مشاهدة النسخة كاملة : عظماء فى الإسلام ( المحدثون والفقهاء )
حسن بدر الدين
2010-02-20, 01:49
الإمام مالك
إمام دار الهجرة
يروى في فضله ومناقبه الكثير ولكن أهمها ما روي [عن أبي هريرة يبلغ به النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة]
إنه الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وصاحب أحد المذاهب الفقهية الأربعة في الإسلام وهو المذهب المالكي، وصاحب كتب الصحاح في السنة النبوية وهو كتاب الموطأ. يقول الإمام الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
________________________________________
نسبه ومولده
هو شيخ الإسلام حجة الأمة إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك ابن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة وهو حمير الأصغر الحميري ثم الأصبحي المدني حليف بني تيم من قريش فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة.
وأمه هي عالية بنت شريك الأزدية وأعمامه هم أبو سهل نافع وأويس والربيع والنضر أولاد أبي عامر.
ولد مالك على الأصح في سنة 93هـ عام موت أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونشأ في صون ورفاهية وتجمل
________________________________________
طلبه للعلم
طلب الإمام مالك العلم وهو حدث لم يتجاوز بضع عشرة سنة من عمره وتأهل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة وقصده طلبة العلم وحدث عنه جماعة وهو بعد شاب طري.
________________________________________
ثناء العلماء عليه
عن ابن عيينة قال مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه.
وقال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
وعن ابن عيينة أيضا قال كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا ولا يحدث إلا عن ثقة ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته يعني من العلم.
ـ روي عن وهيب وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال أنه قدم المدينة قال فلم أرى أحدا إلا تعرف وتنكر إلا مالكا ويحيى بن سعيد الأنصاري.
________________________________________
إمام دار الهجرة
روي عن أبي موسى الأشعري قال [قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة] ويروى عن ابن عيينة قال كنت أقول هو سعيد بن المسيب حتى قلت كان في زمانه سليمان بن يسار وسالم بن عبد الله وغيرهما ثم أصبحت اليوم أقول إنه مالك لم يبق له نظير بالمدينة.
قال القاضي عياض هذا هو الصحيح عن سفيان رواه عنه ابن مهدي وابن معين وذؤيب بن عمامه وابن المديني والزبير بن بكار وإسحاق بن أبي إسرائيل كلهم سمع سفيان يفسره بمالك أو يقول وأظنه أو أحسبه أو أراه أو كانوا يرونه.
وذكر أبو المغيرة المخزومي أن معناه ما دام المسلمون يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة فيكون على هذا سعيد بن المسيب ثم بعده من هو من شيوخ مالك ثم مالك ثم من قام بعده بعلمه وكان أعلم أصحابه.
ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكا في العلم والفقه والجلالة والحفظ فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب والفقهاء السبعة والقاسم وسالم وعكرمة ونافع وطبقتهم ثم زيد بن أسلم وابن شهاب وأبي الزناد ويحيى بن سعيد وصفوان بن سليم وربيعة بن أبي عبد الرحمن وطبقتهم فلما تفانوا اشتهر ذكر مالك بها وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن الماجشون وسليمان بن بلال وفليح بن سليمان وأقرانهم فكان مالك هو المقدم فيهم على الإطلاق والذي تضرب إليه آباط الإبل من الآفاق رحمه الله تعالى.
قال أبو عبد الله الحاكم ما ضربت أكباد الإبل من النواحي إلى أحد من علماء المدينة دون مالك واعترفوا له وروت الأئمة عنه ممن كان أقدم منه سنا كالليث عالم أهل مصر والمغرب والأوزاعي عالم أهل الشام ومفتيهم والثوري وهو المقدم بالكوفة وشعبة عالم أهل البصرة إلى أن قال وحمل عنه قبلهم يحيى بن سعيد الأنصاري حين ولاه أبو جعفر قضاء القضاة فسأل مالكا أن يكتب له مائة حديث حين خرج إلى العراق ومن قبل كان ابن جريج حمل عنه.
________________________________________
قصة الموطأ
يروي أبو مصعب فيقول: سمعت مالكا يقول دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وقد نزل على فرش له وإذا على بساطه دابتان ما تروثان ولا تبولان وجاء صبي يخرج ثم يرجع فقال لي أتدري من هذا قلت لا قال هذا ابني وإنما يفزع من هيبتك ثم ساءلني عن أشياء منها حلال ومنها حرام ثم قال لي أنت والله أعقل الناس وأعلم الناس قلت لا والله يا أمير المؤمنين قال بلى ولكنك تكتم ثم قال والله لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ولأبعثن به إلى الآفاق فلأحملهنم عليه.فقال مالك: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول تفرقوا في الأمصار وإن تفعل تكن فتنة!!
________________________________________
مواقف من حياته
روي أن مالكا كان يقول ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني هل تراني موضعا لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت فلو نهوك قال كنت أنتهي لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه
وقال خلف: دخلت عليه فقلت ما ترى فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه يقول: رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام في مسجد قد اجتمع الناس عليه فقال لهم إني قد خبأت تحت منبري طيبا أو علما وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس فانصرف الناس وهم يقولون إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم بكى فقمت عنه.
وروي أن المهدي قدم المدينة فبعث إلى مالك بألفي دينار أو قال بثلاثة آلاف دينار ثم أتاه الربيع بعد ذلك فقال إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام فقال قال النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة خير لهم ولو كانوا يعلمون والمال عندي على حاله.
وقدم المهدي المدينة مرة أخرى فبعث إلى مالك فأتاه فقال لهارون وموسى اسمعا منه فبعث إليه فلم يجبهما فأعلما المهدي فكلمة فقال يا أمير المؤمنين العلم يؤتى أهله فقال صدق مالك صيرا إليه فلما صارا إليه قال له مؤدبهما اقرأ علينا فقال إن أهل المدينة يقرؤون على العالم كما يقرأ الصبيان على المعلم فإذا أخطئوا أفتاهم فرجعوا إلى المهدي فبعث إلى مالك فكلمه فقال سمعت ابن شهاب يقول جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال وهم يا أمير المؤمنين سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعروة والقاسم وسالم وخارجه بن زيد وسليمان بن يسار ونافع وعبد الرحمن بن هرمز ومن بعدهم أبو الزناد وربيعه ويحيى بن سعيد وابن شهاب كل هؤلاء يقرأ عليهم ولا يقرؤون فقال في هؤلاء قدوة صيروا إليه فاقرؤوا عليه ففعلوا.
يروي يحيى ابن خلف الطرسوسي وكان من ثقات المسلمين قال كنت عند مالك فدخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال مالك زنديق اقتلوه فقال يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاما سمعته قال إنما سمعته منك وعظم هذا القول.
وعن قتيبه قال كنا إذا دخلنا على مالك خرج إلينا مزينا مكحلا مطيبا قد لبس من أحسن ثيابه وتصدر الحلقة ودعا بالمراوح فأعطى لكل منا مروحة.
وعن محمد بن عمر قال كان مالك يأتي المسجد فيشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويجلس في المسجد فيجتمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس فكان يصلي وينصرف وترك شهود الجنائز ثم ترك ذلك كله والجمعة واحتمل الناس ذلك كله وكانوا أرغب ما كانوا فيه وربما كلم في ذلك فيقول ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره.
وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطروحة في منزله يمنة ويسرة لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم قال وكان رجلا مهيبا نبيلا ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب يقرأ للجماعة ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم هيبة لمالك وإجلالا له وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك وكان ذلك قليلا قال ابن وهب سمعت مالكا يقول ما أكثر أحد قط فأفلح.
وقيل لمالك لم لا تأخذ عن عمرو بن دينار قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياما فأجللت حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن آخذه قائما.
ويروى عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر نعم قال الله تعالى {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها}(السجدة:12)
وقال جعفر بن عبد الله قال كنا عند مالك فجاءه رجل فقال يا أبا عبد الله [الرحمن على العرش استوى " كيف استوى فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرضاء ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال الكيف منه غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج]
وفي رواية أخرى قال: الرحمن على العرش استوى، كما وصف نفسه ولا يقال له كيف وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه.
________________________________________
من كلماته
العلم ينقص ولا يزيد ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب.
والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه إلا نزع الله هيبته من صدري.
أعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع.
ما تعلمت العلم إلا لنفسي وما تعلمت ليحتاج الناس إلي وكذلك كان الناس.
ليس هذا الجدل من الدين بشيء.
لا يؤخذ العلم عن أربعة سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس وصاحب بدعة يدعو إلى هواه ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.
________________________________________
صفة الإمام مالك
عن عيسى بن عمر قال ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك ولا أشد بياض ثوب من مالك، ونقل غير واحد أنه كان طوالا جسيما عظيم الهامة أشقر أبيض الرأس واللحية عظيم اللحية أصلع وكان لا يحفي شاربه ويراه مثله.
وقيل كان أزرق العين، محمد بن الضحاك الحزامي كان مالك نقي الثوب رقيقه يكثر اختلاف اللبوس، و قال أشهب كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه.
________________________________________
إمام في الحديث
كان الإمام مالك من أئمة الحديث في المدينة، يقول يحيى القطان ما في القوم أصح حديثا من مالك كان إماما في الحديث، قال الشافعي قال محمد بن الحسن أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إلا اليسير.
قال ابن مهدي أئمة الناس في زمانهم أربعة الثوري ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد وقال ما رأيت أحدا أعقل من مالك.
________________________________________
محنة الإمام مالك
تعرض الإمام مالك لمحنة وبلاء بسبب حسد ووشاية بينه وبين والي المدينة جعفر بن سليمان ويروى أنه ضرب بالسياط حتى أثر ذلك على يده فيقول إبراهيم بن حماد أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه حمل يده بالأخرى، ويقول الواقدي لما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا بمالك إليه وكثروا عليه عنده وقالوا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره أنه لا يجوز عنده قال فغضب جعفر فدعا بمالك فاحتج عليه بما رفع إليه عنه فأمر بتجريده وضربه بالسياط وجبذت يده حتى انخلعت من كتفه وارتكب منه أمر عظيم فواالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو، وهذه ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير ومن يرد الله به خيرا يصيب منه وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) كل قضاء المؤمن خير له وقال الله تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} (محمد:31) وأنزل الله تعالى في وقعه أحد قوله {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم}(آل عمران:165) وقال {وما أصابكم من مصيبة فبما كسب أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى:30)
فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه فالله حكم مقسط ثم يحمد الله على سلامة دينه ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.
________________________________________
تراث الإمام مالك
عني العلماء بتحقيق وتأليف الكتب حول تراث الإمام مالك، وما زال العلماء قديما وحديثا لهم أتم اعتناء برواية الموطأ ومعرفته وتحصيله
________________________________________
وفاة الإمام مالك
قال القعنبي سمعتهم يقولون عمر مالك تسعا وثمانين سنة مات سنة تسع وسبعين ومئة وقال إسماعيل بن أبي أويس مرض مالك فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت قالوا تشهد ثم قال {لله الأمر من قبل ومن بعد} (الروم:4)، وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي.
حسن بدر الدين
2010-02-20, 01:50
الإمام البخاري
أمير أهل الحديث
الإمام الجليل والمحدث العظيم محمد بن إسماعيل البخاري أمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، يقول البخاري: صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
ولم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارة في الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء.
ويقول عنه أحد العلماء: لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
فمع سيرة البخاري ومواقف من حياته.
________________________________________
نسبه ومولده
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وكلمة بردزبه تعني بلغة بخارى "الزراع"
أسلم جده "المغيرة" على يدي اليمان الجعفي والي بخارى وكان مجوسيا وطلب والده إسماعيل بن إبراهيم العلم والتقى بعدد من كبار العلماء، وروى إسحاق بن أحمد بن خلف أنه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه.
ولد أبو عبد الله في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين.
ويروى أن محمد بن إسماعيل عمي في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك شك البلخي فأصبحت وقد رد الله عليه بصره.
________________________________________
قوة حفظه وذاكرته
ووهب الله للبخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.
يقول محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب فقلت كم كان سنك فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت:هو الزبير بن عدي عن إبراهيم.
فأخذ القلم مني وأحكم( أصلح) كتابه وقال: صدقت.
فقيل للبخاري ابن كم كنت حين رددت عليه قال ابن إحدى عشرة سنة.
ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح
قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.
________________________________________
طلبه للحديث
رحل البخاري بين عدة بلدان طلبا للحديث الشريف ولينهل من كبار علماء وشيوخ عصره في بخارى وغيرها.
وروي عن البخاري أنه كان يقول قبل موته: كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ونعود إلى البخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها من الجعفي المسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرو من عبدان بن عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
وفي أواخر سنة 210هـ قدم البخاري العراق وتنقل بين مدنها ليسمع من شيوخها وعلمائها. وقال البخاري دخلت بغداد آخر ثمان مرات في كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال لي في آخر ما ودعته يا أبا عبد الله تدع العلم والناس وتصير إلى خراسان قال فأنا الآن أذكر قوله.
ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي.
وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس.
وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر وآخرين.
________________________________________
مؤلفات البخاري
عد العلماء كتاب الجامع الصحيح المعروف بـ"صحيح البخاري" أصح كتاب بعد كتاب الله، ويقول عنه علماء الحديث "هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كثير من الأحاديث وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقيا للكبار أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عنهم"
ويقول في قصة تأليفه "الجامع الصحيح ":" كنت عند إسحاق بن راهويه فقال بعض أصحابنا لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب"
ويقول في بعض الروايات:
ـ أخرجت هذا الكتاب من زهاء ست مائة ألف حديث.
ـ ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
ـ ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب.
ويروي البخاري أنه بدأ التأليف وعمره 18 سنة فيقول:
"في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة وقل اسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب، وكنت أختلف إلى الفقهاء بمرو وأنا صبي فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم فقال لي مؤدب من أهلها كم كتبت اليوم فقلت: اثنين وأردت بذلك حديثين فضحك من حضر المجلس فقال شيخ منهم لا تضحكوا فلعله يضحك منكم يوما"
وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم قلت لأبي عبد الله تحفظ جميع ما أدخلت في المصنف فقال لا يخفى علي جميع ما فيه، وسمعته يقول صنفت جميع كتبي ثلاث مرات.
________________________________________
دقته واجتهاده
ظل البخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب، وصبر على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم، وكان بعد كل هذا لا يدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين.
يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها.
وروي عن البخاري أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهما، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.
وكان العباس الدوري يقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان لا يدع أصلا ولا فرعا إلا قلعه ثم قال لنا لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه.
________________________________________
تفوقه على أقرانه في الحديث
ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان.
فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.
وروي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا و إسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم. ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس وهو لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.
وروي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.
وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت.
________________________________________
من كلمات البخاري
[لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة]
[ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي]
[ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه]
________________________________________
مواقف من حياة البخاري
وقال بكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا قلت صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر ونحو هذا. وقل أن يقول فلان كذاب أو كان يضع الحديث حتى إنه قال إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واه وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا وهذا هو والله غاية الورع.
يقول محمد بن أبي حاتم: كان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة وكان لا يوقظني في كل ما يقوم فقلت أراك تحمل على نفسك ولم توقظني قال أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك.
*يروي البخاري فيقول كنت بنيسابور أجلس في الجامع فذهب عمرو بن زرارة وإسحاق بن راهويه إلى يعقوب بن عبد الله والي نيسابور فأخبروه بمكاني فاعتذر إليهم وقال مذهبنا إذا رفع إلينا غريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره فقال له بعضهم: بلغني أنه قال لك لا تحسن تصلي فكيف تجلس فقال لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة.
وذات يوم ناظر أبو بكر البخاري في أحاديث سفيان فعرفها كلها ثم أقبل محمد عليه فأغرب عليه مائتي حديث فكان أبو بكر بعد ذلك يقول ذاك الفتى البازل والبازل الجمل المسن إلا أنه يريد هاهنا البصير بالعلم الشجاع.
قال محمد بن أبي حاتم سمعت البخاري يقول دخلت بلخ فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم.
قال أبو جعفر سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكتدي فقال لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث قال فخرجت في طلبه حتى لحقته قال أنت الذي يقول إني أحفظ سبعين ألف حديث قال نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن يعقوب بن الأخرم: سمعت أصحابنا يقولون لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل ركبانا على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة.
________________________________________
ورعه
• قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتد القنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل. فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته فقلت أية حاجة هي. قال لي: تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأس والعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا. وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري. فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.
• وقال بن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسير وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ما أثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العد فأحببت أن استريح وآخذ أهبة فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.
• وضيفه بعض أصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال له يا أبا عبد الله كيف ترى فقال هذه الحياة الدنيا.
• وقال أحمد بن حفص: دخلت على أبي الحسن يعني إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال لا أعلم من مالي درهما من حرام ولا درهما من شبهة قال أحمد فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك ثم قال أبو عبد الله أصدق ما يكون الرجل عند الموت.
وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.
________________________________________
عمله بالتجارة
وعمل البخاري بالتجارة فكان مثالا للتاجر الصدوق الذي لا يغش ولا ينقض نيته مهما كانت المغريات.
روي أنه حملت إلى البخاري بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع بعض التجار إليه فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف فقال إني نويت بيعها للذين أتوا البارحة.
________________________________________
ثناء الأئمة عليه
قال أبو إسحاق السرماري: من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل.
قال أبو جعفر سمعت يحيى بن جعفر يقول لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم.
وكان نعيم بن حماد يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة.
قال مصعب الزهري محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث.
وروي عن إسحاق بن راهويه أنه كان يقول اكتبوا عن هذا الشاب يعني البخاري فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
وكان علي بن حجر يقول أخرجت خراسان ثلاثة أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
وقال محمد بن أبي حاتم سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول رأيت أبا عمار الحسين بن حريث يثني على أبي عبد الله البخاري ويقول لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
وقال محمد حدثني حاتم بن مالك الوراق قال سمعت علماء مكة يقولون محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم.
وقال سليم بن مجاهد يقول لو أن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل.
وروي عن قتيبة بن سعيد أنه قال لو كان محمد في الصحابة لكان آية. نظرت في الحديث ونظرت في الرأي وجالست الفقهاء والزهاد والعباد ما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل.
وقال أبو عبد الله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله وأحفظ له من محمد بن إسماعيل.
قال محمد بن حمدون بن رستم سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى البخاري فقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله.
وقال سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بالبصرة يقولون ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح.
________________________________________
من كرم البخاري وسماحته
قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبد الله كان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.
قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله: ما عند الله خير وأبقى (الشورى:36)
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه.
ويقول عبد الله بن محمد الصارفي: كنت عند أبي عبد الله البخاري في منزله فجاءته جارية وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها: كيف تمشين؟ قالت إذا لم يكن طريق كيف أمشي فبسط يديه وقال لها اذهبي فقد أعتقتك. قال فقيل له فيما بعد يا أبا عبد الله أغضبتك الجارية قال إن كانت أغضبتني فإني أرضيت نفسي بما فعلت.
________________________________________
محنة البخاري
تعرض البخاري للامتحان والابتلاء، وكثيرا ما تعرض العلماء الصادقون للمحن فصبروا على ما أوذوا في سبيل الله، ولقد حسد البعض البخاري لما له من مكانة عند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية، فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، ولذلك قصة يرويها أبو أحمد بن عدي فيقول: ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل البخاري لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه واجتماعهم عليه. فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوق فامتحنوه في المجلس فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقران مخلوق هو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقال الرجل يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة فالتفت إليه البخاري وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله.
وقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته، وكان يقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته.
وبه قال وسمعت عبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق قال الله تعالى {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت 49).
وقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر.
وقال أيضا: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
وقال أحمد بن سلمة: دخلت على البخاري فقلت يا أبا عبد الله هذا رجل مقبول بخراسان خصوصا في هذه المدينة وقد لج في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى فقبض على لحيته ثم قال "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد" (غافر 44) اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرا ولا بطرا ولا طلبا للرئاسة إنما أبت علي نفسي في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي يا أحمد إني خارج غدا لتتخلصوا من حديثه لأجلي، فأخبرت جماعة أصحابنا فو الله ما شيعه غيري كنت معه حين خرج من البلد وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصلاح أمره.
وقال محمد بن أبي حاتم أتى رجل عبد الله البخاري فقال يا أبا عبد الله إن فلانا يكفرك فقال: " قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما" وكان كثير من أصحابه يقولون له إن بعض الناس يقع فيك فيقول "إن كيد الشيطان كان ضعيفا" (النساء 76)، ويتلو أيضا "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر 43) فقال له عبد المجيد بن إبراهيم كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال صلى الله عليه وسلم "من دعا على ظالمه فقد انتصر"
________________________________________
محنته مع أمير بخارى
روى أحمد بن منصور الشيرازي قال سمعت بعض أصحابنا يقول لما قدم أبوعبد الله بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق أحد إلا استقبله ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقي أياما قال فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا لا نفارقه فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج.
قال أحمد بن منصور فحكى لي بعض أصحابنا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال رأيت محمد بن إسماعيل في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى فتقدمت إليه فقلت يا أبا عبد الله كيف ترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر فقال لا أبالي إذا سلم ديني.
وروي عن بكر بن منير بن خليد بن عسكر أنه قال: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب الجامع و التاريخ وغيرهما لأسمع منك فقال لرسوله أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فاحضر في مسجدي أو في داري وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.
________________________________________
وفاة البخاري
توفي البخاري ـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروي في قصة وفاته عدة روايات منها:
قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله يقول: إنه أقام عندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده إلا القليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
رحم الله الإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وعن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).
ـــــــــــــ
المصادر:
(1) سير أعلام النبلاء.
(2) تاريخ بخارى.
(3) مقدمة صحيح البخاري.
حسن بدر الدين
2010-02-20, 01:54
الإمام النسائي صاحب السنن
نسبه ونشأته
هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام ناقد الحديث أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي صاحب السنن.
ولد بنسا في سنة 215هـ وطلب العلم في صغره فارتحل إلى قتيبة في سنة 230هـ فأقام عنده بمدينة بغلان سنة فأكثر عنه، ومن شيوخه إسحاق بن راهويه وهشام بن عمار ويروي عن رفقائه.
________________________________________
مكانته العلمية
كان من بحور العلم مع الفهم والإتقان والبصر ونقد الرجال وحسن التأليف رحل في طلب العلم في خراسان والحجاز ومصر والعراق والجزيرة والشام والثغور ثم استوطن مصر ورحل الحفاظ إليه ولم يبق له نظير في هذا الشأن.
حدث عنه أبو بشر الدولابي وأبو جعفر الطحاوي وأبو علي النيسابوري وغيرهم كثير.
قال الحافظ ابن طاهر سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه فقلت قد ضعفه النسائي فقال يا بني إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم قلت صدق فإنه ليَّن جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.
قال الحاكم كلام النسائي على فقه الحديث كثير ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه، وقال ابن الأثير في أول جامع الأصول كان شافعيا له مناسك على مذهب الشافعي وكان ورعا متحريا قيل إنه أتى الحارث بن مسكين في زي أنكره عليه قلنسوة وقباء وكان الحارث خائفا من أمور تتعلق بالسلطان فخاف أن يكون عينا عليه فمنعه فكان يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع ولذلك ما قال حدثنا الحارث وإنما يقول قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
قال مأمون المصري المحدث خرجنا إلى طرسوس مع النسائي سنة الفداء فاجتمع جماعة من الأئمة عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن إبراهيم مربع وأبو الآذان فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي وكتبوا كلهم بانتخابه.
وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ من يصبر على ما يصبر عليه النسائي عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة يعني عن قتيبة عن ابن لهيعة قال فما حدث بها.
________________________________________
مناقبه وفضائله
قال محمد بن المظفر الحافظ سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه والانبساط في المأكل وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج.
________________________________________
ثناء العلماء عليه
قال الحافظ أبو علي النيسابوري:الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال أبو الحسن الدار قطني أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
وقال الدار قطني كان أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير الحديث ولم يحدث عن غير النسائي وقال رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى
قال أبو سعيد ابن يونس في تاريخه كان أبو عبد الرحمن النسائي إماما حافظا ثبتا.
قال أبو عبد الله بن منده الذين أخرجوا الصحيح وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة البخاري ومسلم وأبو داود وأبو عبد الرحمن النسائي.
________________________________________
وفاته
روى أبو عبد الله بن مندة عن حمزة العقبي المصري وغيره أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها عن معاوية وما جاء في فضائله فقال لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل قال فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى مكة فتوفي بها كذا قال وصوابه إلى الرملة.
وقال الدار قطني خرج حاجا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة فقال احملوني إلى مكة فحمل وتوفي بها وهو مدفون بين الصفا والمروة وكانت وفاته في شعبان سنة 303هـ قال وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال.
________________________________________
تراث النسائي
ترك النسائي مجموعة من الكتب أهمها كتاب السنن وهو الذي عرف به وجاء في سير أعلام النبلاء عن كتبه الأخرى " قد صنف مسند علي وكتابا حافلا في الكنى وأما كتاب خصائص علي فهو داخل في سننه الكبير وكذلك كتاب عمل اليوم والليلة وهو مجلد هو من جملة السنن الكبير في بعض النسخ وله كتاب التفسير في مجلد وكتاب الضعفاء وأشياء والذي وقع لنا من سننه هو الكتاب المجتنى منه انتخاب أبي بكر بن السني سمعته ملفقا من جماعة سمعوه من ابن باقا بروايته عن أبي زرعة المقدسي سماعا لمعظمه وإجازة لفوت له محدد في الأصل.
حسن بدر الدين
2010-02-20, 01:55
أبو زرعة الرازي
سيد الحفاظ
وصفه كتاب التراجم والسير بأنه سيد الحفاظ لقوة حفظه التي تميز بها بين أقرانه من أهل الحديث
إنه المحدث الإمام أبو زرعة الرازي الذي يقول عن نفسه: "أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد (سورة الإخلاص).
________________________________________
نسبه ونشأته
هو الإمام سيد الحفاظ عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ محدث الري ودخول الزاي في نسبته غير مقيس كالمروزي، ولد سنة 210هـ
بدأ طلب العلم وهو حدث فارتحل من الري وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأقام بالكوفة عشرة أشهر ثم رجع إلى الري ثم خرج في رحلته الثانية وغاب عن وطنه أربع عشرة سنة وجلس للتحديث وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة وارتحل إلى الحجاز والشام ومصر والعراق والجزيرة وخراسان ليتعلم على عدد من علماء الحديث، ومن شيوخه أحمد بن يونس اليربوعي والحسن بن بشر.
وروي عن ابن مهدي الرازي المعمر قال: هذا الشيخ عندي صدوق فانه قال رأيت أبا زرعة الرازي فقلت له كيف رأيته فقال أسود اللحية نحيف أسمر وهذه صفة أبي زرعة.
________________________________________
قوة حفظه
قال صالح بن محمد جزرة سمعت أبا زرعة يقول كتبت عن إبراهيم ابن موسى الرازي مائة ألف حديث وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف فقلت له بلغني أنك تحفظ مائة ألف حديث تقدر أن تملي علي ألف حديث من حفظك قال لا ولكن إذا ألقي علي عرفت.
وسئل أبو زرعة عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث فقال: لا، ثم قال أبو زرعة أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد (سورة الإخلاص) وفي المذاكرة ثلاث مائة ألف حديث.
وروي عن محمد بن مسلم قال: كنت عند إسحاق بنيسابور فقال رجل من العراق سمعت أحمد بن حنبل يقول صح من الحديث سبع مائة ألف حديث وكسر وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ ست مائة ألف حديث.
وعن ابن عدي قال:سمعت أبا يعلى الموصلي يقول ما سمعنا بذكر أحد في الحفظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته إلا أبا زرعة الرازي فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه وكان قد جمع حفظ الأبواب والشيوخ والتفسير كتبنا بانتخابه بواسط ستة آلاف حديث.
وقال الحاكم سمعت الفقيه أبا حامد أحمد بن محمد سمعت أبا العباس الثقفي يقول لما انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري سألوه أن يحدثهم فامتنع فقال: أحدثكم بعد أن حضر مجلسي أحمد وابن معين وابن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة قالوا له فإن عندنا غلاما يسرد كل ما حدثت به مجلسا مجلسا قم يا أبا زرعة قال فقام فسرد كل ما حدث به قتيبة فحدثهم قتيبة.
وقال سعيد بن عمرو الحافظ سمعت أبا زرعة يقول دخلت البصرة فحضرت سليمان الشاذ كوني يوم الجمعة فروى حديثا فرددت عليه ثم قال حدثنا ابن أبي غنية عن أبيه عن سعد ابن إبراهيم عن نافع بن جبير قال: [لا حلف في الإسلام] فقلت هذا وهم وهم فيه إسحاق بن سليمان وإنما هو سعد عن أبيه عن جبير قال من يقول هذا قلت حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا أبن أبي غنية فغضب ثم قال لي ما تقول فيمن جعل الأذان مكان الإقامة قلت يعيد قال: من قال هذا قلت الشعبي قال من عن الشعبي قلت حدثنا قبيصة عن سفيان عن جابر عن الشعبي قال ومن غير هذا قلت إبراهيم وحدثنا أبو نعيم حدثنا منصور بن أبي الأسود عن مغيرة عنه قال أخطأت قلت حدثنا أبو نعيم حدثنا جعفر الأحمر حدثنا مغيرة قال أخطأت قلت حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو كدينة عن مغيرة قال أصبت ثم قال أبو زرعة اشتبه علي وكتبت هذه الأحاديث الثلاثة عن أبي نعيم فما طالعتها منذ كتبتها ثم قال وأي شيء غير هذا قلت معاذ بن هشام عن أشعث عن الحسن قال هذا سرقته مني وصدق كان ذاكرني به رجل ببغداد فحفظته عنه.
________________________________________
ثناء العلماء عليه
قال أبو بكر الخطيب: كان إماما ربانيا حافظا متقنا مكثرا جالس أحمد بن حنبل وذاكره وحدث عنه.
وقال ابن أبي شيبة ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.
وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: أبو زرعة يشبه بأحمد بن حنبل.
وقال علي بن الحسين بن الجنيد ما رأيت أحدا أعلم بحديث مالك ابن أنس مسندها ومنقطعها من أبي زرعة وكذلك سائر العلوم.
قال ابن أبي حاتم سئل أبي عن أبي زرعة فقال إمام.
قال عمر بن محمد بن إسحاق القطان سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول ما جاوز الجسر أحد أفقه من إسحاق بن راهويه ولا أحفظ من أبي زرعة.
وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي فليس له أصل.
قال ابن أبي حاتم سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: ما رأيت أكثر تواضعا من أبي زرعة هو وأبو حاتم إماما خراسان.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن أحمد سمعت أحمد بن حنبل يدعو الله لأبي زرعة وسمعت عبد الواحد بن غياث يقول ما رأى أبو زرعة مثل نفسه.
ابن عدي سمعت القاسم بن صفوان سمعت أبا حاتم يقول أزهد من رأيت أربعة آدم بن أبي إياس وثابت بن محمد الزاهد وأبو زرعة الرازي وذكر آخر.
قال النسائي: أبو زرعة رازي ثقة.
وقال إسحاق بن إبراهيم بن عبد الحميد القرشي سمعت عبد الله بن أحمد يقول ذاكرت أبي ليلة الحفاظ فقال يا بني قد كان الحفظ عندنا ثم تحول إلى خراسان إلى هؤلاء الشباب الأربعة قلت من هم قال أبو زرعه ذاك الرازي ومحمد بن إسماعيل ذاك البخاري وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي والحسن بن شجاع ذاك البلخي قلت يا أبه فمن أحفظ هؤلاء قال أما أبو زرعة فأسردهم وأما البخاري فأعرفهم وأما عبد الله يعني الدارمي فأتقنهم وأما ابن شجاع فأجمعهم للأبواب.
________________________________________
مواقف من حياته
قال أبو علي جزرة قال لي أبو زرعة مر بنا إلى سليمان الشاذكوني نذاكره قال فذهبنا فما زال يذاكره حتى عجز الشاذكوني عن حفظه فلما أعياه ألقى عليه حديثا من حديث الرازيين فلم يعرفه أبو زرعة فقال سليمان يا سبحان الله حديث بلدك هذا مخرجه من عندكم وأبو زرعة ساكت والشاذكوني يخجله ويري من حضر أنه قد عجز فلما خرجنا رأيت أبا زرعة قد اغتم ويقول لا أدري من أين جاء بهذا فقلت له وضعه في القوت كي تعجز و تخجل قال هكذا قلت نعم فسري عنه.
****
وروي عن ابن عدي سمعت محمد بن إبراهيم المقرئ سمعت فضلك الصائغ يقول دخلت المدينة فصرت إلى باب أبي مصعب فخرج إلي شيخ مخضب وكنت ناعسا فحركني وقال: من أين أنت أي شيء تنام، قلت: أصلحك الله أنا من الريّ، فقال: تركت أبا زرعة وجئتني لقيت مالكا وغيره فما رأت عيناي مثل أبي زرعة.
قال ودخلت على الربيع بمصر فقال من أين قلت من الري قال تركت أبا زرعة وجئت إن أبا زرعة آية وإن الله إذا جعل إنسانا آية أبانه من شكله حتى لا يكون له ثان
***
وقال أبو نعيم بن عدي سمعت ابن خراش يقول كان بيني وبين أبي زرعة موعد أن أبكر عليه فأذاكره فبكرت فمررت بأبي حاتم وهو قاعد وحده فأجلسني معه يذاكرني حتى أضحى النهار فقلت بيني وبين أبي زرعة موعد فجئت إلى أبي زرعة والناس منكبون عليه فقال لي تأخرت عن الموعد قلت بكرت فمررت بهذا المسترشد فدعاني فرحمته لوحدته وهو أعلى إسنادا منك.
***
وروي عن محمد بن مسلم بن وارة قال: رأيت أبا زرعة في المنام فقلت له ما حالك قال أحمد الله على الأحوال كلها إني حضرت فوقفت بين يدي الله تعالى فقال لي يا عبيد الله لم تذرعت في القول في عبادي قلت يا رب إنهم حاولوا دينك فقال صدقت ثم أتي بطاهر الخلقاني فاستعديت عليه إلى ربي فضرب الحد مائة ثم أمر به إلى الحبس ثم قال ألحقوا عبيد الله بأصحابه وبأبي عبد الله وأبي عبد الله وأبي عبد الله سفيان ومالك وأحمد بن حنبل.
***
قال أبو الحسن البناني حدثنا محمد بن علي بن الهيثم الفسوي قال لما قدم حمدون البرذعي على أبي زرعة لكتابة الحديث دخل فرأى في داره أواني وفرشا كثيرة وكان ذلك لأخيه قال فهم أن يرجع ولا يكتب فلما كان من الليل رأى كأنه على شط بركة ورأى ظل شخص في الماء فقال أنت الذي زهدت في أبي زرعة أما علمت أن أحمد بن حنبل كان من الأبدال فلما مات أبدل الله مكانه أبا زرعة.
***
وسمعت أبا زرعة يقول إذا انفرد ابن إسحاق بالحديث لا يكون حجة ثم روى له حديث القراءة خلف الإمام وسمعته يقول كان الحوضي وعلي بن الجعد وقبيصة يقدرون على الحفظ يجيؤون بالحديث بتمام وذكر عن قبيصة كأنه يقرأ من كتاب، قلت يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل يبين عليه الورع بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جراح، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي ومحمد بن الحسين الفقيه وإبراهيم بن عبد الرحمن الشاهد وست القضاة بنت يحيى قراءة قالوا أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية أخبرنا أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد الباغبان في كتابه أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده أخبرنا أبي أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري حدثنا أبو زرعة الرازي حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كان من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، أخرجه مسلم عن أبي زرعه فوافقناه بعلو درجة.
________________________________________
وفاته
قال أبو جعفر محمد بن علي وراق أبي زرعة حضرنا أبا زرعة وهو يحتضر بماشهران وهو في السوق حدثنا بندار وعنده أبو حاتم وابن وارة والمنذر بن شاذان وغيرهم فذكروا حديث التلقين لقنوا موتاكم لا إله إلا الله واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه فقالوا تعالوا نذكر الحديث فقال ابن وارة حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح وجعل يقول ابن أبي ولم يجاوزه وقال أبو حاتم حدثنا بندار حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح ولم يجاوز والباقون سكتوا فقال أبو زرعة وهو في السوق حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ ابن جبل قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة وتوفي رحمه الله]
قال أبو الحسين بن المنادي وأبو سعيد بن يونس توفي أبو زرعة الرازي في آخر يوم من سنة أربع وستين ومائتين ومولده كان في سنة مائتين.
وذكر إبراهيم بن حرب العسكري أنه رأى أبا زرعة الرازي بالمنام وهو يؤم الملائكة في السماء الرابعة فقلت بم نلت هذه المنزلة قال برفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه.
حسن بدر الدين
2010-02-20, 01:56
الليث بن سعد
الإمام الحافظ
من أشهر الفقهاء في زمانه فاق في علمه وفقهه إمام المدينة الإمام مالك غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.إنه الإمام الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الإمام الحافظ شيخ الإسلام وعالم الديار المصرية ولد بقرقشندة وهي قرية من أسفل أعمال مصر في سنة أربع وتسعين للهجرة.
________________________________________
طلبه للعلم
تلقى الليث العلم على عدد من كبار علماء عصره، فسمع من عطاء بن أبي رباح وابن أبى مليكة ونافعا العمري وسعيد بن أبي سعيد المقبري وابن شهاب الزهري وأبا الزبير المكي وغيرهم كثير.
وفي عدة روايات يصف الليث رحلاته في طلب العلم: قال ابن بكير سمعت الليث يقول سمعت بمكة سنة ثلاث عشرة ومائة من الزهري وأنا ابن عشرين سنة.
قال يحيى بن بكير أخبرني من سمع الليث يقول كتبت من علم ابن شهاب علما كثيرا وطلبت ركوب البريد إليه إلى الرصافة فخفت أن لا يكون ذلك لله فتركته ودخلت على نافع فسألني فقلت أنا مصري فقال ممن قلت من قيس قال ابن كم قلت ابن عشرين سنة قال أما لحيتك فلحية ابن أربعين قال أبو صالح خرجت مع الليث إلى العراق سنة إحدى وستين ومائة خرجنا في شعبان وشهدنا الأضحى ببغداد قال وقال لي الليث ونحن ببغداد سل عن منزل هشيم الواسطي فقل له أخوك ليث المصري يقرئك السلام ويسألك أن تبعث إليه شيئا من كتبك فلقيت هشيما فدفع إلي شيئا فكتبنا منه وسمعتها مع الليث.
________________________________________
مكانته العلمية
يقول الحافظ أبو نعيم: كان الليث رحمه الله فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون إلى رأيه ومشورته ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم فاستعفى من ذلك.
ولليث أحاديث كثيرة في كتب الصحاح، ومن الأحاديث التي رويت عن الليث ما رواه الترمذي قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [قال يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا]
قال أبو صالح كان الليث يقرأ بالعراق من فوق على أصحاب الحديث والكتاب بيدي فإذا فرغ رميت به إليهم فنسخوه.
قال ابن سعد كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه.
روى عبد الملك بن شعيب عن أبيه قال قيل لليث أمتع الله بك إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك فقال أو كل ما في صدري في كتبي لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب.
وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول أصح الناس حديثا عن سعيد المقبري الليث بن سعد يفصل ما روي عن أبي هريرة وما روي عن أبيه عن أبي هريرة هو ثبت في حديثه جدا.
ومما يروى عنه أيضا عن الليث بن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معشر قريش والله ما فيكم أحد على دين إبراهيم غيري وكان يحيى الموؤدة يقول الرجل إذا أراد أن يقتل أبنته مه لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها
ولليث أسانيد إلى أبي هريرة ومنها: عن الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [قال إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة]
________________________________________
مناقبه وفضائله
قال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة.
روي عن شرحبيل بن جميل قال أدركت الناس أيام هشام الخليفة وكان الليث بن سعد حدث السن وكان بمصر عبيد الله بن أبي جعفر وجعفر بن ربيعة والحارث بن يزيد ويزيد بن أبي حبيب وابن هبيرة وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه عن حداثة سنة ثم قال ابن بكير لم أر مثل الليث، وروى عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه قال ما رأيت أحدا أكمل من الليث.
***
قال عثمان بن صالح: كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث فحدثهم بفضائله فكفوا وكان أهل حمص ينتقصون عليا حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش فحدثهم بفضائل علي فكفوا عن ذلك، وروي عن حرملة يقول كان الليث بن سعد يصل مالكا بمائة دينار في السنة فكتب مالك إليه علي دين فبعث إليه بخمس مائة دينار فسمعت ابن وهب يقول كتب مالك إلى الليث إني أريد أن أدخل بنتي على زوجها فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر فبعث إليه بثلاثين حملا عصفرا فباع منه بخمس مائة دينار وبقي عنده فضله، قال أبو داود قال قتيبة كان الليث يستغل عشرين ألف دينار في كل سنة وقال ما وجبت علي زكاة قط وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالكا ألف دينار وأعطى منصور بن عمار الواعظ ألف دينار وجارية تساوى ثلاث مائة دينار.
قال صالح بن أحمد الهمذاني: قدم منصور بن عمار على الليث فوصله بألف دينار واحترقت دار ابن لهيعة فوصله بألف دينار ووصل مالكا بألف دينار وكساني قميص سندس فهو عندي.
وروي عن محمد بن رمح يقول كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار ما أوجب الله عليه زكاة درهم قط،
***
وروي عن أشهب بن عبد العزيز يقول كان الليث له كل يوم أربعة مجالس يجلس فيها أما أولها فيجلس للسلطان في نوائبه وحوائجه وكان الليث يغشاه السلطان فإذا أنكر من القاضي أمرا أو من السلطان كتب إلى أمير المؤمنين فيأتيه العزل ويجلس لأصحاب الحديث وكان يقول نجحوا أصحاب الحوانيت فإن قلوبهم معلقة بأسواقهم ويجلس للمسائل يغشاه الناس فيسألونه ويجلس لحوائج الناس لا يسأله أحد فيرده كبرت حاجته أو صغرت وكان يطعم الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل وسمن البقر وفي الصيف سويق اللوز في السكر
***
وروي عن يعقوب ابن داود وزير المهدي قال:قال أمير المؤمنين لما قدم الليث العراق الزم هذا الشيخ فقد ثبت عندي أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه.
وكان الليث بن سعد يقول بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط، ويعلق الحافظ أبو نعيم على قوله فيقول: كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث ومالك والأوزاعي والسنن ظاهرة عزيزة فأما في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد فظهرت البدعة وامتحن أئمة الأثر ورفع أهل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة ثم كثر ذلك واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول فطال الجدال واشتد النزاع وتولدت الشبة نسأل الله العافية.
***
قال بكر بن مضر قدم علينا كتاب مروان بن محمد إلى حوثرة والى مصر إني قد بعثت إليكم أعرابيا بدويا فصيحا من حاله ومن حاله فأجمعوا له رجلا يسدده في القضاء ويصوبه في المنطق فأجمع رأي الناس على الليث بن سعد وفي الناس معلماه يزيد بن أبي حبيب وعمرو بن الحارث، قال أحمد بن صالح أعضلت الرشيد مسألة فجمع لها فقهاء الأرض حتى أشخص الليث فأخرجه منها.
________________________________________
مواقف من حياته
قال الحسن بن يوسف بن مليح سمعت أبا الحسن الخادم قال كنت غلاما لزبيدة (زوجة الرشيد) وأتي بالليث بن سعد تستفتيه فكنت واقفا على رأس ستي زبيدة خلف الستارة فسأله الرشيد فقال له حلفت إن لي جنتين فاستحلفه الليث ثلاثا إنك تخاف الله فحلف له فقال: قال الله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن:16) فأقطعه الرشيد قطائع كثيرة بمصر.
***
وروي عن الليث قال: قال لي أبو جعفر المنصور تلي لي مصر قلت لا يا أمير المؤمنين إني أضعف عن ذلك إني رجل من الموالي فقال ما بك ضعف معي ولكن ضعفت نيتك في العمل لي.
***
قال وجاءت امرأة إلى الليث فقالت يا أبا الحارث إن ابنا لي عليلاً واشتهى عسلا فقال يا غلام أعطها مرطا من عسل والمرط عشرون ومائة رطل.
***
وعن الحارث بن مسكين قال اشترى قوم من الليث ثمرة فاستغلوها فاستقالوا فأقالهم ثم دعا بخريطة فيها أكياس فأمر لهم بخمسين دينارا فقال له ابنه الحارث في ذلك فقال اللهم غفرا إنهم قد كانوا أملوا فيها أملا فأحببت أن أعوضهم من أملهم بهذا.
***
وروي عن الليث قال لما ودعت أبا جعفر المنصور ببيت المقدس قال أعجبني ما رأيت من شدة عقلك والحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك قال شعيب كان أبي يقول لا تخبروا بهذا ما دمت حيا.
***
قال يحيى بن بكير: قال الليث: قال لي المنصور تلي مصر؛ فاستعفيت قال أما إذا أبيت فدلني على رجل أقلده مصر قلت عثمان ابن الحكم الجذامي رجل له صلاح وله عشيرة. قال: فبلغ عثمان ذلك فعاهد الله ألا يكلم الليث.
***
وروي عن سعيد الآدم قال مررت بالليث بن سعد فتنحنح فرجعت إليه فقال لي يا سعيد خذ هذا القنداق فاكتب لي فيه من يلزم المسجد ممن لا بضاعة له ولا غلة. فقلت: جزاك الله خيرا يا أبا الحارث. وأخذت منه القنداق ثم صرت إلى المنزل فلما صليت أوقدت السراج وكتبت بسم الله الرحمن الرحيم ثم قلت فلان بن فلان ثم بدرتني نفسي. فقلت: فلان بن فلان. قال فبينا أنا على ذلك إذا أتاني آت فقال هالله يا سعيد تأتي إلى قوم عاملوا الله سرا فتكشفهم لآدمي ما الليث وما شعيب أليس مرجعهم إلى الله الذي عاملوه. فقمت ولم أكتب شيئا، فلما أصبحت أتيت الليث فتهلل وجهه فناولته القنداق فنشره فما رأى فيه غير بسم الله الرحمن الرحيم فقال: ما الخبر فأخبرته بصدق عما كان فصاح صيحة فاجتمع عليه الناس من الحلق فسألوه فقال ليس إلا خير ثم أقبل علي فقال يا سعيد تبينتها وحرمتها صدقت ما الليث وما شعيب أليس مرجعهم إلى الله.
***
عن أبي صالح كاتب الليث قال كنا على باب مالك فامتنع عن الحديث فقلت ما يشبه هذا صاحبنا فسمعها مالك فأدخلنا وقال من صاحبكم قلت الليث قال تشبهونا برجل كتبت إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا فأنفذ منه ما بعنا فضلته بألف دينار.
________________________________________
ثناء العلماء عليه
كان الإمام الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
وقال ابن وهب: لولا مالك والليث لضل الناس.
وقال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع الناس وكان لا يأكل إلا بلحم إلا أن يمرض.
وقال أحمد بن سعد الزهري: سمعت أحمد بن حنبل يقول الليث ثقة ثبت، وقال أيضا: الليث كثير العلم صحيح الحديث
وقال عثمان الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول الليث أحب إلي من يحيى بن أيوب ويحيى ثقة قلت فكيف حديثه عن نافع فقال صالح ثقة.
وعن أحمد بن صالح وذكر الليث فقال: إمام قد أوجب الله علينا حقه لم يكن بالبلد بعد عمرو بن الحارث مثله.
قال ابن سعد: استقل الليث بالفتوى وكان ثقة كثير الحديث سريا من الرجال سخيا له ضيافة
وقال العجلي والنسائي: الليث ثقة.
وقال ابن خراش: صدوق صحيح الحديث.
وروي عن يحيى بن معين قال: هذه رسالة مالك إلى الليث حدثنا بها عبد الله بن صالح يقول فيها وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك واعتمادهم على ما جاءهم منك.
وقال يحيى بن بكير: الليث أفقه من مالك ولكن الحظوة لمالك رحمه الله.
قال علي بن المديني الليث ثبت.
قال العلاء بن كثير الليث بن سعد سيدنا وإمامنا وعالمنا.
________________________________________
وفاته
قال يحيى بن بكير وسعيد بن أبي مريم مات الليث للنصف من شعبان سنة خمس وسبعين ومائة قال يحيى يوم الجمعة وصلى عليه موسى بن عيسى.
قال خالد بن عبد السلام الصدفي شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي فما رأيت جنازة قط أعظم منها رأيت الناس كلهم عليهم الحزن وهم يعزي بعضهم بعضا ويبكون فقلت يا أبت كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة فقال بابني لا ترى مثله أبدا.
وعاء المسك
2010-02-22, 03:15
http://www.djelfa.info/vb/attachment.php?attachmentid=10361&stc=1&d=1266804867
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir