المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابن حزم يرد على شبهات اليهودي ابن النغريلة


صُبح الأندلس
2011-12-05, 18:34
قرب ملـوك الطوائف اليهود منهم و استوزروهم ، و كان يوسف ابن
إسماعيل بن النغريلة ممن استوزرهم باديس الغرناطي و أكرمهم و أنزلـهم منزلة عاليـة ، إلا أنه لم يتوان في إظهار كرهه للإسلام حيث ألف كتابا يسخر فيه من المسلمين ، و يتطاول على كتاب الله زاعما أن ثمة تناقضا و من جملة ما اعترض عليه اليهودي قوله تعالى" و إن تُصِبْهم حَسَنَــةٌ يقولــوا هَذه منْ عِندِ الله و إنْ تُصبْهم سَيّئة يقــولوا هَذه منْ عِندكَ "، فأنكر في هذه الآية تقسيم القائلين بأن ما أصابهم من حسنة فمن الله ، و ما أصابهم سيئة فمن عند محمد(عليه الصلاة و السلام) و أخبر أن كل ذلك من عند الله ... و يواصل ابن النغريلة قائلا : و في آخر هذه الآية " ما أصَابكَ مِن حَسَنة فمِنَ الله و ما أصَابكَ منْ سَيّئة
فمِن نفسِك ".. فعاد مصوبا لقولهم و مضادا لما قدم في أول الآية ".
فكان رد ابن حزم أن الآية المذكورة مكتفية بظاهرها عن تكلف تأويل .. و لكـــن جهله أعمى بصيرته .. و بيان ذلك أن الكفار كانوا يقولون : إن الحسنات الواصلة إليهم هي من عند الله عز و جل ، و إن السيئات المصيبة لـهم في دنياهم هي من عند محمد (عليه الصلاة و السلام) ، فأكذبهم الله تعالى في ذلك بأن الحسنات السـارة هي من عند الله تعالى بفضلـه على الناس ، و أن كل سيئة يصيب الله تعالى بها إنسانا في دنياه ، فمن قبل نفس المصاب بها بما يجـني على نفسه من تقصيره فيما يلزمه من أداء حق الله تعالى " .و المسألة الثانية التي اعترض عليها اليهودي هي قوله تعالى :" أم السّماءُ بنَاها
رفعَ سَمْكها فسَوّاها و أغطش ليْلها و أخرَج ضُحَاها و الأرضَ بعْد ذلك دحَاها أخرَجَ مِنْها ماءَها و مَرْعاها و الجبَال أرسَاها " ، فذكر في هذه الآيـة أن دحو الأرض و إخـراج الماء و المـرعى منها كان بعد رفع سمك السماء و بعـد بنائها و تسويتها .. ثم قال في آية أخرى " هُـــــــو الذي خَلق لكـُم ما في الأرضِ جَمِيعا ثم اسْتوى إلى السّماء فسَواهُن سَبْع سَمَاواتٍ و هُو بكلّ شيء علَيم".. فذكر في هذه الآية ضد ما في الأولى ، و ذلك أن هذه التسوية للسمــاء
كانت بعد خلق ما في الأرض " .
و رد ابن حزم فقال : أخبر الله تعالى أن تسوية السماء جملة و اختراعــها كان قبل دحـو الأرض ، و أن دحـوه الأرض كان قبل أن تقسم السماوات على طرائق الكواكب السبع، فلاح أن الآيتين متفقتان يصدق بعضهما بعضا ".
و المسألة الأخرى التي اعترض عليها ابن النغريلة ، قوله تعالى " قــلْ أئنّكُم لتكفُرون َبالذي خَلق الأرضَ في يَوميْــن " إلى منتهى قوله في الآية نفسها : " و قدّر فِيها أقوَاتَها في أربَعَة أياّمٍ سَواء للسّائلِين " ، فذكر في هـذه الآية خلق الأرض في يومين، و قدر فيها أقواتها في أربعة أيام فهذه ستـة أيام ، ثم ذكر قوله تعالى " فقضاهُنّ سَبْع سَماواتٍ في يَومَين " ، ثم ذكر قوله تعالى " و لقدْ خَلقْنا السّمَاوات و الأرض و ما بيْنَهُما في سِتّة أيّامٍ " .
- رد ابن حزم : هذه الآيات تكتفي بظاهرها عن تكلف تأويل لــها .. فسّر لنا تعالى تلك الأيام الستة فمنها يومان خلق فيهما الأرض و منها أربعـــة أيـام قــدر في الأرض أقواتها ، و أنه تعالى قضى السماوات سبعا في يومين و قد صح بما تلونا قبل ، أن تسويتـه تعالى السماوات سبعا ، كان بعد خلقه لما في الأرض جميعا " ، و يتعجب ابن حزم من اعتراض اليهودي على هـذه الآيات المحكمـات ، و في كتابهم المزوّر يقولون " إن الله تعالى خلق الخلق في ستة أيام و استراح في اليوم السابع ، و هل تكون الراحة إلا لتعب و نصب قد خارت قواه و ضعفت طبيعته ؟ " .و يعترض ابن النغريلة على مسألة أخرى ، وهي وصف الله تعالى العسـل بأن فيـــــــــه شفاء للناس ، فقال و كيف هذا و هو يؤذي المحمومين و أصحاب الصفراء المحترقة ؟
- رد ابن حزم : إن الله تعالى لم يقــل العسل شفــاء لكل علة ، و إنما قال تعالى فيـه شفاء للناس و هذا لا ينكره إلا رقيع سليب العقل .. [و] قد وجدنا في اختلاطهم الذي يسمونه (التوراة) عن الله تعالى .. أنه إذا بلغ الغاية في مــــــدح أرض القدس التي وعدهم بها قال : ألا إنها أرض تنبع عسلا و لبنا ، ووعدهم فيها بأكل عسل الصخور ، أفترى إذ ليس في العسل شفاء أصلا إنما وعدهم تعالى بمـا فيه الداء و البلاء لا بما فيه الشفاء؟ " .
و قـد بلغ مجموع ما رد عليه ابن حزم ثمان مسائــل ، و بعد أن فرغ منها جميعا انتقل إلى عرض الأباطيـل التي تضمنتها التوراة المحرفــة و مما يجدر ذكره ، أن ابن حزم " لم يظفر برسالة ابن النغريلــة ، و إنما ظفر برد عليـها و هذا ربما دل على أن الزمن بين كتابة تلك الرسالة و صـدور رسالة ابن حزم قد تطاول " ، و لا يعني هـذا أنه لم تكن هناك مناظرات بين الطرفين، و من ذلك مثلا تساؤل ابن حزم عن قـول إبراهيم عليه السلام إن سارة أخته ، فقال ابن النغريلة : إن لفظــة أخت في التوراة بمعنى القريبة فقال ابن حزم : يمنع من صرفنا هذه اللفظة إلى القريبة قولـه : لكن ليست من أمي و إنما هي بنت أبي فوجـب أنـه أراد الأخــــت بنت الأم ، فغلط ابن
النغريلة و لم يأت بشيء .
فابن حزم أخـذ بظاهر كلام إبراهيم عليه السلام في أن الأخت بنت الأم ، و في صحيح البخاري "قال النبي – عليه الصلاة والسلام – قال إبراهيم لسارة هذه أختي و ذلك في ذات الله عـز و جل " ، فالأخـت هـنا تؤخذ بالمعاريض لا بالظاهــر فكلنا أبناء آدم و الله تعالى خاطب الناس ببني آدم ، و هذا ما أراده إبراهيم عليه السلام . فابن حزم ، كما سبق ، اعتمد في رده على ابن النغريلة على الأخذ بالظاهـر، و ذاك مذهبه الذي لم يحد عنه في مناظراته كلها .
و كتاب ابن النغريلة ذاك جنى عليـه ، فلم تكن الردود كافية لإطفاء غضب المسلميـن بعد أن تجرأ هذا اليهودي على دينهم ، و كانت قصيــدة أبـي إسحاق الإلبيري التي أججت النفوس للانتقام منه ، كفيلة بإسكات هذا الصـوت النشاز ، و مما جاء فيها قوله :
و يضحَكُ منّا و منْ دينــِــــنا ** فإنّا إلى ربّنا راجعـُـــون
" و يبــــدو أن صوت رسالة الإلبيري قــد ظل قويــا في الصدور ، و لم يخفـــت صداه لدى مسلـــمي الأندلس فيمـــا تلا ذلك من حقـب ، لأن اليهـــود كانــوا يشكلــون دائما مصدر توجس و إزعاج طيلة فترة الحكم العـــربي الإسلامي بالأندلس " ، و لم تفتر لهم همة إلا بعد أن لفظت الأندلس آخر أنفاسـها .
- قبسات من أطروحتي

الباديسي
2011-12-08, 09:56
بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــارك الله فيك