تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مصطلح الحديث


الصفحات : 1 [2]

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:00
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


حديث الرجل الذي يؤمر به إلى النار فيلتفت إلى ربه راجيا أن يدخله الجنة فيدخله الجنة

السؤال

ما صحة هذا الحديث : رجل يكون متجهاً إلى جهنم يوم القيامة ، ثم يلتفت فيقول له الله لماذا التفت ؟

فيقول - بعد أن لقنه الله الجواب الذي سينجيه - : كنت أرجو أن تدخلني الجنة ، فيأمر الله أن يدخل الجنة !! .

الجواب

الحمد لله

هذا معنى حديث رواه ابن المبارك في "الزهد" (409) - ومن طريقه رواه الإمام أحمد في "المسند" (22287) – وكذا ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" (58) –

قال ابن المبارك : أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

: ( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَفَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَضَاءِ الْخَلْقِ فَيَبْقَى رَجُلَانِ فَيُؤْمَرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمَا فَيَقُولُ الْجَبَّارُ تَعَالَى : رُدُّوهُ . فَيَرُدُّوهُ قَالَ لَهُ : لِمَ الْتَفَتَّ ؟ قَالَ : إِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ

. قَالَ : فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى لَوْ أَنِّي أَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مَا عِنْدِي شَيْئًا ) قَالَ : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَهُ يُرَى السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ .

قال الهيثمي في "المجمع" (10/698) :

" رواه أحمد ورجاله وُثقوا على ضعف في بعضهم " انتهى .

ورواته ثقات إلا رشدين بن سعد فهو ضعيف الحديث .

ينظر : "تهذيب التهذيب" (3 /240-241)

"ميزان الاعتدال" (2/49) .

وضعفه محققو مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة (37/454) .

ويغني عنه ، وأوضح منه ما رواه مسلم في صحيحه (187) عن عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً ، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ

لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا

فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى

فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي

غَيْرَهَا، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ

: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا،

فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ، أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ "

فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ، قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ

: " مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ )

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:03
هل دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة قليلة الجمال؟

السؤال

يتردد بين النساء أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا للنساء القبيحات بالتوفيق في حياتهن بأن يتزوجن ويعشن سعيدات ، ويرين أن ذلك صحيح في الواقع

بأن القبيحة أو قليلة الجمال تعيش حياة هانئة وزواجها سعيد ، بعكس أغلب الجميلات اللاتي لا يوفقن في زواجهن ولا حياتهن ، فهل صح ذلك عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟

الجواب

الحمد لله

لم يرد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ أنه خص النساء قليلات الجمال بدعاء أو ثناء .

والسعادة والشقاء من أقدار الله تعالى ، يقسمهما بين عباده بحكمته عز وجل ، ويبتلي بهما عباده لينظر كيف يعملون ، والمؤمنون يعلمون أن ذلك من عند الله

له الحكمة البالغة في خلقه وأمره ، فيتبلَّغون بتقوى الله المنازل العالية ، ولا يغرهم زخرف الدنيا ، ولا تشغلهم الظواهر عن إعمار البواطن .

فالميزان الحقيقي هو تقوى الله عز وجل ، والمرأة المتقية تخاف سوء العاقبة ، وتخاف يوم الحساب ، فتتحلى بحسن الخلق

وطيب الخصال ، وتتزين بالعفاف والاستقامة ، فتعيش سعيدة في بيتها ومع أهلها وصديقاتها وجيرانها ، سواء كانت بارعة الجمال أم لم تكن كذلك .

والمرأة التي لا تخاف الله ينفر الناس عنها ، ويرون من سوء خلقها ما يشوه صورتها الظاهرة ويخبر عن باطنها القبيح .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:07
حكم الاستدلال بالأحاديث الضعيفة

السؤال

ما حكم الاستدلال بالأحاديث الضعيفة ؟

الجواب

الحمد لله

" لا يجوز الاستدلال بالأحاديث الضعيفة ، ولا يجوز سوقها على أنها حجة حتى ولو كان في فضائل الأعمال أو في العقاب على سيئ الأعمال إلا إذا ذكرها في الفضائل

والترغيب في الخير أو في التنفير من الشر إذا ذكرها مبيِّناً ضعفَها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (مَن حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَيْن ) – رواه مسلم في مقدمة كتابه الصحيح -

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) – متفق عليه - وقد رخص بعض أهل العلم بجواز رواية الحديث الضعيف لكن بشروطٍ ثلاثة :

الشرط الأول : أن لا يكون الضعف شديداً .

والشرط الثاني : أن يكون له أصلٌ ثابت .

والشرط الثالث : أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله ، وعلى هذا فيرويه بقول " يُروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أو " يُذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ، أو ما أشبه ذلك
.
وهذه الشروط محترزاتها أن نقول : إذا كان الضعف شديداً : فإنه لا تجوز روايته ولا ذِكره ، وإذا لم يكن له أصل : فإنه لا تجوز روايته ولا ذِكره .

ومعنى قولنا أن يكون له أصل : أن يأتي حديثٌ ضعيف في فضيلة صلاة الجماعة - مثلاً - وكثرة ثوابها ، فهذا له أصل وهو أن صلاة الجماعة مشروعة وواجبة

فإذا وجد حديث فيه زيادة الترغيب وزيادة الأجر : فهذا نستفيد منه أن نحرص على هذه الصلاة ونرجو الثواب الذي ذُكر في هذا الحديث ، وهذا لا يؤثر على أعمالنا الصالحة ؛ لأن النفس ترجو بدون قطع .

أما إذا لم يكن له أصلٌ ثابت : فإنه لا يجوز ذِكره إطلاقاً ولا روايته .

وأما الشرط الثالث : أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله ؛ فلأنه ضعيف ولا يجوز أن يعتقد أن الرسول قاله وهو ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

لأن ذلك نوعٌ من الكذب عليه ، وقد قال الله تعالى ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً ) الإسراء/36 ، لكن لو اشتهر حديثٌ ضعيف بين الناس :

فالواجب على الإنسان العالم بضعفه أن يذكره بين الناس ويبين أنه ضعيف لئلا يغتروا به .

ويوجد الآن - أحياناً - منشورات تتضمن أحاديث ضعيفة وقصصاً لا أصل لها ثم تنشر بين العامة ، وإني أقول لمن نشرها أو أعان على نشرها :

إنه آثمٌ بذلك ؛ حيث يُضل عن سبيل الله ، يُضل عباد الله بهذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة

أحياناً يكون الحديث موضوعاً ليس ضعيفاً فقط ثم تجد بعض الجهال يريدون الخير فيظنون أن نشر هذا من الأشياء التي تحذر الناس وتخوفهم مما جاء فيه من التحذير أو التخويف

وهو لا يدري أن الأمر خطير ، وأن تخويف الناس بما لا أصل له : حرام ؛ لأنه من الترويع بلا حق ، أو يكون فيه الترغيب في شيء وهو لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل هو موضوع

هذا أيضاً محرَّمٌ ؛ لأن الناس يعتقدون أن هذا ثابت فيحتسبونه على الله عز وجل وهو ليس كذلك .

فليحذر هؤلاء الذين ينشرون هذه المنشورات من أن يكونوا ممن افتروا على الله كذباً ليضلوا الناس بغير علم ، وليعلموا أن الله لا يهدي القوم الظالمين

وأن هذا ظلمٌ منهم أن ينشروا لعباد الله ما لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "

انتهى من " فتاوى نور على الدرب " للشيخ ابن عثيمين ( شريط رقم 276 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:13
زواج الأقارب وحديث: (غربوا النكاح)

السؤال

أود أن أعرف ما مدى صحة حديث : (غربوا النكاح) المتداول بين الناس بكثرة ، وهل زواج الأقارب غير محبذ في الشرع ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

جاء في بعض الأحاديث الحث على تغريب النكاح ، إلا أن هذه الأحاديث لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الحافظ ابن الملقن رحمه الله :

"لم أر أنا في الباب في كتاب حديثي ما يستأنس به"

انتهى من "البدر المنير" (7/500) .

وهذه بعض الأحاديث الواردة في هذا :

1- حديث : (غربوا النكاح) .

سئل عنه الشيخ الألباني رحمه الله فقال : ضعيف .

السائل : هل وردت أحاديث صحيحة تحض على زواج الأباعد؟

فأجاب الشيخ بقوله : "لا" . انتهى من "سلسلة الهدى والنور" (شريط رقم/594، الدقيقة/53) .

2- حديث : ( لا تنكحوا القرابة القريبة ، فإن الولد يخلق ضاوياً ) .

قال الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله :

"لم أجد له أصلا معتمدا" انتهى .

نقله الحافظ ابن الملقن في "البدر المنير" (7/499) .

وذكره السبكي في " طبقات الشافعية " (6/154) ضمن الأحاديث التي ذكرها أبو حامد الغزالي في " إحياء علوم الدين " ولم يجد لها إسنادا .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

"لا أصل له مرفوعاً ، وقد اشتهر اليوم عند متفقهة هذا الزمن ودكاترته ، الذين لا يتقون الله في طلابهم ، فيلقون عليهم من الأقوال والآراء ما لا حجة عليه ولا برهان ، ومن الأحاديث ما لا سنام له ولا خطام

وما لا أصل له من كلامه عليه الصلاة والسلام ، كهذا الحديث ؛ فإني سئلت عنه مراراً من بعض طلابهم"

انتهى من "السلسلة الضعيفة" (5365) .

وقد ذكر بعض العلماء استحباب أن تكون الزوجة من غير الأقارب .

قال الغزالي رحمه الله :

"أن لا تكون من القرابة القريبة ، فإن ذلك يقلل الشهوة ..."

انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/41) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :

"يختار الأجنبية , فإن ولدها أنجب , ولهذا يقال : اغتربوا لا تضووا يعني : انكحوا الغرائب كي لا تضعف أولادكم ، وقال بعضهم : الغرائب أنجب , وبنات العم أصبر ; ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح ,

وإفضاؤه إلى الطلاق , فإذا كان في قرابته أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها"

انتهى من "المغني" (7/83) .

غير أن هذا الحكم لم يتفق عليه الفقهاء ، فقد رَدَّه بعضهم ، مستدلين بتزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة من ابن عم أبيها علي بن أبي طالب ، وتزويجه ابنته زينب من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع ، وغير ذلك .

قال السبكي رحمه الله – معلقا على القول باستحباب تغريب النكاح - :

"ينبغي أن لا يثبت هذا الحكم لعدم الدليل ، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم عليا بفاطمة رضي الله تعالى عنهما , وهي قرابة قريبة" انتهى .

نقلا عن "مغني المحتاج" للشربيني (4/206) .

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

قرأتُ قولاً يقول : (اغتربوا لا تضووا) هل هو حديث صحيح ، وهل هناك أحاديث أخرى حول هذا الموضوع ؟ نرجو توضيح السنة الصحيحة في مسألة اختيار الزوجة ؟

فأجاب :

"ليس لهذا أصل ، بل كونها تتزوج من الأقارب أفضل ، والنبي صلى الله عليه وسلم زوج من أقاربه عليه الصلاة والسلام ، أما قول بعض الفقهاء هذا لا أصل له ، بل هو مخير

إن شاء تزوج قريبة كبنت عمه وخاله ، وإن شاء تزوج بعيدا ، لا حرج في ذلك .

وأما قول من قال : الأجنبية أنجب وأفضل ، فهذا لا أصل له ، ولا دليل عليه ، فإن تيسرت قريبة طيبة فهي أولى ، وهي من هذا الباب صلة رحم ، أما إن كانت الأجنبية أزين ، وأكثر خيرا ، فالأجنبية أفضل .

المقصود أن يتحرى المرأة الصالحة قريبة أو غير قريبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها

فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، فالمؤمن يلتمس ذات الدين الطيبة وإن كانت من غير أقاربه ، والزوجة كذلك تلتمس الزوج الصالح ، وتسأل عنه ، وإن كان من غير أقاربها"

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 831)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:17
هل الأفضل الزواج من البعيدة أو القريبة ؟

السؤال

هل يفضل أن يتزوج المسلم من فتاة لا تربطه بها صلة قرابة بدلا من إحدى قريباته ؟.

الجواب

الحمد لله

استحب جماعة من الفقهاء أن ينكح الرجل امرأة أجنبية عنه ، أي ليس بينه وبينها نسب ، وعللوا ذلك بأمور :

الأول : نجابة الولد ، أي حسن صفاته ، وقوة بدنه ، لأنه يأخذ من صفات أعمامه وأخواله .

الثاني : أنه لا يؤمن أن يقع بينهما فراق ، فيؤدي إلى قطيعة الرحم .

قال في "الإنصاف" (8/16) :

" ويستحب تخيّر ذات الدين الولود البكر الحسيبة الأجنبية " انتهى .

وقال في "مطالب أولي النهى" (5/9) :

" ( الأجنبية ) لأن ولدها يكون أنجب ، ولأنه لا يأمن الفراق ، فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها . وقد قيل : إن الغرائب أنجب ، وبنات العم أصبر" انتهى .

وقال النووي في "المنهاج" :

" ويستحب ديّنة بكر نسيبة ليست قرابة قريبة

" . وقال الجلال المحلي في شرحه : " ( ليست قرابة قريبة ) بأن تكون أجنبية أو قرابة بعيدة . . . والبعيدة أولى من الأجنبية "

انتهى من "شرح المحلي مع حاشية قليوبي وعميرة" (3/208) .

وأنت ترى أن المسألة ليس فيها نص ، ولكنه اجتهاد من الفقهاء بنوه على هذه المصالح ، وهذا يختلف من شخص إلى آخر ، ومن قرابة إلى قرابة

فقد يرى الرجل أن نكاحه لقريبته فيه حفظ لها , وإكرام لأهلها ، أو تكون صاحبة وخلق .

والأصل هو جواز النكاح ، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش وهي ابنة عمته ، وزوّج زينب ابنته من أبي العاص وهو ابن خالتها ، وزوج عليا من فاطمة وهو ابن عم أبيها .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بعد أن ذكر تعليل الفقهاء بنجابة الولد وخوف قطيعة الرحم : " وما قالوه صحيح ، لكن إذا وجد في الأقارب من هو أفضل منها للاعتبارات الأخرى [ أي : الدين والحسب والجمال ]

فإنه يكون أفضل . وعند التساوي تكون الأجنبية أولى .

ومن ذلك : إذا كانت بنت العم امرأة ذات دين وخلق ، وأحواله وإمكاناته ضعيفة تحتاج إلى رفق ومساعدة ، فإنه لا شك أن في هذا مصلحة كبيرة ، فالإنسان يراعي المصالح في هذا الأمر

فليس في المسألة نص شرعي يجب الأخذ به ، ولذلك يتبع الإنسان ما يراه أكثر تحقيقا للمصالح "

انتهى من "الشرح الممتع" (5/123) .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن الزواج من الأقارب وهل ذلك سبب لحصول الإعاقة للأولاد ؟

فأجابوا : " ليس هناك أحاديث صحيحة تمنع من الزواج بين الأقارب , وحصول الإعاقة إنما يكون بقضاء الله وقدره , وليس من أسبابه الزواج بالقريبات كما يشاع " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/13) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:44
أحاديث مكذوبة وضعيفة في فضل بر الوالدين

السؤال

هل هذه الأحاديث صحيحة ؟

1- (ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظرة رحمة إلا كتب الله له بكل نظرة حجة مبرورة . قالوا : وإن نظر كل يوم مائة مرة ؟

قال : نعم ، الله أكبر وأطيب)

. 2- قال صلى الله عليه وسلم : (ما بر أباه مَن حَدَّ إليه الطرف بالغضب)

. 3- قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أصبح مطيعا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة ، وإن كان واحدا فواحد ، ومن أمسى عاصيا لله تعالى في والديه أمسى له بابان مفتوحان من النار

وإن كان واحدا فواحد ، قال رجل : وإن ظلماه ؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم وإن ظلماه ، وإن ظلماه ، وإن ظلماه) . 4- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم

: (يقال للعاق : اعمل ما شئت من الطاعة ، فإني لا أغفر لك ، ويقال للبار : اعمل ما شئت فإني أغفر لك) .

الجواب

الحمد لله

هذه الأحاديث الأربعة كلها ضعيفة ، بل بعضها موضوع .

الحديث الأول : عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(ما من رجل بار ينظر إلى والديه أو والدته نظرة رحمة ، إلا كتب الله عز وجل تلك النظرة حجة متقبلة مبرورة ، قالوا : يا رسول الله ، وإن نظر في اليوم مائة مرة ؟ قال : الله أكبر من ذلك) .

رواه أبو بكر الإسماعيلي في "معجم أسامي الشيوخ" (8) – ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (10/265) .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

"لا يصح ؛ لأن فيه بعض الضعفاء"

انتهى من "السلسلة الضعيفة" (2716) .

ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" (10/266) .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

"موضوع ... نهشل بن سعيد كذاب معروف"

انتهى من "السلسلة الضعيفة" (6273) .

الحديث الثاني :

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(ما بر أباه من شد إليه الطرف بالغضب) .

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (9/149) وسنده ضعيف جداً ، فيه : صالح بن موسى متروك الحديث باتفاق المحدثين .

انظر : "تهذيب التهذيب" (4/405) .

قال الهيثمي رحمه الله :

"فيه صالح بن موسى وهو متروك"

انتهى من "مجمع الزوائد" (8/147) .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

"ضعيف جدا"

انتهى من "ضعيف الجامع" (11820) .

الحديث الثالث :

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من أصبح مطيعا في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة ، وإن كان واحدا فواحدا ، ومن أمسى عاصيا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار

وإن كان واحدا فواحدا ، قال الرجل : وإن ظلماه ؟ قال : وإن ظلماه ، وإن ظلماه ، وإن ظلماه) .

جاء هذا الحديث من عدة طرق عن ابن عباس : كلها ضعيفة .

فمنها : ما رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (10/306) .

قال العراقي رحمه الله :

"لا يصح"

انتهى من "تخريج الإحياء" (2/216)
.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

"هذا إسناد واهٍ ، رجاله ثقات ؛ غير السرخسي هذا ، وهو من شيوخ ابن عدي وقال في ترجمته (4/268) : حدث بأحاديث لم يتابعوه عليها ، وكان متهماً في روايته عن قوم لم

يلحقهم مثل علي بن حُجر وغيره"

انتهى من "السلسلة الضعيفة" (6271) .

ورواه البخاري في "الأدب المفرد" (16) وفي سنده : سعيد القيسي ، لم يذكره أحد بجرح ولا تعديل . ولذلك ضعف الحديث الشيخ الألباني في "ضعيف الأدب المفرد".

الحديث الرابع : عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقال للعاق : اعمل ما شئت من الطاعة فإني لا أغفر لك ، ويقال للبار : اعمل ما شئت فإني أغفر لك) .

رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (8739) ، ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (10/215) وسنده ضعيف .

فيه عائذ بن نسير ضعفه ابن معين

كما في "ميزان الاعتدال" (4/23) .

والحاصل : أن الأحاديث الأربعة المذكورة كلها ضعيفة ، لا يجوز الاستشهاد بشيء منها .

وبر الوالدين من الواجبات الشرعية ، وعقوقهما من المحرمات القطعية ، وقد ثبت ذلك في الكتاب والسنَّة الصحيحة بما يغني عن تلك الأحاديث الضعيفة والموضوعة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:50
هل ثبت أن الزوجة الصالحة لها مثل أجر الصائم القائم ؟

السؤال

قرأت حديث ذات مرة في منتدى إسلامي لكنه لم يذكر مرجع الحديث، ويبدو الحديث جميلا لكني أود التأكد من صحته قبل أن أقوم باقتباسه لأحد ، يقول الحديث : من قامت منكن بقصارى جهدها لتكون زوجة صالحة

فإن ثوابها يعدل الصائم نهارا والقائم ليلا ، وسأكون ممتنا للغاية لمساعدتكم إياي ، وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

لعلك تقصد ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6733) وابن عساكر في "تاريخه" (43/348)

من طريق عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَلَامَةَ حَاضِنَةَ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُبَشِّرُ الرِّجَالَ بِكُلِّ خَيْرٍ وَلَا تُبَشِّرُ النِّسَاءَ ؟

فقَالَ: ( أَمَا تَرْضَى إِحْدَاكُنَّ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حامِلًا مِنْ زَوْجِهَا ، وَهُوَ عَنْهَا رَاضٍ أَنَّ لَهَا مِثْلَ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ ) ... الحديث

فهذا حديث موضوع ، قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" لوائح الوضع عليه ظاهرة ، آفته الخولاني هذا ، قال الذهبي : " حدث بموضوعات ". ثم ساق له هذا الحديث . وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/274) وقال :

" قال ابن حبان ، عمرو بن سعيد الذي يروي هذا الحديث الموضوع عن أنس ؛ لا يحل

ذكره إلا على جهة الاعتبار للخواص " .

وأقره السيوطي في " اللآلىء " (2/175) " .

انتهى .
"سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (5/ 76) .

ورواه ابن حبان في المجروحين (1/ 238) وابن عدي في الكامل (3/ 167) من طريق الْحسن بْن مُحَمَّد الْبَلْخِي عَنْ عَوْف الْأَعرَابِي عَن ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( إِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةَ فَلَهَا أَجْرُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ الْمُخْبِتِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) .

وقال ابن عدي: " منكر " . وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 274) وقال الألباني في "الضعيفة" (5085) : " موضوع " .

ويغني عن هذا الخبر الموضوع ما رواه الإمام أحمد (1664)

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) .

صححه الألباني في "صحيح الجامع" (660) .

يراجع للاستزادة جواب السؤالين القادمين

والله تعالى أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:56
من هي ذات الدين ؟

السؤال

أنا شاب بدأت أفكر بالزواج ، ولكن عندي بعض الإشكالات التي أود الاستفسار عنها قبل البحث عن زوجة : بالنسبة إلى الزوجة ، من هي ذات الدين التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الظفر بها ؟

أعلم أنها كلما كانت عالمة عابدة تقية داعية إلى الله تعالى كان ذلك أفضل ، ولكن ماذا عن التي هي أقل من ذلك ، كأن تكون مقتصرة على تأدية الفرائض فقط ، هل تعتبر ذات دين بالمعنى الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

وهل التي تلبس الحجاب الكاشف للوجه أو النقاب الذي يكشف العيون لا تعتبر ذات دين ؟

بمعنى آخر : إذا اختار أهل الشاب فتاة تؤدي الفرائض وتلبس حجاباً كاشفاً للوجه ، هل له أن يرفض التقدم لخطبتها لأنها ليست ذات دين ؟

الجواب

الحمد لله

الوصية بنكاح ذات الدين ، ومن هي ذات الدين ؟ .

أ. رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين فقال : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .

رواه البخاري ( 5090 ) ومسلم ( 1466 ) .

قال عبد العظيم آبادي – رحمه الله - :

والمعنى : أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمحَ نظره في كل شيء ، لا سيما فيما تطول صحبته ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدِّين الذي هو غاية البغية .

( تربت يداك ) يقال : ترب الرجل ، أي : افتقر ، كأنه قال : " تلصق بالتراب " ، ولا يُراد به ها هنا الدعاء ‘ بل الحث على الجد ، والتشمير في طلب المأمور به .

" عون المعبود " ( 6 / 31 ) .

ب. وأما صفات النساء ذوات الدِّين فقد أمكننا الوقوف على كثيرٍ من الصفات التي يصدق على من اتصف بها من النساء أن تكون من ذوات الدِّين ، ومنها :

1. حسن الاعتقاد ، وهذه الصفة على رأس قائمة الصفات ، فمن كانت من أهل السنَّة والجماعة فإنها تكون حققت أعلى وأغلى صفة في ذوات الدين

ومن كانت من أهل البدع والضلال فإنها ليست من ذوات الدِّين اللاتي رُغِّب المسلم بالتزوج منهنَّ ؛ لما لهنَّ من أثرٍ سيئ على الزوج أو على أولاده ، أو على كليهما .

2. طاعة الزوج ، وعدم مخالفته إذا أمر بالحق .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ .

رواه النسائي ( 3131 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .

فجمع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث صفات عظيمة في الزوجة الصالحة الخيِّرة ، وهي :

أولها : إذا نظر إليها سرَّته بدِينها ، وبأخلاقها ، وبمعاملتها ، وبمظهرها .

وثانيها : إذا غاب عنها حفظته في عرضها ، وحفظته في ماله .

وثالثها : إذا أمرها أطاعته ، ما لم يأمرها بمعصية .

3. إعانة الزوج على إيمانه ودينه ، تأمره بالطاعات ، وتمنعه من المحرَّمات .

عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مَا نَزَلَ قَالُوا : فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ ؟ قَالَ عُمَرُ : فَأَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ فَأَوْضَعَ عَلَى بَعِيرِهِ فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي أَثَرِهِ

فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ ؟ فَقَالَ : لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا ، وَلِسَانًا ذَاكِرًا ، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ .

رواه الترمذي ( 3094 ) وحسَّنه ، وفي آخره : ( وَتُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ ) ، وابن ماجه ( 1856 ) – واللفظ له - ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 16:57
قال المباركفوري – رحمه الله -
:
( وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه ) أي : على دينه ، بأن تذكره الصلاة ، والصوم ، وغيرهما من العبادات ، وتمنعه من الزنا ، وسائر المحرمات .

" تحفة الأحوذي " ( 8 / 390 ) .

4. أن تكون امرأةً صالحة ، ومن صفات الصالحات : أن تكون مطيعة لربها ، وقائمة بحق زوجها في ماله ، وفي نفسها ، ولو في حال غيبة الزوج .

قال تعالى : ( فَالصَّالِحَاتُ : قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) النساء/34 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :

( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ) أي : مطيعات لله تعالى .

( حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ) أي : مطيعات لأزواجهن ، حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها ، وماله ، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن ، لا من أنفسهن

فإن النفس أمارة بالسوء ، ولكن من توكل على الله كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه .

" تفسير السعدي " ( ص 177 ) .

وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ ألوَاسِعُ ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ

وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ ، وَأَرْبَع مِنَ اَلشًقَاوَةِ : اَلْجَارُ السُّوءُ ، والمرأة اَلسُّوءُ ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ) .

رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 1232 ) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 282 ) ، و" صحيح الترغيب " ( 1914 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة ، وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله : ( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة المؤمنة

إن نظرت إليها أعجبتك ، وإن أمرتها أطاعتك ، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ) .

وهي التي أمر بها النبي في قوله لما سأله المهاجرون أي المال نتخذ فقال : ( لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، أو امرأة صالحةً تعين أحدكم على إيمانه ) رواه الترمذي ، من حديث سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان .

ويكون منها من المودة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه ، فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان

خصوصا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه ، أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفراق ويفسد حالهم .

" مجموع الفتاوى " ( 35 / 299 ) .

5. حسن الأدب ، والعلم .

عَنْ أبي موسَى الأَشْعرِي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ

وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ) . رواهالبخاري ( 97 ) ومسلم ( 154 ) .

قال المباركفوري – رحمه الله - :

( فأدَّبها ) : أي : علَّمها الخصال الحميدة : مما يتعلق بأدب الخدمة ; إذ الأدب هو : حسن الأحوال من القيام والتعود ,

وحسن الأخلاق .

( فأحسن أدبها ) وفي رواية الشيخين : " فأحسن تأديبها " و " إحسان تأديبها " هو : الاستعمال علمها الرفق واللطف ، وزاد في رواية الشيخين : " وعلمها فأحسن تعليمها " .

" تحفة الأحوذي " ( 4 / 218 ) .

6. القيام بالطاعات ، والعفة عن المحرَّمات .

وهذا من معاني ( ذات الدِّين ) الواردة في الحديث الصحيح الذي سقناه في أول الجواب .

قال الخطيب الشربيني الشافعي – رحمه الله - :

والمراد بالدِّين : الطاعات ، والأعمال الصالحات ، والعفَّة عن المحرمات .

" مغني المحتاج " ( 3 / 127 ) .

بل إن المرأة التي تجمع بين طاعة ربها بفعل ما أمر به من الواجبات ، وترك ما نهى عنه من المحرمات ، وطاعة زوجها : بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بكرامة عالية عند دخول الجنة .

ففي الحديث : ( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) رواه أحمد (1664) وغيره

وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب ، وكذا الأرناؤوط في تخريج المسند .

7. العابدة ، والصائمة .

قال تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ) التحريم/5 .

قال البغوي – رحمه الله - :

( أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ ) خاضعات لله بالطاعة .

مُؤْمِنَاتٍ ) مصدقات بتوحيد الله .

( قَانِتَاتٍ ) طائعات ، وقيل : داعيات ، وقيل : مصليات .

( سَائِحَاتٍ ) صائمات ، وقال زيد بن أسلم : مهاجرات ، وقيل : يسحن معه حيث ما ساح .

" تفسير البغوي " ( 8 / 168 ) .

وبهذا يعرف أن " الدِّين " كلمة جامعة ، تشمل أصنافاً من العبادات ، وأنواعاً من الطاعات

وشمائل وأخلاق ، ولا بدَّ من التنبيه أن ما ذكرناه من تلك الأوصاف والأفعال ليس درجة واحدة عند النساء

بل هو درجات كما هو مشاهد ومعلوم . وكلما كانت أكثر حياء وعلماً وعبادة ، كانت أقرب للمقصود من الظفر بها للنكاح .

وبكل حال فإن ذات الدين هي التي تصلح للرجل لتحفظ له دينه ، وتعينه على آخرته ، وتسره إذا نظر إليها ، وتحفظه إذا غاب عنها ، وتربي له أولاده خير تربية .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 17:00
حديث موضوع في فضل الحمل والولادة والرضاعة

السؤال

أسأل عن ما صحة حديث قرأته مؤخراً ولم أسمع بها من قبل ومما جاء فيه : ( .. أفما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملا من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله

فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما أخفي لها من قرة أعين ، فإذا وضعت لم يخرج منها جرعة من لبنها ، ولم يمص مصة ، إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة

فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهن في سبيل الله. ..) وهل يمكن إحالتي على مرجع أو كتاب يتحدث عن فضل طاعة المرأة لزوجها شريطة أن يكون ما فيه صحيحاً .

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه :

( أن سلامة - حاضنة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله ! تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء . قال : أصحابك دسسنك لهذا ؟ قالت : أجل ، هن أمرنني

. قال : أفما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملا من زوجها وهو عنها راض أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله ، فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء وأهل الأرض ما أخفي لها من قرة أعين

فإذا وضعت لم يخرج منها جرعة من لبنها ، ولم يمص مصة ، إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة

فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهن في سبيل الله. سلامة ! تدري لمن أعني بهذا ؟ للمتعففات الصالحات المطيعات لأزواجهن ، اللواتي لا يكفرن العشير )

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/20)، وأبو نعيم في "معجم الصحابة" (رقم/7049)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (43/347)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/274) وغيرهم :

من طريق هشام بن عمار ، حدثني أبي عمار بن نصير ، عن عمرو بن سعيد الخولاني ، عن أنس بن مالك به .
ثم قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن النبي إلا بهذا الإسناد تفرد به هشام بن عمار . اهـ.

وهذا حديث موضوع مكذوب ، حكم عليه ابن حبان في " المجروحين " (2/34) بالوضع، وكذا ابن الجوزي في "الموضوعات" (باب ثواب المرأة إذا حملت ووضعت) (2/273)

يقول الشيخ الألباني رحمه الله :

" حديث موضوع ، لوائح الوضع عليه ظاهرة ، آفته الخولاني هذا . قال الذهبي : " حدث بموضوعات " . ثم ساق له هذا الحديث . وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2/274 ) من رواية الطبراني في " الأوسط "

وقال : " قال ابن حبان ، عمرو بن سعيد الذي يروي هذا الحديث الموضوع عن أنس ; لا يحل ذكره إلا على جهة الاعتبار للخواص " .

وأقره السيوطي في " اللآلىء " ( 2/175 )

. ومن طريق الخولاني هذا رواه ابن منده في " المعرفة " (2/329/2) ، وكذا الحسن بن سفيان في " مسنده " كما في " الفيض " " انتهى.

"السلسلة الضعيفة" (رقم/2055)

ومن أراد النظر في الأحاديث النبوية المتعلقة بموضوع فضل طاعة المرأة لزوجها وقيامها على شؤونه ، فليرجع إلى كتاب الإمام المنذري ، واسمه " الترغيب والترهيب "، فقد عقد في الجزء الثالث (ص/31) فصلا بعنوان

: " ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته ، وحسن عشرتها ، والمرأة بحق زوجها ، وطاعته ، وترهيبها من إسقاطه ومخالفته "

جمع في هذا الفصل جميع الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع ، وهي في غالبها صحيحة ، ولكن في بعضها ضعف

فمن أراد الاقتصار على قراءة ما يصححه أهل العلم من ذلك فليرجع إلى كتاب " صحيح الترغيب والترهيب " للشيخ الألباني (2/193) وليقرأ الفصل السابق نفسه وقد حذف منه الأحاديث الضعيفة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 17:03
هل كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مزواجا ؟

السؤال

قرأت في إحدى المقالات على الويب أن الحسن بن علي رضي الله عنه تزوج أكثر من تسعين امرأة ، فما رأيكم في هذا ؟

الجواب

الحمد لله

ذكر غير واحد من أهل العلم أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان كثير التزوج ، كثير التطليق .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قالوا : وكان كثير التزوج ، وكان لا يفارقه أربع حرائر ، وكان مطلاقا ، مصداقا ، يقال إنه أحصن سبعين امرأة "

انتهى من "البداية والنهاية" (8/42) .

وذكرا نحوا من هذا الذهبي رحمه الله في "سير أعلام النبلاء" (3 /253) ، وينظر أيضا : "تاريخ دمشق" لابن عساكر (13 /251) ، "تاريخ الإسلام" للذهبي (4 /37) ، "محاضرات الأدباء" ، للراغب الأصفهاني (1 /408) .

ولكن لا بد لنا أن نعلم أن كثيرا من مرويات التاريخ لا تصح ، ولذلك يجب علينا أن نكون منها على حذر ، وخاصة إذا كانت تخص أحدا من أعلام الإسلام وسادات المسلمين .

قال الحافظ العراقي رحمه الله في "ألفية السيرة" (ص 1) :

وليعلمِ الطالبُ أنَّ السّيَرَا تَجمَعُ ما صحَّ وما قدْ أُنْكرَا

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله :

" على أن حاجة التاريخ إلى معرفة أحوال ناقلي الوقائع التاريخية ، أشد من حاجة الحديث إلى ذلك ؛ فإن الكذب والتساهل في التاريخ أكثر " انتهى .

"علم الرجال وأهميته" (ص 24)

وما ورد من كون الحسن بن علي رضي الله عنهما كان قد تزوج بأكثر من سبعين امرأة ، أو تسعين ، ونحو ذلك من الروايات ، لم نقف على إسناد تقوم به الحجة لشيء منها

فينبغي التوقف في قبولها ، والتريث في التعويل عليها .

يقول الدكتور علي محمد الصلابي في كتابه عن الحسن بن علي رضي الله عنه ( ص 27 ) :

" وقد ذكر المؤرخون أن من زوجاته ، خولة الفزازية ، وجعدة بنت الأشعث ، وعائشة الخثعمية ، وأم إسحاق بنت طلحة بنت عبيد الله التميمي ، وأم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري

وهند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وأم عبد الله وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي وامرأة من بني ثقيف وامرأة من بني عمرو بن أهيم المنقري ، وامرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة .

وربما تجاوز هذا العدد بقليل ، وهو كما ترى لا يمتّ إلى الكثرة المزعومة بصلة ، بعرف ذلك العصر .

وأما ما رواه رواة الأثر ، في كونه تزوج سبعين ، وفي بعض الروايات تسعين ، والبعض الآخر مائتين وخمسين ، والبعض الآخر ثلاثمائة

وروي غير هذا ؛ إلا أنه من الشذوذ بمكان ، وهذه الكثرة المزعومة موضوعة . وأما الروايات فهي كالتالي : ... "

ثم شرع في تخريج هذه المرويات وبيان ضعفها ووهائها ، فانظره في المصدر السابق ( ص 28 – 31 )

ثم قال حفظه الله (ص 31) :

" إن الروايات التاريخية التي تشير إلى الأعداد الخيالية في زواج الحسن بن علي رضي الله عنه لا تثبت من حيث الإسناد ، وبالتالي لا تصلح للاعتماد عليها نظراً للشبه والطعون التي حامت حولها "

إلى أن قال :

" ومن هنا تتضح أهمية علم الجرح والتعديل والحكم على الروايات والدور العظيم الذي قام به علماء الحديث في بيان زيف مثل هذه الأخبار .

ولذلك ننصح الباحثين في تاريخ صدر الإسلام بالاهتمام بنقد مثل هذه الروايات ، حتى يميزوا صحيحها من سقيمها

فيقدموا للأمة خدمة جليلة ولا يتورطوا مثل ما تورط فيه بعض السادة الذين لا نشك في نواياهم، بسبب اعتمادهم في بحوثهم على الروايات الضعيفة والموضوعة " انتهى .

ولعل الحافظ ابن كثير رحمه الله أشار إلى أن ما ورد في ذلك لم يصح بقوله : " يقال إنه أحصن سبعين امرأة " فتصديره الكلام بصيغة التمريض مشعر بعدم الثبوت

أو على الأقل بعدم الوقوف على إسناد تقوم به الحجة في ذلك .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-25, 17:11
نبذة عن كتاب النسائي " السنن الصغرى " .

السؤال

سألت هذا السؤال عدة مرات ولكن لم أتحصل على أي إجابة : هل كل الأحاديث الواردة في السنن الصغرى للنسائي صحيحة . وما صحة هذا الحديث: روى مسلم بن أبي بكر قال

: اعتاد أبي أن يقول دبر كل صلاة : ( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر ) سنن النسائي الصغرى ، كتاب الاستعاذة بعد الصلاة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

النسائي هو الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي ، المتوفى سنة 303هـ .

قال عنه الدارقطني رحمه الله :

" مقدَّمٌ على كل من يُذكر بهذا العلم من أهل عصره "

انتهى من " سير أعلام النبلاء " (14/131)

وقال عنه الذهبي رحمه الله :

" لم يكن أحد على رأس الثلاثمائة أحفظ من النسائي ، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ، ومن أبي داود ، ومن أبي عيسى الترمذي ، وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة "

انتهى من " سير أعلام النبلاء " (14/133)

ثانيا :

اشتهر بين المحققين من علماء الحديث أن سنن النسائي الصغرى " المجتبى " أصح كتب السنن الأربعة ، وأكثرها حديثا صحيحا ، وأقلها حديثا ضعيفا ، وذلك لسببين :

السبب الأول : حرص الإمام النسائي على الانتقاء في كتابه ، وذلك بناء على طلب أمير الرملة أن يفرد له الحديث الصحيح من " السنن الكبرى "، كما قال الإمام السيوطي رحمه الله:

" رأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنف الكبرى أهداها لأمير الرملة ، فقال له : كل ما فيها صحيح ؟ فقال : لا ، فقال : ميِّز لي الصحيح من غيره ، فصنف له الصغرى "

انتهى من " تدريب الراوي " (1/109)

وقال محمد بن معاوية الأحمر الراوي عن النسائي ما معناه :

" قال النسائي : كتاب السنن كله صحيح، وبعضه معلول، إلا أنه لم يبين علته، والمنتخب منه المسمى بالمجتبى صحيح كله "

انتهى من " النكت على ابن الصلاح " (1/484)

السبب الثاني : علو كعب النسائي في علم العلل ، وتميزه عن أقرانه ، كما سبق النقل عن الإمام الذهبي

ثالثا :

ننقل هنا كلام بعض أهل العلم في بيان صحة غالب ما في سنن النسائي الصغرى .

قال أبو الحسن المعافري :

" إذا نظرت إلى ما يخرجه أهل الحديث فما خرجه النسائي أقرب إلى الصحة مما خرجه غيره " انتهى.

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ، ورجلا مجروحا "

انتهى من " النكت على ابن الصلاح " (1/484)

رابعا :

أما الأحاديث الضعيفة في سنن النسائي الصغرى فهي على ثلاثة أقسام :

القسم الأول: أحاديث يضعفها الإمام النسائي نفسه في السنن، فهذه لا ضير فيها، فالإمام يذكرها ليبين ضعفها ويرد على من يحتج بها.

القسم الثاني : أحاديث يضعفها الإمام النسائي في كتبه الأخرى ، ولا ينص على ضعفها في السنن الصغرى ، وهذه أيضا لا ضير فيها ؛ لأن النسائي يذكرها على سبيل النقل عمن يحتج بها

فعلى القارئ التنبه إلى حالها بالنظر في كتبه الأخرى ، وعدد أحاديث هذا القسم قليل جدا ، منها حديث قَالَ عُمَرُ لِصُهَيْبٍ : مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ خَاتَمَ الذَّهَبِ ؟

قَالَ : قَدْ رَآهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فَلَمْ يَعِبْهُ . قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه النسائي في " السنن الصغرى " (5163) وسكت عنه ، ولكنه قال عنه في " السنن الكبرى " (8/363): هذا حديث منكر .

القسم الثالث : أحاديث يسكت عنها النسائي ويضعفها المحدثون ، وهي قليلة جدا أيضا ، خاصة وأن بعضها مما اختلف فيه العلماء ، والحق فيه مع النسائي .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" قول الحافظ أبي علي بن السكن وكذا الخطيب البغدادي في كتاب السنن للنسائي إنه صحيح : فيه نظر .

وإن له شرطاً في كتاب السنن للنسائي أنه صحيح: فيه نظر.

وإن شرطه في الرجال أشد من شرط مسلم: غير مسلَّم.

فإن فيه رجالاً مجهولون : إما عيناً أو حالاً ، وفيهم المجروح ، وفيه أحاديث ضعيفة، ومعللة ومنكرة ، كما نبهنا عليه في " الأحكام الكبير " " ا

نتهى من " الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث " (ص/31)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله – معلقا على قول ابن الصلاح: أطلق الخطيب والسلفي الصحة على كتاب النسائي -:
"وقد أطلق عليه أيضا اسم الصحة أبو علي النيسابوري

وأبو أحمد بن عدي ، وأبو الحسن الدارقطني ، وابن منده ، وعبد الغني بن سعيد ، وأبو يعلى الخليلي ، وغيرهم ، وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتابي أبي داود والترمذي كما سبق

وقال أبو عبد الله بن مندة : الذين خرجوا الصحيح أربعة : البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وأشار إلى مثل ذلك أبو علي ابن السكن...- ثم أجاب عن ذلك بعبارة طويلة

حاصلها : أن مراد هؤلاء العلماء أن معظم ما في السنن صحيح وليس كله – "

انتهى باختصار من " النكت على كتاب ابن الصلاح " (1/481-489)

وهكذا نجد العلماء يقررون وجود الضعيف بأعداد يسيرة في سنن النسائي وغيرها من السنن ، ومن أراد التوسع في هذه النقول فليرجع إلى شروح ألفية العراقي عند قوله :

" ومن عليها أطلق الصحيحا *** فقد أتى تساهلا صريحا "

يقول الإمام السخاوي رحمه الله :

" لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف ، - وقولهم - أن ما كان في الكتب الخمسة مسكوتا عنه ولم يصرح بضعفه أن يكون صحيحا

ليس هذا الإطلاق صحيحا ، بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود ، ولم نجد لغيرهم فيها كلاما ، ومع ذلك فهي ضعيفة .

وأحسن من هذا قول النووي : " مراد السلفي : أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به ، أي : صالح لأن يحتج به ; لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة ،ويجوز أن يقال

: إنه لم يعتبر الضعيف الذي فيها ; لقلته بالنسبة إلى النوعين،وبالجملة فكتاب النسائي أقلها بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ; ولذلك قال ابن رشيد: إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا

وأحسنها ترصيفا ، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم ، مع حظ كبير من بيان العلل "

انتهى من " فتح المغيث " (1/114)

خامسا :

وأما الحديث الوارد في السؤال فهو حديث صحيح، نصه كالآتي :

عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ )، فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ

فَقَالَ أَبِي : أَيْ بُنَيَّ ، عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا ؟ قُلْتُ: عَنْكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ.

رواه النسائي في " السنن الصغرى " (رقم/1347) وصححه الألباني في " صحيح النسائي "

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 16:45
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


تعريف عام بكتاب " سنن النسائي الصغرى " وما فيه من ضعيف

السؤال

هل كل الأحاديث الواردة في " سنن النسائي الصغرى " صحيحة ؟ .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

1. الإمام النسائي هو : أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي ، يكنى بأبي عبد الرحمن ، و" النَّسائي " بفتح النون مع التشديد نسبة إلى بلدة في خراسان يقال لها " نَسا " بفتح النون .

2. ولد عام 215 هـ ، وتوفي عام 303 هـ .

3. يُسمَّى كتابه " السنن الصغرى " بـ " المُجتبى " أو " المُجتنى " ، والأول أصح وأشهر ، وقد اختلف أهل العلم فيها هل هي من اختصار المؤلف نفسه

كما يقوله ابن الأثير وابن كثير والعراقي والسخاوي ، أو هو من اختصار تلميذه أبي بكر ابن السني ، كما يقوله الذهبي وابن ناصر الدين الدمشقي.

4. عدد أحاديث " السنن الصغرى " ( 5774 ) حديثاً .

5. أطلق بعض العلماء على سنن النسائي اسم " الصحيح "

ومنهم أبو علي النيسابوري ، وابن عدي ، والدارقطني ، وابن منده ، والخطيب البغدادي ؛ وذلك لقوة شرط الإمام النسائي وتحريه للأحاديث

ولكن لا يسلم هذا القول لقائله ؛ فقد بلغت الأحاديث الضعيفة في سننه – رحمه الله - حوالي 500 حديثاً – تقريباً - بحسب حكم الشيخ الألباني رحمه الله

وتختلف النتيجة بحسب حكم الإمام الناقد ، وقد رأينا الإمام ابن كثير رحمه الله ينتقد من يزعم صحة أحاديث سنن النسائي ، وينتقد من يزعم أن شرط النسائي أشد من شرط الإمام مسلم رحمه الله ، حيث يقول :

وقول الحافظ أبي علي بن السكن وكذا الخطيب البغدادي في كتاب " السنن " للنسائي : إنه صحيح : فيه نظر ، وأن شرطه في الرجال أشد من شرط مسلم : غير مسلَّم

فإن فيه رجالاً مجهولين : إما عيناً أو حالاً ، وفيهم المجروح ، وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة ومنكرة ، كما نبهنا عليه في " الأحكام الكبير "
.
" الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث " ( ص 44 ) .

6. والسنن الصغرى هو أقل الكتب الستة بعد الصحيحين في الأحاديث الضعيفة ، وليس فيه حديث موضوع واحد .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -

: " وفي الجملة : فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفا ، ورجلاً مجروحاً "

انتهى من " النكت على كتاب ابن الصلاح " ( 1 / 484 ) .

7. وتوجد شروح كثيرة للسنن الصغرى للنسائي من أشهرها : شرح السيوطي المسمَّى " زهر الرُّبى على المجتبى " ، كما أن عليه حاشية عليه للإمام محمد بن عبد الهادي السندي

كما شرح السننَ – صوتيّاً - الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله ، ومن أجمع وأوعب الشروح " ذخيرة العُقْبى في شرح المجتبى " للشيخ محمد بن علي بن آدم بن موسى الأثيوبي حفظه الله

وهو معاصر ، وقد طبع في أربعين مجلَّداً ! وقد طبعت الأجزاء الخمسة الأولى منه "دار المعراج " في الرياض ، وطبعت باقي أجزائه " دار آل بروم " في مكة المكرمة

وهو متوفر على الشبكة العنكبوتية في " المكتبة الوقفية " وغيرها .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 16:52
هل في مسند الإمام أحمد بن حنبل أحاديث موضوعة ؟

السؤال

بخصوص المسند للإمام أحمد بن حنبل : يقول أبو الفرج ابن الجوزي أن بعض الأحاديث الواردة في هذا المسند موضوعة . ما درجة هذا الكلام من الصحة ؟ جزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

أولا :

يختلف العلماء أحياناً في الحكم على بعض الأحاديث أنها موضوعة أو ليست موضوعة ، ولاختلافهم هذا أسباب كثيرة ، منها :

1- اختلافهم في رواة الحديث المعين ، فقد يكون الراوي عند بعض العلماء كذابا ، وعند آخرين متهما بالكذب ، وعند آخرين : ضعيفا جدا ، فيختلفون في الحكم على الحديث تبعاً لذلك .

2- كما يختلف العلماء في الحكم على متن الحديث ، فقد يرى بعض المحدثين أن هذا المتن منكر جدا ، لا ترد الشريعة بمثله ، وفيه من الغرائب والعجائب ما يؤكد وضعه

بينما يرى آخرون أن المتن لا يبلغ تلك الدرجة من النكارة .

قال العلامة المعلمي رحمه الله :

" هذه قواعد يحسن تقديمها :

1- إذا قام عند الناقد من الأدلة ما يغلب على ظنه معه بطلان نسبة الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد يقول : باطل ، أو موضوع ، وكلا اللفظين يقتضي أن الخبر مكذوب عمدا أو خطأ

إلا أن المتبادر من الثاني الكذب عمدا ، غير أن هذا المتبادر لم يلتفت إليه جامعو كتب الموضوعات ، بل يوردون فيها ما يرون قيام الدليل على بطلانه ، وإن كان الظاهر عدم التعمد .

2- قد تتوفر الأدلة على البطلان ، مع أن الراوي الذي يصرح الناقد بإعلال الخبر به لم يتهم بتعمد الكذب ، بل قد يكون صدوقا فاضلا ، ولكن يرى الناقد أنه غلط أو أدخل عليه الحديث .

3- كثيرا ما يذكر ابن الجوزي الخبر ، ويتكلم في راو من رجال سنده ، فيتعقبه بعض من بعده بأن ذاك الراوي لم يتهم بتعمد الكذب ، يعلم حال هذا التعقب من القاعدتين السابقتين .

نعم ، قد يكون الدليل الآخر غير كاف للحكم بالبطلان ، ما لم ينضم إليه وجود راو في السند معروف بتعمد الكذب ، ففي هذه الحال يتجه ذاك التعقب ".

انتهى من " مقدمة التعليق على الفوائد المجموعة للشوكاني " (ص/7) دار الكتب العلمية .

وقال الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله :

" المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان عمدا أم خطأ ".

انتهى من" توجيه النظر " (2/574) .

وقال الشيخ طارق عوض الله :

" ومن المعلوم أن نقاد الحديث كثيراً ما يحكمون على أحاديث أخطأ فيه بعض الرواة ، بأنها "ضعيفة جداً" ، أو " باطلة " ، أو " منكرة " ، أو " لا أصل لها " ، أو " موضوعة "

مع أن رواتها الذين أخطئوا فيها ، لم يبلغوا في الضعف إلى حد أن يُترك حديثهم ، بل أحياناً يُطلقون هذه الأحكام الشديدة على أحاديث أخطأ فيها بعض الرواة الثقات

غير متقيدين بحال الراوي المخطئ ، بل معتبرين حال الرواية سنداً ومتناً ، ونوع الخطأ الواقع فيهما ، أو في أحدهما ".

انتهى من" الإرشادات " (ص/82) .

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 16:52
ثانيا :

إذا تقرر ما سبق عرفنا سبب وقوع الخلاف بين العلماء في اشتمال مسند الإمام أحمد بن حنبل على أحاديث موضوعة ، فأثبت ذلك بعضهم ، ونفاه آخرون ، والحقيقة أن الخلاف بين القولين هو في تعريف الحديث الموضوع .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" من قد يغلط في الحديث ولا يتعمد الكذب : هؤلاء توجد الرواية عنهم في السنن ومسند الإمام أحمد ونحوه .
بخلاف من يتعمد الكذب : فإن أحمد لم يرو في مسنده عن أحد من هؤلاء .

ولهذا تنازع الحافظ أبو العلاء الهمذاني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : هل في المسند حديث موضوع ؟

فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع ، وأثبت ذلك أبو الفرج ، وبَيَّن أن فيه أحاديث قد علم أنها باطلة .

ولا منافاة بين القولين ، فإن الموضوع في اصطلاح أبي الفرج هو الذي قام دليل على أنه باطل وإن كان المحدث به لم يتعمد الكذب بل غلط فيه ، ولهذا روى في كتابه في الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع .

وقد نازعه طائفة من العلماء في كثير مما ذكره وقالوا : إنه ليس مما يقوم دليل على أنه باطل ، بل بينوا ثبوت بعض ذلك .

لكن الغالب على ما ذكره في الموضوعات أنه باطل باتفاق العلماء .

وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله فإنما يريدون بالموضوع المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب ".

انتهى من" مجموع الفتاوى " (1/248) .

فهذا وجه التوفيق بين القولين .

ومن تأمل أحاديث المسند أو بعضها ، وراجع أقوال أهل العلم في تلك الأحاديث ، تبين له أنه يشتمل على أحاديث شديدة الضعف وأن متونها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم

وأنها يمكن أن توصف بأنها موضوعة ، وإن كان الراوي لها لم يتعمد الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم .

بل هناك حديث رواه الإمام أحمد في المسند ، ونقل عنه ابن الجوزي أنه قال عنه : إنه كذب.

وهو حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا ) " المسند " (41/337) .

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" قال أحمد بن حنبل : هذا الحديث كذب منكر . قال : وعمارة يروى أحاديث مناكير . وقال النسائي: هذا حديث موضوع ".

انتهى من" الموضوعات " (2/13) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – في الحديث السابق -:

" كفانا المؤنة شهادة أحمد بكونه كذباً ، فقد أبان علته ، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته، ولعله مما أمر بالضرب عليه ؛ لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة النكارة

يأمر بالضرب عليها من المسند وغيره ، أو يكون مما غفل عنه وذهل ؛ لأن الإنسان محل السهو والنسيان والكمال لله تعالى ".

انتهى من" النكت " (1/472-473) .

ولهذا استقرت كلمة أهل العلم على أن مسند الإمام أحمد بن حنبل يشتمل على عدد يسير من الأحاديث التي يمكن أن توصف بالوضع ، أو على الأقل بشبه الوضع .

قال الحافظ العراقي رحمه الله :

" وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق ، بل فيه أحاديث موضوعة ".

انتهى من" التقييد والإيضاح " (ص/57) .

وقال الإمام الذهبي رحمه الله :

" فيه أحاديث معدودة شبه موضوعة ، ولكنها قطرة في بحر ".

انتهى من" سير أعلام النبلاء " (11/329) .

وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة لمسند الإمام أحمد :

" وأقل ما يقوله المتمكن في هذا الفن ، بعد النظر في هذه الأحاديث وما أجاب به العلماء عنها : إنها بالغة الضعف ، وكثير منها يعلم بطلان متونها بالبداهة ، فلا يمكن أن تشد أزرها تلك المتابعات والشواهد "

. انتهى من" المسند " (1/77) طبعة مؤسسة الرسالة .

والأحاديث التي حكم عليها في هذه الطبعة بأنها " شبه موضوع " ثمانية أحاديث .

وصرح المحققون على حديث واحد فقط بأنه موضوع ، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عَسْقَلَانُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ

يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ ، وَيُبْعَثُ مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا إِلَى اللهِ ، وَبِهَا صُفُوفُ الشُّهَدَاءِ ، رُءُوسُهُمْ مُقَطَّعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ ، تَثِجُّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا

يَقُولُونَ : رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ . فَيَقُولُ : صَدَقَ عَبِيدِي ، اغْسِلُوهُمْ بِنَهَرِ الْبَيْضَةِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهُ نَقَاءً بِيضًا ، فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا) " المسند " (21/66) .

قال المحققون : " موضوع ، أبو عقال- واسمه هلال بن زيد بن يسار البصري نزيل عسقلان- مجمع على طرح حديثه ، وقال ابن حبان: روى عن أنس أشياء موضوعة ما حدَّث بها أنس قطّ ، لا يجوز الاحتجاج به بحال .

.. وقال الدولابي : هذا حديث منكر جداً ، وهو شبه حديث الكذّابين...وقد حكم على هذا الحديث ابنُ الجوزي والعراقي بالوضع ، وهو كما قالا

ومحاولةُ الحافظ ابن حجر نفيَ تهمة الوضع عنه في "القول المسدد" ص 32-33 في غير محلّها " انتهى .

حديث آخر موضوع في المسند : حديث عمران بن حصين مرفوعا : ( أن علياً مني وأنا منه، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي ) " المسند " (33/154) .

قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (7/391-392) : هذا كذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . انتهى .

وقد بلغ عدد الأحاديث التي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع

– وهي في مسند الإمام أحمد – ثمانية وثلاثين حديثا ، حاول الحافظ ابن حجر العسقلاني الجواب عنها حديثا حديثا ، لكن كثيرا من أجوبته لا تسلم له

ومع ذلك فقد أقر رحمه الله بوجود الموضوع أيضا ، كما أقر سابقا كل من الذهبي والعراقي .

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 16:53
فقال رحمه الله :

" ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة ، منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفا . والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا ، أو ضرب وكتب من تحت الضرب ".

انتهى نقلا عن " تدريب الراوي " (1/173) .

وقال أيضا :

" ونجيب عنها أولا من طريق الإجمال : بأن الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام ، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع

وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا ".

انتهى من" القول المسدد " (ص/11) .

وقال أيضا :

"والحق أن أحاديثه غالبها جياد ، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات ، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد ، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا

وبقي منها بعده بقية ، وقد ادعى قوم أن فيه أحاديث موضوعات...لا يتأتى القطع بالوضع في شيء منها ، بل ولا الحكم بكون واحد منها موضوعا

إلا الفرد النادر ، مع الاحتمال القوى في دفع ذلك"

انتهى من" تعجيل المنفعة " (ص/6) .

والحاصل : أن " المسند " للإمام أحمد بن حنبل يشتمل على بعض الأحاديث شديدة الضعف التي يمكن أن توصف بالوضع بناء على التوسع في مفهوم الحديث " الموضوع "

وهذا الذي يقرره كثير من العلماء المتخصصين في الحديث اليوم : كالدكتور إبراهيم اللاحم ، والدكتور سعد آل حميد .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 16:57
ترجمة مختصرة لأبي إسحاق السبيعي

السؤال

هناك أحاديث يرويها أبو إسحاق الهمداني ، فمن هو أبو إسحاق الهمداني هذا ، وما هي إسهاماته في الأحاديث ، وما صحة أحاديثه ؟

الجواب

الحمد لله

أبو إسحاق الهمداني هو عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد ، المشهور بـ " أبي إسحاق السبيعي " نسبة إلى " سبيع " جده البعيد

من أكابر حفاظ مدينة الكوفة في العراق ، ومن أعظم علمائها الذين رووا الحديث ، وأفنوا أعمارهم في سبيله .

وهو من الطبقة الوسطى من التابعين ، فقد ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وبالتحديد سنة (34 أو 35هـ) فأدرك بذلك كثيرا من الصحابة الحفاظ المكثرين من الرواية

كابن عباس ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وزيد بن أرقم ، وأسامة بن زيد ، وغيرهم كثير ، حيث بلغ تعدادهم ثمانية وثلاثين صحابيا من شيوخ أبي إسحاق

بل ورد عنه أنه قال : " رأيت علي بن أبي طالب يخطب "، ولكنه لم يدرك الرواية عنه .

ولا شك أن إدراك هذا العدد من محدثي الصحابة دافع عظيم للاجتهاد في سماع الحديث وروايته والعمل به ، فهم خير القرون ، وسادة الناس ، وأصحاب الأثر العظيم في قلوب طلابهم ومتبعيهم .

لهذا تأثرت شخصية أبي إسحاق السبيعي بأئمة الهدى والدين ، فاجتهد في طلب العلم والأخذ عن الشيوخ ، وكثر شيوخه الذين روى عنهم حتى بلغوا العشرات

بل قال علي بن المديني رحمه الله :

" روى أبو إسحاق عن سبعين رجلا أو ثمانين لم يرو عنهم غيره ، وأحصيت مشيخته نحوا من ثلاث مائة شيخ "، وكان منهم كبار التابعين كعلقمة بن قيس

ومسروق بن الأجدع ، والضحاك بن قيس ، وعمرو بن شرحبيل الهمداني ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود ، وعمرو بن ميمون ، وشريح القاضي ، وخلق كثير من كبراء التابعين كما قال الإمام الذهبي رحمه الله .

وأخذ الفقه عن كبار شيوخ مدرسة الكوفة التي اتبعت في منهجها العام الفقه المروي عن عبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما

وبرز أبو إسحاق في حفظه فقهَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حتى كان يقال : " من جالس أبا إسحاق فقد جالس عليا رضي الله عنه ".

قال علي بن المديني رحمه الله :

" حفظ العلم على الأمة ستة : فلأهل الكوفة : أبو إسحاق والأعمش ، ولأهل البصرة : قتادة ويحيى بن أبي كثير . ولأهل المدينة : الزهري ، ولأهل مكة عمرو بن دينار " .

فلم يكن أهل العلم يقدمون على أبي إسحاق أحدا من أهل طبقته .

واشتهر أبو إسحاق بالإمامة في الدين ، والتقوى والزهد والعبادة ، فكان يختم القرآن الكريم في كل ثلاثة أيام مرة ، فقد أخذ القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي

حتى صار إماما في القراءة أيضا ، وهو أكبر شيوخ القارئ المعروف حمزة بن حبيب الزيات ، ولم يشغله العلم عن الجهاد في سبيل الله

فاشترك في غزو الروم زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وأخبر عن نفسه أنه اشترك في ست غزوات أو سبع غزوات زمن زياد بن أبيه .

وكان صواما قواما لا ينام من الليل إلا قليلا ، وقد حكى ذلك عن نفسه رحمه الله فقال : " ما أقلت عيني غمضا منذ أربعين سنة "، وحكى ابنه يونس – الحافظ الكبير – عن أبيه أنه كان يقرأ كل ليلة ألف آية .

وأوصى مرة معشر الشباب فقال لهم :

" يا معشر الشباب ، اغتنموا – يعني قوَّتكم – قلما مرت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية ، وإني لأقرأ البقرة في ركعة ، وإني لأصوم الأشهر الحرم ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والاثنين والخميس " .

وتحلى بالأخلاق العظيمة ، بالكرم والسماحة والوفاء والمروءة ، فما سُمع يَعيبُ أحدا قط ، ولا يتفاخر على الناس بعلمه ، بل يتواضع ويقول : "وددت أني أنجو من علمي كفافا "

وهكذا عرف بالعبادة والتقوى حتى قال من أدركه في زمانه : " كنت إذا رأيت أبا إسحاق ذكرت به الضرب الأول "، يعني الصحابة رضوان الله عليهم .

ومن كان هذا حاله في العلم والعبادة حري أن يكون إمام هدى يقصده طلبة العلم من كل حدب وصوب ، فأخذ عنه أئمة علم الحديث كشعبة وسفيان الثوري –

وكانا أوثق أصحابه في الرواية عنه – وكان من تلاميذه أيضا ، منصور ، والأعمش ، وزكريا بن أبي زائدة ، وولده يونس ، وحفيده إسرائيل

وزائدة بن قدامة ، وجرير بن حازم ، وزهير بن معاوية ، وخلق كثيرون آخرون يشق تعدادهم وحصرهم .

واستمر عطاء أبي إسحاق السبيعي في العلم والعمل على مدى ثلاث وتسعين سنة ، حتى كبر في آخر عمره ، وضعفت قوته ، وابتلي بفقد البصر حتى كان يستعين بأبنائه في هداية الطريق

ومع ذلك بقي حافظا للحديث ، مثابرا في تعليمه ، ولم يأخذ عليه العلماء اضطرابا أو اختلاطا فاحشا ، وإنما كما قال الإمام الذهبي رحمه الله : " هو ثقة حجة بلا نزاع

...كبر وتغير حفظه تغير السن ، ولم يختلط "، وإن كان ذهب بعض أهل العلم أيضا إلى وقوع الاختلاط في حديثه ، لكنه محصور وقليل

كما أخذ عليه العلماء وقوع التدليس أحيانا عند إسناده بالعنعنة ، حتى سماه الحافظ ابن حجر في "المرتبة الثالثة" في كتاب " مراتب المدلسين " (رقم/91)

ولكن ذلك لا يضعف ما يصرح فيه بالتحديث ( حدثنا ، أخبرنا ، سمعت .. ) ، لكن يوجب التحري فيما يرويه بصيغة العنعنة ( عن فلان ) من الأحاديث .

وكانت وفاته سنة (127هـ)، وخرج الناس في جنازته بالمئات ، وألقى الله على جنازته المهابة ، حتى قال أمير الكوفة حين رأى كثرة الخلق المشيعين : " كأن هذا فيهم رباني ".

تنبيه: المعلومات الواردة في هذه الترجمة المختصرة تجدها في كتاب

: " سير أعلام النبلاء " (5/392-401)

وكتاب " تهذيب التهذيب " (8/65)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 17:03
الفرق بين ما يفعله صلى الله عليه وسلم للتشريع وما يفعله عادة وجبلّة

السؤال

السنة والاستحسان هل يمكن التمييز بين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وبين ما أحبه وكرهه حيث أنه كان إنسان في المقام الأول، أم أنهما نفس الشيء والدرجة فإن كان هناك فارقا بينهما فكيف يكون التمييز بينهما؟

الجواب

الحمد لله

الأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع ، لأنه مبلغ عن ربه ، مرسل لهداية الخلق ، مأمور بالبيان ، كما قال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) النحل/44

وقال : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) المائدة/67 .

ويدل على أن الأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع : ما روى أبو داود (3646) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ

فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ ، وَقَالُوا : أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ

فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ : (اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) .

وقد يقول صلى الله عليه وسلم القول لا يريد به التشريع ، وهذا خلاف الأصل ، ولابد من دليل يبين أنه لغير التشريع ، كما في قصة تأبير النخلة المشهورة

وقد رواها مسلم (2361) عن طَلْحَةَ قَالَ : مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ ، فَقَالَ : مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالُوا : يُلَقِّحُونَهُ ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا) قَالَ : فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ

فَقَالَ : إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا ، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) .

ورواه مسلم (2363) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ : (لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ) قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ، قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ : (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ) .

والشيص : البسر الرديء ، الذي إذا يبس صار حشفا .

فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك ظنا ، فخرج بهذا عن أن يكون تشريعا .

وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم فقد تصدر منه على وجه التشريع ، وقد تكون من أفعال الجبلة والعادة التي هي مقتضى البشرية ، كالأكل والشرب والقيام والقعود ، وقد يكون الفعل خاصا به صلى الله عليه وسلم
.
" فهذه ثلاثة أقسام :

القسم الأول : الأفعال الجبلية : كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فهذا القسم مباح؛ لأن ذلك لم يقصد به التشريع ولم نتعبد به، ولذلك نسب إلى الجبلّة وهي الخلقة.

لكن لو تأسى به متأسٍ فلا بأس ، وإن تركه لا رغبة عنه ولا استكبارًا فلا بأس.

القسم الثاني: الأفعال الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - التي ثبت بالدليل اختصاصه بها كالجمع بين تسع نسوة، فهذا القسم يحرم فيه التأسي به.

القسم الثالث: الأفعال البيانية التي يقصد بها البيان والتشريع، كأفعال الصلاة والحج، فحكم هذا القسم تابع لما بيّنه؛ فإن كان المبين واجبًا كان الفعل المبين له واجبًا، وإن كان مندوبًا فمندوب ".

" وهناك قسم رابع وهو المحتمل للجبلي والتشريعي. وضابط هذا القسم: أن تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها

لكنه وقع متعلقًا بعبادة بأن وقع فيها أو في وسيلتها، كالركوب إلى الحج ودخول مكة من كَداء، فهذا قد اختلفوا فيه: هل هو مباح أو مندوب ".

ومن أمثلة التأسي به في الأفعال الجبلية : ما " ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يلبس النعال السبتية، ويصبغ بالصفرة، فسئل عن ذلك فقال: "

... وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم

- يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها....". رواه البخاري (1/267) برقم (166).

وورد عن الإمام الشافعي أنه قال لبعض أصحابه: اسقني، فشرب قائمًا، فإنه - صلى الله عليه وسلم - شرب قائمًا.
وورد أيضًا عن الإمام أحمد أنه قال : ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارًا "

انتهى من "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" للدكتور محمد حسين الجيزاني ، ص 128 .

ومن أمثلة القسم الرابع : وهو ما احتمل أن يكون للتشريع أو للجبلة : نزول صلى الله عليه وسلم المحصّب بعد الحج (وهو اسم موضع بين مكة ومنى وإلى منى أقرب، ويسمى الأبطح)، فاختلف الصحابة في هذا النزول :

هل هو تشريع أو ليس كذلك ، فكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يراه سنة، وكان عبدالله بن عباس رضي الله عنهما يقول: " ليس التحصيب (أي: نزول المحصب) بشيء،

إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ، وكانت عائشة رضي الله عنها توافق ابن عباس فتقول: " نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج ".

وينظر : صحيح البخاري (1765) ، (1766) ، صحيح مسلم (1310).

وبهذا يتبين أن ما أحبّه صلى الله عليه وسلم من الأطعمة أو الأشربة أو الألبسة ونحو ذلك ، الأصل فيه أنه من العادات التي تفعل بمقتضى البشرية ، ولا يراد بها التشريع

ككونه يحب الدباء ، ويعاف الضب ، ويلبس العمامة والرداء والإزار والقميص ، ما لم يدل دليل على التشريع ، كأن يأمر أو يرغّب في بأمر يتعلق بهذه الأشياء

كالتسمية عند الأكل ، وعدم التنفس في الإناء ، والأكل باليمين ، وعدم الأكل من وسط القصعة ، ومنع الإسبال أسفل من الكعبين

فالتشريع في ذلك واضح ، ويكون لهذه الأفعال حكمها من الإيجاب أو الندب أو التحريم أو الكراهة ، بحسب الأدلة الواردة فيها .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 17:11
حكم حديث سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام

السؤال

روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ، ويشربون ألوان الشراب

ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدقون في الكلام ، فأولئك شرار أمتي ) ، فهل هذا الحديث صحيح ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

ورد معنى هذا الحديث عن جماعة من الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من الأحاديث ، هي :

الحديث الأول :

عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( سَيَكُونُ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيَشْرَبُونَ أَلْوَانَ الشَّرَابِ، وَيُلْبِسُونَ أَلْوَانَ اللِّبَاسِ، وَيَتَشَدَّقُونَ فِي الْكَلامِ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي )

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/107)، وفي " المعجم الأوسط " (3/24)، وفي "مسند الشاميين " (2/342) من طريق جميع بن ثوب الرحبي ، عن حبيب بن عبيد ، عن أبي أمامة به .

وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب جميع بن ثوب السلمي الرحبي ، قال فيه البخاري : منكر الحديث ، وكذا قال الدارقطني وغيره ، وقال النسائي : متروك

. انظر : " لسان الميزان " (2/134)

ورواه تمام الرازي في " الفوائد " (2/258) ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (6/90) من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، عن حبيب بن عبيد ، عن أبي أمامة به .

وأبو بكر هذا هو ابن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي ، اتفق المحدثون على تضعيفه

انظر : " تهذيب التهذيب " (12/29)

قال الهيثمي رحمه الله :

" رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريقين ، في أحدهما جميع بن أيوب وهو متروك ، وفي الأخرى أبو بكر بن أبي مريم وهو مختلط " انتهى.

" مجمع الزوائد " (10/439)

وضعفه العراقي في تخريج " إحياء علوم الدين " (4/234)

الحديث الثاني :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
:
( خيار أمتي من شهد أن لا إله إلا الله ، وإذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤوا استغفروا ، وإذا سافروا قصروا وأفطروا ، وإن شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم

وغذوا في النعيم ، همهم ألوان الطعام ، وألوان الشراب ، وإذا تكلموا تشدقوا ، ويل للجرارين أذيالا )

رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (2/305)

وقال : " تفرد به محمد بن سليمان : قال أبو حاتم الرازي : هو منكر الحديث " .

وضعفه العراقي في تخريج " إحياء علوم الدين " (3/232) وعزاه للبزار .

الحديث الثالث :

عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم ، وغذوا به ، يأكلون من الطعام ألوانا )

رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (7/372)

والحاكم في " المستدرك " (3/657)

قال الذهبي رحمه الله :

" أظنه موضوعا " انتهى.

" تلخيص المستدرك " (3/657)

وقال العراقي رحمه الله :

" فيه أصرم بن حوشب : ضعيف " انتهى.

" تخريج إحياء علوم الدين " (3/232)

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 17:12
الحديث الرابع :

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( إن أول ما خلق الله سبحانه وتعالى العقل فقال أقبل فأقبل ثم قال أدبر فأدبر ثم قال ما خلقت شيئا أحسن منك بك آخذ وبك أعطي ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان له واعظ من نفسه كان له من

الله حافظ ومن أذل نفسه في طاعة الله فهو أعز ممن تعزز بمعصية الله ثم قال شرار أمتي الذين غدوا في النعيم الذين يتقلبون في ألوان الطعام

والثياب الثرثارون الشداقون بالكلام وخيار أمتي الذين إذا أساؤا استغفروا وإذا أحسنوا استبشروا وإذا سافروا قصروا وأفطروا )

رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (7/318)

قال : حدثنا أبو بكر عبد الله بن يحيى بن معاوية الطلحي ، وأفادنيه أبو الحسن الدارقطني ، ثنا سهل بن المرزبان بن محمد أبو الفضل التميمي الفارسي سنة تسع وثمانين ومائتين

ثنا عبدالله بن الزبير الحميدي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير .

قال أبو نعيم رحمه الله :

" غريب من حديث سفيان ومنصور عن الزهري ، لا أعلم له راويا عن الحميدي إلا سهلا ، وأراه واهما فيه " انتهى.

الحديث الخامس :

من طريق عبد الحميد بن جعفر ، واختلف الرواة عنه : فجعله بعضهم من حديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجعله آخرون من حديث فاطمة بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وعلى كل حال فالحديث مرسل ، ففاطمة بنت الحسن لم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا من جدتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ينظر : " العلل " العلل للدارقطني (15/183-184) .

الحديث السادس :

عن بكر بن سوادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( سيكون نشو من أمتي ، يولدون في النعيم ، ويغذون به ، همتهم ألوان الطعام ، وألوان الثياب ، يتشدقون بالقول ، أولئك شرار أمتي )

رواه الإمام أحمد في " الزهد " (ص/394) نسخة الشاملة قال : ، حدثنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله ، وعتاب ، حدثنا عبد الله ، أنبأنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن بكر بن سوادة .

قلنا : وهذا مرسل ، لأن بكر بن سوادة من الطبقة الوسطى من التابعين .

الحديث السابع :

عن عروة بن رويم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به ، همتهم ألوان الطعام ، وألوان الثياب ، يتشدقون في الكلام )

رواه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (رقم/758)، ووكيع في " الزهد " (رقم/163) كلاهما عن الأوزاعي عن عروة به .
وهذا مرسل صحيح الإسناد .

والحاصل أن طرق هذا الحديث لا تخلو جميعها من الضعف ، وبعضها أشد ضعفا من بعض بعض ، إلا أن بعض أهل العلم قد حسنوا الحديث بشواهده :

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" إذا ضُمَّ – يعني حديث أبي أمامة - إلى المرسَلَين الأولين : صار الحديث بمجموع ذلك حسنا ... " ثم ساق بعض هذه الشواهد

. ينظر : " السلسلة الصحيحة " (رقم/1891) .

ثانيا :

قال المناوي رحمه الله :

" ( سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام فأولئك شرار أمتي ) أي : من شرارهم ، وهذا من معجزاته

فإنه إخبار عن غيب وقع ، والواحد من هؤلاء يطول أكمامه ، ويجر أذياله تيها وعجبا ، مصغيا إلى ما يقول الناس له وفيه ، شاخصا إلى ما ينظرون إليه منه

قد عمي بصره وبصيرته إلى النظر إلى صنع الله وتدبيره ، وصم سمعه عن مواعظ الله ، يقرأ كلام الله ولا يلتذ به ، ولا يجد له حلاوة ، كأنه إنما عنى بذلك غيره

فكيف يلتذ بما كلف به غيره ، وإنما صار ذلك لأن الله عز اسمه خاطب أولي العقول والبصائر والألباب ، فمن ذهب عقله وعميت بصيرته في شأن نفسه ودنياه

كيف يفهم كلام رب العالمين ويلتذ به ، وكيف يجلو بصره وهو يرى صفة غيره " انتهى.

" فيض القدير " (4/170)

وقال أيضا :

" قال الغزالي : وشره الطعام من أمهات الأخلاق المذمومة ؛ لأن المعدة ينبوع الشهوات ، ومنها تتشعب شهوة الفرج ، ثم إذا غلبت شهوة المأكول والمنكوح يتشعب منه شهوة المال

ولا يتوصل لقضاء الشهوتين إلا به ، ويتشعب من شهوة المال شهوة الجاه ، وطلبهما رأس الآفات كلها من نحو كبر وعجب وحسد وطغيان ، ومن تلبس بهذه الأخلاق فهو من شرار الأمة ..

.. وقد اشتد خوف السلف من لذيذ الأطعمة ، وتمرين النفس عليها ، واعتقدوا أنها من علامات الشقاء ، ورأوا منعها غاية السعادة " انتهى.

" فيض القدير " (4/205)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 17:16
ترتيب أركان الإسلام في حديث بني الإسلام على خمس

السؤال

أظن أن أركان الإسلام خمسة ، على هذا النحو من الترتيب : الشهادة ، الصلاة ، الزكاة ، الصيام ، الحج ( أرجو التصحيح إن كنت مخطئا ) قرأت حديثا في صحيح البخاري - كتاب الإيمان

- باب " بني الإسلام على خمس " الحديث رقم: (7)، عرض الحديث ترتيبا يختلف عن الترتيب الذي ذكرته سالفاً ، فلو كان الترتيب الذي ذكرته سالفاً صحيحا فلماذا ذكر الحديث ترتيباً مختلفاً ؟

الجواب

الحمد لله

عند التوسع في تخريج حديث : ( بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ) يتبين لنا أنه قد رواه عن ابن عمر رضي الله عنهما جماعة من أصحابه وتلاميذه ، وقد اختلفوا في روايته عنه على وجهين:

الوجه الأول : تقديم الحج على صوم رمضان .

وقد رواه على هذا الوجه اثنان من ثقات أصحاب ابن عمر رضي الله عنه من غير اختلاف عليهم ، وهما :

1- محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر : أخرجه مسلم وغيره (رقم/21)

وانظر: "العلل" للدارقطني (13/211)

2- سلمة بن كهيل : أخرجه عبد بن حميد في " المسند " (رقم/823) ، وفي "العلل" للدارقطني (13/185) ذكر بعض الاختلاف على سلمة بن كهيل بين الرفع والوقف .

ورواه أيضا بتقديم الحج على الصوم ثقتان آخران من أصحاب ابن عمر ، ولكن مع الاختلاف عليهم في الرواية ، والراجح عنهما هو وجه تقديم الحج على الصوم ، كما سيأتي بيانه في الوجه الثاني .

وقد روي الحديث أيضا على هذا الوجه من طريق يزيد بن بشر عن عبد الله بن عمر كما أخرجه أحمد (8/417) طبعة مؤسسة الرسالة

ومن طريق أبي سويد العبدي كما أخرجه أيضا الإمام أحمد (9/484) طبعة مؤسسة الرسالة ، ولكنها طرق ضعيفة بسبب جهالة كل من يزيد وأبي سويد .

الوجه الثاني : تقديم صوم رمضان على الحج

وقد وقع ذلك في رواية ثلاثة من أصحاب ابن عمر ، واحد منهم لم يختلف عليه ، والاثنان الآخران اختلف عليهما ، والراجح عنهما تقديم الحج على الصوم :

1- حبيب بن أبي ثابت : أخرجه الحميدي (2/308) ، والترمذي (رقم/2069) من طريق سُفْيان بن عُيَيْنَة ، عن سُعَير بن الخِمْس التميمي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، فذكره .

قال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، وسعير بن الخمس ثقة عند أهل الحديث " انتهى .

غير أن سعير بن الخمس وإن وثقه أكثر النقاد ، فإن أبا حاتم الرازي رحمه الله قال فيه : " صالح الحديث ، يكتب حديثه و لا يحتج به

" انتهى. انظر: " تهذيب التهذيب " (4/106)

2- سعد بن عبيدة : رواه سعد بن طارق أبو مالك الأشجعي ، عن سعد بن عبيدة .

ولكن الرواة عن أبي مالك الأشجعي اختلفوا عليه :

فرواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة – كما في " صحيح مسلم " (رقم/20) –

بتقديم الحج على صوم رمضان .

وقد ذكر لفظه المطول الخطيب البغدادي في " الكفاية " (ص/176) وفيه : ( فقال رجل : تعبد الله وتكفر بما دونه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان

. قال – يعني ابن عمر - : لا ، اجعل صيام رمضان آخرهن كما سمعت مِن في رسول الله صلى الله عليه وسلم )

ورواه سليمان بن حيَّان الأحمر – كما في " صحيح مسلم " (رقم/19) – بتقديم الصوم على الحج ، ولفظه : ( بني الإسلام على خمسة : على أن يوحد الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان

والحج . فقال رجل : الحج وصيام رمضان ؟ قال : لا ، صيام رمضان والحج ، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم )

ولا شك أن رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أوثق من رواية سليمان الأحمر ؛ لأن يحيى بن زكريا ثقة في الدرجة العليا من الحفظ والإتقان

حتى قال علي بن المديني : لم يكن بالكوفة بعد الثوري أثبت منه ، انتهى إليه العلم بعد الثوري . ثم إن يحيى بن زكريا معروف بالفقه والفهم

فهو أقدر على ضبط ترتيب كلمات الحديث على الوجه الذي يناسب

انظر: " تهذيب التهذيب " (11/209)

وأما سليمان الأحمر فهو وإن كان ثقة صحيح الحديث إلا أنه قد أخذت عليه أحاديث لا يتابع عليها

وتكلم فيه يحيى بن معين والبزار وابن عدي

ينظر ذلك أيضا في " تهذيب التهذيب " (4/181) .

3- عكرمة بن خالد : غير أن الرواة اختلفوا أيضا في الرواية من طريق عكرمة بن خالد :

فجاء بتقديم الحج على الصوم : أخرجه البخاري (رقم/8) من طريق عبيد الله بن موسى ، والنَّسائي (رقم/5001) من طريق المعافى بن عمران ، كلاهما عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي ، عن عكرمة بن خالد به .

وجاء بتقديم الصوم على الحج : أخرجه مسلم (رقم/22) من طريق عبد الله بن نمير ، وابن حبان أيضا (4/294) من طريق عبد الله بن وهب ، كلاهما عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن عكرمة بن خالد به .

وروي عن كل من روح بن عبادة ، ووكيع عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن عكرمة بن خالد على الوجهين – تقديم الصوم وتقديم الحج - كما في صحيحي ابن خزيمة (1/159) وابن حبان (1/373)

ولعل الوجه الراجح على حنظلة بن أبي سفيان هنا هو أيضا تقديم الحج على الصوم ، إذ يبدو أن النقاد على اطلاع خاص بضبط عبيد الله بن موسى لهذه الرواية أكثر من غيره

لذلك اختارها الإمام البخاري رحمه الله ، وقال الإمام الدارقطني رحمه الله – بعد أن ذكر أوجها أخرى رويت عن حنظلة بن أبي سفيان - :

" خالفه وكيع ، وإسحاق بن سليمان الرازي ، وقاسم بن مالك المزني ، وعبيد الله بن موسى ، ورووه عن حنظلة ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الصواب .

إلا أن في حديث قاسم بن مالك : عكرمة بن خالد ، عن طاووس ، عن ابن عمر .

والصواب ما قاله عبيد الله بن موسى ، فإنه ضبط إسناده " انتهى.

" العلل " (13/129)

والحاصل من جميع ما سبق أن الذي يبدو – والله أعلم – أن رواية تقديم الحج على الصوم هي الرواية الأرجح ، وذلك لما يلي :

أولا : اجتماع أكثر أصحاب ابن عمر رضي الله عنهما على هذه الرواية ، أما رواية تقديم الصوم على الحج فإنما ينفرد بها حبيب بن أبي ثابت فقط ، وفي الطريق إليه بعض النقد ، فرواية الأكثر والأحفظ أرجح ولا شك .

ثانيا : اختيار الإمامين البخاري والنسائي لرواية تقديم الحج على الصوم يدل على أرجحيتها ، فقد اكتفيا بإخراجها من هذا الطريق تقريرا منهما أنها هي الطريق الصحيحة

وما عداها مروي بالمعنى ، بل بنى الإمام البخاري صحيحه على هذا الترتيب ، فقدم كتاب الحج على كتاب الصوم لهذا السبب كما قال الحافظ ابن حجر ، والبخاري والنسائي هما من أعلم النقاد بعلوم العلل ، ودقائق الروايات .

وأما تقديم الصوم على الحج فإنما أخرجها الإمام مسلم في صحيحه إلى جانب الرواية الأولى، ومن منهج الإمام مسلم رحمه الله إخراج الروايات المختلفة في مكان واحد

وإن كان يرى ترجيح إحداها ، والأقرب أنه يرجح تقديم الحج على الصوم للأسباب التي ذكرناها عند الحديث على رواية سعد بن عبيدة من أصحاب ابن عمر .

ثالثا : تقديم الحج على الصوم في حديث ابن عمر له شاهد حسن من حديث جرير بن عبد الله البجلي . أخرجه أحمد (4/363)

وأما ما يسلكه أكثر العلماء في كتب الفقه والحديث من تقديم الصوم على الحج ، فإنما هو لترجيح كثير منهم رواية تقديم الصوم على الحج

كما هو معروف من كلامهم في موضعه ، وبعضهم يختار تقديم الصوم على الحج لأمر آخر خارج عن الرواية ، بل بناء على اجتهادات وتعليلات نظرية . قال الإمام النووي رحمه الله :

" قدموا الصوم على الحج ؛ لأنه جاء في إحدى الروايتين ؛ ولأنه أعم وجوبا من الحج ، فإنه يجب على كثيرين ممن لا حج عليه ، ويجب أيضا على الفور ، ويتكرر " انتهى.

" المجموع " (1/124)

وعلى كل حال فالمسألة محل اجتهاد ونظر ، ولعل ما ذكرناه هو الأرجح من حيث الرواية ، والاختلاف في مثل ذلك يسير ، لا يترتب عليه كثير شيء ؛ ولا يدل بمجرده على تفضيل الحج على الصوم ، أو عكسه .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-28, 17:23
صحيح ابن خزيمة ، هل أحاديثه كلها صحيحة ؟

السؤال

هل هناك كتاب حديث لابن خزيمة اسمه " صحيح ابن خزيمة "، وهل كل ما فيه من أحاديث صحيحة كصحيح البخاري ومسلم ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

ابن خزيمة هو : أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، النيسابوري ، الحافظ ، إمام الأئمة ، شيخ الإسلام ، صاحب المصنفات الكثيرة ، ولد سنة (223هـ)، وتوفي سنة (311هـ)

كما في " سير أعلام النبلاء " (14/365-382) .

ثانيا :

كتابه في الحديث اشتهر بين العلماء باسم : " صحيح ابن خزيمة "، وإن كان اسمه الذي وضعه مؤلفه هو :

" مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولا إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار "

كما في " صحيح ابن خزيمة " (1/3) .

ويتضح من هذا الاسم الطويل شرط ابن خزيمة في صحيحه ، وأنه لا يُخرج فيه إلا حديثا صحيحا عنده ، رواته ثقات عدول ، وإسناده متصل غير منقطع

مع التنبيه على أنه رحمه الله لا يفرق بين الحسن والصحيح ، بل يجعلهما في دائرة واحدة هي دائرة القبول .

ومن هنا يمكن الخروج بقاعدة عامة : أن جميع الأحاديث الموجودة في كتاب " صحيح ابن خزيمة " هي صحيحة عنده رحمه الله ، إلا ما نص فيه على تضعيفه

أو نص على التوقف فيه ، أو التردد في حكمه ، وذلك أنه رحمه الله قال :

" إلا ما نذكر أن في القلب من بعض الأخبار شيء إما لشك في سماع راو مِن فوقه خبرا، أو راو لا نعرفه بعدالة ولا جرح

فنبين أن في القلب مِن ذلك الخبر، فإنا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه ، فالله الموفق للصواب " انتهى

" صحيح ابن خزيمة " (3/186)

ولحرص ابن خزيمة رحمه الله على إخراج الحديث الصحيح في نقده ونظره : اهتم العلماء بكتابه ، وعدوه من مظان الحديث الصحيح :

قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله :

" ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الصحيحين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة ... ويكفي كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ، ككتاب ابن خزيمة " .

" مقدمة ابن الصلاح " (ص/17)

وقال الحافظ السيوطي رحمه الله :

" صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه ، حيث إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد ، فيقول مثلا : باب كراهة كذا إن صح الخبر ، أو إن ثبت كذا ..." انتهى.

" تدريب الراوي (1/109) .

ثالثا :

تصحيح ابن خزيمة للحديث لا يعني أن الحديث صحيح عند جميع العلماء ، لأن مثل هذه المسائل مبناها على النظر والاجتهاد ؛ فما يراه ابن خزيمة صحيحا

قد يخالفه فيه غيره من أهل العلم ويرى تضعيفه ، وعدم صلاحيته للاحتجاج ، لقيام العلة القادحة في نظره .

ولذلك علق الحافظ ابن حجر رحمه الله على كلام ابن الصلاح السابق :

" حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها ، لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ، ما لم يظهر في بعضها علة قادحة " انتهى.

" النكت على ابن الصلاح " (1/291)

ويقول الدكتور محمد مصطفى الأعظمي حفظه الله :

" صحيح ابن خزيمة ليس كالصحيحين بحيث يمكن القول إن كل ما فيه هو صحيح ، بل فيه ما هو دون درجة الصحيح ، وليس مشتملا على الأحاديث الصحيحة والحسنة فحسب

بل يشتمل على أحاديث ضعيفة أيضا ، إلا أن نسبتها ضئيلة جدا إذا قورنت بالأحاديث الصحيحة والحسنة ، وتكاد لا توجد الأحاديث الواهية أو التي فيها ضعف شديد إلا نادرا " انتهى.

" صحيح ابن خزيمة " تحقيق الأعظمي (1/22) .

وينظر : مناهج المحدثين ، لفضيلة الشيخ الدكتور سعد الحميد ، حفظه الله ، (ص/46) .

والحاصل : أن العامي أو طالب العالم أو العالم الذي لا يجد الوقت الكافي للاجتهاد ، إذا قلدوا الإمام ابن خزيمة في الأخذ بالأحاديث التي أخرجها في كتابه : جاز لهم ذلك ، ولا حرج عليهم ، فهو إمام مجتهد أهل للتقليد .

أما العالم الذي أتيح له الاجتهاد في علم الحديث

أو طالب العلم المتخصص الذي أتيحت له أدوات البحث في ذلك الباب : ففرضه البحث والتنقيب عن مدى انطباق شروط القبول على الحديث المعين الذي الإمام ابن خزيمة في صحيحه .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:10
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل يقدم الجرح على التعديل دائما ؟

السؤال

هل هذه القاعدة صحيحة ، وهي : أن الجرح مُقدَّم على التعديل ، وهل هذه القاعدة في رواة الحديث فقط ؟

الجواب

الحمد لله

قليلة هي القواعد المطردة اطرادا كليا

بحيث لا ينخرم لها مثال

وفي علم الجرح والتعديل وعلم الحديث خاصة يقرر العلماء أن القواعد فيه إنما هي مبادئ مجملة تحتاج إلى كثير من القيود والضوابط ، ويفلت منها كثير من الحالات ، حتى قال بعضهم : أقيموا لكل حديث دولته ورجاله.

وللعلماء في حال تعارض الجرح والتعديل في الراوي الواحد طريقة خاصة تشتمل على كثير من القواعد والضوابط التي توصل إلى الحكم الأقرب إلى الصواب في هذا الراوي

ولهذه الضوابط أمثلة عملية كثيرة ، وكتب مختصة في شرحها وبيانها ، ولكننا ننقلها هنا مختصرة عن بعض المختصين في علوم الحديث .

يقول الدكتور الشريف حاتم العوني:

" عند تعارض الجرح والتعديل أسير على الخطوات التالية :

الخطوة الأولى : التثبت من أن التعارض حقيقي ، ليس وهمياً . ويتم ذلك من خلال النقاط التالية :

أولاً : التثبت من صحة القول المعارض ( جرحاً أو تعديلاً )

فقد لا يثبت ذلك القول ، فلا يكون هناك تعارض أصلاً . ومن أسباب عدم ثبوت القول في الجرح والتعديل

: أن يكون صادراً ممن لا يقبل قوله في الجرح والتعديل ( كالأزدي أبي الفتح )، وأن يكون إسناد ذلك القول المعارض لا يثبت إلى ذلك الإمام . وأن يكون من نقل القول المعارض قد أخطأ في نقله لتلك العبارة في حق ذلك الراوي

.وأن يكون الإمام الجارح أو المعدل نفسه قد أخطأ فجمع راويين متفرقين ، أو فرق واحداً فاختل حكمه على الراوي بسبب ذلك . وأن يكون الجرح أو التعديل مفسراً بما لا يصح معه الجرح أو التعديل .

كمن جرح بركوب البرذون ، ومن عدل بحسن الهيئة واللحية . وكمن جرح بحديث ظنه خطأ وهو صحيح ، أو بحديث في إسناده من هو سبب الخطأ أو النكارة غير الذي جرح .

ثانياً : أن يكون الجمع بين الأقوال المتعارضة ممكناً بغير تعسف : وهذا الجمع يحتاج إلى علم عميق بألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها وطرائق استخدام الأئمة لها .

ومن الأمور التي يجب مراعاتها عند هذا الجمع ، ما يلي :

1- مراعاة سياق الكلام الذي ذكرت فيه تلك العبارة ، إذ قد يكون الجرح أو التعديل نسبياً :

كمن ضُعف في بلد دون بلد : كمعمر بن راشد .

ومن ضُعف إذا حدث عن إقليم دون إقليم : كإسماعيل بن عياش وفرج بن فضالة .

ومن ضُعف إذا روى عنه أهل إقليم دون إقليم : كزهير بن محمد التميمي .

ومن ضعف أو وثق في شيوخ معينين : كسفيان بن حسين وجعفر بن برقان في الزهري .

من ضُعف عقب حديث أخطأ فيه ، أو وثق عقب حديث وافق الثقات فيه .

من ضُعف لبدعته ( لا لأمر آخر ) ممن كان مذهبه التشديد في حكم رواية المبتدع .

من ضُعف في وقت دون وقت كالمختلط .

من ضعف إذا حدث من حفظه ، ووثق إذا حدث من كتابه .

من ضعف عندما قرن بمن هو أوثق منه ، أو وثق عندما قرن بمن هو أضعف منه .

2- مراعاة شمول عبارات الجرح والتعديل عند الأئمة المتقدمين لمعانٍ ومراتب متعددة ، خلافاً للمتأخرين .

3- مراعاة الاصطلاحات الخاصة لبعض الأئمة .

ثالثاً : التثبت من أن الجرح أو التعديل خرج من قائله بإنصاف ، وأنه لم يكن بسبب اعتداء في البغض أو غلو في المحبة ؛ إذ إن أئمة الجرح والتعديل وإن كانوا أئمة الورع والنزاهة وأعظم الناس إنصافاً ؛ إلا أنهم ليسوا معصومين .

الخطوة الثانية : الترجيح :

1- يقدم الجرح إذا فسر بجارح ( أما إذا فسر بغير جارح فيرد كما سبق ) ؛ إلا في حالات قليلة يظهر فيها خطأ الجارح ، من خلال توارد قرائن متتابعة تدل على خطئه .

2- أما إذا كان الجرح مبهماً غير مفسر ، فإن الأصل تقديمه على التعديل ؛ لأنه إذا صدر من عارف بأسباب الجرح والعديل فالغالب والأصل أنه لم يجرح إلا بجارح

ومادام أنه كذلك لزم تقديمه على التعديل ؛ لأن مع الجارح زيادة علم .

3- لكن يمكن أن نقدم التعديل على الجرح المبهم إذا لاحت قرائن تدل على قوة التعديل على الجرح المبهم .

ومن هذه القرائن :

كثرة عدد المعدلين .

جلالة المعدل وزيادة علمه على علم الجارح .

إنصاف المعدل في مقابل تشديد الجارح .

أن يكون المعدل معاصراً للمتكلم فيه ، خلافاً للجارح .

أن يكون المعدل بلدياً للمتكلم فيه ، وليس كذلك الجارح .

قوة عبارة التعديل ووضوحها .

الخطوة الثالثة : التوقف : عند عدم وجود مرجح ، وعند تكافؤ الأقوال ، بعد العجز عن جميع المراحل السابقة " انتهى باختصار.

" التأصيل لعلم الجرح والتعديل " (24-33) دار عالم الفوائد.

وانظر " ضوابط الجرح والتعديل عند الإمام الذهبي "

محمد الثاني، (ص/587-783)

تحرير علوم الحديث، عبد الله الجديع، (الفصل الخامس).

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:15
قول ابن مسعود رضي الله عنه يضحك الله إلى رجلين

السؤال

ما صحة هذا الحديث : ( يضحك الله عز وجل إلى رجلين : رجل لقي العدو وهو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزموا وثبت ، فإن قتل استشهد

وإن بقي فذلك الذي يضحك الله إليه . ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد ، فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم حمد الله ومجَّدَه وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم واستفتح القرآن

فذلك الذي يضحك الله إليه يقول : انظروا إلى عبدي قائماً لا يراه أحد غيري )

الجواب

الحمد لله

أولا :

روي هذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وموقوفا من كلام الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : ( يضحك الله إلى رجلين : رجل لقي العدو وهو على فرس من أمثل

– يعني أحسن - خيل أصحابه ، فانهزموا وثبت ، فإن قتل استشهد ، وإن بقي فذلك الذي يضحك الله إليه .

ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد ، فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم حمد الله ، ومجَّده ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، واستفتح القرآن

فذلك الذي يضحك الله إليه يقول : انظروا إلى عبدي قائما لا يراه أحد غيري )

رواه عبد الرزاق في " المصنف " (11/185)

ومن طريقه كل من الطبراني في " المعجم الكبير " (9/159)

وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (4/205)

– ورواه النسائي في " السنن الكبرى " (6/217)،

وفي " عمل اليوم والليلة " (ص/496) :

جميعهم من طريق أبي إسحاق – وهو السبيعي عمرو بن عبد الله - ، عن أبي عبيدة – وهو ابن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -، عن ابن مسعود رضي الله عنه .

قلنا : وهذا إسناد رواته ثقات ، غير أن تابعي الحديث ، أبا عبيدة ، لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، كما قرره غير واحد من أهل العلم ، فالإسناد منقطع .

ينظر : جامع التحصيل (204)

تحفة التحصيل (165)

تهذيب الكمال (14/61) .

غير أن أبا عبيدة توبع على رواية ذلك عن أبيه ، تابعه مرة الهمداني عن ابن مسعود ، مرفوعا ، بلفظ :

( عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ : رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ ، مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى صَلَاتِهِ ، فَيَقُولُ رَبُّنَا : أَيَا مَلَائِكَتِي ، انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ، ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ ، وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ

رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي .

وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَانْهَزَمُوا ، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ ، فَرَجَعَ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهُ ، رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي

فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ، رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي ، وَرَهْبَةً مِمَّا عِنْدِي ، حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ )

رواه الإمام أحمد في " المسند " (7/62-63) وغيره .

لكن رجح الإمام الدارقطني رحمه الله أن هذا الحديث موقوف من كلام ابن مسعود ، وليس مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

قال رحمه الله :

" يرويه عطاء بن السائب عن مرة ، واختلف عنه :

فرفعه حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، ووقفه خالد بن عبد الله، عن عطاء.... والصحيح هو الموقوف " انتهى.

" العلل " (5/267) .

وينظر : مسند الإمام أحمد (7/62) ط الرسالة ، تعليق المحققين ، جلاء الأفهام ، لابن القيم ، ط الشيخ مشهور سلمان (563) تعليق المحقق .

ولذلك قال السخاوي رحمه الله عن هذا الأثر :

" إسناده صحيح " انتهى.

" القول البديع " (ص/264)

ثالثا :

ورد أيضا حديث قريب المعنى من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ عزّ وجلّ ، ويضحكُ إليهم ، ويستبشرُ بهم : الذي إذا انكَشَفتْ فئةٌ ؛ قاتلَ وراءَها بنفسِه لله عزّ وجلّ

فإمّا أنْ يُقتلَ ، وإمّا أن يَنصُرَه اللهُ و يكفِيَه ، فيقولُ اللهُ : انظرُوا إلى عبدِي كيف صَبَرَ لي نفسَه؟! والذي له امرأة حسناء ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل ، فـيذر شهوتَه

فيذكُرني ويناجيني ، ولو شاءَ رقَدَ ! والذِي يكونُ في سَفَرٍ ، وكانَ معَه ركْبٌ ؛ فسهِرُوا و نصِبُوا ثمّ هَجَعُوا ، فقامَ من السّحرِ في سرّاءَ أو ضرّاءَ )

رواه الحاكم في " المستدرك " (1/25)، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (2/408) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/3478) .

ثانيا :

في مجموع الآثار السابقة فوائد عدة ، يمكن أن نجملها في الآتي :

· إثبات صفة الضحك لله عز وجل ، على الوجه اللائق به سبحانه ؛ بما لا يشبه صفات المخلوقين ، وقد وردت أدلة أخرى كثيرة من السنة المرفوعة الصحيحة تدل على ذلك ، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ ؛ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ ) رواه البخاري (2826) ومسلم (1890)

بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وكذلك أحاديث الضحك متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواها الأئمة "

انتهى. " الفتاوى الكبرى " (5/297) .

· عدم تردد السلف رحمهم الله تعالى في التحديث بهذه الصفات – كصفة الضحك - أمام الناس ، ومخاطبتهم بها على الوجه الذي لا يحدث في قلوبهم شيئا من الريبة أو الفتنة

والأصل في الناس إذا تركوا على فطرتهم فهموا هذه النصوص على الوجه اللائق بالله عز وجل

وقد بوب عبد الرزاق في " المصنف " (11/184) متابعا شيخه معمر في " الجامع " (رقم/894) على هذا الأثر بقولهما : باب من يضحك الله إليه .

· وفيه استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند قيام الليل ، ولذلك بوب ابن القيم رحمه الله في كتابه " جلاء الأفهام " (ص/563) على هذا الحديث بقوله :

" الموطن السادس عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : إذا قام الرجل من نوم الليل " .

· فضيلة الجهاد في سبيل الله ، وفضيلة قيام العبد بالليل مخلصا لا يراه أحد ، يركع ويسجد لله عز وجل ، لا يبتغي إلا مرضاة الله ، فذلك من أفضل الأعمال .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:19
حديث النفخة في اليوم الخامس عشر من رمضان إذا صادف يوم جمعة

السؤال

حديث قرأته وأتساءل فقط عما إذا كان صحيحا أم لا : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( في الخامس عشر من شهر رمضان ليلة الجمعة ستكون فزعة ( نفخة ) ، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان

وتخرج النساء من مخدعهن ، وفى هذا اليوم سيكون هناك الكثير من الزلازل ) آمل أن أتلقى ردا منكم إن شاء الله .

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث منكر لا يصح

لم يرد بسند مقبول ، ولم يثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن الواقع يكذبه ويرده

فقد وافق في أعوام كثيرة سابقة مجيء يوم الجمعة في الخامس عشر من رمضان ، ولذلك حكم عليه العلماء بالوضع والكذب .

قال العقيلي رحمه الله :

" ليس لهذا الحديث أصل من حديث ثقة ، ولا من وجه يثبت " انتهى .

" الضعفاء الكبير " (3/52) .

وقال ابن الجوزي رحمه الله في باب خاص عقده باسم " باب ظهور الآيات في الشهور " :

" هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .

" الموضوعات " (3/191)

وذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في " المنار المنيف " (ص/98) في أحاديث لا تصح في التواريخ المستقبلية ، قال : " كحديث : يكون في رمضان هدة توقظ النائم

وتقعد القائم ، وتخرج العواتق من خدورها ، وفي شوال مهمهة ، وفي ذي القعدة تميز القبائل بعضها من بعض ، وفي ذي الحجة تراق الدماء

وحديث : يكون صوت في رمضان إذا كانت ليلة النصف منه ليلة جمعة ، يصعق له سبعون ألفا ، ويصم سبعون ألفا " انتهى .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله :

" موضوع ، أخرجه نعيم بن حماد في "الفتن " (ق 160/1) ، ومن طريقه أبو عبد الله الحاكم (4/517 - 518) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/199) قال : حدثنا ابن وهب

عن مسلمة بن علي ، عن قتادة ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ...مرفوعاً .

وقال الحاكم : حديث غريب المتن ، ومسلمة ظن لا تقوم به الحجة .

وقال الذهبي : قلت : ذا موضوع ، ومسلمة ساقط متروك .

وقد روي هذا الحديث بأسانيد أخرى ، وقد ساقها السيوطي في "اللآلي " (2/387 - 388) ، وكلها معلولة ، بعضها مطول ، وبعضها مختصر ، وأطولها من حديث ابن مسعود .

- ثم ساق الشيخ الألباني الحديث بلفظ آخر - ( يَكُونُ فِي رَمَضَانَ صَوْتٌ , قَالُوا: فِي أَوَّلِهِ أَو فِي وَسَطِهِ أَو فِي آخِرِهِ؟ قَالَ : لا ؛ بَلْ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ ، إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ

يَكُونُ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يُصْعَقُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُخْرَسُ سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُعْمَى سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُصِمُّ سَبْعُونَ أَلْفاً . قَالُوا: فَمَنِ السَّالِمُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ : مَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ ، وَتَعَوَّذَ بِالسُّجُودِ

وَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِلَّهِ . ثُمَّ يَتْبَعُهُ صَوْتٌ آخَرُ . وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ صَوْتُ جِبْرِيلَ ، وَالثَّانِي صَوْتُ الشَّيْطَانِ. فَالصَّوْتُ فِي رَمَضَانَ ، وَالمَعْمَعَةُ فِي شَوَّالٍ ، وَتُمَيَّزُ الْقَبَائِلُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، وَيُغَارُ عَلَى الْحُجَّاجِ فِي ذِي الْحِجَّةِ

وَفِي الْمُحْرِمِ ، وَمَا الْمُحْرَّمُ؟ أَوَّلُهُ بَلاءٌ عَلَى أُمَّتِي ، وَآخِرُهُ فَرَحٌ لأُمَّتِي

الرَّاحِلَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِقَتَبِهَا يَنْجُو عَلَيْهَا الْمُؤْمِنُ لَهُ مِنْ دَسْكَرَةٍ تَغُلُّ مِائَةَ أَلْفٍ ) - ثم قال الشيخ الألباني رحمه الله - : موضوع ، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/332/853)

ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات ، (3/ 191) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن الأوزاعي ، عن عبدة بن أبي لبابة ، عن فيروز الديلمي ...مرفوعاً .

وقال ابن الجوزي : "هذا حديث لا يصح ، قال العقيلي : عبد الوهاب ليس بشيء . وقال ابن حبان : كان يسرق الحديث ؛ لا يحل الاحتجاج به . وقال الدارقطني

: منكر الحديث . وأما إسماعيل : فضعيف . وعبدة لم ير فيروزاً ، وفيروز لم ير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى باختصار.

" السلسلة الضعيفة " (رقم/6178، 6179) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" بلغني أن بعض الجهال يوزع نشرة مشتملة على حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن هذا الحديث المكذوب ما نصه :

عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إذا كان صيحة في رمضان ، فإنه يكون معمعة في شوال ، وتميز القبائل في ذي القعدة ، وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم ، وما المحرم ؟ يقولها ثلاث مرات ، هيهات هيهات

يقتل الناس فيه هرجا هرجا ، قلنا : وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال : هذه في النصف من رمضان ليلة الجمعة ، فتكون هدَّة توقظ النائم ، وتقعد القائم ، وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة ، في سنة كثيرة الزلازل والبرد

فإذا وافق شهر رمضان في تلك السنة ليلة الجمعة ، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة في النصف من رمضان فادخلوا بيوتكم ، وأغلقوا

أبوابكم ، سدوا كواكم ، ودثروا أنفسكم ، وسدوا آذانكم ، فإذا أحسستم بالصحيحة فخروا لله سجدا ، وقولوا : سبحان القدوس ، سبحان القدوس ، ربنا القدوس ، فإنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل هلك ) .

فهذا الحديث لا أساس له من الصحة ، بل هو باطل وكذب ، وقد مر على المسلمين أعوام كثيرة صادفت فيها ليلة الجمعة ليلة النصف من رمضان فلم تقع فيها بحمد الله ما ذكره هذا الكذب من الصيحة

وغيرها مما ذكر ، وبذلك يعلم كل من يطلع على هذه الكلمة أنه لا يجوز ترويج هذا الحديث الباطل ، بل يجب تمزيق ذلك وإتلافه والتنبيه على بطلانه

ومعلوم أنه يجب على كل مسلم أن يتقي الله في جميع الأوقات ، وأن يحذر ما نهى الله عنه حتى يتم أجله، كما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) والمراد باليقين : الموت

قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تحمها ، وخالق الناس بخلق حسن ) .

والآيات والأحاديث في وجوب لزوم التقوى والاستقامة على الحق والحذر من كل ما نهى الله عنه في جميع الأوقات في رمضان وفي غيره كثيرة معلومة

وفق الله المسلمين لما يرضيه ، ومنحهم الفقه في الدين ، وأعاذنا وإياهم من مضلات الفتن ، ومن شر دعاة الباطل ، إنه جواد كريم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى.

" مجموع فتاوى ابن باز " (26/339-341)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:28
لم يصح حديث في أن من لم يقض الصلاة في الدنيا قضاها على بلاط جهنم

السؤال

هل هناك حديث ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى أن من فاتته صلاة في الدنيا يقضيها على بلاط جهنم في الآخرة ، وإذا وُجد فما هو نصه ؟

الجواب

الحمد لله

من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها : فقد أتى بابا من أعظم أبواب الكبائر وأشنعها ، توعد الله عز وجل عليه بالعذاب الشديد

فقال سبحانه : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) مريم/59.

وأما الحديث المشهور على ألسنة العوام ، وهو أن من ترك صلاة واحدة متعمدا في الدنيا ولم يقضها قضاها على بلاط جهنم ، فهو مما لا أصل له في كتب السنة والأثر

ولم نقف على من ينقله من أهل العلم أصحاب المؤلفات المعتمدة ، وإنما يتناقله الناس على أنه حديث ، وهو في الحقيقة ليس بحديث ، بل ولا أثر عن صحابي ولا عن تابعي .

يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :

" ما يتناقله العوام والصبيان من أن من عليه فائتة يقضيها على بلاط جهنم غير صحيح ؛ لقوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ) القلم/42

إلى قوله: ( وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) القلم/43 . انتهى من " مجلة المنار " (7/138) .

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :

رجل بلغ من العمر خمسةً وخمسين عاماً ، ولم يكن يصلي ولا يصوم ، فسأل هذا شخصاً ، فأجابه قائلاً : عليك بقضاء ما فاتك من صلاة وصيام

وإن لم تقض ما فاتك سوف تصلي على بلاط جهنم ، هل ما قيل صحيح ، وبم ترشدون هذا الرجل ؟

فأجاب :

" الواجب عليه أن يتوب إلى الله ، وليس ما قيل له صحيح ، من تاب تاب الله عليه ، فليس عليه قضاء ، عليه أن يتوب إلى الله مما ترك من الصلاة والصيام ، ويكفي ذلك ، التوبة تجب ما قبلها

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )، والله يقول سبحانه : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31، فالكافر إذا تاب ليس عليه قضاء

ما عليه إلا الاستقبال ، أن يستقبل أمره بالعمل الصالح بتقوى الله ، وطاعة الله ، وأداء حقه ، وترك محارمه ،أما إذا كان المسلم ترك الصيام ، أو ترك الزكاة : يقضي ، لأنه مسلم ، أما إذا ترك الصلاة فهو كافر

تركُ الصلاة كفرٌ أكبر ، والكافر عليه أن يتوب توبة جديدة ، ولا يقضي ما فاته ، ليس عليه قضاء ما مضى من زكوات في حال كفره ، أو صلوات في حال كفره ، أو صيام في حال كفره

لا يقضي لأن كفره أعظم ، فإذا تاب إلى الله فإنه يستقبل الزمن ، يستقبل بالعمل الصالح ، والتوبة تجب ما قبلها ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين أسلموا أن يقضوا ، والصحابة لم يأمروا المرتدين أن يقضوا

لما ارتد جماعة من الناس في عهد الصديق ، قاتلهم الصديق وقاتلهم الصحابة ، ولم يؤمروا بالقضاء " انتهى.

" فتاوى نور على الدرب " ( شريط 843 ) ، نقلا عن موقع الشيخ رحمه الله

وقد سبق الكلام على عدم وجوب القضاء على من ترك الصلاة متعمدا ، وذلك في جواب السؤال


كيف يقضي الإنسان ما فاته من صلاة ؟ (https://www.djelfa.info/vb/showpost.php?p=3997492155&postcount=5)

من موضوع

قضاء الفوائت (https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2141475)

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:35
تعريف الحديث المرسل

السؤال

ما هو الحديث المرسل ؟

الجواب

الحمد لله

يسمى الحديث بـ " الحديث المرسل " : إذا كان الذي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تابعيا وليس صحابيا ، وتمييز الصحابي من التابعي يمكن من خلال كتب الرجال والتراجم .

قال الإمام أبو عبد الله الحاكم رحمه الله :

" مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو : الذي يرويه المحدِّثُ بأسانيد متصلة إلى التابعي ، فيقول التابعي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.

"معرفة علوم الحديث" (67) .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

" هذا الاسم أوقعوه بإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار ، أو أبو أمامة بن سهل بن حنيف

أو عبد الله بن عامر بن ربيعة ، ومن كان مثلهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكذلك من دون هؤلاء ، مثل : سعيد بن المسيب ، وسالم بن عبد الله ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، والقاسم بن محمد ، ومن كان مثلهم .

وكذلك علقمة بن قيس ، ومسروق بن الأجدع ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، ومن كان مثلهم من سائر التابعين الذين صح لهم لقاء جماعة من الصحابة ومجالستهم . فهذا هو المرسل عند أهل العلم .

ومثله أيضا مما يجرى مجراه عند بعض أهل العلم مرسل من دون هؤلاء ، مثل : حديث ابن شهاب ، وقتادة ، وأبي حازم ، ويحيى بن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يسمونه مرسلا ، كمرسل كبار التابعين " انتهى.

" التمهيد " (1/19-20) .

ومن الضروري التنبيه على أن المحدثين – وخاصة المتقدمين منهم – يطلقون على كل انقطاع في السند إرسالا :

يقول الخطيب البغدادي رحمه الله :

" المرسل : ما انقطع إسناده ، بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه ، إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال : ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.

" الكفاية " (ص/21)

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:37
تعريف الحديث الغريب

السؤال

ما هو الحديث الغريب ..أفيدونا جزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

الحديث الغريب هو الذي وقع فيه وجه من وجوه التفرد .

ووجوه التفرد كثيرة ، أهمها وجهان :

1- تفرد مطلق : وهو أن ينفرد راو معين – في أي طبقة من طبقات السند – برواية هذا الحديث ، ولا يشاركه فيها أحد ، فيكون الحديث الغريب حينئذ هو : الحديث الذي لا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإسناد واحد .

مثاله : حديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) هذا الحديث ليس له إلا إسناد واحد مستقيم ، يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب .

2- تفرد نسبي : هو أن يتفرد أحد الرواة برواية حديث معين عن شيخه ، ولا يشاركه في الرواية عن شيخه أحد ، رغم أن الحديث مروي من طرق عدة

وأن هذا الشيخ قد تابعه كثيرون ، غير أن تلاميذ هذا الشيخ لم يرو أحد منهم الحديث عنه إلا راو واحد .

ومن مثاله : ما رواه عيسى بن موسى غُنْجارٌ ، عن أبي حمزة السكري ، عن الأعمش ، عن أبي أيوب السَّختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسموا العنب الكرْم )

قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا أبو حمزة السكري .

فانظر كيف تفرد أبو حمزة السكري برواية هذا الحديث عن الأعمش ، فكان تفرده بالنسبة لشيخه الأعمش ، وليس تفردا مطلقا ، فقد روي الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:45
هل ورد أن الله أمر بإدخال رجل النار فقال : ما كان هذا ظني بك يارب ؟

السؤال

هل ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يأمر الملائكة بإدخال رجل النار ، فيقول هذا الرجل : ( ما كان هذا ظني بك يا رب ) فيأمر الله بأن يدخلوه الجنة ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

لعل الحديث المشار إليه هو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إن عبدا في جهنم ينادي ألف سنة : يا حنان ! يا منان ! فيقول الله تبارك وتعالى : يا جبريل اذهب فأتني بعبدي هذا ، فيذهب فيجد أهل النار منكبين على وجوههم يبكون

فيرجع إلى ربه فيخبره فيقول : اذهب فأتني بعبدي . فيقول : هو في موضع كذا وكذا ، فيذهب فيجيء به ، فيوقف بين يدي الله تعالى ، فيقول : عبدي كيف وجدت مكانك

وكيف وجدت مقيلك ؟ فيقول : يا رب شر مقيل وشر مكان . فيقول : ردوا عبدي . فيقول : يا رب ! ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تعيدني إليها . فيقول : دعوا عبدي )

رواه أحمد في " المسند " (21/99) طبعة مؤسسة الرسالة ، وابن أبي حاتم في " التفسير " (9/2935) ، وابن خزيمة في " التوحيد " (2/749-750)

وابن أبي الدنيا في " حسن الظن بالله " (110)، والبيهقي في في " شعب الإيمان " (1/500) وغيرهم :

من طرق عن سلام بن مسكين ، عن أبي ظلال ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به مرفوعا.

قلنا :

وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب أبي ظلال ، واسمه هلال بن أبي هلال عامة المحدثين على ضعفه ونكارة حديثه .

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" هذا حديث ليس بصحيح " انتهى.

" الموضوعات " (3/267)

وقال الألباني رحمه الله :

" ضعيف جدا " انتهى.

" السلسلة الضعيفة " (1249)

وقد روي هذا المعنى أيضا عن بلال بن سعد ، من قوله :

( يأمر الله تعالى بإخراج رجلين من النار ، قال : فيخرجان بسلاسلهما وأغلالهما ، فيوقفان بين يديه ، فيقول : كيف وجدتما مقيلكما ومصيركما ؟ فيقولان : شر مقيل ، وأسوأ مصير

. فيقول بما قدمت أيديكما وما أنا بظلام للعبيد . فيأمر بهما إلى النار ، فأما أحدهما فيمضي بسلاسله وأغلاله حتى يقتحمها ، وأما الآخر فيمضي وهو يتلفت ، فيأمر بردهما

فيقول للذي غدا بسلاسله وأغلاله حتى اقتحمها : ما حملك على ما فعلت وقد اختبرتها ؟ فيقول : يا رب قد ذقت من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانيا .

ويقول : للذي مضى وهو يتلفت ما حملك على ما صنعت ؟ قال : لم يكن هذا ظني بك يا رب . قال : فما كان ظنك ؟ قال : كان ظني حيث أخرجتني منها أنك لا تعيدني إليها .

قال : إني عند ظنك بي ، وأمر بصرفهما إلى الجنة )

رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (5/226)

قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا الوليد بن أبان ، ثنا أبو سعيد الدشتكي ، ثنا سليمان بن منصور بن عمار – هكذا في المطبوع ولعل الصواب سليم بن منصور -

ثنا أبي ، ثنا الهقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن بلال بن سعد به .

وهذا إسناد ضعيف أيضا ، بسبب منصور بن عمار

جاء في ترجمته في " ميزان الاعتدال " (4/187)

" قال أبو حاتم : ليس بالقوي . وقال ابن عدي : حديثه منكر . وقال الدارقطني : يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها " انتهى.

إضافة إلى أن بلال بن سعد من الطبقة الوسطى من التابعين ، كان قاصا مكثرا من القصص ، وهو وإن حكم العلماء بتوثيقه ، لكنه لم يسند كلامه هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل منه حكايته هذه لعدم ثبوتها .

وقد روي نحو ذلك المعنى ، مختصرا عن الحسن البصري ، رحمه الله .

ينظر : "القول المسدد" ، للحافظ ابن حجر (35) .

والخلاصة : أنه لا يثبت شيء في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وينظر ، في حسن الظن بالله عز وجل ، جواب السؤال القادم

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:49
الخوف من التقصير يجعله يتردد من محبة لقاء الله

السؤال

أعرف أن الناس الحكماء هم الذين يذكرون أنفسهم دائما بالموت ، وأحب لقاء ربي ، ولكن خوفي من تقصيري في ترك الواجبات يجعلني في تردد من حب هذا اللقاء ، فأرجو منكم نصيحتي في هذا الشأن .

لجواب

الحمد لله

نصيحتنا لك في هذا الشأن أن تفرق بين خوفين :

1- الخوف من الله الذي يؤدي إلى تقوى الله في جميع الأعمال ، بالحرص على الطاعات ، واجتناب المحرمات ، والإكثار من نوافل العبادات ، والإحسان إلى الخلق : فهذا خوف محمود مأجور عليه بإذن الله .

2- الخوف من لقاء الله يأساً من رحمته ، وفرقا من عذابه ، من غير أن يكون لذلك أثر ظاهر في أخلاقك وأعمالك : فهذا خوف مذموم ، لا تنتفع به ، بل هو من وسواس الشيطان الذي يقنط عباد الله من رحمته .

فتأمل أخي الكريم في أي الخوفين من الله أنت ؟

ورغم أن المسلم مأمور بدوام خشية الله والخوف من عذابه ، إلا أنه مأمور أيضا أن يبقي في قلبه فسحة كبيرة من الأمل بالله ، ورجاء عفوه وإحسانه

رجاء يدفع إلى الطمع برحمة الله ولا يدفع إلى الكسل عن العمل الصالح أو الوقوع في المحرمات ، وهذه أحوال دقيقة يجب على كل مسلم أن يتعلمها ويعامل الله بها .

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ : ( لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه مسلم (2877) .

والله تعالى وسعت رحمته كل شيء وهو أرحم بنا من أمهاتنا وأبائنا ، ولهذا قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله :

" ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي ؛ فربي خير لي من والدي " انتهى .

وقال النووي رحمه الله :

" قال العلماء : معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه ، قالوا : وفى حالة الصحة يكون خائفاً راجياً ويكونان سواء ، وقيل : يكون الخوف أرجح

فإذا دنت أمارات الموت غلَّب الرجاء أو محَّضه ؛ لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال ، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال

فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له ، ويؤيده الحديث المذكور بعده : ( يبعث كل عبد على ما مات عليه )

ولهذا عقبه مسلم للحديث الأول ، قال العلماء معناه : يبعث على الحالة التي مات عليها ، ومثله الحديث الآخر بعده : ( ثم بعثوا على نياتهم ) " انتهى .

"شرح مسلم" (17/210) .

وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا بعنوان " باب الرجاء مع الخوف " ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه :

" قوله : " باب الرجاء مع الخوف " أي : استحباب ذلك ، فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف ، ولا في الخوف عن الرجاء ، لئلا يفضي في الأول إلى المكر ، وفي الثاني إلى القنوط ، وكل منهما مذموم .

والمقصود من الرجاء أنَّ مَن وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ، ويرجو أن يمحو عنه ذنبه ، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها ، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا غرور

وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي : من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل . ومن علامة الشقاء : أن تعصي وترجو أن تنجو .

وقد أخرج ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن عائشة قلت :

( يا رسول الله ! ( الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) أهو الذي يسرق ويزني ؟ قال : لا ، ولكنه الذي يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يقبله منه ) .

وهذا كله متفق على استحبابه في حالة الصحة ، وقيل : الأولى أن يكون الخوف في الصحة أكثر وفي المرض عكسه ، وأما عند الإشراف على الموت فاستحب قوم الاقتصار

على الرجاء لما يتضمن من الافتقار إلى الله تعالى ، ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر ، فيتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته ، ويؤيده حديث : ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ) .

وقال آخرون : لا يهمل جانب الخوف أصلا بحيث يجزم بأنه آمن .

ويؤيده ما أخرج الترمذي عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت ، فقال له : كيف تجدك ؟ فقال : أرجو الله وأخاف ذنوبي

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف ) .

ولعل البخاري أشار إليه في الترجمة ، ولما لم يوافق شرطه أورد ما يؤخذ منه ، وإن لم يكن مساويا له في التصريح بالمقصود " انتهى .

"فتح الباري" (11/301) .

ويقول ابن القيم رحمه الله :

" وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور ، وأن حسن الظن إن حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور

وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه جاذبا له على الطاعة زاجرا له عن المعصية فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ، ورجاؤه بطالة وتفريطا فهو المغرور " انتهى .

"الجواب الكافي" (ص/24) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

هل يجب على المؤمن عدم الخوف من الموت ؟ وإذا حدث هذا فهل معناه عدم الرغبة في لقاء الله ؟ .

فأجاب :

" يجب على المؤمن والمؤمنة أن يخافا الله سبحانه ويرجواه ؛ لأن الله سبحانه قال في كتابه العظيم : ( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/175

وقال عز وجل : ( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) المائدة/44 ، وقال سبحانه : ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) البقرة/40 ،

وقال عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ) البقرة/218 ،

وقال عز وجل : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) الكهف/110 ، في آيات كثيرة .

ولا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة اليأس من رحمة الله ، ولا الأمن من مكره ، قال الله سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53

وقال تعالى : ( وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) يوسف/87 ، وقال عز وجل : ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) الأعراف/99 .

ويجب على جميع المسلمين من الذكور والإناث الإعداد للموت ، والحذر من الغفلة عنه ؛ للآيات السابقات ، ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) - الموت - ؛

ولأن الغفلة عنه وعدم الإعداد له من أسباب سوء الخاتمة ، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

فقلت : يا نبي الله : أكراهية الموت ؟ فكلنا نكره الموت ، قال : ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه

وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه ) متفق عليه .

وهذا الحديث يدل على أن كراهة الموت والخوف منه لا حرج فيه ، ولا يدل ذلك على عدم الرغبة في لقاء الله ؛ لأن المؤمن حين يكره الموت أو يخاف قدومه يرغب في المزيد من طاعة الله والإعداد للقائه ،

وهكذا المؤمنة حين تخاف من الموت وتكره قدومه إليها إنما تفعل ذلك رجاء المزيد من الطاعات والاستعداد للقاء ربها " انتهى .

" فتاوى الشيخ ابن باز " (6/313) .

وحاصل الجواب : أن الخوف من الله والخوف من لقائه إذا كان الباعث عليه الخوف من التقصير في حقوق الله ، لا حرج فيه ، بل هو أمر ممدوح ،

وينبغي أن يكون دافعاً إلى الاستعداد لذلك اليوم بالعمل الصالح والتوبة النصوح واجتناب المعاصي .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 12:55
ما هو الحديث القدسي ، وكيف كان يتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال

كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقي الحديث القدسي ؛ عن طريق جبريل أو عن أي طريق ؟

الجواب

الحمد لله

الحديث القدسي وحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .

وقد اختلف الناس في الحديث القدسي : هل لفظه ومعناه من الله تعالى ، أم إن معناه من الله ولفظه من رسوله صلى الله عليه وسلم :

فاختار بعضهم أن الحديث القدسي ، لفظه ومعناه ، موحى من الله تعالى .

قال الزرقاني رحمه الله :

" الحديث القدسي الذي قاله الرسول حاكيا عن الله تعالى : فهو كلام الله تعالى أيضا ، غير أنه ليست فيه خصائص القرآن التي امتاز بها عن كل ما سواه .

ولله تعالى حكمة في أن يجعل من كلامه المنزل معجزا وغير معجز ، لمثل ما سبق في حكمة التقسيم الآنف من إقامة حجة للرسول ولدين الحق بكلام الله المعجز

ومن التخفيف على الأمة بغير المعجز ؛ لأنه تصح روايته بالمعنى وقراءة الجنب وحمله له ومسه إياه إلى غير ذلك .

وصفوة القول في هذا المقام : أن القرآن أوحيت ألفاظه من الله اتفاقا ، وأن الحديث القدسي أوحيت ألفاظه من الله على المشهور ، والحديث النبوي أوحيت معانيه ـ في غير ما اجتهد فيه الرسول ـ والألفاظ من الرسول .

بيد أن القرآن له خصائصه : من الإعجاز ، والتعبد به ، ووجوب المحافظة على أدائه ، بلفظه ونحو ذلك ، وليس للحديث القدسي والنبوي شيء من هذه الخصائص .

والحكمة في هذا التفريق أن الإعجاز منوط بألفاظ القرآن ، فلو أبيح أداؤه بالمعنى لذهب إعجازه وكان مظنة للتغيير والتبديل واختلاف الناس في أصل التشريع والتنزيل .

أما الحديث القدسي والحديث النبوي فليست ألفاظهما مناط إعجاز , ولهذا أباح الله روايتهما بالمعنى ، ولم يمنحهما تلك الخصائص والقداسة الممتازة التي منحها القرآن الكريم ,

تخفيفا على الأمة , ورعاية لمصالح الخلق في الحالين من منح ومنع , إن الله بالناس لرءوف رحيم "انتهى .

"مناهل العرفان" (1/37-38) .

واختار بعض أهل العلم القول الثاني ، وذهب إلى أن الحديث القدسي موحى من الله تعالى بمعناه ، دون لفظه :

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

وقد اختلفَ العلماءُ رحمهم الله في لَفْظِ الحديثِ القُدْسيِّ : هل هو مِن كلامِ الله تعالى أو أنّ الله تعالى أَوْحَى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم مَعْنَاه ؛ واللفظُ لَفْظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟ على قولينِ :

القول الأول : إنّ الحديثَ القُدْسيَّ مِن عند الله لَفْظُهُ ومعناهُ ، لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أضافهُ إلى الله تعالى ، ومِن المعلومِ أنّ الأصلَ في القولِ المضافِ أنْ يكونَ بِلَفْظِ قائِله لا ناقلِه

لا سيَّمَا أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقوى الناسِ أمانةً وأوثقهم روايةً .

القول الثاني: إنّ الحديث َ القُدْسِيَّ معناه مِن عند الله ، ولفظهُ لفْظُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الراجح .

ثم لو قيلَ : إنّ الأَوْلَى تركُ الخوضِ في هذا ، خوفًا مِن أنْ يكونَ مِن التنَطُّعِ الهالكِ فاعلُهُ ، والاقتصارُ على القول : بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ ما رواه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّهِ وكفى ، لكانَ كافيًا ، ولعلّه أَسْلَمُ والله أعلمُ " انتهى مختصرا .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (9/59-62) .

ومع أن الخلاف في المسألة سائغ ومشهور بين أهل العلم ، فالقول الأول ، وهو أن الحديث القدسي موحى بلفظه ومعناه ، أظهر وأولى .

قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله

" الحديث القدسي كلام الله لفظاً ومعنًى ، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه، أنه قال : قال الله تعالى قال في حديث أبي ذر

: " قال الله تعالى: إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظَّالموا " رواه مسلم .

وهو كلام الله لفظاً ومعنًى ، لكن يختلف عن القرآن : القرآن كلام الله لفظاً ومعنًى ، والأحاديث القدسية كلام الله لفظه ومعناه . لكن له أحكام خاصة تختلف

عن أحكام القرآن : القرآن لا يمسه إلا متوضئ والأحاديث القدسية يمسها غير المتوضئ ، القرآن يُتَعَبَّدُ بتلاوته والحديث القدسي لا يُتَعَبَد بتلاوته ، فله أحكام تختلف ...

ولو كانت الأحاديث القدسية معناها من الله ولفظها من الرسول لما صار هناك فرق بين الأحاديث القدسية وغيرها ، ولما أضاف النبي صلى الله عليه وسلم هذا إلى ربه

قال : قال الله ، عن ربه أنه قال ، فنسبه إلى الله ، أضافه إلى الله ، قال : " قال الله: إني حرمت الظلم على نفسي " انتهى .

وأيا ما كان الراجح من القولين ، فالقولين يتفقان على أن الحديث القدسي وحي من الله تعالى ، ولذلك ينسب إليه ، فيقال : قال الله تعالى ، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة ...

وإذا كان وحيا من الله تعالى ، فإن الوحي به يكون بنفس طرق الوحي الذي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الله تعالى :

( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الشورى/51 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله عز وجل ، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل

كما جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن رُوح القُدُس نفث في رُوعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" .

وقوله: أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ : كما كلم موسى عليه السلام ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم ، فحجب عنها .

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله: "ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا " الحديث

وكان أبوه قد قتل يوم أحد ، ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار الدنيا.

وقوله : أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ كما ينزل جبريل عليه السلام ، وغيره من الملائكة ، على الأنبياء عليهم السلام " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (7/217) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث : (إن الله قد كتب الحسنات والسيئات) :

" قَوْله : ( فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ ) : هَذَا مِنْ الْأَحَادِيث الْإِلَهِيَّةِ , ثُمَّ هُوَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَلَقَّاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِمَّا تَلَقَّاهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَك وَهُوَ الرَّاجِحُ " انتهى .

"فتح الباري" (11/323) .

ومن طرق تبليغ الرسالة إلى الرسل الكرام ، وإنزال الوحي عليهم : الرؤيا المنامية ، وهي داخلة في الوحي المذكور في قوله تعالى : ( إلا وحيا ) .

قالت أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ) .

رواه البخاري (4954) ومسلم (160) .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-10-31, 13:00
أقسام الحديث من حيث قائله

السؤال

السلام عليكم عندي استفسار عن بعض المصطلحات أتمنى أن توضحوها لي : في بعض المحاضرات الصوتية أسمع مثلاً : حديث مرفوع - مقطوع ؟

الجواب

الحمد لله

لعلماء الحديث تقسيمات عدة للأحاديث ، متنوعة بتنوع اعتبارات التقسيم ، وإحدى تلك الاعتبارات تقسيم الحديث من حيث قائله ، فيقولون :

يقسم الحديث من حيث قائلُه أو مَن أُسنِدَ إليه إلى أربعة أقسام :

الأول : الحديث القدسي :

هو ما نُقِلَ إلينا عن النبي صلي الله عليه وسلم مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل ، يقول فيه الراوي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل ، ونحو ذلك .

الثاني : الحديث المرفوع :

هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو صفة .

الثالث : الحديث الموقوف :

هو ما أضيف إلى الصحابي من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو صفة : يعني هو القول أو الفعل الذي يصدر عن الصحابي وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم .

مثاله قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (447) .

قال الخطيب البغدادي :

" الموقوف : ما أسنده الراوي إلى الصحابي ولم يتجاوزه " انتهى .

وزاد الحاكم شرط الاتصال وعدم الانقطاع

فقال رحمه الله : " أن يروى الحديث إلى الصحابي ، من غير إرسال ولا إعضال ، فإذا بلغ الصحابي قال : إنه كان يقول كذا وكذا ، وكان يفعل كذا وكذا ، وكان يأمر كذا وكذا " انتهى .

قد يستعمل مصطلح " الوقف " فيما جاء عن غير الصحابة ، لكن مقيداً ، فيقال مثلا : " هذا حديث وقفه فلان على الزهري ، أو على عطاء ، ونحو ذلك ، وكل منهما من التابعين أو أتباعهم .

الرابع : الحديث المقطوع :

وهو ما أضيف إلى التابعي من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو صفة . ويسمى : ( الأثر ) كذلك .

مثاله : قول مسروق بن الأجدع : ( كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه ) .

قال ابن الصلاح رحمه الله
:
" وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام ( الإمام الشافعي ) و ( أبي القاسم الطبراني ) وغيرهما " انتهى .

"مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث" (ص/28) .

ومن الكتب التي تكثر فيها الآثار الموقوفة والمقطوعة : كتاب " المصنف " لابن أبي شيبة ، وكتاب " المصنف " لعبد الرزاق الصنعاني ، وكتاب " جامع البيان في تأويل آي القرآن " للإمام الطبري

وكتب ابن المنذر ، وغيرها كثير .

وللتوسع في تقسيم الأحاديث على اختلاف الاعتبارات يمكن مراجعة

: "نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر (ص/21)

وانظر فوائد أخرى في : "فتح المغيث" للسخاوي (1/108-112)

" تحرير علوم الحديث " للدكتور عبد الله الجديع (1/25 فما بعدها)

" تيسير مصطلح الحديث " للدكتور محمود الطحان (ص/67) .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 15:42
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)


هل في البخاري ومسلم أحاديث من رواية الرافضة ؟

السؤال

هل هناك حديث في البخاري أو مسلم رواه شخص رافضي ؟

الجواب

الحمد لله

إن كان المقصود بالرافضي من يكفر الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويتبرأ منهما ، ويعتقد عقائد الكفر الموجودة في كثير من كتب الرافضة الاثني عشرية

فمثل هذا لا تقبل روايته ولا يعتد بها وليس له في الصحيحين رواية قطعاً .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان ، وأن عليا كان مصيبا في حروبه ، وأن مخالفه مخطئ ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما

وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا ، لا سيما إن كان غير داعية .

وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض ، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة " انتهى .

"تهذيب التهذيب" (1/81) .

وقال الإمام الذهبي رحمه الله :

" البدعة على ضربين : فبدعة صغرى : كغلو التشيع ، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة .

ثم بدعة كبرى ، كالرفض الكامل والغلو فيه ، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة .

وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا ، بل الكذب شعارهم ، والتقية والنفاق دثارهم ، فكيف يقبل نقل من هذا حاله ! حاشا وكلا .

فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو مَن تَكَلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضى الله عنه ، وتعرض لسبهم .

والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ، ويتبرأ من الشيخين أيضا ، فهذا ضال معثَّر " انتهى .

"ميزان الاعتدال" (1/5-6) .

أما إذا كان المقصود الرواة الشيعة الذين قدموا علي بن أبي طالب على عثمان ، أو على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين

من غير سب لهما ، ولا تبرؤ منهما ، ومن غير اعتقاد عقائد الكفر التي تنص عليها كثير من كتب الشيعة الاثني عشرية ، فمثل هؤلاء لهم أحاديث في الصحيحين وفي غيرهما

يقَبلُ المحدِّثُون حديثَهم إذا عُرفوا بالصدق والحفظ والأمانة

وقد جمع الحافظ ابن حجر في " هدي الساري " أسماء جميع من وُسِموا بالتشيع من رواة البخاري ، كما كتب جماعة من المعاصرين عن منهج صاحبي الصحيحين في التعامل مع الرواة الشيعة ، ومن تلك المراجع :

1- " منهج الإمام البخاري في الرواية عن المبتدعة من خلال الجامع الصحيح : الشيعة أنموذجا " كريمة سوداني ، مكتبة الرشد ، الرياض .

2- " منهج الإمامين البخاري ومسلم في الرواية عن رجال الشيعة في صحيحيهما " محمد خليفة الشرع ، جامعة آل البيت ، 2000م .

3- " دراسات في منهج النقد عن المحدثين " محمد العمري ، دار النفائس ، عمان ، 2000م ، فيه مبحث عن: البخاري والرواية عن أهل الابتداع ، ص105 – 109 .

4- " منهج النقد عند المحدثين " أكرم العمري ، ص39 .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 15:51
هل يبحث في عدالة الصحابة عند دراسة الأسانيد ؟

السؤال

سؤال: في علم الحديث النبوي الشريف ، هل ينظر إلى عدالة الرواة دون الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أم يبحث أيضا في عدالة الصحابي

وتطبق عليه الشروط التي وضعها علماء الحديث للتأكد من الحديث النبوي الشريف .

الجواب

الحمد لله

أولا:

إذا أردت البحث في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم – بمعنى توفر الدين والتقوى المانع من الكذب في الحديث - فما عليك إلا أن تفتح كتاب الله تعالى ، وتقرأ فيه العشرات من الآيات التي جاءت في تزكيتهم والثناء عليهم .

يقول سبحانه وتعالى:

( فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157

( لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/88-89

( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/100

( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ

أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الفتح/29

( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ .

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/8-9

( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ

وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) النساء/95

( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح/18

وكذلك فإن كتب السنة مليئة بالأحاديث التي جاءت في فضائل أعيانهم تارة ، وفضائل مجموعهم تارة أخرى ، وأسانيدها من أصح الأسانيد على وجه الأرض

ولا يخلو كتاب من كتب الجوامع والسنن والمسانيد والمعاجم منها ، وقد جمع بعض أهل العلم ما روي في فضائلهم مجلدات كثيرة ، يمكن الرجوع إليها ، فإن المقام لا يتسع هنا لذكرها .

إذن فعدالة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسجلة من السماء ، في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وإذا كانت عدالة الراوي تقبل بتزكية واحد من أهل الجرح والتعديل المعتدلين ، فمن باب أولى أن تقبل تزكية القرآن والسنة القطعية .

على أنا لو سلكنا في تقرير عدالة عامة الصحابة الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسلك النظر في صفاتهم وأحوالهم ، لوجدنا فيهم ما يستوجب الحكم بالعدالة والديانة

بغض النظر عن الآيات التي جاءت في تزكيتهم ، فالقرآن الكريم إنما هو كاشف عن عدالتهم وثقتهم ، وليس منشئا لها ، والعدالة تقوم في النفس أولا ، ثم تظهر في شهادة المزكين .

يقول الخطيب البغدادي:

" على أنّه لو لم يَرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان

واليقين القطع على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين ، هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى.

"الكفاية" (ص/49)

ثانيا :

إذا ثبت ما سبق تبين أن البحث في عدالة كل صحابي عند دراسة إسناد أي رواية إنما هو ضرب من العبث الذي لا طائل تحته ، فقد كفانا القرآن الكريم هذه المؤونة

كما كفانا العلماء هذا العمل ، وأثبتوا بالدراسات الاستقرائية التامة عدالة جميع من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، وخاصة المكثرين منهم .

ونحن ننقل هنا مجموعة من نصوص أهل العلم ، من المحدثين والحفاظ والفقهاء في هذا الشأن :

يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :

" لا فرق بين أن يسمي التابعُ الصاحبَ الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه ؛ لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات ، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث " انتهى.

"التمهيد" (22/47)

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله :

" ( باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة ، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم )

كل حديث اتصل إسناده بين مَن رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم : لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم

سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن " انتهى.

"الكفاية" (ص/46)

ويقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" الصحابة كلهم عدول ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه ، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله .

هذا مذهب أهل السنة ، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة .

وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم ، فيلزم البحث عن عدالتهم.

ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث. وهذا مردود " انتهى.

"الجامع لأحكام القرآن" (16/299)

ويقول الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله :

" للصحابة بأسرهم خصيصة ، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق مُعَدَّلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة

قال الله تبارك وتعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الآية . قيل : اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) .

وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ .

وقال سبحانه وتعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ) الآية ، وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة منها : حديث أبي سعيد المتفق على صحته

: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )

ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة .

ومن لابس الفتن منهم : فكذلك ، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم ، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة . والله أعلم " انتهى.

"مقدمة ابن الصلاح" (ص/171)

ويقول الإمام النووي رحمه الله :

" اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ، ورواياتهم ، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين " انتهى.

"شرح مسلم" (15/149)

وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي بكر الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل : إذا قال رجل من التابعين : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح ؟ قال : نعم .

وروى أيضا رحمه الله بسنده إلى الحسين بن إدريس قال : وسألته ـ يعني محمد بن عبد الله بن عمار ـ : إذا كان الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أيكون ذلك حجة ؟

قال : نعم ، وإن لم يسمه ؛ فإن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم حجة " انتهى.

"الكفاية" (ص/415)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 15:54
سبب وجود الأحاديث الضعيفة في كتب بعض العلماء

السؤال

ما أسباب وجود أحاديث ضعيفة في كتب المتقدمين كابن تيمية وابن القيم وابن رجب رحمهم الله ؟

وكيف نتعامل معها ؟

الجواب

الحمد لله

تنقسم الأحاديث الضعيفة – من حيث جزمنا بردها وضعفها -

إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول :

أحاديث يجزم بردها وكذب نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم : وهي نوعان
:
1- أحاديث جاءت من طريق الرواة الكذابين والمتهمين ، أو شديدي الضعيف سيِّئِي الحفظ ، ويظهر في متنها نكارة لا يصدر مثلها عن النبي صلى الله عليه وسلم .

2- أو التي يُجزَم بخطئ راويها حين يخالف من هو أوثق منه أو أكثر عددا ، فيرفع الموقوف ، أو يسند المرسل ، أو يزيد وينقص في المتن أو الإسناد .

فهذه الأحاديث لا تكاد تجد منها شيئا في كتب أهل العلم المحققين إلا ما يذكرونه للتنبيه على وهنه ونكارته ، أما أن يكون في معرض الاستدلال والاستشهاد : فهذا لا يقع إلا نادرا على سبيل الوهم والخطأ .

القسم الثاني :

أحاديث ضعيفة بسبب وجود راو ضعيف أو مجهول محتمل الضعف ، أو بسبب انقطاع يسير ، مع عدم وجود نكارة في المتن مناقضة للثابت من الشريعة .

وهذا القسم لا يجزم العلماء برده وتكذيب نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يعتبرون احتمال صدوره عنه صلى الله عليه وسلم قائما ، إذ قد يحفظ الراوي الضعيف ويصيب

كما قد يكون الراوي الساقط من الإسناد أو الراوي المجهول ثقة ، فتجدهم يحكمون بقبول الحديث إذا اجتمعت بعض القرائن التي تقوي هذين الاحتمالين كتعدد الطرق ومجيئه من غير وجه .

يقول ابن الصلاح في "المقدمة" (ص/9) :

" إذا قالوا في حديث : إنه غير صحيح ، فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر ، إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر ، وإنما المراد به : أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور " انتهى .

ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/75-76) :

" ( وإذا قيل ) هذا حديث ( غير صحيح ) : فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور ، لا أنه كذب في نفس الأمر ، لجواز صدق الكاذب ، وإصابة مَن هو كثير الخطأ " انتهى .

فإذا وجد أهل العلم أنَّ ضعفَ الحديث المعيَّن ضعفٌ محتملٌ ، ورأوا في متنه معنًى مقبولا في جملة الشريعة ، لم يتورعوا – في الغالب – عن ذكره وتدوينه استئناسا وليس استدلالا

فهم متفقون على أن الاستدلال على الأحكام الشرعية يجب أن يكون بالحديث الصحيح ، ولكنهم يستأنسون بهذا القسم من الضعيف في أبواب القصص والرقائق والسير والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال ونحوها .

فيمكن تلخيص أسباب ذكر العلماء هذه الأحاديث الضعيفة في كتبهم بما يلي :

1- اعتبار احتمال ظهور صدقها وصحتها ببعض الشواهد والطرق والمتابعات ، فيستأنسون بمعانيها في تلك الأبواب إذا كانت مقبولة في الجملة .

2- تقليد من سبقهم من أهل العلم ، ممن أخرج الحديث وبوب عليه في مصنفات السنة ولم يحكم برده وتكذيبه ، فيوكلون العهدة عليه .

3- وفي كثير من الأحيان يصحبون ذكر هذه الأحاديث ببعض ما يدل على ضعفها ، كالتصريح بالضعف ، أو ذكرها بصيغة التمريض : رُوي ، حُكي ، وجاء في الحديث...ونحوها .

القسم الثالث :

أحاديث مختلف فيها ، مترددة بين القسمين السابقين ، وبين قسم الحديث الحسن والمقبول ، فيكون ذكر أهل العلم لها في كتبهم من باب اعتبار هذا الخلاف ، أو ترجيح قبول الحديث أو على الأقل عدم الجزم برده .

هذا واحتمال الخطأ وارد في كل ذلك ، فالعلماء وإن اتسعت معارفهم فذلك لا يثبت العصمة لهم ، فقد يذكر الحديث الضعيف ظنا منه أنه صحيح

وإذا كان الخطأ قد وقع لأئمة السنة أصحاب المصنفات والسنن والجوامع ، فوقوعه فيمن بعدهم من العلماء أولى وأقرب .

يقول الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/447) :

" فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة ، إما لذهول عن ضعفها ، وإما لقلة معرفة بالنقد " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 15:58
الحديث القدسي المشهور (خلقتك للعبادة فلا تلعب)

السؤال

أسأل فضيلتكم عن مدى صحة الحديث القدسي التالي : ( يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب , وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب , فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ ، وكُنتَ عِندِي مَحمُوداً

, وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا ) .

الجواب

الحمد لله

أولا :

الذي يظهر أن هذا الكلام منقول عن بعض كتب بني إسرائيل ، نقله كعب الأحبار أو غيره ، فنسبه بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمدا .

إذ لم يرد هذا الحديث في شيء من كتب السنة ، ولم يرد بسندٍ حتى ينظر في صحته أو ضعفه ، فلا يجوز الجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وكل من نقله أو ذكره في كتابه إنما ينسبه لآثار بني إسرائيل أو التوراة

كما فعل ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/52)

وابن القيم في "الجواب الكافي" (ص/141)

وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/426) .

وقال الأبشيهي في "المستطرف" من كتب النوادر والأدب (1/153) :

" روي أن هذه الكلمات وجدها كعب الأحبار مكتوبة في التوراة فكتبها ، وهي : ...- فذكر رواية أطول من المذكور في السؤال " انتهى .

وقد حكم الشيخ ابن عثيمين عليه بقوله : " غير صحيح " ، كما في "الفتاوى الصادرة من مركز الدعوة بعنيزة" (3/63)

ثانيا :

يغني عن هذا الأثر ، الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ! تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى ، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ

وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً ، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ ) رواه الترمذي (2466) وحسنه ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/262) ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (16/284) والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1359) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 16:05
أحاديث المفاضلة بين العلماء والشهداء

السؤال

ما صحة هذا الحديث : ( مداد حبر العالم أقدس من دم الشهيد ) ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الأحاديث الواردة في تفضيل العلماء على الشهداء ، أو تفضيل مداد العالم على دم الشهيد جاءت عن جماعة من الصحابة ، ولكن بأسانيد واهية وبطرق شديدة الضعف أو موضوعة : نذكرها هنا باختصار :

1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه : يرويه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/150)، وفي إسناده إسماعيل بن أبي زياد ، قال عنه ابن حبان : دجال .

ولذلك ضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (ص/5)

2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : يرويه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1718)

والديلمي في "مسند الفردوس" ، وفي إسناده إسماعيل بن أبي زياد السابق أيضا . ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/81) من طريق أخرى وقال :

" وهذا لا يصح ، قال أحمد بن حنبل : محمد بن يزيد الواسطي لا يروي عن عبد الرحمن بن زياد شيئا ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات " انتهى.

3- عن ابن عمر رضي الله عنهما : يرويه الديلمي في "مسند الفردوس" ، وفي إسناده إسحاق بن القاسم وأبوه : لا يعرفان . ويرويه الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/193)

ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/80) وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الخطيب : رجاله كلهم ثقات غير محمد بن الحسن ، ونراه مما صنعت يداه " انتهى.

4- عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما : يرويه السهمي في "تاريخ جرجان" (ص/91، 222)

وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/81)

وقال : " هذا لا يصح : أما هارون بن عنترة فقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به ، يروي المناكير التي يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها . ويعقوب القُمِّي : ضعيف " انتهى.

5- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : يرويه الرافعي في "تاريخ قزوين" (3/481)

، وفي إسناده عبد الملك بن مسلمة : يروي المناكير ، وكذلك فيه عبد الله بن لهيعة .

6- عن عمران بن حصين رضي الله عنه : أخرجه المرهبي في "فضل العلم" – كما نقل ذلك السيوطي في "الدر المنثور" (3/423) – ، وهو في "جزء ابن عمشليق" (ص/44) بإسناده .

وفيه أحمد بن محمد بن القاسم مؤذن طرسوس لم أقف له على ترجمة .

7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه : يرويه ابن النجار عنه كما ذكر ذلك السيوطي ، وذكره في "لسان الميزان" (5/225) من طريق : جراب الكذاب .

8- عن ابن عباس رضي الله عنهما : أخرجه في "جزء ابن عمشليق" (ص/45) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهذا إسناد واهٍ بمرة .

9- عن أبي هريرة رضي الله عنه : يرويه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص/181) وفي إسناده المظفر بن الحسين شيخ السمعاني لم أقف له على ترجمة.

وخلاصة الكلام أن الحديث لا يصح ، قال فيه الخطيب البغدادي : موضوع ، وقال الإمام الذهبي رحمه الله: "متنه موضوع " انتهى. "ميزان الاعتدال" (3/517)، وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص/17)

والعامري في "الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث" (ص/203) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (حديث رقم/4832): " وهو الذي يميل إليه القلب "

انتهى. يعني أنه موضوع . وكذا قال الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (3/698)

ثانيا :

الذي يظهر أن ما ورد من الفضائل لدم الشهيد ، في حد ذاته ، لم يرد مثله في مداد العلماء ، بل لا نعلم حديثا صحيحا في فضل مداد العلماء في نفسه ، فضلا عن تفضيله على دم الشهيد

وأما دم الشهيد فقد ثبت فيه أن يأتي يوم القيامة : اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ، وأن الشهيد يغفر له بأول قطرة منه .. ، إلى آخر ما ورد في ذلك ، لكن هذا شيء ، وتفضيل الشهيد نفسه على العالم شيء آخر .

قال المناوي رحمه الله :

" والإنصاف أن ما ورد للشهيد من الخصائص ، وصحَّ فيه من دفع العذاب ، وغفران النقائص : لم يرد مثله للعالم لمجرد علمه ، ولا يمكن أحدا أن يقطع له به في حكمه ، وقد يكون لمن هو أعلى درجة ما هو أفضل من ذلك .

وينبغي أن يعتبر حال العالم وثمرة علمه وماذا عليه ، وحال الشهيد وثمرة شهادته وما أحدث عليه ، فيقع التفضيل بحسب الأعمال والفوائد ، فكم من شهيد وعالم هون أهوالا

وفرج شدائد ، وعلى هذا فقد يتجه أن الشهيد الواحد أفضل من جماعة من العلماء ، والعالم الواحد أفضل من كثير من الشهداء ، كل بحسب حاله وما ترتب على علومه وأعماله " انتهى.

"فيض القدير" (6/603)

وقال ابن القيم رحمه الله :

" هذه – تفضيل مداد العلماء على دم الشهداء ، وعكسه - المسألة كثر فيها الجدال ، واتسع المجال ، وأدلى كل منهما بحجته ، واستعلى بمرتبته .

والذي يفصل النزاع ويعيد المسألة إلى مواقع الإجماع :

الكلام في أنواع مراتب الكمال .

وذكر الأفضل منهما .

والنظر في أي هذين الأمرين أولى به وأقرب إليه ؟

فهذه الأصول الثلاثة تبين الصواب ، ويقع بها فصل الخطاب .

فأما مراتب الكمال فأربع : النبوة ، والصديقية ، والشهادة ، والولاية .

وقد ذكرها الله سبحانه في قوله : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما )

فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة ، ويليها الصديقية ، فالصديقون هم أئمة أتباع الرسل ، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة .

فإن جرى قلم العالم بالصديقية ، وسال مداده بها ، كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يلحقه في رتبة الصديقية .
وإن سال دم الشهيد بالصديقية

وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها. فأفضلهما صِدِّيقهما .

فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة ، والله اعلم .

والصديقية : هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علما وتصديقا وقياما ، فهي راجعة إلى نفس العلم ، فكل من كان أعلم بما جاء به الرسول

وأكمل تصديقا له : كان أتم صديقية. فالصديقية شجرة ، أصولها العلم ، وفروعها التصديق ، وثمرتها العمل .

فهذه كلمات جامعة في مسألة العالم والشهيد ، وأيهما أفضل ؟! " انتهى.

"مفتاح دار السعادة" باختصار (1/297-299)

وهذا التفصيل – في ظننا – أولى وأقرب من الجزم في المفاضلة بين العلم والشهادة كعملين مجردين كما جرى إطلاقه لدى كثير من العلماء .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 16:09
أهمية التحري في نقل ورواية الأحاديث

السؤال

ذكرت لأحد الأصدقاء حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم وعندما تركته اكتشفت أني ذكرته بصيغة خاطئة كأن أقول مثلا : ( من قال لأخيه : يا كافر فقد كفر ) وكان ذلك بغير قصد مني ، فهل علي إثم في ذلك ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

الناقل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يتحرى الدقة ، فينقل اللفظ كما هو ، أو ينقل المعنى نقلا صحيحا ، حتى لا ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله .

وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من يبلغ حديثه كما هو ، فقال : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ) رواه الترمذي (2657)

وأبو داود (3660) وابن ماجه (230) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

قال ابن كثير رحمه الله في رواية الحديث بالمعنى

: " وأما روايته الحديث بالمعنى: فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى: فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة.

وأما إذا كان عالماً بذلك ، بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها ، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك : فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً ، وعليه العمل

كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها ، فإن الواقعة تكون واحدة ، وتجيء بألفاظ متعددة ، من وجوه مختلفة متباينة .

ولما كان هذا قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث، منع من الرواية بالمعنى طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء الأصوليين، وشددوا في ذلك آكد التشديد.

وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع، ولكن لم يتفق ذلك. والله أعلم.

وقد كان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس رضي الله عنهم يقولون - إذا رووا الحديث - : " أو نحو هذا " ، أو " شبهه " ، " أو قريباً منه ""

انتهى من "الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث" .

ثانيا :

قد أخطأت فيما نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لم يقل : ( من قال لأخيه : يا كافر فقد كفر ) وإنما بين صلى الله عليه وسلم أن من قال لأخيه يا كافر

: إما أن يكون محقا فلا يلحقه شيء ، وإما أن لا يكون أخوه كذلك فيرجع الكفر عليه .

روى البخاري (6104) ومسلم (60) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ : يَا كَافِرُ ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ) .

وعند أبي داود (4687) ( أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْفَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا ، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا ، وَإِلَّا كَانَ هُوَ الْكَافِرُ) .

وروى البخاري (6045) ومسلم (61) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ ) .

فينبغي أن تتحرى الدقة فيما تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونرجو أن يعفو الله عنك في خطئك الذي لم تتعمده .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 16:26
رواية الحديث بالمعنى

السؤال

أحيانا أنصح الآخرين عندما أراهم على خطأ وأبين لهم الأدلة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، ولكن أحيانا أنسى الأحاديث وأذكرها بصيغة مقاربة للصيغة الأصلية أو ذكر جزء من الحديث أو ذكر معناه

دون التعرض للمعنى الأصلي ، فهل هذا جائز أو يدخل في باب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأنا أحيانا أتراجع عن النصح خوفا من الوقوع في الخطأ

وأن أضل نفسي وغيري والعياذ بالله من الضلال ، وبماذا تنصحوني في مثل هذه الحالة ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً :

قيام الإنسان بالدعوة إلى الله هذا من أجل الأعمال وأسماها عنده سبحانه وتعالى ، كيف لا ، وهي وظيفة من اصطفاهم الله من خلقه من الأنبياء والرسل ، ومن ورث منهجهم من العلماء والدعاة

قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف /108 .

وقد امتدح الله سبحانه من سلك تلك الطريق بقوله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت /33 .

لكن يشترط فيمن تصدَّر لدعوة الناس إلى شيء من أمر الدين أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه

ولا يشترط أن يكون عالما بالدين كله ؛ لما روى البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" : " و قال في الحديث : ( ولو آية ) ، أي : واحدة ، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ، ولو قَلَّ ، ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يشار إليه ، أو طالب علم مُجِدٍّ في طلبه ، أو عامياً لكنه علم المسألة علماً يقيناً ..

فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( بلغوا عني ولو آية ) ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغاً كبيراً في العلم ، لكنه يشترط أن يكون عالماً بما يدعو إليه

أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناء على عاطفة عنده فإن هذا لا يجوز " انتهى .

"فتاوى علماء البلد الحرام" ص 329 .

ثانياً :

يجوز للإنسان أن يروى الحديث بمعناه عند جمهور أهل العلم ، لمن كان عارفاً باللغة ، ويأمن من اللحن وتغيير المعنى الذي به يتغير الحكم ، وأن لا يكون ذلك التغيير في الألفاظ المتعبد بها كالأذكار والأدعية المأثورة .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

" رواية الحديث بالمعنى ، معناه : نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه .

وهو يجوز بشروط ثلاثة :

1 - أن تكون مِنْ عارفٍ بمعناه : من حيث اللغة ، ومن حيث مراد المروي عنه .

2 - أن تدعو الضرورة إليها ، بأن يكون الراوي ناسياً للفظ الحديث حافظاً لمعناه ، فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره ، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته .

3 - أن لا يكون اللفظ متعبداً به : كألفاظ الأذكار ونحوها " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" .

فعلى هذا ؛ لا بأس أن تروي الحديث بالمعنى إذا لم تكن حافظاً لفظه ، شريطة أن لا يكون في كلامك تغيير للمعنى المقصود من الحديث .

وأخيراً ، نشكر لك اهتمامك بنصح إخوانك المسلمين ، ونبشرك إذا أخلصت النية لله تعالى بالثواب الجزيل .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 16:34
بيان في شأن انتشار الأدعية المبتدعة

السؤال

أود منكم نصيحة في قضية انتشرت في شبكة الإنترنت ، وهي كتابة أحاديث موضوعة وأدعية مبتدعة في المنتديات وغيرها ، مما لا نعلم فيها أهي صحيحة أو ضعيفة

مما زاد من تأثر الناس بها ، وتداولها ، وانتشارها ، أيضا في رسائل الجوال . ومن هذا : أنني قرأت في أحدها..دعاء هز السماء : " يا ودود يا ودود ، يا ذا العرش المجيد

يا مبدئ يا معيد ، يا فعالا لما يريد ، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك ، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك ، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء

لا إله إلا أنت ، يا مغيث أغثني " وبعدها قرأت بأنه مبتدع ولا يجوز ، وأيضا هناك الكثير انتشر ..

. ماذا علينا أن نعمل إذا قرأنا مثل هذه الأحاديث في زمن كثرت فيه الفتن ؟

أرجو منكم إسداء النصيحة لكي أنشرها بين المنتديات ، ونحد من مثل هذه الأخطاء . لا تنسوا الدعاء لي بظهر الغيب ، وأن يوفقني في دراستي

وأن يفرج همومنا ، ويصلح ذرياتنا ، ويجعلهم على الهدى ودين الحق ، وأن يشفي مرضنا وعامة المسلمين . باركم الله فيكم ، ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين ، وجزاكم الله الفردوس الأعلى من الجنة .

الجواب

الحمد لله

قد رأينا – وللأسف – في السنوات الأخيرة انتشارا خطيرا لمعصية شنيعة ، هي من كبائر الذنوب ، ومهلكات المعاصي ، تهاون بها كثير من الناس

فأفسدوا بذلك في الدين ، وتطاولوا على مقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم

هذه الظاهرة تتمثل في انتشار الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والجرأة العظيمة في التحديث عنه صلى الله عليه وسلم من غير تَحَرٍّ ولا تَثَبُّت .

ولذلك كان لزاما علينا وعلى كل مسلم غيور على دينه أن نذكر الناس ونبلغهم خطورة ما يتساهلون به ، ونحذرهم ما بلغ بهم الحال ، نصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين .

فنقول :

أولا :

إن واجبنا – أيها الإخوة الكرام – هو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحقيق محبته بحسن اتباعه ، والمحافظة على نقاء شريعته - في زمن تطاول فيه السفهاء والحاقدون على مقامه صلى الله عليه وسلم

- ولا شك أن من أعظم ما يُنصر به الدين ، ويُجَلُّ به الرسول الكريم هو الصدق في نقل أقواله وأخباره ، ونفي الكذب الذي يحكى على لسانه ، فإننا إذ نعلم أن لا أحد يَقبل أن يُحكى على لسانه ما لم يقل

أو ينقل عنه ما لم ينطق به ، فما هو الظن برسولٍ يوحى إليه من عند الله تبارك وتعالى ، وشريعتُه شريعة خالدة جاءت لتصلح أمر العباد إلى يوم القيامة

لا شك أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الناس كراهية أن يُكذب عليه ، ولذلك روى عنه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال : ( إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ

فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (رقم/4) وقد بوب الحافظ ابن حبان على حديث أبي هريرة بمعنى هذا الحديث بقوله

( فصل : ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته )

ووالله إن المسلم ليعجب حين يجد في الناس من يتوقى جُهدَهُ الوقوعَ في المعاصي الظاهرة ، من غش أو غيبة أو سرقة أو زنا

ثم يتساهل في هذا الأمر ، يحسبه هينا وهو عند الله عظيم ، فتجده يحفظ الأحاديث المكذوبة ، ويحكيها في المجالس والمواقع ، ولا يتكلف عناء السؤال عنها ، ولا يتثبت من صحتها .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 16:35
ثانيا :

ليعلمْ كل من نشر حديثا من غير تثبت من صحته – سواء برسالة في الجوالات ، أو في منتديات ( الإنترنت ) ، أو نقله من موقع إلى آخر ، أو أرفقه في رسالة – أنه يستحق بذلك العذاب والنكال في الآخرة

هو والذي كذب الحديث وصنعه أول مرة ، فإن جرم الناقل للكذب من غير تثبت كجرم الكاذب الذي تجرأ على مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى – أي : يظن - أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَِيْنَ )

رواه مسلم في مقدمة صحيحه (ص/7) .

وقال النووي في شرح هذا الحديث "شرح مسلم" (1/65) :

" فيه تغليظ الكذبِ والتعرضِ له ، وأن من غلب على ظنه كذب ما يرويه فرواه كان كاذبا ، وكيف لا يكون كاذبا وهو مخبر بما لم يكن " انتهى .

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (32-34) :

" لقد جرى كثير من المؤلفين - ولا سيما في العصر الحاضر - على اختلاف مذاهبهم واختصاصاتهم على رواية الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن ينبهوا على الضعيفة منها

جهلا منهم بالسنة ، أو رغبة ، أو كسلا منهم عن الرجوع إلى كتب المتخصصين فيها .

قال أبو شامة – في "الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص/54) - :

" وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ ، بل ينبغي أن يبين أمره إن علم ، وإلا دخل تحت الوعيد في قوله صلى الله عليه وسلم

: ( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) رواه مسلم " اهـ

هذا حكمُ من سكت عن الأحاديث الضعيفة في الفضائل ! فكيف إذا كانت في الأحكام ونحوها !؟

واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين :

1 - إما أن يعرف ضعف تلك الأحاديث ولا ينبه على ضعفها ، فهو غاش للمسلمين ، وداخل حتما في الوعيد المذكور

. قال ابن حبان في كتابه "الضعفاء" (1/7-8) :

" في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مما تُقُوِّل عليه وهو يعلم ذلك ، يكون كأحد الكاذبين

على أن ظاهر الخبر ما هو أشد قال صلى الله عليه وسلم : ( من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب . . ) ولم يقل : إنه تيقن أنه كذب ، فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر "
.
2 - وإما أن لا يعرف ضعفها ، فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم دون علم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (رقم/5)

فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه قد أشار صلى الله عليه وسلم أن من حدث بكل ما سمعه

- ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا محالة ، فكان بسبب ذلك أحد الكاذِبَيْن : الأول : الذي افتراه . والآخر : هذا الذي نشره !

قال ابن حبان أيضا (1/9) :

" في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته " اهـ

وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا ، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا "

انتهى النقل عن الشيخ الألباني رحمه الله .

*عبدالرحمن*
2018-11-03, 16:36
ثالثا :

يعظم خطر ما يقع به هؤلاء الناس – الذين ينشرون الأحاديث من غير تثبت ولا تبين – حين ينتشر ما يفترونه في الآفاق ، فيقرؤه ( ملايين ) البشر ، وتتناقله الأجيال أزمنة طويلة ، فيتحمل هو ومن ساعده في نشرها الإثم إلى يوم القيامة .
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي.. قَالَا : الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (6096)

رابعا :

نحن لا نملك – إزاء كل هذا الوعيد – إلا أن نُذَكِّرَ أنفسنا وإخواننا المسلمين بتقوى الله في ديننا وشريعتنا ، فلا نكون معاولَ هدم وإفساد ، فإن انتشار الأحاديث المكذوبة من أعظم عوامل فساد الدين

وما هلك اليهود والنصارى إلا حين افتروا على الله ورسله الكذب ، ونسبوا إلى شرائعهم ما لم تأت به الرسل ، فاستحقوا بذلك غضب الله ومقته .

فهل يريد هؤلاء المتساهلون في نشر الأحاديث من غير تثبت أن يلحقوا بمن غضب الله عليهم ولعنهم ؟!

وهل يرضى أحد أن يكون أداة تنشر ما يفسد ، وعونا للزنادقة الذين يكذبون على شريعتنا ونبينا ؟!!

أم هل يسعى من يقوم بنشر الأحاديث من غير تثبت إلى التشبه بطوائف الكذب والضلال كالرافضة الذين ملؤوا الدنيا بكذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته ؟!

وهل يعلم هؤلاء أن صلاتهم وصيامهم وعبادتهم - قد - لا تغني عنهم عند الله شيئا ، ولا تدفع عنهم عار ذلك الكذب وإثمه ، إن هم شاركوا في نشر هذه الأحاديث الباطلة ؟!

فرب معصية يتهاون بها صاحبها تهوي به في النار وتكون سببا في شقائه .

يقول أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي :

" قال شيخنا أبو الفضل الهمداني : مبتدعة الاسلام والواضعون للأحاديث أشد من الملحدين ؛ لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج ، وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل ، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله

والملحدون كالمحاصرين من خارج ، فالدخلاء يفتحون الحصن ، فهو شر على الإسلام من غير الملابسين له "

انتهى .

نقلا عن "الموضوعات" لابن الجوزي (1/51)

خامسا :

وبعد ذلك كله يأتيك من يعتذر عن إفساده ونشره الأحاديث المكذوبة بقول : الأحاديث الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال .

ألا فليعلم أن هذا من تلبيس الشيطان ، ومن الجهل المركب ، يعتدي به قائله

ويتحمل به وزرا على وزر ، فإن هذه القاعدة التي يذكرها بعض أهل العلم إنما يذكرونها مشروطة بشروط عدة ، ليت من يأخذ بها يلتزم هذه الشروط ، وهي :

1- أن يتعلق الحديث بفضائل الأعمال مما له أصل في الشريعة ، وليس بالعقائد أو الأحكام أو الأخبار التي ينبني عليها فقه وعمل ، بل وليس بفضائل الأعمال التي ليس لها أصل في الشريعة .

2- ألا يكون شديد الضعف : فالحديث الموضوع والمنكر لا يجوز روايته ولا العمل به باتفاق أهل العلم .

3- ألا يعتقد نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

4- أن يصرح من ينقل هذا الحديث بضعفه ، أو يشير إلى ضعفه باستعمال صيغة التمريض :

يُروَى ، ويُذكَرُ..ونحو ذلك .

( هذه الشروط مستخلصة من كلام الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (3-4) ونقل بعضها عن العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد )

إذن ، لم يقصد أهل العلم القائلون بهذه القاعدة تجويز ما يقوم به هؤلاء الذين ينشرون في المنتديات كل حديث وكل رواية ، صحيحة أو مكذوبة أو ضعيفة .

يقول الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (36) :

" ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء - فضلا عن العامة - متساهلين بهذه الشروط ، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه

وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره ، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به ، ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثا صحيحا

ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين ، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد " انتهى
.
سادسا :

إذا تاب العبد من نشر الأحاديث المكذوبة ، أو علم حرمة ما قام به بعد أن كان جاهلا بالحكم ، فباب التوبة مفتوح ، ولكنه مشروط بالبيان بعد الكتمان ، والإصلاح بعد الإفساد .

يقول الله تعالى : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/160

لذلك ينبغي على كل مسلم أن ينشر الأحاديث الصحيحة بدلا من المكذوبة الموضوعة

وكُتبُ السنة الصحيحة مليئةٌ - بفضل الله - بالأحاديث الثابتة التي لو قضى المرء عمره في حفظها وفهمها ما كاد يحيط بها

ويكفيه في ذلك أن يجد عالما من علماء الحديث قد حكم على الحديث بالصحة والقبول ، فيقبله منه وينشر الحديث مع حكم ذلك العالم عليه .

وأما من كان وقع في نشر الأحاديث الواهية فعليه أن ينشر بيانات العلماء في حكمها ، وفي موقعنا العديد من الإجابات على أحاديث ضعيفة منتشرة في المنتديات ، يمكنه الاستفادة منها .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

النسر15
2018-11-03, 19:30
يعظم خطر ما يقع به هؤلاء الناس – الذين ينشرون الأحاديث من غير تثبت ولا تبين – حين ينتشر ما يفترونه في الآفاق ، فيقرؤه ( ملايين ) البشر ، وتتناقله الأجيال أزمنة طويلة ، فيتحمل هو ومن ساعده في نشرها الإثم إلى يوم القيامة .


ياله من خطر يداهم شباب هذه الامة

شكرا لك

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 16:38
يعظم خطر ما يقع به هؤلاء الناس – الذين ينشرون الأحاديث من غير تثبت ولا تبين – حين ينتشر ما يفترونه في الآفاق ، فيقرؤه ( ملايين ) البشر ، وتتناقله الأجيال أزمنة طويلة ، فيتحمل هو ومن ساعده في نشرها الإثم إلى يوم القيامة .


ياله من خطر يداهم شباب هذه الامة

شكرا لك

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه


بارك الله فيك

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 16:46
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

التصحيف والتحريف

السؤال

ما الفرق بين الحديث المصحف والحديث المحرف ؟

الجواب

الحمد لله

يقول الإمام السخاوي في تعريف التصحيف :

" هو تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى غيرها "

انتهى . " فتح المغيث " (3/72)

وهذا من أحسن التعاريف وأشملها لجميع الصور التي يذكرها العلماء في التصحيف ، فإن العلماء أطلقوا التصحيف على العديد من الصور ، وهي
:
1- تغيير في حروف الكلمة مما تختلف فيه صورة الخط : مثاله :

قال الشافعي :

" صحف مالك في عمر بن عثمان وإنما هو عمرو بن عثمان ، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك ، وفي عبد العزيز بن قرير وإنما هو عبد الملك بن قريب "

انتهى . " معرفة علوم الحديث " (150)

وقال أحمد :

" صحف شعبة ( مالك بن عرفطة ) إنما هو خالد بن علقمة " انتهى .

"معرفة علوم الحديث" (146)

2- تغيير في نقط أو شكل الكلمة مع بقاء صورة الخط : وهذا أكثر إطلاق المحدثين .

مثاله : تصحيف ابن معين العوام بن مراجم بالراء والجيم ، إلى مزاحم بالزاي والحاء .

"تدريب الراوي" (2/648)

3- قلب الاسم : قال الحاكم :

" سمعت أبا علي الحافظ يقول : صحف فيه أبو حنيفة ، لإجماع أصحاب الزهري على روايته عنه عن الربيع بن سبرة عن أبيه ( وهو إنما قال عن سبرة بن الربيع ) .

"معرفة علوم الحديث" (150)

4- إبدال لفظة مكان أخرى : مثاله :

روى الحاكم حديث المُحرِم الذي وقصته دابته وفيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( ولا تخمروا وجهه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) ثم قال

" ذكر الوجه تصحيف من الرواة لإجماع الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته عنه ( ولا تغطوا رأسه ) وهو المحفوظ "

انتهى . "معرفة علوم الحديث" (148)

5- إبدال راو بآخر : مثاله :

قال الحاكم : " صحف بقية بن الوليد في ذكر صفية ولم يتابع عليه ، والحديث عن جويرية " انتهى

"معرفة علوم الحديث" (32)

قال الحافظ العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/298) :

" وقد أطلق من صنف في التصحيف ، التصحيف على ما لا تشتبه حروفه بغيره ، وإنما أخطأ فيه راويه أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه " انتهى .

6- تغيير المعنى .

قال العراقي "التبصرة والتذكرة" (2/300-301) :

" ومن أمثلة تصحيف المعنى ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال :

ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة ، فهم منه تحليق الرؤوس ، وإنما المراد تحليق الناس حلقا " انتهى .

والناظر في كتب المحدثين يلحظ ما يلي :

- استعمال لفظة التصحيف أكثر من استعمال لفظة التحريف .

- أنه ليس ثمة فرق بين الاستعمالين ، بل هما لفظان مترادفان في استعمال المحدثين ولم يثبت التفريق بينهما في أي من الصور

بل إن الخطابي في كتابه "إصلاح غلط المحدثين" (12) أطلق على جميع أمثلته التي ذكرها في التصحيف

– وهي من الصورة الثانية – أطلق عليها لفظ التحريف حيث قال : " وهذه ألفاظ من الحديث يرويها أكثر الناس والمحدثين ملحونة ومحرفة " انتهى .

كما أن الناظر في كتب اللغويين يجد أن التصحيف والتحريف ألقاب مترادفة في استعمالهم

وتكفي نظرة سريعة في كتاب"تصحيح التصحيف وتحرير التحريف" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ وفي كتاب "التنبيه على حدوث التصحيف" لأبي عبد الله حمزة الأصبهاني لإثبات هذه الحقيقة .

وهذه التسوية بين الاستعمالين هي الأقرب إلى أصل المعنى اللغوي لكل من التصحيف والتحريف ، فإن التصحيف لغة : الخطأ في الصحيفة ( كذا في القاموس 3/217)

والتحريف لغة : التغيير ( كذا في القاموس 3/171) : وذلك يعم كل خطأ وكل تغيير دون تفريق بين صوره .

إلا أن بعض الأئمة اختار الفصل بين الاصطلاحين والتمييز بينهما ، وهو الإمام العسكري أبو أحمد الحسن بن عبد الله المتوفى سنة 382هـ

فقد كتب عدة كتب في التصحيف والتحريف ، منها : "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف"

و "تصحيفات المحدثين" ، وكان تفريقه مبنيا على أن التصحيف هو ما كانت فيه المخالفة مع تشابه صورة الخط ، فإذا أدت المخالفة إلى تغيير الخط فهو التحريف

وذلك في كتابه "شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف" (1/77)

حيث ذكر مثالا أخطأ فيه الراوي في قول الشاعر ( إذا ما سرى في القوم ) فقرأها ( سرى بالقوم ) فعقب عليه العسكري بقوله : "هذا من التحريف لا من التصحيف " انتهى .

كما أنه في مقدمة "تصحيفات المحدثين" (1/4) قال :

" هذا كتاب شرحت فيه من الألفاظ المشكلة التي تتشابه في صورة الخط فيقع فيها التصحيف " انتهى .

وظاهر من هذا التفريق أنه يضيق فيه معنى لفظ التصحيف الذي يستعمله المحدثون ، فهم يطلقونه على كل تغيير ، والعسكري يقصره على التغيير الذي تبقى فيه صورة الخط واحدة .

والذي يبدو أن هذا الفصل بقي محصورا في استعمال الإمام العسكري فقط ، دون أن يتعدى إلى غيره من أهل العلم ، حتى كان عصر الحافظ ابن حجر في المتأخرين

فحاول ضبط التفريق بين الاصطلاحين ، قصدا منه لتسهيل العلم وتحديده ، فاختار أن يفرق بينهما بقوله :

" إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق ، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف ، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف "

انتهى . "نزهة النظر" (47)

ولم يكن الحافظ ابن حجر متابعا العسكري في هذا التفريق ، يظهر ذلك جليا في تغيير ( عُبَاد ) مثلا إلى ( عَبَّاد ) ، فهذا التغيير يسميه الحافظ ابن حجر تحريفا

لأن الذي تغير فيه هو الشكل فقط ، أما العسكري فإنه يسميه تصحيفا لبقاء صورة الخط .

وتابع الحافظ على اصطلاحه كثير مما جاء بعده ، كالسيوطي .

انظر : "تدريب الراوي" (2/195 ، 386)

والمناوي في شرح النخبة (2/431) ، والقاري في شرحها أيضاً .

قال : " وابن الصلاح وغيره سمي القسمين محرفاً ولا مشاحة في الاصطلاح ، والفرق أدق عند أرباب الفلاح " .

ولم يستعمل الحافظ ابن حجر هذا التفريق في كتاب آخر من كتبه ، بل رادف بينهما في كثير من المواضع ، فمن ذلك :
ما جاء في "الإصابة" (1/219) في ترجمة جاهمة السلمي قال :

" وقال ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن ابن إسحاق بهذا الإسناد ، لكن حرف اسم الصحابي ونسبته ، قال : عن جهم الأسلمي " انتهى .

وفي موضع آخر من "الإصابة" (1/270) قال :

" صحف ابن لهيعة اسمه ونسبته ، وإنما هو جاهمة السلمي " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 16:50
أهم شيوخ الإمام البخاري رحمه الله

السؤال

مَن هُم أهم شيوخ البخاري ؟

الجواب

الحمد للَّه

البخاري شيخ الإسلام ، وإمام الحفاظ ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، صاحب الصحيح والتصانيف ، مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة

وأول سماعه للحديث سنة خمس ومائتين ، وحفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي ، ونشأ يتيما .

صنف وحدث وما في وجهه شعرة ، وكان رأسا في الذكاء ، رأسا في العلم ، ورأسا في الورع والعبادة .

وكان شيخا نحيفا ليس بطويل ولا قصير ، مائلا إلى السمرة .

كان يقول : لما طعنت في ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم في أيام عبيد الله بن موسى ، وحينئذ صنفت التاريخ عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة .

وكان يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح .

قال ابن خزيمة : ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري .

مات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين " انتهى .

اختصارا من "تذكرة الحفاظ" للذهبي (2/555)

ثانيا :

أما شيوخه فهم كثير ، حدث محمد بن أبي حاتم عنه أنه قال :

" كتبت عن ألف وثمانين نفسا ، ليس فيهم إلا صاحب حديث "

انتهى . كما في "سير أعلام النبلاء" (12/395) .

وأهمية الشيخ تختلف بحسب الاعتبار : فقد تكون الأهمية بسبب مكانة الشيخ العلمية الرفيعة ، وقد تكون بسبب إكثار البخاري عنه

وقد تكون بسبب علو سنده ، وقد تكون بسبب تأثر البخاري به كثيرا ، وقد يجتمع في الشيخ أكثر من اعتبار واحد .

أما شيوخه الذين أكثر عنهم جدا في الصحيح ، ولهم عنده أكثر من مائة رواية فهم :

عبد الله بن يوسف التنيسي ، وقد فاقت رواياته عنه الثلاثمائة رواية ، علي بن عبد الله المديني فاقت مروياته المائتين ، أبو اليمان الحكم بن نافع ، موسى بن إسماعيل التبوذكي

عبد الله بن محمد المسندي ، أبو نعيم الفضل بن دكين ، محمد بن بشار المعروف ببندار ، قتيبة بن سعيد ، سلمان بن حرب ، أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، محمد بن المثنى .

أما المتوسطون : وهم من لهم دون المائة رواية وأكثر من خمسين ، فهم :

عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، عبد الله بن الزبير الحميدي ، إبراهيم بن موسى ، إبراهيم بن المنذر ، محمد بن يوسف الفريابي ، محمد بن كثير ، حفص بن عمر .

ومن أهم شيوخه الذين بلغوا رتبة الإمامة في العلم والدين :

الإمام أحمد بن حنبل وإن لم يرو عنه في الصحيح ، وإسحاق بن راهويه روى عنه نحو الثلاثين رواية ، وأحمد بن صالح المصري ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، وغيرهم .

ولعل أعظمهم تأثيرا في نفس الإمام البخاري وشخصيته ، وأجلهم مرتبة عنده هو الإمام علي بن المديني رحمه الله ، حيث قال البخاري فيه :

" ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني "

انتهى . "تذكرة الحفاظ" (2/428) .

وقد ذكر الذهبي في ترجمة البخاري أسماء أشهر شيوخه ، ورتبهم بحسب البلدان فقال في "سير أعلام النبلاء" (12/394-396) ؛ وأما الحافظ ابن حجر فله ترتيب آخر مفيد أيضا

حيث قال في "هدي الساري" (479) :

" ينحصرون في خمس طبقات :

الطبقة الأولى :

من حدثه عن التابعين : مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد ، ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبي عبيد ، ومثل أبي عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضا ، ومثل عبيد الله بن موسى حدثه

عن إسماعيل بن أبي خالد ، ومثل أبي نعيم حدثه عن الأعمش ، ومثل خلاد بن يحيى حدثه عن عيسى بن طهمان ، ومثل على بن عياش وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان ، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين .

الطبقة الثانية :

من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين : كآدم بن أبي إياس وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان بن بلال وأمثالهم .

الطبقة الثالثة :

هي الوسطى من مشايخه ، وهم من لم يلق التابعين ، بل أخذ عن كبار تبع الأتباع ، كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل

وإسحاق بن راهويه وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأمثال هؤلاء ، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم
.
الطبقة الرابعة :

رفقاؤه في الطلب ، ومن سمع قبله قليلا ، كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم

وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه ، أو ما لم يجده عند غيرهم .

الطبقة الخامسة :

قوم في عداد طلبته في السن والإسناد ، سمع منهم للفائدة : كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم ، وقد روى عنهم أشياء يسيرة .

وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال : لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه ، وعمن هو مثله ، وعمن هو دونه

وعن البخاري أنه قال : لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه ، وعمن هو مثله ، وعمن هو دونه " انتهى .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 16:53
الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب

السؤال

ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب ؟

الجواب

الحمد لله

لمعرفة الفرق بين هذين النوعين لا بد أولا من توضيح معنى كل منهما ، وبيان الصور التي يطلق عليها العلماء هذين الوصفين ، ثم تحديد أوجه الشبه وأوجه الافتراق بينهما . فيقال :

أولا :

يطلق العلماء الوصف بالنكارة على الصور التالية :

الصورة الأولى : بعض حالات التفرد ، وذلك في :

1- أن ينفرد برواية الحديث الراوي الصدوق النازل عن درجة أهل الإتقان ، وليس له عاضد يصحح به ، ترى هذا في كلام أحمد بن حنبل وأبي داود والنسائي والعقيلي وابن عدي وغيرهم .

2- تفرد المستور ، أو الموصوف بسوء الحفظ ، أوالمضعف ، وليس له عاضد يقوى به

. ( انظر الموقظة/42 ، تدريب الراوي 2/278 ، النكت لابن حجر 2/674 )

الصورة الثانية : بعض حالات المخالفة :

1- مخالفة المستور ، أو الموصوف بسوء الحفظ ، أو المضعف ، وإذا كثرت مخالفة الرواي أصبح متروكا ، وعليه أكثر ما يطلق الوصف بالنكارة .

2- مخالفة الثقة من هو أوثق منه أو أكثر عددا .

(انظر تدريب الراوي 2/277)

الصورة الثالثة : أنواع من الحديث الضعيف لأسباب أخرى ، كالمدرج ، والمنقطع ، وحديث المجهول ، وقع ذلك في كلام غير واحد من الأئمة المتقدمين

كيحيى بن سعيد القطان ، وأحمد بن حنبل ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، والنسائي ، وغيرهم ، يطلقون لقب ( المنكر ) على هذه الأنواع .

(انظر النكت لابن حجر 2/675 ، تحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع 2/ 1036 ) .

ثانيا :

الحديث المضطرب لقب أطلقه العلماء على الصور التالية :

الصورة الأولى : أن يروى الحديث على أوجه مختلفة متساوية في القوة ، بحيث يتعذر الترجيح .

وتصح دعوى الاضطراب حين يتعذر الجمع بين الوجوه المختلفة ، فإذا أمكن الجمع فلا اضطراب .

والصورة الثانية : التردد في الإسناد أو المتن من الراوي المعين ، فيقال : ( كان فلان يضطرب فيه فتارة يقول كذا ، وتارة يقول كذا ) .

(انظر تدريب الراوي 2/308 ، النكت لابن حجر 2/773) .

ثالثا :

يتبين مما سبق الفرق بين النكارة والاضطراب وذلك من جهتين :

الأولى : أن المنكر يطلق على تفرد من لا يُحْتمل تفرده ، من مستور أو ضعيف برواية لم يتابع عليها ، يعني : أن الوصف بالنكارة لا يشترط له تعدد الروايات والمخالفة بينها

أما المضطرب فلا يطلق إلا على ما جاء من أكثر من وجه ، ثم اختلفت هذه الوجوه بحيث لا يمكن الجمع ولا الترجيح بينها .

الثانية : ثمة فرق آخر ، وهو أنه عند تعدد الطرق فإننا ننظر ، إن استطعنا تحديد الأرجح منها فإن المرجوح يوصف بالنكارة ، في حين أننا لا نصفه بالاضطراب إلا حين تستوي الأوجه الواردة ، ولا يمكن الترجيح بينها .

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 17:01
منهج المحدثين منهج العدل والإنصاف

السؤال

كتب أبو الأعلى المودودي في كتابه (تفاهمات) ما يلي : " قد يكون لدى المحدثين أيضًا ضعف بشري أو أخطاء ، فقد كانوا من البشر ، وربما كانت هناك عداوة بينهم وبين الراوي

ولذلك فربما يقول المحدث إن راوي الحديث ضعيف لأنه يكرهه " وذكر مولانا في كتابه بعض الأمثلة على محدثين ذائعي الصيت وعداوتهم ، معذرة

لا أجد كلمة أخرى أعبر بها بدلا من كلمة عداوة . فمن فضلكم ساعدوني في إزالة هذا الإشكال . لا يمكن أن تتخيلوا كم أربكني وحيرني هذا القول ؟

بل لدرجة أني غالبًا أجد الشك في الامتثال لحديث صحيح . رجاء الجواب بأسرع وقت ممكن .

الجواب

الحمد للَّه

أولا :

علم الحديث والإسناد هو من خصائص هذه الأمة

فلا يوجد عند أمة من الأمم مثل ما عندنا من العناية بالإسناد في نقل كتبهم ودينهم

ولذلك دخلها التحريف والتأليف ، واستحال وصولهم إلى الدين النقي ، أو الوقوف على أحوال أنبيائهم ، على ما كانت عليه ، من وجه صحيح يوثق به .

ولعلماء الحديث في ذلك اليد الطولى ، والمقام المنيف الذي حباهم الله تعالى به ؛ إذ شرفهم الله بالعمل على حفظ دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

قال محمد بن حاتم بن المظفر رحمه الله :

" إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد ، وليس لأحد من الأمم كلها ، قديمهم وحديثهم إسناد ، وإنما هي صحف في أيديهم ، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم

وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم ، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات .

وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه ، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم ، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ ، والأضبط فالأضبط

والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ، ويضبطوا حروفه ويعدوه عدا ؛ فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة .

نستوزع الله شكر هذه النعمة ، ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه ، ويمسكنا بطاعته ، إنه ولي حميد " اهـ شرف أصحاب الحديث (40) .

ثانيا :

وهم أولى من يتحرى الأمانة في الحكم والنقل ، وأوثق من يتحرز من الحيف والجور ، حتى ضربوا بذلك أعظم الأمثلة في الإنصاف وتجنب المحاباة في دين الله :

فهذا علي بن المديني يطلق الحكم بضعف أبيه ، وهو يدرك أن حكمه هذا على والده سيكون كفيلا بالقضاء على مكانته العلمية ، فلم يمنعه ذلك من إطلاق رأيه فيه .

قال الخطيب البغدادي رحمه الله
:
" فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ، ولا أخاه ، ولا ولده . وهذا علي بن عبد الله المديني ، وهو إمام الحديث في عصره ، لا يروى عنه حرف في تقوية أبيه بل يروى عنه ضد ذلك "

اهـ شرف أصحاب الحديث (41) .

وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/15) :

" سئل علي بن المديني عن أبيه ؟

فقال : " اسألوا غيري " فقالوا : سألناك ، فأطرق ، ثم رفع رأسه وقال : " هذا الدين ، أبي ضعيف " انتهى .

وهذا يحيى بن معين يتكلم في صاحب له ممن كان يحبه ، فنقل عنه الحسين بن حبان قوله في ( محمد بن سليم القاضي ) : " هو والله صاحبنا

وهو لنا محب ، ولكن ليس فيه حيلة البتة ، وما رأيت أحداً قط يشير بالكتاب عنه ولا يرشد إليه " وقال : " قد والله سمع سماعاً كثيراً ، وهو معروف ، ولكنه لا يقتصر على ما سمع

يتناول ما لم يسمع " ، قلت له : يكتب عنه ؟ قال : " لا "

انتهى . انظر "تاريخ بغداد" (5/325)

وهذا جرير بن عبد الحميد يقول عن أخيه أنس : " لا يكتب عنه ؛ فإنه يكذب في كلام الناس " "الجرح والتعديل" (2/289)

والإمام البخاري يروي في صحيحه كثيرا عن شيخه محمد بن يحيى الذهلي رغم ما تعرض له من الأذى بسبب كلامه فيه وهجره له ، إلا أن العداء لم يمنعه من قبول حديثه وروايته .

وقد كانوا يقبلون حديث من يخالفهم في الرأي والمعتقد – إذا ثبت صدقه وتحريه -، ولم يكن ابتداع الراوي بمانع لهم أن يحكموا فيه بالعدل والإنصاف ، وهم يسمعون قول الله تعالى
:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة/8

سئل يحيى بن معين عن سعيد بن خثيم الكوفي فقال : كوفي ليس به بأس ، ثقة ، فقيل ليحيى : شيعي ؟ فقال : وشيعي ثقة ، وقدري ثقة .

"تهذيب الكمال" (10/414)

وكان عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي شيعياً جلداً ، ومع ذلك فقد كان ابن خزيمة يقول في صحيحه (2/376) : حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب.

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 17:01
ثالثا :

كما كانوا يدركون خطورة التطاول على أعراض الناس بغير حق ، وعظم شأن الخوض في أحوال الرواة لما ينبني عليه من قبول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رده

حتى قال مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ "

رواه مسلم في مقدمة صحيحه .

وقال ابن دقيق العيد :

" أعراض المسلمين حفرة من النار ، وقف على شفيرها طائفتان من الناس : المحدثون والحكام "

انتهى . انظر "تدريب الراوي" (2/369)

ومثل هذا التدين العظيم ، والورع البالغ لا بد وأن يكون له أكبر الأثر في الإنصاف وتحري الصواب حين الحكم على الرواة ، وهذا ما يشترطه أهل العلم في كل من يشتغل بالنقد .

قال الذهبي في "الموقظة" (82) :

" الكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام ، وبراءة من الهوى والميل ، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله " انتهى .

ويقول المعلمي رحمه الله في "التنكيل" (1/54) :

" أئمة الحديث عارفون متيقظون يتحرزون من الخطأ جهدهم ، لكنهم متفاوتون في ذلك " انتهى .

رابعا :

نعم ، ليس الواحد من هؤلاء معصوما ، ومن الممكن أن يقع في كلام بعضهم شيء من الخطأ ، ومن الممكن أيضا أن يكون الحامل على بعض هذه الأخطاء حب أو سخط ، وقد وقع شئ

من ذلك فعلا ، وذلك ما لا يخلو عنه البشر ، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون باعثا على التشكك في جميع أحكام النقاد ، وذلك لما يلي :

1- لأنها أخطاء يسيرة في جنب التراث العظيم الذي خلفه أئمة الحديث والجرح والتعديل ، وهو في غالبه العظيم على جادة الأمانة والإنصاف ، فلا يجوز أن يهدر ذلك بسبب النادر من الأخطاء .

2- ولأن المحققين من النقاد بينوا تلك الأخطاء وميزوها في كلامهم ونقدهم ، فما كان الباعث عليه عداء أو حسد أو اختلاف مذهب ردوا الحكم الجائر ، وأنصفوا فيه الراوي .

ولهذا لم يقبل العلماء قول الإمام مالك في محمد بن إسحاق صاحب "المغازي" أنه دجال من الدجاجلة ؛ لما علم أنه صدر من منافرة باهرة

بل حققوا أنه حسن الحديث ، واحتجت به أئمة الحديث ، ولم يقبل قول النسائي في أحمد بن صالح المصري ، ولا قول ربيعة في أبي الزناد عبد الله بن ذكوان .

انظر "الرفع والتكميل" (409-432) .

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 17:02
قال أبو حاتم الرازي رحمه الله :

" لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة » فقال : له رجل : يا أبا حاتم ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح ؟

فقال : علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم (1) ، فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها ، ثم قال : رحم الله أبا زرعة

كان والله مجتهدا في حفظ آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم "

شرف أصحاب الحديث ( 43) .

ولتعلم ـ أيها السائل الكريم ـ

فقد حفظ الله هذا الدين بمنه وفضله ، وأن السنة المشرفة محفوظة بحفظ الله تعالى لدينه [ راجع السؤال رقم (77243) ] ، فلا يمكن أن يجتمع العلماء على توثيق راو ضعيف

أو جرح راو صدوق ، بل لا بد أن تجد الحق والإنصاف باديا ظاهرا في أقوال جمهور أهل العلم وفي معظم مسائل الدين .

يقول الإمام الذهبي رحمه الله "الموقظة" (84) :

" وقد يكون نفس الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك ، والعصمة للأنبياء والصديقين وحكام القسط .

ولكن هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى ، لم يجتمع علماؤه على ضلالة ، لا عمدا ولا خطأ ، فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف ، ولا على تضعيف ثقة

وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة أو مراتب الضعف ، والحاكم منهم يتكلم بحسب اجتهاده وقوة معارفه ، فإن قدر خطؤه في نقده فله أجر واحد ، والله الموفق " انتهى .

يقول ابن كثير في "الباعث الحثيث" (1/11) :

" أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن ، فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب ، وذلك للعلم بمعرفته ، واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن

واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح ، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل ، أو كونه متروكاً ، أو كذاباً أو نحو ذلك ، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم

لصدقهم وأمانتهم ونصحهم ، ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث : " لا يثبته أهل العلم بالحديث " ، ويرده ، ولا يحتج به بمجرد ذلك " انتهى .

وبخصوص ما أشرت إليه ـ أخانا الكريم ـ من كلام الشيخ المودودي ـ عفا الله عنه ـ في كتابه المذكور

فالشيخ المودودي وإن كان له من الفضل والسابقة في الدعوة في شبه القارة الهندية ، والتصدي لكثير من الأفكار التغريبية المنحرفة

وجهوده الكبيرة في الدعوة والتأليف ، إلا أنه ـ شأن غيره من البشر ليس معصوما عن الخطأ ، خاصة إذا تكلم في غير ما يحسن

وفي غير تخصصه ، كما هو الحال في موضع السؤال ، وقد كانت للشيخ رحمه الله هفوات ، بل أخطاء عديدة في موقفه من السنة النبوية

ومنهج علماء الحديث في نقدها وتمييزها ، ولا يتسع المجال هنا إلى ذكرها أو الإشارة إليها ، وقد نبه إلى ذلك عدد من العلماء والمختصين ؛ ومن هؤلاء : العلامة الباكستاني " محمد إسماعيل السلفي "

رحمه الله ( ت 1387) ، فله دراسة هامة حول " موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي "

وانظر أيضا ـ بالعربية

: " زوابع في وجه السنة " تأليف صلاح الدين مقبول أحمد ، ص (117) وما بعدها .

وأخيرا ، فلتقر عينك أخي الكريم بنعمة الله تعالى على الأمة بذلك العلم الشريف ، ولا تسترسل في التشكك في الأحاديث الصحيحة

فالعقل يقضي بعدم رد جهود آلاف العلماء الأمناء عبر آلاف السنين بأخطاء وقعت هنا وهناك ، وما أرى الذي يقع في نفسك إلا من وسواس الشيطان ، فاستعذ بالله منه

ولا تلتفت إليه ، واحرص على القراءة في كتب علوم الحديث ، وأنا واثق أنه سيهولك تلك الجهود الجبارة التي تبذل في سبيل التحقق من صحة الحديث الواحد

وذلك ما آمن به كل من طالع كتب الحديث وعلومه ورجاله ، حتى قال المستشرق مرجليوث :

" ليفخر المسلمون بعلم حديثهم " .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 17:15
فضل التمسك بالسنة زمن انتشار الفساد

السؤال

يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( من تمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد )...هل هذا الحديث صحيح ؟

وإن كان صحيحا...فماذا على الإنسان أن يستزيد من الأفعال حتى يعتبر متمسكا بالسنة ؟.

..أعيش في بلد عربي ولا يخفى الحال...فهل ترك المحرمات يعتبر كافيا لذلك ؟

الجواب

الحمد للَّه

أولا :

السنة النبوية سفينة النجاة وبر الأمان ، حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بها وعدم التفريط فيها فقال :

( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

وحين يكثر الشر والفساد ، وتظهر البدع والفتن ، يكون أجر التمسك بالسنة أعظم ، ومنزلة أصحاب السنة أعلى وأكرم ، فإنهم يعيشون غربة بما يحملون من نور وسط ذلك الظلام ، وبسبب ما يسعون من إصلاح ما أفسد الناس .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

( إِنَّ الإِسلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ

فَطُوبَى لِلغُرَبَاءِ . قِيلَ : مَن هُم يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الذِينَ يَصلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ ) أخرجه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (1/25) من حديث ابن مسعود

وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1273) وأصل الحديث في صحيح مسلم (145)

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :

( َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْر ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ، - وَزَادَنِي غَيْرُهُ - قَالَوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ؟! قَالَ : أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )

رواه أبو داود (4341) والترمذي (3058) وقال : حديث حسن ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (494) وفي بعض روايات الحديث قال : ( هم الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس ) .

والتمسك بالسنة يعني أمورا :

1- القيام بالواجبات واجتناب المحرمات .

2- اجتناب البدع العملية والاعتقادية .

3- الحرص على تطبيق السنن والمستحبات بحسب قدرته واستطاعته .

4- دعوة الناس إلى الخير ومحاولة إصلاح ما أمكن .

جاء في محاضرة للشيخ ابن جبرين حول حقيقة الالتزام (ص/10) :

" لا شك أن السنة النبوية مدونة وموجودة وقريبة وسهلة التناول لمن طلبها ، فما علينا إلا أن نبحث عنها ، فإذا عرفنا سنة من السنن عملنا بها حتى يَصْدُق علينا قول ( فلان ملتزم )

ولا ننظر إلى من يُخَذّل أو من يحقر أو من يستهزئ ونحو ذلك .

والسنن قد تكون من الواجبات ، وقد تكون من الكماليات أو من المستحبات ، وقد تكون من الآداب والأخلاق ، فعلى المسلم أن يعمل بكل سنة يستطيعها ، وذلك احتساباً للأجر وطلباً للثواب .

فالملتزم هو الذي كلما سمع حديثاً فإنه يسارع في تطبيقه ، ويحرص كل الحرص على العمل به ولو كان من المكملات أو من النوافل .

فتراه مثلاً يسابق إلى المساجد ويسوؤه إذا سبقه غيره ، وتراه يسابق إلى كثرة القراءة وكثرة الذكر أكثر من غيره ، وتراه يكثر من أنواع العبادات

ويحرص كل الحرص أن تكون جميع أعماله وعباداته متبعاً فيها السنة ، وليس فيها شيء من البدع ،‍ حتى تكون تلك الأعمال والعبادات مقبولة عند الله

لأنه متى قبل العمل فاز المسلم برضوان ربه ، نسأل الله أن تكون أعمالنا مقبولة عنده إنه سميع مجيب " انتهى .

ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في "المنتقى" (2/سؤال رقم/270) :

" يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمحافظة عليها ، وألا تلتف إلى عذل من يعذلك أو يلومك في هذا

خصوصًا إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها ، لا في المستحبات ، وإذا لم يصل الأمر إلى التشدد ، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد فلا ينبغي لك

ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن والعمل بها من غير غلو وتشدد ، ومن غير تساهل ولا تفريط ، هذا هو الذي ينبغي عليك ؛

وعلى كل حال أنت مثاب إن شاء الله ، وعليك بالتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .

ثانيا :

أما الحديث الذي ذكره السائل الكريم في أن للمتمسك بالسنة عند فساد الناس أجر شهيد أو أجر مائة شهيد فهو حديث ضعيف لا يصح ، وهذا شيء من الكلام عليه :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد )

أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/31) وعنه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (8/200)

وفي سنده علتان :

1- تفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، ومثله لا يحتمل تفرده .

2- جهالة محمد بن صالح العذري : قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/172) : لم أر من ترجمه .

ولذلك ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (327) .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد )

أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/327) وسنده ضعيف جدا ، فيه الحسن بن قتيبة : متروك الحديث

انظر ترجمته في "لسان الميزان" (2/246)

وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (326)

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 17:20
قول من قال : لئن حاسبني ربي على بخلي لأحاسبنه على كرمه

السؤال

ما صحة القصة التي تردد في كثير من المواقع والكتب عن الأعرابي الذي لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : لئن حاسبني ربي على بخلي حاسبته على كرمه..ولئن حاسبني على ذنوبي حاسبته على عفوه.

.ولئن حاسبني على خطاياي حاسبته على رحمته.

.. وإن كانت غير صحيحة هل يجوز أن نردد مثل هذه العبارات ؟

الجواب

الحمد للّه

المنهج العام الذي ينبغي أن يسلكه كل مسلم فيما يسمع أو يقرأ هو : التحري والتثبت من صحة ذلك ، قبل أن يبني عليه شيئا من علم أو عمل ؛ وبهذا أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) الحجرات/6

كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التسليم بكل ما ينشر ويعلن ويذاع ، فإن النقل والرواية أمانة ينبغي أداؤها على وجهها ، ولا يكون ذلك إلا بالتحري والتثبت .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كَفَى بِالمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) رواه مسلم (5)

وهذه القصة لم يخرجها أحد من أهل العلم بالحديث ، ولا يُعرف لها سند ضعيفٌ ، فضلا عن السند الصحيح ، كما أن النكارة في متنها ظاهرة

فإن الأعراب وإن كان لا يستبعد أن يصدر عن أحدهم مثل هذا الكلام في حق الله تعالى –

وذلك بحكم جهلهم وجفائهم – إلا أنه لا يمكن أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام الذي يحمل أدب السوء مع الله تعالى ثم يقره ويسكت عنه ، فضلا عن أن يبكي إقرارا له كما ينقلون في الرواية .

والله سبحانه وتعالى يحب الخضوع في سؤاله والتواضع في اللجوء إليه ، وصدق التذلل والتعبد إليه ، والاعتراف بالضعف والعجز والذنب والتقصير .

فهذا آدم عليه السلام يقول في دعائه :

( قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/23

وهذا نوح عليه السلام يقول : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) هود/47

وقد علَّمَنا نبينا صلى الله عليه وسلم لغة التذلل والخضوع ، والاعتراف بالذنب في الدعاء .

عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ :

( أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ

وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، لَا يَقُولُهَا أَحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي

عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَلَا يَقُولُهَا حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) البخاري (6306) .

هذا هو أدب الدعاء الذي يحبه الله سبحانه وتعالى ، وهو أدب الأنبياء والمرسلين ، وليس أن يجفو العبد في خطابه ليتطاول على جناب الخالق سبحانه في ألفاظه فيقول ( لئن حاسبني لأحاسبنه ) ؟!!

فإن المقام بين يدي الله عظيم ، والعبد ذليل فقير إلى الله تعالى ، لا يليق بعبوديته أن يتطاول على سيده بألفاظه ، وإن كانت مقاصدُه صحيحةً ، فإنَّ فرضَ العبد التأدبُ باللفظ والمعنى .

فالحاصل أن هذا حديث مكذوب موضوع

لا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز أن يخاطب العبد ربه بمثل هذا الخطاب الذي يذكر عن الأعرابي ، بل يستعمل المسلم خطاب العبودية التي هي مقامه ومنزلته الحقيقية .

يقول الشيخ حاتم الشريف :

" إن الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب ، وفيه من ركاكة اللفظ ، وضعف التركيب ، وسمج الأوصاف

ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم أجده بهذا اللفظ

وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه .

على أن أبا حامد الغزالي على عادته رحمه الله قد أورد حديثاً باطلاً في "إحياء علوم الدين" (4/130) قريباً من مضمونه من الحديث المسؤول عنه

وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! من يلي حساب الخلق يوم القيامة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : الله تبارك وتعالى ، قال : هو بنفسه ؟ قال : نعم

فتبسم الأعرابي ، فقال صلى الله عليه وسلم : ممَّ ضحكت يا أعرابي ؟ قال : إن الكريم إذا قدر عفا ، وإذا حاسب سامح.. إلى آخر الحديث .

وقد قال العراقي عن هذا الحديث :" لم أجد له أصلاً " وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً ( تخريج أحاديث الإحياء: رقم 3466 ، وطبقات الشافعية الكبرى : 6/364)

ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عز وجل وقبوله لتوبة التائبين واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة .

قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82

وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25

وقال تعالى : ( ورحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/156

وفي الصحيحين البخاري (7554) ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي) والله أعلم " انتهى .

رابط المصدر :

http://saaid.net/Doat/Zugail/321.htm

والله أعلم

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 17:24
حكم الحديث المعلق

السؤال

ما المقصود بالأحاديث المعلقة ؟

وما هو الصحيح منها سواء في البخاري أو في مسلم ؟.

الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث المعلق هو ما حذف من بداية إسناده ( أي من جهة المحدث المصنف – صاحب الكتاب-) راو واحد فأكثر .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "نزهة النظر" (108-109) :

" ومن صور المعلق :

أن يحذف جميع السند ، ويقال مثلا : قال رسول لله صلى الله عليه وسلم .

ومنها : أن يحذف كل السند ولا يبقى إلا اسم الصحابي أو اسم الصحابي والتابعي.

ومنها : أن يحذف من حدَّثَه ويضيفه إلى من فوقه " انتهى بتصرف .

ثانيا :

كل حديث يذكر في الكتب محذوف الإسناد ، ويرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، دون عزو إلى شيء من كتب السنة ، فهو حديث معلق

فإن كان الحديث موصولا بالأسانيد في كتب السنة

أو كان المصنف الذي علقه قد وصله في مكان آخر من كتبه ، فيظهر حينئذ أن تعليق من علقه إنما كان لأجل الاختصار ، ووصفه بالتعليق لا يعني الحكم عليه بالضعف ، وليس هو محل خلاف وبحث عند أهل العلم .

تجد ذلك كثيرا ظاهرا في صحيح الإمام البخاري :

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "النكت" (1/325) :

" إن ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد ، واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها ، فإنه والحالة هذه إما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد " انتهى .

ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/117) :

" وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضع آخر من كتابه ، وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار " انتهى .

ثالثا :

للحكم على الحديث المعلق فإنه لا بد – كما هو الحال عند الحكم على أي حديث – من جمع طرق الحديث والبحث عن أسانيده ؛ ولا يخلو حكمه بعد ذلك من الحالات التالية :

1- إن لم نقف له على سند في أي كتاب : فحينئذ فالأصل الحكم بالضعف على الحديث ؛ وذلك للجهل بحال الرواة المحذوفين من السند ، فقد يكون منهم الضعيف أو الكذاب .

مثاله : ما علقه الحافظ ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَا مِن مُسلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبرِ أَخِيهِ كَانَ يَعرِفُهُ فِي الدُّنيَا ، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ ، إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيهِ السَّلامَ )

فقد بحث أهل العلم عن هذا الحديث المعلق فلم يجدوه مسندا في كتاب ، وكل من يذكره ينقله عن تعليق الحافظ ابن عبد البر ، فهو في الأصل حديث ضعيف

إلا أن بعض أهل العلم صححه تبعا للحافظ ابن عبد البر الذي علقه وصححه .

2- إذا وجدنا للحديث سندا موصولا في كتاب آخر من كتب السنة ، فإننا حينئذ ننظر في السند ، ونحكم عليه بحسب قواعد أهل العلم في نقد الأحاديث

كما أنه يمكن الاستعانة للحكم على الحديث المعلق بما فهمه العلماء من مناهج كتب السنة ، وهذا بيان ذلك :

رابعا :

لبعض الأئمة مناهج في ذكر الحديث المعلق ، وهذه المناهج إما أن ينص عليها الإمام نفسه ، أو يعرفها من بعده من أهل العلم من خلال دراسة كتابه واستقراء أحاديثه .

ومن كلام أهل العلم في منهج البخاري في التعليق ، نستطيع تقسيم معلقاته ( والتي تصل إلى مائة وستين حديثا معلقا ) إلى قسمين :

الأول : ما علقه بصيغة الجزم ، مثل قال ، رَوَى ونحو ذلك :

فحكم هذه المعلقات هو الصحة أو الحسن ، لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا وقد صح عنده ، بل منها ما هو على شرطه وإنما علقه لأنه أخذه مذاكرة أو إجازة .

ويستثني العلماء من هذه القاعدة حديثا واحدا فقط ، وهو ما علقه في كتاب الزكاة (2/525) :

( وقال طاوس : قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن : ائتوني بعرض ثياب : خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة ، أهون عليكم ، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة )

قالوا : فهذا إسناده إلى طاوس صحيح ، إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ .

الثاني : ما علقه بصيغة التمريض : مثل : رُوِيَ ، يُذكَر ونحوها .

فهذا قد يكون فيه الصحيح ، وقد يكون فيه الحسن ، ويكون علقها لأنه رواها بالمعنى .

كما قد يكون فيه الضعيف ضعفا يسيرا : وقد يبين ضعفه بقوله عقبه : ( لم يصح ) .

( ملخصا من كتاب "النكت" للحافظ ابن حجر (1/325-343)

"تدريب الراوي" للسيوطي (1/117-121)

أما صحيح مسلم :

فإن جميع ما فيه من المعلقات يصل فقط إلى خمسة أحاديث ، يرويها الإمام مسلم مسندة متصلة من طريق ، ثم يعلقها عقبه من طريق أخرى غير الطريق التي أسندها

لغرض علمي يريده الإمام مسلم ، وقد جمعها الشيخ رشيد الدين العطار في رسالة مطبوعة ، وبين وصلها وأسانيدها الصحيحة .

وليس في صحيح مسلم – بعد المقدمة – حديث معلق لم يصله من طريق أخرى إلا حديث واحد : قال مسلم في حديث رقم (369) :

وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبدالرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول

: : أقبلت أنا وعبدالرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث ابن الصمة الأنصاري ، فقال أبو الجهم :

( أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن نَحوِ بِئرِ جَمَلٍ ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، فَلَم يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ حَتَّى أَقبَلَ عَلَى الجِدَارِ ، فَمَسَحَ وَجهَهُ وَيَدَيهِ ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ )

وانظر "النكت" للحافظ ابن حجر (1/346-353)

وقد وجد هذا الحديث مسندا متصلا من طريق الليث بن سعد أيضا عند البخاري في صحيحه (337) وأبو داود (329) وغيرهما .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-06, 17:28
تعريف بموطأ الإمام مالك

السؤال

ما عدد أحاديث ( موطأ ) الإمام مالك ؟.

الجواب

الحمد لله

هذا بيان موجز حول كتاب موطأ الإمام مالك نسأل الله أن ينفع به :

أولا :

الموطأ : هو واحد من دواوين الإسلام العظيمة ، وكتبه الجليلة ، يشتمل على جملة من الأحاديث المرفوعة ، والآثار الموقوفة من كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم

ثم هو أيضا يتضمن جملة من اجتهادات المصنف وفتاواه .

وقد سمي الموطأ بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس ، بمعنى أنه : هذَّبَه ومهَّدَه لهم .

ونُقِل عن مالك رحمه الله أنه قال : عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة ، فكلهم واطَأَنِي عليه ، فسميته الموطأ .

ثانيا :

سبب تأليفه : ذكر ابن عبد البر رحمه الله ، في كتاب الاستذكار (1/168) أن أبا جعفر المنصور قال للإمام مالك : ( يا مالك ! اصنع للناس كتابا أحْمِلُهم عليه

فما أحد اليوم أعلم منك !! ) فاستجاب الإمام مالك لطلبه ، ولكنه رفض أن يُلزِم الناس جميعا به .

ثالثا :

مكث الإمام مالك أربعين سنة يقرأ الموطَّأَ على الناس ، فيزيد فيه وينقص ويُهذِّب ، فكان التلاميذ يسمعونه منه أو يقرؤونه عليه خلال ذلك

فتعددت روايات الموطأ واختلفت بسبب ما قام به الإمام من تعديل على كتابه ، فبعض تلاميذه رواه عنه قبل التعديل ، وبعضهم أثناءه

وبعضهم رواه في آخر عمره ، وبعضهم رواه كاملا ، وآخرون رووه ناقصا ، فاشتُهِرت عدة روايات للموطأ

أهمها :

رواية يحيى بن يحيى المصمودي الليثي (234هـ) : وهي أشهر رواية عن الإمام مالك ، وعليها بنى أغلب العلماء شروحاتهم .

رواية أبي مصعب الزهري : تمتاز بما فيها من الزيادات ، وبأنها آخر رواية نقلت عن مالك ، وهي متداولة بين أهل العلم .

رواية عبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ) : وهي أكبر روايات الموطأ وعبد الله من أثبت الناس في الموطأ عند ابن معين والنسائي وابن المديني .

رواية محمد بن الحسن الشيباني .

رواية عبد الله بن سلمة الفهري المصري .

وغيرها كثير . [ تكلم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله عن رواة الموطأ ، وذكر تعريفا بأربعة عشر نسخة من نسخه ، في مقدمته للطبعة التي حققها من الموطأ ص 6-16 ] .

وهذه الروايات تختلف فيما بينها في ترتيب الكتب والأبواب ، وفي عدد الأحاديث المرفوعة والمرسلة والموقوفة والبلاغات ، كما تختلف في كثير من ألفاظ الأحاديث اختلافا كبيرا .

رابعا :

عدد أحاديث الموطأ يختلف باختلاف الروايات ، كما يختلف بحسب اختلاف طريقة العدّ ، وذلك أن بعض أهل العلم يعد كل أثر من كلام الصحابة أو التابعين حديثا مستقلا

وبعضهم لا يعتبره ضمن العدد ، لذلك نكتفي بذكر العدد الذي جاء في بعض الطبعات المحققة للموطأ ، وهي :

رواية يحيى الليثي : ( وهي الرواية الأشهر ، والمقصودة عند إطلاق الموطأ ) : رقمها ترقيما كاملا الشيخ خليل شيحا ، فبلغ عدد الأحاديث بترقيمه (1942) حديثا ، تشمل المرفوع والموقوف .

وأما رواية أبي مصعب الزهري : فقد رقمت في طبعة مؤسسة الرسالة ، فبلغ عدد أحاديثها (3069) حديثا ، وقد شمل الترقيم كل شيء حتى أقوال الإمام مالك ، لهذا السبب كان العدد كبيرا .

خامسا :

شرطه في كتابه من أوثق الشروط وأشدها ، فقد كان يسلك منهج التحري والتوخي وانتقاء الصحيح .

قال الشافعي رحمه الله : ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس .

وعن الربيع قال : سمعت الشافعي يقول : كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله .

وقال سفيان بن عيينة : رحم الله مالكا ، ما كان أشد انتقاده للرجال .

"الاستذكار" (1/166) "التمهيد" (1/68)

لذلك تجد أن أكثر أسانيد مالك الموصولة في الدرجة العليا من الصحيح ، ومن أجل هذا استوعب الشيخان البخاري ومسلم أكثر حديثه في كتابيهما .

تنبيه : إنما قال الإمام الشافعي رحمه الله كلامه المنقول سابقا ، قبل أن يكتب البخاري ومسلم كتابيهما

كما نبه عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله في اختصار علوم الحديث ص (24-25)

سادسا :

اتبع مالك في موطئه طريقة المؤلفين في عصره ، فمزج الحديث بأقوال الصحابة والتابعين والآراء الفقهية ، حتى بلغت آثار الصحابة : 613 أثرا ، وأقوال التابعين : 285 قولا .

يقدم في الباب الحديث المرفوع ثم يتبعه بالآثار وأحيانا يذكر عمل أهل المدينة ، فكتابه كتاب فقه وحديث في وقت واحد ، وليس كتابَ جمع للروايات فقط

لذلك تجد بعض الأبواب تخلو من المرويات ، وإنما يسوق فيها أقوال الفقهاء وعمل أهل المدينة واجتهاداته ، ومن ذلك :

باب ما لا زكاة فيه من الثمار ، وباب صيام الذي يقتل خطأ ..وغيرها .

ونجد أيضا أنه اقتصر على كتب الفقه والأدب وعمل اليوم والليلة ، وليس في كتابه شيء في التوحيد أو الزهد أو البعث والنشور والقصص والتفسير .

[ انظر : الفكر المنهجي عند المحدثين

د همام سعيد ص (111-118) ، مناهج المحدثين

د ياسر الشمالي ص(285) فما بعده ، مقدمة تحقيق الموطأ ، ط فؤاد عبد الباقي ] .

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 16:44
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)

هل تشرع صلاة الحاجة ؟

وهل تنفع التجربة لفعلها ؟

السؤال

صلاة الحاجة باثنتي عشرة ركعة مع التشهد بين كل ركعتين وفي التشهد الأخير نثني على الله عز وجل ونصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسجد ونقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي

سبع مرات ونقول عشر مرات " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "

ثم نقول : " اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة " ثم نسأل حاجتنا ونرفع رأسنا من السجود ونسلم يميناً و يساراً .

سؤالي هو :

قيل لي إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة القرآن في السجود وقد جربتها في أيام الدراسة والله سبحانه وتعالى استجاب دعائي وأنا لي حاجة إلى الله سبحانه وتعالى وأريد أن أصليها فما هي نصيحتكم لي ؟.

الجواب

الحمد لله

رويت " صلاة الحاجة " في أربعة أحاديث : اثنان منهما موضوعان ، والصلاة في أحدهما اثنتا عشرة ركعة ، وفي الآخر ركعتان ، والثالث ضعيف جدّاً ، والرابع ضعيف ، والصلاة فيهما ركعتان .

أما الأول : فهو الذي جاء في السؤال وهو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين

فإذا تشهدت من آخر صلاتك فأثنِ على الله ، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم ، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات ، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له

له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ، ثم قل : اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة

ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك ، ثم سلِّم يميناً وشمالاً ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب لهم ) .

رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 2 / 63 )

من طريق عامر بن خداش عن عمرو بن هارون البلخي .

ونقل ابن الجوزي تكذيب عمرو البلخي عن ابن معين ، وقال : وقد صح النهي عن القراءة في السجود .

انظر : " الموضوعات " ( 2 / 63 )

و " ترتيب الموضوعات " للذهبي ( ص 167 ) .

وفي الدعاء بـ " معاقد العز من عرش الله " خلاف بين العلماء ، على حسب المقصود من هذا اللفظ الذي لم يرد في الشرع ، وقد منع الدعاء به بعض أهل العلم ، ومنهم الإمام أبو حنيفة

لأنه من التوسل البدعي ، وأجازه آخرون لاعتقادهم أنه توسل بصفة من صفات الله عز وجل لا أنه يجوز عندهم التوسل بالمخلوقين .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" أقول : لكن الأثر المشار إليه باطل لا يصح ، رواه ابن الجوزي في " الموضوعات " وقال : " هذا حديث موضوع بلا شك " ، وأقره الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " ( 273 ) فلا يحتج به

وإن كان قول القائل : " أسألك بمعاقد العز من عرشك " يعود إلى التوسل بصفة من صفات الله عز وجل : فهو توسل مشروع بأدلة أخرى ، تغني عن هذا الحديث الموضوع .

قال ابن الاثير رحمه الله

: " أسألك بمعاقد العز من عرشك ، أي : بالخصال التي استحق بها العرش العز ، أو بمواضع انعقادها منه ، وحقيقة معناه : بعز عرشك ، وأصحاب أبي حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء " .

فعلى الوجه الأول من هذا الشرح وهو الخصال التي استحق بها العرش العز : يكون توسلاً بصفة من صفات الله تعالى فيكون جائزاً ، وأما على الوجه الثاني الذي هو مواضع انعقاد العز من العرش :

فهو توسل بمخلوق فيكون غير جائز ، وعلى كلٍّ فالحديث لا يستحق زيادة في البحث والتأويل ؛ لعدم ثبوته ، فنكتفي بما سبق " انتهى كلام الألباني .

" التوسل أنواعه وأحكامه " ( ص 48 ، 49 ) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" هذا الحديث فيه من الغرابة كما ذكر السائل من أنه شرع قراءة الفاتحة في غير القيام في الركوع أو في السجود ، وتكرار ذلك ، وأيضًا في السؤال بمعاقد العز من العرش وغير ذلك

وكلها أمور غريبة ، فالذي ينبغي للسائل أن لا يعمل بهذا الحديث ، وفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا إشكال فيها

وفيها من نوافل العبادات والصلوات والطاعات ما فيه الخير والكفاية إن شاء الله ‏" انتهى .

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 1 / 46 ) .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود .

فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً . رواه مسلم ( 480 ) .

وفي جواب سؤال سبق ذكر الحديث وتضعيفه من جهة السند والمتن عن علماء اللجنة الدائمة فلينظر .

وأما الحديث الثاني الوارد في صلاة الحاجة فهو :

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جاءني جبريل عليه السلام بدعوات فقال : إذا نزل بك أمر من أمر دنياك فقدمهن ثم سل حاجتك : يا بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام

يا صريخ المستصرخين ، يا غياث المستغيثين ، يا كاشف السوء ، يا أرحم الراحمين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، يا إله العالمين ، بك أنزل حاجتي وأنت أعلم بها فاقضها ) .

رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " ( 1 / 275 ) -

وذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في " ضعيف الترغيب " ( 419 ) و " السلسلة الضعيفة " ( 5298 ) أنه موضوع .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 16:44
وأما الحديث الثالث : فهو :

عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم

ثم ليقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين ، أسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم

لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ، ولا هما إلا فرجته ، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين ) .

رواه الترمذي ( 479 ) وابن ماجه ( 1384 ) .

قال الترمذي : هذا حديث غريب ، وفي إسناده مقال .

وذكر الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " ( 416 ) وقال : حديث ضعيف جدّاً .

وقد سبق تضعيف الحديث في جواب السؤال بعد القادم فلينظر .

وأما الحديث الرابع فهو :

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا علي ، ألا أعلمك دعاء إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله

ويفرج عنك ؟ توضأ وصل ركعتين واحمد الله وأثن عليه ، وصل على نبيك ، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات ، ثم قل : اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون

لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين ، اللهم كاشف الغم ، مفرج الهم ، مجيب دعوة المضطرين إذا دعوك

رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، فارحمني في حاجتي هذه بقضائها ونجاحها رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ) .

رواه الأصبهاني – كما في " الترغيب والترهيب " ( 1 / 275 ) وضعفه الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب " ( 417 ) وقال : إسناده مظلم ، فيه من لا يُعرف

وانظر " السلسلة الضعيفة "( 5287 ) .

والخلاصة : أنه لم يصح في هذه الصلاة حديث ، فلا يشرع للمسلم أن يصليها ، ويكفيه ما ورد في السنة الصحيحة من صلوات وأدعية وأذكار ثابتة .

ثانياً :

وأما قول السائلة إنها جربتها فوجدتها نافعة : فهذا قد قاله غيرها قبلها ، والشرع لا يثبت بمثل هذا .

قال الشوكاني رحمه الله :

" السنَّة لا تثبت بمجرد التجربة ، وقبول الدعاء لا يدل على أن سبب القبول ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد يجيب الله الدعاء من غير توسل بسنَّة

وهو أرحم الراحمين ، وقد تكون الاستجابة استدراجاً " انتهى باختصار .

" تحفة الذاكرين " ( ص 140 ) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

" وأما ما ذكر من أن فلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً ، وفلانًا جرَّبه فوجده صحيحاً ؛ هذا كله لا يدل على صحة الحديث ، فكون الإنسان يُجرِّب الشيء ويحصل له مقصوده لا يدل على صحة ما قيل فيه أو ما ورد فيه

لأنه قد يصادف حصول هذا الشيء قضاءً وقدراً ، أو يصادف ابتلاءً وامتحاناً للفاعل ، فحصول الشيء لا يدل على صحة ما ورد به ‏" انتهى .

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 1 / 46 ) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 16:46
حديث أسألك بمعاقد العز من عرشك

السؤال

قرأت حديثاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصل

على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اسجد واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات ، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) ثم

قل اللهم إني أسألك بمعـاقد العز من عرشك ومنتهى الرحـمة من كتـابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة

ثم سل حاجتك ، ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينا ، وشمالا . ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون .

فهل هذا الحديث صحيح ؟.

الجواب

الحمد لله

الحديث المذكور أخرجه الحاكم وأورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وقال : تفرد به عامر بن خداش النيسابوري ، قال

: وقال شيخنا الحافظ أبو الحسن كان صاحب مناكير ، وقد تفرد به عن عمر بن هارون البلخي ، وهو متروك متهم ، أثنى عليه ابن مهدي وحده .

وبهذا تعرف أن الحديث ضعيف من جهة الإسناد .

هذا وقد دلت الأحاديث الصحيحة على النهي عن قراءة القرآن في السجود ؛ فيكون الحديث ضعيفاً أيضاً من جهة المتن ، فلا يجوز العمل به لعدم صحته ومخالفته للأحاديث الصحيحة .

وبالله التوفيق .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/439

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 16:49
صلاة الحاجة

السؤال

سؤالي عن صلاة الحاجة : كم مرة يصليها المرء ؟

ومتى يمكن صلاتها ؟

هل الأفضل صلاتها في الوقت الذي يتوقع فيه إجابة الدعاء ؟.

الجواب

الحمد لله

المشروع في حق المسلم أن يتعبد الله بما شرعه في كتابه ، وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يقال أن هذه عبادة مشروعة إلا بدليل صحيح .

وما يسمى بصلاة الحاجة : قد ورد في أحاديث ضعيفة ومنكرة - فيما نعلم - لا تقوم بها حُجّةٌ ولا تَصْلُحُ لبناء العمل عليها .
فتاوى اللجنة الدائمة 8/162 .

والحديث الوارد في صلاة الحاجة هو : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ قَالَ : " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ

فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيَقُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إِلا

غَفَرْتَهُ وَلا هَمًّا إِلا فَرَّجْتَهُ وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلا قَضَيْتَهَا لِي ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ " رواه ابن ماجة ( إقامة الصلاة والسنة/1374)

قال الترمذي هذا حديث غريب وفي إسناده مقال : فائد بن عبد الرحمن يُضعَّف في الحديث . وقال الألباني : بل هو ضعيف جداً . قال الحاكم : روى عن أبي أوفى أحاديث موضوعة .

مشكاة المصابيح ج1 ص 417 .

قال صاحب السنن والمبتدعات : بعد أن ذكر كلام الترمذي في فائد بن عبد الرحمن

وقال أحمد متروك ... وضعفه ابن العربي .

و قال :

وأنت قد علمت ما في هذا الحديث من المقال ، فالأفضل لك والأخلص والأسلم أن تدعو الله تعالى في جوف الليل وبين الأذان والإقامة وفي أدبار الصلوات قبل التسليم ، وفي أيام الجمعات

فإن فيها ساعة إجابة ، وعند الفطر من الصوم ، وقد قال ربكم ( أدعوني أستجب لكم ) وقال : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )

وقال : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) . كتاب السنن والمبتدعات للشقيري ص 124 .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 16:52
كم كانت عدد الركعات في صلاة التراويح على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

السؤال

ما يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بصلاة التراويح عشرين ركعة . هل هذا صحيح أم ضعيف ؟

أو لا أصل له ؟.

الجواب

الحمد لله

أولا :

جاء الأمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصلاة العشرين ركعة عن أربعة من التابعين ، وهذه رواياتهم :

1- عن السائب بن يزيد أنه قال : ( أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ جَمَعَ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ وَعَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى إِحدَى وَعِشرِينَ رَكعَةً ، يَقرَؤُونَ بِالمِئِينَ ، وَيَنصَرِفُونَ عِندَ فُرُوعِ الفَجرِ )

رواه عن السائب جماعة من الرواة : ومنهم من يذكر ( العشرين ) أو ( إحدى وعشرين ) أو ( ثلاث وعشرين ) وهم :

محمد بن يوسف ابن أخت السائب عن السائب : كما عند عبد الرزاق في "المصنف" (4/260) من رواية داود بن قيس وغيره عنه .

ويزيد بن خصيفة : أخرجه ابن الجعد في "المسند" (1/413) ، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/496)

والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب : أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/261)

فهذه روايات صحيحة من رواة ثقات عن السائب بن يزيد ، وفيها ذكر العشرين ركعة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والزيادة في رواية ( إحدى وعشرين ) أو ( ثلاث وعشرين ) إنما هو باعتبار القيام مع الوتر .

2- عن يزيد بن رومان قال : ( كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلاثٍ وَعِشرِينَ رَكعةً )

رواه عنه مالك في "الموطأ" (1/115) ، وقال النووي في "المجموع" (4/33) : " مرسل ، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر " انتهى .

3- عن يحيى بن سعيد القطان : ( أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلا يُصَلِّي بِهِم عِشرِينَ رَكعَةً )

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) عن وكيع عن مالك به ، ولكن يحيى بن سعيد لم يدرك عمر .

4- عن عبد العزيز بن رفيع قال : ( كَانَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالمَدِينَةِ عِشرِينَ رَكعَةً ، وَيُوتِرُ بِثَلاثٍ )

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) .

وبمجموع هذه الروايات يتبين أن العشرين ركعة كانت هي السنة الغالبة على التراويح في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومثل صلاة التراويح أمر مشهور يتناقله الجيل وعامة الناس

ورواية يزيد بن رومان ويحيى القطان يعتبر بهما وإن كانا لم يدركا عمر ، فإنهما ولا شك تلقياه عن مجموع الناس الذين أدركوهم ، وذلك أمر لا يحتاج إلى رجل يسنده ، فإن المدينة كلها تسنده .

قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (3/169) :

" وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ .

وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً .

وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/69) :

" وروي عشرون ركعة عن علي ، وشتير بن شكل ، وابن أبي مليكة ، والحارث الهمداني ، وأبي البختري ، وهو قول جمهور العلماء ، وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء

وهو الصحيح عن أبي بن كعب ، من غير خلاف من الصحابة ، وقال عطاء : أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر " انتهى .

وانظر ذلك مسندا في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/163)

يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (23/112) :

" ثبت أن أُبَىَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة فى قيام رمضان ، ويوتر بثلاث ، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة ؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر

واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة ، بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم " انتهى .

أما ما جاء من رواية الإمام مالك ويحيى القطان وغيرهما عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد في "الموطأ" (1/115) وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (2/162) بلفظ : ( إحدى عشرة ركعة )

فهو محمول على أنه كان في بداية الأمر ، ثم خُفِّفَ بعدُ على الناس ، فزاد عمر الركعات إلى عشرين ليخفف على الناس القراءة في القيام .

قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/68) :

" إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة ، ثم خفف عليهم طول القيام ، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة ، يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود

إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم ، والله أعلم " انتهى .

ويقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) :

" وأُبَىٌّ بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام ، فكثر الركعات ليكون ذلك عوضا عن طول القيام ، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته ، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة

ركعة أو ثلاث عشرة ، ثم بعد ذلك كأن الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام ، فكثروا الركعات ، حتى بلغت تسعا وثلاثين " انتهى .

ثانيا :

صلاة الليل الباب فيها واسع ، وهي غير محصورة بعدد ، فمن شاء قامها بإحدى عشرة ركعة ، ومن شاء زاد أو نقص ، وكذلك صلاة التراويح في رمضان .

يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) :

" وقال طائفة : قد ثبت فى الصحيح عن عائشة ( أن النبى لم يكن يزيد فى رمضان ولا غيره

على ثلاث عشرة ركعة ) واضطرب قوم فى هذا الأصل ؛ لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين .

والصواب أن ذلك جميعه حسن ، كما قد نص على ذلك الامام أحمد رضى الله عنه ، وأنه لا يتوقت فى قيام رمضان عدد ، فان النبى لم يوقت فيها عددا " انتهى .

ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (11/322) :

" وثبت عن عمر رضي لله عنه أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة ، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين ، وهذا يدل على التوسعة في ذلك

وأن الأمر عند الصحابة واسع ، كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام : ( صلاة الليل مثنى مثنى ) " انتهى

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 16:55
ما هي السورة التي تعدل نصف القرآن ؟

السؤال

ما هي السورة التي تعدل نصف القران ؟.

الجواب

الحمد لله

جاء في فضل بعض سور القرآن الكريم أحاديث كثيرة ، منها الصحيح ، وكثير منها ضعيف أو منكر ، ومن ذلك ما جاء في فضل سورة الزلزلة أنها تعدل نصف القرآن ، فقد ورد ذلك في أحاديث منكرة ، وهي :

الأول : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إذَا زُلْزِلَت تَعدِلُ نِصفَ القُرْآَنِ ) رواه الترمذي (2894) والحاكم (1/754)

وفي سنده يمان بن المغيرة العنزي ، قال فيه البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا ، يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك .

انظر "تهذيب التهذيب (4/452) "

وقد تفرد يمان بهذا الحديث ، دون جميع أصحاب عطاء ، ومثله لا يحتمل منه التفرد ، بل تفرده منكر ، والله أعلم .

وكلمة جماهير أهل العلم على تضعيف الحديث بسبب يمان بن المغيرة ، خلافا لمن صححه من أهل العلم

. فقد ضعفه الترمذي حيث قال بعد أن أخرجه : غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة ، وضعفه ابن عبد البر في "التمهيد" ) بقوله : هو من أحاديث الشيوخ وليس من أحاديث الأئمة

وضعفه ابن حجر في فتح الباري (8/687) ، والذهبي في تلخيص المستدرك ، والمناوي في "فيض القدير" (1/367) ، والشوكاني في الفتح الرباني (12/5930) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1342) : منكر .

الثاني : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( مَن قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ عُدِلَت لَهُ بِنِصفِ القُرْآنِ ) رواه الترمذي (2893)

وفي سنده الحسن بن سالم العجلي ، قال المزي : هو شيخ مجهول له حديث واحد ، وقال العقيلي : مجهول في النقل ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات .

انظر "تهذيب التهذيب" (1/396)

وقد اتفقت كلمة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث أيضا ، فقد ضعفه الترمذي بقوله بعد إخراجه : غريب

والعقيلي بقوله : "غير محفوظ" كما في "تهذيب التهذيب" (1/396)

وابن حبان في "المجروحين" (1/279) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/497) ، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/523) : منكر ، وكذا قال الألباني في "الضعيفة" (1342)

الثالث : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قَرَأَ إِذَا زُلزِلَتْ فِي لَيلَةٍ كَانَت لَهُ بِعَدل ِنِصفِ القُرْآنِ ) رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (691)

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله "السلسلة الضعيفة" (1342) :

: " أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسند أبي هريرة (2/195) ، وإسناده ضعيف جدا ، فيه عيسى بن ميمون المدني ، ضعفه الجماعة ، وقال أبو حاتم وغيره : متروك الحديث " انتهى .

وقال ابن حجر في نتائج الأفكار (3/268) :

" في إسناده راو شديد الضعف " انتهى .

فيتبين بما سبق أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون سورة الزلزلة تعدل نصف القرآن ، ولكن يبدو أن بعض الأئمة من السلف كان يأخذ بهذه الأحاديث

ويذهب في اجتهاده إلى أن ما في سورة الزلزلة من المعاني العظيمة تعدل نصف المقاصد التي جاء القرآن الكريم لتحقيقها .

جاء في "مصنف عبد الرزاق" (3/372) : عن معمر قال :

( سمعت رجلا يحدث أن إذا زلزلت تعدل شطر القرآن )

وعن جعفر عن هشام بن مسلم قال : سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول :

( إذا زلزلت الأرض نصف القرآن ) .

وروى أبو عبيد عن الحسن البصري مرسلا :

( إذا زلزلت تعدل نصف القرآن ، والعاديات تعدل نصف القرآن )

انظر "الإتقان" للسيوطي (2/413)

وجاء عن عاصم بن أبي النجود الإمام المقرئ قوله :

( كان يقال : من قرأ إذا زلزلت فكأنما قرأ نصف القرآن )

قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/270) : رجاله ثقات .

يقول المناوي في "فيض القدير" (1/367) :

" لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد ، و" إذا زلزلت " مقصورة على ذكر المعاد ، مستقلة ببيان أحواله ، فعادلت نصفه ، ذكره القاضي " انتهى .

فهو اجتهاد لبعض السلف ، لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يعني أبدا أنها تعدل نصف القرآن في الأجر والمثوبة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 16:58
من هم القَصَّاصُون ؟

السؤال

من هم القُصَّاصُ الذين يعتبرون من التالفين الضعفاء ، الذين يعيبهم أنهم قَصَّاصُون ؟

هل هم أي شخص يعظ الناس ويذكر القَصَص ؟

أم هناك تفصيل في المسألة ؟.

الجواب

الحمد لله

القَصُّ هو فن مخاطبة العامة ووعظهم بالاعتماد على القصة .

يقول ابن الجوزي رحمه الله :

" القاص هو الذي يتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها...

والتذكير هو تعريف الخلق نِعَمَ الله عز وجل عليهم ، وحثهم على شكره ، وتحذيرهم من مخالفته .

وأما الوعظ فهو تخويف يرق له القلب..

وقد صار اسم القاصِّ عامًّا للأحوال الثلاثة " انتهى .

"القُصَّاص والمذكرون" (157-159) .

والقصص والوعظ محمود وممدوح من حيث الأصل ؛ وذلك أن الله تعالى يقول :

( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأعراف/176

وقال تعالى : ( وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ) النساء/63 .

وقال تعالى : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) الذاريات/55 .

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذكِّرُ الناس ويعظهم ، ويقص عليهم من أنباء الأمم السابقة ما فيه العبرة والموعظة .

فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال :

( وَعَظَنَا رَسُولُ الَّلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَت مِنهَا العُيونُ ، وَوَجِلَت مِنهَا القُلوبُ ) . رواه الترمذي (2676) وقال : حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث الناس عن قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار ، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة أن يفرجها عنهم حتى انفرجت .

رواه البخاري (2215) ومسلم ( 2743) .

وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون الناس بالله تعالى ، ويقرؤون عليهم القرآن والحديث ، ويدعونهم إلى الاعتبار والادكار بأحوال الماضين .

فعن أبي وائل قال : ( كَانَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ ، فَقَالَ لَه رَجُلٌ : يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن ، لَوَدِدتُ أَنَّك ذَكَّرتَنَا كُلَّ يَومٍ ، قَالَ : أَمَا إِنَّه يَمنَعُنِي مِن ذَلك أَنِّي أَكرَه أَن أُمِلَّكم

وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُم بِالمَوعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا ) . رواه البخاري (70) ومسلم (2821) .

فمن سار على هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فوعظ الناس وذكرهم بالله تعالى على علم وبصيرة ، ولم يَتَقَحَّم أبوابَ الكذب والرياء والمبالغة والجهل ، فذلك لا سبيل إلى الإنكار عليه ، بل هو مأجور مشكور .

قال الإمام أحمد : إذا كان القاص صدوقاً فلا أرى بمجالسته بأساً .

وسئل الأوزاعي عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم فقال : إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس .

وروى الخلال عن أبي بكر المروذي قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يعجبني أمر القصاص لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر ، قلت له : فترى الذهاب إليهم ؟ قال : إي لعمري إذا كان صدوقا .

قال : وجاء رجل إلى الإمام أحمد فشكا له الوسوسة فقال : عليك بالقاص ، ما أنفع مجالستهم .

ولكن لما دخل في باب الوعظ والقص والتذكير من يتقحم ما لا علم له به ، فيكذب في الحديث أو يزيد وينقص ، أو يظهر عليه حب الظهور والسمعة

أو يكون سيئ السيرة والعمل ، لما كان ذلك : اضطر الأئمة من أهل العلم إلى التحذير من أمثال هؤلاء والتنفير منهم .

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج من المسجد ويقول : ما أخرجني إلا القصاص ولولاهم ما خرجت .

وعن أم الدرداء أنها بعثت إلى رجلين من الناس : قل لهما فليتقيا الله تعالى وتكون موعظتهما للناس لنفسهما .

وعن شعبة بن الحجاج أنه دنا منه شاب فسأل عن حديث فقال له : أقاص أنت ؟ فقال : نعم ، قال : اذهب فإنا لا نحدث القصاص ، فقال له : لم ؟

قال : يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا ! أي أنهم يزيدون في الحديث .

وسئل سفيان الثوري :

نستقبل القصاص بوجوهنا ؟

فقال : ولوا البدع ظهوركم .

انظر الآثار السابقة في "الآداب الشرعية" (2/82-89) .

وقال ابن الجوزي :

"معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص" انتهى .

"القصاص" (308)

فالحاصل : أن القص ليس مذموما لذاته ، وإنما لما قد يختلط به من الكذب والمبالغة والجرأة على الدين .

يقول ابن الجوزي : " والقُصَّاصُ لا يُذَمون من حيث هذا الاسم ، وإنما ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القَصَصِ دون ذكر العلم المفيد ، ثم غالبُهم يُخَلِّط فيما يورده ، وربما اعتمد على ما أكثره محال " انتهى .

"تلبيس إبليس" (134) .

وقال الإمام أحمد : " القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث ، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه " انتهى .

"الآداب الشرعية" (2/85) .

وبذلك تعلم أن وصف الراوي بأنه من القُصَّاص لا يَلزم منه توثيقا له ولا تجريجا ، فقد كان من القصاص الرواة الثقات ، كما كان منهم الضعفاء ، وهذه بعض الأمثلة :

سعيد بن حسان المخزومي : قاص أهل مكة ، قال ابن معين وأبو داود والنسائي : ثقة .

"تهذيب التهذيب" (4/15) .

عائذ الله بن عبد الله بن عمرو : قال مكحول : ما رأيت أعلم منه ، وقال الزهري : كان قاص أهل الشام وقاضيهم .

"تهذيب التهذيب" (5/74) .

ثابت بن أسلم البناني : قال أحمد : ثابت يتثبت في الحديث ، وكان يقص ، وقتادة كان يقص

. "تهذيب التهذيب" (2/3) .

قال ابن الجوزي : وقد بلغنا عن حماد بن سلمة أنه قال : كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث ، فكنت أقلب الأحاديث على ثابت ، أجعل أنسا لابن أبي ليلى

وأجعل ابن أبي ليلى لأنس ، أشوشها عليه ، فيجيء بها على الاستواء "

انتهى . يعني : أنه اختبره فوجده حافظاً للحديث .

"القصاص" (260) .

وممن كان يقص من الضعفاء :

أحمد بن عبد الله بن عياض المكي : له مناكير ، قال أبو حاتم : كان يقص .

"ميزان الاعتدال" (1/248) .

دراج أبو السمح : قال أحمد : أحاديثه مناكير ولَيَّنَه

وقال ابن يونس : كان يقص بمصر .

"ميزان الاعتدال" (3/40) .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 17:01
مبيت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر في غار ثور

السؤال

أبحث عن الحديث الذي روى قصة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر لمكة واختبأ في الكهف وكانت الملائكة تغطي بأجنحتها على مدخل الكهف حتى لا يراه من كان يبحث عنه من الكفار .

ما يعرفه أغلب الناس أن عنكبوتاً بنى بيته على مدخل الكهف ولكنني وجدت أن هذه الرواية ضعيفة أو ملفقة وأن الرواية التي تخبر أن الملائكة غطت بأجنحتها مدخل الكهف هي الرواية الصحيحة .

هل يمكن أن تخبرني باسم الراوي وفي أي كتاب حديث أو سيرة أجد هذه الرواية ؟ .

الجواب

الحمد لله

ذكر مبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله في الغار في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليك بيانها :

أولاً : من كتاب الله ..

ورد في كتاب الله قصة المبيت في الغار قال تعالى :

" إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ

عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " المائدة / 40 .

فالآية نص واضح على ائتمار المشركين على قتله صلى الله عليه وسلم ، وأنهما باتا في الغار .

ثانياً : السنة ..

أما ما صح من السنة النبوية في قصة المبيت في الغار :

1 - ‏‏عَنْ عَائِشَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ،‏ ‏زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏قَالَتْ : ...

ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَأَبُو بَكْرٍ ‏‏بِغَارٍ فِي ‏‏جَبَلِ ثَوْرٍ ،‏‏ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ،‏ ‏وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ ( أي حاذق سريع الفهم ) ،

‏فَيُدْلِجُ ‏‏مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ ( أي يخرج من عندهما آخر الليل ) فَيُصْبِحُ مَعَ ‏‏قُرَيْشٍ ‏ ‏بِمَكَّةَ ‏‏كَبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا ‏‏يُكْتَادَانِ ‏بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ ... الحديث .

رواه البخاري (3905) في قصة طويلة بوب عليها : هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة .

2 - ‏عَنْ ‏‏أَبِي بَكْرٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ :‏ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَأَنَا فِي الْغَارِ : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ ‏‏: مَا ظَنُّكَ يَا ‏‏ أَبَا بَكْرٍ ‏‏بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا . رواه البخاري (3653) .

وأما قصة نسج العنكبوت فقد رواها الإمام أحمد (3241) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) قَالَ :

تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ اقْتُلُوهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ أَخْرِجُوهُ .

فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ

وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ ، فَقَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ

فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ ، فَقَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ .

وقد اختلف العلماء في هذا الحديث ، فحسن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" وابن كثير في "البداية

والنهاية" (3/222) . وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (3251) : في إسناده نظر اهـ . وقال محققو المسند (3251) : إسناده ضعيف اهـ . والله أعلم .

وأما قصة الحمامتين فقد ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية" (3/223) وقال رواها ابن عساكر ثم قال : هذا حديث غريب جداً من هذا الوجه اهـ وضعفها كذلك محققو المسند في الموضع المشار إليه سابقاً .

وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3/339) :

واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات التي تلقى بمناسبة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فكن من ذلك على علم اهـ .

وأما ستر الملائكة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر فقد رواه الطبراني في "الكبير" (24/106-108) من حديث أسماء بنت أبي بكر . وهو حديث طويل وفيه :

(فقال أبو بكر لرجل يراه مواجه الغار : يا رسول الله إنه ليرانا ، فقال : كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها ... الحديث) .

وهذا الحديث في سنده يعقوب بن حُمَيْد بن كاسِب المدني ، وقد اختلف فيه أهل العلم .

انظر : "تهذيب الكمال" للمزي (32/318-323) .

فضعفه ابن معين ، وأبو حاتم ، والنسائي ، ووهَّاه أبو زرعة الرازي .

وقال أبو داود السجستاني رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها ، فطالبناه بالأصول ، فدافعنا ، ثم أخرجها بعد ، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري ، كانت مراسيل ، فأسندها وزاد فيها .

وقال ابن عدي : لا بأس به وبرواياته ، وهو كثير الحديث ، كثير الغرائب .

وقال الذهبي : كان من علماء الحديث لكنه له مناكير وغرائب .

ووثقه ابن حبان . وقال عنه الحافظ ابن حجر : صدوق له أوهام .

والألباني رحمه الله يحسن حديثه غير أنه توقف في تحسين هذا الحديث ،

قال رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/263) :

المتقرر في يعقوب هذا أنه حسن الحديث .

. . فإن لم يكن في الإسناد علة أخرى فهو حسن . .

. ثم قال : وشيخ الطبراني أحمد بن عمرو الخلال المكي لم أقف له على ترجمة ، وقد أخرج له في "المعجم الأوسط" نحو 16 حديثا ، مما يدل على أنه من شيوخه المشهورين ، فإن عرف أو توبع فالحديث حسن اهـ .

والله تعالى أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 17:03
هل صحيح أنه لا توجد أي رواية ضعيفة ؟

السؤال

ما عدد الروايات للحديث مقارنة بعدد الرواة . وهل هو صحيح أنه لا توجد أي رواية ضعيفة مع وجود عدد كبير من الرواة الضعاف ؟.

الجواب

الحمد لله

يصعب عقد مقارنة بين عدد الروايات وعدد الرواة ؛ لأن الحديث الواحد قد يرويه جماعة من الرواة ، كما أن الراوي قد يروى عددا من الأحاديث.

والقول بأنه لا توجد رواية ضعيفة ، قول عار عن الصحة ، فإن حال الراوي ومنزلته في العدالة والضبط والحفظ ، له أثر في الحكم على مروياته .

ونحن نضرب لك أمثلة على ذلك :

الأول : حديث " اقرؤوا يسن على موتاكم" رواه أبو داود وابن ماجه ، من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل بن يسار .

والحديث ضعيف لجهالة أبي عثمان ، وجهالة أبيه. [انظر : إرواء الغليل 3/150 رقم 688].

الثاني : حديث " لا يفرق بين والدة وولدها " رواه البيهقي ، من حديث حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده.

قال النووي رحمه الله :

( وهو حديث ضعيف ، وحسين بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه) المجموع 9/445

فهذه الأحاديث ضعفت لضعف رواتها .

وقد يكون السند ضعيفا ، ويصح الحديث ؛ لوروده من طريق آخر صحيح .

كما أنه قد يصح السند ، ويضعف المتن ، لعلة فيه .

وهذا علم واسع يحتاج إلى دراسة وممارسة .

والله أعلم .

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 17:06
درجة حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه "ومعناه

السؤال

ما صحة الحديث ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ومعنى الحديث وشكرا.

الجواب

الحمد لله

هذا الحديث رواه الترمذي 3713 وابن ماجه 121 ، وقد اختُلِفَ في صحته َقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ1/189 ( وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كحَدِيثِ " مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلاهُ ")

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

( وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه.

. وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب) منهاج السنة 7/319. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ : ( وَأَمَّا حَدِيثُ : مَنْ كُنْت مَوْلاهُ فَلَهُ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ )

. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1750 وناقش من قال بضعفه .

وصحة هذه الجملة عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ إن صحت ـ لا تكون بحال دليلا على إثبات ما ألحقه به الغالون من زيادات في الحديث للتوصل إلى تقديمه رضي الله عنه على بقية الصحابة كلهم

أو إلى الطعن في الصحابة بأنهم سلبوه حقه ، وقد أشار شيخ الإسلام إلى بعض هذه الزيادات وتضعيفها في عشرة مواضع من منهاج السنة .

ومعنى الحديث اختلف فيه ، وأيَّاً كان فإنه لا يناقض ما هو ثابت و معروف بالأحاديث الصحاح من أن أفضل الأمة أبو بكر و أنه الأحقُّ بالخلافة

ثم يليه عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنه الله عنهم أجمعين لأن ثبوت فضل معين لأحد الصحابة ، لا يدل على أنه أفضلهم ، ولا ينافي كون أبي بكر أفضلهم كما هو مقرر في أبواب العقائد .

ومن هذه المعاني التي ذكرت لهذا الحديث ( قِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ كُنْت أَتَوَلاهُ فِعْلِيٌّ يَتَوَلاهُ مِنْ الْوَلِيِّ ضِدُّ الْعَدُوِّ . أَيْ مَنْ كُنْت أُحِبُّهُ فِعْلِيٌّ يُحِبُّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يَتَوَلاَّنِي فِعْلِيٌّ يَتَوَلاَّهُ ذَكَرَهُ الْقَارِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِ

, وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ : قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ اِسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ الرَّبُّ وَالْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُنْعِمُ وَالْمُعْتِقُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُحِبُّ وَالتَّابِعُ وَالْجَارُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْحَلِيفُ وَالْعَقِيدُ

وَالصِّهْرُ وَالْعَبْدُ وَالْمُعْتَقُ وَالْمُنْعَمُ عَلَيْهِ وَأَكْثَرُهَا قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا أَوْ قَامَ بِهِ فَهُوَ مَوْلاهُ وَوَلِيُّهُ , والحديث المذكور يُحْمَلُ عَلَى أَكْثَرِ الأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ

. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي بِذَلِكَ ولاءَ الإِسلامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ "

قَالَ الطِّيبِيُّ : لا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُحْمَلَ الْوِلايَةُ عَلَى الإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّصَرُّفُ فِي أُمُورِ الْمُؤْمِنِينَ لأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ الْمُسْتَقِلَّ

فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ هُوَ لا غَيْرُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَحَبَّةِ ووَلاءِ الإِسْلامِ وَنَحْوِهِمَا ) عن تحفة الأحوذي شرح الترمذي حديث 3713 بتصرف .

: الشيخ محمد صالح المنجد

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 17:09
من الذي جمع الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم

السؤال

من هم الذين جمعوا الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم؟

(التي تعتبر صحيحة).

الجواب

الحمد لله

هناك من قام بجمع الأحاديث الصحيحة غير البخاري ومسلم مثل إبن خزيمة وابن حبّان في صحيحيهما

وابن السكن في صحيحه

والحاكم في المستدرك

والضياء المقدسي في المختارة

ولكن لم يبلغ عمل أحد منهم مبلغ الصحيحين .

الشيخ سعد الحميد

*عبدالرحمن*
2018-11-09, 17:12
و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

مع جذء اخر من

سلسله الحديث

و من لاديه استفسار بهذا الجزء او لديه الحديث يريد التاكيد عليه يتقدم به

و اسال الله ان يجمعني بكم
دائما علي خير

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

abdesselam1
2020-06-07, 12:13
كنت اتمنا ان تاتينا بمصادر هدا الدي تسميه علم قريبة جدا من حياة الرسول صلى الله عليه و سلم للاسف كلها بعد القرن الرابع فكيف بعد مرور اربع قرون من وفاة الراوي الول نعرف عدالته للاسف هدا ليس علم