مشاهدة النسخة كاملة : التدوين الرسمي للحديث الشريف
ابو مريم الجزائري
2008-03-09, 17:46
التدوين الرسمي للحديث الشريف :
أول من خطرت له فكرةُ تدوينِ السنةِ الشريفة سيدنا عمرَ بنِ الخطابِ - رضي الله عنه - فقد روي البيهقي في المدخل عن عروة بن الزبير ،( وقد أخرجه الخطيب في تقييد العلم ص49، وابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1: 64). : " أن عمرَ بنَ الخطابِ أراد أن يكتب السنة ؛ فاستشار في ذلك أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأِشاروا عليه بأن يكتبها ، فطفِقَ عمرُ يستخيرُ اللهَ فيها شهراً ؛ ثم أصبح يوماً وقد عزم على أن لا يكتبَها ،وقال لهم : إني كنتُ أردت أن أكتبَ السنن ، وإني ذكرتُ أقواماً قبلَكم كتبوا كتباً فأكَبُّوا عليها وتركوا كتابَ الله ، وإني والله لا ألبِسُ كتابَ اللهِ بشيءٍ أبداً ''. و هذا ما أكده العلماء في تفسيرهم و شرحهم للأحاديث التي سقتها في المشاركة الأولى بعنوان " مت بدأ تدوين الحديث الشريف؟ " .
وقد أبان عمر رضي الله عنه عن رأيه هذا أمام جمع كبير من الصحابة رضوان الله عليهم وأقروه، مما يدل على عدم حرمة كتابته و تدوينه ، و على استقرار أمر هذه العلة في نفوس الصحابة رضي الله عنهم .
ويؤكد هذا الإقرار النقول الكثيرة عن جماعة من الصحابة كابن عباس وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم ، بل نقل ذلك الإمام ابن سيرين – رحمه الله- عن الصحابة عموما رضي الله عنهم ، وفسر هذا التراجع و الإعراض من عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - كراهية تقليدهم لبني إسرائيل، قال : "كانوا يرون أن بني إسرائيل إنما ضلوا بكتب ورثوها". ( انظر الخطيب البغدادي في تقييد العلم ص43 و الصفحات 53-56. و ابن عبد البر في جامع بيان العلم: 1: 64-67.).
و أحسن من فسر موقف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - الدكتور محمد الطرهوني - حفظه الله – في محاضرة له من الدورة المفتوحة الأولى في الحديث الشريف وعلومه ، انقله لكم لوجاهته ، و لرصانته، قال:
'' فقد بيَّن [ يقصد موقف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -] الوجهةَ التي من أجلِها لم يبدأْ في كتابة السنةِ كتابةً رسميَّةً وتدوينٍ رسميٍّ ، وأن ذلكَ كان منه خشيةً مما ذكرَ حيث كان الوضعُ العامُ للمسلمين يُؤَيِّدُ ما ذهبَ إليه ، فإن الناسَ كانوا يدخلونَ في دينِ اللهِ أفواجاً من أجناسٍ شتّى مختلفةٍ ، وكان الذي ينبغي أن يُوَجَّهوا إلى كتابِ اللهِ ويجتهدوا في حفظِهِ وتدُبِّرِهِ وأن لا ينشغِلِ المسلمونَ الجُدُدُ بغير ِذلك بصفةِ رسميَّةٍ ، وكان الوضعُ يشبه الوضعَ الأوَّلَ عندما منعَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - من الكتابةِ مطلَقاً .لذلك رأى عمرُ - رضي الله عنه - أن يمنعَ التدوينَ الرسميَّ في تلكَ الفترةِ حتى زالَ ما كان يحذَرُهُ - رضي الله عنه - وبدأ التدوينُ . أ,هـ
ثم قدم هذه الأدلة العلمية ، القيمة عن قلة التدوين ، وليس انعدامه – كما يدعي الخراطين و المرجفين – قال :
'' من المهم أن نركّزَ على العوامل التي أدت إلى قلة التدوين في الصدر الأول ، وهي عوامل كثيرة منها :
1ـ النهيُ عنه في بداية الأمرِ لئلاّ يُشتغلَ به عن القرآن أو يُخْلَطَ بالقرآنِ غيرُه .
2ـ ما كان يتمتَّع به العربُ في تلكَ الآوِنَةِ من سَعَةِ الحفظِ وسَيَلانِ الذِّهنِ ، فخشيةَ أن يُتَّكَلَ على الكتابةِ فيقلَّ الحفظُ بل ربما بطل كما هو الحالُ في زماننا ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله ، فإن الحفظَ أصبحَ ضعيفاً جداً لكثرةِ الاعتمادِ على الكتابةِ والأمور الحديثةِ من التقنيات مثل ما نحن فيه الآن من الكومبيوتر والآلات ونحو ذلك .
3ـ أن أكثرَ الناس في ذلك الوقت كانوا لا يعرفون الكتابة ، وقد ذكرنا أن بعض أهل العلم ذهب إلى القولِ بأن الكتابةَ كانت تعتبرُ نادرةً .
4ـ قربُ العهدِ ، فإن الصدر الأول كان قريبَ العهدِ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وبالحديث ، كانت الاختلافات قليلةً ، فلم يكن هناك حاجةٌ ماسّةٌ لضبطِ النُّصوصِ خشيةَ الاختلاف أو النسيانِ .
5ـ تقاربُ الإسنادِ ، يعني : نحن الآن أو في مراحلِ الإسلامِ المتأخرة نوعاً ما ، نلاحظ أن هناك سلسلةً من الرجالِ تمثِّلُ إسنادَ الرِّوايةِ . فهذه السلسةُ قد يحصُلُ فيها وهمٌ ونسيانٌ وأخطاءٌ ، ولكن إذا قرُبَ الإسنادُ فإن ذلك يؤمَنُ فيه حصولُ الخطأُ والنسيانُ . ففي الصدر الأول لم يكن الإسنادُ طويلاً لدرجةِ حصولِ مثل هذه الأمور ، بل ربما كان الحديثُ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة أو ربما كان عن صحابي عن آخر ونحو ذلك .
وكذلك لم يكن قد مات الرواة وصعُبَ التأكّدُ من روايتهم مباشرة ، وإنما كان يمكن للسامعِ أن يتأكّدَ من الرواة مباشرةً .
6ـ غلبةُ الصدقِ والأمانة ، فإن العربَ كانوا يحذرون الكذبَ حتى في الجاهلية ؛ فكان الرجلُ منهم يخشى أن تُحفَظَ عليه كذبة ، والأمانة كانت متوافرةً في الصَّدرِ الأول ، وتعلمون حديثَ أبي سفيانَ عندما ذهب إلى هرقلَ وهم أو فكَّرَ بأن يكذب على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أمامَ هرقلَ ولكنه خشيَ أن تُحسَبَ عليه تلك الكذبة فيتحدثَ الناسُ بأنه كذب .
هذه هي أهَمٌّ العواملُ التي أدَّتْ إلى قلَّةِ التدوينِ ، ولكن لما بدأ الخوف على السُّنَّةِ من ظهور الأهواء ، فلما انتشر الإسلام واتسعت الأمصار وتفرقت الصحابة في الأقطار وكثرت الفتوحات ومات معظم الصحابة وتفرق أصحابهم وأتباعهم وقل الضبط واتسع الخرق وكاد الباطل أن يلتبس بالحق احتاج العلماء إلى تدوين الحديث و أصبح أمرُ تدوينِ السنَّة من الضرورة بمكان و ذلك بتقييده بالكتابة، ولعمري إنها الأصل فإن الخاطر يغفل والقلم يحفظ فمارسوا الدفاتر وسايروا المحابر وأجابوا في نظم قلائده أفكارهم وأنفقوا في تحصيله أعمارهم واستغرقوا لتقييده ليلهم ونهارهم فأبرزوا تصانيف كثرت صنوفها ودونوا دواوين ظهرت شفوفها فاتخذها العالمون قدوة ونصبها العارفون قبلة فجزاهم الله سبحانه وتعالى عن سعيهم الحميد أحسن ما جزى به علماء أمته وأحبار ملته.'' أ.هـ.
ابو مريم الجزائري
2008-03-09, 17:59
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
التدوين الرسمي في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز:
قبل أن استعرض التدوين الرسمي في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، بودي ان أنبه الى انه كانت هناك جهودا فردية علمية من أجل جمع الحديث النبوي الشريف ( استقيتها من :مذكرة في علم التخريج للشيخ الدكتور طارق الطواري المدرس في كلية الشريعة في الكويت) ومنها:
(1) سليمان بن قيس اليشكري 80 هـ لازم جابر بن عبد الله في البصرة وكتب صحيفة حتى أشتهرت بصحيفة جابر ونقلها لتلاميذه فكان ممن حدث عنه الحسن البصري ، مجاهد بن جبر ، ومعمربن الراشد . وقتادة السدوسي.
(2) عروة بن الزبير أخو عبد الله بن الزبير و ولد أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أخذ الحديث عن عائشة رضي الله عنها وألف كتاب المغازي ونقل هذا العلم الليث بن سعد إلى مصر وتتلمذ على يديه 300 تلميذ وشيخ .
(3) محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ينسب لأمه وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ومحمد بن علي ابن أبي طالب فهؤلاء كانوا يطلبون العلم ويقيدونه .
(4) سعيد بن جبير ت 95 هـ رحل وجمع الحديث النبوي ولازم ابن عباس ، قال رضي الله عنه : ( ربما كنت عند أبن عباس وكتبت صحيفة ) .
(5) كريب مولى ابن عباس ت 98 هـ كتب عن أبن عباس رضي الله عنه وغيره حمل بعير وعن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعها عند موسى بن عقبة .
(6) عامر الشعبي ت 106 في الكوفة جمع أحاديث الفرائض والجراحات .
(7) ابن سيرين 110هـ لازم أنس بن مالك وأبو هريرة رضي الله عنهما وجمع ما عندهم من أحاديث .
(8)الحسن البصري ت 110 هـ لازم عدداً من الصحابة رضي الله عنهم و كتب عنهم .
(9) معاوية بن قرة ت 113 هـ تتلمذ على يد جابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم وكتب عنهم وله صحيفة جمع فيها تفسير ابن عباس وكان يقول (لاتعد من لم يكتب العلم علماً).
(10) مكحول الشامي ت 116هـ ألف كتابا في الفقه و الحج.
(11) قتادة بن دعامة السدوسي ت117هـ لازم بن عباس و أنس بن مالك وجابر رضي الله عنهم وأخذ مما عندهم من الحديث.
(12) نافع مولى ابن عمر ت 117هـ لازم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ملازمة شديدة وكان يكتب عنه كل شيء ولذلك لم يقع في روايته عنه خطأ. قال البخاري رحمه الله:(أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر.).
(13) أبو اسحاق السبيعي ت 127هـ كتب أحاديث الحارث الأعور وهو ثقة وغيرهم كثير.
ثم جاء أمر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – [ولد سنة ثلاث وستين 63 ، وكانت مبايعته بالخلافة في صفر سنة تسع وتسعين ( 99 هـ ، ووفاته لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومئة 101 هـ .وعاش أربعين سنة (سير أعلام النبلاء – الذهبي 114:5) ] بتدوين الحديث فكان التدوين الرسمي بأمر الخليفة على رأس المائة الهجرية الأولى ، حينما رأى اتساع الفتوحات الإسلامية وانتشار الصحابة – رضي الله عنه - في الاقطار وموت أكثرهم.
روى البخاري في «صحيحه 1: 27 ،في أبواب العِلْم »: (( وكتب عُمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كانَ من حديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبهُ, فإنِّي خفتُ دُروس العلم, وذهاب العُلماء)).
وأخرجه الامام مالك – رضي الله عنه - في الموطأ رواية محمد بن الحسن (( أخبرنا يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن أنظر ما كان من حديث رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أو سنته فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء))
وأخرجه أيضا أبو نُعيم في «تاريخ أصْبهان ص 108 » بلفظ:(( كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: انظروا حديث رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجمعُوه.))
ولم يقتصر الأمر على أهل المدينة فقط ، بل لقد كتب عمر بن عبد العزيز مثل ذلك إلى عماله في كل المدن الإسلامية التي نزل بها الصحابة والتابعين كما ذكر ذلك الإمام الدرامي ( انظر سنن الدرامي (1/137).
وكان أول من دون الحديث بناءا لأمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري (ت 124 هـ) عالم أهل الشام والحجاز ، وهو أحد الأئمة الأعلام."....
وقد أخذ الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم الذين طال بهم العمر إلى عهده فرآهم وسمعهم ، وعن جماعة من كبار التابعين.... فكان كما قال أبو الزناد : " يطوف على العلماء ، ومعه الالواح والصحف ، يكتب كل ما يسمع "" ( مسند الحارث ابن أبي شيبة 6:1)
فقد ذكر ابن عبد البر عن ابن شهاب قال: "أمرنا عمر بن عبد العزيز، بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً ( انظر ابن عبد البر، جامع بيان العلم (1/91 ـ 92) .
" وروى أبو عبيد أن عمر أمر ابن شهاب أن يكتب له السنّة في مصارف الزكاة الثمانية، فلبى الزهري أمره، وكتب له كتاباً مطولاً يوضح ذلك بالتفصيل "(الأموال ص 231 ـ 232).
ومن هنا قال ابن حجر (فتح الباري (1/208): "....وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد ".
وأبو بكر بن حزم هو عامله وقاضيه على المدينة المنورة و هو من رواة الحديث قال عنه ابن سعد في الطبقات ج2 : الصفحة 387 : روي عن السائب بن يزيد وعباد بن تميم وعمرو بن سليم الزرقي وروى عن خالته عمرة وعن خالدة ابنة أنس ولها صحبة [ رضي الله عنهم ] ، كما وأوصاه أيضا أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصاري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر المتوفى (120هـ).
، وطلب عمر بن عبد العزيز كذلك من سالم بن عبد الله بن عمر: (يا سالم أكتب لنا أحكام الزكاة والجباية برواية جدي عمر بن الخطاب ) . ( طبقات ابن سعد 387:2 )
ابو مريم الجزائري
2008-03-09, 18:11
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بعد أن رأينا كيف بدأ الجمع الرسمي بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، حيث تكفل بهذه المهمة الإمام المحدث الزهري ، وقبل ان نواصل مسيرة التدوين بودي ان انقل ترجمة قصيرة حتى تتعرفوا على هذا العلم الشامخ ، جبل الحديث و أمير الحفاظ :
الزهري (58 - 124 ه = 678 - 742 م) : محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد الله بن مهاجر بن الحارث بن زهرة، من بنى زهرة بن كلاب، من قريش، أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء.
تابعي، من أهل المدينة، و هو عالم و فقه و أديب الحفاظ ، أخذ الحديث عن ابن عمر بن الخطاب وسهل بن سعد وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وسعيد بن المسيب وأبي أمامة بن سهل وطبقتهم من صغار الصحابة وكبار التابعين ( رضي الله عنهم )، وقد بذل جهده في جمع الروايات عن سير النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وأحاديثه؛ حتى لقي في طلب العلم عناء ونصبًا؛ كما يدل عليه قول علماء الحديث و الرجال : '' إنه كان يطوف علَى بيوت الأنصار في المدينة، ويغشَى كل بيت منها، ويسأل عن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وسيرته كلَّ مَن يلقاه ـ من نساء ورجال وشيوخ وشباب ـ ؛ حتى كان يسأل العواتق في خدورهن عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله ويكتبه''.
وحدث عنه عقيل ويونس والزبيدي وصالح بن كيسان ومعمر وشعيب ابنا أبي حمزة والأوزاعي والليث ومالك ( ابن انس صاحب المذهب المعروف ) وابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وأمم سواهم وروى أبو صالح عن الليث قال:'' ما رأيت عالما قط أجمع من الزهري يحدث في الترغيب فتقول لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن العرب والأنساب قلت لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن القرآن والسنة فكذلك ''
روى إسحاق المسيبي عن نافع أنه عرض القرآن على الزهري.
قال الليث قال الزهري :'' ما صبر أحد على العلم صبري ولا نشره أحد نشري '' قال الامام الخليفة عمر بن عبد العزيز: '' لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري ''. قال الامام مالك بن انس : '' بقي بن شهاب وماله في الدنيا نظير ''
'' وإن ما كتبه الزهري وحده بلغ فيما رواه معمر إن الدفاتر من عِلْم الزهري حُمِلَت علَى الدواب بعد قتل الوليد وكانت في خزانته ''.
قال الامام علي بن المديني [ و هو شيخ البخاري ] في كتابه " العلل " ص: 17 ما نصه : '' نظرت فإذا الاسناد [ اسناد الحديث ] يدور على ستة، فلأ هل المدينة ابن شهاب الزهري ت (124) ولاهل مكة عمرو بن دينار ت (126)، ولاهل البصرة قتادة بن دعامة الدوسي ت (117)، ويحيى بن أبي كثير ت (132)، ولاهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي ت (127)، وسليمان بن مهران الاعمش ت (148)، ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الاصناف ممن صنف، فلأهل المدينة مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، ومن أهل مكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وسفيان بن عيينة، ومن أهل البصرة سعيد بن أبي عروبة، وأبو عوانة الوضاح بن خالد، وشعبة بن الحجاج، ومعمر بن راشد، ومن أهل الكوفة سفيان بن سعيد الثوري، ومن أهل الشام عبد الرحمن الاوزاعي، ومن أهل واسط هشيم بن بشير''.
قال هشام بن عمار أنا الوليد بن مسلم عن سعيد أن هشام بن عبد الملك [ الخليفة الأموي ]سأل الزهري أن يملي على بعض ولده شيئا فأملي عليه أربعمائة حديث وخرج الزهري فقال:'' أين أنتم يا أصحاب الحديث '' فحدثهم بتلك الأربعمائة ثم لقي هشاما بعد شهر أو نحوه فقال للزهري:'' أن ذلك الكتاب ضاع '' فدعا بكتاب فأملاها عليه ثم قابل بالكتاب الأول فما غادر حرفا واحدا. [ الله أكبر على هذا الحفظ رحمه الله و جزاه الله خيرا ]
[ انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 102 ووفيات الاعيان 1: 451 وتهذيب التهذيب 9: 445 وسير النبلاء 4: 112].
ثم شاع التدوين في الجيل الذي عاصر جيل الزهري و الذي جاء من بعده فبدأ ترتيب وتدوين الأحاديث وجمع الشتات في ديوان واحد على شكل فقهي وأبواب ومباحث فظهر التأليف في الحجاز واليمن والعراق ،مصر والشام .وأشهر علماء هذه المرحلة هم :
(1) عبد الملك بن جريج (80 ـ 150 هـ ) وكتبه تسمى كتب الأمانة من كثرة صحتها ، وكتب كتاباً سماه الجامع ـ السنن.
(2) سعيد بن أبي عروبة في البصرة (80 ـ 156 هـ ) قال الإمام الذهبي (عالم أهل البصرة أول من صنف السنن النبوية)، ألف كتاباً في الطلاق.
(3) محمد بن أبي ذئب ( ت 158 هـ ) عالم أهل المدينة وإمامهم ألف كتاب الموطأ مثل موطأ مالك ويسمى بالسنن.
(4) عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي (88 ـ 156 ) هـ وهو تلميذ الزهري فقيه الشام جمع الأحاديث في كتابه السنن.
(5) معمر بن راشد فقيه اليمن وتلميذ الزهري (95 ـ 153 )ألف كتابه الجامع وضمنه الصنعاني في آخر كتابه.
(6) شعبة بن الحجاج (83 ـ160 ) في العراق،البصرة.
(7) سفيان الثوري (97 ـ 161 ) في الكوفة جمع 30 ألف حديث كان يحفظها ، ألف كتاب الجامع الصغير و الجامع الكبير .
(8) حماد بن سلمة (90ـ 160 ) ألف كتابه المصنف.
(9) الليث بن سعد (94 ـ 175 ) بمصر،وهو إمام حجة كثير التصانيف يعد في طبقة الإمام مالك في الفقه.
(10) مالك بن أنس (93 ـ 179 ) بالمدينة ، كتب الموطأ الذي يعتبره الكثير من العلماء ( كالإمام الشافعي و غيره ) أصح كتاب بعد القرآن الكريم.
وهؤلاء الأئمة كما تلاحظون كانوا في عصر واحد لا يدري أيهم أسبق في التدوين ، وكان منهجهم في التدوين هو جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلطا بأقوال الصحابة والتابعين، مع ضم الأبواب بعضها إلى بعض ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم نسجا على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة على رأس المائتين ( 200 هجرية) ، فألفت المسانيد، وهي مشتقة من كلمة '' أسند أو السند '' و منهج المسانيد ان تجمع أحاديث وآثار كل صحابي على حدة مع أسانيدها المختلفة وان تعدد الموضوع ، وربما يروى فيها الحديث الواحد نفسه روايات عديدة حسب التابعين وتابعيهم الذي نقلوه عن الصحابي [ رضي الله عنه ] ولهذا فهي مرتبة على هذا الاساس، و لم يذكر فيها انواع الحديث ، ومن أشهر هذه المسانيد:
1 مسند أبى داود سليمان بن داود الطيالسى 204
وهو أول مسند صُنِّف وقد جمعه عنه بعض حفاظ خراسان وهو مطبوع فى مجلدة كبيرة طبعة دار المعرفة وقد رتبه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتى على الكتب والأبواب الفقهية وسماه منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود جزءان فى مجلدة طبع على نفقة المؤلف وتصحيحه 1372 الناشر المكتبة الإسلامية بيروت.
2 مسند أبى بكر أحمد بن عمرو البزار 299
وله مسندان المسند الصغير والمسند الكبير المعلل وهو المسمى البحر الزخار يبين فيه الصحيح من غيره ويتكلم فى تفرد بعض رواة الحديث ومتابعة غيره عليه وقد طبع منه عدة مجلدات بتحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله طبعة مؤسسة علوم القرآن ببيروت مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة 1409.
وقد اعتنى بالمسند الكبير الإمام نور الدين على بن أبى بكر الهيثمى 807 فصنف فى زوائده كتابا سماه كشف الأستار عن زوائد البزار وهو مطبوع فى أربع مجلدات طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمى 1404
3 مسند أبى عبد الرحمن بَقِى بن مَخْلَد الأندلسى 276
وقد روى فيه عن 1300 صحابى ورتبه على أبواب الفقه ويُعد من أوسع المسانيد فهو أكبر من مصنف ابن أبى شيبة ومصنف عبد الرزاق ولم يطبع إلا مقدمته ولم يُعثر على مخطوطاته
4 مسند أبى بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدى 219
وهو من شيوخ الإمام البخارى ومسنده مطبوع فى مجلدتين بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمى طبعة المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
5 مسند أبى سعيد عثمان بن سعيد الدارمى 280
وهو مسند كبير يقع فى جزئين وقد طبع أكثر من مرة منها طبعة بتحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى فى مجلدتين 1386 ومنها طبعة دار القلم بتحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا 1417 ويطلق بعض العلماء على مسند الدارمى اسم السنن
6 مسند أبى محمد عبد بن حميد بن نصر الكِشِّى 249
وله مسندان كبير وصغير ومسنده خال عن مسانيد كثير من مشاهير الصحابة وقد طبع المنتخب من مسند عبد بن حميد فى مجلدتين.
7 مسند أبى محمد الحارث بن محمد بن أبى أسامة التميمى 282
وتوجد منه مختارات بعنوان المنتقى مخطوط بدار الكتب المصرية حديث 1259 مجاميع كما يوجد العوالى المستخرجة من مسند الحارث فى المكتبة الظاهرية مجموع 101/16 وقد خرج الحافظ ابن حجر العسقلانى زوائده وزوائد مسانيد الأئمة أبى داود الطيالسى والحميدى وابن أبى عمر العدنى ومُسَدَّد وأحمد بن منيع وأبى بكر بن أبى شيبة وعبد بن حميد على الصحاح الستة ومسند أحمد فى كتاب سماه المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية وطبعت النسخة المسندة من الكتاب فى تسع عشرة مجلدة طبعة دار العاصمة الرياض 1419
ومن أشهر تلك المسانيد:
مسند أبى عبد الله أحمد بن حنبل الشيبانى 240
وأوله مسند العشرة المبشرين بالجنة وفيه زيادات ولده عبد الله ويسير من زيادات أبى بكر القَطِيعى الراوى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ويشتمل على ثمانية وعشرين ألفا وأربعمائة وأربعة وستين حديثا ( 28464).
وأشهر طبعات المسند الطبعة الميمنية فى ست مجلدات ولم يشترط الإمام أحمد فى مسنده جمع الحديث الصحيح ففيه الصحيح وغيره وقد ألف الحافظ ابن حجر العسقلانى كتابه المسمى القول المُسَدَّد فى الذب عن المسند رد فيه على من زعم وجود أحاديث موضوعة فى المسند وهو مطبوع فى جزء صغير عدة طبعات منها طبعة بتحقيق عبد الله محمد الدرويش بدار اليمامة دمشق 1405
وقد اعتنى العلماء بمسند الإمام أحمد فقد رتبه بعض الحفاظ الأصبهانيين على الأبواب الفقهية منهم الحافظ ناصر الدين بن رزيق ورتبه الحافظ محمد بن أبى محمد بن عبد الله المقدسى الحنبلى على حروف المعجم وممن رتبه أيضا على الموضوعات الفقهية الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا فى كتاب سماه الفتح الربانى لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى وعلى هامشه كتاب بلوغ الأمانى من أسرار الفتح الربانى وهو مطبوع فى إحدى عشرة مجلدة طبعة دار إحياء التراث العربى.
وعلى أية حال فإن المسانيد لم تقتصر على جمع الحديث الصحيح بل احتوت على الأحاديث الضعيفة أيضا مما يجعل من الصعوبة الإفادة منها إلا من قبل المتخصصين فى الحديث وعلومه وكذلك فإن طريقة الترتيب فى المسانيد تجعل من الصعوبة أيضا الوقوف على أحاديث حكم معين لأنها لم ترتب على أبواب الفقه.
وكان منهج هؤلاء مزج الصحيح وهو ما ثبت صحته بغيره إذ لم يكن قد عرف إلى هذا العصر تقسيم الحديث إلى ما تعارفوا عليه من صحيح وحسن وضعيف.
ابو مريم الجزائري
2008-03-09, 18:17
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بعد أن رأينا كيف بدأ الجمع الرسمي بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، حيث تكفل بهذه المهمة الإمام المحدث الزهري ، وقبل ان نواصل مسيرة التدوين بودي ان انقل ترجمة قصيرة حتى تتعرفوا على هذا العلم الشامخ ، جبل الحديث و أمير الحفاظ :
الزهري (58 - 124 ه = 678 - 742 م) : محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد الله بن مهاجر بن الحارث بن زهرة، من بنى زهرة بن كلاب، من قريش، أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء.
تابعي، من أهل المدينة، و هو عالم و فقه و أديب الحفاظ ، أخذ الحديث عن ابن عمر بن الخطاب وسهل بن سعد وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وسعيد بن المسيب وأبي أمامة بن سهل وطبقتهم من صغار الصحابة وكبار التابعين ( رضي الله عنهم )، وقد بذل جهده في جمع الروايات عن سير النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وأحاديثه؛ حتى لقي في طلب العلم عناء ونصبًا؛ كما يدل عليه قول علماء الحديث و الرجال : '' إنه كان يطوف علَى بيوت الأنصار في المدينة، ويغشَى كل بيت منها، ويسأل عن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وسيرته كلَّ مَن يلقاه ـ من نساء ورجال وشيوخ وشباب ـ ؛ حتى كان يسأل العواتق في خدورهن عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله ويكتبه''.
وحدث عنه عقيل ويونس والزبيدي وصالح بن كيسان ومعمر وشعيب ابنا أبي حمزة والأوزاعي والليث ومالك ( ابن انس صاحب المذهب المعروف ) وابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وأمم سواهم وروى أبو صالح عن الليث قال:'' ما رأيت عالما قط أجمع من الزهري يحدث في الترغيب فتقول لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن العرب والأنساب قلت لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن القرآن والسنة فكذلك ''
روى إسحاق المسيبي عن نافع أنه عرض القرآن على الزهري.
قال الليث قال الزهري :'' ما صبر أحد على العلم صبري ولا نشره أحد نشري '' قال الامام الخليفة عمر بن عبد العزيز: '' لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري ''. قال الامام مالك بن انس : '' بقي بن شهاب وماله في الدنيا نظير ''
'' وإن ما كتبه الزهري وحده بلغ فيما رواه معمر إن الدفاتر من عِلْم الزهري حُمِلَت علَى الدواب بعد قتل الوليد وكانت في خزانته ''.
قال الامام علي بن المديني [ و هو شيخ البخاري ] في كتابه " العلل " ص: 17 ما نصه : '' نظرت فإذا الاسناد [ اسناد الحديث ] يدور على ستة، فلأ هل المدينة ابن شهاب الزهري ت (124) ولاهل مكة عمرو بن دينار ت (126)، ولاهل البصرة قتادة بن دعامة الدوسي ت (117)، ويحيى بن أبي كثير ت (132)، ولاهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي ت (127)، وسليمان بن مهران الاعمش ت (148)، ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الاصناف ممن صنف، فلأهل المدينة مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، ومن أهل مكة عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وسفيان بن عيينة، ومن أهل البصرة سعيد بن أبي عروبة، وأبو عوانة الوضاح بن خالد، وشعبة بن الحجاج، ومعمر بن راشد، ومن أهل الكوفة سفيان بن سعيد الثوري، ومن أهل الشام عبد الرحمن الاوزاعي، ومن أهل واسط هشيم بن بشير''.
قال هشام بن عمار أنا الوليد بن مسلم عن سعيد أن هشام بن عبد الملك [ الخليفة الأموي ]سأل الزهري أن يملي على بعض ولده شيئا فأملي عليه أربعمائة حديث وخرج الزهري فقال:'' أين أنتم يا أصحاب الحديث '' فحدثهم بتلك الأربعمائة ثم لقي هشاما بعد شهر أو نحوه فقال للزهري:'' أن ذلك الكتاب ضاع '' فدعا بكتاب فأملاها عليه ثم قابل بالكتاب الأول فما غادر حرفا واحدا. [ الله أكبر على هذا الحفظ رحمه الله و جزاه الله خيرا ]
[ انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1: 102 ووفيات الاعيان 1: 451 وتهذيب التهذيب 9: 445 وسير النبلاء 4: 112].
ثم شاع التدوين في الجيل الذي عاصر جيل الزهري و الذي جاء من بعده فبدأ ترتيب وتدوين الأحاديث وجمع الشتات في ديوان واحد على شكل فقهي وأبواب ومباحث فظهر التأليف في الحجاز واليمن والعراق ،مصر والشام .وأشهر علماء هذه المرحلة هم :
(1) عبد الملك بن جريج (80 ـ 150 هـ ) وكتبه تسمى كتب الأمانة من كثرة صحتها ، وكتب كتاباً سماه الجامع ـ السنن.
(2) سعيد بن أبي عروبة في البصرة (80 ـ 156 هـ ) قال الإمام الذهبي (عالم أهل البصرة أول من صنف السنن النبوية)، ألف كتاباً في الطلاق.
(3) محمد بن أبي ذئب ( ت 158 هـ ) عالم أهل المدينة وإمامهم ألف كتاب الموطأ مثل موطأ مالك ويسمى بالسنن.
(4) عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي (88 ـ 156 ) هـ وهو تلميذ الزهري فقيه الشام جمع الأحاديث في كتابه السنن.
(5) معمر بن راشد فقيه اليمن وتلميذ الزهري (95 ـ 153 )ألف كتابه الجامع وضمنه الصنعاني في آخر كتابه.
(6) شعبة بن الحجاج (83 ـ160 ) في العراق،البصرة.
(7) سفيان الثوري (97 ـ 161 ) في الكوفة جمع 30 ألف حديث كان يحفظها ، ألف كتاب الجامع الصغير و الجامع الكبير .
(8) حماد بن سلمة (90ـ 160 ) ألف كتابه المصنف.
(9) الليث بن سعد (94 ـ 175 ) بمصر،وهو إمام حجة كثير التصانيف يعد في طبقة الإمام مالك في الفقه.
(10) مالك بن أنس (93 ـ 179 ) بالمدينة ، كتب الموطأ الذي يعتبره الكثير من العلماء ( كالإمام الشافعي و غيره ) أصح كتاب بعد القرآن الكريم.
وهؤلاء الأئمة كما تلاحظون كانوا في عصر واحد لا يدري أيهم أسبق في التدوين ، وكان منهجهم في التدوين هو جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلطا بأقوال الصحابة والتابعين، مع ضم الأبواب بعضها إلى بعض ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم نسجا على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة على رأس المائتين ( 200 هجرية) ، فألفت المسانيد، وهي مشتقة من كلمة '' أسند أو السند '' و منهج المسانيد ان تجمع أحاديث وآثار كل صحابي على حدة مع أسانيدها المختلفة وان تعدد الموضوع ، وربما يروى فيها الحديث الواحد نفسه روايات عديدة حسب التابعين وتابعيهم الذي نقلوه عن الصحابي [ رضي الله عنه ] ولهذا فهي مرتبة على هذا الاساس، و لم يذكر فيها انواع الحديث ، ومن أشهر هذه المسانيد:
1 مسند أبى داود سليمان بن داود الطيالسى 204
وهو أول مسند صُنِّف وقد جمعه عنه بعض حفاظ خراسان وهو مطبوع فى مجلدة كبيرة طبعة دار المعرفة وقد رتبه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتى على الكتب والأبواب الفقهية وسماه منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود جزءان فى مجلدة طبع على نفقة المؤلف وتصحيحه 1372 الناشر المكتبة الإسلامية بيروت.
2 مسند أبى بكر أحمد بن عمرو البزار 299
وله مسندان المسند الصغير والمسند الكبير المعلل وهو المسمى البحر الزخار يبين فيه الصحيح من غيره ويتكلم فى تفرد بعض رواة الحديث ومتابعة غيره عليه وقد طبع منه عدة مجلدات بتحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله طبعة مؤسسة علوم القرآن ببيروت مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة 1409.
وقد اعتنى بالمسند الكبير الإمام نور الدين على بن أبى بكر الهيثمى 807 فصنف فى زوائده كتابا سماه كشف الأستار عن زوائد البزار وهو مطبوع فى أربع مجلدات طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمى 1404
3 مسند أبى عبد الرحمن بَقِى بن مَخْلَد الأندلسى 276
وقد روى فيه عن 1300 صحابى ورتبه على أبواب الفقه ويُعد من أوسع المسانيد فهو أكبر من مصنف ابن أبى شيبة ومصنف عبد الرزاق ولم يطبع إلا مقدمته ولم يُعثر على مخطوطاته
4 مسند أبى بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدى 219
وهو من شيوخ الإمام البخارى ومسنده مطبوع فى مجلدتين بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمى طبعة المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
5 مسند أبى سعيد عثمان بن سعيد الدارمى 280
وهو مسند كبير يقع فى جزئين وقد طبع أكثر من مرة منها طبعة بتحقيق السيد عبد الله هاشم يمانى فى مجلدتين 1386 ومنها طبعة دار القلم بتحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا 1417 ويطلق بعض العلماء على مسند الدارمى اسم السنن
6 مسند أبى محمد عبد بن حميد بن نصر الكِشِّى 249
وله مسندان كبير وصغير ومسنده خال عن مسانيد كثير من مشاهير الصحابة وقد طبع المنتخب من مسند عبد بن حميد فى مجلدتين.
7 مسند أبى محمد الحارث بن محمد بن أبى أسامة التميمى 282
وتوجد منه مختارات بعنوان المنتقى مخطوط بدار الكتب المصرية حديث 1259 مجاميع كما يوجد العوالى المستخرجة من مسند الحارث فى المكتبة الظاهرية مجموع 101/16 وقد خرج الحافظ ابن حجر العسقلانى زوائده وزوائد مسانيد الأئمة أبى داود الطيالسى والحميدى وابن أبى عمر العدنى ومُسَدَّد وأحمد بن منيع وأبى بكر بن أبى شيبة وعبد بن حميد على الصحاح الستة ومسند أحمد فى كتاب سماه المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية وطبعت النسخة المسندة من الكتاب فى تسع عشرة مجلدة طبعة دار العاصمة الرياض 1419
ومن أشهر تلك المسانيد:
مسند أبى عبد الله أحمد بن حنبل الشيبانى 240
وأوله مسند العشرة المبشرين بالجنة وفيه زيادات ولده عبد الله ويسير من زيادات أبى بكر القَطِيعى الراوى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ويشتمل على ثمانية وعشرين ألفا وأربعمائة وأربعة وستين حديثا ( 28464).
وأشهر طبعات المسند الطبعة الميمنية فى ست مجلدات ولم يشترط الإمام أحمد فى مسنده جمع الحديث الصحيح ففيه الصحيح وغيره وقد ألف الحافظ ابن حجر العسقلانى كتابه المسمى القول المُسَدَّد فى الذب عن المسند رد فيه على من زعم وجود أحاديث موضوعة فى المسند وهو مطبوع فى جزء صغير عدة طبعات منها طبعة بتحقيق عبد الله محمد الدرويش بدار اليمامة دمشق 1405
وقد اعتنى العلماء بمسند الإمام أحمد فقد رتبه بعض الحفاظ الأصبهانيين على الأبواب الفقهية منهم الحافظ ناصر الدين بن رزيق ورتبه الحافظ محمد بن أبى محمد بن عبد الله المقدسى الحنبلى على حروف المعجم وممن رتبه أيضا على الموضوعات الفقهية الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا فى كتاب سماه الفتح الربانى لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى وعلى هامشه كتاب بلوغ الأمانى من أسرار الفتح الربانى وهو مطبوع فى إحدى عشرة مجلدة طبعة دار إحياء التراث العربى.
وعلى أية حال فإن المسانيد لم تقتصر على جمع الحديث الصحيح بل احتوت على الأحاديث الضعيفة أيضا مما يجعل من الصعوبة الإفادة منها إلا من قبل المتخصصين فى الحديث وعلومه وكذلك فإن طريقة الترتيب فى المسانيد تجعل من الصعوبة أيضا الوقوف على أحاديث حكم معين لأنها لم ترتب على أبواب الفقه.
وكان منهج هؤلاء مزج الصحيح وهو ما ثبت صحته بغيره إذ لم يكن قد عرف إلى هذا العصر تقسيم الحديث إلى ما تعارفوا عليه من صحيح وحسن وضعيف.
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir