مشاهدة النسخة كاملة : السياسة الشرعية تعريف وتأصيل
*عبدالرحمن*
2018-08-09, 04:41
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تقدمت مواضيع
أصول عقيدة أهل السنة والجماعة
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2153427
الولاء والبراء
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2153762
الشرك وأنواعه
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2153606
.......
حاجاتنا إلى السياسة الشرعية
السياسة الشرعية باب من أبواب العلم والفقه في الدين، وفي قيادة الأمة وتحقيق مصالحها الدينية الدنيوية، جليل القدر عظيم النفع، أفرده جماعة من العلماء بالتصنيف في القديم والحديث
وانتشرت كثير من مباحثه أو مسائلة في بطون كتب التفسير والفقه والتاريخ وشروح الحديث، وهذا الباب خطره عظيم ينتج عن الغلط فيه وعدم الفهم له شر مستطير، والخطأ في التفريط فيه كالخطأ في الإفراط؛ إذ كلاهما يقود إلى نتائج مرذولة غير مقبولة
وقد وضح ذلك شيخ الإسلام ابن القيم فقال: 'وهذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرءوا أهل الفجور على الفساد
وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقًا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له وعطلوها
.. وأفرطت فيه طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه'
وإدراكًا منَّا لأهمية هذا الباب وموقعه من الدين وحاجة الناس إليه، فقد رأينا أن نجعل له زاوية دورية في المجلة؛ سائلين الله تعالى أن يتحقق المقصود منها، وأن تقوم بالدور المراد منها على الوجه الذي يحب ربنا ويرضى الله من وراء القصد.
ـ السياسة في اللغة:
لفظ 'السياسة' في لغة العرب محمل بكثير من الدلالات والإرشادات والمضامين
فهي إصلاح واستصلاح
بوسائل متعددة من الإرشاد والتوجيه والتأديب والتهذيب والأمر والنهي
تنطلق من خلال قدرة تعتمد على الولاية أو الرئاسة. وما جاء في معاجم اللغة يدل على ما تقدم
فقد جاء في تاج العروس في مادة سوس: 'سست الرعية سياسة' أمرتها ونهيتها، والسياسة القيام على الشي
بما يصلحه'، وفي لسان العرب في المادة نفسها: 'السوس: الرياسة
وإذا رأسوه قيل سوسوه، وأساسوه
وسوس أمر بني فلان: أي كلف سياستهم، وسُوِّس الرجل على ما لم يسم فاعله: إذ ملك أمرهم
وساس الأمر سياسة: قام به، والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه.
والسياسة: فعل السائس يقال: هو يسوس الدواب إذا قام عليها وراضها، والوالي يسوس رعتيه'.
والإصلاح في 'السياسة' ليس مجرد هدف أو غاية تسعى السياسة في حركتها لتحقيقه
بل هو السياسة نفسها وحقيقتها، إذا فقدته فقد فقدت نفسها.
ـ السياسة في النص الشرعي:
لم يرد لفظ 'السياسة' ولا شيء من مادته في كتاب الله سبحانه وتعالى، وإن جاء الحديث فيه عن الصلاح والإصلاح والأمر والنهي والحكم وغير ذلك من المعاني التي اشتمل عليها لفظ 'السياسة'. وإما السنة فقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: 'كادت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي ...
وقوله صلى الله عليه وسلم: 'تسوسهم الأنبياء'؛ أي: تتولى أمورهم كما يفعل الأمراء والولاة بالرعية'.
ويتبين بما تقدم أن السياسة في الشريعة استخدمت بمعناها اللغوي. وهي تعني:
القيام على شأن الرعية من قِبَل ولاتهم بما يصلحهم من الأمر والنهي والإرشاد والتهذيب، وما يحتاج إليه ذلك من وضع تنظيمات أو ترتيبات إدارية تؤدي إلى تحقيق مصالح الرعية بجلب المنافع أو الأمور الملائمة، ودفع المضار والشرور أو الأمور المنافية.
وهذا التعريف يبرز الجانب العملي للسياسة، فالسياسة هنا إجراءات وأعمال وتصرفات للإصلاح، وعلى ذلك فإن سياسة الرعية تتطلب القدرة على القيادة الحكيمة التي تتمكن من تحقيق الصلاح عن طريق إتقان التدبير وحسن التأتي لما يراد فعله أو تركه
وهذا بدوره يحتاج إلى معرفة تامة بما تتطلبه القيادة والرئاسة من خبرة وحنكة، وقدرة على استعمال واستغلال الإمكانات المتاحة على الوجه الأمثل الذي يتحقق المراد المطلوب.
وقد جاء من كلام أهل العلم عن السياسة ما يدل لذلك
فمن ذلك: قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ
في بيان السبب الذي من أجله جعل عمر ـ رضي الله عنه ـ أمر الخلافة في الستة الذين اختارهم: 'لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم
والمعرفة بالسياسة؛ ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم'.
وقال ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
'والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها'
ومما ورد في ذلك أيضًا ما جاء في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: 'يا عائشة، لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة
فجعلت لها بابين؛ باب يدخل الناس، وباب يخرجون'، والذي ترجم له البخاري في صحيحه بقوله: باب من ترك بعض الاختيار مخالفة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه'،
قال ابن حجر: 'ويستفاد منه أن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم، ولو كان مفضولاً، ما لم يكن محرمًا'.
والسياسة فيما تقدم مجالها رحب فسيح، فهي ليست مقصورة على شيء أو محجوزة عن شيء؛ إذ هي 'القيام على الشيء ـ بما يحمله لفظ الشي
من العموم والشمول، ـ بما يصلحه'، فيعمل بنا كل صاحب ولاية في تدبير أمر ولايته.
ومن أمثلة السياسة في عصر الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ ما قام به أبو بكر رضي الله عنه من استخلافه لعمر رضي الله عنه، وما قام به عمر من جعل أمر الخلافة شورى في ستة من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لمصلحة الأمة وتجنيبها مضرة الاختلاف
ومن ذلك جمع عثمان رضي الله عنه المسلمين على مصحف واحد، وإحراق ما سواه من المصاحف؛ لأن ذلك يحقق المصلحة من الائتلاف والاتفاق، ويدفع مضرة التفرق والاختلاف
وكذلك ما أمر به عثمان من إمساك ضوال الإبل لما ضعفت الأمانة، وصار تركها مضيعًا لها على أصحابها، ومن ذلك نفي عمر بن الخطاب لنصر بن حجاج لما افتتنت بعض النساء بجماله ـ من غير ذنب أتاه
لما كان في ذلك تحقيق مصلحة العفة والطهارة، ودفع مضرة تعلق القلوب به، ومن أمثلة ما تلاهم من عصور تسعير السلع التي يضطر إليها الناس إذا تمالأ التجار على رفع سعرها بغير مسوغ يدعو لذلك
فكان في التسعير دفع مضرة الظلم عن الرعية من غير ظلم للتجار، والأمثلة في هذا كثيرة، والجامع بينها تحقيق المصلحة ودفع المضرة من غير مخالفة للشريعة.
*عبدالرحمن*
2018-08-09, 04:44
ـ السياسة عند الفقهاء:
هناك اتجاهان عند الفقهاء في نظرتهم للسياسة:
الاتجاه الأول:
ويمثله قول أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي: 'السياسة ما كان من الأفعال؛ بحيث يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد
وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي'، وقد قيده بقوله: 'ما لم يخالف ما نطق به الوحي' وعلى هذا النحو يحمل كلام ابن نجيم الحنفي
حيث يقول في باب حد الزنا: 'وظاهر كلامهم هاهنا أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي'، وكلام ابن نجيم يحتمل أن يصيب في الاتجاه الثاني كما يأتي،
وكلام ابن عقيل أدق منه وأسد؛ لأنه قيد تحقيق المصالح ودرء المفاسد بعدم مخالفة الشريعة، وقد يكون هذا أيضًا مراد ابن نجيم، لكن عبارته قصرت عن ذلك، وهذا الاتجاه موافق لما تقدم ذكره من أمثلة السياسة.
والاتجاه الثاني:
وهو اتجاه يضيق مجال السياسة ويحصرها في باب الجنايات أو العقوبات المغلظة
وقد تجعل أحيانًا مرادفة التعزير، وهذا الاتجاه غالب على الفقه الحنفي في نظرته للسياسة، قال علاء الدين الطرابلسي الحنفي: 'السياسة شرع مغلظ'.
وقد 'نقل العلامة ابن عابدين ـ الحنفي ـ عن كتب المذهب: أن السياسة تجوز في كل جناية والرأي فيها إلى الإمام، كقتل مبتدع يتوهم منه انتشار بدعته وإن لم يحكم بكفره ..
ولذا عرفها بعضهم بأنها تغليط جناية لها حكم شرعي حسمًا لمادة الفساد، وقوله: لها حكم شرعي معناه أنها داخلة تحت وقاعد الشرع وإن لم ينص عليها بخصوصه
.. ولذا قال في البحر: ظاهر كلامهم أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي'.
وقال بعض علماء الحنفية: 'والظاهر أن السياسة والتعزيز مترادفان، ولذا عطفوا أحدهما على الآخر لبيان التفسير كما وقع في الهداية والزيلعي وغيرهما'.
وتضييق هذا الاتجاه لمعنى السياسة وحصرها فيما حصرها فيه ليس بسديد؛ 'إذ السياسة قد تكون بغير التغليظ
وبغير العقوبة، وقد تكون بتخفيف العقوبة أو تأجيلها أو إسقاطها إذا وجدت موجبات التخفيف أو الإسقاط، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين مع علمه بأعيانهم لما يترتب على ذلك من المفسدة
وقال: 'لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه'، وترك تأديب أو تعنيف الأعرابي الذي بال في المسجد تقديرًا لظروف بداوته وجهله، ونهى عن قطع الأيدي أو إقامة الحد في الغزو تأخيرًا للحد لمصلحة راجحة؛ إما لحاجة المسلمين إليه، أو خوف اللحاق بالمشركين'.
وأيضًا فإن عهد أبي بكر لعمر بالخلافة، وكذلك جعلها عمر شورى في ستة من الصحابة، وعمل عمر الديوان، وجمع عثمان للمصحف الإمام وتحريق ما عداه ليس من العقوبة في شيء.
*عبدالرحمن*
2018-08-09, 04:48
ـ السياسة الشرعية:
تنقسم السياسة بحسب مصدرها على قسمين كبيرين: سياسة دينية، وسياسة عقلية،
وقد بين ذلك ابن خًُلدون عندما تحدث عن وجوب وجود قوانين سياسية مفروضة في الدولة يسلم بها الكافة، فقال: 'فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبصرائها كانت سياسة عقلية، وإن كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية'.
وانطلاقًا من تقسيم ابن خُلدون للسياسة؛ فإنه بين أنواع النظم السياسية القائمة عليه، فيقول: 'الملك السياسي: هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار
والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها'.
وابن خلدون رحمه الله في حديثه عن القوانين السياسية يبرز الجانب الكلي أو المعياري لها بوصفها تشريعات ضابطة أو حاكمة، وحديثه في هذا المجال يقترب من الحديث عن 'الأحكام السلطانية'.
ومن هنا ومما تقدم يتبين أن للسياسة جانبين: أحدهما معياري كلي 'تأصيلي'، والآخر عملي تطبيقي، والسياسة الشرعية ما كانت مراعية للشرع في الجانبي، تلتزم به وتتقيد، ولا تخرج عنه.
والذي يظهر لي أن عبارة 'السياسة الشرعية' لم تكن مقيدة أولاً بقيد 'الشرعية'؛ انطلاقًا من أن السياسة هي الإصلاح، ولا إصلاح حقيقيًا إلا بالشرع
فكان إطلاق لفظ 'السياسة' بدون قيد كافيًا في إفادة المطلوب من عبارة 'السياسة الشرعية'
ثم مع ضعف العلم وعدم الفقه الجيد لسياسة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الولاة وعند من تقلد لهم القضاء؛ صارت 'السياسة' تخالف الشرع
فاحتيج إلى تقييد السياسة بالشرعية لإخراج تلك السياسة الظالمة من حد القبول
وتسمى السياسة الشرعية أحيانًا بالسياسة العادلة.
وقد تحدث شيخ الإسلام عن هذا التغيير الحاصل في السياسة وبَيَّن سببه، فقال: 'لما صارت الخلافة في ولد العباس، واحتاجوا إلى سياسة الناس وتقلد لهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق
ولم يكن ما معهم من العلم كافيًا في السياسة العادلة؛ احتاجوا حينئذ إلى وضع ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين حتى صار يقال: الشرع والسياسة ...
والسبب في ذلك أن الذين انتسبوا إلى الشرع قصروا في معرفة السنة، فصارت أمور كثيرة إذا حكموا ضيعوا الحقوق
وعطلوا الحدود، حتى تسفك الدماء، وتؤخذ الأموال وتستباح المحرمات، والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوع من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة'.
ويقول ابن القيم رحمه الله: 'ومن له ذوق في الشريعة، وإطلاع على كمالاتها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها
ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها، وحسن فهمه فيها؛ لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإن السياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر
فهي من الشرعية، علمها من علمها وجهلها من جهلها'، إلى أن يقول: 'فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به
بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا لمصطلحهم، وإنما هي عدل الله ورسوله'.
*عبدالرحمن*
2018-08-09, 04:54
ـ الفقه في السياسة الشرعية:
تواجه السياسة الشرعية نوعين من المسائل:
أحدهما: جاءت فيه نصوص شرعية.
والثاني: لم تأت فيه نصوص بخصوصه.
والفقه في النوع الأول يكون عن طريق:
1ـ فهم النصوص الشرعية فهمًا جيدًا، ومعرفة ما دلت عليه، والتنبه للشروط الواجب توافرها في تطبيق الحكم والموانع التي تمنع من تنفيذه، ثم يلي ذلك تطبيق الحكم وتنفيذه.
2ـ التمييز بين النصوص التي جاءت تشريعًا عامًا يشمل الزمان كله، والمكان كله ـ وهذا هو الأصل في مجيء النصوص ـ، وبين النصوص التي جاءت الأحكام فيها معللة بعلة، أو مقيدة بصفة
أو التي راعت عرفًا موجودًا زمن التشريع، أو نحو ذلك.
والأول يسميه ابن القيم: 'الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة'، بينما يسمي الثاني: 'السياسات الجزئية التابعة للمصالح فتتقيد بها زمانًا ومكانًا'.
ومن مسائل هذه السياسات 'النوع الثاني
' منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه سهم المؤلفة قلوبهم عن قوم كان يعطيهم إياه
وذلك لزوال تلك الصفة عنهم، فإنما كانوا يعطون لاتصافهم بهذه الصفة لا لأعيانهم، فلما زالت الصفة منع السهم عنهم، وليس في هذا تغيير للحكم وإنما هو إعمال له، وهو من باب السياسة الشرعية،
وكذلك أمر عثمان رضي الله عنه بإمساك ضوال الإبل مع أن المنع من إمساكها مستفاد من سؤال أحد الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن إمساك الإبل فقال: 'ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها ـ ترد الماء وتأكل من الشجر
حتى يلقاها ربها'، ومع النظرة الثاقبة في الحديث يتبين دقة فهم عثمان رضي الله عنه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ظهر من كلامه أنه يفتي عن حالة آمنة تأكل فيها الإبل من الشجر وتشرب من الماء
من غير أن يلحقها ضرر حتى يجدها صاحبها، فأما إذا تغير حال الناس ووجد منهم من يأخذ الضالة، صار هذا الحال غير متحقق
فإنها إذا تركت في هذه الحالة لن يجدها صاحبها، ومن هنا أمر بإمساكها وكذلك نقول: لو أن حالة الناس من حيث الأمانة لم تتغير، وإنما كان الناس يعيشون بجوار أرض مسبعة
وكان في تركها هلاك لها حتى يأكلها السبع؛ لكان الأمر بإمساكها هو المتعين حفظًا لأموال المسلمين، وهذا من السياسة الشرعية، والأمثلة في ذلك كثيرة.
والنوع الثاني من المسائل: وهو ما لم تأت فيه نصوص بخصوصه، فإن الفقه فيه يكون عن طريق الاجتهاد الذي تكون غايته تحقيق المصالح ودرء المفاسد
والاجتهاد هنا ليس لمجرد تحصيل ما يتوهم أنه مصلحة أو درء ما يتوهم أنه مفسدة، بل هو اجتهاد منضبط بضوابط الاجتهاد الصحيح
وذلك من خلال:
1ـ أن يجري ذلك الاجتهاد في تحقيق المصالح ودرء المفاسد في ضوء مقاصد الشريعة تحقيقًا لها وإبقاء عليها، والاجتهاد الذي يعود على المقاصد الشرعية أو بعضها بالإبطال هو اجتهاد فاسد مردود
وإن ظهر أنه يحقق مصلحة، أو يدرأ مفسدة.
2ـ عدم مخالفته لدليل من أدلة الشرع التفصيلية، إذ لا مصلحة حقيقية ـ وإن ظهرت ببادي الرأي ـ في مخالفة الأدلة الشرعية.
والنوعان الأول والثاني من المسائل قد تحتاج كل منهما
وخاصة في هذا العصر
لضمان حسن تطبيقه وتنفيذه إلى إنشاء هيئات أو مؤسسات تكون مسؤولة عن التطبيق والتنفيذ
وإنشاء هذه الهيئات أو المؤسسات في ظل موافقة مقاصد الشريعة وعدم مخالفتها لنصوصها التفصيلية
هو من السياسة الشرعية.
والاجتهاد في مسائل السياسة الشرعية قد يؤدي إلى 'استنباط أحكام اجتهادية جديدة تبعًا لتغيير الأزمان مراعاة لمصالح الناس والعباد
أو نفي أحكام اجتهادية سابقة إذا ما أصبحت غير محصلة لمصلحة أو مؤدية لضرر أو فساد
أو غير مسايرة لتطور الأزمان والأحوال والأعراف
أو كانت الأحكام الاجتهادية الجديدة أكثر تحقيقًا للمصالح ودفعًا للمفاسد.
*عبدالرحمن*
2018-08-09, 04:58
ـ السياسة الشرعية والنظم السياسية:
مما تقدم يتبين أن موضوعات السياسة الشرعية كثيرة
وأن أحد موضوعاتها هو التشريعات السياسية التي تسير بمقتضاها الدولة أو بالتعبير القديم 'الأحكام السلطانية'
أو بالتعبير المعاصر 'النظام السياسي'
فإن البحث في النظام السياسي الإسلامي وتطبيقه في الواقع والاجتهاد في تكوين مؤسساته
ووضع النظم واللوائح المنظمة لذلك؛ هو مما يدخل في السياسة الشرعية
ولمكانة هذا الموضوع من السياسة الشرعية؛ فإن بعض أهل العلم المعاصرين قد عرف السياسة الشرعية به فقال: 'فالسياسة الشرعية هي تدبير الشؤون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار؛ مما لا يتعدى حدود الشريعة وأصولها الكلية
والمراد بالشؤون العامة للدولة كل ما تتطلبه حياتها من نظم، سواء أكانت 'دستورية'
أم مالية أم 'تشريعية' أم قضائية أم تنفيذية، وسواء أكانت من شؤونها الداخلية أم علاقاتها الخارجية
فتدبير هذه الشؤون، ووضع قواعدها بما يتفق وأصول الشرع هو السياسة الشرعية'
وعلم السياسة الشرعية على ذلك هو 'علم يبحث فيه عما تدبر به شؤون الدولة الإسلامية من القوانين والنظم التي تتفق وأصول الإسلام
وإن لم يقم على كل تدبير دليل خاص'. ولا شك أن هذا من السياسة الشرعية لكنه جزء من أجزائها كما تقدم
ويدخل في ذلك الرد على الشبه التي تثار حول السياسة الشرعية
وعليه فإن التعرض للنظم المناقضة للنظم الإسلامية وبيان فسادها وبطلانها يدخل في علم السياسة الشرعية.
*عبدالرحمن*
2018-08-09, 05:02
ـ متطلبات النظر في السياسة الشرعية:
نظرًا لطبيعة السياسة الشرعية على الوجه المتقدم بيانه
فإنه يلزم الناظر فيها والمتفقه أمور منها:
ـ المعرفة التامة بأن الشريعة تضمن غاية مصالح العباد في المعاش والمعاد
وأنها كاملة في هذا الباب صورة ومعنى؛ بحيث لا تحتاج إلى غيرها
فإن الله تعالى قد أكمل الدين وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]
ومنها الاطلاع الواسع على نصوص الشريعة مع الفهم لها ولما دلت عليه من السياسة الإلهية أو النبوية
ومنها المعرفة الواسعة الدقيقة بمقاصد الشريعة
وأن مبناها على تحصيل المصالح الأخروية والدنيوية ودرء المفاسد
ومنها التفرقة بين الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة
والسياسات الجزئية التابعة للمصالح التي تتقيد بها زمانًا ومكانًا
ومنها المعرفة بالواقع والخبرة فيه
وفهم دقائقه
والقدرة على الربط بين الواقع وبين الأدلة الشرعية
ومنها دراسة السياسة الشرعية للخلفاء الراشدين والفقه فيها
ومنها معرفة أن الاجتهاد في باب السياسة الشرعية ليس بمجرد ما يتصور أنه مصلحة وإنما يلزم التقيد في ذلك بالمصالح المعتبرة شرعًا
ومنها رحمة الناظرين في هذا الباب بعضهم بعضًا عند الاختلاف في مواطن الاجتهاد
محمد بن شاكر الشريف
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 04:27
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حكم الديمقراطية والانتخابات والعمل في أنظمتها
السؤال
ما حكم الديمقراطية
شغل منصب بارز في البرلمان
أو شغل منزلة أخرى في حكومة ديمقراطية ؟
وما حكم الاقتراع وانتخاب شخص بطريقة ديمقراطية ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً:
الديمقراطية نظام أرضي ، يعني حكم الشعب للشعب ، وهو بذلك مخالف للإسلام ، فالحكم لله العلي الكبير
ولا يجوز أن يُعطى حق التشريع لأحدٍ من البشر كائناً من كان .
وقد جاء في " موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " ( 2 / 1066 ، 1067 ) :
"ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة ، في الطاعة ، والانقياد ، أو في التشريع ، حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى ، وحقه في التشريع المطلق ، وتجعلها من حقوق المخلوقين
والله تعالى يقول : ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/ 40
ويقول تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) الأنعام/ 57" انتهى .
وسبق تفصيل ذلك في جواب السؤال القادم
ثانياً:
من علم حال النظام الديمقراطي وحكمه ثم رشح نفسه أو رشح غيره مقرّاً لهذا النظام ، عاملاً به ، فهو على خطر عظيم ، إذ النظام الديمقراطي منافٍ للإسلام كما سبق .
وأما من رشح نفسه أو رشح غيره في ظل هذا النظام ، حتى يدخل ذلك المجلس وينكر على أهله ، ويقيم الحجة عليهم ، ويقلل من الشر والفساد بقدر ما يستطيع ، وحتى لا يخلو الجو لأهل الفساد والإلحاد يعيثون في الأرض فساداً
ويفسدون دنيا الناس ودينهم ، فهذا محل اجتهاد ، حسب المصلحة المتوقعة من ذلك .
بل يرى بعض العلماء أن الدخول في هذه الانتخابات واجب .
فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
عن حكم الانتخابات
فأجاب : "أنا أرى أن الانتخابات واجبة ، يجب أن نعين من نرى أن فيه خيراً ، لأنه إذا تقاعس أهل الخير ، مَنْ يحل محلهم ؟
سيحل محلهم أهل الشر ، أو الناس السلبيون الذين ما عندهم خير ولا شر ، أتباع كل ناعق ، فلابد أن نختار من نراه صالحاً .
فإذا قال قائل : اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلك .
قلنا : لا مانع ، هذا الواحد إذا جعل الله فيه البركة وألقى كلمة الحق في هذا المجلس سيكون لها تأثير ولا بد ، لكن الذي ينقصنا الصدق مع الله ، نعتمد على الأمور المادية الحسية ولا ننظر إلى كلمة الله عز وجل ....
فَرَشِّحْ مَنْ ترى أنه خير ، وتوكل على الله " انتهى باختصار.
من "لقاءات الباب المفتوح".
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"هل يجوز التصويت في الانتخابات والترشيح لها ؟ مع العلم أن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله؟
فأجابوا :
"لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله ، وتعمل بغير شريعة الإسلام
فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة إلا إذا كان من رشح نفسه من المسلمين ومن ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام
واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم ، على ألا يعمل من رشح نفسه بعد تمام الدخول إلا في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية".
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود" .
انتهى من" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 23 / 406 ، 407 ) .
وسئلوا ـ أيضاً ـ :
"كما تعلمون عندنا في الجزائر ما يسمى بـ : "الانتخابات التشريعية"
هناك أحزاب تدعو إلى الحكم الإسلامي ، وهناك أخرى لا تريد الحكم الإسلامي . فما حكم الناخب على غير
الحكم الإسلامي مع أنه يصلي ؟
فأجابوا:
"يجب على المسلمين في البلاد التي لا تحكم الشريعة الإسلامية
أن يبذلوا جهدهم وما يستطيعونه في الحكم بالشريعة الإسلامية
وأن يقوموا بالتكاتف يدا واحدة في مساعدة الحزب الذي يعرف منه أنه سيحكم بالشريعة الإسلامية
وأما مساعدة من ينادي بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية فهذا لا يجوز
بل يؤدي بصاحبه إلى الكفر
لقوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49-50
ولذلك لما بَيَّن اللهُ كفر من لم يحكم بالشريعة الإسلامية
حذر من مساعدتهم أو اتخاذهم أولياء ، وأمر المؤمنين بالتقوى إن كانوا مؤمنين حقا
فقال تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المائدة/57 .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ".
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان" .
انتهى من"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/373) .
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 04:38
مفهوم الديمقراطية في الإسلام
السؤال
سمعت أن كلمة الديمقراطية مستقاة من الإسلام
فهل هذا صحيح ؟
وما حكم الترويج للديمقراطية ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً:
الديمقراطية ليست كلمة عربية ، بل هي مشتقة من اليونانية
وهي مجموعة من كلمتين : الأولى : Demos ( ديموس )
وتعني : عامة الناس ، أو الشعب
والثانية : Kratia ( كراتيا )
وتعني : حكم ، فيصبح معناها : حكم عامة الناس ، أو : حكم الشعب .
ثانياً:
الديمقراطية نظام مخالف للإسلام ؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب ، أو من ينوب عنهم (كأعضاء البرلمان)
وعليه : فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى ، بل للشعب ، ونوابه ، والعبرة ليست بإجماعهم ، بل بالأكثرية ، ويصبح اتفاق الأغلبية قوانين ملزمة للأمة ، ولو كانت مخالفة للفطرة
والدين ، والعقل ، ففي هذه النظم تم تشريع الإجهاض ، وزواج المثليين ، والفوائد الربوية ، وإلغاء الأحكام الشرعية ، وإباحة الزنا وشرب الخمر ، بل بهذا النظام يحارب الإسلام ويحارب المتمسكين به .
وقد أخبر الله تعالى فيه كتابه أن الحكم له وحده ، وأنه أحكم الحاكمين ، ونهى أن يُشرك به أحد في حكمه ، وأخبر أن لا أحد أحسن منه حكماً .
قال الله تعالى : ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12
وقال الله تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40
وقال الله تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8 ، وقال تعالى : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) الكهف/26
وقال الله تعالى : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .
والله عز وجل هو خالق الخلق ، وهو يعلم ما يَصلح لهم وما يُصلحهم من أحكام ، والبشر يتفاوتون في العقول والأخلاق والعادات ، وهم يجهلون ما يصلح لهم فضلا أن يكونوا على علم بما يَصلح لغيرهم
ولذا فإن المجتمعات التي حكمها الشعب في التشريعات والقوانين لم يُر فيها إلا الفساد ، وانحلال الأخلاق ، وتفسخ المجتمعات .
مع التنبيه على أن هذا النظام تحول في كثير من الدول إلى صورة لا حقيقة لها ، ومجرد شعارات يُخدع بها الناس ، وإنما الحاكم الفعلي هو رأس الدولة وأعدائه ، والشعب مقهور مغلوب على أمره .
ولا أدل على ذلك من أن هذه الديمقراطية إذا أتت بما لا يهواه الحكام داسوها بأقدامهم ، ووقائعُ تزوير الانتخابات وكبت الحريات وتكميم أفواه من يتكلمون بالحق : حقائقُ يعلمها الجميع ، لا تحتاج إلى استدلال .
وليس يصلح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
جاء في " موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " ( 2 / 1066 ) :
"ديمقراطية نيابية :
أحد مظاهر النظم الديمقراطية التي يمارس فيها الشعب مظاهر السيادة بواسطة مجلس منتخب من نواب من الشعب
وفيها يحتفظ الشعب بحق التدخل المباشر لممارسة بعض مظاهر السيادة عن طريق وسائل مختلفة
أهمها :
1. حق الاقتراع الشعبي : بأن يقوم عدد من أفراد الشعب بوضع مشروع للقانون مجملاً أو مفصَّلاً ، ثم يناقشه المجلس النيابي ويصوِّت عليه .
2. حق الاستفتاء الشعبي : بأن يُعرض القانون بعد إقرار البرلمان له على الشعب ليقول كلمته فيه .
3. حق الاعتراض الشعبي : وهو حق لعدد من الناخبين يحدده الدستور للاعتراض في خلال مدة معينة من صدوره
ويترتب على ذلك عرضه على الشعب في استفتاء عام ، فإن وافق عليه نُفِّذ… وإلا بطل ، وبه تأخذ معظم الدساتير المعاصرة .
ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة في الطاعة والانقياد أو في التشريع
حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى وحقه في التشريع المطلق
وتجعلها من حقوق المخلوقين
والله تعالى يقول : ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40
ويقول الله تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) الأنعام/57 " انتهى .
ثالثاً :
يظن كثير من الناس ، أن لفظ " الديمقراطية " يعني : الحرية ! وهذا ظن فاسد
وإن كانت الحرية هي إحدى إفرازات " الديمقراطية "
ونعني بالحرية هنا : حرية الاعتقاد ، وحرية التفسخ في الأخلاق ، وحرية إبداء الرأي ، وهذه أيضا لها مفاسد كثيرة على المجتمعات الإسلامية
حتى وصل الأمر إلى الطعن في الرسل والرسالات ، وفي القرآن والصحابة ، بحجة " حرية الرأي " ، وسُمح بالتبرج والسفور ونشر الصور والأفلام الهابطة بحجة الحرية
وهكذا في سلسلة طويلة ، كلها تساهم في إفساد الأمة ، خلقيّاً ، ودينيّاً.
وحتى تلك الحرية التي تنادي بها الدول من خلال نظام الديمقراطية ليست على إطلاقها ، فنرى الهوى والمصلحة في تقييد تلك الحريات
ففي الوقت الذي تسمح نظمهم بالطعن في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن
بحجة حرية الرأي : نجد منع هذه الحرية في مثل الكلام عن " محرقة النازيين لليهود " ! بل يتم تجريم وسجن من ينكر هذه المحرقة ، مع أنها قضية تاريخية قابلة للإنكار .
وإذا كان هؤلاء دعاة حرية : فلماذا لم يتركوا الشعوب الإسلامية تختار مصيرها ودينها ؟!
ولماذا قاموا باستعمار بلدانهم وساهموا في تغيير دينهم ومعتقدهم ؟
وأين هذه الحريات من مذابح الإيطاليين للشعب الليبي ، ومن مذابح الفرنسيين للشعب الجزائري ، ومن مذابح البريطانيين للشعب المصري ، ومن مذابح الأمريكان للشعبين الأفغاني والعراقي ؟!
والحرية عند أدعيائها يمكن أن تصطدم بأشياء تقيدها ، ومنها :
1. القانون ، فليس للإنسان مطلق الحرية أن يسير في عكس اتجاه السير في الشارع ، ولا أن يفتح محلا من غير ترخيص ، ولو قال " أنا حر " لم يلتفت له أحد .
2. العرف ، فلا تستطيع امرأة عندهم – مثلاً – أن تذهب لبيت عزاء وهي تلبس ملابس البحر ! ولو قالت " أنا حرَّة " لاحتقرها الناس ، ولطردوها ؛ لأن هذا مخالف للعرف .
3. الذوق العام ، فلا يستطيع أحد منهم – مثلاً – أن يأكل ويخرج ريحاً أمام الناس ! بل ولا أن يتجشأ ! ويحتقره الناس ولو قال إنه حر .
ونقول بعد هذا :
لماذا لا يكون لديننا أن يقيِّد حرياتنا ، مثل ما قُيدت حرياتهم بأشياء لا يستطيعون إنكارها ؟!
ولا شك أن ما جاء به الدين هو الذي فيه الخير والصلاح للناس ، فأن تمنع المرأة من التبرج ، وأن يمنع الناس من شرب الخمر ، وأكل الخنزير ، وغير ذلك : كله لهم فيه مصالح ، لأبدانهم
وعقولهم ، وحياتهم ، ولكنهم يرفضون ما يقيِّد حرياتهم إن جاء الأمر من الدين ، ويقولون " سمعنا وأطعنا " إن جاءهم الأمر من بشرٍ مثلهم ، أو من قانون !
رابعاً :
ويظن بعض الناس أن لفظ " الديمقراطية " يعادل " الشورى " في الإسلام ! وهذا ظن فاسد من وجوه كثيرة
منها :
1. أن الشورى تكون في الأمور المستحدثة ، أو النازلة ، وفي الشؤون التي لا يفصل فيها نص من القرآن أو السنَّة
وأما " حكم الشعب " فهو يناقش قطعيات الدين ، فيرفض تحريم الحرام ، ويحرِّم ما أباحه الله أو أوجبه
فالخمور أبيح بيعها بتلك القوانين ، والزنا والربا كذلك ، وضيِّق على المؤسسات الإسلامية وعلى عمل الدعاة إلى الله بتلك القوانين ، وهذا فيه مضادة للشريعة
وأين هذا من الشورى ؟!
2. مجلس الشورى يتكون من أناسٍ على درجة من الفقه والعلم والفهم والوعي والأخلاق ، فلا يُشاور مفسد ولا أحمق ، فضلاً عن كافر أو ملحد
وأما مجالس النيابة الديمقراطية : فإنه لا اعتبار لكل ما سبق ، فقد يتولى النيابة كافر ، أو مفسد ، أو أحمق
وأين هذا من الشورى في الإسلام ؟! .
3. الشورى غير ملزمة للحاكم ، فقد يقدِّم الحاكم رأي واحدٍ من المجلس قويت حجته ، ورأى سداد رأيه على باقي رأي أهل المجلس ، بينما في الديمقراطية النيابية يصبح اتفاق الأغلبية قانوناً ملزماً للناس .
إذا عُلم هذا فالواجب على المسلمين الاعتزاز بدينهم ، والثقة بأحكام ربهم أنها تُصلح لهم دنياهم وأخراهم ، والتبرؤ من النظم التي تخالف شرع الله .
وعلى جميع المسلمين – حكَّاماً ومحكومين – أن يلتزموا بشرع الله تعالى في جميع شؤونهم ، ولا يحل لأحدٍ أن يتبنى نظاماً أو منهجاً غير الإسلام
ومن مقتضى رضاهم بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً أن يلتزم المسلمون بالإسلام ظاهراً وباطناً ، وأن يعظموا شرع الله ، وأن يتبعوا سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم
.
نسأل الله أن يعزنا بالإسلام ، وأن يرد كيد الخائنين .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 04:45
موارد بيت المال في الدولة الإسلامية
السؤال :
إذا كانت الزكاة لا تُصرف إلا في الثماني أوجه المذكورة في الآية
فمِن أين ستأتي الدولة بالنقود لخلاص موظفيها ، وبناء الطرقات ، والمستشفيات ، والمدارس ، والجامعات ، وإلى غير ذلك مما يجب على الدولة القيام به ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
مصارف الزكاة محددة فيما ذكره الله تعالى بقوله : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/ 60
ثانياً :
أما بخصوص موارد بيت مال المسلمين : فهي كثيرة ، ومتنوعة ، في القديم ، والحديث .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 8 / 245 – 248 ) :
"مَوَارِدُ بَيْتِ الْمَال :
أ. الزكاة بأنواعها ، التي يأخذها الإمام سواء أكانت زكاة أموال ظاهرة ، أم باطنة ، من السوائم ، والزروع ، والنقود ، والعروض .- .
ب. خُمس الغنائم المنقولة ، والغنيمة : هي كل مال أُخذ من الكفار بالقتال ، ما عدا الأراضي والعقارات ، فيورد خُمسها لبيت المال ، ليصرف في مصارفه
قال الله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .... ) الآية .
ج. خُمس الخارج من الأرض من المعادن ، من الذهب ، والفضة ، والحديد ، وغيرها ، وقيل : مثلها المستخرج من البحر من لؤلؤ ، وعنبر ، وسواهما .
د. خُمس الركاز (الكنوز) ، وهو كل مال دُفن في الأرض بفعل الإنسان ، والمراد هنا : كنوز أهل الجاهلية ، والكفر ، إذا وجده مسلم : فخُمسه لبيت المال ، وباقيه بعد الخُمس لواجده .
هـ. الفيء : وهو كل مال منقول أُخذ من الكفار بغير قتال ، وبلا إيجاف خيل ولا ركاب .
والفيء أنواع :
1. ما جلا عنه الكفار خوفاً من المسلمين من الأراضي ، والعقارات ، وهي تُوقف كالأراضي المغنومة بالقتال ، وتُقسم غلاتها كل سنَة ، نصَّ عليه الشافعية ، وفي ذلك خلاف .
2. ما تركوه وجلُوا عنه من المنقولات ، وهو يُقسم في الحال ، ولا يوقف .
3. ما أُخذ مِن الكفار من خَراج ، أو أجرة عن الأراضي التي ملكها المسلمون ، ودفعت بالإجارة لمسلم ، أو ذمي ، أو عن الأراضي التي أُقرت بأيدي أصحابها من أهل الذمَّة ، صلحاً
أو عنوة على أنها لهم ، ولنا عليها الخراج .
4. الجزية ، وهي : ما يُضرب على رقاب الكفار لإقامتهم في بلاد المسلمين ، فيفرض على كل رأس من الرجال البالغين القادرين مبلغ من المال
أو يضرب على البلد كلها أن تؤدي مبلغاً معلوماً ، ولو أداها من لا تجب عليه : كانت هبةً ، لا جزية .
5. عشور أهل الذمة ، وهي : ضريبة تؤخذ منهم عن أموالهم التي يترددون بها متاجرين إلى دار الحرب ، أو يدخلون بها من دار الحرب إلى دار الإسلام
أو ينتقلون بها من بلد في دار الإسلام إلى بلد آخر ، تؤخذ منهم في السنَة مرَّة ، ما لم يخرجوا من دار الإسلام ، ثم يعودوا إليها .
ومثلها : عشور أهل الحرب من التجار كذلك ، إذا دخلوا بتجارتهم إلينا مستأمنين .
6. ما صولح عليه الحربيون من مال يؤدونه إلى المسلمين .
7. مال المرتد إن قُتل ، أو مات ، ومال الزنديق إن قتل أو مات ، فلا يورث مالهما ، بل هو فيء ، وعند الحنفية في مال المرتد تفصيل .
8. مال الذمي إن مات ولا وارث له ، وما فضل من ماله عن وارثه : فهو فيء كذلك .
9. الأراضي المغنومة بالقتال ، وهي الأراضي الزراعية ، عند من يرى عدم تقسيمها بين الغانمين .
و. غلاَّت أراضي بيت المال ، وأملاكه ، ونتاج المتاجرة ، والمعاملة .
ز. الهبات ، والتبرعات ، والوصايا ، التي تُقدم لبيت المال للجهاد ، أو غيره ، من المصالح العامة
.
ح. الهدايا التي تقدم إلى القضاة ممن لم يكن يُهدي لهم قبل الولاية ، أو كان يُهدي لهم لكن له عند القاضي خصومة ، فإنها إن لم ترد إلى مُهديها ترد إلى بيت المال
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من " ابن اللتبية " ما أُهدي إليه .
وكذلك الهدايا التي تقدم إلى الإمام من أهل الحرب ، والهدايا التي تقدم إلى عمال الدولة ، وهذا إن لم يعط الآخذ مقابلها من ماله الخاص .
ط. الضرائب الموظفة على الرعية لمصلحتهم ، سواء أكان ذلك للجهاد ، أم لغيره ، ولا تضرب عليهم إلا إذا لم يكن في بيت المال ما يكفي لذلك ، وكان لضرورة ، وإلا كانت مورداً غير شرعي .
ي. الأموال الضائعة ، وهي مال وجد ولم يمكن معرفة صاحبه ، من لُقَطة ، أو وديعة ، أو رهن ، ومنه : ما يوجد مع اللصوص ، ونحوهم مما لا طالب له ، فيورد إلى بيت المال .
ك. مواريث مَن مات مِن المسلمين بلا وارث ، أو له وارث لا يرث كل المال - عند من لا يرى الرد - ومَن قتل وكان بلا وارث : فإن ديته تورد إلى بيت المال ، ويصرف هذا في مصارف الفيء .
وحق بيت المال في هذا النوع هو على سبيل الميراث عند الشافعية والمالكية ، أي : على سبيل العصوبة ، وقال الحنابلة والحنفية : يرد إلى بيت المال فيئاً ، لا إرثاً .
ل. الغرامات ، والمصادرات : وقد ورد في السنَّة تغريم مانع الزكاة بأخذ شطر ماله ، وبهذا يقول إسحاق بن راهويه ، وأبو بكر عبد العزيز ، وورد تغريم مَن أخذ من الثمر المعلَّق وخرج به ضعف قيمته
وبهذا يقول الحنابلة ، وإسحاق بن راهويه : والظاهر أن مثل هذه الغرامات إذا أُخذت : تنفق في المصالح العامة ، فتكون بذلك من حقوق بيت المال .
وورد أن عمر رضي الله عنه صادر شطر أموال بعض الولاة ؛ لمَّا ظهر عليهم الإثراء بسبب أعمالهم ، فيرجع مثل ذلك إلى بيت المال أيضاً" انتهى مختصرا .
ومِن موارد بيت مال المسلمين في العصر الحديث : الموارد الطبيعية المكتشفة في أراضي الدولة , من نفط ، وغاز طبيعي ، ومعادن ... إلخ ، وقلَّ من دولة إلا وفيها مثل هذه الموارد .
ويضاف إلى هذه الموارد أيضاً : ما تأخذه الدولة مقابل ما تقوم به من مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية أو خدمات تقدمها للناس ، كالكهرباء والهاتف والمياه ... إلخ .
وبهذا يتبين أن الموارد المالية لبيت مال المسلمين كثيرة جداً.
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 04:53
حكم الخروج على الحكام الذين يقترفون المعاصي والكبائر
السؤال :
هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد ، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة ، فما رأي سماحتكم ؟
الجواب:
الحمد لله
أجاب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، فقال :
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهداه ، أما بعد :
فقد قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/59
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر ، وهم الأمراء والعلماء
وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة
وهي فريضة في المعروف
والنصوص من السنة تبين المعنى
وتقيد إطلاق الآية بأن المراد طاعتهم في المعروف
ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي
فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية
لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة )
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )
وسأله الصحابة رضي الله عنهم - لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون - قالوا : فما تأمرنا ؟
قال : ( أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم ) .
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله
وقال : ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان )
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور
ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان
وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً ، وشراً عظيماً ، فيختل به الأمن ، وتضيع الحقوق ، ولا يتيسر ردع الظالم ، ولا نصر المظلوم ، وتختل السبل ولا تأمن
فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير ، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان
فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان ؛ لإزالته إذا كان عندهم قدرة ، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا ، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج ؛ رعاية للمصالح العامة .
والقاعدة الشرعية المجمع عليها
: ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه ، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين )
فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً عندها قدرة تزيله بها ، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين
وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس ، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير ، واختلال الأمن ، وظلم الناس ، واغتيال من لا يستحق الاغتيال إلى غير ذلك من الفساد العظيم
فهذا لا يجوز ، بل يجب الصبر ، والسمع والطاعة في المعروف ، ومناصحة ولاة الأمور ، والدعوة لهم بالخير ، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير . و هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك
لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة ، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير ، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر ، ونسأل الله للجميع التوفيق والهداية " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (8/202-204) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-11, 04:57
لمن تكون البيعة
السؤال :
هل يجب على كل مسلم أن يبايع شخصاً بيده كما فعل الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ؟.
الجواب:
الحمد لله
البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين . يبايعه أهل الحل والعقد ، وهم العلماء والفضلاء ووجوه الناس ، فإذا بايعوه ثبتت ولايته
ولا يجب على عامة الناس أن يبايعوه بأنفسهم ، وإنما الواجب عليهم أن يلتزموا طاعته في غير معصية الله تعالى .
قَالَ الْمَازِرِيّ :
يَكْفِي فِي بَيْعَةِ الإِمَامِ أَنْ يَقَع مِنْ أَهْل الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلا يَجِب الاسْتِيعَاب , وَلا يَلْزَم كُلّ أَحَدٍ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيَضَع يَدَهُ فِي يَدِهِ , بَلْ يَكْفِي اِلْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَالانْقِيَادُ لَهُ بِأَنْ لا يُخَالِفَهُ وَلا يَشُقَّ الْعَصَا عَلَيْهِ انتهى نقلاً من فتح الباري .
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :
أَمَّا الْبَيْعَة : فَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَط لِصِحَّتِهَا مُبَايَعَة كُلّ النَّاس , وَلا كُلّ أَهْل الْحَلّ وَالْعِقْد , وَإِنَّمَا يُشْتَرَط مُبَايَعَة مَنْ تَيَسَّرَ إِجْمَاعهمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَالرُّؤَسَاء وَوُجُوه النَّاس , .
. . وَلا يَجِب عَلَى كُلّ وَاحِد أَنْ يَأْتِيَ إِلَى الأَمَام فَيَضَع يَده فِي يَده وَيُبَايِعهُ , وَإِنَّمَا يَلْزَمهُ الانْقِيَادُ لَهُ , وَأَلا يُظْهِر خِلافًا , وَلا يَشُقّ الْعَصَا انتهى.
وما ورد في الأحاديث من ذكر البيعة فالمراد بيعة الإمام ، كقوله صلى الله عليه وسلم :(ومن مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية)رواه مسلم (1851).
وقوله صلى الله عليه وسلم :( ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)رواه مسلم (1844).
وقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) رواه مسلم (1853).
فهذا كله في بيعة الإمام ولا شك.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله
في جواب عن بيعة الجماعات المتعددة : " البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين ، وهذه البيعات المتعددة مبتدعة
وهي من إفرازات الاختلاف ، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد ، ولا يجوز المبايعات المتعددة "
المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/367
وأما ما يتعلق بصفة البيعة للإمام ، فإنها تكون في حق الرجال بالقول وبالفعل الذي هو المصافحة .
وتقتصر في حق النساء على القول ، وهذا ثابت في أحاديث مبايعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها : " لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، غير أنه يبايعهن بالكلام" ( رواه البخاري 5288 ومسلم 1866).
قال النووي رحمه الله في شرحه :
" فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف . وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام " انتهى.
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-13, 17:24
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تعريف الإرهاب ، وحقيقته في الإسلام ، وعند الغرب
السؤال
سمعنا كثيراً عن الإرهاب ، فما هو الإرهاب في نظر المسلم ؟
وما هو الإرهاب لدى الغرب ؟
وكيف نرد عليهم إن اختلفنا معهم ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً:
" الإرهاب " مصدر ، أرهبَ ، يُرْهِب ، إرهاباً
وهي لفظة تعني : التخويف
وهي في ذاتها ليست محمودة ، ولا مذمومة
إلا أن يُعلم معناها عند قائلها
وإلا أن ينظر في آثارها
ومن قال إن الإرهاب في الإسلام هو رديف القتل : فهو مخطئ
لأن اللفظة لا تساعد على هذا المعنى
فالإرهاب هو التخويف وليس القتل
وقد أمرَنا ربنا تعالى أن نَرْهَبه ، أي : نَخافه
كما في قوله تعالى : ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) البقرة/40
كما أمرنا بالاستعداد للعدو الذي يتوقع منه الكيد والحرب
وهذا الاستعداد هو لإرهابه حتى لا نكون لقمة سائغة له
وقد جاء ذلك موضحاً في قوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) الأنفال/ من الآية 60 .
وقد أطلقت الدول المستعمرة الآثمة هذه اللفظة على الإسلام ، وأرادت تشويه صورته في نظر عامة الناس ، فأقيمت لذلك المؤتمرات ، وعقدت الندوات
وأنشئت الأقسام باسم مكافحة الإرهاب ، ولم يكن في ذلك كله تعرض لتلك الدول المستعمرة المجرمة ، الجاثمة على صدور الضعفاء من المسلمين
كالهندوس في إرهابهم المسلمين في كشمير ، والروس في إرهابهم للمسلمين في الشيشان ، والأمريكان في إرهابهم للمسلمين في العراق وأفغانستان
واليهود في إرهابهم للمسلمين في فلسطين ، وراح السذَّج من المسلمين يطلقون هذا اللفظ على كل من يحلو لهم محاربته
وتنفير الناس منه ، وقد يكونون مصيبين في الحكم على طائفة منهم ، أو مجموعة ، لكن ما بال تلك الدول الإرهابية ، وتلك المنظمات العنصرية المجرمة قد نجت من الوصف بهذا اللفظ ، وجُعل حكراً على المسلمين ؟! .
وتشريعات الإسلام الربانية فيها ما يحافظ على عرض المسلم ، ودمه ، وماله ، ومن أجل ذلك كان تحريم القتل
والسرقة ، والزنا ، والقذف ، وجعلت الحدود المغلظة على من ارتكب تلك المحرمات ، وقد يصل الأمر للقتل – كالزاني المحصن – حفاظاً على أعراض الناس .
وقد جاءت العقوبة مغلظة لمن أرهب الناس وأخافهم ، مثل عصابات قطَّاع الطرق ، ومن يفعل مثل فعلهم داخل المدينة ، وهؤلاء هم الذين يسعون في الأرض فساداً
وقد حكم الله عليهم بأشد العقوبات كفّاً لشرهم ، وحفظاً لأموال الناس ودمائهم وأعراضهم
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة/ 33 .
وأبلغ من ذلك : أن الإسلام حرَّم على المسلم إخافة أخيه ، ولو مازحاً ، فعن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا ، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ )
رواه الترمذي ( 2160 ) وأبو داود ( 5003 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ
فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهَا ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكُمْ ؟
فَقَالُوا : لا ، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا )
رواه أحمد ( 23064 ) - واللفظ له - وأبو داود ( 4351 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
ثانياً:
الإرهاب في الإسلام نوعان :
1. ممدوح : وهو تخويف العدو خشية اعتدائه على المسلمين ، واحتلال ديارهم ، ويكون ذلك بالاستعداد الكامل بالتسلح بالإيمان ، والوحدة ، والسلاح ، وقد سبق في آية الأنفال ما يوضح أنه واجب على المسلمين .
والإسلام ليس بدعاً في هذا الأمر ، فها هي الدول تتسابق في الصناعات العسكرية ، وفي التسلح بالأسلحة التدميرية ، وبإنشاء الجيوش الجرارة
وبعمل الاستعراضات العسكرية لجنودها وأسلحتها ، وكل ذلك من أجل إظهار قوتها ؛ لإخافة جيرانها ، وأعدائها ، من أن تسول لهم أنفسهم الاعتداء عليها .
2. مذموم : وهو تخويف من لا يستحق التخويف ، من المسلمين ، ومن غيرهم من أصحاب الدماء المعصومة ، كالمعاهدين ، والمستأمنين ، وأهل الذمة .
وقد عرَّف " المجمع الفقهي الإسلامي " الإرهاب بأنه :
" العدوان الذي يمارسه أفراد ، أو جماعات ، أو دول ، بغياً على الإنسان ( دينه ، ودمه ، وعقله ، وماله ، وعرضه ) ، ويشمل صنوف التخويف
والأذى ، والتهديد ، والقتل بغير حق ، وما يتصل بصور الحرابة ، وإخافة السبيل ، وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف ، أو التهديد ، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي
فردي ، أو جماعي ، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم ، أو تعريض حياتهم ، أو حريتهم ، أو أمنهم ، أو أحوالهم ، للخطر ، ومن صنوفه : إلحاق الضرر بالبيئة
أو بأحد المرافق ، والأملاك العامة ، أو الخاصة ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية ، أو الطبيعية ، للخطر ، فكل هذا من صور الفساد في الأرض
التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها في قوله ( ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) القصص/ 77 " انتهى .
" الدورة السادسة عشر " بمكة المكرمة ، من 21 إلى 26 / 10 / 1422هـ
الذي يوافقه من 5 إلى 10 / 1 / 2002 م .
وجاء في البيان التنبيه إلى أمرين مهمين :
الأول : الرد على من وصف الإسلام بأنه دين إرهاب فمما جاء فيه :
"وقد لحظ أعضاء " المجمع " أن الحملات الإعلامية مدبرة ، وهي تنطوي على أباطيل ، وترهات ، تنطلق من إعلام موتور ، معادٍ ، تسهم في توجيهه مؤسسات الإعلام الصهيوني ؛ لتثير الضغائن
والكراهية ، والتمييز ، ضد الإسلام والمسلمين ، وتلصق بدين الله الخاتم التهم الباطلة ، وفي مقدمتها تهمة " الإرهاب " .
واتضح لأعضاء " المجمع " أن لصق تهمة الإرهاب بالإسلام عبر حملات إعلامية إنما هو محاولة لتنفير الناس من الإسلام ، حيث يقبلون عليه ، ويدخلون في دين الله أفواجاً .
ودعا أعضاء " المجمع " رابطة العالم الإسلامي ، وغيرها من المنظمات الإسلامية ، وكذلك عامة المسلمين إلى الدفاع عن الإسلام ، مع مراعاة شرف الوسيلة التي تتناسب ، وشرف هذه المهمة" .
وبينوا في سياق ردهم على الافتراء على الإسلام ، ولصق تهمة الإرهاب به : "أن الإرهاب ظاهرة عالمية ، لا ينسب لدين ، ولا يختص بقوم
وهو سلوك ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة ، وأوضحوا أن التطرف يتنوع بين تطرف سياسي ، وتطرف فكري ، وتطرف ديني
ولا يقتصر التطرف الناتج عن الغلو في الدين على أتباع دين معين ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى غلو أهل الكتاب في دينهم ، ونهاهم عنه
فقال في كتابه الكريم : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ) المائدة/ 77 " .نتهى
والثاني : ذِكرهم أن من الإرهاب إرهاب الدول ، والذي سكتت عنه وسائل الإعلام العالمية ، ولم تفضح أهله ، ومما جاء في البيان :
"ويؤكد المجمع أن من أنواع الإرهاب : إرهاب الدولة ، ومن أوضح صوره ، وأشدها شناعة : الإرهاب الذي يمارسه اليهود في فلسطين ، وما مارسه " الصرب " في كلٍّ من البوسنة ، والهرسك ، وكوسوفا
واعتبر " المجمع " أن هذا النوع من الإرهاب : من أشد أنواعه خطراً على الأمن ، والسلام في العالم ، واعتبر مواجهته من قبيل الدفاع عن النفس ، والجهاد في سبيل الله" .انتهى
ثالثاً:
أما الإرهاب عند الغرب : فهو ما نقرؤه ، ونشاهده ، من احتلالهم للدول الضعيفة ، ونهبهم لخيراتها ، وما نراه من التعذيب ، والاغتصاب
القتل ، وكل ذلك موثق بالصوت والصورة ، في وثائق لا يمكن إنكارها ، وهو استمرار لتاريخهم القديم في احتلال الدول بالقوة ، والبطش ، والسلاح .
والعجيب حقّاً : أن الدول الغربية – وخاصة أمريكا – لم يضعوا إلى الآن تعريفاً للإرهاب ! وواضح أنهم سيدينون أنفسهم بأي تعريف يختارونه
ولذلك جعلوا اللفظة مبهمة المعنى ، فتنصرف إلى من يريدون إلصام التهمة به.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
"الكفار من قديم يحاربون الإسلام ، ويصفونه بأقبح الصفات ؛ تنفيراً منه ، ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) التوبة/ 32
ومن ذلك : وصفهم له بالإرهاب ، والوحشية ، وينسون أن الإرهاب ، والوحشية ، وقتل الشعوب ، والتسلط على الخلق بغير الحق ، وكل صفات الذم : إنما هي في دين الكفر ، ومن صفات الكفار .
وكون بعض المنتسبين إلى الإسلام تصدر منهم بعض التصرفات الخاطئة - إما عن جهل أو عن قصد سيئ - : فإن ذلك لا ينسب إلى الإسلام ؛ لأن الإسلام ينهى عن ذلك .
وطريق الخلاص من هذا الاتهام السيئ للإسلام : أن يُبَيَّن أن فعل هؤلاء الأشخاص ليس من الإسلام ، وإنما هو تصرف شخصي
وأن كل مسلم فهو عرضة للخطأ ، وليس هناك معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 1 / 416 ، السؤال رقم 247 ) .
والله الموفق.
*عبدالرحمن*
2018-08-13, 17:33
حرمة دم المسلم ، وتحريم قتله بغير حق ، وواجب المسلمين تجاه ذلك
السؤال
ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدموها للمسلمين في بعض البلاد الذين يَقتل بعضهم بعضاً ؟
وما أعنيه هو هل من الجائز في الإسلام قتل المسلم لأخيه المسلم بغير حق ؟
وهل هذا الأمر حرام ؟
فهل قتل المسلمين لمجرد أنهم ينتمون لقبيلة أخرى حرام ؟
أنا امرؤ مسلم ووجدت أن هذا الأمر به من الحماقة والجهل ما به ، وهو ما أثارني ضد هذه الأعمال ، غيرة على دين الله ، وخوفاً عليهم من أن ينصهروا في تلك الأعمال
إنني آمل في أن تقوموا بالإيضاح لبعض المسلمين المقيمين معنا هنا في الغرب ، وإنني علي أمل أن يقوموا بتغيير هذا الأمر ، أو على الأقل يحاولون تغييره
وأتمنى أن تأخذوا وقتكم قبل الرد ، ومن ثم تخبرونهم عن قول الله تعالى حيال هذه الأعمال ، وما قاله الرسول الخاتم في مثل هذه الأعمال .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله أن يجزيك أخي السائل خيراً لشعورك بحال إخوانك المسلمين ، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً ، وأهل الإسلام كالجسد الواحد ، في تراحمهم ، وتعاطفهم ، وتوادهم .
ثانياً :
إن من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم : " كثرة الفتن " ، و " كثرة الهرج " – أي : القتل - .
فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يُقْبَضُ الْعِلْمُ ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ ، وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْهَرْجُ ؟ فَقَالَ : (هَكَذَا بِيَدِهِ) فَحَرَّفَهَا ، كَأَنَّه يُرِيدُ : الْقَتْلَ . رواه البخاري (85) - واللفظ له - ومسلم بمعناه (157) .
ومن أسباب كثرة القتل : دعاوى الجاهلية كما ذكر الأخ السائل ، وهو النصرة لقبيلة ، أو عصَبة ، أو طائفة ، وهو ما يحدث في كثير من دول العالَم
حتى ذهب في قتال بين قبيلتين في " أفريقيا " في بلد واحد أكثر من مليون شخص ! .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (... مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ : فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ
وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ) رواه مسلم (1848) .
وإن مِن أعظم الذنوب بعد الشرك بالله : قتل مسلم بغير حق ، وقد قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء/ 93 .
وعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا ، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا)
رواه أبو داود (4270) والنسائي (3984) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ)
رواه الترمذي (1398) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَاماً) رواه البخاري (6469) .
والواجب على كل مسلم أن يسعى أن يلقى الله تعالى وليس في صحيفته سفك دم لمسلم بغير حق .
والواجب على العقلاء في حال وقوع تخاصم بين قبيلتين ، أو عشيرتين ، أو عائلتين : أن يسعوا في الإصلاح بينهما ، وإعطاء كل ذي حق حقَّه
فإن أبت إحدى الطائفتين إلا البغي وقتال الطائفة الأخرى : قوتلت حتى ترغم على كف يدها ، ووقف القتال ، وفي هذا الحكم الإلهي قطع للنزاع ، ووقف لسفك الدماء .
قال تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين ) الحجرات/ 9 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
"هذا متضمن لنهي المؤمنين عن أن يبغي بعضهم على بعض ، ويقاتل بعضهم بعضاً ، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين : فإنَّ على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير
بالإصلاح بينهم ، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح ، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك ، فإن صلحتا : فبِها ونعمت
وإن (بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي : ترجع إلى ما حد الله ورسوله ، من فعل الخير ، وترك الشر ، الذي من أعظمه : الاقتتال .
وقوله (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) هذا أمر بالصلح ، وبالعدل في الصلح ، فإن الصلح قد يوجد ولكن لا يكون بالعدل ، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين
فهذا ليس هو الصلح المأمور به ، فيجب أن لا يراعى أحدهما ، لقرابة ، أو وطن ، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض ، التي توجب العدول عن العدل .
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي : العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات ، التي تولوها ، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله
وعياله ، في أدائه حقوقهم ، وفي الحديث الصحيح : (المُقْسِطُون عِنْدَ الله على مَنَابِرَ مِنْ نورٍ ، الذين يَعْدِلُون فِي حُكْمِهِم وَأَهْليهم وَمضا وَلُوا) – رواه مسلم" - .
"تفسير السعدي" (ص 800) .
ومن واجب المسلم اتجاه إخوانه في مثل تلك البلاد التي يكثر فيها القتل ، وسفك الدماء : أن يدعو الله أن يؤلف بينهم , وأن يرفع عنهم الفتن , والقتل ، والبلاء ، وأن يرد كيد أعداء الدين المتربصين به .
والواجب على المسلم : أن يمد لهم يد العون إلى الصلح ، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .
ونسأل الله أن يكف القتل عن المسلمين ، وأن يؤلف بينهم , ويردهم إلى دينه ردّاً جميلاً .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-13, 17:36
مفهوم السياسة من المنظور الإسلامي .
السؤال:
هل كان الرسول صلّ الله عليه وسلّم يستعمل السياسة في حكمه للعامة ، أو في تدبيره لشؤون الدولة ؟
الجواب :
الحمد لله
السِّيَاسَةُ ـ بالكسر ـ مصدر سَاسَ الأمر سِيَاسَةً : إذا قام به
وهي القيام على الشيء بما يصلحه ، وسَوَّسَهُ القوم : إذا جعلوه يسوسهم ، ويقال : سُوِّسَ فلانٌ أَمرَ بني فلان أَي كُلِّف سِياستهم
وسُسْتُ الرعية سِياسَة ، وسُوِّسَ الرجلُ أُمور الناس على ما لم يُسَمَّ فاعله إِذا مُلِّكَ أَمرَهم .
انظر : "لسان العرب" (6 /107)
"القاموس المحيط" (ص 710) .
وروى البخاري (3455) ومسلم (1842) عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ ) .
قال النووي رحمه الله :
" ( تَسُوسهُمْ الْأَنْبِيَاء ) أَيْ : يَتَوَلَّوْنَ أُمُورهمْ كَمَا تَفْعَل الْأُمَرَاء وَالْوُلَاة بِالرَّعِيَّةِ , وَالسِّيَاسَة : الْقِيَام عَلَى الشَّيْء بِمَا يُصْلِحهُ " انتهى .
قال ابن نجيم
" السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي " .
"البحر الرائق" (5 /11) .
وعرّف ابن خلدون السياسة الشرعية بأنها " حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة
فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به "
انتهى من "مقدمة ابن خلدون" (ص 97) .
وعلى ذلك فالسياسة جزء لا يتجزأ من الإسلام، ولا فرق في الإسلام بين السياسة والدين.
وبهذا الاعتبار والتقرير ، وتنزلا على مصطلح القوم : فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل السياسة الحكيمة
الراشدة في حكمه ، وفي تدبير شئون الدولة ؛ لأنه نزل بشريعة تعمل على تحقيق المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها .
وعلى ذلك جرى عمل الخلفاء الراشدين وأئمة الهدى من بعده .
وينظر "الطرق الحكمية" لابن القيم (ص 17-20) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-13, 17:42
كيفية تولي الخليفة المسلم
السؤال
كيف كانت الدولة الإسلامية تنظم نفسها ؟
وكيف كان الحكم في العهد الأول؟
الجواب
الحمد لله
على الحاكم المسلم أن يتولَّى تعيين من هو كفؤ للمناصب الكبيرة في الدولة ، كما أن عليه أن يتخذ مجلساً للشورى من أهل العلم والاختصاص في مختلف الفنون
ولا يَنبغي أن يُجعل ذلك للعامة والدهماء ليختار كل واحدٍ قريبه ، أو فرداً من حزبه ، أو ينتخب من يدفع أكثر .
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :
"الولايات التي هي دون الولاية العامة : فإن التعيين فيها من صلاحيات ولي الأمر ، بأن يختار لها الأكفاء الأمناء ، ويعيِّنهم فيها
قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )
وهذا خطاب لولاة الأمور ، والأمانات هي الولايات ، والمناصب في الدولة ، جعلها الله أمانة في حق ولي الأمر ، وأداؤها : اختيار الكفء الأمين لها
وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وولاة أمور المسلمين من بعدهم يختارون للمناصب من يصلح لها ، ويقوم بها على الوجه المشروع .
وأما الانتخابات المعروفة اليوم عند الدول : فليست من نظام الإسلام ، وتدخلها الفوضى ، والرغبات الشخصية ، وتدخلها المحاباة ، والأطماع
ويحصل فيها فتن ، وسفك دماء ، ولا يتم بها المقصود ، بل تصبح مجالاً للمزايدات ، والبيع والشراء ، والدعايات الكاذبة" انتهى .
جريدة " الجزيرة " ، العدد ( 11358 ) .
كان الإمام – أو الخليفة – يتولَّى زمام الدولة الإسلامية بإحدى ثلاث طرق :
الطريقة الأولى :
الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد ، ومثاله : ثبوت الخلافة لأبي بكر الصدِّيق ، فقد ثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد ، ثم أجمع عليها الصحابة وبايعوه جميعاً ، وارتضوا خلافته .
كذلك ثبتت الخلافة لعثمان بن عفان رضي الله عنه لمَّا جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر تولية الخليفة من بعده شورى في ستة من كبار الصحابة
فصار عبد الرحمن بن عوف يشاور المهاجرين والأنصار ، ولمَّا رأى ميل الناس كلهم إلى عثمان : بايعه أولاً ، ثم بايعه بقية الستة
ثم بايعه المهاجرون والأنصار ، فثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد .
وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثبتت له الخلافة بالاختيار والانتخاب من أكثر أهل الحل والعقد .
الطريقة الثانية :
الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق ، وذلك بأن يعهد ولي الأمر بالخلافة لأحدٍ بعينه من بعده ، ومثاله : ثبوت الخلافة لعمر بن الخطاب ؛ فإنها ثبتت له بولاية العهد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
الطريقة الثالثة :
القوة والغلبة ، وذلك إذا غلب الخليفة الناسَ بسيفه ، وسلطانه ، واستتب له الأمر : وجب السمع له والطاعة ، وصار إماماً للمسلمين
ومثاله : بعض خلفاء بني أمية ، وخلفاء بني العباس ، ومن بعدهم ، وهي طريقة مخالفة للشرع ؛ لأنها أُخذت بالغصب والقوَّة
ولكن لعظَم المصالح المترتبة على وجود حاكم يحكم أمَّته ؛ ولعظم المفاسد المترتبة على نزع الأمن من البلاد : كان للمتولي بالقهر والسيف السمع والطاعة إذا تغلب بهما ، وحكم بشرع الله تعالى .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"لو خرج رجل واستولى على الحكم : وجب على الناس أن يدينوا له ، حتى ولو كان قهراً بلا رضىً منهم ؛ لأنه استولى على السلطة .
ووجه ذلك : أنه لو نوزع هذا الذي وصل إلى سُدَّة الحكم : لحصل بذلك شرٌّ كثير ، وهذا كما جرى في دولة بني أمية ، فإن منهم من استولى بالقهر والغلبة وصار خليفةً يُنادى باسم الخليفة
ويُدان له بالطاعة ، امتثالاً لأمر الله عز وجل" انتهى .
" شرح العقيدة السفارينية " (ص688) .
وللتوسع في هذا الباب ، ولمعرفة كيفية عمل الدولة ، وتقسيمات شؤونها المختلفة :
ينظر كتاب " الأحكام السلطانية " لأبي الحسن الماوردي الشافعي
و " الأحكام السلطانية " لأبي يعلى الفراء الحنبلي
وكتاب " الترتيب الإدارية " للكتاني
ففيها مزيد علم وفائدة .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-13, 18:19
: الأمر بإغلاق المحلات التجارية في أوقات صلاة الجماعة
السؤال:
هل يجوز للحاكم إجبار أصحاب المحلات التجارية على أغلاق محلاتهم أثناء أوقات الصلاة ومعاقبتهم إذا لم يستجيبوا ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
سبق بيان وجوب صلاة الجماعة على الرجال القادرين
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2140710
ثانيا :
من مسئوليات الحاكم أن يأمر بصلاة الجماعة ويعاقب المتخلفين عنها ، ويلزم أصحاب المحلات بإغلاق محلاتهم أثناء صلاة الجماعة .
ومما يدل على ذلك :
1- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب باتفاق العلماء ، لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ُ: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49) .
والحاكم له من القدرة على ذلك ما ليس لأفراد الأمة .
ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغييره ، ومعاقبة من خالف ذلك : من أهم مسئوليات الحاكم المسلم .
قال الله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) الحج/41 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية ؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور ؛ وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات ...
( والتعزير ) أجناس ؛ فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام . ومنه ما يكون بالحبس . ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن . ومنه ما يكون بالضرب .
فإن كان ذلك لترك واجب مثل الضرب على ترك الصلاة ... فإنه يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي الواجب "
انتهى من " مجموع الفتاوى " (28 / 107) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" فعلى متولي الحسبة أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ، ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس ...
واعتناء ولاة الأمور بإلزام الرعية بإقامة الصلاة أهم من كل شيء
فإنها عماد الدين ، وأساسه وقاعدته ... ويأمر بالجمعة والجماعة وأداء الأمانة والصدق " .
انتهى من " الطرق الحكمية " (2 / 627 - 628) .
2- قد صحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد همّ بتحريق بيوت من يتخلف عن الصلاة في الجماعة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَات ِ، فَقَالَ: ( لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا ، فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ ، بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ ... )
رواه البخاري (644) ، ومسلم (651) واللفظ له .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ، أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ ) رواه ابن ماجه (795) وصححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجه " .
وهذا يدل على أنه يشرع للحاكم أن يعاقب المتخلف عن صلاة الجماعة ، حتى على قول من يرى أن صلاة الجماعة سنة وليست واجبة .
قال ابن بطال رحمه الله تعالى :
" وفيه : العقوبة فى الأموال على ترك السنن ؛ لأن نبى الله لم يهم من الإحراق إلا بما يجوز له فعله "
انتهى من " شرح صحيح البخاري " (2 / 271) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" والمصر على ترك الصلاة في الجماعة : رجل سوء ينكر عليه ، ويزجر على ذلك ، بل يعاقب عليه ، وترد شهادته ، وإن قيل إنها سنة مؤكدة "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (23 / 252) .
3- الحاكم راع للأمة ومسؤول عنها يوم القيامة .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )
رواه البخاري (5200) ، ومسلم (1829) .
ومن أهم وظائف الحاكم ومسؤولياته التي يجب أن يرعاها ويحرص عليها ؛ هي أن يقيم دين الأمة ويحافظ عليه ، ومن ذلك الحفاظ على شعيرة صلاة الجماعة .
ثالثا :
كان السلف يتركون محلاتهم وأسواقهم ويذهبون إلى صلاة الجماعة في المسجد ، وهذا مما يشمله قول الله تعالى : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) النور/37 .
رأى ابن مسعود رضي الله عنه قوما من أهل السوق حيث نودي بالصلاة تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة ، فقال : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) .
وكان ابن عمر في السوق فأقيمت الصلاة وأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) .
ومَّر سالم بن عبد الله بن عمر بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم ، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد فتلا هذه الآية : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) ثم قال : هو هؤلاء .
انظر : " تفسير ابن جرير " (17/321) ، وابن كثير (6/68) .
وكان السلف يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أن يلزمهم الحاكم بذلك ، لعظم شأن الدين والصلاة في نفوسهم ، فلما ضعف دين الناس وقل اهتمامهم بالصلاة
فينبغي للحاكم أن يلزمهم بذلك سعيًّا في إصلاح دينهم وإكماله .
فيتبيّن بهذا أن أمر الحاكم بإغلاق المحلات أوقات صلوات الجماعة له أصل في الشرع يعتمد عليه ، وهو أمر يحقق مصلحة مجمعا عليها
ولا يلحق مفسدة ـ في غالب الأمر ـ بالتجار والمشترين ؛ لأنه زمن يسير ، وما زال التجار يغلقون محلاتهم للأكل والشرب وقضاء الحاجات، فإغلاقها لما هو أهم وما خلقنا لأجله أولى وأعظم .
وعلى الرعية طاعته في ذلك ، وعدم مخالفته ، حتى وإن كانوا يتبعون قول من يفتى بسنية صلاة الجماعة وعدم وجوبها .
قال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) النساء (59) .
قال المناوي رحمه الله تعالى :
" الإمام إذا أمر بمندوب أو مباح : وجب " .
انتهى من " التيسير بشرح الجامع الصغير " (2 / 72).
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 18:07
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حكم المشاركة في الاستفتاء على قانون زواج المثليين
السؤال :
يجري حاليًا استفتاء في استراليا على قانون يجيز زواج المثليين من بعضهم ، وبالرغم من الهدف من هذا الاستفتاء وهو معرفة رأي الناس ، إلا أن هذه القضية أثارت الفتنة بين المسلمين
فهناك من يقول : إن التصويت بحد ذاته محرم ، بل تشدد بعضهم وقال :إن فعل ذلك من الكفر ؛ حيث يرون أن التصويت في أي انتخابات ديموقراطية هو كفر ومشابه لمن يشارك في هذه الانتخابات
بينما يقول الآخرون : إنه ينبغي علينا التصويت ، فهلا وضحتم لنا المسألة ؛ حتى ننشر الحكم بين المسلمين هنا ، وننهي الفتنة ؛ لإن الكثير من المسلمين يثقون بموقعكم .
الجواب :
الحمد لله
أولا:
لا شك أن زواج المثلين منكر عظيم، بل هو كفر بالله تعالى؛ لاستحلال ما حرمه وعاقب أهله عليه أشد العقوبة.
فاللواط كبيرة من كبائر الذنوب، لكن جعله زواجا وعقدا: استحلال لما حرم الله، ولهذا كان كفرا.
ثانيا:
من المؤسف له أن تتحول المسائل الاجتهادية إلى أصول : يتناحر عليها الناس ، ويتدابرون ، ويتهاجرون لأجلها ؛ بل يكفر المسلمون بعضهم بعضا عليها !!
فالتصويت على هذه المسألة ، وما شابهها ، كالانتخابات ، واختيار الرؤساء وأعضاء البرلمان .
. في ظل نظام ديمقراطي غير إسلامي :
هو من المسائل الاجتهادية التي لا يجوز تأثيم المخالف فيها ، ولا الإنكار عليه فضلا عن تكفيره ، ما دامت أصول المسلم الاعتقادية صحيحة ، وإنما شارك بنية تقليل المنكر ودفع الفساد .
ثالثا :
إذا كان التصويت يراد منه معرفة نسبة الرافضين والمقرين لهذا المنكر بحيث يترتب عليه وضع القانون أو عدمه، فالذي نراه جواز التصويت حينئذ لما يلي:
1-أن هذا من إنكار المنكر وإعلان البراءة منه.
2-أن في سن هذا القانون بلاء كبيرا ومفسدة عظيمة، وزيادة في الكفر، وقد تلحق آثاره المسلمين وأبناءهم، ولا يتمكن المسلم من منع قريبه أو من تحت ولايته من هذا المنكر الذي يقره القانون.
فإذا كان التصويت بالرفض يؤدي إلى عدم سن هذا القانون، كان عملا صالحا مشروعا؛ لما فيه من درء المفسدة، وتخفيف الشر، والشريعة قائمة على درء المفاسد وجلب المصالح، وتقليل الشر بحسب الإمكان.
3-أن ما يقال من أن التصويت يعني الرضا أو إقرار حق التشريع لغير الله، ليس صحيحا، -كما يقوله من يقوله في شأن المشاركة في الانتخابات -؛ لأن المصوت ينكر هذا المنكر
ويبرأ إلى الله منه، ولا يقر بحق التشريع لغير الله، ومشاركته أو دخوله إنما هي لتقليل الشر ومنع زيادة الكفر، فكيف يقال: إنه راض أو مقر!
بل نقول: لو غلب على الظن أن التصويت بالرفض سيمنع صدور هذا القانون، لكثرة عدد المسلمين، كان التصويت واجبا، لمنع صدور هذا الكفر الذي قد يعم الناسَ عقابه وشره وبلاؤه.
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 18:11
حكم الترافع إلى قاضية في الأحوال الشخصية.
السؤال
: في بلدتنا يوجد محكمة للأحوال الشخصية أحكامها مأخوذة من المذهب المالكي، ولكن الذي يحكم فيها قاضية امرأة، فهل يجوز الترافع إليها في شؤون الطلاق والفسخ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز تولية المرأة القضاء؛ لأنها من الولايات العامة المختصة بالرجال
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ) رواه البخاري (4425) .
استدل الفقهاء بهذا الحديث على عدم جواز تولي المرأة القضاء , لأن عدم الفلاح ضرر يجب اجتناب أسبابه , والحديث عام في جميع الولايات العامة , فلا يجوز أن تتولاها امرأة , لأن لفظ ( أمرهم ) عام فيشمل كل أمر من أمور المسلمين العامة .
قال الشوكاني رحمه الله :
" فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد , ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله عز وجل , فدخوله فيها دخولاً أولياً " انتهى .
"السيل الجرار" (4/273) .
لكن إذا لم يوجد قاض رجل ، واضطر الإنسان للترافع ولم يوجد إلا امرأة يتقاضى إليها، وكان في ترك التقاضي إليها ضياع لحقه أو لحوق الضرر به، فلا بأس بالتقاضي إليها للضرورة.
وقد عرضنا هذا السؤال على شيخنا عبدالرحمن البراك حفظه الله فأفاد:
"إذا لم يوجد غير هذه القاضية فنعم يجوز التقاضي إليها اضطرارا
لقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن / 16"
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 18:16
هل يصح أن يولى القضاء من به تأتأة أو لكنة في اللسان ؟
السؤال:
هل المصاب بصعوبة النطق يجوز له أن يتقدم للعمل في القضاء الشرعي؟
وعلما بأن صعوبة النطق التي لديه - تتزامن في بعض الحروف فقط - وكذلك صعوبة النطق تكون حسب مزاجيته ونفسيته . وهل يجوز للقاضي تعيين كاتب أو من في حكمه أن يقرأ الحكم في المحكمة بدلاً من القاضي؟
وصعوبة النطق التي يكون التنفس فيها عن طريق الفم ولا يستطيع المصاب بها أن يتحكم بالتنفس عند وجوده أمام الناس ، لكن مع نفسه فأنه يتكلم بكل طلاقة ،ما تفسير ذلك ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا:
التأتأة أو صعوبة النطق ببعض الحروف ، ترجع غالبا إلى أسباب نفسية كالقلق والخجل، وقد تكون أمرا وراثيا أحيانا.
وعلاج التأتاة يكون بإزالة القلق، وتقوية الثقة بالنفس
والتدرب على طريقة الكلام المناسبة ببطء ومهل حتى يتخلص من مشكلته – بإذن الله – نهائيّاً ، ويحتاج هنا لمساندة أخصائي النطق والتخاطب.
ثانيا:
يشترط الفقهاء في القاضي أن يكون متكلما سميعا بصيرا، ولا يصح أن يكون القاضي أخرس في قول جمهورهم
وينظر: " الموسوعة الفقهية " (19/ 96)، (33/ 291).
وفي " حاشية قليوبي وعميرة " (4/297) :
" قوله : ( ناطق ) ولو مع لكنة أو نحوها" انتهى.
واللكنة : العي وثقل اللسان .
وانظر: " البجيرمي على الخطيب " (4/ 532).
وفي " الموسوعة الفقهية " (35/ 325)
: "ويقال : الألكن الذي لا يفصح بالعربية. ويؤخذ تعريف اللكنة عند الفقهاء من تعريفهم للألكن ، قال الزرقاني : الألكن هو من لا يستطيع إخراج بعض الحروف من مخارجها ،
سواء كان لا ينطق بالحرف البتة أو ينطق به مغيرا أو بزيادته أو تكراره" انتهى.
ويؤخذ منه جواز تولية القضاء من كان به عيب في النطق، لكنة أو نحوها.
ثالثا:
النطق بالحكم، لا يلزم أن يقوم به القاضي بنفسه، ويمكن أن ينطق به غيره من أعضاء الدائرة، أو يكتفى بكتابته فقط، لكن القاضي يحتاج إلى الكلام مع الخصوم
وتوجيه الأسئلة، ومناقشة الدعوى، ولا يمكنه الاعتماد على غيره في كل ذلك.
وعليه فمن أراد هذا المنصب الشريف فليهيئ نفسه له علميا وبدنيا، وينبغي عليه أن يبين ويفصِّل علته ؛ ليكون القرار للجهة المنوط بها اختيار القضاة، كالمجلس الأعلى للقضاء.
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 18:19
هل يجوز مخالفة قواعد المرور إذا وجد سبب لذلك ؟
السؤال :
أحيانا أقود السيارة وتكون بجانبي أو أمامي دراجة هوائية أخاف أن أصدمها أو أن تغير مسارها فجأة ؛ لأن معظم الدراجات لا تملك وسائل للتنبيه أو مرآة مما قد يتسبب في خسائر بشرية ومادية
فهل يجوز في هذه الحالة تجاوز الدراجة الهوائية على الرغم من كوني أسير على طريق يمنع فيها قانون السير التجاوز ؛ لأني أخاف على نفسي من أن أدخل السجن ، ويتم حجز رخصت قيادتي ، وأخاف كذلك قتل صاحب الدراجة والتسبب كذلك في حوادث لمن يسير خلفي ؟
الجواب :
الحمد لله
ينبغي الالتزام بقواعد السير في الطرقات
لأن هذه القواعد والأنظمة قد وضعت من أجل الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم ، ومخالفة هذه القواعد لا يعود ضرره على السائق وحده
بل إنه يتعدى ذلك إلى غيره من الناس ، فالحوادث التي تحصل في الطرق نتيجة مخالفة تلك القواعد والأنظمة يكون فيها – غالباً – أطراف متعددة
وهذا يزيد من مسئولية المخالف ويشغل ذمته بأحكام متعددة كالدية والكفارة وتعويض الضرر وغيرها .
وبناء على هذا ؛ فالذي ينبغي عليك أن تلتزم بقوانين السير ، وإذا حدث ما ذكرته في السؤال، وخشيت أن يحصل عليك ضرر ما بسبب قرب هذه الدراجة من سيارتك :
فيمكنك أن تبطئ أنت السير حتى يتجاوزك ويبتعد عنك هو .
فإن ضاق بك الأمر ، ولم يكن أمامك إلا أن تتجاوزه أنت ، فلا حرج عليك من ذلك إن شاء الله تعالى ، ولكن بشرط أن تتأكد من خلو الطريق ، وأن تجاوزك لن يتسبب في ضرر آخر .
وقد تقرر في الشريعة الغراء أنه يشرع ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما ، فإذا دار الأمر بين خشية الضرر من هذه الدراجة ، أو مخالفة قواعد السير ، وكان لابد من ارتكاب إحدى المفسدتين فإنه ترتكب الأدنى منهما .
وقد أخرج البخاري (1586) ، ومسلم (1333) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : ( يَا عَائِشَةُ ؛ لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ
وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا ، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ ) .
فإقامة البيت على قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة ، ولكن عارض ذلك مفسدة أشد وهي نفور الناس من هدم البيت وإنكارهم لذلك ، فترك الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المصلحة دفعا للمفسدة الأشد .
جاء في " شرح الزرقاني على الموطأ "(2 / 448) عند شرحه لهذا الحديث
:" وَفِيهِ تَرْكُ مَا هُوَ صَوَابٌ خَوْفَ وُقُوعِ مَفْسَدَةٍ أَشَدَّ " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 18:27
سعوا في إقالة مديرهم الذي يهينهم ويعاملهم معاملة سيئة : فهل يعدّ ذلك ظلما له ؟
السؤال:
أنا موظف في شركة نفطية ، وكان يوجد عندنا مدير في السابق ، ولكنه عصبي جدا ، ويصعب التفاهم معه ، ويهيننا لأتفه الأسباب ويدخل الأمور الشخصية في العمل
فقرر زملائي كلهم أن نقوم بكتابة ورقة للشركة شارحين فيها ما يتعلق بهذا المدير ، ومطالبين بتنحيته ، وقد قمنا جميعا بالتوقيع علي هذه الورقة ، وقام زملائي باختياري أنا وشخص آخر للإشراف علي القسم بدلا منه
وهذا ما تم بالفعل ، فهل نحن ظالمون لهذا المدير؟
الجواب :
الحمد لله
الواجب على من تقلد منصبا أو تولى ولاية أن يتقي الله فيمن تولى عليهم ، وأن يعاملهم بالحسنى ، ويرفق بهم ، ولا يشدد عليهم .
روى مسلم (1828) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ ، قَالَ : " أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ ، فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ ؟
فَقَالَ: مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا، إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ، وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ ، فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ
فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: ( اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ
فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارْفُقْ بِهِ )
قال المناوي رحمه الله :
" (اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا) من الولاية كخلافة ، وسلطنة ، وقضاء ، وإمارة ، ونظارة ، ووصاية ، وغير ذلك ؛ نكرة ، مبالغة في الشيوع
وإرادة للتعميم (فشق عليهم) أي حملهم على ما يشق عليهم ، أو أوصل المشقة إليهم بقول أو فعل ، ( فاشقق عليه) أي أوقعه في المشقة
جزاء وفاقا ( ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم) ، أي عاملهم باللين والإحسان والشفقة ( فارفق به) ، أي افعل به ما فيه الرفق له ، مجازاة له بمثل فعله .. "
انتهى من " فيض القدير" (2/ 106) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من تولى أمور المسلمين الخاصة والعامة ؛ حتى الإنسان يتولى أمر بيته ، وحتى مدير المدرسة يتولى أمر المدرسة ، وحتى المدرس يتولى أمر الفصل
وحتى الإمام يتولى أمر المسجد.
ولهذا قال: (من ولي من أمر أمتي شيئاً) ، (وشيئاً) نكرة في سياق الشرط ، وقد ذكر علماء الأصول أن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم ؛ أي شيء يكون " .
انتهى من " شرح رياض الصالحين" (3/ 633) .
فإذا كان المدير السابق بالوصف الذي ذكرتم ، وكنتم قد صدقتم عليه ، ولم تتهموه بما ليس فيه ؛ فلا حرج عليكم في شكايته ، والسعي في رفع ضرره وإذايته عنكم وعن زملائكم
فإن الضرر يزال ، ولم يأمر الشرع بإقرار المشقة والأذى على الناس ؛ والله مطلع عليكم رقيب ، عليم خبير ، يعلم المفسد من المصلح .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 04:54
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
إذا تنافس في الانتخابات رجل نصراني وامرأة مسلمة فلمن يعطي صوته ؟
السؤال:
ستجري الانتخابات العامّة هنا في نيجيريا. وعندي بعض الأسئلة: هل يمكنني التصويت لرجل مسيحي إن كنت أعتقد أنه قادر على النفع والعمل من أجل الناس جميعاً؟
وماذا عن التصويت للمرأة المسلمة لتصبح محافظاً؟
فلقد قرأت فتواكم بأنه لا يمكن للمرأة أن تتصدر أماكن القيادة. و إذا كان الخيار بين رجل نصراني و امرأة مسلمة لمن أصوت؟
الجواب :
الحمد لله :
أولاً :
إذا كان جميع المرشحين من غير المسلمين ، فيجوز للمسلم التصويت للكافر الأقل شراً والأكثر نفعاً للبلاد والعباد .
وينظر جواب السؤال القادم
ولكن إذا وجد بين المرشحين رجل مسلم أو امرأة مسلمة ، فلا يجوز التصويت للكافر بتاتاً .
ثانياً :
الأصل عدم جواز ترشح المرأة للمناصب القيادية ولا التصويت لها ، لكن إذا دار الأمر بين التصويت لامرأة مسلمة أو رجل كافر ، فلا شك في تقديم المرأة المسلمة على الرجل الكافر.
وقد عرضنا هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، فقال:
" تُقدَّم المرأة المسلمة في هذه الحال ؛ رعاية لاسم الإسلام وحرمته ، ولأنها مفسدة أقل ".
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 04:56
هل يجوز تصويت المسلمين للكفار الأخف شراً ؟
السؤال
بعض المسلمين الذين يعيشون في بلاد غير إسلامية يريدون معرفة جواز المشاركة في الانتخابات والتصويت لأحزاب غير إسلامية . يقولون بأن بعض الأحزاب المعينة ستخدم المسلمين هناك إذا فازوا في الانتخابات
الجواب:
الحمد لله
هذه من مسائل الفتيا التي يختلف فيها الحكم بحسب الزمان والمكان والأحوال فلا يطلق فيها حكم عام في جميع الصور الواقعة أو المتوقعة .
ففي بعض الحالات لا يسوغ التصويت كما إذا كان الأمر لا أثر له على المسلمين ، أو كان المسلمون لا أثر لهم في التصويت ، فإدلاؤهم وعدمه سواء
وكذا لو تشابه حال المصوّت لهم لاستوائهم في الشر أو الموقف من المسلمين ..
وقد تكون المصلحة الشرعية مقتضية للتصويت من باب تخفيف الشر وتقليل الضرر ، كما لو كان المرشحون من غير المسلمين لكن أحدهم أقل عداوة للمسلمين من الآخر
وكان تصويت المسلمين مؤثرا في الاقتراع فلا بأس بالتصويت له في مثل هذه الحال .
وعلى كل حال فهذه من مسائل الاجتهاد المبنية على قاعدة المصالح والمفاسد وينبغي أن يرجع فيها إلى أهل العلم العارفين لضوابط هذا الأصل
وأن يُعرض عليهم الأمر بتفاصيله في حال البلد الذي تعيش فيه الجالية المسلمة وقوانينه وحال المرشّحين وأهمية التصويت وجدواه ونحو ذلك .
وليس لأحد أن يتوهم أن من قال بالتصويت أنه مقرر للكفر مؤيد له ، وإنما ذلك لمصلحة المسلمين لا محبة للكفر وأهله ، وقد فرح المسلمون بانتصار الروم على الفرس
كما فرح المسلمون في الحبشة بانتصار النجاشي على من نازعه الملك كما هو معروف في السيرة ومن أراد التورع فله ذلك
والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 05:05
هل يجوز معاقبة المجرمين في ظل غياب القانون في دولة غير مسلمة ؟
السؤال:
أنا من دولة غير مسلمة في إفريقيا ، ومؤخراً بدأت الجرائم العنيفة تنتشر في مجتمعنا ، والسبب الرئيسي في ذلك وجود الفساد في جهاز الشرطة ، حيث يشارك الكثير منهم في جرائم الاغتصاب والقتل وغيرها من الجرائم
فهل يجوز لنا معاقبة المجرمين بأنفسنا عند القبض عليهم متلبسين بجرائمهم بما أنّ المجتمع فقد الأمل في جهاز الشرطة الذين سيفلتون دون شك من العقاب إن سلمناهم للشرطة ؟
الجواب :
الحمد لله
عرضت هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، فقال :
" يجوز لهم معاقبتهم تأديباً وتعزيراً بالضرب ونحوه بحسب قدر الجُرم وعِظَمه ، وأما القتل فلا يجوز أبداً ". انتهى
وذلك لأن تطبيق أحكام القتل من اختصاص أولياء الأمر.
والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
........
من ارتكب حداً في بلد لا يحكم بما أنزل الله ، ماذا يفعل ؟
السؤال
إذا ارتكتب المسلم معصية فيها حد ، كالزنى ، وأراد أن يطهر نفسه بإقامة الحد عليه ، ولكن حكومته لا تحكم بما أنزل الله ، فماذا يفعل ؟
وإذا طلب من بعض أقاربه أو أصدقائه أن يقيموا الحد عليه ، فهل هذا صحيح ، ويغفر له ذنبه ؟.
الجواتب
الحمد لله
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا يُقِيمُ الْحَدَّ إلا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ,
وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ ,
وَهِيَ صِيَانَةُ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ .
وَالإِمَامُ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ لِشَوْكَتِهِ , وَمَنَعَتِهِ
وَانْقِيَادِ الرَّعِيَّةِ لَهُ قَهْرًا وَجَبْرًا ,
كَمَا أَنَّ تُهْمَةَ الْمَيْلِ وَالْمُحَابَاةِ وَالْتَوَانِي عَنْ الإِقَامَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّهِ , فَيُقِيمُهَا عَلَى وَجْهِهِ فَيَحْصُلُ الْغَرَضُ الْمَشْرُوعُ بِيَقِينٍ " اهـ . "
الموسوعة الفقهية" (17/145) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (21/7) :
" ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم أو من يقوم مقام الحاكم ، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة "
وجاء فيها أيضاً (21/5-6) :
" لا يقيم الحدود إلا السلطان المسلم أو من ينوب عنه
من أجل ضبط الأمن ، ومنع التعدي ، والأمن من الحيف ( الظلم ) ، وعلى العاصي الاستغفار والتوبة إلى الله والإكثار من العمل الصالح ، وإذا أخلص لله في التوبة تاب الله عليه
وغفر له بفضله وإحسانه .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/67-70
وقال : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طـه/82
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الإسلام يهدم ما كان قبله ، والتوبة تهدم ما كان ) اهـ.
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 05:14
حكم ما سنَّهُ الخلفاء الراشدون ، وهل وقع منهم تمثيل بالقتلى ؟
السؤال:
قرأت في كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم سطراً لم أفهم له تفسيراً قط ، فقد ورد في فصل ( جواز الحكم في السلطنة بالسياسة الشرعية وأنه الحزم ) في الصفحة 22 من بعض النسخ
والذي يظهر أنه اقتباس من ابن عقيل في كتابه الفنون ما نصه : "
وقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن "
. السؤال هل تم فعلا من الخلفاء الراشدين تمثيلا ؟ أم أني أسأت فهم النص ؟
وتعليقا على هذا السؤال . هل يعتبر أي عمل فعله الخلفاء الراشدين سنة تقتدى ؟
ولو كانت سبقا ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
التَّمْثِيل والمُثْلَة : هي العقوبة بقطع أطراف الإنسان أو تشويه خلقته ونحو ذلك .
قال ابنُ الأثير رحمه الله تعالى :
" يقال : مَثَلْتُ بالحيوان أمْثُل به مَثْلاً ، إذا قطعت أطرافه وشوّهت به ، ومَثَلْت بالقَتيل ، إذا جَدَعْت ( أي قطعت ) أنفه ، أو أذنه ، أو مذاكيره ، أو شيئاً من أطرافه . والاسم : المُثْلة . فأمَّا مَثَّل ، بالتشديد ، فهو للمبالَغة "
انتهى من " النهاية في غريب الحديث " ( 4 / 294 ) .
والأصل في المثلة عدم الجواز ، لثبوت النهي عنها في عدد من الأحاديث الصحيحة ، منها :
عن عَدِيّ بْن ثَابِتٍ قَالَ : " سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( أَنَّهُ نَهَى عَنِ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ ) " رواه البخاري ( 5516 ) .
وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا ...) رواه مسلم ( 1731 ) .
لكن يستثنى من هذا النهي حالة كون المثلة على سبيل القصاص والمعاملة بالمثل .
قال الله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ) النحل / 126.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
: " فأمّا التّمثيل في القتل فلا يجوز إلّا على وجه القصاص ، وقد قال عمران بن حصين رضي اللّه عنهما : " مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ
وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ " ، حتى الكفار إذا قتلناهم فإنا لا نمثل بهم بعد القتل ، ولا نجدع آذانهم وأنوفهم ، ولا نبقر بطونهم إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا فنفعل بهم مثل ما فعلوا
والتّرك أفضل كما قال اللّه تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ) "
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 314 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وقد أباح اللَّه تعالى للمسلمين أن يمثّلوا بالكفّار إذا مثّلوا بهم ، وإن كانت المثلة منهيّا عنها . فقال تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) وهذا دليل على أنّ العقوبة بجدع الأنف وقطع الأُذن
وبقر البطن ونحو ذلك هي عقوبة بالمثل ليست بعدوان ، والمثل هو العدل "
انتهى من " عون المعبود مع حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " ( 12 / 278 ) .
والخلفاء الراشدون في جهادهم وإقامتهم للحدود كانوا متبعين للسنة فلم يكونوا يمثلون بالقتلى ، وإنما روي عنهم ذلك في حوادث نادرة لمصلحة شرعية رأوها أو رأي ترجح عندهم وبعضها ليس بثابت عنهم
فصحّ أن عليا رضي الله عنه حرق الزنادقة بالنار.
فعَنْ عِكْرِمَةَ : " أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه حَرَّقَ قَوْمًا ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ) ،
وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) " رواه البخاري ( 3017 ) .
وكما روي أن أبابكر رضي الله عنه حرق اللوطية وبعض البغاة .
روى البيهقي بسنده في " السنن الكبرى " ( 8 / 405 ) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ : " أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، كَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي خِلَافَتِهِ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ
وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، فَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ يَوْمَئِذٍ قَوْلًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: إِنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَمْ تَعْصِ بِهِ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ
صَنَعَ اللهُ بِهَا مَا قَدْ عَلِمْتُمْ ، نَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ ) .
وقال البيهقي : " هَذَا مُرْسَلٌ " .
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" قصّة الفُجَاءَةِ.
وَاسْمُهُ إِيَاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ خُفَافٍ ، من بَنِي سُلَيْمٍ ، قاله ابن إِسحاق ، وقد كان الصِّدِّيق حرَّق الْفُجَاءَةَ بالبقيع في المدينة
وكان سببه أنّه قدم عليه فزعم أنّه مسلم ، وسأل منه أن يجهّز معه جيشا يقاتل به أهل الرّدّة ، فجهّز معه جيشا ، فلمّا سار جعل لا يمرّ بمسلم ولا مرتدّ إلّا قتله وأخذ ماله
فلمّا سمع الصّدّيق بعث وراءه جيشا فردّه ، فلمّا أمكنه بعث به إلى البقيع ، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النّار، فحرَّقه وهو مقموط [ أي قد ربطت يداه بالحبل] "
انتهى من " البداية والنهاية " ( 9 / 456 – 457 ) .
ثانيا :
جاء الأمر النبوي باتباع سنة الخلفاء الراشدين .
فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )
رواه أبو داود (3991) ، وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " برقم (165) .
وسنة الخلفاء الراشدين تشمل معنيين :
المعنى الأول :
عموم طريقتهم وسيرتهم في التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته .
قال علي القاري رحمه الله تعالى :
"( فعليكم بسنتي ) اسم فعل بمعنى الزموا ، أي بطريقتي الثابتة عني واجبا أو مندوبا ( وسنة الخلفاء الراشدين ) فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ؛ فالإضافة إليهم إما لعملهم بها ، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها "
انتهى . " مرقاة المفاتيح " ( 1 / 373 ) .
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى :
" رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب أصحابه أن يقتدوا بما يشاهدونه يفعله من سنته ، وبما يشاهدون من أفعال الخلفاء الراشدين فإنهم المبلغون عنه العارفون بسنته المقتدون بها
فكل ما يصدر عنهم في ذلك صادر عنه " .
انتهى من " الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني " ( 5 / 2181 – 2182 ) .
المعنى الثاني : ما أفتوا به أو قضوا به في مسائل جزئية معينة .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" فقرن سنة خلفائه بسنته ، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته ، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ
وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شيء ، وإلا كان ذلك سنته ، ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون
ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد ، فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين "
انتهى من " إعلام الموقعين " ( 5 / 581 ) .
واتباع ما أفتوا به أو قضوا به إذا لم يخالفوا في ذلك نصا من نصوص الكتاب والسنة ؛ فيه تفصيل كالآتي :
1- سنة الخلفاء الراشدين ، التي لم يعرف أن أحدا من الصحابة خالفهم فيها فهذه عدّها أهل العلم حجة .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" والذي لا ريب فيه أنَّ ما كان من سنَّة الخلفاء الراشدين الذي سنوه للمسلمين ، ولم ينقل أنَّ أحداً من الصحابة خالفهم فيه ، فهذا لا ريب أنَّه حجَّة بل إجماع ،
وقد دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 573 – 574 ) .
2- ما أفتى أو قضى به أحد الخلفاء الراشدين وخالفه غيره من الخلفاء الراشدين .
ففهي هذه الحالة لا يكون قول أحدهما أولى من الآخر فيرجح بين أقوالهم .
3- ما أفتى به أحد الخلفاء الراشدين ولم يخالفه أحد من الخلفاء الراشدين ؛ وإنما خالفه غيرهم من الصحابة .
فاختلف أهل العلم في هذا ، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن قول الخليفة الراشد مقدم على غيره .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
" ولو قال بعض الخلفاء الأربعة قولا ، ولم يخالفه منهم أحد ، بل خالفه غيره من الصّحابة ، فهل يقدم قوله على قول غيره ؟ فيه قولان أيضا للعلماء
والمنصوص عن أحمد أنّه يقدم قوله على قول غيره من الصّحابة ، وكذا ذكره الخطابي وغيره ، وكلام أكثر السّلف يدل على ذلك " .
انتهى من " جامع العلوم والحكم " ( 2 / 776 ) .
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فما رواه أو قاله الخلفاء حجة على من خالفهم ، لا سيما الصديق لقوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) ، وقوله : ( إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا ) "
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 25 / 9 ) .
و من جهه اخري يجب ان نوضح للامانه العلمية
حكم الحديث:
ذكر ابن القطان الفاسي في "الوهم والإيهام" (2|35)
هذا الحديث ثم قال عن راويه عبد الرحمن: الرجل مجهولُ الحالٍ
طرق الحديث
1- الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي، عن العرباض بن سارية.
الوليد ثقة يخطئ في غير حديث الأوزاعي، وقد وهم بذكر "حجر بن حجر الكلاعي" (مجهول)، وخالفه ثلاثة أوثق منه كما في الروايات 2، 3، 4.
فالصواب مع الجماعة خاصة أنه الموافق لما رواه غير ثور عن خالد، كما في الروايات 5، 6، 7، 8.
وخالد قد تابعه يحيى بن جابر #9 وضمرة بن حبيب #10.
2- أبو عاصم الضحاك بن مخلد (2) وعيسى بن يونس (3) وعبد الملك بن الصبّاح (4): عن ثور، عن خالد، عن عبد الرحمن، عن العرباض.
5- بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد، عن عبد الرحمن، عن العرباض.
6- الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن خالد، عن عبد الرحمن، عن العرباض.
7- عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن خالد، عن عمه، عن العرباض.
ذكر عم خالد هو تصحيف من عبد العزيز (صدوق) والصواب ما رواه الثقة الثبت الإمام الليث بن سعد في الرواية التي قبلها.
8- أسد بن موسى، عن إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد وأبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم (متروك)، عن خالد بن معدان، عن العرباض بن سارية.
وهنا سقط ظاهر بين خالد والعرباض سببه أن مخطوطة "البدع" لابن وضاح سقيمة. والصواب كما في الرواية 5.
9- سليمان بن سُليم، عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن، عن العرباض.
10- معاوية بن صالح، عن ضمرة بن الحبيب، عن عبد الرحمن، عن العرباض.
11- شعوذ الأزدي (مجهول)، عن خالد بن معدان، عن جُبير بن نُفير، عن العرباض.
وهذه رواية منكرة، شذ فيها شعوذ (إن صحت الرواية إليه أصلاً)، والصواب ما رواه أصحاب خالد الثقات.
12- حيوة بن شريح، عن بقية بن الوليد، عن يحيى بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن أبي بلال، عن العرباض.
هذا وهم، والصواب ما في الرواية #5.
13- سعيد بن عامر الضبعي (في حديثه بعض الغلط)، عن عوف الأعرابي، عن رجل سمّاه [أحسبه قال: سعيد بن خُثيم]، عن رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله.
وفي هذا شك وغلط تبيّنه الروايتين #14 و#15.
14- أبو الأشهب جعفر بن حيان، حدثني سعيد بن خثيم (مجهول)، عن رجل من أهل الشام، أن رجلاً من الصحابة حدَّثه.
الرجل الذي من أهل الشام هو عبد الرحمن بن عمرو الشامي الحمصي.
15- عكرمة بن عمار، عن عوف الأعرابي، عن عبد الرحمن [قال الطحاوي: وهو ابن عمرو السلمي، والله أعلم]، عن رجل.
16- عبد الله بن العلاء بن زَبْر، عن يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض.
وهذا ظاهره الصحة، لكنه منقطع، فإن يحيى لم يسمع من العرباض ولم يدركه أصلاً
كما قرر علماء بلده. والراوون عن ابن زبر اختلفوا بين عنعنة وتصريح بسماع. وكان في الشاميين من يقلب العنعنة إلى سماع، كما يفعل تلاميذ بقية.
17- أرطأة بن المنذر، عن المهاصر بن حبيب، عن العرباض.
وهذه منقطعة كذلك، فالمهاصر بن حبيب (ت128هـ) لم يسمع من العرباض (ت75هـ).
الخلاصة من هذه الطرق:
ليس للحديث إلى طريق ثابتة متصلة واحدة وهو طريق: عبد الرحمن بن عمرو السلمي الحمصي عن العرباض بن سارية الصحابي الحمصي (ت75هـ). رواه عن عبد الرحمن: خالد بن معدان (103هـ)
ويحيى بن جابر الطائي (126هـ) وضمرة بن حبيب (ت130هـ). وهؤلاء كلهم حماصنة.
والحديث كله أتى من وجوه أخرى إلا قضية اتباع سنة الخلفاء الراشدين فهي منكرة مردودة
. وإضافة الخلفاء الراشدين إلى التشريع السماوي أمر مخالف لأصول الشريعة.
والله أمرنا أن نرد الخلاف :
فردوه إلى الله والرسول.
وليس للخلفاء الراشدين.
ثم من هم الخلفاء الراشدون؟
هل أتى عليهم نص؟
ولم لا إن كان يجب علينا اتباع سنتهم؟!
وهل تعلم أن هناك خلافاً واسعاً بين العلماء في تحديد من هم الخلفاء الراشدون؟
هل يدخل فيهم الحسين بن علي رضي الله عنه وهل يدخل فيهم عمر بن عبد العزيز؟
وهل نتبع سنة الأخير وهو تابعي، ونذر خيرة الصحابة؟!
ثم لماذا لم يطبق الصحابة هذه الحديث بينهم؟
وكم من أمر خالف فيه بعض الصحابة ما ورد عن الخلفاء الراشدين.
وكلمة ابن عباس مشهورة: توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء...
أقول قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتقولون قال أبو بكر وعمر؟!
ثم هذا ابن عمر (رضي الله عنهما) يخالف أبا بكر وعمر (رضي الله عنهما)
في نفس القضية (متعة الحج) ويفتي بعكس ما جاء عنهما!
وقد نقل ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20|316):
اتفاق أهل العلم بالحديث على أن أهل الشام
لم يكن لهم من ضبط الألفاظ ما لأهل المدينة وأهل البصرة
وإن لم يكن فيهم من يُعرَفُ بالكذب. لكن مِنهم من يَضبُط، ومنهم من لا يضبط
(أي لا يحفظ الحديث ولا يضبط لفظه).
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 05:24
حكم قتل الأجانب في بلاد المسلمين
السؤال
: ما رأيكم في العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف قتل الأجانب ولكنها تؤدي إلى قتل عدد من المسلمين أيضا وتدمير بعض المباني والمنشآت، وهل هذا من الجهاد كما يقول منفذوها؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
هذه العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف كما ذكرت الأجانب
ليست جهاداً
بل هي فساد وإفساد
وتخريب وتشويه
وهي دالة على جهل مرتكبيها وطيشهم
فإن هؤلاء الأجانب مستأمنون في بلاد المسلمين
لم يدخلوها إلا بإذن
فلا يجوز الاعتداء عليهم
لاا بالضرب ولا بالنهب
فضلا عن القتل
فدماؤهم وأموالهم معصومة
والمتعرض لهم على خطر كبير
كما روى البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) .
وهذا شامل للذمي والمعاهد والمستأمن .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" : " وَالْمُرَاد بِهِ : مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة ، أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان ، أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم " انتهى .
وفي قوله رحمه الله : " أو أمان من مسلم " إشارة إلى ما هو معروف عند الفقهاء من أن الأمان لا يشترط أن يكون من الحاكم والسلطان
بل يجوز أن يكون من رجل من عامة المسلمين ، وهؤلاء الأجانب المشار إليهم يدخلون بلاد المسلمين بأمان من الدولة ، وبأمان أيضاً من أحد من المسلمين في كثير من الأحوال ،
فلا يجوز التعرض لهم ، ولو كانوا في الأصل محاربين .
وقد روى البخاري (3171) ومسلم (336) عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قال : ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ
فَقَالَ : (مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ : أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ . فَقَالَ : مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"( ومن أعطاهم الأمان منا ; من رجل , أو امرأة , أو عبد , جاز أمانة) .
وجملته : أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب , حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم . ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار , ذكراً كان أو أنثى , حراً كان أو عبداً .
وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن القاسم وأكثر أهل العلم"
انتهى من "المغني" (9/195) .
ثانياً :
إذا نقض المستأمن أو المعاهد عهده لم يجز لآحاد المسلمين قتله ؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد ، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق مخافة أن يقال : إن محمداً يقتل أصحابه
وهكذا ليس لآحاد المسلمين قتل من ظهرت ردته وزالت عصمته ؛ للمعنى الذي ذكرنا ، وكم جَرَّ هذا من الشر والبلاء على أهل الإسلام
وكم حصل به من التضييق على الدعوة والدعاة ، وكم استغله المغرضون لتشويه صورة الحق وأهله .
ثالثاً :
أما التسبب في قتل المسلمين المعصومين ، فذلك جرم كبير ، وذنب عظيم ؛ فإن (زَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) كما قال صلى الله عليه وسلم
. رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وما يدعيه هؤلاء من الاستشهاد بمسألة التترس مردود عليهم ، وهو دال على جهلهم وظلمهم ، فإننا نمنع قتل الكافر مباح الدم لو كان وحده – لما ذكرنا من المفسدة –
فكيف إذا انضاف إلى ذلك قتل غيره من معصومي الدم؟
فبان بهذا أن فعل هؤلاء ظلمات بعضها فوق بعض ، وأن منشأها الجهل والعجلة وعدم الرجوع إلى أهل العلم الذين أُمرنا بسؤالهم ورد الأمر إليهم
وقد انتظمت كلمة الثقات الأثبات من أهل العلم على منع هذه العمليات وتجريمها لكونها محرمة من أصلها ، أو لما يترتب عليها من المفاسد والشرور .
فعلى كل امرئ أن يتقي الله تعالى ، وأن يحذر أشد الحذر من إخفار ذمة المسلم ، وسفك الدم الحرام ، وجلب الشر على أهل الإسلام .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-22, 18:39
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
شبهات حول الصحابة رضي الله عنهم وردها .
السؤال
:
روي في كتاب السنة لابن أبي عاصم أنّ الإمام عليا قال: " لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى" فإذا كان الإمام علي اعترف بنفسه بأنّ أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- أولى منه في الخلافة، فلماذا رفض مع بعض الصحابة مبايعة أبي بكر على الخلافة ؟
أما الحادثة الثانية فهي حادثة ضرب عثمان بن عفان لعمار بن ياسر -رضي الله عنهما- مرتين: مرة لمخالفة عثمان علناً في المسجد حول حق عثمان استخدام مال المسلمين وقد ضربه بحضور علي بن أبي طالب
والمرة الثانية عندما قام بتوصيل رسالة إلى عثمان من معارضيه تخبره بأنه فشل في أن يقتدي بخلافة أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما، فهل شاهد علي عمّار يُضرب دون أن يفعل أي شيء؟ فما مدى صحة مثل هذه الإدعاءات؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الصحابة رضي الله عنهم - مع كونهم أفضل الناس - فهم بشر من البشر ، يحصل بينهم ما يحصل بين الناس عادة من الخلاف واختلاف وجهات النظر ، لكنهم أسرع الناس إلى الخير
وأعظم علما بالحق ، وعملا به ، وأوبة عن الخطأ ، متى أخطأ الواحد منهم ، كغيره من البشر .
والواجب على المكلف : الكف عن كل ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ، وإحسان الظن بهم فيه .
وأين تجد قوما هم خير من قوم صحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا معه وجاهدوا معه وصلوا خلفه ؟
انظر جواب السؤال القادم
ثانيا :
روى عبد الله بن أحمد في " السنة " (1312) ، وابن أبي عاصم في " السنة " (1219) ، والبيهقي في " الاعتقاد " (ص: 358) عن علي رضي الله عنه قال : " لَا يُفَضِّلُنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أوتى بِرَجُلِ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : إلَّا جَلَدْته حَدَّ الْمُفْتَرِي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 479) .
وقال أيضا :
" رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةَ : خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 407) .
ثالثا :
بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر رضي الله عنهما ثابتة في الصحيحين ، وإن وقعت متأخرة بضعة أشهر .
ولم يُظهِر عليٌّ على أبي بكر رضي الله عنهما خلافاً ، ولا شقَّ العَصا ، ولكنه تأخر عن الحضور لبيعته ، وكان سبب ذلك أنه عتب عليه وعلى عمر وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم
: أنهم قضوا في أمر الخلافة دونه ، مع فضله وشرفه ومنزلته ، وكان من حقه أن يحضر الأمر ويستشار فيه ، ولا يقطع برأيٍ دونه .
وعذر الصحابة في ذلك أنهم بادروا بالبيعة لأبي بكر درءا للفتنة ، وحسما لمادة الفساد ، وخافوا حصول الخلاف والنزاع بتأخيرها .
ومن أسباب تأخره أيضا
: أن فاطمة رضي الله عنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها ، فيما سألته من الميراث : رأى عليٌّ أن يوافقها في الانقطاع عنه ، وخاصة مع ما هي فيه من الهم والغم والحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فعليّ رضي الله عنه لم يرفض بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، وإنما تأخر عنها لما تقدم ذكره ، ثم جاء فبايع من غير إكراه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" عُلِم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته – يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه - إلا سعد بن عبادة ، وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس
لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له ، لكن قيل : علي تأخرت بيعته ستة أشهر ، وقيل : بل بايعه ثاني يوم ، وبكل حال ، فقد بايعوه من غير إكراه "
انتهى من " منهاج السنة " (8/232) .
وينظر جواب السؤال القادم.
رابعا :
لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما ، فضلا عن أن يشهد ذلك عليّ فلا يُنكِره ، وكل ما روي في ذلك : لم يصح سندُه .
قال ابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/ 1098) :
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِيهِمْ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ، أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ ، وَيُؤْثِرُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟
فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ فِي يَدِي لَأَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى يَدْخُلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّهُمْ ، وَلَأَسْتَعْمِلَنَّهُمْ
عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَ . فَقَالَ عَمَّارٌ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِي؟ قَالَ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ . قَالَ: وَأَنْفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَغَضِبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَوَطِئَهُ وَطْأً شَدِيدًا، فَأَجْفَلَهُ النَّاسُ عَنْهُ .
وهذا إسناد ضعيف ، سالم بن أبي الجعد لم يسمع من عثمان
قال الحافظ العلائي رحمه الله :
" سالم بن أبي الجعد الكوفي : مشهور ، كثير الإرسال عن كبار الصحابة ، كعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم ، وقال أبو زرعة : سالم بن أبي الجعد ، عن عمر وعثمان وعلي : مرسل "
انتهى من " جامع التحصيل " (ص 179) .
وقال ابن عبد ربه في " العقد الفريد " (5/ 57) :
" ومن حديث الأعمش يرويه أبو بكر بن أبي شيبة قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه ، في صحيفة، فقالوا : من يذهب بها إليه؟
قال عمار: أنا. فذهب بها إليه، فلما قرأها قال : أرغم الله أنفك، قال: وبأنف أبي بكر وعمر. قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه، ثم ندم عثمان، وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: اختر إحدى ثلاث :
إما أن تعفو، وإما أن تأخذ الأرش ، وإما أن تقتص. فقال: والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله! قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح، فقال : ما كان على عثمان أكثر مما صنع .
وهذا إسناد ضعيف كسابقه ، فإن الأعمش عداده في صغار التابعين ، لم يدرك عثمان ولا عليا ولا عمارا ، راجع : "
ميزان الاعتدال" (2 /224) ، "التهذيب" (4/196) .
بل إن ابن عبد ربه ، الذي ذكر ذلك في كتابه : لم يسق إسناده إلى الأعمش ، فكما يحتمل أن يكون الحمل في هذه الرواية على من هو فوق الأعمش
فكذلك يحتمل أن يكون ممن هو دونه ، ممن أبهمه ابن عبد ربه ، بين ابن أبي شيبة ، والأعمش .
قال ابن أبي بكر المالقي
: " فإن قيل : بأن عثمان (رضي الله عنه) ضرب عماراً، قيل: هذا لا يثبت ، ولو ثبت فإن للإمام أن يؤدب بعض رعيته بما يراه ، وإن كان خطأ.
ألا ترى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه ، وأقاد ، وكذلك أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) أدّبا رعيتهما باللطم والدّرّة ، وأقادا من أنفسهما .
فإن قيل : عثمان (رضي الله عنه) لم يقد من نفسه ؟
قيل له : كيف ذلك ، وقد بذل من نفسه ما لم يبذله أحد ، خصوصاً يوم الدار، فإنه قال : يا قوم ، إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيد فضعوهما "
انتهى من " شبهات حول الصحابة " - ذو النورين عثمان (ص 144) .
وقد جاء ما هو أصح من ذلك مما يخالفه
فروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 521) : وابن شبة في " تاريخ المدينة " (3/1101) من طريق حُصَيْن بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جهيم ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ , قَالَ: أَنَا شَاهِدُ هَذَا الْأَمْرِ ,
قَالَ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ فَأَرْسَلُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنِ ائْتِنَا , فَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ أَشْيَاءَ أَحْدَثْتَهَا ، أَوْ أَشْيَاءَ فَعَلْتَهَا , قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنِ انْصَرَفُوا الْيَوْمَ , فَإِنِّي مُشْتَغِلٌ ، وَمِيعَادُكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا .
قَالَ: فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ .
قَالَ: فَتَنَاوَلَهُ رَسُولُ عُثْمَانَ ، فَضَرَبَهُ .
قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمِيعَادِ وَمَنْ مَعَهُمْ ، قَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ مَا تَنْقِمُونَ مِنِّي؟
قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْكَ ضَرْبَكَ عَمَّارًا ؟!
قَالَ عُثْمَانُ: جَاءَ سَعْدٌ وَعَمَّارٌ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِمَا , فَانْصَرَفَ سَعْدٌ ، وَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَنْصَرِفَ , فَتَنَاوَلَهُ رَسُولٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِي ; فَوَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ وَلَا رَضِيتُ , فَهَذِهِ يَدِي لِعَمَّارٍ فَيَصْطَبِرُ – يَعْنِي : يَقْتَصُّ .
وهذا إسناد لا بأس به ، رجاله ثقات ، وجهيم - ويقال : جهم - تابعي روى عنه ثقتان ووثقه ابن حبان ، فحديثه محتمل للتحسين .
فهذا الخبر أصح مما ورد من ضرب عثمان عمارا .
والخلاصة :
أنه لم يثبت أن عثمان ضرب عمارا رضي الله عنهما أصلا ، فضلا عن أن يقال ضربه بحضرة علي ، وعلي ساكت لم يدافع عنه ، والواجب حفظ حرمة أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحبهم ، والدفاع عنهم .
كما لا يجوز اعتماد كل ما ورد في كتب التاريخ إلا ما ثبتت صحته
وما أحسن ما قال ابن خلدون رحمه الله :
" وكثيرا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النّقل من المغالط في الحكايات والوقائع ، لاعتمادهم فيها على مجرّد النّقل غثّا أو سمينا ، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها
ولا سبروها بمعيار الحكمة ، والوقوف على طبائع الكائنات ، وتحكيم النّظر ، والبصيرة في الأخبار ، فضلّوا عن الحق ، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط "
انتهى من " تاريخ ابن خلدون" (1/ 13) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-22, 18:46
وجوب الكف عما شجر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال :
هل صحيح أن علي بن أبي طالب وعثمان رضي عنهما قتلهما أشخاص مسلمون ؟
وهل يمكن توضيح ما المشكلة التي دارت بين الصحابة في تلك الحقبة وما هي الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع ؟
الجواب :
الحمد لله
اعلم يا أخي – وقانا الله وإياك الفتن ، ما ظهر منها وما بطن – أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب لأفضل نبي ، وخاصة الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين .
قال الله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) التوبة/100 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (4/203) .
وقال الله تعالى عن المهاجرين : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) الحشر/8 ،
وقال سبحانه عن الأنصار : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر/9 .
وقال عن الذين جاءوا من بعدهم من المؤمنين : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )
الحشر/10 .
أما ما حصل بين الصحابة من الاختلاف والاقتتال : فيجب علينا الكف عنه ، مع اعتقاد أنهم أفضل الأمة ، ومحبتهم والترضي عنهم ، وعلى هذا تتابعت كلمة أهل السنة والجماعة .
سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم ؟
فقال : ( تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها ) .
"الطبقات الكبرى" (5/394) .
وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل عما جرى بين علي ومعاوية ؟
فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم ، فأقبل عليه فقال : اقرأ : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص126) .
وقال الإمام أحمد أيضا بعد أن قيل له : ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية ؟ قال : (
ما أقول فيهم إلا الحسنى ) .
"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص164) .
وقال الميموني : " قال لي أحمد بن حنبل : يا أبا الحسن ، إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام .
وقال الفضل بن زياد :
سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي ؟ فقال إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء " انتهى .
"البداية والنهاية" (8/139) .
وقال أبو زرعة الرازي :
" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق
وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة " انتهى .
"الكفاية في علم الرواية" (ص 49) .
وقال القرطبي :
" لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم
وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم " انتهى .
"تفسير القرطبي" (16/321) .
وقال ابن أبي زيد القيرواني وهو بصدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يذكروا به قال : " وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر
والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب " انتهى .
"عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام" (2/734) .
وقال أبو عبد الله بن بطة - رحمه الله - أثناء عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة : " ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل ، فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم ، وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون
وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم ، وكل ما شجر بينهم مغفور لهم " .
"كتاب الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة" (ص/268) .
وقال أبو عثمان الصابوني وهو بصدد عرض عقيدة السلف وأصحاب الحديث :
" ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً ونقصاً فيهم ، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم " .
"عقيدة السلف وأصحاب الحديث - ضمن مجموعة الرسائل المنيرية" (1/129) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله به في
قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/10 .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) .
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم .
ولا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم .
ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته
أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور لهم ؟
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح .
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم
وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى " انتهى باختصار .
"مجموع الفتاوى" (3/152- 156) .
وقال الحافظ ابن حجر :
" اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّة عَلَى وُجُوب مَنْع الطَّعْن عَلَى أَحَد مِنْ الصَّحَابَة بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عَرَفَ الْمُحِقّ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوب إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد
وَقَدْ عَفَا اللَّه تَعَالَى عَنْ الْمُخْطِئ فِي الِاجْتِهَاد , بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَر أَجْرًا وَاحِدًا وَأَنَّ الْمُصِيب يُؤْجَر أَجْرَيْنِ " انتهى .
"فتح الباري" (13/34) .
ومثل هذا كثير في كلام أهل العلم ، وهو المتعين الأخذ به ؛ لأن فيه العصمة من الزلل ، والتعريف بحق أفضل الناس بعد النبيين .
أما عن مقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما ، فلا شك أنهما قتلا مظلومين ، ونشهد لهما بالجنة ، ونشهد على من تلبس بهذا الأمر أو شارك فيه أو رضيه
أو علمه ولم ينكره بأنه ضال مضل خبيث الطوية ، متبع غير سبيل المؤمنين ، والله يحاسبه يوم القيامة على صنيعه
وسيحكم الله تعالى بينهم يوم القيامة . ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .
*عبدالرحمن*
2018-08-22, 18:54
بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما
السؤال :
يدعي الكثير من الشيعة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبايع أبدا أبا بكر رضي الله عنه ، وهم يقولون بأن قبضة يده كانت مغلقة ، وبأنه لم يبايع مطلقا .
وكنت أتساءل ما إذا كان بوسع الشيخ مساعدتي في فهم ما حدث بالفعل إن شاء الله . جزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثابتة في الصحيحين وإن وقعت متأخرة بضعة أشهر.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن أباها أبا بكر رضي الله عنه دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد أن دعاه :
( فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ : إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصيبًا .
حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي
وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ : فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ .
فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ : مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا ، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا
فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا ، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ ، وَقَالُوا : أَصَبْتَ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ ) رواه البخاري (3998) ومسلم (1759)
وفي رواية أخرى لمسلم في صحيحه :
( ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ ، ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا : أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ فَكَانَ النَّاسُ قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ )
قال النووي رحمه الله :
" أما تأخر علي رضي الله عنه عن البيعة : فقد ذكره علي في هذا الحديث ، واعتذر أبو بكر رضي الله عنه .
ومع هذا : فتأخره ليس بقادح في البيعة ، ولا فيه :
أما البيعة : فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس ، ولا كل أهل الحل والعقد ، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء ، والرؤساء ، ووجوه الناس .
وأما عدم القدح فيه : فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام فيضع يده في يده ويبايعه ، وإنما يلزمه إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام الانقياد له ، وأن لا يظهر خلافاً ، ولا يشق لعصا .
وهكذا كان شأن علي رضي الله عنه في تلك المدة التي قبل بيعته ، فإنه لم يُظهر على أبي بكر خلافاً ، ولا شق العصا ، ولكنه تأخر عن الحضور عنده للعذر المذكور في الحديث
ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفاً على حضوره ، فلم يَجب عليه الحضور لذلك ، ولا لغيره ، فلما لم يجب : لم يحضر .
وما نُقل عنه قدحٌ في البيعة ، ولا مخالفة ، ولكن بقي في نفسه عتب ، فتأخر حضوره إلى أن زال العتب .
وكان سبب العتب : أنه مع وجاهته ، وفضيلته في نفسه في كل شيء ، وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك : رأى أنه لا يُستبد بأمر إلا بمشورته ، وحضوره
وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحاً ؛ لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين ، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة
ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة ؛ لكونها كانت أهم الأمور ، كيلا يقع نزاع في مدفنه ، أو كفنه ، أو غسله ، أو الصلاة عليه
أو غير ذلك ، وليس لهم من يفصل الأمور ، فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء " انتهى.
" شرح مسلم " (12/77-78) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة ، لشغله بها وتمريضها ، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم
ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث : رأى عليٌّ أن يوافقها في الانقطاع عنه " انتهى.
" فتح الباري " (7/494)
ثانيا :
قد ورد أيضا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بايع أبا بكر في بداية الأمر ، ولم يتأخر عن البيعة ، ولكن الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في ثبوتها بعض التردد .
فقد رُوي الحديث من طريق وهيب بن خالد ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد .
وأخذ الحديثَ عن وهيب بن خالد أربعةٌ من أصحابه ، ثلاثة منهم يرويه بسياق مختصر لا يشتمل على ذكر بيعة علي والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم في بداية خلافته ، وهم :
عفان بن مسلم : كما سيأتي تخريج الرواية عنه ، وبيان أنَّ مَن ذَكر عن عفان بن مسلم أمرَ البيعة فقد وَهِمَ وأخطأ .
أبو داود الطيالسي في " المسند " (1/495، رقم/603)
ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19/314)
زهير بن إسحاق : وهو راو ضعيف –
كما في " ميزان الاعتدال " (2/82)
- يرويه من طريقه ابن عدي في " الكامل " (3/223) ويقول
: " وهذا لا أعلم رواه عن داود غير زهير بن إسحاق ووهيب ، ولزهير أحاديث صالحة ، وأروى الناس عنه من البصريين محمد بن أبي بكر المقدمي
وأرجو أنه لا بأس به ، فإن ابن معين إنما أنكر عليه حديثا مقطوعا كما ذكرته ، فأما حديثه المسند فعامته مستقيمة " انتهى.
وأما الراوي الرابع عن وهيب بن خالد فقد رواه بالسياق المطول المشتمل على ذكر بيعة علي بن أبي طالب والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم جميعا .
وهذا الراوي هو المغيرة بن سلمة أبو هشام المخزومي : ثقة ثبت –
كما في " تهذيب التهذيب " (10/261)
– يرويه عنه الإمام البيهقي في " السنن الكبرى " (8/143) فيقول :
" أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحافظ الإسفرائيني ، ثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ ، أنبأ أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة
وإبراهيم بن أبي طالب ، قالا : ثنا بندار بن بشار ، ثنا أبو هشام المخزومي ، ثنا وهيب : فذكره بنحوه .
قال أبو علي الحافظ : سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول :
جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث ، فكتبته له في رقعة ، وقرأت عليه ، فقال : هذا حديث يسوى بدنة . فقلت : يسوى بدنة !؟ بل هو يسوى بدرة – تامة كالبدر -" انتهى.
وقوله : ( فذكره بنحوه ) يريد به السياق الذي فيه ذكر البيعة كما وقع ذلك صريحا في رواية ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (30/277) من طريق الإمام البيهقي نفسه .
وقد قال الإمام الذهبي رحمه الله بعد أن ساق الرواية التي فيها ذكر البيعة :
" مع جودة سنده فيه أشياء تنكر ، فتدبره " انتهى.
" المهذب " (6/3239)
وأما بيان الاختلاف على عفان بن مسلم فهذا تفصيله :
اختلف على عفان بن مسلم على وجهين :
الوجه الأول : يرويه كبار الأئمة الذين أخذوا عن عفان بسياق مختصر ، ليس فيه ذكر بيعة علي بن أبي طالب والزبير لأبي بكر رضي الله عنهم جميعا ، ولفظه :
( لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا بَعَثَ رَجُلاً مِنْكُمْ قَرْنَهُ بِرَجُلٍ مِنَّا
فَنَحْنُ نَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلاَنِ ، رَجُلٌ مِنْكُمْ وَرَجُلٌ مِنَّا .
فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَكُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّمَا يَكُونُ الإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
نَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ حَيٍّ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ ، وَاللَّهِ لَوْ قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا مَا صَالَحْنَاكُمْ )
رواه عنه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7/430).
والإمام أحمد في " المسند " (35/489) طبعة مؤسسة الرسالة .
وابن سعد في " الطبقات " (3/212) .
والبلاذري في " أنساب الأشراف " (3/318) ترقيم الشاملة .
أحمد بن القاسم بن المساور الجواهري
: كما عند الطبراني في " المعجم الكبير " (5/114)
جعفر الصايغ : كما عند ابن عدي في " الكامل " (3/223)
قال : ثناه علي بن أحمد بن مروان ثنا أبو الصقر الوراق وهو يحيى بن داود البغدادي وثنا محمد بن منير بن صغير ثنا جعفر الصايغ ثنا عفان .
وقال الذهبي في هذه الرواية :
" هذا إسناد صحيح " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (2/433)
وقال الهيثمي في هذه الرواية :
" رواه الطبراني وأحمد ورجاله رجال الصحيح " انتهى.
" مجمع الزوائد " (5/183)
الوجه الثاني : يرويه واحد من أصحاب عفان بن مسلم ، بسياق مطول ، وفيه ذكر بيعة علي بن أبي طالب والزبير لأبي بكر الصديق رضي الله عنهم جميعا ، وهذا لفظه :
( لَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلاً مِنَّا
فَنُرَى أَنْ يَلِىَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلاَنِ ، أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ ، وَالآخَرُ مِنَّا .
قَالَ : فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ .
فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَإِنَّ الإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ .
ثُمَّ قَالَ : أَمَّا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَالَحْنَاكُمْ .
ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ : هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ ، ثُمَّ انْطَلَقُوا .
فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِى وُجُوهِ الْقَوْمِ ، فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنَهُ ! أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ؟
فَقَالَ : لاَ تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ . فَبَايَعَهُ .
ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ ، فَقَالَ : ابْنَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَوَارِيَّهُ ! أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ : لاَ تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ . فَبَايَعَاهُ )
رواه جعفر بن محمد بن شاكر عن عفان على هذا الوجه المطول ، كذلك أخرجه الحاكم في " المستدرك " (3/80)
وعنه وعن شيخه أبو محمد المقرئ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (8/143) قال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه "
انتهى. وسكت عليه الذهبي في التلخيص .
وجعفر بن محمد بن شاكر - وإن وثقه الخطيب البغدادي وابن المنادي ومسلمة بن قاسم
كما في " تهذيب التهذيب " (2/102) –
إلا أنه خالف الأئمة الكبار الذين هم أحفظ لحديث عفان بن مسلم منه ، فالوجه الصحيح عن عفان بن مسلم هو اختصار الحديث ، وعدم ذكر بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر رضي الله عنه في ذلك الموقف .
هذا وقد تابع سعد بن إياس الجريري داود بن أبي هند في الرواية عن أبي نضرة ، وفي روايته ذكر بيعة علي والزبير لأبي بكر رضي الله عنهما
كما في " تاريخ دمشق " (30/278)
ولكن وفي سنده علي بن عاصم بن صهيب الواسطي ، وقد كان كثير الخطأ في الرواية ، قال فيه علي بن المديني : " كان على بن عاصم كثير الغلط ، وكان إذا غلط فرد عليه لم يرجع "، وهكذا كان حكم سائر النقاد فيه
. انظر: " تهذيب التهذيب " (7/348)
ثالثا :
الحاصل أن بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الثابتة هي الواردة في صحيحي البخاري ومسلم ، وأما البيعة الأولى الواردة في حديث أبي سعيد الخدري ففي ثبوتها بعض التردد .
أما الدعوى بأن بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت إكراها فهي دعوى زائفة باطلة ، صادرة عن مكابرة ظاهرة ، وعماية بالغة عن الحقائق المروية بالأسانيد الصحيحة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" علم بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته – يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه - إلا سعد بن عبادة ، وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس ، لم يمت أحد منهم إلا وهو مبايع له
لكن قيل : علي تأخرت بيعته ستة أشهر ، وقيل : بل بايعه ثاني يوم ، وبكل حال ، فقد بايعوه من غير إكراه " انتهى.
" منهاج السنة " (8/232)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-22, 19:15
قصة نفي عمر لنصر بن حجاج من المدينة ؟
السؤال :
قيل بأن عمر بن الخطاب نفى نصر بن الحجاج لجماله الفائق ؟
هل هذا صحيح ؟
وما سبب ذلك ؟
الجواب :
الحمد لله
ورد خبر نفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصر بن الحجاج إلى البصرة لئلا تفتن به نساء أهل المدينة من طرق متعددة ، مختصرا ومطولا :
فرواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (2/762) عن قتادة ، والخرائطي في "اعتلال القلوب" (2/ 392) ، وابن الجوزي في "ذم الهوى" (ص123) عن مُحَمَّد بْن الْجَهْمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ به مطولا .
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 322) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (62/ 21) عَنِ الشَّعْبِيِّ ، وابن سعد في "الطبقات" (3/216) عن عبد الله بن بريدة ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (62/ 23) عن محمد بن سيرين .
وملخص هذه القصة أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعُسُّ بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَتَغَنَّى بِأَبْيَاتِ تَقُولُ فِيهَا:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** هل من سبيل إلى نصر بن حجاج
فَدَعَا بِهِ فَوَجَدَهُ شَابًّا حَسَنًا ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ ، فَازْدَادَ جَمَالًا فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ لِئَلَّا تَفْتَتِنُ بِهِ النِّسَاءُ .
ثمَّ إِنَّه بعث يطْلب الْقدوم إِلَى وَطنه ، وَيذكر ألا ذَنْب لَهُ فَأبى عَلَيْهِ ، وَقَالَ: أما وَأَنا حَيّ فَلَا .
وذكر القصة غير واحد من أهل العلم ، منهم السمعاني في "الأنساب" (3/ 156)
، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من "مجموع الفتاوى" : (11/552) ، (15/ 313) ، (28/109) ، (28/371)
وابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/ 284)
والحافظ ابن حجر في "الإصابة" (6/ 382) ، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/ 132) ، وغيرهم من أهل العلم .
وقال الدارقطني رحمه الله في "المؤتلف والمختلف" (4/ 2205):
" نَصْر بن الحَجَّاج يقال: هو ابن الحَجَّاج بن علاط السُّلَمِيّ , كان في أيام عُمَر بن الخَطَّاب , كان موصوفا بالجمال , وهو الذي يقال فيه :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** أم هل سبيل إلى نَصْر بن حَجَّاج
انتهى .
وذكر نحوه ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/326) ، وابن ماكولا في "الإكمال" (1/560) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" (1/ 456)
وقال الحافظ رحمه الله :
" وَقَفْتُ فِي كِتَابِ الْمُغربِينَ لِأَبِي الْحسن الْمَدَائِنِي مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ قَوْمًا يَقُولُونَ : أَبُو ذُؤَيْبٍ أَحْسَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَدَعَا بِهِ فَقَالَ : أَنْتَ لَعَمْرِي فَاخْرُجْ عَن الْمَدِينَة
فَقَالَ إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنِي، فَإِلَى الْبَصْرَةِ حَيْثُ أَخْرَجْتَ يَا عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ . وَذَكَرَ قِصَّةَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ " .
انتهى من" فتح الباري" (12/ 159-160) .
فهذه القصة مشهورة باستفاضة في كتب أهل العلم ، قد رويت من طرق متعددة ، ولكن لا يسلم طريق منها من مقال ، وأصح طرقها طريق عبد الله بن بريدة مرسلا
ولكن انتشارها وذكرها في كتب أئمة المسلمين وحفاظهم العارفين بالتواريخ والسير ، مع ورودها من تلك الطرق المتعددة يدل على ثبوت أصلها .
ثانيا :
من جهة التكييف الفقهي : فهذا من باب تقديم المصلحة العامة على الخاصة . فإلحاق الضرر بالمصلحة الخاصة لأجل المصلحة العامة متعين في الجملة .
قال بدر الدين الزركشي رحمه الله في "المنثور في القواعد الفقهية" (1/ 348-349):
" قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : أَجْمَعُوا عَلَى دَفْعِ الْعُظْمَى فِي ارْتِكَابِ الدُّنْيَا ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ تُدْرَأَ أَعْظَمُ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا
إذَا تَعَيَّنَ وُقُوعُ إحْدَاهُمَا ، وَأَنْ يَحْصُلَ أَعْظَمُ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَرْكِ أَخَفِّهِمَا إذَا تَعَيَّنَ عَدَمُ إحْدَاهُمَا . قَالَ : وَأَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ ، لَا أَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا ، حَيْثُ كَانَ وَوُجِدَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : إذَا تَعَارَضَ مَصْلَحَتَانِ حَصَلَتْ الْعُلْيَا مِنْهُمَا بِتَفْوِيتِ الدُّنْيَا ".
وقال السرخسي رحمه الله في " المبسوط " (9/ 45) :
" وَإِنْ ثَبَتَ النَّفْيُ عَلَى أَحَدٍ ؛ فَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ ، لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ ، كَمَا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيتَ الْمُخَنَّثَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَنَفَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ مِنْ الْمَدِينَةِ حِينَ سَمِعَ قَائِلَةً تَقُولُ :
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبُهَا ** أَوْ هَلْ سَبِيلٌ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
فَنَفَاهُ ، وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ ، وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ " انتهى .
وقال الألوسي رحمه الله :
" قد يغرب الإمام لمصلحة يراها ، كما صح أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غرب نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه : لجماله ، افتتن بعض النساء به "
انتهى من "تفسير الألوسي" (9/ 280) .
فإن قيل : فإن نساء أهل البصرة سيفتنون به بعد تحوله إليها ، فماذا صنعنا ؟ نقلنا الفتنة من مكان إلى مكان ، ولم نحسم مادتها !
فالجواب أن يقال :
أولا : نفيه من بلده وانتقاله من وطنه بما يشبه العقوبة ، يضعف داعي الفتنة في نفسه وفي غيره ، ويعلّم الناس محاربة الهوى وذم الفاحشة
فإذا علم الناس في زمان عمر الذي يخاف الشيطان منه ويفرق من حضرته أن هذا الرجل إنما نفاه خوف الفتنة : اتقوا الفتنة به ، وحذروا منها ، فكأنه قيل لأهل البصرة
قد نفيت هذا إلى بلدكم لئلا يساكنني ببلد ، فاتقوا الفتنة به .
ثانيا : أن المغترب ليس كالمستوطن ، فإنه في بلد الغربة ينشغل بحال نفسه وبالكسب والعمل ، مما يرفع عنه الرفاهية التي كان يتمتع بها في بلده
وبين أهله وعشيرته ، وهذا يقلل من جماله ويشغله عن الاعتناء بنفسه وهندامه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" نَفَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَمِنْ وَطَنِهِ إلَى الْبَصْرَةِ ، لَمَّا سَمِعَ تَشْبِيبَ النِّسَاءِ بِهِ ، وَكَانَ أَوَّلًا قَدْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ ؛ لِيُزِيلَ جَمَالَهُ الَّذِي كَانَ يَفْتِنُ بِهِ النِّسَاءَ
فَلَمَّا رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْنَتَيْنِ ، غَمَّهُ ذَلِكَ ، فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ ؛ فَهَذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَنْبٌ وَلَا فَاحِشَةٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا ؛ لَكِنْ كَانَ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَفْتَتِنُ بِهِ
فَأَمَرَ بِإِزَالَةِ جَمَالِهِ الْفَاتِنِ ؛ فَإِنَّ انْتِقَالَهُ عَنْ وَطَنِهِ مِمَّا يُضْعِفُ هِمَّتَهُ وَبَدَنهِ ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُعَاقَبٌ ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الَّذِينَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْفَاحِشَةُ وَالْعِشْقُ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُعَاقَبَةِ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 313) .
ثالثا : أن حصول ذلك ونقله وإعلام الناس به : يربي في أنفس الأجيال محاربة الفتنة ، ويعلّم ولاة الأمور بابا من أبواب السياسة الشرعية ، وكيف يقدمون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة
ويبين أن الفتنة بالنساء من أعظم الفتنة .
رابعا : تقتضي حرمة المدينة إخراج من تفتن به النساء منها ، فيسيّر منها إلى بلد آخر ، رعاية لحرمتها وشرفها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-22, 19:26
حكم الالتزام بالقوانين التي تسنها البلاد الغربية
السؤال:
هل من الضروري على المسلم الذي يعيش في بلد كافر الالتزام بقوانين تلك البلاد؟
مثل الالتزام بقانون قيادة السيارة والعمر المحدد لذلك .. أم أنه حرام ، أم مكروه ؟!
الجواب:
الحمد لله
القوانين التي تسنها البلاد الكافرة لا تخلو من ثلاثة أحوال:
الحال الأولى :
أن تكون قوانين مخالفة لما شرعه الله ، كجعل الطلاق بيد المرأة ، أو عدم ولاية الأب على ابنته بعد البلوغ ، أو أن نصيب البنت من التركة كنصيب الذكر
وإباحة شرب الخمر والزنا.. وغير ذلك فهذا لا يجوز العمل به ولا إقراره .
الحال الثانية :
أن يكون موافقاً لما جاء في الشرع ، فهذا يعمل به طاعة لله ولرسوله .
الحال الثالثة :
أن يكون القانون لم ينص عليه شرعنا، إلا أن فيه مصلحة للعباد ، كالقوانين المتعلقة بقيادة السيارة والعمر المشترط لذلك ، فيجب الالتزام بها
عملاً بالنصوص الآمرة بوجوب الوفاء بالعقود والعهود ومن ذلك، قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) سورة المائدة الآية/1 .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح ابن ماجة " ( 2353 ) .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 01:52
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الضوابط الشرعية لإنشاء الصحف الإلكترونية
السؤال
ماذا ترى في تشغيل صحف إلكترونية؟
خاصة لو أن رئيس التحرير يكتب في حادث حقيقي من الحوادث السيئة مثل السرقة والاغتصاب فهل ليس في هذا نشر للرذيلة والشرور؟
الجواب :
الحمد لله :
إنشاء " الصحف الإلكترونية " المنضبطة بالضوابط الشرعية من الأمور التي تمس الحاجة إليها في هذا الزمان ، نظرا لكثرة الصحف التي تنشر الغثاء في الأمة ، وتعمل على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين .
ولا بد لمن أراد إنشاء صحيفة الكترونية من التقيد بجملة من الضوابط الشرعية ، والتي من أهمها :
أولاً : المصداقية في نقل الأخبار ، وتحري الصحيح منها ، عملاً بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات/6] .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
" والتثبت في سماع الأخبار ، وتمحيصها ونقلها وإذاعتها ، والبناء عليها ، أصل كبير نافع "
.انتهى من " الفتاوى السعدية" صـ66.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) ، رواه مسلم (6) .
قال المناوي رحمه الله تعالى
:"أي إذا لم يتثبت ؛ لأنه يسمع عادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب " .
انتهى "فيض القدير" (5/2) .
وقال النووي:
" فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان ، فانه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن ".
انتهى ، "شرح النووي على صحيح مسلم" (1 / 75).
ومما يؤسف له أن أغلب وكالات الإنباء في العالم الإسلامي تجمع في أخبارها بين الغث والسمين ، دون تمحيص ولا تثبت .
وقد أخبر النبي أنه رأى فيمن يعذبون يوم القيامة رجلاً مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، ثم يُشَدُّ أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيَشُقُّ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، فلما سأل عنه
قيل له: ( هذا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ). رواه البخاري (6096).
وهذا الحديث قد ينطبق على بعض مراسلي وكالات الأنباء، فإن بعضهم يزيد مع الخبر الصادق مائة كذبة ، فما هي إلا لحظات حتى يصبح الخبر في مشارق الأرض ومغاربها .
ثانياً : ليس كل خبر صحيح ينشر ، فكثير من الأخبار لا يصح نشرها على عامة الناس ، قال تعالى مبينا خطأ هذا المسلك
: ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
" هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق ، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين
أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة ، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها .
فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك ، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته ، لم يذيعوه
ولهذا قال : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة ".
انتهى " تفسير السعدي" (1/190).
ثالثاً : تجنب نشر أخبار الفضائح ، فمنهج الشريعة قائم على الستر على المسلمين ، لا نشر أخطائهم وفظائعهم والتشهير بها على الملأ.
وفي الحديث الصحيح : (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (2262) ، ومسلم (4677) .
ومثل ذلك يقال في أخبار الفواحش والمنكرات والجرائم .
فما الفائدة التي سيجنيها المسلم من اطلاعه على أخبار الجرائم ، وحوادث القتل والنهب والخطف ، والفضائح الأخلاقية والاعتداء على الأعراض والحرمات !!
بل إن كثرة نشر مثل هذه الأخبار مدعاة لتطبيعها في نفوس الناس وإلفهم لها ، وزوال النفرة عنها من نفوسهم ، بسبب كثرة تردادها على أسماعهم ، فضلا عما في ذلك من نشر معايب المسلمين على الملأ .
قال الحافظ ابن رجب:
" قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمرُ بالمعروف : اجتهد أن تستُرَ العُصَاةَ ، فإنَّ ظهورَ معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام ".
انتهى ، جامع العلوم والحكم (1/340).
رابعاً : تجنب نشر ما لا ينفع الأمة من الأخبار التافهة كأخبار الساقطين والساقطات من الممثلين والممثلات ، ونحوها من التوافه التي لا تنفع المسلم في دينه ولا دنياه.
والأولى التركيز على أخبار العالم الإسلامي مما يهم المسلمين معرفته .
خامساً : عدم نشر صور النساء بأي حال من الأحوال.
سادساً : أن تكون المقالات المنشورة في الصحيفة هادفة ، تركز على علاج مشاكل الأمة في جانب التوحيد ، أو الأخلاق والسلوك ، أو المشاكل الاجتماعية العامة ... وغيرها .
سابعاً : تجنب الأخبار التي تثير النعرات والعصبيات بين الشعوب والدول .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 01:56
هل يجوز نشر رسائل تحوي عناوين مواقع مسيئة للإسلام لعموم الناس ؟
السؤال:
تصلنا بعض الأحيان رسائل على البريد ، تحتوي على المواقع التي تسيء للقرآن ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، فهل نعيد إرسالها للتحذير منها والإنكار عليها ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن من أعظم الجهاد رد الشبه التي تتعرض للإسلام وأصوله وشرائعه , والرد على أهل البدع والضلال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
فالرادُّ على أهل البدع : مجاهدٌ ، حتى كان يحيى بن يحيى يقول : " الذب عن السنَّة أفضل من الجهاد " .
" مجموع الفتاوى " ( 4 / 13 ) .
ثانيا:
من المقرر في شريعتنا : أنه لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان , وأنه يجب قطع كل سبيل من شأنه أن يجر شرّاً ، أو شبهةً ، أو تشكيكاً
قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/ 2 .
وفي إعادة إرسال الرسالة التي تحتوي مواقع تسيء للقرآن وللرسول صلى الله عليه وسلم : مخاطر ، ومحاذير ، منها :
1. نشر الشر وإشاعته . وقد جاء النهي عن إشاعة الشر والفساد , فعن عليّ رضي الله عنه قال : " القائل الفاحشة ، والذي يشيع بها : في الإثم سواء " .
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 324 ) ، وحسنه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " .
وعن شبيل بن عوفٍ قال : كان يقال : " مَن سمع بفاحشة فأفشاها : فهو فيها كالذي أبداها " .
رواه البخاري في الأدب المفرد ( 325 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " .
وناشر تلك المواقع ، والصور التي تحمل السخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم : مؤدٍ لغرض أصحاب تلك المواقع ، وراسمي تلك الصور ، من الكفرة والملاحدة والزنادقة .
وقد ذكر بعض أولئك الكفرة أنه اخترع طريقة لنشر صوره المؤذية عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو عن القرآن ، بأن ينشرها في مواقع المسلمين
ويكتب في عنوان موضوعه " حسبي الله ونعم الوكيل " ! ثم يكيل السباب لمن نشرها ! والمغفلون من المسلمين يصدقون أن كاتب المقال من الغيورين على الإسلام ! وهم مجموعة زنادقة يستهزئون بالإسلام
ويسخرون من المسلمين ، فنرجو من إخواننا أصحاب المواقع ، والمنتديات ، والقوائم البريدية : الحذر ، والانتباه ، من كيد الكائدين ، وأن لا يكونوا في غفلة من أمرهم .
2. أنها ربما تقع هذه المواقع على نفوس مريضة ، أو غير متسلحة بسلاح العلم والبصيرة , فيترتب عليها مفاسد ، وشروراً ، عظيمة .
فالنصيحة : عدم إعادة نشرها , والاستعاضة عن ذلك - مثلاً - بمراسلة خاصة بمن يظن به القدرة على دفع تلك الشبه ، وردها , أو الإنكار على أصحابها .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 02:00
حرمة دم المسلم ، وتحريم قتله بغير حق ، وواجب المسلمين تجاه ذلك
السؤال
ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدموها للمسلمين في بعض البلاد الذين يَقتل بعضهم بعضاً ؟ وما أعنيه هو هل من الجائز في الإسلام قتل المسلم لأخيه المسلم بغير حق ؟ وهل هذا الأمر حرام ؟
فهل قتل المسلمين لمجرد أنهم ينتمون لقبيلة أخرى حرام ؟
أنا امرؤ مسلم ووجدت أن هذا الأمر به من الحماقة والجهل ما به ، وهو ما أثارني ضد هذه الأعمال ، غيرة على دين الله ، وخوفاً عليهم من أن ينصهروا في تلك الأعمال
إنني آمل في أن تقوموا بالإيضاح لبعض المسلمين المقيمين معنا هنا في الغرب ، وإنني علي أمل أن يقوموا بتغيير هذا الأمر ، أو على الأقل يحاولون تغييره
وأتمنى أن تأخذوا وقتكم قبل الرد ، ومن ثم تخبرونهم عن قول الله تعالى حيال هذه الأعمال ، وما قاله الرسول الخاتم في مثل هذه الأعمال .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله أن يجزيك أخي السائل خيراً لشعورك بحال إخوانك المسلمين ، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً ، وأهل الإسلام كالجسد الواحد ، في تراحمهم ، وتعاطفهم ، وتوادهم .
ثانياً :
إن من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم : " كثرة الفتن " ، و " كثرة الهرج " – أي : القتل - .
فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يُقْبَضُ الْعِلْمُ ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ ، وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ) قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا الْهَرْجُ ؟ فَقَالَ : (هَكَذَا بِيَدِهِ) فَحَرَّفَهَا ، كَأَنَّه يُرِيدُ : الْقَتْلَ . رواه البخاري (85) - واللفظ له - ومسلم بمعناه (157) .
ومن أسباب كثرة القتل : دعاوى الجاهلية كما ذكر الأخ السائل ، وهو النصرة لقبيلة ، أو عصَبة ، أو طائفة ، وهو ما يحدث في كثير من دول العالَم
حتى ذهب في قتال بين قبيلتين في " أفريقيا " في بلد واحد أكثر من مليون شخص !
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (... مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ :
فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ) رواه مسلم (1848) .
وإن مِن أعظم الذنوب بعد الشرك بالله : قتل مسلم بغير حق ، وقد قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء/ 93 .
وعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا
أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) رواه أبو داود (4270) والنسائي (3984) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) رواه الترمذي (1398) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَاماً) رواه البخاري (6469) .
والواجب على كل مسلم أن يسعى أن يلقى الله تعالى وليس في صحيفته سفك دم لمسلم بغير حق .
والواجب على العقلاء في حال وقوع تخاصم بين قبيلتين ، أو عشيرتين ، أو عائلتين : أن يسعوا في الإصلاح بينهما ، وإعطاء كل ذي حق حقَّه
فإن أبت إحدى الطائفتين إلا البغي وقتال الطائفة الأخرى : قوتلت حتى ترغم على كف يدها ، ووقف القتال ، وفي هذا الحكم الإلهي قطع للنزاع ، ووقف لسفك الدماء .
قال تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين ) الحجرات/ 9 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
"هذا متضمن لنهي المؤمنين عن أن يبغي بعضهم على بعض ، ويقاتل بعضهم بعضاً ، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين : فإنَّ على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير
بالإصلاح بينهم ، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح ، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك ، فإن صلحتا : فبِها ونعمت ، وإن (بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)
أي : ترجع إلى ما حد الله ورسوله ، من فعل الخير ، وترك الشر ، الذي من أعظمه : الاقتتال .
وقوله (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) هذا أمر بالصلح ، وبالعدل في الصلح ، فإن الصلح قد يوجد ولكن لا يكون بالعدل ، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين
فهذا ليس هو الصلح المأمور به ، فيجب أن لا يراعى أحدهما ، لقرابة ، أو وطن ، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض ، التي توجب العدول عن العدل .
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي : العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات ، التي تولوها ، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله ، وعياله
في أدائه حقوقهم ، وفي الحديث الصحيح : (المُقْسِطُون عِنْدَ الله على مَنَابِرَ مِنْ نورٍ ، الذين يَعْدِلُون فِي حُكْمِهِم وَأَهْليهم وَمضا وَلُوا) – رواه مسلم" - .
"تفسير السعدي" (ص 800) .
ومن واجب المسلم اتجاه إخوانه في مثل تلك البلاد التي يكثر فيها القتل ، وسفك الدماء : أن يدعو الله أن يؤلف بينهم , وأن يرفع عنهم الفتن , والقتل ، والبلاء ، وأن يرد كيد أعداء الدين المتربصين به .
والواجب على المسلم : أن يمد لهم يد العون إلى الصلح ، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .
ونسأل الله أن يكف القتل عن المسلمين ، وأن يؤلف بينهم , ويردهم إلى دينه ردّاً جميلاً .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 02:08
بيان اللجنة الدائمة للإفتاء حول ما يجري في قطاع غزة من قتل وحصار وتشريد
السؤال
صدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بيان حول ما يجري في قطاع غزة من قتل وحصار وتشريد فيما يلي نصه:
الجواب
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية تابعت بكل أسى وحزن وألم ما جرى ويجري على إخواننا المسلمين في فلسطين وفي قطاع غزة على الخصوص
من عدوان وقتل للأطفال والنساء والشيوخ وانتهاك للحرمات وتدمير للمنازل والمنشآت وترويع للآمنين ، ولا شك أن ذلك إجرام وظلم في حق الشعب الفلسطيني.
وهذا الحدث الأليم يوجب على المسلمين الوقوف مع إخوانهم الفلسطينيين والتعاون معهم ونصرتهم ومساعدتهم والاجتهاد في رفع الظلم عنهم بما يمكن من الأسباب والوسائل تحقيقاً لإخوة الإسلام ورابطة الإيمان
قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات /10 ، وقال عز وجل : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) التوبة /71
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) متفق عليه، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام
: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى و السَّهَرِ) (متفق عليه) وقال عليه الصلاة والسلام: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ) رواه مسلم.
والنصرة شاملة لأمور عديدة حسب الاستطاعة ومراعاة الأحوال سواء كانت مادية أو معنوية ، وسواء كانت من عموم المسلمين بالمال والغذاء والدواء والكساء وغيرها
أو من جهة الدول العربية والإسلامية بتسهيل وصول المساعدات لهم وصدق المواقف تجاههم ونصرة قضاياهم في المحافل والجمعيات والمؤتمرات الدولية والشعبية ،
وكل ذلك من التعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله سبحانه وتعالى : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة /2 .
ومن ذلك أيضاً بذل النصيحة لهم ودلالتهم على ما فيه خيرهم وصلاحهم ، ومن أعظم ذلك أيضاً الدعاء لهم في جميع الأوقات برفع محنتهم وكشف شدتهم وصلاح أحوالهم وسداد أعمالهم وأقوالهم.
هذا وإننا نوصي إخواننا المسلمين في فلسطين بتقوى الله تعالى والرجوع إليه سبحانه ، كما نوصيهم بالوحدة على الحق
وترك الفرقة والتنازع وتفويت الفرصة على العدو التي استغلها وسيستغلها بمزيد من الاعتداء والتوهين.
ونحث إخواننا على فعل الأسباب لرفع العدوان على أرضهم مع الإخلاص في الأعمال لله تعالى وابتغاء مرضاته والاستعانة بالصبر والصلاة ومشاورة أهل العلم والعقل والحكمة في جميع أمورهم
فإن ذلك أمارة على التوفيق والتسديد.
كما أننا ندعو عقلاء العالم والمجتمع الدولي بعامة للنظر في هذه الكارثة بعين العقل والإنصاف لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه
ورفع الظلم عنه حتى يعيش حياة كريمة، وفي الوقت نفسه نشكر كل من أسهم في نصرتهم ومساعدتهم من الدول والأفراد.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكشف الغمة عن هذه الأمة ، وأن يعز دينه ، ويعلي كلمته وأن ينصر أولياءه ، وأن يخذل أعداءه
وأن يجعل كيدهم في نحورهم ، وأن يكفي المسلمين شرهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية
رئيس هيئة كبار العلماء
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
*عبدالرحمن*
2018-08-28, 02:13
هل يترك بعض الواجبات خشية دخول السجن ؟
السؤال
نعرف جيداً بأنه يحرم حلق اللحية ، أو إسبال الإزار ؛ بنص الأحاديث الواردة في ذلك ، ولكن سؤالي هو أنه في بلادنا يمنع إعفاء اللحية ورفع الإزار ، ويعتبر من يفعل ذلك مشبوها لدى الأجهزة الأمنية ويتعرض للسجن والتعذيب
والتحقيقات وحجز جوازات السفر وغيرها من الفتن التي تتعرض لها أسرة الشخص المستقيم . في هذه الظروف الصعبة يعيش الشباب المستقيم والتواق للالتزام بالشرع الحنيف على منهج السلف الصالح
أوقاتاً صعبة من تقصير اللحى وإسبال الإزار وغيرها من ترك السنن الثابتة والذي لا يتبع هذا الطريق يكون مقره السجون سؤالي هو
: هل نتقي شرور وفتن السجون ومضايقات قوات الأمن بتقصير أو حلق اللحى وترك السنن عموماً أو نصبر على الأذى ؟
الجواب
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان ، وأن يمكن لهم في الأرض ، ويُري أعداءهم منهم ما كانوا يحذرون .
لاشك أن صدع المؤمن بالحق ، وثباته على ذلك ، وصبره على ما يلقاه في سبيل الله هو الأفضل والأولى ، فمن رأى من نفسه الثبات والصبر ، فالأولى له أن يجاهر بالحق ، وليحتمل ما يصيبه بسبب ذلك
قال تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت/1-3 .
ومن خاف على نفسه الضرر ، وكان الضرر حقيقياً ، وليس مجرد وهمٍ أو جبن ، فأخذ برخصة الله ؛ دفعاً للضرر عن نفسه ، فلا حرج عليه .
فجمهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا بالعزيمة ، وصبروا على ما أوذوا في سبيل الله ، ولم يعطوا الكفار ما يريدون منهم ، رغم ما كانوا يلاقون من أصناف التعذيب .
ومنهم – كعمار بن ياسر رضي الله عنهما – من أخذ برخصة الله ، وأعطى الكفار ما يريدونه من النيل من الإسلام ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم
مع اطمئنان قبله بالإيمان ، وفيه نزل قوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106.
والسجن وما يكون فيه من التعذيب نوع من الإكراه المعتبر عند العلماء يبيح للمسلم ترك بعض الواجبات ، وفعل بعض المحرمات التي أكره عليها .
لكن الواجب أن تقدر الضرورة بقدرها ، فإن أمكن دفع الضرورة بتقصير اللحية لم يجز حلقها ، وإذا لم يمكن إلا بالحلق جاز له حلقها ، وليؤخر ذلك ما استطاع ، وهكذا يقال في تقصير الثياب ، وعدم إسبالها .
وينبغي أن يُذكِّر المؤمن نفسه دائماً ، بأن هذه الحال التي هو عليها حال ضرورة ، ويكون صادقاً مع نفسه ، فإذا ما اندفعت الضرورة عاد إلى ما أمره الله به ، وصدع بالحق .
وليجتهد المسلم فيما يقدر عليه ، وليبذل طاقته في ذلك ، ولا حرج عليه إن شاء الله ، فيما تركه خشية حصول الضرر ، ولا يجوز له ترك الواجبات التي لا يضطر إلى تركها .
قال الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة / 286
وقال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16.
ونسأل الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين ، ويذل أعداء الدين .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-01, 09:08
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
كلمة حول منظمات حقوق الإنسان الغربية وحكم التحاكم إليها
السؤال
تدعو منظمات حقوق الإنسان العالمية إلى العدل والمساواة ، ومنع الظلم والعدوان على الناس بدافع الجنس والعِرْق واللون .. وغير ذلك من المبادئ السامية ، فهل هناك مانع من التعاون معها ؟
وإن كان : فما وجه الاعتراض على هذه المبادئ السامية ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً:
ينبغي على المسلم أن لا يغتر بمنظمات ما يسمى " حقوق الإنسان " الغربية والأوربية ؛ فهي وإن كان ظاهر أمرها نصرة المستضعفين ، والوقوف ضد التعذيب والحط من كرامة الإنسان في السجون ومراكز الاعتقال
– وهي أمور جيدة في الجملة - : إلا أن لها وظائف أخرى ، ومبادئ تنطلق من خلالها تسعى فيها لتدمير الأسرة ، وفتح المجال للطعن في الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم ، وسائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام
وتقف في وجه الأحكام الشرعية التي تقيم حد الرجم على الزاني ، والقتل على المرتد ، والقطع على السارق ، - من حيث التشريع ، ومن حيث التطبيق وهي نادرة أو قليلة -
وتحارب هذه المنظمات الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة من حيث وجوب موافقة الولي في زواجها ، ومن حيث أمرها بالحجاب ، ونهيها عن الاختلاط
وغير ذلك كثير من مبادئها التي تزعم فيها تحرير الإنسان من التكاليف الشرعية ، وتجعل الإنسان حرّاً في تصرفاته ، لا يتقيد بعادات فاضلة ، ولا أحكام شرعية سامية .
إن ملخص ما تدعو إليه هذه المنظمات : أن يفعل الإنسان ما يشاء من الشذوذ الأخلاقي ، فيقفون مع السحاقيات واللوطيين والجنس الثالث
والشذوذ الديني ، فيجعلون من حق الإنسان أن يكفر بما يشاء من الأديان ، وأن يعبِّر عن رأيه – ولو تعلق بأنبياء – دون خوف أو وجل ، ويساهمون – كذلك - في تحرر المرأة من قيود الأب والزوج والدِّين .
*عبدالرحمن*
2018-09-01, 09:09
ثانياً:
وهذه بعض المواد التي اعتمدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والذي أقرته هيئة الأمم في 10 / 12 / 1948 م ، - وقد نقلناها من موقعهم - :
1. المادة 2 :
" لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان ، دونما تمييز من أي نوع ، ولا سيما التمييز بسبب العنصر ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين
أو الرأي ، سياسيّاً ، وغير سياسي ، أو الأصل الوطني ، أو الاجتماعي ، أو الثروة ، أو المولد ، أو أي وضع آخر ...
انتهى
المادة 18 :
" لكل شخص حق في حرية الفكر ، والوجدان ، والدين ، ويشمل هذا الحق : حريته في تغيير دينه ، أو معتقده ، وحريته في إظهار دينه ، أو معتقده ، بالتعبد ، وإقامة الشعائر
والممارسة ، والتعليم ، بمفرده ، أو مع جماعة ، وأمام الملأ ، أو على حدة " .
انتهى
المادة 19 :
" لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق : حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفى التماس الأنباء ، والأفكار ، وتلقيها ، ونقلها إلى الآخرين ، بأية وسيلة ، ودونما اعتبار للحدود .
انتهى
والحقوق والحريات المزعومة التي يدعون لها ليتمتع بها الإنسان بغض النظر عن دينه : تجعل الموحد والمشرك متساويين في تلك الحقوق والحريات
وتجعل عبد الله وعبد الشيطان في سياق واحد ، وتكفل لكل عابد حجر أو وثن أو شخص أن يُعطى حقه وحريته كاملتين ليتمتع بكفره وإلحاده ، وهذا مرفوض في شرع الله تعالى في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم/ 35 ، 36 .
وقال تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/28 .
وقال تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) السجدة/18 .
وهي دعوة لإلغاء حكم الردة ، ودعوة لإظهار شعائر الكفر والإلحاد ، ودعوة لفتح الباب أمام كل من يريد انتقاد الإسلام ، أو نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، وله الحرية في النقد والتعبير دون مضايقة أو منع .
وهي مبادئ فاسدة ، إن كانت تناسب حياتهم وقيَمهم ودينهم : فهي لا تناسبنا ، وهي مخالفة لشرعنا المطهَّر ، والذي جاء بالأحكام التي تصلح حياة الفرد والمجتمعات ، وتؤسس للأخلاق الفاضلة
فتحفظ العقول والأعراض والأبدان والأموال ، وتدل الناس على الدين الذي يحبه الله تعالى ويرضاه لهم .
2. المادة 3 :
" لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه " .
انتهى
ومن هذه المادة انطلقت دعوات تلك المنظمات لحماية المجرمين من الإعدام ، وراحت تشهر بالدول التي تقيم حدَّ الله بالرجم للزناة المحصنين ، والقتل للمحاربين والمفسدين في الأرض
وتفتخر هذه المنظمات الآن بأنها أقنعت كثيراً من الدول بإلغاء عقوبة الإعدام في حق القتلة والمغتصبين والمجرمين ، وهذا مخالف للفطرة ، والعقل
والشرع ، وهي رسالة طمأنة لهؤلاء المجرمين بأن حياتهم لن تزهق بسبب أفعالهم ، وهذا من الإفساد في الأرض .
وهم يدعون لأن يكون للفرد " حق في الحياة والحرية " أي حياة وأي حرية ، ولو كانت حياة البهائم ، ولو كانت حرية تؤدي إلى الفساد والأمراض والإخلال بالأمن في الأسرة والمجتمع .
3. المادة 16 :
" 1. للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج ، وتأسيس أسرة ، دون أي قيد بسبب العرق ، أو الجنسية ، أو الدين ، وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج ، وخلال قيام الزواج ، ولدى انحلاله " .
انتهى
وفي هذه المادة إبطال لدور ولي المرأة الذي يحفظ للمرة حقها في الزواج ، ويساهم مع ابنته أو أخته في حسن الاختيار ، والسؤال عن دين وخلق المتقدم للزواج
ومن حكمة الله تعالى أن شرع هذا ، ولو جُعل الزواج للمرأة دون موافقة وليها : لرأيت أكثر البنات قد تزوجن من يعاكسهن ويغازلهن من الذئاب البشرية
الذين يحرصون على سلب عفتها ، ثم إلقائها في أقرب حاوية قمامة !
وقد جعلوا الحق في الطلاق للزوجة كما هو الحق للزوج ! وهذا ما سبَّب فساد النساء على أزواجهن ، وساهم في تخريب بيوتهن ، ومن يعلم طبيعة الرجل والمرأة لا يمكن أن يهذي بمثل هذا الهذيان
وليست بيوت أولئك عامرة أصلا حتى نقول انظروا كيف هدموها ، فمن يدعو لزواج المثليين ، وحق المرأة في مصاحبة الرجال ، وحقها في الزواج والطلاق : فأي بيوت يمكنها أن تقوم بهذه المبادئ التافهة ؟
وأي أسرة يمكن أن تنشأ ؟ .
مع التنبيه أن تقارير هذه المنظمات تستغل سياسيّاً للتضييق على الدول الإسلامية التي تراعي الفضيلة والحشمة والأخلاق
أو تطبق أحكام الشريعة أو تطبق جزءً منها ! وقد ألغت بعض الدول الإسلامية عقوبة الإعدام ، وشددت في قوانين الزواج المبكر للجنسين ، وراعت جانب المرأة في الخلع والنفقة
وغير ذلك ، مما سبَّب فساداً وشرّاً مستطيراً في جوانب كثيرة من الحياة .
*عبدالرحمن*
2018-09-01, 09:16
التهرب من تولي القضاء !!
السؤال
لماذا يأبى كثير من العلماء في الماضي والحاضر تولي مهنة القضاء ، مع أنهم مؤهلون لذلك ؟
هل في هذا نص أو أثر ؟ .
الجواب
الحمد لله
أولاً :
منصب القضاء منصب شريف ، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به ، وقد قام به الأنبياء عليهم السلام ، وبعض كبار الصحابة رضي الله عنهم
وبعض الأعلام من التابعين فمن بعدهم ، ففي القضاء العادل أمرٌ بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، ونصرة للمظلوم .
قال محمد الخادمي – رحمه الله -:
"علم القضاء من أجل العلوم قدراً ، وأعزهاً مكاناً ، وأشرفها ذِكراً ؛ لأنه مقام عليٌّ ، ومنصب نبوي ، به الدماء تُعصم وتُسفح ، والأبضاع تُحرَّم وتُنكَح
والأموال يثبت مِلكها ويسلب ، والمعاملات يُعلم ما يجوز منها ويَحرم ويُكره ويُندب ، والدليل على أن علم القضاء ليس كغيره ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ) الآية ، ومنه بُعثَ الرسلِ
وبالقيام به قامت السموات والأرض ، وجعله عليه الصلاة والسلام من النِّعَم التي يُباح الحسد عليها بقوله ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق
ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعمل بها ) ، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : " لأن أقضي يوماً أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة " ، فلذلك كان العدل بين الناس من أفضل أعمال البر وعليِّ درجات الآخرة ،
قال الله تعالى ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) ، فأي شيء أشرف من محبة الله" .
"
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية " ( 4 / 2 ، 3 ) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله - :
"وفيه فضل عظيم لِمن قَوِىَ على القيام به ، وأداء الحق فيه ، ولذلك جعل الله فيه أجراً مع الخطأ ، وأسقط عنه حكم الخطأ ، ولأن فيه أمراً بالمعروف ، ونصرة للمظلوم
وأداء الحق إلى مستحقه وردعاً للظالم عن ظلمه ، وإصلاحاً بين الناس ، وتخليصاً لبعضهم من بعض ، وذلك من أبواب القرب .
ولذلك تولاه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ، فكانوا يحكمون لأممهم .
وبعث صلى الله عليه وسلم عَلِيّاً إلى اليمن قاضياً ، وبعث مُعَاذاً قاضياً .
وقد روي عن ابن مسعود أنه قال : لأنْ أجلس قاضياً بين اثنين أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة" .
" المغني " ( 11 / 376 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 33 / 289 ) :
"ولعلوّ رتبته وعظيم فضله جعل الله فيه أجراً مع الخطأ ، وأسقط عنه حكم الخطأ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ) – متفق عليه - وإنما أُجِر على اجتهاده ، وبذْل وسعه ، لا على خطئه" .
انتهى
*عبدالرحمن*
2018-09-01, 09:17
ثانياً :
تولي القضاء قد يكون واجباً ، وقد يكون مباحاً ، وقد يحرم : فيحرم على من تولاه وهو جاهل بأحكام الشريعة ، ويباح لمن كان يحسن القضاء ويوجد غيره يقوم به
ويجب على من يحسنه ولا يوجد غيره ليحكم بين الناس ويقضي بينهم .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
"والناس في القضاء على ثلاثة أضرب :
1. منهم : من لا يجوز له الدخول فيه ، وهو من لا يحسنه ، ولم تجتمع فيه شروطه ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( القضاة ثلاثة ) –
ذكر منهم رجلا قضى بين الناس بجهل فهو في النار - ؛ ولأن من لا يحسنه لا يقدر على العدل فيه فيأخذ الحق من مستحقه فيدفعه إلى غيره .
2. ومنهم : من يجوز له ، ولا يجب عليه ، وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد ، ويوجد غيره مثله ، فله أن يلي القضاء بحكم حاله وصلاحيته ، ولا يجب عليه ؛ لأنه لم يتعين له ،
وظاهر كلام أحمد أنه لا يستحب له الدخول فيه ؛ لما فيه من الخطر والغرر ، وفي تركه من السلامة ؛ ولما ورد فيه من التشديد والذم ؛ ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي
وقد أراد عثمان رضي الله عنه تولية ابن عمر القضاء فأباه ، وقال أبو عبد الله بن حامد : إن كان رجلا خاملا لا يُرجع إليه في الأحكام ولا يُعرف : فالأولى له توليه ليرجع إليه في الأحكام ، ويقوم به الحق
وينتفع به المسلمون ، وإن كان مشهوراً في الناس بالعلم ، يُرجع إليه في تعليم العلم والفتوى : فالأولى الاشتغال بذلك ؛ لما فيه من النفع ، مع الأمن من الغرر
ونحو هذا قال أصحاب الشافعي ، وقالوا – أيضاً - : إذا كان ذا حاجة ، له في القضاء رزق : فالأولى له الاشتغال به ، فيكون أولى من سائر المكاسب ؛ لأنه قربة وطاعة ....
الثالث : من يجب عليه ، وهو من يصلح للقضاء ، ولا يوجد سواه : فهذا يتعين عليه ؛ لأنه فرض كفاية ، لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه ، كغسل الميت وتكفينه .
وقد نُقل عن أحمد ما يدل على أنه لا يتعين عليه ، فإنه سئل : هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ؟ قال : لا يأثم .
فهذا يحتمل أنه يحمل على ظاهره في أنه لا يجب عليه ؛ لما فيه من الخطر بنفسه
فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره ، ولذلك امتنع أبو قلابة منه ، وقد قيل له ليس غيرك ، ويحتمل أن يحمل على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإنَّ أحمد قال : لا بد للناس من حاكم ، أتذهب حقوق الناس ؟" .
" المغني " ( 11 / 376 ) .
وبعض أهل العلم أجرى الأحكام الخمسة في القضاء ، وهي التحريم والإيجاب والندب والكراهة والإباحة .
انظر : " معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام " للشيخ علاء الدين الطرابلسي – رحمه الله - ( ص 10 ) .
*عبدالرحمن*
2018-09-01, 09:18
ثالثاً :
لبعض الأئمة أقوال في التحذير من تولي القضاء ، وعظم خطر هذا المنصب ، ومن ذلك :
1. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لو يعلم الناس ما في القضاء ما قضوا في ثمن بعرة ! ولكن لا بد للناس من القضاء ، ومن إمرة ، برة أو فاجرة .
" أخبَارُ القُضاة " لأبي بكر الضبي الملقب بـ" وكيع " ( ص 21 ) .
2. عن المعلى بن روبة قال : قال لي رجاء بن حيوة : ولَّى الأميرُ اليوم عبدَ الله بن موهب القضاءَ ، ولو اخترت بين أن أحمل إلى حفرتي وبين ما ولي ابن موهب
: لاخترت أن أُحمل إلى حفرتي ؛ فقلت له : فإن الناس يتحدثون أنك أنت أشرت به ؛ قال : صدقوا ، لأني نظرت للعامة ، ولم أنظر له.
" أخبَارُ القُضاة " ( ص 23 ، 24 ) .
3. عن مكحول قال : لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحب إلى من أن ألي القضاء .
4. عن رافع ، أن عمر بن هبيرة دعاه ليوليه القضاء ؛ فقال : ما يسرني أني وليت القضاء ، وأن سواري مسجدكم هذا لي ذهباً .
5. قال الفضيل بن عياض : إذا ولي الرجل القضاء : فليجعل للقضاء يوماً ، وللبكاء يوماً .
6. عن ابن شبرمة قال : لا تجترئ على القضاء حتى تجرئ على السيف .
" أخبَارُ القُضاة " ( ص 24 ) .
رابعاً :
قد عزف كثير من الأئمة عن تولي القضاء ، بل وقبَل بعضهم بالضرب والسجن على توليه ، وهرب بعضهم من بلده من أجل أن لا يتولى القضاء ، ويمكن إجمال أسباب عزوف أولئك الأئمة عن القضاء بالأسباب التالية :
1. أنه يرى نفسه ليس أهلاً للقضاء ، فالمعروف عن القضاء أنه يحتاج لسعة بال ، وذكاء ، وفطنة ، وقد يرى الإمام العازف عن القضاء نفسه غير محقق لتلك الشروط .
قال الشيخ علاء الدين الطرابلسي – رحمه الله - :
قال بعض الأئمة : وشعار المتقين " البعد عن هذا والهرب منه " ، وقد ركب جماعة ممن يقتدى بهم من الأئمة المشاق في التباعد عن هذا وصبروا على الأذى .
وانظر إلى قضية أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - في الامتناع منه وصبره على الإيذاء حتى تخلص ، وكذا غيره من الأئمة .
وقد هرب أبو قِلابة إلى مصر لما طلب للقضاء فلقيه أيوب فأشار إليه بالترغيب فيه ، وقال له : لو ثبتَّ لنلتَ أجراً عظيماً ، فقال له أبو قلابة : الغريق في البحر إلى متى يسبح ؟ ! .
وكلام أبي قلابة هذا ومن تقدمه وما أشبه ذلك من التهديد والتخويف : إنما هو في حق من علم في نفسه الضعف ، وعدم الاستقلال بما يجب عليه ، وكذلك من يرى نفسه أهلا للقضاء والناس لا يرونه أهلا لذلك .
وقد قال بعض العلماء : لا خير فيمن يرى نفسه أهلا لشيء لا يراه الناس أهلا لذلك .
والمراد بالناس : العلماء ، فهرُبُ مَن كان بهذه الصفة عن القضاء واجب ، وطلبه سلامة نفسه أمر لازم .
" معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام " ( ص 9 ) .
2. أنه يرى أنه غير واجب عليه ، ولا مستحب ، بل إن قولاً للإمام أحمد يحتمل أن يكون معناه : أنه لا يجب عليه حتى لو تعيَّن الأمر عليه ، ولم يوجد غيره .
3. أن فيه خطراً في الحكم بخلاف الحق ، فيخشى العالِم على نفسه من تولي القضاء من أجل ذلك .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
"وفيه – أي : القضاء - خطر عظيم ، ووزر كبير ، لمن لم يؤدِّ الحق فيه ، ولذلك كان السلف رحمة اللّه عليهم يمتنعون منه أشد الامتناع ، ويخشون على أنفسهم خطره" .
" المغني " ( 11 / 376 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 33 / 289 ، 290 ) :
"كان كثير من السلف الصالح يحجم عن تولّي القضاء ويمتنع عنه أشد الامتناع حتى لو أوذي في نفسه ؛ وذلك خشيةً من عظيم خطره ، كما تدلّ عليه الأحاديث الكثيرة والتي ورد فيها الوعيد والتخويف لمن تولى القضاء
ولم يؤدّ الحق فيه ، كحديث : ( إن الله مع القاضي ما لم يجر ، فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان ) ـ [ رواه الترمذي وابن ماجه ، وحسنه الألباني ]
، وحديث : ( من ولي القضاء أو جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكّين ) – [ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني ] - ، وحديث : ( القضاة ثلاثة : قاضيان في النار
وقاض في الجنة ، رجل قضى بغير الحقّ فعلم ذاك فذاك في النار ، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار ، وقاض قضى بالحقّ فذلك في الجنة )
– [ أخرجه الترمذي ( 3 / 604 ) والحاكم ( 904 ) من حديث بريدة ، واللفظ للترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ] - . انتهى
4. عدم القدرة على تحمل بلاء القضاء .
قال الشيخ أبو الحسن النباهي – رحمه الله - :
"ولما تقرر من بلاء القضاء : فرَّ عنه كثير من الفضلاء ، وتغيبوا ، حتى تركوا ، وسُجن بسببه عند الامتناع آخرون ، منهم أبو حنيفة ، وهو النعمان بن ثابت
دعاه عمر بن هبيرة للقضاء ، فأبى ؛ فحبسه ، وضربه أياماً ، كل يوم عشرة أسواط ، وهو متماد على إبايته ، إلى أن تركه" .
" تاريخ قضاة الأندلس " ( ص 7 ) .
5. انشغالهم بما هو أهم ، كانشغالهم بالرحلة في طلب العلم ، وتعليم الناس .
وأخيراً : إذا كان الأئمة الأربعة – كما يروى عنهم - قد امتنعوا عن القضاء : فإن الأنبياء الكرام عليهم السلام والخلفاء الراشدين الأربعة قد تولوه ، وباب الورع واسع لمن أراد التورع عنه .
ففي " الموسوعة الفقهية " ( 33 / 290 ) :
"فقد تقلده – أي : القضاء - بعد المصطفى صلوات الله عليه وسلامه الخلفاء الراشدون ، سادات الإسلام وقضوا بين الناس بالحقّ ، ودخولهم فيه دليل على علوّ قدره
ووفور أجره ، فإن من بعدهم تبع لهم ، وَوَلِيَهُ بعدهم أئمة المسلمين من أكابر التابعين وتابعيهم ، ومن كره الدّخول فيه من العلماء مع فضلهم وصلاحيتهم وورعهم
محمول كرههم على مبالغة في حفظ النفس ، وسلوك لطريق السلامة ، ولعلهم رأوا من أنفسهم فتوراً أو خافوا من الاشتغال به الإقلالَ من تحصيل العلوم" .
انتهى
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 14:43
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حال المسلمين في القدس
السؤال
ما رأيكم فيما يحدث في الأراضي المقدسة وما ذا تكون النتيجة النهائية ؟.
الجواب
الحمد لله
لا شك أن ما يحدث للمسلمين في الأراضي المقدسة من تضييق وتعذيب وتشريد وقتل وأذى ، أمر يحزن له كل مسلم ، بل يحزن له كل من أوتي عقلا وإنصافا ورحمة من غير المسلمين
لما يرون من الاعتداء السافر على حرمات أناس آمنين ، يراد إخراجهم من ديارهم ، وإحلال العدو الغاصب مكانهم ، وهو عدو يملك ترسانة من الأسلحة المتطورة ، يواجه بها قوما عزلا ، قد حيل بينهم وبين وسائل الدفاع والحماية.
وقد صمد هذا الشعب المسلم ما يزيد على خمسين عاما ، واجه فيها صورا لا تنتهي من الغطرسة والصلف الصهيوني ، الذي لا يقيم وزنا لكرامة الإنسان
ولا يعبأ بعهد ولا ميثاق ، ولا يرضخ لشريعة ولا قانون، إلا ما تمليه عليه أهواؤه ، ويزينه له أحبار السوء ، وكهنة الحروب ، المتعطشون للدماء والشر.
أما النتيجة فمعلومة واضحة ، يعرفها المسلم كما يعرفها اليهودي ، وهي أن العاقبة المتقين ، وأن حزب الله هم الغالبون ، وأن الظالم لن يجني أمنا واستقرارا ورخاء
بل خوفا وقلقا وخزيا وعارا ، إلى أن يأتي اليوم الذي يعود فيه المسلمون إلى دينهم ، ويحكموا شريعة ربهم ، ثم يلقوا اليهود في قتال ، يتواجه فيه الفريقان ، ويصف فيه المعسكران ، فتكون الغلبة والنصر لأهل الإيمان .
روى البخاري (2926) ومسلم (2922) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ
الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ".
نسأل الله تعالى أن يعجل بعودة المسلمين إلى دينهم وأن ييسر لهم أسباب النصر وأن يقر أعيننا بنصرة دينه وخذلان أعدائه ، وأن يعلي درجة من أوذي أو عذب أو قتل في سبيله .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 14:46
انتفاضة الشعب الفلسطيني
السؤال
اليوم نعيش ظاهرة سياسية كبيرة هزت العالم وهي انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد اليهود فهل لكم كلمة توجهونها إلى الشباب المسلم في فلسطين المحتلة ؟.
الجواب
الحمد لله
أنصحهم بتقوى الله والتعاون على الخير والاستقامة في العمل ، فالله ينصر من ينصره ، فقد قال سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين أمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) محمد/7
وقال سبحانه في مكان آخر من كتابه الكريم : ( وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليُبدلنهم من بعد خوفهم
أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ) النور/55
إنني أنصح كل إخواني بالتعاون معهم وأنصح الأغنياء وولاة الأمور بأن يمدوا يد العون لإخوانهم في فلسطين المجاهدة لاسترداد بلادهم والنصر على الأعداء إن شاء الله
أيدهم الله بالحق وجزاهم عن المسلمين كل خير ، وما عليهم إلا أن يصبروا ويصابروا فإن وعد الله حق وإن الله ناصر من ينصره ، وفقهم الله ونصرهم على عدوهم
ووفق المسلمين لمساعدتهم والوقوف بصفهم حتى ينصرهم الله على عدوهم وهو سبحانه خير الناصرين .
مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز ج/1 ص 1262
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 14:49
حل القضية الفلسطينية
السؤال
كيف السبيل وما هو المصير في القضية الفلسطينية التي تزداد مع الأيام تعقيداً وضراوة ؟.
الجواب
الحمد لله
إن المسلم ليألم كثيراً ، ويأسف جداً من تدهور القضية الفلسطينية من وضع سيئ إلى وضع أسوأ منه ، وتزداد تعقيداً مع الأيام ، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الآونة الأخيرة
بسبب اختلاف الدول المجاورة ، وعدم صمودها صفاً واحداً ضد عدوها ، وعدم التزامها بحكم الإسلام الذي علق الله عليه النصر ، ووعد أهله بالاستخلاف والتمكين في الأرض ، وذلك ينذر بالخطر العظيم
والعاقبة الوخيمة ، إذا لم تسارع الدول المجاورة إلى توحيد صفوفها من جديد ، والتزام حكم الإسلام تجاه هذه القضية ، التي تهمهم وتهم العالم الإسلامي كله .
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيراً ، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهوداً جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي
وإفهام المسلمين من غير العرب أنها قضية عربية ، لا شأن لغير العرب بها ، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك .
ولذا فإنني أرى أنه لا يمكن الوصول إلى حلٍ لتلك القضية ، إلا باعتبار القضية إسلامية ، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها ، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً ، حتى تعود الأرض إلى أهلها
وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاءوا منها ، ويبقى اليهود الأصليون في بلادهم تحت حكم الإسلام ، لا حكم الشيوعية ولا العلمانية ، وبذلك ينتصر الحق ، ويخذل الباطل
ويعود أهل الأرض إلى أرضهم على حكم الإسلام ، لا على حكم غيره
والله الموفق .
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ج/1 ص 1259
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 14:52
حكم التمثيل النسبي في المنظمات
السؤال
: َِهل يجيز الإسلام التمثيل النسبي أم لا. والموقف كالتالي، إذا فرض أن هناك 10 منظمات إسلامية (كل منها به عدد مختلف من الأعضاء) ويرغبون في الانضمام معاً لتكوين منظمة جامعة بحيث يمكنهم تنسيق العمل الإسلامي فيما بينهم.
فهل يجوز تصنيف المنظمة تبعاً لعدد أعضائها، بمعنى أنه إذا كانت إحدى المنظمات بها 1-100 عضو فإنهم يحصلون على صوت واحد، وإذا كان بها 101-200 عضو فإنهم يحصلون على صوتين وهكذا؟ هل يجيز الإسلام ذلك ؟
الجواب
الحمد لله
لا حرج في ذلك باعتباره نوعا من أنواع التنظيم والترتيب للوصول إلى الصواب أو الرأي الأرجح وذلك بتمثيل المجموعة بنقاط على حسب حجمها وعدد أفرادها ولكن ينبغي عليكم أن تعلموا أن تمثيل الجميع
بأصوات متساوية يكون من الظلم إذا لم يكونوا سواء في الأمانة والقوة أو العلم والخبرة اللازمة للقرار الذي تريدون اتخاذه ، أما إذا تكافؤا وتقاربوا فيكون احتساب الأصوات أو النقاط بالتساوي لكل شخص من العقل والحكمة .
ولذلك كان أهل الحلّ والعقد في الأمة من العلماء والفضلاء والعقلاء والحكماء ووجهاء الناس هم الذين يختارون الخليفة وليس الغوغاء والدهماء لأنهم غثاء لا قيمة لأصواتهم وفقنا الله وإياكم لما يُرضيه ..
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 14:55
لا تكن متشدداً
السؤال
ما حكم من إذا نُصح في فعل يخالف الشرع بادر قائلاً : لا تكن متشدداً ومتعصباً وكن معتدلاً ، ونرجو بيان الاعتدال ؟.
الجواب
الحمد لله
"من نصح عن شيء محرم في الشرع ليجتنبه أو عن ترك واجب ليقوم به ثم قال مثل هذا القول فإنه مخطئ
بل الواجب إذا نصحه أحد أن يشكر لمن نصحه
وأن ينظر في أمره إذا كان ما نصح عنه حقاً فليجتنب المحرم ليقوم بالواجب .
وأما قوله : إنك متشدد فإن التشديد والتيسير والاعتدال مرجعه إلى الشرع
فما وافق الشرع فهو الاعتدال
وما زاد عنه فهو التشدد
وما نقص عنه فهو التساهل
فالميزان في هذا كله هو الشرع
ومعنى الاعتدال هو موافقة الشرع
فما وافق الشرع فهو الاعتدال"انتهى .
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 14:56
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
مع جذء اخر من سلسلة
اصول العقيدة
و اسال الله ان يجمعني بكم
دائما علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
*عبدالرحمن*
2019-01-25, 14:16
و اخيرا ً
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir