه" لكان هذا هو المتعين لأن هذا هو المراد بالرؤية القلبية والتي فسرها الشيخ بقوله: "تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى(3/390): "وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق، وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه فهذا كله يقع في الدنيا، وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ فيعلم أنه منام وربما علم في المنام أنه منام .
فهكذا من العبَّاد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه؛ وهو غالط في ذلك. وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان .
نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت الأحاديث عن النبي -- حيث قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب)) ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله– في مجموع الفتاوى(6/420): " فصل . المقتضى لكتابة هذا أن بعض الفقهاء كان قد سألني لأجل نسائه من مدة هل ترى المؤمنات الله في الآخرة؟
فأجبت بما حضرني إذ ذاك من أن الظاهر أنهن يرينه، وذكرت له أنه قد روى أبو بكر "يعني: الآجري" عن ابن عباس –رضي الله عنهما -: أنهن يرينه في الأعياد.
وأن أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعا من الرجال والنساء،
وكذلك كلام العلماء، وأن المعنى يقتضي ذلك حسب التتبع، وما لم يحضرني الساعة .
وكان قد سنح لي فيما روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما-أن سبب ذلك أن "الرؤية" المعتادة العامة في الآخرة تكون بحسب الصلوات العامة المعتادة،

فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .
ولما كانت السنة قد مضت بأن النساء يؤمرن بالخروج في العيد حتى العواتق والحيض وكان على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يخرج عامة نساء المؤمنين في العيد جعل عيدهن في الآخرة بالرؤية على مقدار عيدهن في الدنيا".
لاحظ قوله: "وترائيه بالقلوب" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في درء تعارض العقل والنقل(8/040-41): "والإحساس نوعان نوع بلا واسطة كالإحساس بنفس الشمس والقمر والكواكب، وإحساس بواسطة كالإحساس بالشمس والقمر والكواكب في مرآه أو ماء أو نحو ذلك .
والقلوب مفطورة على أن يتجلى لها من الحقائق ما هي مستعدة لتجليها فيها،
فإذا تجلى فيها شيء أحست به إحساسا باطنا بواسطة تجليه فيها،
وأيضا فنفس مشاهدة القلوب لنفسه تبارك وتعالى أمر ممكن، وإن كان ذلك قد يقال: إنه مختص ببعض الخلق، كما قال أبو ذر وابن عباس وغيرهما من السلف أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده وقال ابن عباس: رآه بفؤاده مرتين .
فهذا النوع إذا كان ممكنا، وقد قيل: إنه واقع لم يكن نفيه إلا بدليل،
وأما الرؤية بالعين في الدنيا وان كانت ممكنة عند السلف والأئمة، لكن لم تثبت لأحد، ولم يدعها أحد من العلماء لأحد إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم على قول بعضهم وقد ادعاها طائفة من الصوفية لغيره لكن هذا باطل، لأنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن أحدا لا يراه في الدنيا بعينه،
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت)) وقد بسطنا الكلام على مسالة الرؤية في غير هذا الموضع وبينا أن النصوص عن الإمام أحمد وأمثاله من الأئمة هو الثابت عن ابن عباس من أنه يقال: رآه بقلبه أو رآه بفؤاده،
وأما تقييد الرؤية بالعين فلم يثبت لا عن ابن عباس ولا عن أحمد،
والذي في الصحيح عن أبي ذر انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال: ((نور أنى أراه))
وقد روى أحمد بإسناده عن أبي ذر –رضي الله عنه- أنه رآه بفؤاده،
واعتمد أحمد على قول أبي ذر لأن أبا ذر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه المسالة وأجابه وهو أعلم بمعنى ما أجابه به النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أثبت أنه رآه بفؤاده دل ذلك على مراده))".
وهناك كلام آخر أكتفي بما سبق .
الوجه السادس: أن الرؤية القلبية ليست خاصةً ببعض الناس الذين بلغوا رتباً سنية ولكن تتفاوت مراتب الناس في هذه الرؤية كرؤيا الله في المنام .
قال أحمد بن إبراهيم الواسطي في كتابه النصيحة في صفات الرب جلا وعلا (ص/29): ((فمن تكون الجارية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب لا يستنير بأنواع المعرفة والإيمان،
ومن أنكر هذا القول فليؤمن به وليجرب ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصراً من وجه، أعمى من وجه، كما سبق .
مبصراً من جهة الإثبات والوجود والتحقيق، أعمى من جهة الحصر والتحديد والتكييف فإنه إذا علم ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ووجد بركته ونوره عاجلا وآجلا ولا ينبئك مثل خبير والله الموفق والمعين)).
وعلى هذا فيكون كلام المأربي: "وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!" لا وجه له عند أهل السنة.
لأن المأربي يظن أن هذه الرؤية متساوية بين من تحصل له وهذا من جهله بالعقيدة والشريعة .
وفي كلام شيخ الإسلام الذي لم يتمه المأربي إبطال لهذا الظن الفاسد وبيانه في:
الوجه السابع: أن المأربي لم يفهم كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- بسبب عدم قراءته لكلامه وافياً بل اقتطع منه ما يوافق هواه .
فتتمة كلام شيخ الإسلام بعد قوله -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره " قال شيخ الإسلام: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله و كتابه و رسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون .
وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب، وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضاً من أمور الغيب هو كذلك، بل يشاهدون الأمور ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع،
فالواحد منهم يتبين له من حال المشهود ما لم يتبين للآخر، حتى قد يختلفون فيثبت هذا ما لا يثبت الآخر، فكيف فيما أخبروا به من الغيب..." إلخ كلامه -رحمه الله- .
فالمؤمنون مشتركون في المثال العلمي المشهود لكنهم متفاوتون حسب معرفتهم بالله ومحبتهم له وإيمانهم به عز وجل .
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الجواب الصحيح(3/400): "والمقصود هنا أنه كثيراً ما يوجد في كلام الناس؛ الأنبياء وغيرهم: من ذكر ظهور الله عز وجل، والمراد به ظهوره في قلوب عباده بالمعرفة والمحبة والذكر".
ولشيخ الإسلام كلام كثير بنحو هذا المعنى في الجواب الصحيح فيرجع إليه.
الوجه الثامن: فإن قيل: فما معنى قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد -صلى الله عليه وسلم- " وفي رواية: "إن الله عز وجل اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالرؤية".
ومعنى قول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره"
وقول شيخ الإسلام الذي نقله عنه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-:" ومن قال يرى في الدنيا بالفؤاد لغيره صلى الله عليه وسلم ,فهو مبتدع ضال".
فالجواب من عدة جهات:
الجهة الأولى: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ذكر أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين أن الله اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً كما في الصحيحين.
وذكر –أيضاً- أن الله اصطفى موسى بالكلام مع علم ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الله كلم آدم، وكلم الملائكة، وكلم إبليس، وكلم محمداً -صلى الله عليه وسلم- .
فلابد من أن الاختصاص أو الاصطفاء المذكور هنا هو قدر زائد لا ينفي أصل الاشتراك .
والذي يظهر لي من قول ابن عباس -رضي الله عنه- أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة حتى صارت علماً عليه فلا يذكر إبراهيم إلا ويذكر أنه خليل الله .
ولا يذكر موسى إلا ويذكر أنه كليم الله .
ولا يذكر محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا ويذكر أنه رأى الله .
هذا ما يظهر لي من توجيه لكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- .
وكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- روي مرفوعاً ولا يصح بل الصحيح أنه موقوف .
الجهة الثانية: أنه من المحتمل أن ابن عباس -رضي الله عنهما- عنى بالرؤية التي اخْتُصَّ بها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- هي رؤيا المنام .
فقد رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربَّه في المنام مرتين وقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- كلا الحديثين:
الحديث الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأيت ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أعلم يا رب . قال: فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري، قال: فتجلى لي ما بين السماء والأرض)) الحديث وهو صحيح له طرق وقد روي من حديث ابن عباس ومعاذ وثوبان -رضي الله عنهم- وغيرهما .
الحديث الثاني: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء)) وقد اختلف في صحته وقد صححه الإمام أحمد وغيره، ولتفصيل ذلك راجع إبطال التأويلات لأبي يعلى(1/139-145) .
وبنحو هذا قال شيخ الإسلام فيما نقله عنه ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد(3/37-38) .
وهذا الوجه لا يتأتى عند تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- لآيتي النجم كما سيأتي.
الجهة الثالثة: أنه من المحتمل أن تكون الرؤية التي اختص بها محمد -صلى الله عليه وسلم- هي نفسها الرؤية القلبية التي ذكرها ابن عباس -رضي الله عنه- عند تفسيره لقوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى} وقوله: {ولقد رآه نزلة أخرى}.
فقد قال -رضي الله عنه-: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بقلبه .
وفي رواية أنه قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بفؤاده مرتين
وكلاهما في صحيح مسلم.
وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: رآه بقلبه ولم تره عيناه .
ولم أجد أحدا من السلف فسر هذه الرؤية بشيء خلاف المعروف بالرؤية القلبية المعروفة في لغة العرب ألا وهي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي.
ووجدت لبعض العلماء خلاف هذا فيه تكلف ومخالفة لقول السلف .
فيصبح معنى الرؤية القلبية: أن الرؤية القلبية هي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي وهي مرتبة المشاهدة .
وهذا دل عليه كلام غير واحد من العلماء لما تكلموا على الإحسان وعلى رؤية الله بالقلب كما سبق نقله في الحلقة السابقة .
كقول شيخ الإسلام: "فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .".
وقوله: "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقوله: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون".
والنبي -صلى الله عليه وسلم- مختص بما لم يشركه به غيره
وبيانه:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غسل قلبه بماء زمزم وملئ حكمة وإيماناً قبل الإسراء به بروحه وجسده يقظة، ثم عرج به إلى السماء فوصل إلى مكان لم يصل إليه أحد قبله حتى أن جبريل عليه السلام توقف إلى حد، ثم صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مقام سمع فيه صريف أقلام القدر فكلمه ربه عز وجل بلا واسطة، ولم يكن بينه وبين ربه إلا الحجاب فهذا المرتبة السنية والمنزلة العلية أوصلت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منْزِلة في الإحسان ومشاهدة الرب بالقلب إلى درجة لم يبق بعدها إلا رؤية الله عز وجل بالعيان .
وهذه المنْزِلة خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشركه فيها غيره .
وهذا ما عناه شيخ الإسلام .
والذي يدعي وصوله إلى هذه المرتبة التي وصل إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مبتدع ضال كما نقله الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- .
وهذا ما لا يوجد في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
وما بينته هو الأصل، وهو مقتضى اللغة العربية، ومفاد كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في مواضع عديدة .
وأما ما ذكروه من خلق رؤية في القلب أو أن الله جعل بصره في قلبه فهذا يلغي فضيلة الرؤية بالعين الباصرة والتي ادخرها الله لعباده وأنبيائه وأوليائه يوم القيامة، وهو من التكلف ومما لا يوجد عليه دليل وبرهان .
فليتأمل طالب العلم فيما ذكرته يجده -إن شاء الله تعالى- هو القول الصواب الذي ينبغي أن لا يصار إلى غيره .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

الكلام على الخلاف في العقيدة وهل هو واقع بين السلف أم لا وعلاقة مسألة رؤية الله بالقلب بكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟
قال المأربي: "فهذا كلام من الشيخ ربيع ـ هداني الله وإياه ـ قد جمع عدة مجازفات، والحامل له على ذلك الغلو في الرد على بعض الجماعات!! فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة,مع أن في المسألة تفصيلاً , ليس هذا موضعه ,بل الشيخ نفسه له كلام في بعض أشرطته، يدل على أن العالم إذا وقع في بدعة عن اجتهاد؛ فلا يسقطه أهل السنة, وقد يفصِّل في نوع البدعة في مواضع , وقد لايفصِّل.
فلما ذُكِر له أن الصحابة-رضي الله عنهم- فمن بعدهم، اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج ـ وهذا أمر عقدي بلا شك ـ اضطرب الشيخ، فقال: (هذه جزئية)!! نعم يا شيخ ربيع هذه جزئية، لكن هل هي جزئية من أجزاء العقيدة, أم جزئية خارج العقيدة؟!! لاشك أنها من العقيدة وقد صرح بعض السلف بذلك، إذاً فدعواك أنها جزئية؛ ليست جوابًا على الإيراد الوارد عليك!! وهل الاختلاف في العقيدة محصور في الاختلاف في رؤية الرب عزوجل في الجنة فقط؟من سبقك إلى هذا؟!!"
وقال: "(تنبيه آخر): الاختلاف في بعض مسائل عقدية؛موجود بين السلف، فلا حاجة للإنكار الشديد من الشيخ ربيع لهذا!!
فقد أشار شيخ الإسلام لبعض مسائل علمية عقدية، ومسائل عملية، ثم قال: (وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد على أحد بكفر، ولا بفسق، ولا معصية...)،الخ كلامه في "مجموع الفتاوى" (9/229) وما بعدها، وقال أيضًا في (19/123): (وتنازعوا -أي الصحابة- في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الحي ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة...).اﻫ"
تنبيه: الصواب أن كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(3/229) وليس في (9/229)!!
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: تحرير مراد الشيخ في سياق كلامه بنفي الخلاف في العقيدة .
إن المتأمل لكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يجد أن نفيه للخلاف في أمور العقيدة إنما هو في الأمور الكلية والتي يسميها العلماء الأصول وهو ما جاء النص فيها صريحاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس فيه محل اجتهاد .
فهذا لم يختلف فيه الصحابة مطلقاً .
وإنما اختلفوا في أمور لم يأت بها نص أو تنوعت فيه الأدلة .
فقد اختلفوا في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه ليلة المعراج . وقد بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنه لا خلاف بينهم لأن الذي نفته عائشة -رضي الله عنه- غير الذي أثبته ابن عباس -رضي الله عنهما- كما سبق بيانه .
# واختلفوا في ابن صياد هل هو الدجال؟ وهذا لأنه لا يوجد نص في ذلك .
# واختلفوا في تعذيب الميت ببكاء الحي وجمع بين المثبت والنافي أنه إذا أوصى بذلك فيكون مما كسبت يداه "وأوجه الجمع كثيرة".
أما الأمور القطعية التي ورد بها النص من الكتاب والسنة فإن الصحابة لم يختلفوا فيها أبداً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فإنه سئل: "هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: (لا,لا) .
ثم سأله السائل: "انزين يا شيخ ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لربه؟"
فأجابه الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "اختلفوا في رؤية الله في الجنة؟" قال السائل: لا, قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه اختلفوا في جزئية،"
فبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذا الخلاف الذي أورده السائل في جزئية وليس في كلية أو قاعدة أو نص قاطع "سواء كان متواتراً أو آحادا صحيحا".
فضرب مثلاً للمسألة الكلية أو القطعية برؤية الله في الجنة وهذا مما لم يختلف فيه السلف .
ثم بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذه الجزئية أيضاً اتفقوا عليها وهي مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل.
الوجه الثاني: حكى الإمام عثمان الدارمي اتفاق الصحابة على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يره ربّه . كما في زاد المعاد(3/37) .
فهل هذا غلو من الإمام الدارمي؟!!
الوجه الثالث: قال ابن القيم -رحمه الله-: "اتفاق الصحابة في مسائل الصفات وقد تضمن هذا أمورا منها:
أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان.
وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال .
بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها،
ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمراً واحداً، وأجروها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه".
مع أن مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربّه من مسائل الصفات ومع ذلك لم يعتبر الإمام ابن القيم الخلاف فيها خلافاً في العقيدة فهل هو من الغلاة أيها المأربيّ؟
الوجه الرابع: قال الدكتور ناصر العقل في كتابه "حراسة العقيدة"(ص/57-59): "السلف (أهل السنة والجماعة) لا يختلفون في أصل من الأصول.
من سمات أهل السنة والجماعة السلف الصالح أنهم لا يختلفون ولم يختلفوا في أصل من أصول الدين وقواعد الاعتقاد،
فقولهم في مسائل الاعتقاد قول واحد بحمد الله ...إلى أن قال:
أما عند أهل السنة –بحمد الله-: فهم يتفقون جملة وتفصيلاً –أئمتهم وعامتهم- على أصول العقيدة، وما يقع من بعض أفرادهم من مخالفة للأصول التي اتفقوا عليها فهو خطأ مردود على قائله، مع أن ذلك –بحمد الله- نادر جدا، والنادر لا حكم له .
فقول أهل السنة في صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله واحد .
وقولهم في الكلام والاستواء والعلو فلا يختلف .
وقولهم في الرؤية والشفاعة وسائر السمعيات فلا يختلف.
وقولهم في الإيمان وتعريفه وأصوله(أركانه) ومسائله واحد .
وقولهم في القدر واحد.
وقواعدهم في الأسماء والأحكام فلا تختلف.
وقولهم في الصحابة والسلف الصالح واحد ."
ثم قال الشيخ ناصر العقل: "فاختلاف أهل السنة إنما كان في الاجتهاديات من أمور الأحكام، أو فرعيات المسائل الملحقة بالعقيدة مما لم يرد به دليل قاطع،".
ثم ذكر أمثلة على هذه المختلف فيها ومما ذكره: مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه في المعراج، هل كانت بصرية أو قلبية؟ ومسألة ابن صياد هل هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان أو غيره؟ .
ثم قال: "ونحو ذلك من المسائل المختلف فيها ولم يرد الدليل صريحاً فيها، وألحقها العلماء بموضوعات العقيدة؛ لأنها تندرج في جنسها علمياً وموضوعياً لا عقدياً .
وهذه الأمور ونحوها ليست من أصول الاعتقاد، والخلاف فيها دائر مع النصوص لم يقل فيها السلف برأيهم المحض –والله أعلم" . انتهى كلام الدكتور ناصر العقل.
الوجه الخامس: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فرية ثم أجاب على نفسه بنفسه مما يدل على جهله واضطرابه!!
والعجيب أنه يرمي الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بالاضطراب وهو بناه على سوء فهم، وقلة عقل .
قال المأربي: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة".
فالشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنكر الخلاف في كليات الاعتقاد وأصوله –كما هو سياق كلامه- ولم يقل ذلك من أجل أن يرمي كل من وقع في خطأ عقدي بالبدعة
حاشاه من ذلك .
ولكن هذا من إفك المأربي وبهتانه.
والشيخ ربيع قد صنف رداً على الحداد، وذكر مقالاً ذكر فيه ميزات الحدادية، ومن منهجهم أنهم يسقطون العالم بالزلة فكيف يتهمه المأربي بما يحذر الشيخ منه وينهى عنه؟!!
علماً بأن المأربي لم يأت ببينة ولا برهان على ما زعمه إلا الدعاوى الفارغة التي يكثر منها هذا المخلوق العجيب!!
وإن ما نسبه المأربي لبعض الناس: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة" هو قول شيخنا أسد السنة ربيع المدخلي -حفظَهُ اللهُ- وقول عامة السلف .
فالمخالفة في العقيدة إن كان في جزئية ورد عن السلف خلاف فيها أو وقع فيها بعض العلماء دون إصرار وهوى فهذا لا يخرجه من أهل السنة .
والشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يعلم مخالفة شريح في صفة العجب ومخالفة ابن خزيمة وغيرهما من العلماء الذين خالفوا في بعض مسائل الاعتقاد عن اجتهاد أخطؤوا فيه لم يخرجهم من دائرة السنة ولم يبدعهم كما أوهمه المأربي .
الوجه السادس: أن المأربي لبالغ جهله ظن أن بين قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة"
وقوله: "إيه اختلفوا في جزئية،" اضطراباً وتعارضاً فأخذ يهول ويرجم بالغيب، ويورد الإيراد ويجيب عليه وسبب هذا كله الجهل والغباء .
فالأول وهو النفي: نفي للاختلاف المذموم وهو المعارض للنص، أو الذي بني على الرأي المذموم أو الهوى المتبع .
مع نفي الخلاف في الأصول والقواعد والأمور التي اتفقت عليها الأدلة .
والثاني وهو الإثبات: وفيه بيان أن هذا من الجزئيات التي تتعارض مع نفينا للخلاف في العقيدة بمثل هذا التعبير .
ثم أجاب الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن المسألة التي ذكر السائل أنها مختلف فيها وهي من مسائل الاعتقاد بنص الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه هذه جزئية".
فبين أن المنفي الرؤيا البصرية والمثبت الرؤيا القلبية ثم قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فما فيش خلاف بينهم".
فيبقى كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في نفيه الخلاف في العقيدة بين الصحابة قائماً وصحيحاً، وإنما يقال: اختلفوا في بعض مسائل الاعتقاد التي لم يرد فيها نص قاطع كاختلافهم في ابن صياد وهل هو الدجال أم لا؟
والله أعلم

ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:22
بيان معنى رؤية الله بالقلب ودحض أباطيل مصطفى المأربي.
قال المأربي: " الشيخ ربيع يدعي أنه يرى الله بقلبه ـ أي في اليقظة ـ بل وكل من يؤمن بأن الله في السماء كذلك!! وهذا قول المبتدعة الضُّلاّل!!
فقد جاء في شريط "الجلسة الرابعة في المخيم الربيعي" وجه (أ): قال السائل للشيخ ربيع: هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ: (لا,لا) قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟ قال الشيخاختلفوا في رؤية الله في الجنة؟)قال السائل ,لا, قال الشيخ: (اختلفوا في جزئية) قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة يا شيخ؟ قال الشيخ: (لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة ,ابن عباس يقول: رآه بقلبه, وعائشة تقول: ما رآه, فهم متفقون ما رآه بعينه أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اﻫ
قال المأربي: "ثم تأمل كيف لجّ الشيخ في الخطأ؛ فادعى أنه يرى ربه بقلبه، وذلك في اليقظة بلا شك، لأن السياق وكلامه الذي بعد هذا؛ يدل على هذا، والإسراء والمعراج كانا في اليقظة، وليس في نوم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن ذلك في المنام، انظر" شرح الطحاوية" (1/ 273).
وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!
وقال المأربي: "وإذا رجعت إلى سياق كلام الشيخ ربيع؛ ظهر لك أنه يرى الله بقلبه، تلك الرؤية التي عزاها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا سياق كلامه مرة أخرى، قال:
" ...... ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة، ابن عباس يقول: رآه بقلبه، وعائشة تقول: ما رآه، فهم متفقون ما رآه بعينه، أما الرؤية بالقلب: أنا أرى الله بقلبي، أنت ما ترى الله بقلبك؟! .... تؤمن بالله وتعرف أن الله في السماء؟.... فهذه الرؤية القلبية" إ هـ .
فها هو يذكر الاتفاق على عدم الرؤية البصرية، ويدعي مباشرة أنه يرى الله بقلبه، أي أن الرؤية القلبية التي ادعاها ابن عباس؛ موجودة عنده وعند أخريين!! لأن الصحابة لم يختلفوا في المثال العلمي المشهود، إنما اختلفوا في الرؤية البصرية، أو القلبية، أو نفي ذلك كله، لحديث: " نور أني أراه؟ "
وإذا ظهر لك هذا الحال من كلام الشيخ ربيع، فتأمل قول شيخ الإسلام:" فهذا كله وما أشبهه، لم يريدوا به أن القلب ترفع جميع الحجب بينه وبين الله تعالى .... الخ.
فهذا شيخ الإسلام يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم رؤيةً قلبية ـ على قول ابن عباس ـ وأما غيره فلم يجوّز ذلك له أحد من العلماء، إنما هي مشاهدة تتعلق بالمثال العلمي، ولعل ذلك لزيادة الإيمان في بعض الأوقات، كما جاء في الحديث، في تعريف الإحسان:" اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وأكد ذلك شيخ الإسلام بقوله: "ولكن هذا التجلي، يحصل بوسائط .. "
فلو أن الشيخ ربيعاً أثبت لنفسه هذا التجلي -فمع ما فيه من التزكية لنفسه، وناهيك بهذه الرتبة التي ادعاها لنفسه- لربما نازعه في ذلك غير واحد، كما هو ملاحظ من حاله في ظلم كثير من العباد!! فكيف وهو يدعي رؤيةً قلبيةً، بل جاد بهذه الرتبة السنية على كل من آمن بالعلو!!!".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي حرَّف في نقله، وبتر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وزاد فيه من عنده فحسبه الله ما أكذبه!
وهذه الفروق بين الحوار الذي بين السائل وبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل المأربي:

ونقل المأربي: "قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟"
وحرَّف كلام السائل فهو قال: "يا شيخ ورأى النبي-- ربَّه،ورؤيا النبي --لربه".
والمأربي نقل: ": لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج".
وزاد المأربي في كلام السائل"في المعراج"!!!

وحذف المأربي كلمة:"إيه" ولها دلالة هنا .كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

أ- قال السائل: "هذا ما يكون من العقيدة ياشيخ؟"
ونقل المأربي: "قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة ياشيخ؟"
فغير كلمة "من" إلى كلمة "في"!!
ب- وقال الشيخ: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة".
ونقل المأربي: "لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة".
فزاد المأربي كلمة: "نحن"!!

في الحوار: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى الله بقلبك؟!
قال السائل: نعم يا شيخ، أي كأنك تراه، "بعدها كلمة غير واضحة ولعلها: لا أكثر" تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية فما فيش خلاف بينهم".
ونقل المأربي: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اﻫ ".
فقارن بين كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل هذا المجرم الأثيم .
ففيه عدة فروق مع الحذف والتزوير وأهمها أن الشيخ يقول: "أي كأنك تراه" والمأربي يجعلها: "قليل"!!
فسبحان الله!
لماذا يخفي المأربي هذه الجملة؟
لأنها توضح مراد الشيخ والذي يريد المأربي أن يوهم خلافه وليطعن على الشيخ بالكذب والتزوير.
والسائل قال: "نعم يا شيخ" والمأربي جعلها: "فسكت السائل"!!
ثم أتى بكلام السائل: نعم بعد كلام الشيخ: تؤمن بالله وتعرف أنه في السماء فنقل قول السائل: "نعم" وهو لا وجود له في الشريط، بل من كيس المأربي!!
تنبيهان:


الوجه الثاني: أن الكلام الذي نقله مصطفى المأربي كان الشايجي قد نقله من قبل، وكذا الحداديون، فرددت عليهم كلامهم الفاسد قبل أكثر من سنة!
فها هو مصطفى المأربي يعيد كلام الشايجي القطبي والحداديين، ولكن مع مزيد تحريف وخيانة، فقد كانوا أقل خيانة منه في النقل. والله المستعان .
وهذا يبين لنا أن مصطفى المأربي مزبلة الحزبيين حيث إنه جمع كلام أعداء السلفيين، وصاغه بأسلوبه، وزاد في الكذب والخيانة والجهل والغباوة، عليه من الله ما يستحق .
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- وضح مراده من الرؤية القلبية وهي مرتبة الإحسان فقال الشيخ: "أي كأنك تراه" والتي حذفها مصطفى المأربي ليتم له مأربه من شين أسد السنة والطعن فيه، والمأربي حقيق بهذا الشين والطعن {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} .
الوجه الرابع: أن كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في معنى الرؤية القلبية وأنها مرتبة المشاهدة هي المرتبة الأولى من مرتبتي الإحسان؛ هو كلام العلماء .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى(3/389): "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي -- لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقال الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله- (3/999): "فقال --: ((الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))
أخبر -- أن مرتبة الإحسان على درجتين، وأن للمحسنين في الإحسان مقامين متفاوتين:
المقام الأول-وهو أعلاهما-: أن تعبد الله كأنك تراه، وهذا مقام المشاهدة وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته الله عز وجل بقلبه وهو أن يتنور القلب بالإيمان، وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان، فمن عبد الله عز وجل على استحضار قربه منه، وإقباله عليه، وأنه بين يديه كأنه يراه أوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم ".
الوجه الخامس: هب أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يفسر مراده بقوله: "أي كأنك تراه" لكان هذا هو المتعين لأن هذا هو المراد بالرؤية القلبية والتي فسرها الشيخ بقوله: "تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى(3/390): "وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق، وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه فهذا كله يقع في الدنيا، وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ فيعلم أنه منام وربما علم في المنام أنه منام .
فهكذا من العبَّاد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه؛ وهو غالط في ذلك. وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان .
نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت الأحاديث عن النبي -- حيث قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب)) ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله– في مجموع الفتاوى(6/420): " فصل . المقتضى لكتابة هذا أن بعض الفقهاء كان قد سألني لأجل نسائه من مدة هل ترى المؤمنات الله في الآخرة؟
فأجبت بما حضرني إذ ذاك من أن الظاهر أنهن يرينه، وذكرت له أنه قد روى أبو بكر "يعني: الآجري" عن ابن عباس –رضي الله عنهما -: أنهن يرينه في الأعياد.
وأن أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعا من الرجال والنساء،
وكذلك كلام العلماء، وأن المعنى يقتضي ذلك حسب التتبع، وما لم يحضرني الساعة .
وكان قد سنح لي فيما روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما-أن سبب ذلك أن "الرؤية" المعتادة العامة في الآخرة تكون بحسب الصلوات العامة المعتادة،

فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .
ولما كانت السنة قد مضت بأن النساء يؤمرن بالخروج في العيد حتى العواتق والحيض وكان على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يخرج عامة نساء المؤمنين في العيد جعل عيدهن في الآخرة بالرؤية على مقدار عيدهن في الدنيا".
لاحظ قوله: "وترائيه بالقلوب" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في درء تعارض العقل والنقل(8/040-41): "والإحساس نوعان نوع بلا واسطة كالإحساس بنفس الشمس والقمر والكواكب، وإحساس بواسطة كالإحساس بالشمس والقمر والكواكب في مرآه أو ماء أو نحو ذلك .
والقلوب مفطورة على أن يتجلى لها من الحقائق ما هي مستعدة لتجليها فيها،
فإذا تجلى فيها شيء أحست به إحساسا باطنا بواسطة تجليه فيها،
وأيضا فنفس مشاهدة القلوب لنفسه تبارك وتعالى أمر ممكن، وإن كان ذلك قد يقال: إنه مختص ببعض الخلق، كما قال أبو ذر وابن عباس وغيرهما من السلف أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده وقال ابن عباس: رآه بفؤاده مرتين .
فهذا النوع إذا كان ممكنا، وقد قيل: إنه واقع لم يكن نفيه إلا بدليل،
وأما الرؤية بالعين في الدنيا وان كانت ممكنة عند السلف والأئمة، لكن لم تثبت لأحد، ولم يدعها أحد من العلماء لأحد إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم على قول بعضهم وقد ادعاها طائفة من الصوفية لغيره لكن هذا باطل، لأنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن أحدا لا يراه في الدنيا بعينه،
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت)) وقد بسطنا الكلام على مسالة الرؤية في غير هذا الموضع وبينا أن النصوص عن الإمام أحمد وأمثاله من الأئمة هو الثابت عن ابن عباس من أنه يقال: رآه بقلبه أو رآه بفؤاده،
وأما تقييد الرؤية بالعين فلم يثبت لا عن ابن عباس ولا عن أحمد،
والذي في الصحيح عن أبي ذر انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال: ((نور أنى أراه))
وقد روى أحمد بإسناده عن أبي ذر –رضي الله عنه- أنه رآه بفؤاده،
واعتمد أحمد على قول أبي ذر لأن أبا ذر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه المسالة وأجابه وهو أعلم بمعنى ما أجابه به النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أثبت أنه رآه بفؤاده دل ذلك على مراده))".
وهناك كلام آخر أكتفي بما سبق .
الوجه السادس: أن الرؤية القلبية ليست خاصةً ببعض الناس الذين بلغوا رتباً سنية ولكن تتفاوت مراتب الناس في هذه الرؤية كرؤيا الله في المنام .
قال أحمد بن إبراهيم الواسطي في كتابه النصيحة في صفات الرب جلا وعلا (ص/29): ((فمن تكون الجارية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب لا يستنير بأنواع المعرفة والإيمان،
ومن أنكر هذا القول فليؤمن به وليجرب ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصراً من وجه، أعمى من وجه، كما سبق .
مبصراً من جهة الإثبات والوجود والتحقيق، أعمى من جهة الحصر والتحديد والتكييف فإنه إذا علم ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ووجد بركته ونوره عاجلا وآجلا ولا ينبئك مثل خبير والله الموفق والمعين)).
وعلى هذا فيكون كلام المأربي: "وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!" لا وجه له عند أهل السنة.
لأن المأربي يظن أن هذه الرؤية متساوية بين من تحصل له وهذا من جهله بالعقيدة والشريعة .
وفي كلام شيخ الإسلام الذي لم يتمه المأربي إبطال لهذا الظن الفاسد وبيانه في:
الوجه السابع: أن المأربي لم يفهم كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- بسبب عدم قراءته لكلامه وافياً بل اقتطع منه ما يوافق هواه .
فتتمة كلام شيخ الإسلام بعد قوله -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره " قال شيخ الإسلام: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله و كتابه و رسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون .
وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب، وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضاً من أمور الغيب هو كذلك، بل يشاهدون الأمور ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع،
فالواحد منهم يتبين له من حال المشهود ما لم يتبين للآخر، حتى قد يختلفون فيثبت هذا ما لا يثبت الآخر، فكيف فيما أخبروا به من الغيب..." إلخ كلامه -رحمه الله- .
فالمؤمنون مشتركون في المثال العلمي المشهود لكنهم متفاوتون حسب معرفتهم بالله ومحبتهم له وإيمانهم به عز وجل .
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الجواب الصحيح(3/400): "والمقصود هنا أنه كثيراً ما يوجد في كلام الناس؛ الأنبياء وغيرهم: من ذكر ظهور الله عز وجل، والمراد به ظهوره في قلوب عباده بالمعرفة والمحبة والذكر".
ولشيخ الإسلام كلام كثير بنحو هذا المعنى في الجواب الصحيح فيرجع إليه.
الوجه الثامن: فإن قيل: فما معنى قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد -صلى الله عليه وسلم- " وفي رواية: "إن الله عز وجل اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالرؤية".
ومعنى قول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره"
وقول شيخ الإسلام الذي نقله عنه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-:" ومن قال يرى في الدنيا بالفؤاد لغيره صلى الله عليه وسلم ,فهو مبتدع ضال".
فالجواب من عدة جهات:
الجهة الأولى: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ذكر أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين أن الله اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً كما في الصحيحين.
وذكر –أيضاً- أن الله اصطفى موسى بالكلام مع علم ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الله كلم آدم، وكلم الملائكة، وكلم إبليس، وكلم محمداً -صلى الله عليه وسلم- .
فلابد من أن الاختصاص أو الاصطفاء المذكور هنا هو قدر زائد لا ينفي أصل الاشتراك .
والذي يظهر لي من قول ابن عباس -رضي الله عنه- أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة حتى صارت علماً عليه فلا يذكر إبراهيم إلا ويذكر أنه خليل الله .
ولا يذكر موسى إلا ويذكر أنه كليم الله .
ولا يذكر محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا ويذكر أنه رأى الله .
هذا ما يظهر لي من توجيه لكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- .
وكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- روي مرفوعاً ولا يصح بل الصحيح أنه موقوف .
الجهة الثانية: أنه من المحتمل أن ابن عباس -رضي الله عنهما- عنى بالرؤية التي اخْتُصَّ بها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- هي رؤيا المنام .
فقد رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربَّه في المنام مرتين وقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- كلا الحديثين:
الحديث الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأيت ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أعلم يا رب . قال: فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري، قال: فتجلى لي ما بين السماء والأرض)) الحديث وهو صحيح له طرق وقد روي من حديث ابن عباس ومعاذ وثوبان -رضي الله عنهم- وغيرهما .
الحديث الثاني: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء)) وقد اختلف في صحته وقد صححه الإمام أحمد وغيره، ولتفصيل ذلك راجع إبطال التأويلات لأبي يعلى(1/139-145) .
وبنحو هذا قال شيخ الإسلام فيما نقله عنه ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد(3/37-38) .
وهذا الوجه لا يتأتى عند تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- لآيتي النجم كما سيأتي.
الجهة الثالثة: أنه من المحتمل أن تكون الرؤية التي اختص بها محمد -صلى الله عليه وسلم- هي نفسها الرؤية القلبية التي ذكرها ابن عباس -رضي الله عنه- عند تفسيره لقوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى} وقوله: {ولقد رآه نزلة أخرى}.
فقد قال -رضي الله عنه-: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بقلبه .
وفي رواية أنه قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بفؤاده مرتين
وكلاهما في صحيح مسلم.
وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: رآه بقلبه ولم تره عيناه .
ولم أجد أحدا من السلف فسر هذه الرؤية بشيء خلاف المعروف بالرؤية القلبية المعروفة في لغة العرب ألا وهي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي.
ووجدت لبعض العلماء خلاف هذا فيه تكلف ومخالفة لقول السلف .
فيصبح معنى الرؤية القلبية: أن الرؤية القلبية هي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي وهي مرتبة المشاهدة .
وهذا دل عليه كلام غير واحد من العلماء لما تكلموا على الإحسان وعلى رؤية الله بالقلب كما سبق نقله في الحلقة السابقة .
كقول شيخ الإسلام: "فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .".
وقوله: "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقوله: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون".
والنبي -صلى الله عليه وسلم- مختص بما لم يشركه به غيره
وبيانه:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غسل قلبه بماء زمزم وملئ حكمة وإيماناً قبل الإسراء به بروحه وجسده يقظة، ثم عرج به إلى السماء فوصل إلى مكان لم يصل إليه أحد قبله حتى أن جبريل عليه السلام توقف إلى حد، ثم صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مقام سمع فيه صريف أقلام القدر فكلمه ربه عز وجل بلا واسطة، ولم يكن بينه وبين ربه إلا الحجاب فهذا المرتبة السنية والمنزلة العلية أوصلت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منْزِلة في الإحسان ومشاهدة الرب بالقلب إلى درجة لم يبق بعدها إلا رؤية الله عز وجل بالعيان .
وهذه المنْزِلة خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشركه فيها غيره .
وهذا ما عناه شيخ الإسلام .
والذي يدعي وصوله إلى هذه المرتبة التي وصل إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مبتدع ضال كما نقله الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- .
وهذا ما لا يوجد في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
وما بينته هو الأصل، وهو مقتضى اللغة العربية، ومفاد كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في مواضع عديدة .
وأما ما ذكروه من خلق رؤية في القلب أو أن الله جعل بصره في قلبه فهذا يلغي فضيلة الرؤية بالعين الباصرة والتي ادخرها الله لعباده وأنبيائه وأوليائه يوم القيامة، وهو من التكلف ومما لا يوجد عليه دليل وبرهان .
فليتأمل طالب العلم فيما ذكرته يجده -إن شاء الله تعالى- هو القول الصواب الذي ينبغي أن لا يصار إلى غيره .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

الكلام على الخلاف في العقيدة وهل هو واقع بين السلف أم لا وعلاقة مسألة رؤية الله بالقلب بكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟
قال المأربي: "فهذا كلام من الشيخ ربيع ـ هداني الله وإياه ـ قد جمع عدة مجازفات، والحامل له على ذلك الغلو في الرد على بعض الجماعات!! فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة,مع أن في المسألة تفصيلاً , ليس هذا موضعه ,بل الشيخ نفسه له كلام في بعض أشرطته، يدل على أن العالم إذا وقع في بدعة عن اجتهاد؛ فلا يسقطه أهل السنة, وقد يفصِّل في نوع البدعة في مواضع , وقد لايفصِّل.
فلما ذُكِر له أن الصحابة-رضي الله عنهم- فمن بعدهم، اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج ـ وهذا أمر عقدي بلا شك ـ اضطرب الشيخ، فقال: (هذه جزئية)!! نعم يا شيخ ربيع هذه جزئية، لكن هل هي جزئية من أجزاء العقيدة, أم جزئية خارج العقيدة؟!! لاشك أنها من العقيدة وقد صرح بعض السلف بذلك، إذاً فدعواك أنها جزئية؛ ليست جوابًا على الإيراد الوارد عليك!! وهل الاختلاف في العقيدة محصور في الاختلاف في رؤية الرب عزوجل في الجنة فقط؟من سبقك إلى هذا؟!!"
وقال: "(تنبيه آخر): الاختلاف في بعض مسائل عقدية؛موجود بين السلف، فلا حاجة للإنكار الشديد من الشيخ ربيع لهذا!!
فقد أشار شيخ الإسلام لبعض مسائل علمية عقدية، ومسائل عملية، ثم قال: (وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد على أحد بكفر، ولا بفسق، ولا معصية...)،الخ كلامه في "مجموع الفتاوى" (9/229) وما بعدها، وقال أيضًا في (19/123): (وتنازعوا -أي الصحابة- في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الحي ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة...).اﻫ"
تنبيه: الصواب أن كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(3/229) وليس في (9/229)!!
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: تحرير مراد الشيخ في سياق كلامه بنفي الخلاف في العقيدة .
إن المتأمل لكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يجد أن نفيه للخلاف في أمور العقيدة إنما هو في الأمور الكلية والتي يسميها العلماء الأصول وهو ما جاء النص فيها صريحاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس فيه محل اجتهاد .
فهذا لم يختلف فيه الصحابة مطلقاً .
وإنما اختلفوا في أمور لم يأت بها نص أو تنوعت فيه الأدلة .
# فقد اختلفوا في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه ليلة المعراج . وقد بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنه لا خلاف بينهم لأن الذي نفته عائشة -رضي الله عنه- غير الذي أثبته ابن عباس -رضي الله عنهما- كما سبق بيانه .
# واختلفوا في ابن صياد هل هو الدجال؟ وهذا لأنه لا يوجد نص في ذلك .
# واختلفوا في تعذيب الميت ببكاء الحي وجمع بين المثبت والنافي أنه إذا أوصى بذلك فيكون مما كسبت يداه "وأوجه الجمع كثيرة".
أما الأمور القطعية التي ورد بها النص من الكتاب والسنة فإن الصحابة لم يختلفوا فيها أبداً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فإنه سئل: "هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: (لا,لا) .
ثم سأله السائل: "انزين يا شيخ ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لربه؟"
فأجابه الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "اختلفوا في رؤية الله في الجنة؟" قال السائل: لا, قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه اختلفوا في جزئية،"
فبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذا الخلاف الذي أورده السائل في جزئية وليس في كلية أو قاعدة أو نص قاطع "سواء كان متواتراً أو آحادا صحيحا".
فضرب مثلاً للمسألة الكلية أو القطعية برؤية الله في الجنة وهذا مما لم يختلف فيه السلف .
ثم بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذه الجزئية أيضاً اتفقوا عليها وهي مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل.
الوجه الثاني: حكى الإمام عثمان الدارمي اتفاق الصحابة على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يره ربّه . كما في زاد المعاد(3/37) .
فهل هذا غلو من الإمام الدارمي؟!!
الوجه الثالث: قال ابن القيم -رحمه الله-: "اتفاق الصحابة في مسائل الصفات وقد تضمن هذا أمورا منها:
أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان.
وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال .
بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها،
ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمراً واحداً، وأجروها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه".
مع أن مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربّه من مسائل الصفات ومع ذلك لم يعتبر الإمام ابن القيم الخلاف فيها خلافاً في العقيدة فهل هو من الغلاة أيها المأربيّ؟
الوجه الرابع: قال الدكتور ناصر العقل في كتابه "حراسة العقيدة"(ص/57-59): "السلف (أهل السنة والجماعة) لا يختلفون في أصل من الأصول.
من سمات أهل السنة والجماعة السلف الصالح أنهم لا يختلفون ولم يختلفوا في أصل من أصول الدين وقواعد الاعتقاد،
فقولهم في مسائل الاعتقاد قول واحد بحمد الله ...إلى أن قال:
أما عند أهل السنة –بحمد الله-: فهم يتفقون جملة وتفصيلاً –أئمتهم وعامتهم- على أصول العقيدة، وما يقع من بعض أفرادهم من مخالفة للأصول التي اتفقوا عليها فهو خطأ مردود على قائله، مع أن ذلك –بحمد الله- نادر جدا، والنادر لا حكم له .
فقول أهل السنة في صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله واحد .
وقولهم في الكلام والاستواء والعلو فلا يختلف .
وقولهم في الرؤية والشفاعة وسائر السمعيات فلا يختلف.
وقولهم في الإيمان وتعريفه وأصوله(أركانه) ومسائله واحد .
وقولهم في القدر واحد.
وقواعدهم في الأسماء والأحكام فلا تختلف.
وقولهم في الصحابة والسلف الصالح واحد ."
ثم قال الشيخ ناصر العقل: "فاختلاف أهل السنة إنما كان في الاجتهاديات من أمور الأحكام، أو فرعيات المسائل الملحقة بالعقيدة مما لم يرد به دليل قاطع،".
ثم ذكر أمثلة على هذه المختلف فيها ومما ذكره: مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه في المعراج، هل كانت بصرية أو قلبية؟ ومسألة ابن صياد هل هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان أو غيره؟ .
ثم قال: "ونحو ذلك من المسائل المختلف فيها ولم يرد الدليل صريحاً فيها، وألحقها العلماء بموضوعات العقيدة؛ لأنها تندرج في جنسها علمياً وموضوعياً لا عقدياً .
وهذه الأمور ونحوها ليست من أصول الاعتقاد، والخلاف فيها دائر مع النصوص لم يقل فيها السلف برأيهم المحض –والله أعلم" . انتهى كلام الدكتور ناصر العقل.
الوجه الخامس: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فرية ثم أجاب على نفسه بنفسه مما يدل على جهله واضطرابه!!
والعجيب أنه يرمي الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بالاضطراب وهو بناه على سوء فهم، وقلة عقل .
قال المأربي: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة".
فالشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنكر الخلاف في كليات الاعتقاد وأصوله –كما هو سياق كلامه- ولم يقل ذلك من أجل أن يرمي كل من وقع في خطأ عقدي بالبدعة
حاشاه من ذلك .
ولكن هذا من إفك المأربي وبهتانه.
والشيخ ربيع قد صنف رداً على الحداد، وذكر مقالاً ذكر فيه ميزات الحدادية، ومن منهجهم أنهم يسقطون العالم بالزلة فكيف يتهمه المأربي بما يحذر الشيخ منه وينهى عنه؟!!
علماً بأن المأربي لم يأت ببينة ولا برهان على ما زعمه إلا الدعاوى الفارغة التي يكثر منها هذا المخلوق العجيب!!
وإن ما نسبه المأربي لبعض الناس: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة" هو قول شيخنا أسد السنة ربيع المدخلي -حفظَهُ اللهُ- وقول عامة السلف .
فالمخالفة في العقيدة إن كان في جزئية ورد عن السلف خلاف فيها أو وقع فيها بعض العلماء دون إصرار وهوى فهذا لا يخرجه من أهل السنة .
والشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يعلم مخالفة شريح في صفة العجب ومخالفة ابن خزيمة وغيرهما من العلماء الذين خالفوا في بعض مسائل الاعتقاد عن اجتهاد أخطؤوا فيه لم يخرجهم من دائرة السنة ولم يبدعهم كما أوهمه المأربي .
الوجه السادس: أن المأربي لبالغ جهله ظن أن بين قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة"
وقوله: "إيه اختلفوا في جزئية،" اضطراباً وتعارضاً فأخذ يهول ويرجم بالغيب، ويورد الإيراد ويجيب عليه وسبب هذا كله الجهل والغباء .
فالأول وهو النفي: نفي للاختلاف المذموم وهو المعارض للنص، أو الذي بني على الرأي المذموم أو الهوى المتبع .
مع نفي الخلاف في الأصول والقواعد والأمور التي اتفقت عليها الأدلة .
والثاني وهو الإثبات: وفيه بيان أن هذا من الجزئيات التي تتعارض مع نفينا للخلاف في العقيدة بمثل هذا التعبير .
ثم أجاب الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن المسألة التي ذكر السائل أنها مختلف فيها وهي من مسائل الاعتقاد بنص الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه هذه جزئية".
فبين أن المنفي الرؤيا البصرية والمثبت الرؤيا القلبية ثم قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فما فيش خلاف بينهم".
فيبقى كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في نفيه الخلاف في العقيدة بين الصحابة قائماً وصحيحاً، وإنما يقال: اختلفوا في بعض مسائل الاعتقاد التي لم يرد فيها نص قاطع كاختلافهم في ابن صياد وهل هو الدجال أم لا؟
والله أعلم

ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:23
بتْرُ المأربي لكلام الشيخ ربيع ليتهمه بكلام قبيح في حق الرب عز وجل، ودحض بعض أباطيل المأربي
قال المأربي: "أولاً:أسلوب قبيح من الشيخ ربيع في حق الله عز وجل!! فقد جاء في شريط "العقيدةأولاً"وجه (ب),وفي سياق الكلام فيمن يسعون للحاكمية ,بغير المنهج الصحيح, وأنهم يتظاهرون بالغيرة على الاسلام, فإذا وصلوا إلى مآربهم؛تناسوا ذلك كله؛قال الشيخ:
(فماهو هذا إلا للتهريج فقط , وللوصول إلى ما يريدون , ثم بعد ذلك , كما والله واحد منهم في الدراسات العليا , وأنطقه الله رغم أنفه,لما ركزت عليه بالكلام؛ انفجر,وقال: والله أنا أعرف واحد من كبار الإخوان يقول: نحن هانهتف باسم الله ,فإذا وصلنا إلى الكراسي؛ نحط ربنا في أي حتة!!! قال الشيخ ربيع: والله هذا الذي حكى لي , وهو صادق, وهذا الآن السودان خلاص, انتهى, الله حطوه في أي حتة, ما أدري فين)اهـ..
فتأمل أخي القارئ الكريم –كيف أن الشيخ ربيعاً عندما حكى هذه الكلمة المنكرة؛لم يكتف بنكارتها وشناعتها, وتسبيح الجالسين حوله ,استعظاماً لهذه الكلمة ,أو لم يعقب عليها بكلمة: تعالى الله عما يقول الظالمون أو الجاهلون أو المبطلون علواً كبيراً, أو قوله تعالىكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) إنما أعاد هذه الكلمة الشنيعة مرة أخرى -وإن كان ذلك منه على سبيل الإستهزاء من قائل هذه الكلمة-فقال.....وهذا الآن السودان, خلاص, انتهى,الله حطوه في أي حتة ,ما أدري فين؟!!)بل أضاف لكلمة ذاك الإخواني الضال ,إضافة باطلة, فقال: (ما أدري فين؟!) يعني بذلك أن الإخوان أخذوا كراسيهم، ووصلوا لما يريدون، ثم إنهم حققوا ـ على سبيل الإستهزاء ـ ما كانوا يقولونه!! فهل هذا من الأدب مع الله عزوجل يا شيخ ربيع؟! أتريد أن تضحك جلسائك بمثل هذه الكلمات التي تزلزل القلوب؟! وهل إذا قال المبطلون قولاً قبيحاً مثل هذا،نردده ورائهم،ونزيده إيضاحاً، وإن كنا ساخرين بهم؟! وهل هذه الكلمة الشنيعة تُحكى , ويُعقَّب عليها بهذا الأسلوب الشنيع؟! فيا سبحان الله!!"
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي بتر كلام الشيخ فلم يكمله ليتطاول على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-، وينسب إليه الباطل .
فإن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قال نقلا عن بعض الناس: "...أعرف واحد من كبار الإخوان يقول: نحن هانهتف باسم الله ,فإذا وصلنا إلى الكراسي؛ حنحط ربنا في أي حتة!!! قال الشيخ ربيع: والله هذا الذي حكى لي , وهو صادق, وهذا الآن السودان خلاص, انتهى, الله حطوه في أي حتة, ما أدري فين فنسأل الله العافية" .
فحذف المأربي قول الشيخ معقباً على الكلام القبيح لذاك الإخواني: "فنسأل الله العافية".
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لما ذكر كلام ذاك الإخواني تكلم الحضور بكلام شنعوا على القائل وأقرهم الشيخ عليه فهذا يكفي في الدلالة على الإنكار بل بعض عباراتهم غاية في إبطال القول .
فقد قال بعض الحاضرين –كما في الشريط-: "لعنه الله" وقال بعضهم: "الله أكبر".
ولما كرر الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- الكلام مرة أخرى استنكر كلامه بثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الشيخ قال: "ما أدري حطوه فين" وهذا من باب الإنكار كقول عثمان الدارمي -رحمه الله- منكراً على من يقول: الله في كل مكان .
قال الدارمي في الرد على بشر وابن الثلجي(ص/81): "فإذا كان الله في كل مكان يلزم هذا الجاهل على ما ادعاه أن تكون ذاته ملء الخلاء بأسره، فيلزمه أن يكون ظرفاً لحوادثه، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يكون ظرفاً لحوادثه، أو تكون حوادثه ظرفاً له لأنه تعالى محيط بالأشياء لا محاط به".
الأمر الثاني: أقر بعض الحاضرين الذي قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله " .
الأمر الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قال بعدها مستنكراً سائلا الله العافية مما ابتلاهم به من القبائح فقال: "فنسأل الله العافية" .
فبعد كل هذا يأتي المأربي ويتهم الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بأنه أساء الأدب مع الله فحسبه الله ما أفجره .
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يحكه مقراً له أو ساكتاً عليه بل ذكره مستنكراً مستحقراً لهم، واستهزأ بهم مبينا فساد طريقتهم إضافة لكلام الحاضرين الذي أقره الشيخ ربيع، إضافة إلى سؤال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- العافية من حالهم .
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية(2/13): "فإن القائل: ليس في جهة ولا حيز؛ يتضمن نفيه أنه ليس داخل العالم ولا في أجواف الحيوانات ولا الحشوش القذرة، وهذا كله حق، ويتضمن أنه ليس على العرش ولا فوق العالم وهذا باطل، وكان في نفيه نفي الحق والباطل" .
فشيخ الإسلام لما نزه الله عن أن يكون في الحشوش أو أجواف الحيوانات لم يكن قائلا في الله بالقبيح لأنه من باب التنزيه .
ولكن المشكلة أن المأربي لا دربة له بكتب أهل السنة في الرد على أهل البدع فيرد الحق، ويتهم أهله بالباطل والله المستعان.

بيان بطلان اتهام مصطفى المأربي للشيخ ربيع المدخلي –حفظه الله- فيما يتعلق بحسن الظَّن في الذين خُلِّفوا

فهل جوّز أحد اتهام هؤلاء الصحابة الصادقين بالنفاق؟!ومعلوم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين،وإلا فالمنافقون قد قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى،وكيف يُجَوِّز الشيخ ربيع عليهم هذا الحكم الجائر،وهو معترف بأنهم صحابة، وبعضهم بدْريّ،وأنهم تابوا، وندموا، واعترفوا، فهل من كان كذلك، قد يكون متهماً بالنفاق؟!ولو سلمنا أن أحداً اتهمهم بذلك؛ فهل كلام الشيخ ربيع هذا عنهم ـ رضي الله عنهم ـ من جملة ذكر الصحابة بالجميل، والإمساك عما جرى منهم؟!"
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أثنى على الذي خُلِّفوا -رضي الله عنه- .
فقد قال: "الصحابة ... حتى بعد توبتهم، وهم لم يركضوا بهذه الفتنة، ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا، واعترفوا، ... وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد ..."
فكل هذا ثناء عليهم، بل لما قال: عذر .. صحح العبارة وقال: لسبب من الأسباب .
فهو قد ذكرهم بالجميل ولكن ذكر الحال الذي وقع من باب استنباط الحكم الشرعي دون زيادة أو تزيد.
الوجه الثاني: أن المأربي زعم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين فإن كان أراد الثلاثة الذي خلفوا -رضي الله عنه- فمسلم، ولكن إنما ظهر صدقهم بعد توبة الله عليهم .
وإلا لو علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- صدقهم فلماذا يأمر بهجرهم؟
حتى أن أحدهم يسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدري هل حرك شفتيه بالسلام أم لا؟
وإنما أمر بهجرهم لوقوعهم في المعصية وهي التخلف عن الغزو المتعين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فالهجر معلق بالمعصية التي حصلت وليس لصدقهم في عدم اعتذارهم .
فلم يأمر بهجرهم لأنهم صادقون!!
الوجه الثالث: زعمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل من المنافقين فقط فيما يظهر من كلام المأربي وهذا باطل فقد قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذر ذوي الأعذار من قبل سفره لغزوة تبوك كالعرج والمرضى والعمي ومن لا يجد نفقة للسفر ونحو ذلك من الأعذار المقبولة شرعاً.
وكذلك كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع لم يقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم لأنهم ما قدموا عذراً، ولم يعتذروا كذباً كالمنافقين ولكنهم اعترفوا بذنبهم فوكل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم إلى الله حتى تاب عليهم عز وجل.
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يتهمهم بنفاق أو نحوه كما زعمه المأربي وإنما قال: "لأنهم متهمون في هذه الحالة،وقد يكونون متهمين بالنفاق" فذكر واقع الحال، ونزههم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن النفاق بعبارات كثيرة نقلتها سابقاً من ذلك قوله: "وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد".
الوجه الخامس: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال بنحو قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى(24/174-175): "نعم صح عنه أنه هجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك، وظهرت معصيتهم، وخيف عليهم النفاق، فهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم، حتى أمرهم باعتزال أزواجهم من غير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء .
وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمى لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول وتبين صدقه في التوبة؛ فأمر المسلمين بمراجعته، فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع، الداعين إليها، والمظهرين للكبائر .
فأما من كان مستتراً بمعصية، أو مسراً لبدعة غير مكفرة فان هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً.
وأما من أظهر لنا خيراً فإنا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون".

وقال المأربي: "وكذلك قوله في حق النبي صلى الله عليه وسلم: " فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء"؟ أهذا من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لكعب:" أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضيّ الله فيك"؟وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يحب أن يكون صدره سليماً على إخوانه الصحابة الكرام،فأين عدم حسن الظن بكعب؟!وحال صاحبيْه ـ رضي الله عنهم ـ كذلك، فأين عدم حسن الظن بهم؟! هل عندك دليل على نسبة هذا الخُلُق الذميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فإن كان؛ فأين هو؟ وإلا فما عليك إلا الإستغفار، وإعلان التراجع عن ذلك، والله أعلم ."
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أما جعل سوء الظن من الخلق الذميم مطلقاً فباطل شرعاً وعقلاً.
فسوء الظن بالعدو والكافر والمنافق الذي ظهرت علامات نفاقه أمر واجب .
قال ابن حبان في روضة العقلاء(ص/127): "سوء الظن على ضربين:
أحدهما: منهي عنه بحكم النبي -صلى الله عليه وسلم- .
والضرب الآخر: مستحب.
وأما الذي نهى عنه فهو استعمال سوء الظن بالمسلمين كافة على ما تقدم ذكرنا له .
وأما الذي يستحب من سوء الظن فهو كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه مَكْرَه، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره لئلا يصادفه على غِرَّةٍ بمكره فيهلكه .
وفي ذلك أنشدني الأبرش:
وحسن الظن يحسُنُ في أمور
ويمكن في عواقبه ندامهْ
وسوء الظن يسمُج في وجوه
وفيه من سماجته حزامهْ
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
ما ينبغي لأخي ود وتجربة

أن يترك الدهر سوء الظن بالناس
حتى يكون قريباً في تباعده

عنا ويدفع ضر الحرص بالياس".


وانظر العزلة للخطابي(ص/168-180) فإنه مهم .
الوجه الثاني: أن مراد الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بسوء الظن وارد في سياق كلامه.
وأراد بسوء الظن هو اتخاذ اللازم مع من وقع في المعصية أو وقع في البدعة .
فإحسان الظن الذي ينكره الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- هنا هو ترك هجرهم، والتحذير منهم .
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحمله معرفته بهم وبسابقتهم أن يعاقبهم بأن هجرهم وأمر بهجرهم حتى يحكم الله فيهم بما شاء، فتاب الله عليهم وعفا عنهم ورفع درجتهم، ونفعهم الله بذلك الهجر.
وهذا الذي بينته واضح جداً من سياق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-.
فإنه قال: "ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " فإذا رأيتم من يتبع المتشابه، فأولئك الذين عنى الله،فا حذروهم" ما قال أحسنوا بهم الظن، كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء، أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي،إذا رأينا عندك شبهاً وضلالات؛ أنت متهم، الله حذر منك، ورسول الله حذر منك، كيف ما نحذر منك؟، وكيف نحسن بك الظن؟..".
ثم قال: "فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء؟! وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون،..".
فليس المراد مطلق إحسان الظن وإنما أراد إحسان الظن الذي يلزم منه ترك المعاقبة.
الوجه الثالث: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- بين أنهم خشي عليهم النفاق بسبب المعصية وهذه الخشية هي التي أوجبت هجرهم ومعاقبتهم بما أنعم الله عليهم بالتوبة والإنابة ورفعة الدرجات -رضي الله عنهم- .
والخلاصة:


فنعوذ بالله من الجهل والغباء.




والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-04-30, 18:26
-قال المأربي: "وتأمل كلمته الأخرىيكفيه أنه عرف منهج الأنبياء ,عليهم الصلاة والسلام ,ومنهم سليمان ,وهو ما كان يعرف الواقع مثل ما ندعي الآن....) وكأنه يشير بذلك إلى أن الجهل بالواقع من منهج الأنبياء جميعاً!! فالمسألة فيها إفراط وتفريط ,وإلا فأين نحن من قول الله عزوجل: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)؟!! ".
وقال: "؟! بل كدت تجعل الجهل بالواقع منهجاً للأنبياء كلهم!!".
الجواب من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: هذا الكلام فيه افتراء المأربي على الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- أنه يجعل الجهل بفقه الواقع من منهج الأنبياء!!
وهذا من سوء فهم هذا المأربيّ أو من سوء قصده.
فهل من يقول بقول أهل السنة في الاقتصاد والاعتدال في وصف البشر، ويبتعد عن الغلو وأهله يوصف بهذا الكلام الباطل؟
فهل في قوله تعالى عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} هل فيه تجهيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟!! أعوذ بالله من فهم المأربيّ المنكوس.
وهل قول الهدهد لسليمان –عليه السلام-: {أحطت بما لم تحط به} فيه تجهيل لسليمان –عليه السلام-؟ أعوذ بالله من فهم المأربيّ المنكوس.
ومنهج الأنبياء مبني على العلم والعدل، والعلم بجميع ما في الواقع وتفاصيله ليس من صفات الأنبياء والمرسلين ولا غيرهم من البشر، بل من خصائص الرب -عزَّ وجلَّ- .
والغلو في فقه الواقع ليس من منهج الأنبياء بل من البدع والمحدثات، ومنهج الأنبياء –عليهم السلام- هو ما ذكره الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ-: "والله هذا لأنه هان علينا علم الدين , علم التوحيد, علم السنة؛علم عظيم,والله الذي يعرف عقيدة التوحيد, ويحققها للناس,وينشرها في الناس,ولو ما عرف أشياء أخر؛يكفيه شرفاً , يكفيه أنه عرف منهج الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام - , الذين منهم سليمان , وهو ما كان يعرف الواقع مثل ما ندعي الآن, عرفتم ولا لا , أنا أقول هذا الكلام صراحة يا إخوتاه , لأننا عانينا من الواقع هذا , معاناة لا يعلمها إلا الله , أصبح والله طاغوتاً والله طاغوت من الطواغيت وسلاح فتاك يمزق في جسم الأمة ويوجد حواجز وفواصل بين شباب الأمة وبين علمائها .
علم الواقع هذا ..تفضل أهله على أهل الكتاب والسنة وأهل التوحيد ما هذا الجهل يا إخوتاه هذا والله أشياء خطير رهيب جدا وما عرف الإنسانية منذ ولد آدم إلى هذه الفترة مثل هذا الغلو في علم الواقع ...غلو شديد غلو، غلو وبعدين –والله تحرف له آيات وأحاديث..وأنا أتحدى من يأتيني بآية أو حديث يطبقه على هذا الواقع؛ واقع الصحف والسياسة وأسرار الدول ".
فليس من منهج الأنبياء الغلو في معرفة الواقع، وإنما منهجهم علم وعمل ودعوة وصبر على الأذى.
الوجه الثاني: ليس في كلام الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- أنه ينكر فقه الواقع أو معرفته كما سبق نقل قوله: "وعلم الواقع أنا ما أحاربه، لكن أنا أحارب البغي به، والتطاول به، والغلو فيه.
لا بأس أن يكون في الأمة سياسيين يدرسون أحوال الدول، وماذا يجري في العالم؟ والناس يتجهون إلى مصالح المسلمين . كل واحد يتجه –بارك الله فيك- إلى العلم الذي ينفع الناس، أنا أتخصص في التفسير، وهذا يتخصص في الحديث وهذا السياسي يخبرني بالذي يجري أستفيد منه ولاَّ هو يكفيني ما هو لازم أن الأمة وشبابها كلهم يصبحون سياسيين، وكلهم أساتذة واقع، ودكاترة واقع . هذا شيء ما تعرفه الأمم وهذا يفسد الحياة تماماً..".
وإنما ينكر الغلو فيه، وينفي هذا الغلو عن منهج الأنبياء وهو ما يعنيه الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- بقوله: "يكفيه أنه عرف منهج الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام - , الذين منهم سليمان , وهو ما كان يعرف الواقع مثل ما ندعي الآن.."
فقوله: "مثل ما ندعي الآن" أي ما يطالب به بعض من كان مندساً في صفوف السلفية، ويزعم أنه من السلفيين كناصر العمر وسفر وسلمان وأشباههم.
وما يدعيه أولئك هو: الغلو في فقه الواقع .
فتبين أن الغلو في فقه الواقع ليس من منهج الأنبياء خلافاً لما أوهمه المأربي من أن من ينفي هذا الغلو عن الأنبياء يعده المأربيّ مجهلاً للأنبياء –عليهم السلام-.
الوجه الثالث: أن المأربي استدل على فقه الواقع بقوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} موهماً مخالفة الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- للآية.
وهذا من تضليل المأربيّ وجهله:

قال ابن جرير -رحمَهُ اللهُ- في تفسيره(7/209): "يعني تعالى ذكره بقوله وكذلك نفصل الآيات وكما فصلنا لك في هذه السورة من ابتدائها وفاتحها يا محمد إلى هذا الموضع حجتنا على المشركين من عبدة الأوثان وأدلتنا وميزناها لك وبيناها كذلك نفصل لك أعلامنا وأدلتنا في كل حق ينكره أهل الباطل من سائر أهل الملل غيرهم فنبينها لك حتى تبين حقه من باطله وصحيحه من سقيمه".
وقال ابن كثير -رحمَهُ اللهُ-: "{وكذلك نفصل الآيات} أي: التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها . {ولتستبين سبيلُ المجرمين} أي: ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل . وقرئ: {وليستبين سبيلَ المجرمين} أي: ولتستبين يا محمد أو يا مخاطب سبيلَ المجرمين"
وقال ابن الجوزي في زاد المسير(3/50): "قوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات} أي: وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا وأعلامنا على المشركين، كذلك نبين لك حجتنا في كل حق ينكره أهل الباطل . قال ابن قتيبة: ومعنى تفصيلها إتيانها متفرقة شيئاً بعد شيء.
قوله تعالى: {ولتستبين}... فالمعنى: ولتستبين أنت يا محمد {سبيل المجرمين}.
وفي "سبيلهم" التي بينت له؛ قولان: أحدهما: أنها طريقهم في الشرك ومصيرهم إلى الخزي قاله ابن عباس.
والثاني: أنها مقصودهم في طرد الفقراء عنه . وذلك إنما هو الحسد لا إيثار مجالسته واتباعه قاله أبو سليمان".
وقال شيخ الإسلام -رحمَهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى(15/106): "وقوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} فقد فصله بعد إحكامه، بخلاف من تكلم بكلام لم يحكمه . وقد يكون في الكلام المحكم ما لم يبينه لغيره فهو سبحانه أحكم كتابه ثم فصله وبينه لعباده، كما قال: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} . وقال: {ولقد جئنا بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} فهو سبحانه بينه وأنزله على عباده بعلم ليس كمن يتكلم بلا علم .
وقد ذكر براهين التوحيد والنبوة قبل ذكر الفرق بين أهل الحق و الباطل، فقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} إلى قوله: {فهل أنتم مسلمون}..."

فالشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- يركز على معرفة التوحيد والسنة، وما أمر الله به أنبياءه ورسله من البلاغ والهدى والنور خلافاً للغلاة في فقه الواقع الداعين لمعرفة الأخبار لحظة بلحظة، وتتبع الصحف والجرائد الذي يؤدي إلى انتشار الشائعات والأكاذيب مع ما يلزم من ذلك من الانشغال بتتبع الأخبار عن تعلم العلم الشرعي وعن معرفة سبيل المجرمين وطريقهم .
ومن هذا أتي من يدعي فقه الواقع فتراهم ينجرفون مع الفتن، ويصدقون الكاذب، ويكذبون الصادق، وتراهم وقوداً للفتنة، وعن طريقهم ينفذ أعداء الإسلام مخططاتهم مستغلين جهلهم بالشرع، وجهلهم بكيفية التعامل مع الواقع على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

الجواب من وجوه أذكر ثلاثة منها:
الوجه الأول: بيان عدم فهمه لمراد الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- بقوله: "إن كلامي هذا استفهام إنكاري".
فالمأربي يظن أن الشيخ ربيعاً يقصد بالاستفهام الإنكاري في قوله: "وهل سليمان ما يعرف الواقع؟!" وهذا من جهل المأربي وغباءه .
فالشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- يعني قوله: "هل يصير الطير أفضل من نبي الله سليمان؟!".
وقوله: "نبي الله سليمان يسقط؟ لأن الطير-ما هو إنسان-طير عرف أن هناك دولة، وفيها شرك، وسلميان والله ما يدري؟!"
وقوله: "فهل يا إخوتاه، هل هذا العصفور الذي اكتشف هذه الدولة، بقضها وقضيضها، ودينها وملكها وعقيدتها وتفاصيلها؛ يكون أفضل من نبي الله سليمان؟!"
وقوله: "شفت، العصفور عرف الواقع أكثر منه –يعني من سلميان عليه السلام- هل هذا ينقصه؟!"
فهذه العبارات التي ساقها الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- بصيغة الاستفهام الإنكاري .
فهو ينكر على غلاة فقه الواقع الذين يجعلون معرفة الواقع ميزاناً للفضل والرفعة، فعلى ميزانهم الجائر الباطل يكون الطير خيراً من النبي لأنه عرف من الواقع –على أهمية وعظم ما عرف- ما لم يعرفه نبي الله سليمان –عليه السلام- .)
لذلك أنكر عليهم الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- هذا الميزان وبين فضل علم سليمان –عليه السلام- ومنزلته كما سيأتي بعد قليل.
الوجه الثاني: أن الداعي لبيان مراد الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- من الاستفهام هو ما افتراه القطبي المدعو "يزن" حيث زعم –فض الله فاه-: "" هل يصير الطير أفضل من نبي الله سليمان؟ هل من الأدب مع أنبياء الله عقد مقارنة بينهم وبين الطيور والحيوانات؟""
فرد عليه الشيخ الإمام ربيع -حَفِظَهُ اللهُ-:) "أقول من أين لك هذا التفضيل والمقارنة بين نبي الله سليمان وبين الطيور والحيوانات إنه لمن الكوارث أن يتصدى للكتابة والنقد من أمثال هذا الجلف فيأتي بالعجائب والغرائب وكما قيل من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
فهل أنا وصفت الهدهد بأنه ذكي وحليم وفطن ونبيل وحازم وملك للإنس والجن والحيوان، وأن له الريح تمشي بأمره غدوها شهر ورواحها شهر وهل أنا قلت بأن للهدهد جيوشاً تفوق جيوش سليمان، وهل ادعيت للهدهد النبوة والرسالة حتى تكون هناك مقارنة مني بين نبي الله سليمان النبي الملك وبين الهدهد ذلك الطير الصغير، وما هي الحيوانات التي نصبت منها أنبياء وملوكاً أفضل من نبي الله سليمان وملكه، ولله در القائل:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كلاها حتى سامها كل مفلس
أما ما قلته في تبجيل نبي الله سليمان وإعلاء شأنه ومنزلته العظيمة عند الله وعند المؤمنين في هذا الشريط –العلم والدفاع عن الشيخ جميل – فهو كثير أختار منه بعض المقتطفات:
قلت بحمد الله ونعمته:" سليمان ملك الله آتاه ملكاً ما أعطاه لأحد.."، وقلت أيضا:" سليمان ملك حازم تحشر له الجنود فيتفقد الجن والإنس والطير، طائر واحد غاب، افتقده سليمان، شوف الذكاء والنبل والحزم"، وقلت أيضا:" وهو نبي الله عنده الريح غدوها شهر ورواحها شهر أسرع من هذه الطائرات، وبعدين يملك الإنس والجن وكلهم تحت خدمته"ودعوت الناس إلى اتباع منهج الأنبياء ونصصت على نبي الله سليمان حيث قلت:" والله الذي يعرف عقيدة التوحيد ويحققها للناس وينشرها في الناس ولو ما عرف شيئاً آخر يكفيه أنه عرف منهج الأنبياء الذين منهم سليمان .."، وقلت أيضا:" فرجع الهدهد وقال إني جئتك من سبإ بنبإ يقين فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ  يقول لنبي الله أحطت بشيء لا تعرفه أنت علمت شيئاً لا تعرفه أنت، يعني علم الواقع، طير عرف الواقع ونبي الله ما يعرف الواقع، هل يصير الطير أفضل من نبي الله سليمان؟؟؟"
إنَّ قصدي واضح من الكلام، وسياقه ولحاقه وألفاظه كلها تهدف إلى هدم منهج فاسد أفسد عقول الشباب ودفعهم إلى رفع هذا العلم- أعني فقه الواقع- وإعطائه منـزلة فوق العلوم الإسلامية، كم جعلهم هذا المنهج يحتقرون العلماء الأجلاء ويرمونهم بالعلمنة الفكرية ويجعل بعضهم العلوم الإسلامية من شروط فقه الواقع إلى غير ذلك من السخف والضلال.
قال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد (4/9-10) "الطبعة المنيرية":
((السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى:ذق إنك أنت العزيز الكريم كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير))، ونصوص كلامي والحمد لله ظواهر لا لبس ولا إجمال فيها.
ولما كان من أعظم أصول الإيمان والتوحيد الذي جاء به الأنبياء ومنهم نبي الله ورسوله سليمان عليه الصلاة والسلام وفي الحضور احتمال وجود صوفية غلاة يعتقدون في الأولياء أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ركزت في هذه المناسبة على قضية علم الغيب الذي هو من خصائص رب العالمين، وبينت أنَّ هذا النبي الكريم مع منـزلته عند الله لا يعلم الغيب.
وهذا ليس فيه تنقص له ولا لغيره من الأنبياء بل احترام لهم وسير على منهاجهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وإثبات قوي لاختصاص رب العالمين بالكمال المطلق الذي يدين به الأنبياء والمؤمنون.
نفيت في سياق كلامي علم الغيب عن هذا النبي الكريم، وهذه عقيدة الأنبياء والمؤمنين بهم، والله تبارك وتعالى يقول لأفضل رسله: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ، وأنا أركز على هذا كثيراً في دروسي لشدة حاجة الناس إلى ذلك.
ولا يسعني إلا أن أقول: قاتل الله الهوى كيف يفعل بأصحابه هذه الأفاعيل الشنيعة، يزين لهم الخيانة وتقليب الأمور وجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، والإيمان كفراً والكفر توحيداً.
أليس تنقص الأنبياء كفراً؟، أليس عقد المقارنة بين نبي وطير كفراً؟
هل يفعل مسلم هذا؟ بل هل يتصور أن يعقد المسلم مقارنة بين عالم عابد زاهد وبين نبي من الأنبياء؟!!.
لقد أعمى هذا الرجل هواه فلم ير كل هذه المنارات التي يستدل بها العقلاء الشرفاء على المقاصد الشريفة والغايات النبيلة من هذا الكلام الواضح الذي تدل عليه بدايته وسياقاته أني أدعو إلى منهج صحيح وأخلاق عالية، وأحذر من الانحرافات التي تجر إلى الفتن التي أحاطت بالشباب وتأكيدي على هذا وذاك.
وأدعوهم إلى العلم الشرعي الذي يقوم اعوجاجهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة، وعلى رأس ذلك التوحيد ومنهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كل هذا يدل عليه كلامي ويدعو إليه، فلم يدرك هذا الرجل كل هذا وذهب يسف ويتسفل بكلامي وعقيدتي ومنهجي إلى هذا المنحدر الذي لا يخطر إلا ببال هذا الجلف وأمثاله.
ألا قاتل الله الهوى مرة أخرى وأعاذ الله المسلمين من شروره وبلاياه .".
الوجه الثالث: أن المأربي ظن أن الشيخ ربيعاً عنى بالاستفهام الإنكاري قوله: "طير عرف الواقع، ونبي الله ما عرف الواقع" ونحوه، فظن أن الشيخ يستنكر أن يكون الطير علم شيئا من الواقع لم يعلمه نبي من الأنبياء الكرام!!
وهذا من جهل المأربيّ، وعسر فهمه، وغباوته.
فالشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- يثبت هذا الأمر غاية الإثبات مخالفاً بذلك الغلاة الذين يجعلون هذا الأمر منقصة للأنبياء حيث يقتضي مذهبهم أن الأنبياء يعلمون الغيب كما سبق بيان هذه الدعوى حتى من كلام المأربيّ نفسه.
الخلاصة



ولم يراعِ المأربيّ سياق كلام الشيخ ربيعٍ ولا سباقه ولا لحاقه ففهم كلام الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- فهماً منكوساً معكوساً يليق بأمثاله من المنتكسين المبطلين.





ويلزم من كلامه وجوب وصف الأنبياء والعلماء أنهم يعلمون كل شيء في الواقع كما في قوله-فض الله فاه-: "ومن المعلوم أن الشيخ ربيعًا ما قصد نفي معرفة سليمان بكل شيء، كما أن المخالفين لنا لا يقصدون بأن علماءنا لا يعرفون كل شيء في الواقع"


ثانياً: دحض اتهام مصطفى المأربي الشيخَ ربيعاً برد الاحتجاج بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وكلام المأربي في هذه الفرية حول دعوى المأربيّ جواز زيارة وقبول دعوة رؤوس البدع والضلال لحاجة شرعية كما يزعم مستدلاً بذلك بحديث نسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتضمن قبوله -صلى الله عليه وسلم- دعوة يهودية معترضاً بذلك على من اعترض عليه وأدانه بزيارته لبعض رؤوس أهل البدع .
فلما بين الشيخ العلامة ربيع المدخلي -حَفِظَهُ اللهُ- أنهلا يصح الاحتجاج بهذا على أصل مقرر في الكتاب والسنة وانعقد عليه الإجماع بذلك الحديث، ظن المأربيّ –لجهله وسوء فهمه- أن في هذا اعتراضا على الحديث، ورداً للاحتجاج به .
وللجواب على اعتراضه، ودحضاً لأباطيله أكتب هذا الرد مقسماً له إلى خمسة أقسام:
أولاً: الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف على هجر أهل البدع، ومنابذتهم، وعدم مجالستهم، والتحذير منهم .
ثانياً: عدم إجابة دعوة أهل البدع والضلال .
ثالثاً: قصة اليهودية والشاة المسمومة، وبيان تلبيس المأربيّ وجهله .
رابعاً: عدم الأخذ بدليل لوجود معارض راجح ليس من رد الحجة في شيء.
خامساً: بيان رد المأربيّ لأدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف، وتعريضه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، واستهزائه بحكم شرعي.
خامساً: الرد على بعض تخاليط المأربي.
وأسأل الله التوفيق والسداد والهدى والرشاد.

أولاً: الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع السلف على هجر أهل البدع، ومنابذتهم، وعدم مجالستهم، والتحذير منهم .

قال ابن عون: كان محمد بن سيرين - رحمه الله تعالى – يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى أن هذه الآية أُنزلت فيهم: ﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ﴾. "الإبانة لابن بطة (2/431)"
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر –كما في الدر المنثور(3/292) عن محمد بن علي قال: إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله .

وقال الضحاك عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: دخل في هذه الآية كل محدث في الدين، وكل مبتدع إلى يوم القيامة ذكره البغوي في تفسيره(1/491)، والضحاك لم يسمع من ابن عباس-رضي الله عنهما-.
وقال ابن جرير الطبري -رحمَهُ اللهُ- في تفسيره(5/330): "وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم"
وقال القرطبي -رحمَهُ اللهُ- في تفسيره(7/142): "ومضى في النساء وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء، وأن من جالسهم حكمه حكمهم؛ فقال: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا} الآية، ثم بين في سورة النساء -وهي مدنية- عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به فقال: {وقد نزل عليكم في الكتاب} الآية، فألحق من جالسهم بهم . وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة، وحكم بموجب هذه الآيات في مُجَالِس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة؛ منهم أحمد بن حنبل، والأوزاعي، وابن المبارك فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا: ينهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم، يعنون في الحكم .
وقد حمل عمر بن عبد العزيز الحد على مجالس شربة الخمر، وتلا: {إنكم إذاً مثلهم} قيل له: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم. قال: ينهى عن مجالستهم، فإن لم ينته ألحق بهم".
وقال شيخ الإسلام -رحمَهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى(15/315): "ورفع إلى عمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر وكان فيهم جليس لهم صائم فقال: ابدؤوا به في الجلد، ألم تسمع الله يقول: {فلا تقعدوا معهم}".
وقال الآلوسي في روح المعاني(5/174): "واستدل بعضهم بالآية على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أي جنس كانوا، واليه ذهب ابن مسعود وإبراهيم وأبو وائل، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وروى عنه هشام بن عروة: أنه ضرب رجلا صائما كان قاعداً مع قوم يشربون الخمر فقيل له في ذلك فتلا الآية"

قال البغوي -رحمَهُ اللهُ- في شرح السنة(1/226-227): " هذا حديث صحيح، وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول -صلى الله عليه وسلم- خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم" .

قال الإمام ابن بطة -رحمَهُ اللهُ- في كتاب الإبانة(2/470): "هذا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق، فالله، الله معشر المسلمين لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه، على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدجال وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب.
ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة، وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم".

قال الإمام الأوزاعي: اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون. إلى أن قال: فكونوا لهم حذرين متهمين رافضين مجانبين، فإن علماءكم الأولين ومن صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون. رَ: تاريخ دمشق (6/362)
وقال الفضيل بن عياض -رحمَهُ اللهُ-: إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة؛ فإن الله تعالى لا ينظر إليهم، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة، وأدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وهم ينهون عن أصحاب البدعة. خرَّجه أبو نعيم في حلية الأولياء(8/104)
وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه "الإيمان"(ص/34-35): "باب ذكر ما عابت به العلماء من جعل الإيمان قولاً بلا عمل، وما نهوا عنه من مجالِسهم."
مما ذكره: " عن الوليد بن مسلم قال: ((دخل فلان - قد سماه إسماعيل ولكن تركت اسمه أنا - على جندب بن عبد الله البجلي فسأله عن آية من القرآن؟ فقال: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت، قال: أو قال: أن تجالسني أو نحو هذا القول)) .
قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب، قال لي سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكراً له شيئاً:
((لا تجالس فلاناً (وسماه أيضاً) فقال: إنه كان يرى هذا الرأي)) . "
ثم قال: "والحديث في مجانبة الأهواء كثير، ولكنّا إنما قصدنا في كتابنا لهؤلاء خاصةً.
وعلى مثل هذا القول كان سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس، ومن بعدهم من أرباب العلم وأهل السنة الذين كانوا مصابيح الأرض وأئمة العلم في دهرهم، من أهل العراق والحجاز والشام وغيرها، زارين –"أي: عائبين" على أهل البدع كلها، ويرون الإيمان: قولاً وعملاً ".
وقال الإمام أحمد -رحمَهُ اللهُ-: "" بسم الله الرحمن الرحيم.
أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحـذور، الذي كنا نسمع، وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم، أنهم يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور بالتسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون.
فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم." رَ: مسائل الإمام أحمد لابنه صالح (2/166-167)، والإبانة لابن بطة (2/472) .
وللاستزادة انظر: كتاب "موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع" للشيخ إبراهيم الرحيلي، وكتاب " إجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء" للأخ الشيخ خالد الظفيري.
فتبين مما سبق أن هجر أهل البدع، ومنابذتهم، وعدم مجالستهم، والتحذير منهم منهج أصيل، ومعتقد أكيد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع .
وأن هذا من الأصول المحكمة التي يرد إليها المتشابه، وما يُظن أنه يخالف هذا الأصل فإنه يرد إلى هذا المحكم، ولا تضرب النصوص بعضها ببعض كما يفعله أهل الأهواء والبدع.
قال شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي-حَفِظَهُ اللهُ- في تقديمه للكتاب الأخ الشيخ خالد الظفيري آنف الذكر: "وكم ترك –يعني نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمّة من الضمانات من الضلال لمن وفقه الله ووفقه لفهم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووفقه لفهم السنّة التي هي البيان والتوضيح لما اشتبه أو أجمل من الكتاب كما قال تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم}.
ووُفّق للاعتصام بهما و العضّ عليهما بالنواجذ.
ووُفّق للسير على منهج السلف عقيدةً وفقهاً وأخلاقاً وحَذِر من البدع وحذّر منها بعد معرفة خطورتها على هذه الأمّة وبَعُدَ وعيه للنصوص القرآنية والنبوية التي تحذر من شرها وخطرها؛ مثل قول الله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، ومثل ذمّه تعالى لأهل الزيغ بقوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغـاء تأويلـه وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنـا به كل من عنـد ربنا وما يذكر إلا أولو الألبـاب}، تلا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هذه الآيات ثم قال: -:((فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منـه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)).
فبيّن الله سوء مقاصدهم وأنّهم يتبعون المتشابه لهدف خبيث وهو ابتغاء فتنة الناس وإضلالهم.
وحذّر رسول الله منهم بعد أن بيّن علامتهم وهي اتباع المتشابه."


وهجر المبتدعة والتحذير منهم ومن مجالستهم إنما ذلك لما يحصل من مجالستهم ومخالطتهم من المفاسد والأضرار منها:







وارجع إلى تفاصيل هذه المفاسد –وقد زدت بعضها- مع بعض الضوابط المتعلقة بهجر المبتدع إلى كتاب "موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع" للشيخ إبراهيم الرحيلي.

ثانياً: عدم إجابة دعوة أهل البدع والضلال .
إن إجابة دعوة أهل البدع محرمة ممنوعة من عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الكتاب والسنة وإجماع الأمة على هجر أهل البدع، ومنابذتهم، وعدم مجالستهم، والتحذير منهم وإجابة دعوتهم تنافي هذا الأصل الأصيل.
الوجه الثاني: أن في إجابة دعوة المبتدع يحصل بسببها مفاسد عظيمة وهي ما سبق ذكره من المفاسد المترتبة على مجالستهم .
الوجه الثالث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نهى عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر)) حديث حسن بشواهده رواه أبو داود(3/349) وأنكره موصولاً، وابن ماجه(2/1118) وساق سنده وبعض متنه وليس فيه جملة النهي عن الجلوس على مائدة الخمر، والروياني في مسنده(2/398)، والحاكم(4/143) وصححه على شرط مسلم، والبيهقي في الكبرى(7/266)، وغيرهم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وكون صاحب الوليمة مبتدعاً أشد خطرا وفساداً من حضور مائدة يدار عليها الخمر، لما يحصل بسبب المبتدع من فتنة في الدين، وحفظ الدين مقدم على حفظ البدن.
الوجه الرابع: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي)) حديث حسن . رواه الإمام أحمد في المسند(3/38)، والدارمي(2/140رقم2057)، وأبو داود(4/259رقم4832)، والترمذي(4/600رقم2395) وحسنه، وابن حبان في صحيحه(2/314-315، 320رقم554، 555، 560)، والحاكم في المستدرك(4/143) وصححه، والبيهقي في الشعب(7/42) وغيرهم.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) حديث حسن . رواه عبد بن حميد(رقم1431)، وأحمد(2/303)، وأبو داود(رقم4833)، والترمذي(رقم2378) وقال: حسن غريب، والحاكم في المستدرك(4/189) وغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمَهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى(15/327): "فالمصاحبة والمصاهرة والمؤاخاة لا تجوز إلا مع أهل طاعة الله تعالى على مراد الله، ويدل على ذلك الحديث الذي في السنن: ((لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي)) وفيها: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))" .
وقال الأصمعي -رحمَهُ اللهُ-: سمعت بعض فقهاء المدينة يقول: إذا تلاحمت بالقلوب النسبة تواصلت بالأبدان الصحبة. الإبانة(2/453)
أي: أن من كان سنياً فإنه يصاحب ببدنه أهل السنة، ومن كان مبتدعا منحرفاً فإنه يصاحب ببدنه أمثاله من المبتدعة.
الوجه الخامس: أن العلماء نصوا على المنع من إجابة دعوة المبتدع، وتعظيم جرم الأكل معهم .
قال الفضيل بن عياض -رحمَهُ اللهُ-: " آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد" انظر شرح السنة للبربهاري (ص/138-139)، واعتقاد أهل السنة لللآلكائي(4/633)، والإبانة لابن بطة (2/460).
قال ابن مفلح في الفروع(5/226) فيمن لا تجاب دعوته: "ومنع في "المنهاج" من ظالم وفاسق ومبتدع ومفاخر بها، أو فيها مبتدع يتكلم ببدعته إلا لراد عليه".
وقال المرداوي في الإنصاف(21/319-تحقيق التركي): "ومنع ابن الجوزي في "المنهاج" من إجابة ظالم، وفاسق، ومبتدع، ومفاخر بها، أو فيها مبتدع يتكلم ببدعته إلا لراد عليه".
وانظر: المبدع لابن مفلح(7/181)، وكشاف القناع للبهوتي(5/167) وحواشي الشرواني(7/428).
وقال شيخ الإسلام -رحمَهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى(28/221-222): "ولا يجوز لأحد أن يحضر مجالس المنكر باختياره لغير ضرورة، كما في الحديث أنه قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر)) . ورفع لعمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر فأمر بجلدهم، فقيل له: إن فيهم صائماً، فقال: ابدؤوا به أما سمعتم الله يقول: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}، بَيَّنَ عمرُ بن عبد العزيز -رضى الله عنه- أن الله جعل حاضر المنكر كفاعله، ولهذا قال العلماء: إذا دعي إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر لم يجز حضورها، وذلك أن الله تعالى قد أمرنا بإنكار المنكر بحسب الإمكان، فمن حضر باختياره ولم ينكره فقد عصى الله ورسوله بترك ما أمره به من بغض إنكاره، والنهي عنه، وإذا كان كذلك فهذا الذي يحضر مجالس الخمر باختياره ضرورة ولا ينكر المنكر كما أمره الله هو شريك الفساق في فسقهم فيلحق بهم".
وللمأربي نصيب كبير من كلام شيخ الإسلام -رحمَهُ اللهُ- .
فتبين بما سبق أن أهل البدع لا تجاب دعوتهم، وتجب منابذتهم والابتعاد عنهم.
وبعد كل ما ذكر إن تعجب فعجب من قول المأربي: "هل كان في الدعوة السلفية وهل كان شيخنا الألباني رحمة الله عليه، هل كان إذا أرسل طالباً من طلابه يدعوا إلى الله في مكان ينظر أين تغدى عند فلان أو تعشى عند فلان، فلان تغدى عند فلان وفلان هذا حزبي إذن أصبح حزبياً، تعشى عند فلان وفلان سلفي، يبيت حزبياً ويصبح سلفياًً، أو العكس، هل هذا منهج العلماء"!!
فكلامه هذا مصادم للكتاب والسنة وإجماع السلف كما سبق بيانه.
وهذا وقد حاول المأربي التلبيس على المسلمين، وأورد حديثاً حرَّف في لفظه ليعارض هذا الأصل، وليبرر زيارته البدعية لبعض رؤوس أهل البدع والضلال موهماً معارضة ما أورده لهذا الأصل العظيم ألا وهو هجر أهل البدع ومنابذتهم، والابتعاد عن مخالطتهم وزيارتهم .
وهو ما سأوضحه فيما يأتي -إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى- .

ثالثاً: قصة اليهودية والشاة المسمومة، وبيان تلبيس المأربيّ وجهله .
حاول المأربي معارضة ما ثبت بالكتاب والسنة وأجمع عليه السلف من عدم إجابة دعوة المبتدع أو زيارته أو مجالسته بحديث اليهودية التي أهدت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاة مسمومة، مستدلاً به على جواز زيارة أهل البدع وإجابة دعوتهم ولو كان الداعي أضل أهل الأرض!!
قال المأربي -عامله الله بعدله-: "هب أنك زرت أضل أهل الأرض ترى أن في زيارتك المصلحة له عسى أن يهده الله ويأخذ بيده إلى الهدى أو إن تقيم حجة فتبرأ ذمتك، فتكون زيارتك تهمة لك وطعناً فيك، ألم يجب النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوة امرأة يهودية وضعت له السم في ذراع الشاة من قال إن من زار فلان أو أكل عند فلان هذا ليس بسلفي، هذه أصول ظالمة جاهلة تنادي بملئ فيها على جهل أهلها وضلالهم، نعم هناك حالات يكون فيها التحذير لبعض الأشخاص الذين لا يعرفون المحق من المبطل ولا السني من المبتدع نقول له: احـذر فلاناً لا تأتي لفلان ولا تنـزل عنده خشية على هذا الشخص أن يمسه بمساسه وأن يفتنه بفتنته أما إن يكون هذا في العالم وفي طالب العلم المبرز وفي البصير وفي الذي يعرف هذا ويعرف ذاك هذه القاعدة ما عرفنا إلا من الحدادية الجهلة الذين هم شؤم على هذه الدعوة".
فالمأربي يستدل بقصة اليهودية على جواز زيارة رؤوس المبتدعة والضلال إذا كان فيها مصلحة شرعية –والواقع أنه يريد مصلحة شخصية- واستدلاله ساقط من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي حرَّف الحديث وجاء بحديث لا أصل له!!
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يدعه أحد من اليهود في خيبر لا امرأة ولا رجلاً!!
والوارد الثابت أن امرأة يهودية أهدت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاة مسمومة فأكل منها وجماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- .
روى البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه-: أن امرأة يهودية أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك . قال: ((ما كان الله ليسلطك على ذاك-قال: أو قال: عليَّ-)) قال: قالوا: ألا نقتلها؟ قال: ((لا)) قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وروى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاة فيها سم)).
وقد بوب عليه البخاري في صحيحه(5/272-مع فتح الباري): "باب قبول الهدية من المشركين. وقال أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هاجر إبراهيم -عليه السلام- بسارة فدخل قرية فيها ملك أو جبار فقال: أعطوها آجر))، وأهديت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاةٌ فيها سم . وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بغلة بيضاء، وكساه برداً، وكتب إليه ببحرهم".
فتبين أن دعوى مصطفى المأربي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب دعوة اليهودية لا أصل له وأن الصواب أن اليهودية أهدت للنبي -صلى الله عليه وسلم- شاة مسمومة.
الوجه الثاني: من باب التَنَزُّل: هب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب دعوة اليهودية –على فرض حصولها وهي لم تحصل أصلاً- فإنه يجمع بين هذا وبين الأصل السابق وهو عدم إجابة دعوة المبتدع أو زيارته أو مجالسته بأن يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يبين لعموم الناس حل طعام أهل الكتاب، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رهن درعه عند يهودي مع إمكانه أن يشتري من عند مسلم ويرهنه درعه.
أو يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- في حال حرب وقوة وغلبة وانتصار وأسباب حصول المودة منتفية في مثل هذا الحال فقبل الدعوة –ولم يصح قبوله الدعوة كما سبق-.
أو يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك ليطمئن اليهود بتمام الصلح وإن كان قد حصل بالكلام .
ونحو ذلك مما يجمع به بين ما نُسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من إجابة دعوة اليهودية -ولا أصل له كما سبق بيانه- وبين الأصل المحكم في هجر أهل البدع وعدم إجابة دعوتهم .
الوجه الثالث: فإن قيل: فإنَّ الإمام أحمد روى في المسند من حديث أنس -رضي الله عنه-: أنَّ يهودياً دعا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه.
فيقال: إن هذا الحديث بهذا اللفظ شاذ كما قال الشيخ الألباني -رحمَهُ اللهُ- في الإرواء (رقم/35) والصحيح ما رواه البخاري: عن أنس -رضي الله عنه- أنه مشى إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- بخبز شعير وإهالة سنخة .
واختلف في لفظه على قتادة عن أنس، فرواية: "أن يهودياً" شاذة ومع شذوذها لم أقف على تصريح قتادة بالتحديث فيها بخلاف الروايات الأخرى .
# ولو صح فيجاب عنه كما سبق في الجواب عما نسبه المأربي للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أجاب دعوة يهودية!!
الوجه الخامس: فإن قيل: إن قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهدية اليهودية، وما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- من قبوله هدايا بعض المشركين فيه دلالة على جواز إجابة دعوة المبتدع!!
فيقال: هذا مردود من جهتين:
الجهة الأولى: قد ورد النهي عن قبول هدايا المشركين ومن تلك الأحاديث:

وزبد المشركين: هداياهم.

رواه الإمام أحمد في المسند(3/402) والطبراني في الكبير(3/202)، والحاكم في المستدرك(3/484-485) وصححه، ووافقه الذهبي، قال الشيخ الألباني -رحمَهُ اللهُ-: وهو كما قالا . رَ: السلسلة الصحيحة(4/283) .

رواه البزار في مسنده(2/393رقم1933-كشف الأستار)، ورواه الطبراني في المعجم الكبير(19/70، 71، 81) بأسانيد بعضها ظاهره الصحة.
ورواه معمر في جامعه(10/446)، وعبد الرزاق في مصنفه(5/382)، والبزار في مسنده(2/393رقم1934-كشف الأستار)، والبيهقي في دلائل النبوة(3/343)، والرافعي في أخبار قزوين(2/363، 482) من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك-وعند بعضهم: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك- به مرسلاً
قال الشيخ الألباني -رحمَهُ اللهُ- في الصحيحة(4/306): "قال الحافظ عقبه: "قلت: الإسناد صحيح غريب، وابن المبارك أحفظ من عبد الرزاق، وحديث عبد الرزاق أولى بالصواب"
قلت: وكأن ذلك للطريق الأخرى المرسلة عند البيهقي، لكن الحديث صحيح على كل حال فإن له شواهد تشهد لصحته وقد مضى بعضها، فانظر الحديث(1707)" انتهى كلام الشيخ الألباني -رحمَهُ اللهُ- .
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة(3/599): "ورواه أكثر أصحاب الزهري فلم يقولوا فيه: عن أبيه، وهو المحفوظ، وكذا لم يقولوا: بتبوك . أخرجه الذهلي في الزهريات من طرق، وكذا أخرجه بن البرقي وابن شاهين".
فالصواب في هذا الحديث أنه مرسل، ولكن عدم قبول هدية المشركين صحيح لغيره .
فتعارضت الأدلة فوجب الجمع بينها .
وقد اختلف العلماء في الجمع بينها فمنهم من قال: بالنسخ فيهما، ومنهم من قال بالخصوصية .
وقال آخرون: ليس فيها ناسخ ولا منسوخ والمعنى فيها أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده ودخوله في الإسلام وبهذه الصفة كان حال سليمان عليه السلام فعن مثل هذا نهى أن تقبل هديته حملاً على الكف عنه وهذا أحسن تأويل للعلماء في هذا فإنه جمع بين الأحاديث . رَ: التمهيد(2/12)، وتفسير القرطبي(13/199).
وقال آخرون: كان مخيراً في قبول هديتهم وترك قبولها لأنه كان من خلقه -صلى الله عليه وسلم- أن يثيب على الهدية بأحسن منها، فلذلك لم يقبل هدية مشرك لئلا يثيبه بأفضل منها . التمهيد(2/12) .
وقال آخرون: إنما ترك ذلك تَنَزُّهاً، ونهى عن زبد المشركين لما في التهادي والزبد من التَّحاب وتليين القلوب، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية رَ: التمهيد(2/13)
قال الخطابي: "يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخاً، وقيل: إنما رد ذلك إليهم لقصد الإغاظة أو لئلا يميل إليهم، ولا يجوز الميل إلى المشركين .
وأما قبوله لهدية من تقدم ذكره فهي لكونهم قد صاروا من أهل الكتاب. وقيل: إن الرد في حق من يريد بهديته التودد والمولاة، والقبول في حق من يرجى لك تأنيسه وتأليفه، ويمكن أن يكون النهي لمجرد الكراهة التي لا تنافي الجواز جمعا بين الأدلة".
وقوله: "وقيل: إن الرد في حق من يريد بهديته التودد والمولاة، والقبول في حق من يرجى لك تأنيسه وتأليفه" هو الأظهر والصحيح -إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى- .
ومما يعضد القول الأخير أن الهدية تجلب المحبة والموالاة فجاء الشرع بقطع ذلك، أما في حالة من يرجى إسلامه وهدايته من المشركين فتقبل هديته تأليفاً لقلبه، وإن رجي إسلامه برد هديته ردت فهذا راجع إلى حال الذي يُهْدِي .
والله أعلم.
الجهة الثاني: أن هناك فرقاً ظاهراً، وبوناً شاسعاً بين قبول الهدية من المشرك، وبين زيارته وإجابة دعوته.
فإجابة الدعوة فيها تكريم للمشرك، ورفع من شأنه حيث يتعنَّى الذهاب، ويفرغ وقته لهذه الإجابة بخلاف الهدية التي لا يحصل فيها شيء من ذلك والله أعلم.
فليس في قبول الهدية معارضة للأصل الثابت من الكتاب والسنة والإجماع من هجر المبتدعة وترك مجالستهم ومخالطتهم والامتناع عن إجابة دعوتهم.
وليس في قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهدية اليهودية وغيرها مسوغ لزيارة رؤوس البدع والضلال، ولا إجابة ولائمهم كما يصبوا إليه المأربيّ ومن شاكله من أهل البدع والضلال.
الوجه السادس: قال القرطبي في تفسيره(7/142): "وقد حمل عمر بن عبد العزيز الحد على مجالس شربة الخمر وتلا: {إنكم إذا مثلهم} قيل له: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم، وأرد عليهم. قال: ينهى عن مجالستهم فإن لم ينته ألحق بهم".
وقد سبق نقل هذا الأثر وبيان كلام العلماء حوله .
فما ذكر عن حال هذا الصائم الذي يجالس من يشرب الخمر بحجة أنه ليرد عليهم ويباينهم لم يكن مانعاً من إقامة الحد عليه تعزيراً له وتأديباً حتى قال عمر بن عبد العزيز -رحمَهُ اللهُ-: ينهى عن مجالستهم فإن لم ينته ألحق بهم.
وهذا حال المأربي وأضرابه يجلسون على موائد أهل البدع والضلال، ويضاحكونهم، وينامون عندهم –كما كان يفعل المأربيّ مع رمضان التكفيري حيث كان يأتي إليه خلسة وينام عنده!- فإذا أنكر عليهم، وتكلم الناس فيهم أتوا بالأعذار الكاذبة زاعمين النصيحة وإقامة الحجة وإبراء الذمة!!
فتباً للكذبة الخونة الغشاشين، الذين يأتون إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لتغطية أفعالهم الشنيعة والمنكرة بالتحريف والتزوير أو بتَنْزِيلها على أحوال يعلم الله أنهم كاذبون في دعواهم، ملبسون في أقوالهم وأفعالهم .
وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: ((أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن)).والله المستعان.

رابعاً: عدم الأخذ بدليل لوجود معارض راجح ليس من رد الحجة في شيء.
إن الناظر في الكتاب والسنة وما عليه أهل الإجماع يجد أن كثيرا من الأدلة الشرعية فيها شيء من التعارض والإشكال على سامعها وهذا له أسباب منها: وقوع النسخ في بعض الأدلة أو الخصوصية أو حمل بعض الأدلة على حال وبعضها الآخر على حال،أو يكون الدليل عاماً والآخر يخصصه، أو مطلقاً والآخر يقيده، أو يكون منطوقاً والآخر مفهوم مخالفة، أو أن يكون المعارض ضعيفاً أو موضوعاً أو لا أصل له، أو أن يكون الخلاف متوهما لا أصل له.
وقد ألف جماعة من العلماء في مختلف الحديث ومشكله ككتاب: "اختلاف الحديث" للشافعي، و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة، و"تهذيب الآثار" لابن جرير الطبري، و"شرح مشكل الآثار" للطحاوي وغير ذلك من الكتب.
قال ابن جماعة في المنهل الروي(ص/60): "النوع الثامن والعشرون: مختلف الحديث، وهو أن يوجد حديثان متضادان في المعنى في الظاهر فيجمع أو يرجح أحدهما.
وهو فن مهم تضطر إليه جميع طوائف العلماء وإنما يكمل للقيام به الأئمة من أهل الحديث والفقه والأصول الغواصون على المعاني .
وقد صنف الشافعي فيه كتابه المعروف به ولم يقصد استيعابه بل ذكر جملة تنبه العارف على طريق ذلك، ثم صنف فيه ابن قتيبة، وأحسن في بعض .
ومن جمع الأوصاف المذكورة لم يشكل عليه شيء من ذلك قال ابن خزيمة: لا أعرف حديثين صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما .
والمختلف قسمان: أحدهما: يمكن الجمع بينهما فيتعين ويجب العمل بهما؛ كحديث: ((لا عدوى..)) وحديث: ((لا يورد ممرض على مصح)).
والثاني: لا يمكن الجمع بينهما؛فإن علمنا أحدهما ناسخاً قدمناه، وإلا عملنا بالراجح منهما .
ووجوه الترجيح خمسون جمعها الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ له".
وأوصلها الحافظ العراقي إلى مائة وجه وقسمها السيوطي تقسيما حسنا فانظر: تدريب الراوي(2/196-202) .
فمن رجح بين دليلين متعارضين لا يتهم برد حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا بالاعتراض على الشريعة إلا إن كان ظاهر كلامه أو كان الحامل لرده الهوى كما هو شأن أهل البدع والضلال.
وقال الحافظ ابن حجر في النخبة(ص/229): "ثم المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم وإن عورض بمثله فان أمكن الجمع بغير تعسف فهو مختلف الحديث وإن لم يمكن الجمع أو ثبت المتأخر عرف بالتاريخ فهو ناسخ والآخر المنسوخ وإلا فالترجيح ثم التوقف".
فمن رجح بين دليلين متعارضين لا يتهم برد حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا بالاعتراض على الشريعة إلا إن كان ظاهر كلامه أو كان الحامل لرده الهوى كما هو شأن أهل البدع والضلال.
بعد المقدمة السابقة أذكر كلام الشيخ الإمام ربيع المدخلي -حَفِظَهُ اللهُ- الذي زعم المأربي -عامله الله بعدله- وأذنابه أن فيه اعتراضا وردا للاحتجاج بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- .
## احتج المأربي على جواز زيارة أضل أهل الأرض –لحاجة شرعية على حد زعم المأربيّ- بما نسبه للنبي -صلى الله عليه وسلم- من إجابته دعوة اليهودية في خيبر وقد سبق نقل كلامه .
## فاعترض عليه الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- بقوله: "نعم أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوتها لأن الله أباح طعام أهل الكتاب، ثم انظر ماذا عملت اليهودية الخبيثة .
وقد يفعل أهل الضلال والبدع بأهل السنة ما هو شر من هذا، ألا وهو إفساد عقيدة ودين من يجالسهم ويخالطهم ألا تعلم أن رسول الله حذر منهم في غير ما حديث ألا تعلم أن أئمة السلف حذروا منهم وكان كثير منهم على رسوخهم في العلم لا يجالسونهم ولا يستمعون إلى كلامهم كالإمامين ابن سيرين وأيوب السختياني وغيرهما، ألا تعلم أن ضياع كثير من المسلمين والمنتسبين إلى المنهج السلفي سببه مخالطة وزيارات أهل الأهواء والباطل، وفي التاريخ أمثلة لتأثر بعض العلماء ببعض من خالطوهم وأظنك تعرف منهم عبدالرزاق الصنعاني وأبا ذر الهروي والبيهقي وابن عقيل وفي هذا العصر عندك في اليمن نماذج من الأذكياء ضاعوا بسبب مخالطتهم لأهل الفتن والسعيد من وعظ بغيره."
فماذا كان موقف المأربي وأذنابه وفهمهم لهذا الكلام؟!
قال ذاك المقلد وأقره المأربي: "ماذا يسمى هذا يا شيخنا الكريم؟ هل نسميه ردا للاحتجاج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح؟ أم نسميه استدراكا على إمام المرسلين وخيرة الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم؟ أم نسميه طعنا في فهمه صلى الله عليه وسلم ومعرفته بضرر أهل الضلال والزيغ وخطورة مجالستهم فهو لم يدرك ما أدركناه فكان السم جزاء لزيارته المخالفة للمنهج –وحاشاه-؟ ثلاثة أحلاها مر! وأفضلها حنظل!"
فالجواب على كلام هذا السمج ومقره مصطفى المأربي البليد من وجوه:
الوجه الأول: أن كلام الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- ليس فيه أدنى اعتراض على فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل نصَّ -حفظه الله- على محمل صحيح يحمل عليه إجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوة اليهودية –إن صح ولا يصح كما سبق بيانه- وهو قوله -حفظه الله-: "لأن الله أباح طعام أهل الكتاب".
ومعنى كلامه -حَفِظَهُ اللهُ-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يبين لعموم الناس حل طعام أهل الكتاب، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رهن درعه عند يهودي مع إمكانه أن يشتري من عند مسلم ويرهنه درعه.
وفي هذا إقرار من الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- وتقرير لإرادة الله الشرعية وهي تبين نبيه -صلى الله عليه وسلم- لأمته حل طعام أهل الكتاب.
ثم نظر الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- لإرادة الله الكونية التي أعقبت إجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعوة اليهودية –إن صح ولا يصح كما سبق وإنما أهدته شاة مسمومة- وهو غدرها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-، ومحاولة أذيتهم وإفنائهم والفتك بهم .
وما حصل بالإرادة الكونية قد نبه عليه بالأدلة الشرعية التي سبق ذكرها في بيان وجوب هجر أهل البدع وعدم مجالستهم ومخالطتهم .
ولكن لوجود غرض شرعي يتعلق بالتشريع قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- هدية المشركين، وأجاب دعوتها –إن صح ولا يصح-.
وهذا الغرض التشريعي لا يشارك فيه النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أحدٌ لا المأربيّ ولا أشباهه من أهل المنهج الواسع الأفيح ولا غيرهم.
ثم إن هناك أمور يحمل عليها قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهدية اليهودية تقطع الطريق على المأربي سبق بيانها.
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً -حَفِظَهُ اللهُ- نبه إلى أمر مهم جداً غفل عنه المأربيّ بل أعرض عنه وتولى وهو أن الضرر بأهل البدع أعظم وأشد من الضرر الذي حصل بسبب غدر اليهودية فهي أرادت فساد الأبدان، وأهل البدع يفسدون الأديان وضرب الشيخ ربيع -حَفِظَهُ اللهُ- أمثلة على ذلك من تاريخ المسلمين.
ومن المعلوم أن أهل البدع أشد خطراً من اليهود والنصارى لإظهارهم البدعة والخرافة بمظهر الإسلام الحق .
فلا يصح قياس المأربي إجابة دعوة اليهودية-إن صح ولا يصح- على جواز إجابة دعوة رؤوس البدع والضلال .
فهو قياس فاسد الاعتبار.
الوجه الثالث: في جواب القطبي المدعو "يزن" الذي استعمله المأربيّ في هجومه على أهل السنة تصحيح لحادثة لا أصل لها!!
فقد قال ذاك القطبي–وأقره مصطفى المأربيّ-: "هل نسميه ردا للاحتجاج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح؟"!!
ومثله قول المكي الضال صاحب "فتح البر بإبطال الكر": "وهو رد الحديث الصحيح"!!
وهو لا أصل له كما سبق بيانه .
الوجه الرابع: في كلام القطبي المدعو "يزن" إشارة إلى تكفير الشيخ ربيع -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ-، وكذلك في كلام المكي الضال.
وهذا ليس غريباً على "يزن" القطبي ، ولا على مقره وصاحبه ومستعمله المأربيّ.
وهذه الإشارة في قوله –أخزاه الله-: "هل نسميه ردا للاحتجاج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح؟ أم نسميه استدراكا على إمام المرسلين وخيرة الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم؟ أم نسميه طعنا في فهمه صلى الله عليه وسلم ومعرفته بضرر أهل الضلال والزيغ وخطورة مجالستهم فهو لم يدرك ما أدركناه فكان السم جزاء لزيارته المخالفة للمنهج _ وحاشاه _؟".
وخاصة عبارته الثالثة التي يعرض فيها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه خالف المنهج!! أخزى الله ذلك القطبي ومقرره الغوي الضال المأربي.
وبهذا أكون انتهيت من دحض أباطيل المأربي وبيان كذبه وافترائه على الشيخ ربيع -حفظَهُ اللهُ ورعاهُ- فيما يتعلق بالله جل جلاله، وفيما يتعلق بالأنبياء، وفيما يتعلق بالملائكة المكرمين.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي