تقوى الله 07
2010-11-23, 11:39
رفع الهمم إلى القمم
عائض بن عبد الله القرني
أنا إن عشت لست أعدم خبزاً.......وإذا مت لست أعدم قبـــراً
همتّي همة الملـــــوك ونفسي.......نفس حر ترى المذلة طفراً
السلام على أهل الهمّة..
فهم صفوة الأمم..
وأهل المجد والكرم..
طالت بهم أرواحهم إلى مراقي الصعود.. مطالع السعود.. ومراتب الخلود..
ومن أراد المعالي هان عليه كل هم.. لأنه لولا المشقّة ساد الناس كلهم..
ونصوص الوحي تناديك.. سارع ولا تلبث بناديك.. وسابق ولا تمكث بواديك..
أمية بن خلف لما جلس مع الخلف أدركه التلف..
ولما سمع بلال بن رباح حي على الفلاح.. أصبح من أهل الصلاح..
أطلب الأعلى دائماً وما عليك..
فإن موسى لما اختصه الله بالكلام قال:{ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ }
المجد لايأتي هبة.. لكنه يحصل بالمناهبة..
فلما حمل الهدهد الرسالة، ذكر في سورة النمل بالبسالة..
نجحت النملة بالمثابرة، وطول المصابرة..
تريد المجد ولا تجدّ؟؟
تخطب المعالي وتناوم الليالي؟؟
ترجوا الجنّة وتفرّط في السنّة؟؟
قام رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه..
وربط الحجر على بطنه من الجوع.. وهو العبد الأوّاه..
وأدميت عقباه بالحجارة.. وخاض بنفسه كل غارة..
يدعى أبو بكر من الأبواب الثمانية، لأن قلبه معلق بربه كل ثانية..
صرف للدين أقواله، وأصلح بالهدى أفعاله، وأقام بالحق أحواله، وأنفق في سبيل الله أمواله.. وهاجر وترك عياله..
لبس عمر المرقّع، وتأوّه من ذكر الموت وتوجّع، وأخذ الحيطة لدينه وتوقّع ..
عدل وصدق وتهجّد، وسأل الله أن يستشهد، فرزقه الله الشهادة في المسجد..
عليك الجد إن الأمر جَـدّ.......وليس كما ظننت ولا وهمتَ
وبادر فالليالي مسرعات.......وأنت بمقلة الحدثـــان نمتَ
اخرج من سرداب الأماني، يا أسير الأغاني..
وانفض غبار الكسل واهجر من عذل، فكل من سار على الدرب وصل..
نسيت الآيات وأخّرت الصلوات، وأذهبت عمرك السهرات، وتريد الجنات؟؟
ويلك!! والله ما شبع النمل حتى جد في الطلب..
وما ساد الأسد حتى وثب..
وما أصاب السهم حتى خرج من القوس..
وما قطع السيف حتى صار أحدَّ من الموس..
الحمامة تبيني عشّها..
والحمرة تنقل عشّها..
والعنكبوت تهندس بيتها..
والضب يحفر مغارة..
والجرادة تبني عمارة..
وأنت لك مدة..
ورأسك على المخدة..
في الحديث..« إحرص على ما ينفعك » .. لأن ما ينفعك يرفعك..
« المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف »
بالقوة يبنى القصر المنيف, وينال المجد الشريف..
همة تنطح الثريا وعزم.......نبوي يزعزع الأجبال
صاحب الهمة مايهمه الحرّ.. ولايخيفه القرّ.. ولا يزعجه الضرّ.. ولايقلقله المرّ.. لأنه تدرع بالصبر...
صاحب الهمة يسبق الأمّة إلى القمّة..
{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ.أُوْلَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }
لأنهم على الصالحات مدبون في البر مجرّبون..
عمي بعض المحدثين من كثرة الرواية، فما كلّ ولاملّ حتى بلغ النهاية..
مشى أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء.. وأنت تفتر في حفظ دعاء..
سافر أحدهم إلى مصر، وغدوه شهر ورواحه شهر.. في طلب حديث واحد.. ليدرك به المجد الخالد..
ولولا المحنة، مادعي أحمد إمام االسنة.. ووصل بالجلد إلى المجد..
ووضع ابن تيمية في الزنزانة.. فبرز بالعلم زمانه..
واعلم أن الماء الراكد فاسد.. لأنه لم يسافر ولم يجاهد..
ولما جرى الماء.. صار مطلب الأحياء..
بقيت على سطح البحر الجيفة.. لأنها خفيفة..
وسافر الدرّ إلى قاع البحر.. فوضع من التكريم على النحر..
فكن رجلاً رجله في الثرى.......وهامة همته في الثريا
ياكثير الرقاد.. أما لنومك نفاد؟؟
سوف تدفع الثمن يامن غلبه الوسن..
تظن الحياة جلسة.. وكبسة.. ولبسة.. وخلسة؟؟
بل الحياة شريعة ودمعة. وركعة. ومحاربة بدعة..
الله أمرتا بالعمل.. لينظر عملنا.. وقال { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }
فالحياة عقيدة وجهاد.. وصبلا وجلاد.. ونضال وكفاح.. وبر وفلاح..
لامكان في الحياة لأكول كسول..
ولامقعد في حافلة الدنيا للمخذول..
ابدأ في طلب الأجر من الفجر.. بقراءة وذكر.. ودعاء وشكر.. لأنها انطلاق الطير من وكورها..
ولا تنسى: « بارك الله لأمتي في بكورها »
العلم في حركة.. كأنه شركة.. وقلبك خربة كأنه خشبة..
والطير يغرد.. والقمري ينشد.. والماء يتمتم.. والهواء يهمهم..
والأسود تصول.. والبهائم تجول.. وأنت جثة على الفراش؟؟
لافي أمر عبادة.. ولا معاش؟؟
نائم هائم.. طروب لعوب كسول أكول..
ولاتقل الصبا فيه اتساع.......وفكر كم صبي قد دفنتـــا
تفرّ من الهجير وتتقيـــه.......فهلا من جهنم قد فـررتا
أنت تفتر والملائكة لايفترون.. وتسأم العمل والمقربون لايسأمون..
بم تدخل الجنة؟؟
هل طعنت في ذات الله بالألسنة؟؟
هل أوذيت في نصر السنة؟؟
فانفض عنك غبار الخمول.. ياكسول..
فبلال العزيمة.. أذّن في أذنك فهل تسمع؟؟
وداع الخير دعاك فلماذا لاتسرع؟؟
{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }
ولابد للهمم الملتهبة أن تنال مطلوبها..
ولابد للعزائم المتوثبة أن تدرك مرغوبها..
سنة لاتبدل.. وقضية لاتحوّل..
سوف تأتيك المعالي إن أتيت.......لاتقل سوف عسى، أين وليت
قل للمتخلفين اقعدوا مع الخالفين.. لأن المنازل العالية والأماني الغالية تحتاج إلى همم موارّة.. وفتكات جبارة.. لينال المجد بجدارة..
وقل للكسول النائم.. والثقيل الهائم..
امسح النوم من عينيك.. واطرد الكرى من جفنيك.. فلن تنال من ماء العزة قطرة.. ولن ترى من نور العلى خطرة.. حتى تثب مع من وثب.. وتفعل مايجب.. وتأتي بالسبب..
ألا فليهنأ أرباب الهمم.. بوصول القمم..
وليخسأ العاكغون على غفلاتهم في الحضيض.. فلن يشفع لهم عند ملوك الفضل نومهم العريض..
وقل لهؤلاء الراقدين:
{ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ }
فهبوا إلى درجات الكمال.. نساءً ورجالاً..
ودرّبوا على الفضيلة أطفالاً..
{ انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً }
ثمنك إيمانك وخلقك
عائض بن عبد الله القرني
مر هذا الرجل الفقير المعدم، وعليه أسمال بالية وثياب رثة، جائع البطن، حافي القدم، مغمور النسب، لا جاه ولا مال ولا عشيرة، ليس له بيت يأوي إليه، ولا أثاث ولا متاع، يشرب من الحياض العامة بكفيه مع الواردين، وينام في المسجد، مخدته ذراعه، وفراشه البطحاء، لكنه صاحب ذكر لربه وتلاوة لكتاب مولاه، لا يغيب عن الصف الأول في الصلاة والقتال، مر ذات يوم برسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه باسمه وصاح به: «يا جليبيب ألا تتزوج؟».
قال: "يا رسول الله، ومن يزوجني؟ ولا مال ولا جاه؟".
ثم مر به أخرى، فقال له مثل قوله الأول، وأجاب بنفس الجواب، ومر ثالثة، فأعاد عليه السؤال وأعاد هو الجواب، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا جليبيب، انطلق إلى بيت فلان الأنصاري وقل له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويطلب منك أن تزوجني بنتك».
وهذا الأنصاري من بيت شريف وأسرة موقرة، فانطلق جليبيب إلى هذا الأنصاري وطرق عليه الباب وأخبره بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري: "على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وكيف أزوجك بنتي يا جليبيب ولا مال ولا جاه؟".
وتسمع زوجته الخبر فتعجب وتتساءل: "جليبيب، لا مال ولا جاه؟!".
فتسمع البنت المؤمنة كلام جليبيب ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فتقول لأبويها: "أتردان طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والذي نفسي بيده".
وحصل الزواج المبارك والذرية المباركة والبيت العامر، المؤسس على تقوى من الله ورضوان، ونادى منادي الجهاد، وحضر جليبيب المعركة، وقتل بيده سبعة من الكفار، ثم قتل في سبيل الله، وتوسد الثرى راضياً عن ربه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن مبدئه الذي مات من أجله، ويتفقد الرسول صلى الله عليه وسلم القتلى، فيخبره الناس بأسمائهم وينسون جليبيباً في غمرة الحديث، لأنه ليس لامعاً ولا مشهوراً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر جليبيباً ولا ينساه، ويحفظ اسمه في الزحام ولا يغفله، ويقول: «لكنني أفقد جليبيباً».
ويجده وقد تدثر بالتراب، فينفض التراب عن وجهه ويقول له: «قتلت سبعة ثم قتلت؟، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك».
ويكفي هذا الوسام النبوي جليبيباً عطاءً ومكافأةً وجائزةً...
إن ثمن جليبيب إيمانه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ورسالته التي مات من أجلها...
إن فقره وعدمه وضآلة أسرته لم تؤخره عن هذا الشرف العظيم والمكسب الضخم، لقد حاز الشهادة والرضا والقبول والسعادة في الدنيا والآخرة: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة آل عمران: 170].
إن قيمتك في معانيك الجليلة وصفاتك النبيلة.
إن سعادتك في معرفتك للأشياء واهتماماتك وسموك.
إن الفقر والعوز والخمول، ما كان -يوماً من الأيام- عائقاً في طريق التفوق والوصول والاستعلاء.
هنيئاً لمن عرف ثمنه فعلاً بنفسه، وهنيئاً لمن أسعد نفسه بتوجيهه وجهاده ونبله، وهنيئاً لمن أحسن مرتين، وسعد في الحياتين، وأفلح في الكرتين، الدنيا والآخرة.
من كتاب لا تحزن للشيخ عائض القرني
عائض بن عبد الله القرني
أنا إن عشت لست أعدم خبزاً.......وإذا مت لست أعدم قبـــراً
همتّي همة الملـــــوك ونفسي.......نفس حر ترى المذلة طفراً
السلام على أهل الهمّة..
فهم صفوة الأمم..
وأهل المجد والكرم..
طالت بهم أرواحهم إلى مراقي الصعود.. مطالع السعود.. ومراتب الخلود..
ومن أراد المعالي هان عليه كل هم.. لأنه لولا المشقّة ساد الناس كلهم..
ونصوص الوحي تناديك.. سارع ولا تلبث بناديك.. وسابق ولا تمكث بواديك..
أمية بن خلف لما جلس مع الخلف أدركه التلف..
ولما سمع بلال بن رباح حي على الفلاح.. أصبح من أهل الصلاح..
أطلب الأعلى دائماً وما عليك..
فإن موسى لما اختصه الله بالكلام قال:{ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ }
المجد لايأتي هبة.. لكنه يحصل بالمناهبة..
فلما حمل الهدهد الرسالة، ذكر في سورة النمل بالبسالة..
نجحت النملة بالمثابرة، وطول المصابرة..
تريد المجد ولا تجدّ؟؟
تخطب المعالي وتناوم الليالي؟؟
ترجوا الجنّة وتفرّط في السنّة؟؟
قام رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه..
وربط الحجر على بطنه من الجوع.. وهو العبد الأوّاه..
وأدميت عقباه بالحجارة.. وخاض بنفسه كل غارة..
يدعى أبو بكر من الأبواب الثمانية، لأن قلبه معلق بربه كل ثانية..
صرف للدين أقواله، وأصلح بالهدى أفعاله، وأقام بالحق أحواله، وأنفق في سبيل الله أمواله.. وهاجر وترك عياله..
لبس عمر المرقّع، وتأوّه من ذكر الموت وتوجّع، وأخذ الحيطة لدينه وتوقّع ..
عدل وصدق وتهجّد، وسأل الله أن يستشهد، فرزقه الله الشهادة في المسجد..
عليك الجد إن الأمر جَـدّ.......وليس كما ظننت ولا وهمتَ
وبادر فالليالي مسرعات.......وأنت بمقلة الحدثـــان نمتَ
اخرج من سرداب الأماني، يا أسير الأغاني..
وانفض غبار الكسل واهجر من عذل، فكل من سار على الدرب وصل..
نسيت الآيات وأخّرت الصلوات، وأذهبت عمرك السهرات، وتريد الجنات؟؟
ويلك!! والله ما شبع النمل حتى جد في الطلب..
وما ساد الأسد حتى وثب..
وما أصاب السهم حتى خرج من القوس..
وما قطع السيف حتى صار أحدَّ من الموس..
الحمامة تبيني عشّها..
والحمرة تنقل عشّها..
والعنكبوت تهندس بيتها..
والضب يحفر مغارة..
والجرادة تبني عمارة..
وأنت لك مدة..
ورأسك على المخدة..
في الحديث..« إحرص على ما ينفعك » .. لأن ما ينفعك يرفعك..
« المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف »
بالقوة يبنى القصر المنيف, وينال المجد الشريف..
همة تنطح الثريا وعزم.......نبوي يزعزع الأجبال
صاحب الهمة مايهمه الحرّ.. ولايخيفه القرّ.. ولا يزعجه الضرّ.. ولايقلقله المرّ.. لأنه تدرع بالصبر...
صاحب الهمة يسبق الأمّة إلى القمّة..
{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ.أُوْلَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }
لأنهم على الصالحات مدبون في البر مجرّبون..
عمي بعض المحدثين من كثرة الرواية، فما كلّ ولاملّ حتى بلغ النهاية..
مشى أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء.. وأنت تفتر في حفظ دعاء..
سافر أحدهم إلى مصر، وغدوه شهر ورواحه شهر.. في طلب حديث واحد.. ليدرك به المجد الخالد..
ولولا المحنة، مادعي أحمد إمام االسنة.. ووصل بالجلد إلى المجد..
ووضع ابن تيمية في الزنزانة.. فبرز بالعلم زمانه..
واعلم أن الماء الراكد فاسد.. لأنه لم يسافر ولم يجاهد..
ولما جرى الماء.. صار مطلب الأحياء..
بقيت على سطح البحر الجيفة.. لأنها خفيفة..
وسافر الدرّ إلى قاع البحر.. فوضع من التكريم على النحر..
فكن رجلاً رجله في الثرى.......وهامة همته في الثريا
ياكثير الرقاد.. أما لنومك نفاد؟؟
سوف تدفع الثمن يامن غلبه الوسن..
تظن الحياة جلسة.. وكبسة.. ولبسة.. وخلسة؟؟
بل الحياة شريعة ودمعة. وركعة. ومحاربة بدعة..
الله أمرتا بالعمل.. لينظر عملنا.. وقال { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }
فالحياة عقيدة وجهاد.. وصبلا وجلاد.. ونضال وكفاح.. وبر وفلاح..
لامكان في الحياة لأكول كسول..
ولامقعد في حافلة الدنيا للمخذول..
ابدأ في طلب الأجر من الفجر.. بقراءة وذكر.. ودعاء وشكر.. لأنها انطلاق الطير من وكورها..
ولا تنسى: « بارك الله لأمتي في بكورها »
العلم في حركة.. كأنه شركة.. وقلبك خربة كأنه خشبة..
والطير يغرد.. والقمري ينشد.. والماء يتمتم.. والهواء يهمهم..
والأسود تصول.. والبهائم تجول.. وأنت جثة على الفراش؟؟
لافي أمر عبادة.. ولا معاش؟؟
نائم هائم.. طروب لعوب كسول أكول..
ولاتقل الصبا فيه اتساع.......وفكر كم صبي قد دفنتـــا
تفرّ من الهجير وتتقيـــه.......فهلا من جهنم قد فـررتا
أنت تفتر والملائكة لايفترون.. وتسأم العمل والمقربون لايسأمون..
بم تدخل الجنة؟؟
هل طعنت في ذات الله بالألسنة؟؟
هل أوذيت في نصر السنة؟؟
فانفض عنك غبار الخمول.. ياكسول..
فبلال العزيمة.. أذّن في أذنك فهل تسمع؟؟
وداع الخير دعاك فلماذا لاتسرع؟؟
{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }
ولابد للهمم الملتهبة أن تنال مطلوبها..
ولابد للعزائم المتوثبة أن تدرك مرغوبها..
سنة لاتبدل.. وقضية لاتحوّل..
سوف تأتيك المعالي إن أتيت.......لاتقل سوف عسى، أين وليت
قل للمتخلفين اقعدوا مع الخالفين.. لأن المنازل العالية والأماني الغالية تحتاج إلى همم موارّة.. وفتكات جبارة.. لينال المجد بجدارة..
وقل للكسول النائم.. والثقيل الهائم..
امسح النوم من عينيك.. واطرد الكرى من جفنيك.. فلن تنال من ماء العزة قطرة.. ولن ترى من نور العلى خطرة.. حتى تثب مع من وثب.. وتفعل مايجب.. وتأتي بالسبب..
ألا فليهنأ أرباب الهمم.. بوصول القمم..
وليخسأ العاكغون على غفلاتهم في الحضيض.. فلن يشفع لهم عند ملوك الفضل نومهم العريض..
وقل لهؤلاء الراقدين:
{ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ }
فهبوا إلى درجات الكمال.. نساءً ورجالاً..
ودرّبوا على الفضيلة أطفالاً..
{ انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً }
ثمنك إيمانك وخلقك
عائض بن عبد الله القرني
مر هذا الرجل الفقير المعدم، وعليه أسمال بالية وثياب رثة، جائع البطن، حافي القدم، مغمور النسب، لا جاه ولا مال ولا عشيرة، ليس له بيت يأوي إليه، ولا أثاث ولا متاع، يشرب من الحياض العامة بكفيه مع الواردين، وينام في المسجد، مخدته ذراعه، وفراشه البطحاء، لكنه صاحب ذكر لربه وتلاوة لكتاب مولاه، لا يغيب عن الصف الأول في الصلاة والقتال، مر ذات يوم برسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه باسمه وصاح به: «يا جليبيب ألا تتزوج؟».
قال: "يا رسول الله، ومن يزوجني؟ ولا مال ولا جاه؟".
ثم مر به أخرى، فقال له مثل قوله الأول، وأجاب بنفس الجواب، ومر ثالثة، فأعاد عليه السؤال وأعاد هو الجواب، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا جليبيب، انطلق إلى بيت فلان الأنصاري وقل له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويطلب منك أن تزوجني بنتك».
وهذا الأنصاري من بيت شريف وأسرة موقرة، فانطلق جليبيب إلى هذا الأنصاري وطرق عليه الباب وأخبره بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري: "على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وكيف أزوجك بنتي يا جليبيب ولا مال ولا جاه؟".
وتسمع زوجته الخبر فتعجب وتتساءل: "جليبيب، لا مال ولا جاه؟!".
فتسمع البنت المؤمنة كلام جليبيب ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فتقول لأبويها: "أتردان طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والذي نفسي بيده".
وحصل الزواج المبارك والذرية المباركة والبيت العامر، المؤسس على تقوى من الله ورضوان، ونادى منادي الجهاد، وحضر جليبيب المعركة، وقتل بيده سبعة من الكفار، ثم قتل في سبيل الله، وتوسد الثرى راضياً عن ربه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن مبدئه الذي مات من أجله، ويتفقد الرسول صلى الله عليه وسلم القتلى، فيخبره الناس بأسمائهم وينسون جليبيباً في غمرة الحديث، لأنه ليس لامعاً ولا مشهوراً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر جليبيباً ولا ينساه، ويحفظ اسمه في الزحام ولا يغفله، ويقول: «لكنني أفقد جليبيباً».
ويجده وقد تدثر بالتراب، فينفض التراب عن وجهه ويقول له: «قتلت سبعة ثم قتلت؟، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك».
ويكفي هذا الوسام النبوي جليبيباً عطاءً ومكافأةً وجائزةً...
إن ثمن جليبيب إيمانه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ورسالته التي مات من أجلها...
إن فقره وعدمه وضآلة أسرته لم تؤخره عن هذا الشرف العظيم والمكسب الضخم، لقد حاز الشهادة والرضا والقبول والسعادة في الدنيا والآخرة: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة آل عمران: 170].
إن قيمتك في معانيك الجليلة وصفاتك النبيلة.
إن سعادتك في معرفتك للأشياء واهتماماتك وسموك.
إن الفقر والعوز والخمول، ما كان -يوماً من الأيام- عائقاً في طريق التفوق والوصول والاستعلاء.
هنيئاً لمن عرف ثمنه فعلاً بنفسه، وهنيئاً لمن أسعد نفسه بتوجيهه وجهاده ونبله، وهنيئاً لمن أحسن مرتين، وسعد في الحياتين، وأفلح في الكرتين، الدنيا والآخرة.
من كتاب لا تحزن للشيخ عائض القرني