مشاهدة النسخة كاملة : مصطلح الحديث
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 15:11
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تقدم موضوع
الحديث وعلومه
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2148923
مصطلح الحديث
https://b.top4top.net/p_901ur4q81.jpg (https://up.top4top.net/)
وبعد أيها القارئ الكريم
فهذه جملة من القواعد التي ذكرها
أهل العلم نسوقها إليك
عسى الله أن ينفعنا وإياكم بها
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 15:18
السؤال :
ما هو أول كتاب ألف في تراجم رواة الكتب الستة ؟
وما اسم مؤلفه ؟
الجواب :
الحمد لله
أول من علمناه ألف في تراجم رجال الكتب الستة هو حافظ الشام أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر ، صاحب "تاريخ دمشق" ، والمتوفى سنة : 571 من الهجرة ، في كتابه : "المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل" .
إلا أنه اقتصر فيه على شيوخ أصحاب الستة ، دون الرواة الآخرين .
وأورد التراجم على سبيل الاختصار فذكر اسم المترجم ونسبته، ثم من روى عنه من أصحاب الكتب الستة، ثم توثيقه، وأتبع ذلك بتاريخ وفاته إن وقع له.
ثم جاء الحافظ الكبير أَبُو مُحَمَّد عبد الغني بْن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفى سنة 600 من الهجرة ، فألف كتابه : "الكمال في أسماء الرجال" ، وتناول فيه جميع رجال الكتب الستة من الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى شيوخ أصحاب الكتب الستة، إلا أنه لم يستوعب على التمام رواة الستة ، فحصل في كتابه بعض النقص والإخلال .
ثم جاء الحافظ الكبير يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج المزي المتوفى سنة 742 من الهجرة ، فألف كتابه الشهير " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " ، فاستدرك ما فات "الكمال" ، وزاد عليه ، حتى صار كتابه ثلاثة أضعاف الكمال" تقريبا .
وقد اعتنى أهل العلم بهذا الكتاب اعتناء تاما ، وصنفوا عليه المصنفات الكثيرة ، منها "تذهيب التهذيب" للحافظ الذهبي ، و"التذكرة في رجال العشرة" لأبي المحاسن الحسيني ، و"التكميل في الجرح والتعديل" للحافظ ابن كثير ، و"بغية الأريب في اختصار التهذيب" لابن بردس البعلبكي، و"إكمال تهذيب الكمال" لابن الملقن.
ثم جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ، فألف كتابه الشهير "تهذيب التهذيب" فاختصر "تهذيب الكمال" واستدرك عليه ، وزاد ، ثم اختصره إلى "تقريب التهذيب" واقتصر فيه على اسم المترجم مختصرا ودرجة توثيقه وطبقته.
وينظر: مقدمة "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (1/37 -70) د. بشار عواد معروف
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 15:23
فوارق مهمة بين مجموعة من كتب التراجم
السؤال:
ما الفرق بين الكتب التالية ، وأيها يغني عن الآخر ؟ - تهذيب الكمال للمزي . - تهذيب التهذيب لابن حجر ، تقريب التهذيب لابن حجر . - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي ، ميزان الاعتدال للذهبي . - لسان الميزان لابن حجر ، سير أعلام النبلاء للذهبي ، الكامل في الضعفاء لابن عدي .
الجواب :
الحمد لله
طالب العلم لا يستغني عن أي كتاب ، حتى لو كان مختصرا لكتاب آخر ، أو مستلا منه ، فغالبا ما سيجد فيه إضافة علمية مهمة يحتاجها في بحثه ودرسه ، فقد كان من هدي العلماء الأوائل الحرص على تقديم الجديد في مؤلفاتهم وكتبهم ، كي لا تذهب أوقاتهم هدرا في تكرار علم اشتملت عليه الكتب الأخرى ، وخاصة كتب الحديث .
فكتب التراجم وعلم الرجال إذن - كلها بمجموعها - تشكل موسوعة تاريخية لا نظير لها في الدنيا ، ولا يستغني عنها طالب العلم الباحث المدقق .
وبيان ذلك أن كلا من " تهذيب الكمال "، و " تهذيب التهذيب "، و " تقريب التهذيب "، و " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة "، هي مختصرات وإضافات ترجع إلى أصل واحد ، هو كتاب " الكمال في معرفة أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي (ت600هـ) ، إلا أن كل كتاب من هذه تميز بأمور لا تجدها في غيره .
فـ " تهذيب الكمال " أضاف إلى " الكمال " مئات التراجم التي فاتته ، كما قال مؤلفه نفسه الإمام المزي رحمه الله :
" تتبعت الأسماء التي حصل منه إغفالها ، فإذا هي أسماء كثيرة ، تزيد على مئاتٍ عديدة من أسماء الرجال والنساء . ثم وقفت على عدة مصنفات لهؤلاء الأئمة الستة غير هذه الكتب الستة ، فإذا هي تشتمل على أسماء كثيرة ليس لها ذكر في الكتب الستة ، ولا في شيء منها ، فتتبعتها تتبعاً تامّاً ، وأضفتها إلى ما قبلها ، فكان مجموع ذلك زيادة على ألف وسبعمائة اسم من الرجال والنساء "
انتهى من " تهذيب الكمال " (1/148) .
و" تهذيب التهذيب " مثلا اختصر من أسماء الشيوخ والتلاميذ لكل راو ما يضطرك إلى الأصل المطبوع في " تهذيب الكمال " في كثير من الأحيان ، ولكنه أضاف على المزي كثيرا من أقوال المجرحين أو المعدلين التي فاتته
كما قال ابن حجر رحمه الله :
" اقتصرت من شيوخ الرجل ومن الرواة عنه - إذا كان مكثراً - على الأشهر والأحفظ والمعروف ...ومهما ظفرت به بعد ذلك من تجريح وتوثيق ألحقته ، ولا أحذف من رجال " التهذيب " أحداً ، بل ربما زدت فيهم من هو على شرطه "
انتهى من " تهذيب التهذيب " (1/4) .
وأما كتاب " تقريب التهذيب " فهو مختصر جدا ، لا ينفع الباحث في التعرف المفصل على الراوي وبيان حاله ، ولكنه تميز بذكر خلاصة الحكم على الراوي ، في رأي المؤلف ، الأمر الذي لا تجده في الكتب السابقة
كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" يتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة ، وهي : أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه ، وأعدل ما وصف به بألخص عبارة ، وأخلص إشارة ، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً "
انتهى من " مقدمة تقريب التهذيب ".
وكذلك حال كتاب " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة " للإمام الذهبي ، فهو مختصر جدا ، لا يفيد الباحث في معرفة الشيوخ والتلاميذ وأقوال النقاد والسماع والاتصال والانقطاع ونحو ذلك ، وحذف منه تراجم الرواة في غير الكتب الستة تحديدا ، ولكن فيه إضافة نافعة ، وهي أيضا ذكر خلاصة حكم الإمام الذهبي على الراوي بكلمات معدودة .
قال الذهبي في مقدمته :
" اقتصرت فيه على ذكر من له رواية في الكتب الستة دون باقي تلك التواليف التي في " التهذيب "، ودون من ذُكِرَ للتمييز أو كُرِّر للتنبيه "
وهكذا كل كتاب مما سبق فيه بعض الميزات التي لا توجد في غيره ، وفيه نواقص نسبية ، بمعنى أن هذه النواقص قد لا تكون مهمة لبعض الباحثين ، وقد تكون ضرورية لآخرين ، بحسب الباحث ونوع البحث الذي يجريه . لكن في المجمل العام ، طالب العلم الجاد لا يستغني عن شيء منها .
أما الكتب الأخرى ، فكتاب " ميزان الاعتدال " للحافظ الذهبي جمع فيه كل من ضعفه أحد النقاد من الرواة ، سواء من رواة الكتب الستة أو غيرهم ، وسواء كان التضعيف بحق أم بغير حق ، ولم يستثن سوى الصحابة وأئمة المذاهب المتبوعة .
يقول رحمه الله :
" احتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين الوضاعين المتعمدين قاتلهم الله ، وعلى الكاذبين في أنهم سمعوا ولم يكونوا سمعوا ، ثم على المتهمين بالوضع أو بالتزوير ، ثم على الكذابين في لهجتهم لا في الحديث النبوي ، ثم على المتروكين الهلكى الذين كثر خطؤهم وترك حديثهم ولم يعتمد على روايتهم ، ثم على الحفاظ الذين في دينهم رقة ، وفي عدالتهم وهن ، ثم على المحدثين الضعفاء من قبل حفظهم
فلهم غلط وأوهام ، ولم يترك حديثهم ، بل يقبل ما رووه في الشواهد والاعتبار بهم لا في الأصول والحلال والحرام ، ثم على المحدثين الصادقين أو الشيوخ المستورين الذين فيهم لين ، ولم يبلغوا رتبة الأثبات المتقنين ، ثم على خلق كثير من المجهولين ممن ينص أبو حاتم الرازي على أنه مجهول
أو يقول غيره : لا يعرف ، أو فيه جهالة ، أو يجهل ، أو نحو ذلك من العبارات التي تدل على عدم شهرة الشيخ بالصدق ، إذ المجهول غير محتج به ، ثم على الثقات الأثبات الذين فيهم بدعة ، أو الثقات الذين تكلم فيهم من لا يلتفت إلى كلامه في ذلك الثقة ، لكونه تعنت فيه ، وخالف الجمهور من أولي النقد والتحرير ، فإنا لا ندعى العصمة من السهو والخطأ في الاجتهاد في غير الأنبياء " .
انتهى من " ميزان الاعتدال " (1/3).
ثم جاء الحافظ ابن حجر واختصر من " ميزان الاعتدال " كل التراجم الموجودة في " تهذيب التهذيب "، وأضاف عليه من وصف بالضعف وفات الذهبي ذكره ، وسمى كتابه " لسان الميزان "، فمن اقتنى " تهذيب التهذيب " و " لسان الميزان " أغناه إن شاء الله عن " ميزان الاعتدال ".
يقول ابن حجر رحمه الله :
" من أجمع ما وقفت عليه في ذلك كتاب " الميزان " الذي ألفه الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، رأيت أن أحذف منه أسماء من أخرج له الأئمة الستة في كتبهم أو بعضهم ، فلما ظهر لي ذلك استخرت الله تعالى ، وكتبت منه ما ليس في تهذيب الكمال...وقد جمعت أسماءهم - أعني من ذكر منهم في الميزان
- وسردتها في فصل آخر الكتاب ، ثم إني زدت في الكتاب جملة كثيرة... وما زدته في أثناء ترجمة ختمت كلامه بقول انتهى وما بعدها فهو كلامي ، وسميته لسان الميزان "
انتهى من " لسان الميزان " (1/192) .
وأما كتاب " الكامل في ضعفاء الرجال " لابن عدي ، فيغني عنه ما سبق من الكتب ، فقد استوعب ما فيه كل من ابن حجر والذهبي رحمهما الله ، ومع ذلك فمن أراد التدقيق لم يكتف بالكتب التي تنقل عنه ، بل يرجع إلى المصدر مباشرة ، كي يقف على الترجمة المطولة ، ويدقق في دقة النقل عنه أصلا
فكثيرا ما تقع الأوهام في نقل آراء ابن عدي ، وكثيرا ما تتضح في تراجم ابن عدي أحوال الرواة بشكل أفضل ، لما تميز به من جمع مناكير الراوي وما أخذ عليه في ترجمته . وهذا المنهج لا بد أن يستفاد منه في أي عمل موسوعي قادم .
يبقى أخيرا الحديث حول كتاب " سير أعلام النبلاء " للإمام الذهبي ، فهو من الموسوعات المهمة للباحث ، لما فيه من جمع عريض ، وتراجم شاملة ، ليست لرواة الحديث فحسب ، بل لكل من عرفه الذهبي من المشاهير عنده ، من الأمراء والعلماء والمصنفين وغيرهم من كل من كان له ذكر في التاريخ الإسلامي ، بل فيه تراجم لغير المسلمين أيضا . فهو كتاب مهم ، ومرجع أساس للباحث في التراث .
يقول الدكتور بشار عواد معروف :
" استعمل الذهبي لفظ " الأعلام " ليدل على المشهورين جدا بعرفه هو ، لا بعرف غيره ، ذلك أن مفهوم " العَلَم " يختلف عند مؤلف وآخر استنادا إلى عمق ثقافته ، ونظرته إلى البراعة في علم من العلوم ، أو فن من الفنون ، أو عمل من الأعمال ، أو أي شيء آخر . لذلك وجدنا أن سعة ثقافة الذهبي ، وعظيم اطلاعه
وكثرة معاناته ودربته بهذا الفن ، قد أدت إلى توسيع هذا المفهوم ، بحيث صرنا نجد تراجم في " السير " مما لا نجده في كتب تناولت المشهورين ، مثل " المنتظم " لابن الجوزي ، و " الكامل " لابن الأثير ، و " البداية " لابن كثير ، و " عقد الجمان " لبدر الدين العيني ، وغيرها .
لم يقتصر الذهبي في " السير " على نوع معين من " الأعلام "، بل تنوعت تراجمه فشملت كثيرا من فئات الناس ، من الخلفاء ، والملوك ، والأمراء والسلاطين ، والوزراء ، والنقباء ، والقضاة ، والقراء ، والمحدثين ، والفقهاء ، والأدباء ، واللغويين ، والنحاة ، والشعراء ، وأرباب الملل والنحل والمتكلمين والفلاسفة ، ومجموعة من المعنيين بالعلوم الصرفة " .
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (طبعة الرسالة، المقدمة/ 110) .
نرجو أن نكون قد بينا في هذه العجالة تعريفا موجزا بهذه الكتب ، والفوارق بينها ، وما تميز كل منها عن الآخر .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 15:29
السؤال :
ما الفرق بين الفقهاء والمحدثين في الحديث الصحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا:
الحديث الصحيح عند المحدثين؛ هو الحديث الذي ورد:
" بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ "
انتهى، من "نزهة النظر" (ص 52).
وقد بسط الشافعي رحمه الله تعالى شروط الصحة، فقال:
" ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:
منها: أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدِّث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، أو أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث على المعنى، وهو غير عالم بما يحيل به معناه: لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام . وإذا أداه بحروفه، فلم يبق وجه يُخاف فيه إحالته الحديث .
حافظا إن حدث به من حفظه، حافظا لكتابه، إن حدث من كتابه.
إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم .
بريا من أن يكون مدلسا: يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي.
ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي أو إلى من انتهي به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت "
انتهى. "الرسالة" (ص 370 - 372).
فيشترط لصحة الحديث خمسة شروط:
الشرط الأول: اتصال السند: وهو أن يكون كل راو في السند قد أخذ الحديث عن الراوي قبله (شيخه) مباشرة، إلى أن يصل السند إلى نهايته. فلهذا وجود انقطاع في سلسلة السند يضعفه ويخرجه عن حدّ الصحة.
الشرط الثاني: أن يكون كل راو في السند قد تحققت عدالته، بأن يكون مسلما موثوقا بدينه وتقواه.
الشرط الثالث: أن يكون كل راو في السند قد تحقق ضبطه، وهو إن كان يحدث من حفظه فيكون ممن ثبت أنه متقن لما يحفظ، وإن كان يحدث من كتابه فيكون ممن عرف بمحافظته على ما كتبه عن شيوخه، فلا تلحقه زيادة ولا نقصان.
الشرط الرابع: أن يكون الحديث سالما من الشذوذ: فلا يخالف فيه راويه الجماعة، ومن هو أرجح منه في الحفظ.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
" ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس، هذا الشاذ من الحديث "
انتهى. من "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص 119).
الشرط الخامس: أن يكون الحديث سالما من العلة، والعلة هي شيء خفي يؤثر في صحة الحديث، مع أنه في الظاهر سليم منها.
قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:
" فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها "
انتهى. "مقدمة ابن الصلاح" (ص 187).
فهي إذًا: سبب خفي لا يدرك إلا بالبحث والتفتيش بعد جمع أسانيد الحديث وطرقه.
قال الخطيب رحمه الله تعالى:
" والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط "
انتهى. "الجامع" (2 / 295).
ثانيا:
الفقهاء يوافقون المحدثين على أن الحديث بهذه الشروط الخمسة هو صحيح، ولهذا نص بعض أهل العلم أن الحديث الذي توفرت فيه هذه الشروط الخمسة، هو مجمع على صحته.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
" فالصحيح المجمع عليه:
ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين، من غير شذوذ ولا علة " انتهى. "المقنع" (1 / 42).
والفقهاء رأوا أيضا أن الحديث يصح بدون شرطي نفي الشذوذ والعلة، واكتفوا بالشروط الثلاثة الباقية ( اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبطهم ).
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
" ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر من الفقه.
فمن لم يقبل المرسل منهم: زاد في ذلك أن يكون مسندا " انتهى، من "الاقتراح" (ص 215 - 216).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" الحديث الصحيح:
هو ما دار على: عدل متقن واتصل سنده. فإن كان مرسلا ففي الاحتجاج به اختلاف. وزاد أهل الحديث: سلامته من الشذوذ والعلة. وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإن كثيرا من العلل يأبونها " انتهى. "الموقظة" (ص 24).
وسبب ذلك أن نظر الفقهاء منصب على معنى نص الحديث؛ حيث يجب ألا يكون بينه وبين الشرع مناقضة.
قال الحازمي رحمه االله تعالى في رسالته "شروط الأئمة الخمسة":
" ينبغي أن يعلم أن جهات الـضعف متباينـة متعددة، وأهل العلم مختلفون في أسبابه، أما الفقهاء فأسباب الضعف عنـدهم محـصورة، وجلّها منوط بمراعاة ظاهر الشرع، وعند أئمة النقل أسباب أخر مرعية عندهم، وهي عند الفقهاء غير معتبرة "
انتهى. من "ثلاث رسائل في علوم الحديث" (ص 173).
فإذا سلم نص الحديث من هذه المناقضة، فهو مما يمكن أن يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكتفون بصحة ظاهر الإسناد لإثباته، وقيام سبب خفي يشكك في وهم الراوي الذي ثبت أنه ثقة، لا يلتفت إليه عندهم.
وأما أهل الحديث، فعند الشك في رواية الثقة، فإن نظرهم منصب في هذه الحالة على غلبة الظن، وليس مجرد الإمكان، فلا ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما غلب على ظنهم أن راويه لم يهم ولم يخطئ في روايته.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن، فإذا قالوا أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال، فيعتمد. ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذ وهو ما يخالف الثقة فيه من هو أرجح منه في حد الصحيح "
انتهى. "فتح الباري" (1 / 585).
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 15:39
وينظر للفائدة ، والتوسع في المسألة :
قال العلاَّمة أبو بكر الجصَّاص -رحمه الله- في كلامه عن حديث "لا نكاح إلا بشاهدين":
(وهذه الأخبار كلها عند أهل الحديث ضعيفةٌ
بعضها من جهة الرجال، وبعضها من جهة الإرسال
والصحيح عندهم منها: ما يروى عن الحسن مرسَلاً عن النبي
فيصححونه عن الحسن وهو مرسل عن النبي ؛ فلا يقبلونه لأجل الإرسال
وليس طريقة الفقهاء في قبول الأخبار طريقةَ أصحاب الحديث
ولا نعلم أحداً من الفقهاء رجع إليهم في قبول الأخبار وردِّها، ولا اعتبرَ أصولهم!)
[شرح مختصر الطحاوي (4/244)].
قال القاضي أبو يعلى -رحمه الله-
-تعليقاً على رواية مُهَنّا: سألت أحمد رحمه الله: عن حديث مَعْمَر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة، قال: ليس بصحيح، والعمل عليه، كان عبد الرزاق يقول: عن مَعْمر عن الزهري مرسل-:
(معنى قول أحمد: "ضعيف": على طريقة أصحاب الحديث؛
لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة في حديث لم يروها الجماعة،
وهذا موجود في كتبهم: تفرد به فلان وحده،
فقوله: "هو ضعيف"، على هذا الوجه
وقوله: "والعمل عليه" معناه: على طريقة الفقهاء). انتهى
[العدة في أصول الفقه (3/ 941)]
وعلَّق تلميذه ابن عقيل -رحمه الله- على رواية مهنّا السالفةِ بنحوه [
(الواضح في أصول الفقه) 5/21-22].
وقال القاضي -أيضاً- في [(إبطال التأويلات) 1/140] -
تعليقاً على كلام الإمام أحمد في حكمه على حديثٍ بالاضطراب-
قال: (فظاهر هذا الكلام من أحمد التوقف في طريقه لأجل الاختلاف فيه ، ولكن ليس هذا الكلام مما يوجب تضعيف الحديث على طريقة الفقهاء)
قال العلاَّمةُ ابن دقيقٍ العيد -رحمه الله- -في كلامه على حدِّ الحديث الصحيح-
:
(اللفظ الأول ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على عدالة الراوي العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر في الفقه، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسنداً.
وزاد أصحاب الحديث أن لا يكون شاذاً ولا معللاً، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء؛ فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء.
وبمقتضى ذلك حد الحديث الصحيح بأنه: الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللاً ولو قيل في هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته هو كذا وكذا إلى آخره لكان حسناً لأن من لا يشترط مثل هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف ومن شرط الحد: أن يكون جامعاً مانعاً)
انتهى من كتابه الاقتراح.
قال الحافظُ ابن رجب رحمه الله "في شرح العلل" في كلامه على الحديث المرسل:
(واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ
وكلام الفقهاء في هذا الباب؛
فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلاً، وهو ليس بصحيح على طريقهم؛ لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث.
فإذا اعضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلاً قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن).
والنقول أكثر ممِّا ذكرتُ، ولكنَّ المقصود: مدارسة الإخوان ..
بالنظر في النقول الواردة في التفريق بين طريقة الفقهاء وبين طريقة المحدثين، وهي كثيرة، تركتُ نقل الكثير منها
1- يتبيّن أنَّ بعضهم يطلقها يريد أن الفقهاء يتخففون في الحكم على الحديث،
بخلاف المحدثين فلهم شروط صارمةٌ
وهم يريدون بهذا معنىً قريباً مما يريده المُقسِّمون لطريقة المتقدمين والمتأخرين
فتجدهم يقولون -مثلاً-: لا يعتبر الفقهاء السلامةَ من العلة والشذوذ شرطاً للحديث الصحيح
أو: أن الفقهاء على أن زيادة الثقة مقبولة أبداً
ونحو هذا ..
والتفريق بين الطريقتين بهذا الاعتبار يكثر في كلام المتأخرين، كما في كلام ابن دقيق العيد -السالف- وكلام الزركشي في عدد من كتبه وغيرهم ..
2- بينما يطلقها البعضُ يريدون به أنَّ باب الاحتجاج عند الفقهاء أوسع من باب التصحيح -في الصناعة الحديثية- عند المحدِّثين .. وأنَّ المُحدّث قد يحكم على حديثٍ بالضعف ثم يحتجُّ به ..
وهذا المعنى ظاهرٌ في كلام ابن رجب السالف، وجاء ما يدل على هذا من كلام ابن تيميَّة في مواضع ..
وهذا المعنى يحسنُ تسليط الضوء عليه، ودراسته وبحثُه، سيما وقد وجد من يسلك طريقة المتقدمين في الحكم على الحديث؛ إلا أنه يتخلَّف عنهم في طريقتهم في باب الاحتجاج، فيجعل بين التضعيف والاحتجاج تلازماً، مما يورثُه توسعاً غيرَ مرضيٍ في بعض الأصول على حساب غيرِها، كاستصحاب البراءة الأصلية، وغيرها ..
وما يترتب على ذلك مِن مخالفة طريقة أهل العلم، والتفرُّد ببعض الأقول في بعض المسائل عنهم ..
والله اعلم
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 16:35
النقد الحديثي بين الفقهاء والمحدِّثين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد إمام النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن نقدَ الحديث ليس وليد فترة معينة لفتت الأنظار، ونُشرت حولها كثير من الأخبار، خاصة في عصر بعض الأئمة الأعلام؛ كالإمام ابن الصلاح، حتى قيل: في عهد ابن الصلاح، استقرَّ الاصطلاح، وهي مقولة تداولتها الألسن، منذ عهد ابن الصلاح إلى يومنا هذا
وهي وإن كانت تعبِّر عن المصطلح عمومًا، فإنها في طياتها تحمل اتجاهًا علميًّا يجعل المتأخر يغضُّ الطرف عن كل المراحل التي سبقت ابن الصلاح بأكثر من مائتي سنة، علمًا أن مرحلة ابن الصلاح لا تعبر عن الصورة الحقيقية لهذا العلم، فكم سبق ذلك الإمام من أئمة عظام! رفَعوا لهذا العلم دعائمه، وشيدوا معالمه، وبينوا الثقات والضابطين
كما بينوا الضعفاء والمجاهيل، فضلًا عن الكَذبة والوضَّاعين، ثم انفصل هذا العلم عند المتأخرين عن باقي العلوم، وصار مَن يتكلم في الفقه بمعزلٍ عن علم الحديث، ومن يتكلم في الحديث بمعزل عن الفقه، وصار للفقهاء طريقتهم الخاصة، وللمحدِّثين طريقتهم الخاصة كذلك، وأمسى لكل من المحدِّثين والفقهاء معايير وضوابط معينة في قبول الأحاديث أو ردها، فاقتضى هذا الأمرُ بيانَ معالمِ كلٍّ من الطريقتين، وذلك عن طريق بيان معايير كل منهما.
وقد دفَع بي إلى اختيار هذا الموضوع أهميتُه البالغة؛ فمحاولة الكلام فيه من النعم السابغة، طالما أن كثيرًا ممن تسلقوا أشجار هذا العلم لم يستظلوا بظلاله الوارفة، تلك التي استظل بها السابقون الأولون في هذا العلم؛ إذ الذين تكلَّموا في هذا العلم ثلةٌ من الأولين، وثلة من الآخرين.
وقد قسمت هذا الموضوع إلى مقدمة، وثلاثة مباحث.
المبحث الأول: معايير قَبول الحديث وردِّه عند علماء الحديث، وضمنتُه: مطلبين؛ الأول: معايير التصحيح والتحسين عند علماء الحديث، والثاني: معايير التضعيف عند علماء الحديث.
وأما المبحث الثاني فهو: معايير نقد الحديث عند الفقهاء، وقسمته أيضًا إلى مطلبين؛ الأول: شروط الأحناف، والثاني: شروط الجمهور.
وأما المبحث الثالث فهو نماذجُ تطبيقيةٌ من نقد المحدِّثين والفقهاء، وقد قسمته إلى مطلبين؛ الأول: نماذج تطبيقية من نقد المحدِّثين، والثاني: نماذج تطبيقية من نقد الفقهاء.
ثم ختمتُ بخاتمة ضمنتها بعض الخلاصات والاستنتاجات.
المبحث الأول: معايير قبول الحديث ورده عند علماء الحديث:
تميزت طريقةُ المحدِّثين عمَّن سواهم من الفقهاء والأصوليين في نقدِهم للأحاديث، وكلامهم عليها قبولًا أو ردًّا؛ إذ هم العمدةُ في هذا المجال، وعليهم المعوَّل فيه؛ نظرًا لكون علم الحديث أصلَ العلوم، بل مِن مَعِينه انبثقت وانفجرت كل العلوم؛ ولذلك كان علماءُ الحديث أشدَّ دقة وضبطًا مِن غيرهم في الكلام على الأحاديث، وأما غيرهم فإنهم يرجعون إلى أهل الحديث، وإن لم يرجعوا فإنهم يأتون بالعجائبِ، وقديمًا قيل: مَن تكلَّم في غير فنِّه أتى بالعجائب؛ لذلك اخترتُ أن أبدأ بطريقتهم في عرض الشروط التي يشترطونها في قبول الحديث، والعمل به.
المطلب الأول: معايير التصحيح والتحسين عند علماء الحديث:
تميَّزت أمةُ الإسلام بالأسانيد؛ إذ هي المرقاةُ إلى المتون، لكنهم لم يقفوا عند الأسانيد فحسب، بل تجاوزوها إلى المتون فنقدوها، وأوضحوا عِللها، وبينوا أوهامَ الثقات؛ لأن الثقة قد يهِمُ فيُدخل حديثًا في حديث، وقد يركِّبُ إسنادَ متنٍ لمتن آخر، إلى غير ذلك من الأوهام التي بينها صيارفةُ الحديث، ولم يكونوا يركنون إلى فضلِ الراوي وتقواه، وزهده وصلاحه؛ فقد جاء في سؤالات الحاكم للدارقطني:
عبدُالملك بن محمد بن عبدالله بن مسلم، أبو قلابة: قيل لنا: إنه كان مجابَ الدعوة، صدوقٌ، كثيرُ الخطأ في الأسانيد والمتون، لا يُحتجُّ بما ينفرد به، بلغني عن شيخنا أبي القاسم بن منيع أنه قال: عندي عن أبي قلابة عشَرة أجزاء، ما منها حديث سلِم منه، إما في الإسناد أو في المتن، كأنه يحدِّث من حفظه؛ فكثُرَتِ الأوهامُ منه
سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني 1/ 131.
وهنا سأذكر أهمَّ الشروط التي يقررها علماءُ الحديث في الحكم على الحديث بالصحة أو الحُسن.
شروط الصحيح:
اشترط المحدِّثون في اعتبار الحديث صحيحًا شروطًا خمسة، ومتى خالَف شرطًا منها عُدَّ مجانِبًا للصحة، وهذه الشروطُ يذكرها المتقدمون متناثرة هنا وهناك، لكنَّ المتأخِّرين منذ ابن الصلاح إلى يوم الناس هذا - يذكرونَها مجموعةً في مكان واحد بمعزلٍ عن الأحاديث، وهذه الشروط كالآتي:
1) اتصال السند:
يقول الإمام أبو داود في رسالته إلى أهل مكة: (فأما الحديثُ المشهور المتصل الصحيحُ، فليس يقدِر أن يردَّه عليك أحد
رسالة أبي داود إلى أهل مكة 1/ 29.
وفي كلام الإمام أبي داود ما يدلُّ على اعتبار الاتصال شرطًا ضروريًّا في تصحيح الحديث، ولم يسِرْ أبو داود على طريقةِ ابن الصلاح ومَن نحا نحوه، في ذِكر هذا الشرط مستقلًّا عن غيره، بل بيَّن اشتراطه بقوله: فليس يقدِر أن يردَّه عليك أحد، وقد احترزوا باتصال السند عما فقده؛ كالانقطاع، والإعضال، والإرسال، يقول أبو عمرو بن الصلاح: (وفي هذه الأوصافِ: احترازٌ عن المرسَل، والمنقطِع، والمعضَل)
معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح1/ 11.
فالمرسَل فقد شرط الاتصال؛ لأنه: ما رفعه التابعيُّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحذف الصحابي، وبذلك فُقد الاتصال، والمنقطع فقَدَ شرط الاتصال؛ لأنه ما سقط منه راوٍ فأكثَرَ، لا على التوالي، وبذلك عُدَّ غيرَ متصل، والمعضَل: ما سقَط منه اثنانِ فأكثر على التوالي، وهو أيضًا غيرُ متصل، فكلها إذًا لا تدخلُ في دائرة الصحيح.
2) عدالة الرواة:
والمقصود بذلك أن يكون كلُّ راوٍ مِن الرواة عدلًا، والعدالة - كما عرفها الجعبري -: (هيئة قارَّةٌ، تحملُ على اجتنابِ الكبائرِ، ولزوم الصغائر، وخوارم المروءة
رسوم التحديث في علوم الحديث للجعبري 1/ 100.
فمتى اجتنب الراوي الكبائرَ، واتقى في الغالبِ الصغائرَ، واحترز عن خوارم المروءة، عُدَّ عدلًا، وقُبِل حديثُه، وقد ذكر العلماء هذا الشرط للاحتراز عن كل راوٍ لم يتَّسِم بالعدالة؛ كالفاسق، والمبتدع، وغيرهما.
3) ضبط الرواة:
والمقصود بذلك نوعانِ من الضبط، وهما: ضبطُ الصدر، وضبط الكتاب، فأما ضبطُ الصدر فهو أن يستطيع استحضارَ ما حفِظه صحيحًا متى شاء، وأما ضبط الكتاب فهو أن يصونَ كتابه عنده حتى يؤديَ منه كذلك، من غير تغيير ولا تبديل، "ويعرف الضبطُ بموافقة الثقاتِ غالبًا، واتساق نقلِه
رسوم التحديث 1/ 100.
فإن كان الراوي العدلُ ضعيفَ الضبط فلا بد حينئذ مِن متابِع أو شاهد، يقول الزركشي: (والعدل الضعيفُ الضبطِ تُقبَل روايته، لكن يحتاج إلى مُقوٍّ، فيُقبَل الحديث لعدالة راويه، لكن يتوقَّف فيه - لعدم ضبطه - على شاهدٍ متصل، يجبُرُ ما فات مِن صفة الضبط)
النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي 1/ 100.
4) عدم الشذوذ:
اشترط العلماءُ في قَبول الحديث ألا يكون شاذًّا، واختلفوا في المقصود بالشذوذ، هل هو انفراد الراوي بالحديث، أم هو مخالفة الثقةِ لغيره من الحفاظ، أم هو انفراد ثقة برواية الحديث؟
وقد فصل القولَ في ذلك الحافظُ أبو عمرو بن الصلاح، فقال ناسبًا القول الأول إلى الخليلي نقلًا عن الإمام الشافعي: (وحكى الحافظُ أبو يعلى الخليلي القزويني نحوَ هذا عن الشافعي وجماعةٍ من أهل الحجاز، ثم قال: الذي عليه حفَّاظ الحديث أن الشاذَّ ما ليس له إلا إسنادٌ واحدٌ، يشِذُّ بذلك شيخٌ، ثقةً كان أو غير ثقةٍ، فما كان عن غير ثقةٍ فمتروكٌ لا يُقبَل، وما كان عن ثقةٍ يتوقَّف فيه، ولا يحتج به)
مقدمة ابن الصلاح 1/ 76.
وقال في القول الثاني: (رُوِّينا عن يونس بن عبدالأعلى قال: قال الشافعي رضي الله عنه: "ليس الشاذُّ مِن الحديث أن يروي الثقةُ ما لا يروي غيره، إنما الشاذُّ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس")
المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
قال في القول الثالث: (وذكر الحاكمُ أبو عبدالله الحافظُ أن الشاذَّ هو الحديث الذي يتفرَّد به ثقةٌ من الثقات، وليس له أصلٌ بمتابعٍ لذلك الثقة، وذكر أنه يغاير المُعلَّل من حيث إن المُعلَّل وُقِف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذُّ لم يوقف فيه على علته كذلك)
المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
وقد رد ابنُ الصلاح ما نقله الخليليُّ وما رواه الحاكم، وقبِل ما ذكره الإمام الشافعي، فقال: (قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ، فلا إشكال في أنه شاذٌّ غير مقبولٍ، وأما ما حكيناه عن غيره فيشكِل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط؛ كحديث: "إنما الأعمال بالنيات"
فإنه حديثٌ فردٌ، تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تفرد به عن عمرَ علقمةُ بن وقاصٍ، ثم عن علقمة محمدُ بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بنُ سعيدٍ على ما هو الصحيح عند أهل الحديث، وقد قال مسلم بن الحجَّاج: للزهريِّ نحوُ تسعين حرفًا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيها أحدٌ، بأسانيدَ جيادٍ)
المصدر السابق 1/ 77.
5) عدم العلة:
يُشترط في الحديث ألا يكونَ معلَّلًا، بألا تكون فيه علة قادحة، وهذا المجال هو مسرح الجهابذة مِن المحدِّثين، وأما الانقطاع والإعضال فيعرِفه كلُّ العلماء، وأما العِلل فلا يتفطن لها إلا أمثالُ ابن مهدي، وأبي زرعة، وغيرهما من صيارفة علم الحديث.
قال الحافظ ابن كثير: (وهو فنٌّ خَفِيَ على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفَّاظهم: معرفتُنا بهذا كهانةٌ عند الجاهل
اختصار علوم الحديث لابن كثير 1/ 63.
والمقصود بالعلة: ما ذكره الحافظ زين الدين العراقي؛ حيث عرَّف العلة بقوله: "العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة، طرأَتْ على الحديث فأثَّرت فيه؛ أي: قدحَتْ في صحتِه"
شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274.
وبهذا يتضح أن الحديثَ المعلَّل ليس صحيحًا؛ وذلك أن المعلَّل قد فقد شرطًا أساسيًّا مِن شروط الصحة، وبهذا الشرط نختم الشروطَ المتعلِّقة بتصحيح الحديث.
شروط الحسَن:
شروط الحديث الحسَن هي نفس شروط الصحيح، إلا في شرط واحد، وهو ضبط الرواة؛ فالحسَن لا يُشترط فيه تمام الضبط، بل يكفي في رواته أن يكونوا خفيفي الضبطِ، وقد عرَّف الحافظ ابن حجر الحسَن بأنه: ما اتصل سندُه، بنقل عدلٍ خفَّ ضبطُه، ولم يكُنْ شاذًّا، ولا معلَّلًا
نزهة النظر شرح نخبة الفكر 1/ 67 بتصرف.
وبما ذُكر مِن شروط للصحيح والحسن تنجلي ضوابطُ التصحيح والتحسين عند علماء الحديث، كما يتبيَّن اختلاف المحدِّثين عن غيرهم من الفقهاء والأصوليين في معايير القبول للأحاديث.
المطلب الثاني: معايير التضعيف عند علماء الحديث:
وضَع علماء الحديث لتضعيف الحديث ضوابطَ متعددة، بها يُعرف سقيم الحديث، وهذه الضوابط هي التنصيصُ على ما يقدَح في رواة الحديث، ومتى وُجد قادحٌ من تلك القوادح عُدَّ الحديثُ ضعيفًا، وهذه القوادح تتنوع إلى ما يرتبط بالسَّقط في الإسناد، وما يرتبط بالطَّعن في الرواة، وقد بين المحدِّثون كلَّ ذلك.
القوادح المرتبطة بالسَّقط في الإسناد:
السَّقط في الإسناد على نوعين: إما أن يكون ظاهرًا، وإما أن يكون خفيًّا، ويدخل في الظاهر أنواعٌ هي مِن قَبيل الضعيف، وهي المرسَل والمنقطع، والمعضَل والمعلَّق، والفرق بين هذه الأنواع الأربعةِ أن المرسَل يكون السَّقط فيه من آخرِ السند، وأما المنقطع فهو ما سقَط منه راوٍ فأكثرَ، لا على التوالي، وأما المعضَل فهو ما سقَط منه راويانِ فأكثر على التوالي؛ يقول العراقي:
والمعضَل الساقطُ منه اثنانِ *** فصاعدًا ومنه قِسمٌ ثانِ
وأما المُعلَّق فهو ما كان السَّقط فيه مِن أصل السند.
وأما السَّقط الخفي "ولا يدركُه إلا الأئمةُ الحذَّاق المطَّلِعون على طرق الحديث، وعِلَل الأسانيد"
يسير مصطلح الحديث للطحان 1/ 120.
وعانِ مِن أنواع الضعيف، وهما المُدلَّس، والمُرسَل الخفيُّ.
وكلُّ هذه الأنواع المذكورةِ لا يقبَلُها المُحدِّثون، بل هي عندهم مِن قَبيل المردود، وأما الفقهاءُ فإنهم يحتجُّون ببعضها؛ كالمرسَل.
القوادح المرتبطة بالطَّعن في الراوي:
الطَّعن في الراوي: إما أن يرجعَ إلى عدالته، وإما أن يرجعَ إلى ضبطه وحِفظه، والطعونُ التي يمكن أن توجَّه إلى الراوي مِن جهة عدالته خمسة، وهي:
• الكذب، فمتى وقَع الراوي في الكذبِ، فلا يُقبَل منه شيء، ولو صدر منه الكذب مرة واحدة، ويسمى حديثُه بالموضوع.
• التهمة بالكذب؛ فالمتَّهم بالكذب لا يُقبَل حديثه عند أهل الحديث، وحديثه يسمى عندهم بالمتروك، يقول ابن حجر في النزهة: (والقسم الثاني مِن أقسام المردود - وهو ما يكون بسبب تُهمة الراوي بالكذب -: هو المتروكُ)
نزهة النظر لابن حجر 1/ 67.
• فِسْق الراوي: فإذا كان الراوي فاسقًا، رُدَّ حديثُه عند المحدِّثين؛ لأن الفسقَ ينافي العدالة، ويسمى حديثُ الفاسق بالمنكَر؛ يقول ابن حجَر: "من ظهَر فِسقُه، فحديثه منكَر"
المصدر نفسه، والصفحة نفسها، بتصرف.
بدعة الرواة:
إذا كان الراوي مبتدعًا في عقيدته، فإن علماءَ الحديث لا يقبَلون حديثه، وهذه قاعدة عامة، لكن قد يقبَل بعضُ علماء الحديث كثيرًا مِن روايات المبتدعة، متى ظهر له - بثاقب نظره - أن أولئك الرواةَ صادقون فيما نقلوا؛ فقد قبِل الإمام البخاريُّ رواية عِمرانَ بنِ حطان وهو مِن الخوارج، وكان جاهرًا ببدعته، داعيًا إليها.
هذه هي الطعونُ التي يمكن أن تُوجَّهَ إلى الراوي مِن جهة عدالته، وأما الطعون التي يمكن أن توجَّه إلى الراوي من جهة حفظه، فهي أيضًا خمسة:
• فُحش الغلط:
إذا كثُر من الراوي الغلطُ، وفحُش، عُدَّ حديثُه مِن قبيل الضعيف، يقول علي القاري في شرح نخبة الفكر مبيِّنًا لهذا النوع: (أو فحُش غلطه؛ أي: كثرته) بأن يكون خطؤه أكثرَ مِن صوابه، أو يتساويان؛ إذ لا يخلو الإنسانُ من الغلط والنسيان)
شرح نخبة الفكر للقاري 1/ 424.
• الغفلة عند السَّماع أو الإسماعِ:
إذا عُرِف الراوي بالغفلةِ عند سماعه أو إسماعه، صار حديثُه ضعيفًا عند المحدِّثين، والمقصود بالغفلة ذهولُه عن الحفظِ والإتقان، "الظاهر أن مجردَ الغفلة ليس سببًا للطعن؛ لقلةِ مَن يعافيه اللهُ منها"
شرح نخبة الفكر للقاري 1/ 422.
• الوَهم:
إذا اتصف الراوي بالوَهم صار حديثُه ضعيفًا غيرَ مقبول، والمقصود بالوهم - كما يقول ابن حجر -: أن يرويَ على سبيل التوهُّم، فمتى عُرف الراوي بالتوهُّم
زهة النظر لابن حجر 1/ 108.
سوء الحِفظ:
ومِن الأسباب الراجعة إلى الطعن في الراوي: سوءُ الحِفظ، فمتى كان الراوي سيِّئَ الحفظ، عُدَّ حديثُه ضعيفًا عند المحدِّثين، وسوء الحفظ - كما يقول ابن حجر -: (عبارةٌ عمَّن يكون غلطُه أقلَّ مِن إصابته)
المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
مخالفة الثقات:
مخالفة الراوي لغيره مِن الثقات يدلُّ على وهمه وعدمِ ضبطه لما روى، ويُسمَّى حديثُه بالشاذِّ عند بعض العلماء، وقد سبَق تعريفُ الشذوذ، وأقوالُ العلماء فيه، والخلاصة أن الشاذَّ مِن قَبيل الضعيف.
وبهذه الشروط التي ذُكرت، تتَّضِح معالمُ طريقة المحدِّثين في نقدهم للحديث، كما يتبيَّن الفرقُ بين منهجِهم ومنهج الفقهاء في الكلام على الأحاديث، قبولًا أو ردًّا.
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 16:42
المبحث الثاني: معايير نقد الحديث عند الفقهاء:
تميَّزت نظرةُ الفقهاء النقدية إلى الأحاديث عن المحدِّثين كثيرًا، حتى صارت طريقةً مستقلة بذاتها، ونتج عن ذلك أنِ اشتَرَط الفقهاء شروطًا لا تتفق في غالب الأحيان مع ما سطَّره علماء الحديث، علمًا أن الفقهاءَ لم يتفقوا في الشروط التي وضعوها، بل اختلفوا في شروط الأخذِ بالخبَر إلى رأيين، رأي الجمهور، ورأي الحنفية، وسأعرض لشروط كلٍّ منهما.
المطلب الأول: شروط الأحناف:
اشتَرَط الأحناف لقَبول الحديث شروطًا متعددة تختلف عما اشترطه جمهور الفقهاء؛ نظرًا للبيئة التي نشأ بها مذهبُ الأحناف، وهي البيئة العراقية، تلك البيئة التي أثَّر فيها الرأيُ أكثرَ من غيرها، وسأبين هذه الشروط حتى تنجليَ طريقة علماء الحنفية في الأخذ بالحديث.
شروط الأحناف:
للحنفية في قبول خبر الآحاد شروط ثلاثة، وهي:
1) شهرة الحديث:
يقول محمد بن الحسن الحجوي متحدثًا عن شروطِ أبي حنيفة في الأخذ بخبر الواحد: (وشدَّد في شروط العمل بخبر الواحد؛ حيث اشتَرَط فيه الشهرة، وإن تساهَل في حمل مجهول الحال، لا مجهول العين، على الدالةِ)
الفكر السامي للحجوي 2/ 545.
فالشهرة عند علماء المذهب الحنفي شرطٌ أكيد في قَبول الأسانيد.
والحُكم إذا لم يشتهر الخبَرُ أنهم يحكمون بعدم صحته، يقول نظام الدين الشاشي: (فإذا لم يشتهِرِ الخبرُ مع شدة الحاجة وعموم البلوى، كان ذلك علامةَ عدم صحته، ومثاله في الحُكميات إذا أخبر واحدٌ أن امرأته حرمت عليه بالرضاع الطارئ، جاز أن يعتمد على خبره، ويتزوج أختها، ولو أخبر أن العقد كان باطلًا بحُكم الرضاع، لا يُقبَل خبرُه)
صول الشاشي 1/ 284.
والشرطُ المذكور هنا هو المعبَّر عنه بقولهم: ألا يكونَ فيما تعمُّ به البلوى؛ أي: ما يعرِضُ للناس كثيرًا.
2) ألا يخالِفَ قياسًا جليًّا.
مما اشترطه الحنفيةُ في الأخذ بالخبر ألا يكون مخالفًا لحُكم ثبَت بقياس جلي، والقياس الجليُّ هو القياسُ على الأصول، وهذا فيما لا يمكنُ فيه الجمع بينهما، فإذا أمكن الجمعُ فهو أولى من العمل بأحدهما وترك الآخر، يقول أبو الحسين البصري: (اعلم أن القياسَ على أصل من الأصول إذا عارَض خبرَ واحدٍ، فإنما يعارضه إذا اقتضى الخبرُ إيجابَ أشياءَ، واقتضى القياس حظرَ جميعها، على الحد الذي اقتضى الخبر إيجابها
أو بأن يكون الخبر مخصصًا لعلة القياس، فإن اقتضى تخصيصَها فيمن يُجيز تخصيص العلة يجمع بينهما، ومَن لا يرى تخصيص العلة يجري هذا القسم مجرى القسم الأول، وليس تخلو علةُ القياس الذي هذه حاله إما أن تكون منصوصًا عليها، أو مستنبطة، فإن كانت منصوصةً لم يخلُ النصُّ عليها إما أن يكون مقطوعًا به، أو غير مقطوع به
فإن كان مقطوعًا به، وكان خبر الواحد ينفي موجبها، ولم يكن إضمار زيادة فيها تخرج معه العلة من أن يعارضها خبر الواحد، فإنه يجب العدولُ إليها عن خبر الواحد؛ لأن النصَّ على العلةِ كالنص على حُكمها، فكما لا يجوزُ قَبول خبر الواحد إذا رفع موجب النص المقطوع به، فكذلك في هذا الموضع)
المعتمد لأبي الحسين البصري 2/ 160.
وفي هذا النقل عن هذا الإمام يتبين أن فقهاءَ الأحناف لا يُقحمون أنفسهم في الحديث عن الرواة، وإنما يلجَؤون إلى المتون، وهذا الشرط الذي اشترطوه محلُّه فيما لم يكن الراوي فقيهًا، فإن كان فقيهًا فلا يشترط هذا الشرط، فمتى عارض المتنُ القياسَ، حتى وإن كان المتن صحيحًا، وكان راويه غيرَ فقيه، فإنهم يقدِّمون القياس، متى كانت علتُه منصوصة؛ لأنهم يرَوْن النصَّ على العلة كالنصِّ على حُكمها.
3) ألا يخالفَ الراوي ما روى:
إذا خالف الراوي ما روى، فإن الحنفيةَ يتركون العملَ بذلك المرويِّ؛ لأنهم يرَوْن أن تركه للخبرِ دليلٌ على نسخه؛ إذ لو ترَكه وهو غيرُ منسوخ قدَح ذلك في عدالته
يقول عياض بن نامي السلمي مبيِّنًا هذا الشرط وشارحًا له: (فإن عمِل بخلاف ما رواه، لم يُقبَل حديثه، ومثَّلوه بخبر أبي هريرة مرفوعًا: ((إذا ولَغ الكلبُ في إناء أحدِكم، فليغسِلْه سبعًا))، مع أن أبا هريرةَ كان يغسل الإناءَ مِن ولوغ الكلب ثلاثًا، وعلَّلوا هذا بأن الراويَ عَدْلٌ، فإذا خالف ما روى دلَّ على نسخه؛ إذ لو ترَكه مع عدم نسخه، لكان ذلك قادحًا في عدالته)
أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله لعياض بن نامي السلمي 1/ 118
وهذه أهمُّ الشروط التي يشترطها الأحنافُ في الأخذ بالحديث، وهي بعد التأمُّل منصبَّة على المتن، لا على الإسناد، وهذه خَصِيصةٌ تميَّز بها جميع الفقهاء أثناء تناولهم للأحاديث صحةً أو ضعفًا، فهي شروط سطحية، وأما علماء الحديث وجهابذتُه فإنهم يغُوصون في أعماق الإسناد، متناولين الحديثَ عن كلِّ راوٍ بعينِه، ومبيِّنين للعلل والأوهام التي يمكن أن تعرضَ للمتنِ أو الإسناد.
المطلب الثاني: شروط جمهور الفقهاء في الأخذ بالحديث:
اشتَرَط الجمهورُ للأخذ بالحديث، والعملِ به في الأحكام؛ كالعبادات، والمعاملات، وغير ذلك - شروطًا لا بد مِن بيانها، وهي تتنوَّع إلى ثلاثة أنواع: "منها ما هو في المُخبِر، وهو الراوي، ومنها ما هو في المُخبَر عنه، وهو مدلول الخبر، ومنها ما هو في الخبَر نفسِه، وهو اللفظ الدال"
إرشاد الفحول للشوكاني 1/ 129.
وسأبين كلَّ نوع من هذه الأنواع حسَب ما بيَّنه الفقهاءُ والأصوليُّون.
الشروط المتعلِّقة بالراوي:
1) التكليف:
اشتَرَط جمهور الفقهاء - تبَعًا لما سطَّره علماءُ الحديث في الراوي - أن يكون مكلَّفًا؛ بأن يكون عاقلًا بالغًا؛ يقول الشوكاني في الإرشاد: (فلا تُقبَل روايةُ الصبي والمجنون، ونقل القاضي الإجماع على رد رواية الصبي)
المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
وهذا الشرطُ إنما هو عند الأداء، لا عند التحمُّل، وأما التحمُّل فيمكن للصبي أن يتحمَّل ثم يؤدي بعد البلوغ، قال الشوكاني: (وهذا الاشتراطُ إنما هو باعتبار وقت الأداء للرواية، أما لو تحمَّلها صبيًّا وأداها مكلَّفًا، فقد أجمع السلفُ على قبولها؛ كما في رواية ابنِ عباسٍ، والحسَنَيْنِ، ومَن كان مماثلًا لهم)
المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
2) الإسلام:
اشتَرَط الجمهورُ لقَبول الخبر أن يكون راويه مسلِمًا، فلا تُقبَل رواية الكافر؛ قال الرازي في "المحصول": (أجمعت الأمَّةُ على أنه لا تُقبَل روايتُه، سواءٌ علم مِن دِينه الاحتراز عن الكذب، أو لم يعلم)، فلا تقبل رواية كلِّ كافر، سواءٌ كان يهوديَّا، أو نصرانيَّا، أو غير ذلك؛ احترازًا لدِين ربِّ العالَمين مِن أن يدخلَ فيه ما ليس منه.
3) العدالة:
اشترط الفقهاء في الراوي للحديثِ أن يكونَ عدلًا، وقد عرَّف الرازي العدالةَ مبيِّنًا أركانها التي تنبني عليها بقوله: (هيئةٌ راسخةٌ في النفس، تحمِل على ملازمة التقوى والمروءةِ جميعًا، حتى يحصل ثقةُ النفس بصدقِه، ويعتبر فيها الاجتناب عن الكبائر، وعن بعض الصغائر؛ كالتطفيفِ بالحبة، وسرقة باقةٍ مِن البقل، وعن المباحات القادحة في المروءةِ؛ كالأكلِ في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأرذال، والإفراط في المزاح، والضابط فيه أن كلَّ ما لا يؤمَنُ "معه" جراءتُه على الكذب يرُدُّ الروايةَ، وما لا فلا)
المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
وهذا الشرط مُخرِج لمجموعة مِن الرواة ممن لم يتوفر فيهم هذا الشرط؛ كالفاسق والمبتدِع، وأما المجهولُ فقد اختلف فيه الفقهاء، فذهب الإمام الجويني إلى التوقُّف في خبره إذا روى التحريم، هذا في مجهول الحال، وأما مجهول العين "وهو مَن لم يشتهر، ولم يروِ عنه إلا راوٍ واحدٌ - فذهب جمهورُ أهل العلم أنه لا يُقبَل، ولم يخالف في ذلك إلا مَن لم يشترط في الراوي إلا مجردَ الإسلام".
وهذا الشرطُ كذلك هو شرط عام، لا يرتبط براوٍ معيَّن، مما يبيِّن أن الفقهاءَ لهم طريقة خاصة في التعامل مع الرواةِ ومرويَّاتهم.
4) أن يكونَ الراوي ضابطًا لِما يرويه:
أكَّد الفقهاءُ تبَعًا للمحدِّثين على ضرورة الضبط في الراوي، وهذا القيدُ مُخرِجٌ لكل وصفٍ ينافي الضبط، قال الرازي: (وذلك يستدعي حصولَ أمرين؛ أحدهما: أن يكونَ ضابطًا، والآخر: ألا يكونَ سهوُه أكثرَ من ذِكره، ولا مساويًا له، أما ضبطُه فلأنه إذا عُرف بقلة الضبط لم تؤمَنِ الزيادةُ والنقصان في حديثه، ثم هذا على قسمين
أحدهما: أن يكون مختَلَّ الطبع جدًّا، غيرَ قادر على الحفظ أصلًا، ومثل هذا الإنسان لا يُقبَل خبرُه البتة، والثاني: أن يقدِرَ على ضبط قِصار الأحاديث دون طِوالها، وهذا الإنسان يُقبَل منه ما عُرف كونه قادرًا على ضبطه دون ما لا يكون قادرًا عليه، أما إذا كان السهو غالبًا عليه لم يُقبَل حديثُه؛ لأنه يترجح أنه سها في حديثه، وأما إذا استوى الذِّكر والسَّهو لم يترجَّح أنه ما سها، والفرق بين ألا يكونَ ضابطًا وبين أن يعرض له السهوُ: أن مَن لا يضبِط لا يحصِّل الحديثَ حال سماعه، ومَن يعرض له السهو قد يضبط الحديثَ حال سماعِه وتحصيلِه، إلا أنه قد يشِذُّ عنه بعارض السهو).
وما ذكره الرازيُّ هنا غيرُ مشابه لِما يذكر المحدِّثون عادة في حديثهم عن ضبط الرواة؛ فقد أشار ها هنا إلى اختلال الطبع، بينما لم يتناوله المحدِّثون أصلًا، ومَن تأمل كلام هذا الإمام هنا تبين له مدى استقلالية الفقهاء في طريقتهم ومنهجيتهم الخاصة في التعامل مع شروط الرواة.
الشروط المتعلقة بالمَرْويِّ:
اشتَرط جمهورُ العلماء شروطًا في الخبر المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:
1) أن يرويَ الحديث بلفظِه؛ لأن ذلك أمانة؛ يقول الشوكاني: (إذا روى الراوي الحديث بلفظه، فقد أدى الأمانةَ كما سمعها، ولكنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله جوابًا عن سؤال سائلٍ، فإن كان الجواب مستغنيًا عن ذكر السؤال، فالراوي مخيَّرٌ بين أن يذكر السؤال أو يتركه، وإن كان الجواب غيرَ مستغنٍ عن ذكر السؤال
فلا بد من ذكر السؤال، وهكذا لو كان الجوابُ يحتمل أمرين، فإذا نقل الراوي السؤالَ لم يحتمِلْ إلا أمرًا واحدًا، فلا بد مِن ذكر السؤال، وعلى كل حالٍ فذِكر السؤال والسبب مع ذكر الجواب وما ورد على سببٍ أَوْلى مِن الإهمال)
المحصول للرازي 4/ 398.
فإن روى الراوي الحديثَ بالمعنى، فإن الجمهور اشترطوا لقبول ذلك شروطًا، ومنها:
• "أن يكون عارفًا بمعاني الألفاظ؛ حتى لا يغير المعنى إلى غيرِ المراد.
• منهم من شرط أن يأتي بلفظٍ مرادف.
• ومنهم من شرط أن يكون ما جاء به مساويًا للأصل في الجلاء والخفاء.
• وشرط بعضهم ألا يكونَ الخبرُ مما تُعُبِّدْنا بلفظه.
• وشرط بعضهم ألا يكونَ الخبرُ مِن باب المتشابِه؛ كأحاديث الصفات"
المصدر السابق بتصرف 1/ 150.
وهناك شروط أخرى لم يتفق عليها جمهورُ العلماء في الرواية بالمعنى.
2) أن يعملَ بالظاهر منه، ولا يرجع إلى رأي الصحابي، خلافًا للحنفية كما سبق؛ فإنهم يأخذون بما رأى الصحابيُّ، لا بما روى.
شروط مدلول الخبَر:
اشتَرط الفقهاءُ في مدلول الخبر شروطًا تدلُّ على اهتمامهم بالدلالة أكثرَ مِن اهتمامهم بالثبوت، ومنها:
1) ألا يستحيلَ وجودُه في العقل
المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
أو الحس، فمتى خالف الحديثُ ما يقتضيه العقلُ أو الحس رُدَّ الحديث لذلك، والمقصود بالعقل هنا العقلُ الصريح، وقد وضع ابن القيم الفقيه بعض الضوابط يُعرَف بها ثبوت الحديث من عدمه، ومنها: (تكذيب الحس له؛ كحديث: "الباذنجان لما أُكل له"، "والباذنجان شفاءٌ من كل داءٍ"
فإن هذا لو قاله أمهر الأطباء لسخِر الناس منه، ولو أكل الباذنجان للحمى والسوداء الغالبة وكثيرٍ من الأمراض لم يزِدْها إلا شدةً، ولو أكله فقيرٌ ليستغني لم يُفِدْه الغنى، أو جاهلٌ ليتعلم لم يُفِدْه العلم، وكذلك حديث: "إذا عطس الرجل عند الحديث، فهو دليل صدقه"، وهذا وإن صحح بعض الناس سنده، فالحسُّ يشهد بوضعه؛ لأنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله)
المنار المنيف لابن قيم الجوزية 1/ 51.
وابن القيم هنا وإن تعرض للحس فإنه يقصد العقلَ أيضًا، فما خالف الحسَّ فأولى به أن يخالفَ مقتضياتِ العقول.
وهذا يبين مدى اهتمام الفقهاء في الغالب بالمدلولِ، لا بالأسانيد؛ إذ ذلك شأنُ أهلِ الحديث.
2) ألا يكونَ مخالفًا لنص مقطوعٍ به، على وجهٍ لا يمكن الجمعُ بينهما بحال
المصدر السابق.
إذا خالَف الحديث نصًّا مقطوعًا به، كنصٍّ قرآنيٍّ ثبت حُكمه بدلالة قطعية، أو كان ثبوته قطعيًّا، فإن الفقهاء لا يأخذون به، حتى ولو كان في الصحيحين؛ قال الأمين الشنقيطي: (ومِن أمثلته ما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الله خلَق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، وبث الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة))
نثر الورود للأمين الشنقيطي 1/ 333.
قال الشنقيطي: فإن هذا الحديثَ يظهَر عدم صحته من مخالفة نص القرآن في قوله: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [الفرقان: 59]؛ ولذا قال البخاريُّ وعليُّ بن المديني - وغير واحد من الحفاظ -: إنه مِن كلام كعبِ الأحبار)
مسند الإمام أحمد 1/ 282. .. المصدر السابق.
وهذا المثال وحده كافٍ في أن الفقهاء لا يقتصرون على الأسانيد، بل ينظرون إلى جوانبَ أخرى خارج ذلك؛ ولذا حكَم العلماء على هذا الحديث بالرد، وإن كان في صحيح مسلم.
3) ألا يكونَ مخالفًا لإجماع الأمة عند مَن يقول بأنه حجةٌ قطعيةٌ
إرشاد الفحول 1/ 151.
مما اشترطه الفقهاءُ في مدلول الخبر ألا يخالفَ ما أجمعت عليه الأمةُ؛ لأن الإجماعَ قطعيٌّ في بعض أنواعه.
وهذه أهمُّ الشروط التي اشترطها الفقهاء في الأخبار، وهي كافيةٌ في بيان الفَرْق بين أهل الحديث والفقه في التعرض للضوابط التي لا بد منها في قبول الخبر والعمل به بعد ذلك.
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 16:50
المبحث الثالث: نماذجُ تطبيقيةٌ في نقد الحديث بين أهل الفقه وأهل الحديث:
بعد أن أنهيتُ مرحلة التنظير، أنتقل إلى مرحلة التنزيل والتقرير، وهي مرحلة لا بد منها في توضيح حقيقة الفرق بين طريقة كلٍّ من المحدِّثين والفقهاء؛ ولذلك أحببتُ أن أعرض نماذجَ وأمثلة من كلام المحدِّثين على بعض الأحاديث، وأخرى من كلام الفقهاء على بعض الأحاديث؛ حتى ندركَ وجه التفاوت الكبير بين أهل الحديث وأهل الفقه، ونقتنع بأن طريقة المحدِّثين أجدى وأنفعُ، وأدلُّ على المقصود من طريقة الفقهاء.
المطلب الأول: نماذج مِن الأحاديث التي نقدها أهل الحديث:
ها هنا سأعرض بعضَ الأمثلة مِن الأحاديث التي تناولها أهل الحديث بالنقد، وسأكتفي بقليل منها مما يدل على المراد، ويتضح به مِن ذلك ما يستفاد.
أولًا:
• عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولودٍ رهنٌ بعقيقته، تُذبَح عنه يوم سابعه ويُحلَق رأسه، ويسمَّى))؛ أخرجه أبو داود.
هذا الحديثُ ساقه الإمام عليُّ بن المَديني، وقبل أن يذكره مهَّد له بالحديث عن الحسَن البَصري، وعرَض كثيرًا من أقوال الأئمة الدالة على أن الحسَن قد سمع من سمُرة، وهي مسألة اختلف فيها علماءُ الحديث على ثلاثة أقوال، بيَّنها الصنعاني في سبل السلام أثناء كلامه عن قوله عليه الصلاة والسلام: ((على اليدِ ما أخذَتْ حتى تؤدِّيَه)) - نقلًا عن ابن حجر -
فقال: (لأن الحديثَ مِن رواية الحسن عن سمُرة، وللحافظ في سماعه منه ثلاثة مذاهب: الأول أنه سمع منه مطلقًا، وهو مذهب عليِّ بن المديني، والبخاري، والترمذي، والثاني: لا مطلقًا، وهو مذهبُ يحيى بن سعيدٍ القطان، ويحيى بن معينٍ، وابن حِبان، والثالث: لم يسمَعْ منه إلا حديثَ العقيقة، وهو مذهب النسائي، واختاره ابن عساكر، وادَّعى عبدُالحق أنه الصحيحُ)
سبل السلام للصنعاني 2/ 96.
ولأجلِ ما يمكن أن يشكَّ فيه الناطرُ في سماع الحسن من سمُرة، شرع الإمام علي بن المديني في إثبات سماع الحسَن من سمُرة، ثم بعد ذلك يأتي بالحديث المَسُوق أثناء ذلك، يقول الإمام علي بن المديني: (قال عليٌّ: سمع الحسَن مِن عثمان بن عفانٍ - وهو غلامٌ - يخطب، ومن عثمان بن أبي العاص، ومن أبي بكرة.
ولم يسمع مِن عمرانَ بن حُصينٍ شيئًا، وليس بصحيحٍ، لم يصحَّ عن الحسن عن عمرانَ سماعٌ من وجه صحيح ثابت.
قلتُ: سمع الحسن من جابرٍ؟ قال: لا.
قلت: سمِع الحسنُ مِن أبي سعيدٍ الخدري؟ قال: لا.
كان بالمدينة أيام كان ابنُ عباسٍ على البصرة، استعمله عليها عليٌّ وخرج إلى صِفِّين، وقال في حديث الحسن: خطبنا ابن عباس بالبصرة - الحديث أخرجه أبو داود - إنما هو كقول ثابتٍ: قدم علينا عمران بن الحصين، ومثل قول مجاهدٍ: خرج علينا عليٌّ، وكقول الحسن: إن سراقةَ بن مالك بن جعشمٍ حدَّثهم، وكقوله: غزا بنا مجاشع بن مسعودٍ.
الحسن لم يسمع من ابن عباسٍ، وما رآه قط، كان ابن عباسٍ بالبصرة.
ومِن عبدالله بن مغفَّلٍ، ومن معقِل بن يسارٍ، ومِن أنس بن مالكٍ، ومِن سمُرة بن جندبٍ، قال: وقال حبيب بن الشهيد: أمرني ابن سِيرين أن أسأل الحسَن ممَّن سمع حديثه في العقيقة؟ قال: فسألتُه، فقال: سمعته من سمُرة، قال: قال سمرة: كل مولودٍ رهنٌ بعقيقته، تُذبَح عنه يوم سابعه)
العلل لابن المديني 1/ 51.
أخرجه البخاري في العقيقة.
وفي هذا النموذجِ الذي سقتُه عن هذا الإمام يمكن أن نستشفَّ الفرقَ الواضح بين علماء الحديث والفقهاء، فلو عُرض هذا الحديث على فقيهٍ لمَا تناوله بطريقة هذا الإمام، بل سيقول فيه: إنه مقبول أو مردود، وقد يزيد فيقول: الحسن سمع من سمرة، لكن علي بن المديني أتى بأمثلة ونماذجَ متعددة، بيَّن من خلالها أرجحية القول بأن الحسن سمع من سمُرة بن جندب رضي الله عنه.
ثانيًا:
قال الإمام الترمذي في كتابه السنن: (حدثنا محمد بن بشارٍ، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، عن جابر بن عبدالله، قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القِبلة ببولٍ، فرأيتُه قبل أن يقبض بعامٍ يستقبلها.
وفي الباب عن أبي قتادة، وعائشة، وعمارٍ.
حديث جابرٍ في هذا الباب حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقد روى هذا الحديث ابنُ لَهيعة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، عن أبي قتادة: أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يبول مستقبِلَ القِبلة، أخبرنا بذلك قتيبة، قال: أخبرنا ابن لَهيعة.
وحديث جابرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أصحُّ مِن حديث ابن لَهيعة.
وابن لَهيعة ضعيفٌ عند أهل الحديث؛ ضعَّفه يحيى بن سعيدٍ القطانُ، وغيره).
وفي هذا النموذج الذي عرضتُه، تظهر طريقةُ الإمام الترمذي في بيان ضعف الحديث؛ فقد أتى بجميع طرق الحديث، وتحدَّث عن سياقاتها كلها؛ ففي السند الأول ساقه من حديث جابر مرفوعًا، ثم ذكر أن الحديث لم يروِه فقط جابر، بل رواه صحابة آخرون، حتى يعلم أنه ليس من الأفراد، ثم ذكر حُكم حديث جابر معبِّرًا عن ذلك بقوله: (حسن غريب)، ثم ذكر واسطةً بين جابر والنبي صلى الله عليه وسلم، لكنها من رواية عبدالله بن لَهيعة، وبيَّن الترمذي أن ابن لَهيعة ضعيف.
وهذه طريقةُ أهل الحديث في حكمهم على الأحاديث صحةً وضعفًا، وسأكتفي بهذينِ المثالين في بيان طريقة المحدِّثين وشروطهم في تصحيح الأحاديث أو تحسينها.
المطلب الثاني: نماذج مِن الأحاديث التي نقَدها الفقهاءُ:
في هذا المطلَب سأعرض بعضَ النماذج من كلام الفقهاء أثناء استدلالهم ببعض الأحاديث؛ حتى يمكنَ التفريقُ بين شروطهم وشروط المحدِّثين.
• قال ابن رُشد الحفيد في بداية المجتهد - مستدلًّا على مسألة فقهية متعلِّقة بقراءة القرآنِ أثناء الركوع والسجود -: (حديث عليٍّ في ذلك قال: ((نهاني جبريل صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآنَ راكعًا وساجدًا))، قال الطبري: وهو حديثٌ صحيحٌ، وبه أخَذ فقهاء الأمصار، وصار قومٌ من التابعين إلى جواز ذلك، وهو مذهب البخاريِّ؛ لأنه لم يصحَّ الحديث عنده، والله أعلم)
بداية المجتهد لابن رشد الحفيد 1/ 126.
لم يتصدَّ ابنُ رشد هنا للحديث عن الرواة، أو للحديث عن هل هم مِن الثقات أو الضعفاء؟ وعن المتن هل سلِم مِن العلل أم لا؟ ولذلك لجأ إلى أقوال أهل الحديث، وفي هذا ما يبين أن عامةَ الفقهاء عالةٌ على المحدِّثين في نقدهم للأحاديث.
• قال محمد بن رشد: وجه إجازة مالك - رحمه الله - للرجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمِنَ أن يمرَّ به أحد هو أن الشرعَ إنما قرَّر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدمَ دون مَن سواهم من الملائكة؛ إذ لا تفارقه الحفَظة الموكَّلون عليه منهم في حالٍ من الأحوال؛
قال الله عز وجل: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]؛ ولهذا قال مالكٌ تعجُّبًا: ألا يغتسل الرجل في الفضاء؟ إذ لا فرقَ في حق الملائكة بين الفضاء وغيره، وأنكر الحديث لمَّا كان مخالفًا للأصول؛ لأن الحديث إذا كان مخالفًا للأصول فإنكاره واجب، إلا أن يرِدَ مِن وجه صحيح لا مطعنَ فيه، فيرد إليها بالتأويل الصحيح)
البيان والتحصيل لابن رشد الجد 18/ 154.
مَن تأمَّل كلام ابن رشد على هذا الحديث، ظهر له شروطُ الفقهاء في قبول الحديث، ومنها: ألا يكون مخالفًا للأصول؛ فابن رشد هنا فهِم من إنكار مالك للحديث أنه لأجل مخالفته للأصول؛ أي: للقياس.
ولعل هذه النماذج - على قلَّتِها - كافيةٌ في بيان شروط المحدِّثين والفقهاء بطريقة عملية تُبرز مدى الفرق بين المحدِّثين والفقهاء في نقدهم للأحاديث، وسأكتفي من ذلك بما ذكرت؛ إذ يكفي مِن القلادة ما أحاط بالعُنق، وبالله التوفيق.
الخاتمة
وبعد هذه الرحلة القصيرة في مجال البحث عن شروط المحدِّثين والفقهاء أحُطُّ الرحالَ هنا لأختم المقال بتلخيص ما سبق بيانه، واستنتاج الفوائد التي يمكن أن تُعِين في إنجاز بحث أطول عن هذه القضية التي لا تكفي فيها هذه الصفحات القليلة، فأقول - ومِن ربي أستمد المعونة والتسديد -:
خلاصات:
• اشتَرط المحدِّثون في كلٍّ مِن الصحيح والحسن شروطًا دقيقة ومضبوطة، تدلُّ على تمكُّنهم من هذا العلم، وبلوغهم فيه الغاية القصوى.
• حدَّد علماء الحديث ضوابطَ متعددة يُعرَف بها ضعيف الأسانيد والمتون، وبها يمكن الوقوفُ على علل الأحاديث، ومن ثم يحكم عليها.
• الفقهاء غيرُ متفقين على طريقة واحدة في نقد الأحاديث؛ ولذلك وجدنا الأحناف يختلفون عن الجمهور في نقدهم للأحاديث، مما يبعث على عدم الاطمئنان إلى طريقتِهم في التعامل مع الأحاديث.
استنتاجات:
• طريقة المحدِّثين أدقُّ من طريقة الفقهاء؛ نظرًا لاهتمامهم البالغ بأحوال الرواة، وهذا ما جعَلهم لا يكتفون بالإشارة في هذا المجال، طالما أن الإشارة لا تغني عن العبارةِ في هذا المقام.
• طريقة الفقهاء تعتمد الأحكامَ العامة التي هي - في غالبها - مجانِبَةٌ للدقَّة والضبط.
• الفقهاءُ أثناء استدلالهم إنما ينطلقون مِن الحُكم الفقهي، لا مِن النص الشرعي، على عكس علماء الحديث، فإنهم ينطلقون مِن النص، لا مِن الحُكم.
• الفقهاء ينقُلون كلامَ السابقين مِن المحدِّثين على الأحاديث؛ أي إنهم لا علاقةَ لهم بهذا المجال، فإذا ما تناولوا الكلامَ عن حديث ما، فإنهم قد يذكرون حُكمًا مخالفًا لِما توصَّل إليه علماء الحديث.
وبعد هذه الخلاصات والاستنتاجات، أسأل اللهَ تعالى أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وخاليًا مِن كل قصد ذميم، والحمد لله رب العالمين!
اخوة الاسلام
و يتبقي لنا في هذا المقام بحث عن
طرق التعديل بين المحدثين والفقهاء
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربي يجازيك بخير وعافية أخي
دائما متميز كعادتك
*عبدالرحمن*
2018-06-20, 17:54
عليكم السلام ورحمه الله و بركاته
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
ما اجمل عباراتك المشجعه
جعلها الله في موازين حسناتك
وادام الله مرورك العطر
بارك الله فيك
https://c.top4top.net/p_8657f8o01.gif (https://up.top4top.net/)
.
*عبدالرحمن*
2018-06-25, 16:05
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
طرق التعديل بين المحدثين والفقهاء
مقدمة البحث
الحمد لله على ما تفضّلَ وأنعَم، وصلى الله على سيدنا محمد بن عبد الله النبيّ الأكرَم، وعلى آلِه أولي القدْر المعظَّم، وأصحابه وتابعيهم بإحسانٍ وسلَّم، وبعد.
أسأل الله تعالى بِمَنّه وكرمه في الإخلاصَ والتوفيقَ في النية، والسداد والرشاد في القول والعمل، والعونَ على التمام، والجُودَ بحسن الختام. آمين.
ولقد جاء هذا البحثُ وفقَ الخطة التالية:
• مقدمة البحث:
• التمهيد:
المبحث الأول: العدالة لغةً واصطلاحاً ويتضمَّن:
المطلب الأول: العدالة لغةً.
المطلب الثاني: العدالة في اصطلاح الفقهاء.
المطلب الثالث: العدالة في اصطلاح المحدثين.
المبحث الثاني: طرق التعديل. ويتضمَّن:
المطلب الأول: طرق التعديل عند الفقهاء.
المطلب الثاني: طرق التعديل عند المحدثين.
• الخاتمة.
• المسارد.
>>>>
التمهيد
الفقهاء والمحدثون فريقان من علماء هذه الأمة؛ تضلّع كل منهما بمهمة المرابطة على ثغرٍ من ثغور الإسلام، حفظه وحرسه وحماه أن يُؤتى المسلمون من قِبَله.
والعلاقة بين هذين الفريقين وعِلمَيهِما علاقة تكاملية؛ عبّر عنها قول أكثرَ من واحدٍ من أعاظم الفقهاء بحقِّ أهل الحديث: أنتم الصيادلة ونحن الأطباء
ذكر الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/23 قال: قال الربيع: سمعت الشافعيَّ قال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء.
إن المحدثين
"هم من يشتغل في تتبُّع الأسانيد ومقارنتها، وتفحُّص أحوال الرجال، والبحث في ثبوت الأقوال إلى قائليها؛ فهم درعٌ حصين لهذه الأمة، قيّضهم المولى جل وعلا.
وهم ينخلون الأحاديث والروايات نخلاً، ويغربلونها غربلة، وهذا العمل يستدعي من القائم به صفاتٍ نفسيةً وملَكاتٍ وجدّاً واجتهاداً وحفظاً وممارسةَ صناعة حتى يصبح مُحدّثاً متتبعاً للروايات والأسانيد.
فهم - أي: المحدثون - بمنزلة الصيادلة الذين يبحثون في تركيب الأدوية، وصلاحيتها وفسادها، وأعراضها الإيجابية أو السلبية؛ فلذا نجد أنّ أهل الضلال يبغضون المحدثين بغضاً شديداً؛ لأنهم يكشفون أكاذيبَهم ويفضحون افتراءاتِهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى السلف الأول وغيرهم، لاسيما وقد خصَّ الله تعالى هذه الأمةَ بالإسناد وجعله من الدين المقرِّب إلى ربِّ العالمين.
وأما الفقهاء
فهم قومٌ نوّر الله تعالى بصائرَهم، وتعمقوا في دراسة مقاصد الشريعة وأصول الفقه والتشريع، والبناء الذي يقوم عليه النص، وطرقِ الاستدلال والنظر؛ فهم قيّضهم الله تعالى لحفظ النص من تأويل الجاهلين وتحريف الغالين. . .
. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدولة، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين" أخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" وفي "شرف أصحاب الحديث"، وهو حسن
بعد البحث ومراجعة مسرد الأحاديث النبوية في كتاب "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي تبين أنه لم يُخرج هذا الحديث!
وقد أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" برقم (55) وبرقم (56)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" برقم (20911)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/38، وابن عدي في "الكامل" 1/211 و 2/273 مُرسَلاً من حديث إبراهيم بن عبد الرحمن العذريِّ.
وأخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" برقم (53)، وابنُ عساكرَ في "تاريخ مدينة دمشق" 7/39 من حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ - رضي الله عنه -.
وأخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث برقم (54)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -؛ مقتصراً على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يرث هذا العلم من كل خلف عدولة".
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" 54/225 من حديث أنس - رضي الله عنه -.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" 1/248 و3/457-458، وذكره الديلمي في "مسند الفردوس" برقم (9012) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" 1/247 من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" برقم (3884) من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -.
وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" 1/26، وابن عدي في "الكامل" 1/249 من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -،
وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" 1/26 من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة معاً.
وقد ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" برقم (601) أنه قد رواه البزار من حديث ابن عمرو وأبي هريرة معاً، وذكرَ أنّ في إسناد هذه الروايةِ عمرَو بنَ خالد القرشيَّ كذبه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، ونسبه إلى الوضع.
وأخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" برقم (52)، والطبراني في "مسند الشاميين" برقم (599)، وابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" 43/236، وابن عدي في "الكامل" 1/248من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه
وذكر الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" ص 29 عقب ما رواه برقم (56) أنّ يحيى بن معين سأل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث قال: كأنه كلام موضوع ! قال: لا هو صحيحٌ. فقلت: ممن سمعته أنت ؟ قال: من غير واحد. ا.ه.
وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وأسانيده إن شاء الله
والله أعلم.
فقوله عليه السلام "ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين" إشارة إلى الفقهاء، وقوله: "ينفون عنه انتحال المبطلين" إشارة إلى المحدثين.
فالعلاقة بين الفقيه والمحدث تكاملية، وإن كان الفقيه يتربع على عرش الفتوى والنظر في مصالح العباد؛ لأن علم الفقيه مقاصدي، وعلم المحدث وسائلي
المبحث الأول
العدالة لغةً واصطلاحاً
المطلب الأول: العدالة لغةً:
معاني "العدالة" في اللغة تدور في أفلاك معاني التوسُّط والاعتدال والاستقامة.
قال صاحبُ "لسان العرب":
العَدْل: ما قام في النفوس أنه مُستقيمٌ، وهو ضِدُّ الجَوْر.
عَدَل الحاكِمُ في الحكم يَعدِلُ عَدْلاً، وهو عادِلٌ، من قوم عُدُولٍ وعَدْلٍ - الأخيرةُ اسمٌ للجمع كـ "تَجْرِ" و"شَرْبٍ" -وعَدَل عليه في القضيَّة فهو عادِلٌ، وبَسَطَ الوالي عَدْلَه ومَعْدِلَته.
وفي أسماء الله سبحانه: "العَدْل": هو الذي لا يَميلُ به الهوى فيَجورَ في الحكم، وهو في الأَصل مصدرٌ سُمِّي به فوُضِعَ مَوضِعَ "العادلِ" وهو أبلغ منه؛ لأَنه جُعِلَ المُسَمَّى نفسُه عَدْلاً.
والعَدْلُ: الحُكْم بالحق، يقال: هو يَقْضي بالحق ويَعْدِلُ، وهو حَكَمٌ عادِلٌ ذو مَعْدَلة في حكمه، والعَدْلُ من الناس: المَرْضيُّ قولُه وحُكْمُه، وقال الباهلي: رجل عَدْلٌ وعادِلٌ: جائز الشهادة، ورَجُلٌ عَدْلٌ رِضاً ومَقنَعٌ في الشهادة. . . .
والعَدالة والعُدولة والمَعْدِلةُ والمَعْدَلةُ - كلُّه -: العَدْل، وتعديل الشهود: أن تقول: إنهم عُدُولٌ، وعَدَّلَ الحُكْمَ: أقامه، وعَدَّلَ الرجلَ: زَكَّاه، والعَدَلةُ والعُدَلةُ: المُزَكُّون. . . يُقال: رجل عُدَلة، وقوم عُدَلة أيضاً، وهم الذين يُزَكُّون الشهودَ، وهم عُدُولٌ، وقد عَدُلَ الرجلُ - بالضّمّ - عَدالةً. . . .
وفلان يَعدِل فلاناً؛ أي: يُساويه ويقال: ما يَعْدِلك عندنا شيءٌ؛ أي: ما يقَع عندنا شيءٌ مَوقِعَك، وعَدَّلَ المَوازينَ والمَكاييلَ: سَوَّاها، وعَدَلَ الشيءَ يَعْدِلُه عَدْلاً وعادَله: وازَنَه، وعادَلْتُ بين الشيئين وعَدَلْت فلاناً بفلان: إذا سَوَّيْت بينهما، وتَعْدِيلُ الشيء: تقويمُه، وقيل: العَدْلُ: تَقويمُك الشيءَ بالشيءِ من غير جنسه حتى تجعله له مِثْلاً.
والعَدْلُ والعِدْلُ والعَديلُ سَواءٌ؛ أي: النَّظير والمَثيل، وقيل: هو المِثْلُ وليس بالنَّظير عَينه، وفي التنزيل: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95]
يُنظر: "لسان العرب" (عدل) 4/2838-2839.
المطلب الثاني: العدالة في اصطلاح الفقهاء:
إن الناظر في كتب الفقه يجدَ العدالة مَطلوبةً في مباحثَ عديدةٍ منه؛ يُمكن ردُّها إلى ثلاثةٍ رئيسة:
1- الولايات: كإمام الأمة (الحاكم)، والأئمة دونه (الولاة)، وإمام الجماعة، وعامل الزكاة، ووليّ النكاح، والقاضي، والمفتي.
2- والوصايات: كناظر الوقف، وولي اليتيم والمحجور عليه
3- والشهادات في أبواب الطهارات، وقبلة الصلوات، وإثبات الشهور (رمضان وغيره)، وإثبات الحقوق والعقود، وإقامة الحدود.
هذا وإنّ الباحث يجد أنّ للعدالة لدى الفقهاء والمحدثين تعريفاتٍ متعددةً، ولكنها متقاربةٌ ! بل لعلها تكون متطابقة.
صرح بذلك عددٌ من أهل العلم كالحافظ السيوطي الذي قال في "تدريب الراوي": على ما حُرّرَ في الشهادات من كتب الفقه، وتُخالفها في عدم اشتراط الحرية والذكورة
"تدريب الراوي" ص 212.
ونصَّ الحافظ ابن دقيق العيد على أنها العدالة "المشترطة في قبول الشهادة على ما قُرِّر في الفقه"
"الاقتراح في بيان الاصطلاح" للحافظ ابن دقيق العيد ص 7.
في حين إن العدالة مطلوبةٌ لدى المحدثين لإثبات صدق نقلة الروايات والأخبار.
ويحسُن إيرادُ ما يُبيّن الفرق بين ما يتطلب العدالةَ عند المحدثين، وما يتطلبها عند الفقهاء.
يقول ابن عابدين:
الخبر ثلاثة: خبرٌ في الديانة تُشتَرَط له العدالة دون العدد، وخبر في الشهادة فالعدالة والعدد، وخبر في المعاملة فلا يُشتَرَط واحدٌ لئلا يضيق الأمر
حاشية ابن عابدين" 10/252-253.
وقد قال القرافي في الفرق الأول من كتابه الفخم "الفروق":
الفرق الأول بين الشهادة والرواية:
ابتدأت بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين؛ لأني أقمت أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما وتحقيق ماهية كل واحدة منهما؛ فإن كل واحدة منهما خبرٌ؛ فيقولون: الفرق بينهما: أن الشهادة يُشترط فيها العدد والذكورية والحرية؛ بخلاف الرواية؛ فإنها تصحُّ من الواحد والمرأة والعبد.
فأقول لهم: اشتراط ذلك فيها فرعُ تصورها وتمييزِها عن الرواية، فلو عُرفت بأحكامها وآثارها التي لا تًعرَفُ إلا بعد معرفتها لزم الدورُ! وإذا وقعت لنا حادثةٌ غير منصوصة من أين لنا أنها شهادة حتى يُشترط فيها ذلك؟ فلعلها من باب الرواية التي لا يُشترط فيها ذلك! فالضرورة داعية لتمييزهما، وكذلك إذا رأينا الخلافَ في إثبات شهر رمضان: هل يُكتفى فيه بشاهدٍ، أم لا بد من شاهدين؟
ويقول الفقهاء في تصانيفهم: منشأ الخلاف في ذلك: هل هو من باب الرواية أو من باب الشهادة.
إلى أن قال: ولم أزل كذلك كثير القلق والتشوف إلى معرفته ذلك حتى طالعتُ "شرح البرهان" للمازري - رضي الله عنه -، فوجدته ذكَرَ هذه القاعدة وحقّقها، وميّز بين الأمرين من حيث هما، واتجه تخريج تلك الفروع اتجاهاً حسناً.
ثم نقل عن المازري:
الشهادة والرواية خبران غير أن المخبر عنه إن كان أمراً عاماً لا يختص بمعين؛ فهو الرواية كقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات"، و "الشفعة فيما لا يقسم" لا يختص بشخص معين، بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار؛ بخلاف قول العدل عند الحاكم: "لهذا عند هذا دينار" إلزام لمعيَّن لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة المحضة، والأول هو الرواية المحضة، ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك.
ووجه المناسبة بين الشهادة واشتراط العدد حينئذ وبقية الشروط: أن إلزام المعين تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطَّلِع عليها الحاكم، فتبعث العدوَّ على إلزام عدوّه ما لم يكن لازماً له.
فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخَرَ؛ إبعاداً لهذا الاحتمال، فإذا اتفقا في المقال قرب الصدق جداً؛ بخلاف الواحد.
ويناسب أيضاً اشتراط الذكورية من وجهين.
ثم تكلم عن نقصان شهادات النساء، واشتراط الحرية، وأطنَبَ في الموضوع في كلام نفيس جداً
يُنظر: "أنوار البروق في أنواع الفروق" 1/74-91.
وسأُلقي الضوءَ على طائفةٍ من تعريفات العدالة منتقاةٍ من عددٍ من الكتب الفقهية على المذاهب الأربعة، وأُتبِعُها - في المطلب الثالث - بزمرةٍ من التعريفات المختارة من بعض كتب مصطلح الحديث.
ففي "حاشية ابن عابدين" خاتمة المحققين الحنفيين:
العدالة: ملَكةٌ تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، والشرط أدناها، وهو ترك الكبائرِ والإصرارِ على الصغائر، وما يُخلُّ بالمروءة، ويلزم أن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً
"رد المحتار على الدر المختار" (حاشية ابن عابدين) 3/352.
ونُقلت فيها أقوال:
فعن أبي يوسف: أن لا يأتي بكبيرة، ولا يصر على صغيرة، ويكون ستره أكثر من هتكه، وصوابه أكثر من خطئه، ومروءته ظاهرة، ويستعمل الصدق، ويجتنب الكذب ديانةً ومروءة.
وقيل: من اجتنب الكبائر وفعل مئة حسنة وتسعاً وتسعين صغيرة فهو عدل، وإن فعل حسنة وصغيرتين ليس بعدل. وقيل: هي الاستقامة وهي بالإسلام واعتدال العقل ويعارضه هوى يضله ويصده وليس لكمالها حد يدرك مداه ويكتفي لقبولها بأدناه كي لا تضيع الحقوق وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة
نظر: "حاشية قرة عيون الأخيار تكملة رد المحتار على الدر المختار" الملحق بـ (حاشية ابن عابدين) 11/150.
وفي "الذخيرة" للقرافي المالكي:
العدالة: وهي أن يكون الشاهد يجتنب الكبائر ويتوقى الصغائر... وفي الجواهر: الذي تقبل شهادته المجتنب للكبائر المتقي للصغائر ذو مروة وتمييز، مستيقظ، متوسط الحال بين البغض والمحبة، والاعتدالُ في الأحوال الدينية هو العدالة؛ بأن يكون ظاهر الأمانة، بعيداً من الريب، مأموناً في الرضا والغضب.
قال
أي: في "الجواهر"، وهو كتاب "الجواهر الثمينة على مذهب عالم المدينة" في فروع الفقه المالكي لأبي محمد عبدالله بن محمد بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي المالكي المتوفى سنة (610 ه)، وضعه على ترتيب "الوجيز" للغزالي، والمالكية عاكفة عليه لكثرة فوائده.
يُنظر: "كشف الظنون" لحاجي خليفة 1/612.
: قال بعض علمائنا: وليست العدالة أن يمحض الطاعة حتى لا تشوبها معصية لتعذُّره! لكن من كانت الطاعةُ أكثرَ حاله، وهو مجتنب الكبائر، يحافظ على ترك الصغائر، يستعمل المروّة التي تليق بمثله في دينه ودنياه، فكل من صدر منه تعدٍّ أدّى لسقوط الدين والمروّة فهو قادحٌ في شهادته
"الذخيرة" 10/201.
وذُكرت العدالة في "مواهب الجليل" للحطاب الرعيني المالكي على أنها: صفة مظنة تمنع موصوفها البدعةَ وما يشينه عرفاً ومعصية غير قليل الصغائر، فالصغائر الخسيسة مندرجةٌ فيما يشين، ونادرٌ الكذب في غير عظيم مفسدة عفو مندرج في قليل الصغائر.
وأطول منه قول ابن الحاجب في الفقه: العدالة: المحافظة الدينية على اجتناب الكذب والكبائر، وتوقّي الصغائر، وأداء الأمانة، وحسن المعاملة، ليس معها بدعة أو أكثرها
"مواهب الجليل لشرح مختصر خليل" للحطاب الرعيني 8/162.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين":
شرط العدالة: اجتناب الكبائر، والإصرار على صغيرة.
فقال الخطيب الشربيني موضِّحاً: فبارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة من نوع أو أنواع تنتفي العدالة، لا أن تغلب طاعاتُه معاصيَه؛ كما قاله الجمهور، فلا تنتفي عدالته وإن اقتضت عبارة المصنف الانتفاءَ مطلقاً
مغني المحتاج في حل ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني 4/540-541.
وقد زاد أبو شجاع شروط العدالة في "متنه" فقال:
وللعدالة خمس شرائط: أن يكون مجتنباً للكبائر، غير مصرٍّ على القليل من الصغائر، سليم السريرة، مأموناً عند الغضب، محافظاً على مروءة مثله.
قال الخطيب الشربيني: سليم السريرة: أي: العقيدة؛ بأن لا يكون مبتدعاً لا يكفر ولا يفسق ببدعته، فلا تقبل شهادة مبتدع يكفر، أو يفسق ببدعته؛ فالأول: كمُنكري البعث، والثاني كسابِّ الصحابة - رضي الله عنهم -.
وقال: الرابع: أن يكون العدل (مأموناً) مما توقع فيه النفس الأمارة صاحبها (عند الغضب) من ارتكاب قول الزور، والإصرار على الغيبة والكذب لقيام غضبه؛ فلا عدالة لمن يحمله غضبه على الوقوع في ذلك.
(و) الخامس: أن يكون (محافظاً على مروءة مثله) بأن يتخلق الشخصُ بخلق أمثاله من أبناء عصره ممن يراعي مناهج الشرع وآدابه في زمانه ومكانه؛ لأن الأمور العرفية قلما تنضبط بل تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والبلدان، وهذا بخلاف العدالة؛ فإنها تختلف باختلاف الأشخاص؛ فإن الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع بخلاف المروءة فإنها تختلف
يُنظر: "الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني، وعليه "حاشية البجيرمي" 5/377-383.
وذكر الحجّاوي الحنبلي أنّ العدالة هي: استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله، ويُعتَبَرُ لها شيئان:
الصلاح في الدين: وهو أداء الفرائض بسُننها الراتبة، فلا تقبل إن داوَمَ على تركِها لفسقه، واجتناب المحرم فلا يرتكب كبيرة، ولا يدمن على صغيرة.
الشيء الثاني: استعمال المروءة: وهو ما يجمله ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه عادةً
"الإقناع لطالب الانتفاع" للحجاوي 4/504-506.
ونحو ذلك ذكره ابن النجار الفُتوحي في "منتهى الإرادات"، والبهوتي في "شرحه" له المسمى "دقائق أولي النهى
"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي 6/661
وأختم بتعريف متأخر جامعٍ قاله الفيوميُّ في "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير
"الشرح الكبير" للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (623ه) على كتاب "الوجيز في فروع الفقه" على المذهب الشافعي لحجة الإسلام الغزالي (505 ه).
العدالةُ: صفة توجب مراعاتُها الاحترازَ عما يخلّ بالمروءة عادةً ظاهراً، فالمرة الواحدة من صغائر الهفوات وتحريف الكلام لا تُخل بالمروءة ظاهراً؛ لاحتمال الغلط والنسيان والتأويل، بخلاف ما إذا عُرف منه ذلك وتكرّر، فيكون الظاهر الإخلال!
ويُعتَبَرُ عرفُ كلّ شخص وما يعتاده من لبسه، وتعاطيه للبيع والشراء، وحمل الأمتعة وغير ذلك؛ فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قُدِح، وإلا فلا
"المصباح المنير" (عدل) ص151.
المطلب الثالث: العدالة في اصطلاح المحدثين:
سلف وأن ذكرتُ في بدايات المطلب السابق أنّ ثَمّةَ تشابُهاً بين العدالة لدى الفقهاء ولدى المحدثين، وسقت طائفةٍ منتقاةٍ من عددٍ من الكتب الفقهية على المذاهب الأربعة.
وها أُتبِعُ ما تقدّمَ بزمرةٍ من التعريفات المختارة من بعض كتب مصطلح الحديث.
من أوائل من نصّ مِن أهل الحديث على شروط الراوي مقبول الرواية الإمامُ الشافعي؛ حيث قال في "الرسالة":
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً: منها أن يكون من حدّث به ثقةً في دينه، معروفاً بالصدق في حديثه. .
"كتاب الأم": الجزء الأول "الرسالة": ص 170.
وبهذا الإجمال يرى الحافظ ابن حبان أنّ العدالة في المرء: هو أن يكون أكثر أحواله طاعة الله
كتاب المجروحين" 2/455، وكذلك قال في "صحيحه" 1/151.
وقريبٌ منه قول إبراهيم النخعي: العَدلُ: الذي لم تَظهر منه رِيبةٌ
خرجه عبد الرزاق "المصنف": كتاب الشهادات: 8/319: برقم (15361).
وأخرجه الخطيب البغدادي في "الكفاية" 1/268-269.
ونقل الخطيب البغداديُّ عن القاضي أبي بكر محمد بن الطيب
هو القاضي أبي بكر محمد بن الطيب ابن الباقلاني المتوفى (403 ه).ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 17/190-193.
نقلاً مطوّلاً قال فيه:
والعدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي: العدالة الراجعة إلى استقامة دينه وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه مما اتُّفق على أنه مبطل للعدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها.
والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة: إنها اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة
"الكفاية" للخطيب البغدادي 1/272. ولكلام الباقلاني تتمة نفيسة قال فيها:
"وقد عُلم مع ذلك أنه لا يكاد يسلَمُ المكلَّف من البشر من كلِّ ذنبٍ، ومن ترْكِ بعضِ ما أمر به حتى يخرج لله من كل ما وجب له عليه، وأن ذلك يتعذر! فيجب لذلك أن يقال: إن العدل هو من عُرف بأداء فرائضه، ولزوم ما أُمر به، وتوقي ما نُهي عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحرّي الحق
والواجب في أفعاله ومعاملته، والتوقي في لفظه ما [كذا] يثلم الدين والمروءة. فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه، ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتنابُ كبائر الذنوب التي يُسمّى فاعلُها فاسقاً حتى يكون مع ذلك متوقّياً لِما يقول كثير من الناس: إنه لا يعلم أنه كبير، بل يجوز أن يكون صغيراً نحو الكذب الذي لا يُقطع على أنه كبير
ونحو التطفيف بحبة، وسرقة باذنجانة، وغشّ المسلمين بما لا يُقطَعُ عندهم على أنه كبير من الذنوب لأجل أنّ القاذورات ـ وإن لم يقطع على أنها كبائرُ يستحق بها العقاب ـ فقد اتُّفق على أن فاعلَها غيرُ مقبول الخبر والشهادة؛ إما لأنها متهِمة لصاحبها ومُسقِطة له، ومانعة من ثقته وأمانته، أو لغير ذلك؛ فإن العادة موضوعة على أنّ من احتملت أمانتُهُ سرقةَ بصلةٍ، وتطفيفَ حبةٍ احتملت الكذبَ وأخذ الرّشا على الشهادة ووضع الكذب في الحديث والاكتساب به.
فيجب أن تكون هذه الذنوب في إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتُّفق على أنه فسق يستحقّ به العقاب، وجميع ما أضربنا عن ذكره ـ مما لا يقطع قوم على أنه كبير وقد اتُّفق على وجوب رد خبر فاعله وشهادته ـ فهذه سبيله في أنه يجب كون الشاهد والمخبر سليماً منه".
"الكفاية" للخطيب البغدادي 1/272-273.
ثم قال الخطيب:
الطريق إلى معرفة العدل المعلوم عدالته مع إسلامه وحصول أمانته ونزاهته واستقامة طرائقه، لا سبيل إليها إلا باختيار الأحوال، وتتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة
"الكفاية" للخطيب البغدادي 1/274.
وذكر الحافظ ابن حجر أنّ العدالة "ملكة تحمل المرء على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة: من شرك أو فسق أو بدعة"
"نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" ص 69.
والتعريف بحروفه في "فتح المغيث" للسخاوي 2/158 .
وعرّفها ابن الأثير الجزري بأنها "عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً حتى تحصل الثقة للنفوس بصدقه، و لا تشترط العصمة من جميع المعاصي، ولا يكفي اجتناب الكبائر، بل من الصغائر ما ترد به الشهادة والرواية.
قال: وبالجملة: فكل ما يدل على ميل دينه إلى حدٍّ يستجيز على الله الكذب بالأغراض الدنيوية، كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات الفادحة في المروءة، نحو الأكل والشرب في السوق، والبول في الشوارع، ونحو ذلك
"جامع الأصول في أحاديث الرسول" 1/74.
وبتعبير معاصر؛ فإنّ "عدالة الرواة: محافظة دينية تحمل المرء المسلم البالغ العاقل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً؛ حتى يصل ثقة النفس بصدقه، وتتحققُ هذه المحافظةُ بالاجتناب عن الكبائر، وعن الإصرار على الصغائر، وعن المباحات المخلة بالمروءة؛ كالأكل في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأرذال، والإفراط في المزاح والضحك، وغيرها من الأمور التي المرجعُ في إخلالها بالمروءة عرفُهُ ومجتمعُه"
"معجم المصطلحات الحديثية" ص 59.
وقُسمت العدالة إلى باطنة وظاهرة؛ فالعدالة "الباطنة هي التي لا تُعرف إلا من خلال طول المعاشرة والمخالطة، وليس المقصود بالباطنة ما في قلبه؛ لأنه ليس من قدرة البشرِ العلمُ بها.
أما العدالة الظاهرة فهي ما تعرف بظاهر الأمر.
ويمكن التفريق بين العدالة الباطنة والعدالة الظاهرة بأن نقول: إن العدالة الباطنة هي العلم بعدم المُفسّق، والعدالة الظاهرة: هي عدم العلم بالمُفسّق
"التخريج ودراسة الأسانيد" للدكتور حاتم بن عارف الشريف. ملف (word).
*عبدالرحمن*
2018-06-25, 16:51
المـبحث الثانـي
طرق التعديل
المطلب الأول: طرق التعديل عند الفقهاء:
التعديل لغة: هو التقويم، وقد سلف قول ابن منظور:
وتعديل الشهود: أن تقول: إنهم عُدُولٌ، وعَدَّلَ الحُكْمَ: أقامه، وعَدَّلَ الرجلَ: زَكَّاه،. . . . وعَدَّلَ المَوازينَ والمَكاييلَ: سَوَّاها،. . . وتَعْدِيلُ الشيء: تقويمُه
يُنظر: "لسان العرب" (عدل) 4/2839.
وأما التعديل عند الفقهاء فهو: النسبة إلى العدالة والوصف بها، وهو ضد التفسيق
يُنظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 13/100.
ورأى البعض أنّ التعديل هو: تنفيذ الشهادة
نقله الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 5/575 عن ابن المنيّر.
ولعل هذا التعريف مردُّه إلى الشهادة في محاكم القضاء هي أخطر المناحي التي يُحتاج فيها إلى العدالة؛ ففيها إثبات حقوق، وإقامة حدود، وتبرئة متهمين أو إدانتهم، وإعلان أحكامٍ خطيرة تتعلق بأفرادٍ، بل تتعدى إلى الأمة بأسرها أحياناً!
وهنا يكمن تعليل أنّ الكلام عن العدالة يكون - على الأغلب - في أبعاض أبواب الشهادات والقضاء في كتب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم.
فهل يُكتفى بظاهر العدالة، أم يتعين تقّصي العدالة في شخص الشاهد بالسؤال، أو الاستفاضة أو الشهرة.
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
الأول:
الاقتصار على ظاهر العدالة، ولا يتعين على القاضي التقصي عنها إلا في الحدود والقصاص، وكذا فيما لو طعن الخصم في الشاهد.
وهو قول الإمام أبو حنيفة
يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/233.
ورواية عن الإمام أحمد - واختيار الخِرَقي عند القاضي وجماعة - في كلِّ مسلم لم تظهر منه ريبة
يُنظر: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" للمرداوي 12/37.
القول الثاني:
إنه يتعين على القاضي أن يسأل عن الشهود، ويتحرى عنهم.
وهو قول الصاحبين؛ وعليه الفتوى في المذهب الحنفي
يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/233.
وهو قول المالكية
يُنظر: "الكافي في فقه أهل المدينة المالكي" لابن عبد البر ص 465- 466.
والشافعية
يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي 17/156.
والحنابلة في ظاهر المذهب
يُنظر: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" للمرداوي 12/37.
والتعديل - أو التزكية - نوعان: سر وعلانية:
أما تزكية السر، فأن يختار للمسألة عن الشهود من هو أوثق الناس، وأورعهم ديانة، وأعظمهم دراية، وأكثرهم خبرة، وأعلمهم بالتمييز فطنة، فيوليه البحث عن أحوال الشهود.
وأما تزكية العلانية، فأن يحضر القاضي المزكي بعدما زكى؛ ليزكِّيَ الشهود أمامه
يُنظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 11/241.
ويجتزئ القاضي في تزكية السر بواحد؛ لأنها ليست شهادة بل إخبار، وهو مذهب الحنفية
يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/117.
وقولٌ لمالك
يُنظر: "الذخيرة" 10/207.
وقولٌ عند الحنابلة
يُنظر: "الإنصاف" 11/275-276.
والقول الآخر لمالك
يُنظر: "الذخيرة" 10/207.
هو مذهب الشافعية
يُنظر: "الحاوي" 16/187.
والحنابلة
يُنظر: "الإنصاف" 11/275-276.
إنه لا بد من اثنين.
أما بالنسبة لتزكية العلن، فالمذاهب الثلاثة
يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/118، "الحاوي" 16/187، "الإنصاف" 11/270-274.
ومشهور المذهب عند المالكية
يُنظر: "الذخيرة" 10/207.
أنه لا يُقبَلُ فيها إلا اثنان؛ لأنها شهادة.
وروي عن مالك: أنه لا يزكيه إلا أربعة، وعن ابن الماجشون: أنّ أقلّ ما يزكي الرجل أربعة شهود
يُنظر: "الذخيرة" 10/207.
لمطلب الثاني: طرق التعديل عند المحدثين.
التعديل عند المحدثين: هو وصف الراوي في عدالته وضبطه بما يقتضي قَبول روايته
"معجم المصطلحات الحديثية" ص 27، وعزاه بقوله: "د. عبد العزيز العبد اللطيف: "ضوابط للجرح والتعديل" ص 11".
أو هو: "نسبة الرجل إلى العدالة، التي هي الرضا والقناعة بالشخص على أنه صالح للشهادة، وتزكيته"
"منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح" للشيخ أبو بكر كافي ص 73.
ويثبت التعديل لدى المحدثين بواحد من ثلاثة طرق:
الأول: الشهرة والاستفاضة
يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 68، "فتح المغيث" 2/166-167، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/245، "تدريب الراوي" ص 213.
قال الخطيب البغدادي في "الكفاية":
باب في أنّ المحدث المشهور بالعدالة والثقة والأمانة لا يحتاج إلى تزكية المعدل:
مثال ذلك أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشعبة بن الحجاج، وأبا عمرو الأوزاعي، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، ويحيى ابن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، وأحمد بن حنبل، وعلى بن المديني، ويحيى بن معين، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر، واستقامة الأمر، والاشتهار بالصدق والبصيرة والفهم، لا يسأل عن عدالتهم، وإنما يُسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين، أو أشكل أمره على الطالبين
"الكفاية" 1/286.
ذلك أنّ النفسَ تطمئن إلى عدالة أمثال أولئك الأئمة الأعلام باشتهار ذلك عنهم اطمئناناً أقوى من شهادة الواحد والاثنين بعدالتهم.
سئل الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه، فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين
أخرجه الخطيب في "الكفاية" 1/286، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/210.
وسُئل يحيى بن معين عن الكتابة عن أبي عبيد القاسم بن سلام فقال: مثلي يُسأل عن أبي عبيد ! أبو عبيد يُسأل عن الناس
أخرجه الخطيب في "الكفاية" 1/287، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 49/68.
الثاني: تعديلُ اثنين من علماء الحديث والرجال
يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 68 و69، "فتح المغيث" 2/162-163، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/245، "تدريب الراوي" ص 213 و 218.
وهو أن ينصَّ اثنان من أهل العلم بالجرح والتعديل على عدالته؛ قياساً على الشهادة؛ حيث يشترط في تزكية الشاهد اثنان، وهو قول جمهور العلماء.
لثالث: تعديلُ واحدٍ من علماء الحديث والرجال
يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 69، "فتح المغيث" 2/162-164، "تدريب الراوي" ص 218
وهو أن ينصَّ واحدٌ من علماء الجرح والتعديل على عدالة الراوي.
ورجّح ذلك الخطيب البغدادي وابن الصلاح وغيرهما، واستدلوا بأنه لم يُشتَرَط العدد في قَبول الخبر.
واستدلوا بأن الحديث الغريب قد يكون صحيحاً، وهو ما يتفرّد بروايته راوٍ واحدٌ
يُنظر: "معجم المصطلحات الحديثية" ص 63.
واستدلوا كذلك بحالات قَبول الصحابة - رضي الله عنهم - فمن بعدَهم من أهل العلم مروّياتِ راوٍ واحدٍ.
وقد ذُكرت لبعض أهل العلم طرقٌ أخرى ردّها جمهورُهم؛ من ذلك:
أ- تعديل كل حامل للعلم حتى يتبين جرحه
يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 68-69، "فتح المغيث" 2/168-169، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/245-247، "تدريب الراوي" ص 214.
وهو مذهبُ الحافظ ابن حبان المعروف من كتابه "الثقات"؛ حيث قال:
العدلُ:
من لم يُعرَف منه الجرحُ ضد التعديل فمن لم يُعلَم بجرحٍ فهو عدلٌ
"كتاب الثقات" 1/13.
ورأى ذلك الحافظ ابن عبد البر فقال "التمهيد":
وكلُّ حاملِ علمٍ معروفِ العناية به فهو عدلٌ محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جُرحَتُهُ في حاله، أو في كثرة غلطه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدولة"
"التمهيد" (موسوعة شروح الموطأ) 1/321، وقد سلف الحديث بتمامه ص 6 من هذا البحث، وثمة تخريجه.
ووافقهم على ذلك من المتأخرين ابن المواق
"فتح المغيث" 2/174، "تدريب الراوي" ص 214.
وابن المواق هو: عبد الله بن مواق المغربي المتوفى سنة (897 سبع وتسعين وثمان مئة)، صنف "بغية النقاد في أصول الحديث". قاله إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين" 1/470.
ب- التعديل على الإبهام
يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 70-71، "فتح المغيث" 2/191-200، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/254-255، "تدريب الراوي" ص 219-223.
وهو أن يذكر الراوي الثقة أنه لا يروي إلا عن ثقة، فإن روى عن راوٍ تكون روايته عنه توثيقاً له، أو أن يقول الراوي الثقة: "حدثني الثقةُ"، أو يقول: "حدثني من لا أتّهم" دون أن يُسمِّيَهُ، ويكون قوله توثيقاً له.
وممن نُقل عنه أنه" لا يروي إلا عن ثقة - إلا على النادر - الإمام أحمد، وبقيّ بن مُخلّد، وحريز بن عثمان، وسليمان بن حرب، وشعبة والشعبي وعبد الرحمن بن مهدي ومالك ويحيى بن سعيد القطان، وذلك في شعبة على المشهور؛ فإنه كان يتعنت في الرجال ولا يروى إلا عن ثبت، وإلا فقد قال عاصم بن علي: سمعت شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثة - وفي نسخة: ثلاثين - وذلك اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر، وعلى كل حال فهو لا يروي عن متروك ولا عن من أُجمع على ضعفه
"فتح المغيث" 2/200-202.
قال الخطيب:
إذا قال العالِم: "كلُّ من رويتُ عنه فهو ثقة وإن لم أسَمّه"، ثم روى عمن لم يسمّ؛ فإنه يكون مزكياً له، غير أنا لا نعمل على تزكيتة؛ لجواز أن نعرفه إذا ذكره بخلاف العدالة
"الكفاية" 1/298.
وحكى ابن الصباغ عن أبي حنيفة أنه يُقبل
"المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/254.
والقول المختار: إنه لا يقبل؛ لجواز أن يُعرَفَ بجرحٍ لو بيَّـنَه
يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 70-71، "فتح المغيث" 2/192، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/254، "تدريب الراوي" ص 220.
بل إضرابه عن تسميته ريبةٌ تُوقعُ تردُّداً في قلب السامع
"فتح المغيث" 2/192، "تدريب الراوي" ص 219.
قال الخطيب:
إذا قال العالم: "كل من أروي لكم عنه وأسَمّيه فهو عدلٌ رضا مقبولُ الحديث" كان هذا القول تعديلاً لكل من روى عنه وسَمّاه
"الكفاية" 1/298.
ورأى الخطيب البغداديّ أن "عمل العالم بخبر من روى عنه لأجله فإن ذلك تعديل له يُعتَمَدُ عليه؛ لأنه لم يعمل بخبره إلا وهو رضا عنده عدلٌ، فقام عملُه بخبره مقامَ قوله: هو عدل مقبولُ الخبر.
ولو عمل العالم بخبر من ليس هو عنده عدلاً لم يكن عدلاً يجوز الأخذُ بقوله، والرجوعُ إلى تعديله؛ لأنه إذا احتملت أمانته أن يعمل بخبرِ من ليس بعدلٍ عنده احتملت أمانتُه أن يُزكّيَ ويعدِّلَ من ليس بعدلٍ"
"الكفاية" 1/299.
في حين رأى ابن الصلاح أن "عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ليس حكماً منه بصحة ذلك الحديث، وكذا مخالفته للحديث ليست قدحاً منه في صحته ولا في روايته"
"مقدمة ابن الصلاح" ص 71.
واحتج السخاوي لرأي ابن الصلاح بأنه" ربما كان المفتي ممن يرى العمل بالحديث الضعيف ويُقدّمه على القياس، فهو يعمل به مع علمِهِ أن راويَ الحديث ضعيف؛ إذ هو عنده خير من النزول إلى القياس أو غيره من أدلة الشرع، أو أن العالم يعمل بذلك الحديث احتياطاً إذا كان ما يرويه عن طريق ذلك زيادة على ما هو ثابت فيعمل به زيادةً في الاحتياط"
"فتح المغيث" 2/198.
*عبدالرحمن*
2018-06-25, 16:56
خـاتـمة
بذلتُ جهداً كبيراً في محاولة التمييز بين العدالة وطرق التعديل لدى الفقهاء، وبين العدالة وطرق التعديل لدى المحدثين.
والذي جعل الأمر شاقاً هو التداخُل الكبير في موضوع العدالة بين الفقهاء وكتبهم، والمحدثين وأسفارهم؛ الأمر الذي جعل كثيراً من الباحثين المعاصرين الذين اطّلعت على كتاباتهم يخلطون - معذورين - بين مباحث العدالة لدى الفقهاء، ومباحثها لدى المحدثين.
وكانت النتيجة التي وصلت إليها التقاربُ الشديد في مفهوم العدالة بين الفقهاء والمحدثين؛ على الرغم من الاختلاف بين ما يتطلب العدالة عند المحدثين وهو الرواية، وما يتطلب العدالة عند الفقهاء وهو الشهادة رغم أنهما خبران في الأصل؛ ذلك أن الرواية أمرٌ عامٌّ لا يختص بمعين؛ بخلاف الشهادة التي يُخشى أنّ إلزام المعين بها قد تُتوقع قبله - أو بعده - عداوة ما؛ فاحتاط الشرع للشهادة وأوجب لها العدد.
ثم اختلف الفقهاء في الاقتصار على ظاهر العدالة، وتعيُّن السؤال عن الشهود، والتحري عنهم، وما يتفرع عن ذلك من تعديلهم في السر والعلانية، وما يلزم لذلك.
وعُني المحدثون بوسائل إثبات وصف الراوي بما يقتضي قَبول روايته، أو ردّها.
ويثبت التعديل لدى المحدثين بالشهرة والاستفاضة، أو تعديلِ اثنين قياساً على الشهادة، أو تعديل واحدٍ من العارفين بالرجال.
وردُّوا أقوال من قال بتعديل كل حامل للعلم حتى يتبين جرحه، أو قال بالتعديل على الإبهام.
والحمد لله رب العالمين
والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
مسرد المصادر والمراجع:
• "الاقتراح في بيان الاصطلاح وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة من الصحاح" للحافظ ابن دقيق العيد (702ه) ويليه "نظم الاقتراح" للحافظ ولي الدين العراقي (806 ه).
شركة دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت. ط1: 1427ه/2006م.
"الإقناع لطالب الانتفاع" لشرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي المقدسي (968 ه)
تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر.
أعيد طبع هذا الكتاب على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بمناسبة الاحتفاء بمرور
عشرين عاماً على توليه - حفظه الله - مقاليد الحكم. رقم تسلسل الإصدار: 118.
ط3: 1423ه/2002م طبعة خاصة بدارة الملك عبد العزيز.
"الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان
المرداوي الدمشقي الصالحي (المتوفى 885ه)
دار الكتب العلمية بيروت. ط1: 1418ه/1997م.
"البجيرمي على الخطيب" وهو حاشية الشيخ سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي المتوفى (1221 ه) المسماة "تحفة الحبيب
على شرح الخطيب" المعروف بـ "الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني (977 ه)
دار الكتب العلمية - بيروت. ط1: 1417ه/1996م.
"بغية الرائد في تحقيق "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي (807 ه)
تحقيق: عبد الله محمد الدرويش. دار الفكر ـ بيروت ط1: 1414 ه/1994م.
"تاريخ مدينة دمشق" لابن عساكر (571ه)
دراسة وتحقيق محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي. دار الفكر - بيروت: 1415ه/1995م.
"التخريج ودراسة الأسانيد" للدكتور حاتم بن عارف الشريف.
ملف (word). مصدر الكتاب: ملتقى أهل الحديث (www. ahlalhdeeth. com).
"تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي" للإمام السيوطي (911ه)
اعتنى به: حسن شلبي و ماهر ثملاوي. مؤسسة الرسالة ناشرون - دمشق بيروت. ط1: 1427ه/2006م.
"جامع الأصول في أحاديث الرسول" للإمام مجد الدين أبي السعادات ابن الأثير الجزري (606 ه)
حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: عبد القادر الأرناؤوط.
نشر وتوزيع: مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان.
حقوق الطبع محفوظة للمحقق والناشر: 1389 ه/1969م.
"الحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي" لأبي الحسن الماوردي (450 ه)
وهو شرح "مختصر المزني"
تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض، و الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
قدم له وقرظه: أ. د. محمد بكر إسماعيل، و أ. د. عبد الفتاح أبو سنة.
دار الكتب العلمية - بيروت. ط1: 1414 ه/ 1994م.
"الذخيرة" لشهاب الدين القرافي
تحقيق: الأستاذ محمد بو خبزة. دار الغرب الإسلامي - بيروت. ط1: 1994م.
"رد المحتار على الدر المختار" لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين (1252 ه)
مع "حاشية قرة عيون الأخيار تكملة رد المختار على الدر المختار" لابن المؤلف محمد علاء الدين بن محمد أمين عابدين (1306 ه)
دراسة وتحقيق: الشيخ أحمد عادل عبد الموجود و الشيخ علي محمد معوض. قدم له وقرظه: أ. د. محمد بكر إسماعيل.
دار عالم الكتب - الرياض. طبعة خاصة طبعت بموافقة دار الكتب العلمية - بيروت: 1423 ه/2003م.
"السنن الكبرى" للحافظ البيهقي (458 ه)
تحقيق: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية - بيروت. ط3: 1424 ه/ 2003م.
"سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي (748ه)
مؤسسة الرسالة - بيروت. ط1:1405 ه/1984م.
"شرح مشكل الآثار" للإمام المحدث الفقيه أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (321 ه)
حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرناؤوط
مؤسسة الرسالة - بيروت ط1: 1415ه/ 1994م.
"شرح منتهى الإرادات" (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى) للشيخ منصور بن إدريس البهوتي (1051 ه)
تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي. مؤسسة الرسالة ناشرون - بيروت. ط1: 1421ه/2000م.
"شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي (463ه)
بتحقيق الدكتور: محمد سعيد خطيب أوغلي. نشريات كلية الإلهيات - جامعة أنقرة.
"صحيح ابن حبان" للحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 ه)
تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2: 1414 ه/ 1993م.
"علوم الحديث" (مقدمة ابن الصلاح) للحافظ أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن (643ه)
اعتنى به وعلق عليه: إسماعيل زرمان. مؤسسة الرسالة ناشرون - بيروت. ط1: 1425ه/2004م.
"فتح الباري بشرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني (852 ه)
طبعة مصححة على عدة نسخ، وعن النسخة التي حقق أصولها وأجازها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز.
دار الفكر - بيروت: 1414ه/1993ه.
"فتح المغيث شرح ألفية الحديث" للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي (902ه)
دراسة وتحقيق: د. عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن الخضير و د. محمد بن عبد الله بن فهيد آل فهيد.
دار المنهاج للنشر والتوزيع - الرياض. ط1: 1426ه.
"فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب" للحافظ شيريويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي
ومعه "تسديد" القوس للحافظ ابن حجر العسقلاني و "مسند الفردوس" لأبي منصور شهردار بن شيرويه الديلمي
قدم له وحققه وخرج أحاديثه: فؤاد أحمد الزمرلي و محمد المعتصم بالله البغدادي.
دار الكتاب العربي ـ بيروت. ط1: 1407 ه/1987م.
"الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (463ه)
حققه: عادل بن يوسف العزاوي. دار ابن الجوزي - الدمام. ط1: جمادى الأولى 1417 ه/1996م.
"الكافي في فقه أهل المدينة المالكي" لابن عبد البر (463ه)
دار الكتب العلمية - بيروت. ط2: 1413ه/1992م.
"الكامل في ضعفاء الرجال" للحافظ ابن عدي (365 ه)
تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض، و الشيخ عادل أحمد عبد الموجود.
شارك في تحقيقه: أ. د. عبد الفتاح أبو سنة. دار الكتب العلمية - بيروت.
"كتاب الأم" للإمام الشافعيّ (204 ه)
تحقيق وتخريج: د. رفعت فوزي عبد المطلب. دار الوفاء - المنصورة مصر. ط1: 1422/2001.
"كتاب الثقات" للإمام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم البستي (354 ه)
طبع بإعانة وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية. تحت مراقبة الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية.
الطبعة الأولى: بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند 1939 ه/ 1973م.
"كتاب الجرح والتعديل" تأليف الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي (المتوفى 327 ه)
الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند سنة 1271 ه/1952م.
صححه: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. طبعة مصورة. دار إحياء التراث العربي بيروت.
"كتاب الضعفاء" للعقيلي (323 ه)
تحقيق: حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل. دار الصميعي - الرياض. ط1: 1420ه/2000م.
"كتاب الفروق" (أنوار البروق في أنواء الفروق) لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684 ه).
دراسة وتحقيق: مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية: أ. د. محمد أحمد سراج، أ. د. علي جمعة محمد.
دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة - القاهرة. ط1: 1421 ه/2001م.
"كتاب المجروحين من المحدثين" لابن حبان (354ه).
تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. دار الصميعي للنشر والتوزيع - الرياض. ط1: 1420 ه/2000م.
"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة (1067 ه)
ويليه "هدية العارفين" و"إيضاح المكنون"
مع مقدمة للعلامة الحجة آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي المرعشي
طبعة مصورة: دار إحياء التراث العربي - بيروت. 1413 ه/1992م.
"الكفاية في معرفة أصول الرواية" للخطيب البغدادي (463ه)
تحقيق وتعليق: أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي. دار الهدى - ميت غمر. ط1: 1423ه/2003م.
"لسان العرب" لابن منظور (711 ه)
تولى تحقيق لسان العرب نخبة من العاملين بدار المعارف هم الأساتذة:
عبد الله علي الكبير و محمد احمد حسب الله و هاشم محمد الشاذلي. دار المعارف - مصر. (د. تخ).
"مسند الشاميين" للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (360 ه)
حققه وخرج أحاديثه: حمدي بن عبد المجيد السلفي. مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ط1: 1409 ه/1989م.
"المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" لأحمد بن محمد بن علي الفيومي ( 770 ه)
مكتبة لبنان - بيروت. 1987م.
"المصنف" للحافظ عبد الرزاق الصنعاني (211 ه)
عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي.
توزيع المكتب الإسلامي - بيروت. ط2: 1403 ه/1983م.
"معجم المصطلحات الحديثية"
تأليف: أ. د. محمد أبو الليث الخيرآبادي أستاذ الحديث في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
مؤسسة الرسالة ناشرون - دمشق، بيروت. ط1: 1426 ه/2005م.
"مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني (ت 977 ه)
إشراف: صدقي محمد جميل العطار، دار الفكر بيروت، ط: 1415 ه/ 1995م.
"المقنع في علوم الحديث" للحافظ سراج الدين ابن الملقن (804 ه)
تحقيق ودراسة: عبد الله يوسف الجديع. دار فواز للنشر - الإحساء. ط1: 1413 ه/1993م.
"منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح"
إعداد: أبو بكر كافي.
إشراف: د. حمزة عبد الله المليباري. دار ابن حزم - بيروت. ط1:1421/2000م.
"مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل" لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الحطاب الرُّعيني (954 ه)
ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات. دار الكتب العلمية - بيروت. ط1: 1416ه/ 1995م
"موسوعة شروح الموطأ":
"التمهيد" و"الاستذكار" لأبي يوسف ابن عبد البر (463 ه) و "القبس" لأبي بكر ابن العربي (543 ه)
تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي.
بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية. ط1: القاهرة: 1426 ه/2005م.
الدكتور عبد السند حسن يمامة.
"الموسوعة الفقهية"
إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت. ج 11، ج13: ط2: 1408 ه/ 1988م.
"نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر العسقلاني (852ه)
تحقيق وتعليق: د. عبد الله بن ضيف الرحيلي. ط1: 1422 ه/2001م.
ابحاث .. علي محمد زينو
تمت مراجعه المصادر من قبلي
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 15:46
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تخريج حديث : ( يَا بُنَيَّةُ، خَمِّرِي عَلَيْكِ نَحْرَكِ ).
السؤال
: أريد أن أعرف ما صحة هذا الحديث ؟
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيُّ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ الْغَامِدِيُّ، قَالَ: " قُلْتُ لِأَبِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟
قَالَ: هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى صَابِئٍ لَهُمْ. قَالَ: فَنَزَلْنَا فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَهُمْ يَرُدُّونَ عَلَيْهِ وَيُؤْذُونَهُ ، حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ وَانْصَدَعَ عَنْهُ النَّاسُ
وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ قَدْ بَدَا نَحْرُهَا تَحْمِلُ قَدَحًا وَمِنْدِيلًا، فَتَنَاوَلَهُ مِنْهَا وَشَرِبَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: (يَا بُنَيَّةُ خَمِّرِي عَلَيْكِ نَحْرَكِ، وَلَا تَخَافِي عَلَى أَبِيكِ) . قُلْنَا: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: زَيْنَبُ بِنْتُهُ " .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (3373)
وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2403)
وابن الأثير في "أسد الغابة" (5/124)
والبغوي في "معجم الصحابة" (2/87)
وأبو نعيم في "المعرفة" (6305)
وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (11/ 407)
كلهم من طريق هِشَام بْن عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيُّ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ الْغَامِدِيُّ، قَالَ:
" قُلْتُ لِأَبِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى صَابِئٍ لَهُمْ.
قَالَ: فَنَزَلْنَا فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَهُمْ يَرُدُّونَ عَلَيْهِ وَيُؤْذُونَهُ، حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ وَانْصَدَعَ عَنْهُ النَّاسُ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ قَدْ بَدَا نَحْرُهَا تَحْمِلُ قَدَحًا وَمِنْدِيلًا، فَتَنَاوَلَهُ مِنْهَا وَشَرِبَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: ( يَا بُنَيَّةُ، خَمِّرِي عَلَيْكِ نَحْرَكِ، وَلَا تَخَافِي عَلَى أَبِيكِ ) . قُلْنَا: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: زَيْنَبُ بِنْتُهُ ".
وهذا إسناد رجاله ثقات :
-الحارث بن الحارث صحابي ، أدرك النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عنه أحاديث، رضي الله عنه .
وينظر: "الإصابة" (1/ 662) .
-والْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيُّ ، ثقة ، وثقه ابن معين وابن خراش وأبو حاتم وابن حبان.
"التهذيب" (11/140).
-وعبد الغفار بن إسماعيل ، وثقه العجلي ، وقال أبو حاتم : " ما به بأس ".
"الجرح والتعديل" (6/ 54) ، "الثقات" للعجلي (ص: 307)
-والوليد بن مسلم ثقة حافظ ، يدلس ، ويدلس التسوية أيضا ، وقد صرح بالتحديث في كافة طبقات السند ، فأمنا تدليسه .
-وهشام بن عمار ، ثقة ، إلا أنه لما كبر تغير حفظه، وكان يلقن فيتلقن، قال الحافظ رحمه الله:
" وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَالْعجلِي، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هِشَام صَدُوق ، وَلما كبر تغير حفظه، وكلمَا دفع إِلَيْهِ قَرَأَهُ، وكلمَا لقن تلقن، وَكَانَ قَدِيما أصح، كَانَ يقْرَأ من كِتَابه "
انتهى مختصرا من "فتح الباري" (1/ 448) .
وقد صحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي الحافظ ، فقال ابن عساكر عقب روايته لهذا الحديث:
" رواه البخاري في التاريخ عن هشام بن عمار مختصرا، ورواه أبو زرعة الدمشقي عن هشام بن عمار بإسناده، وقال: هذا الحديث صحيح " انتهى بتصرف يسير.
وقال الهيثمي في "المجمع" (6/ 21) : " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ".
وظاهر صنيع الشيخ الألباني في كتاب " جلباب المرأة المسلمة " (ص: 79) أنه يصححه .
وعلى تقدير صحة الحديث ، فإنه لا يدل على جواز كشف المرأة وجهها ، لأن ذلك كان في أول الإسلام قبل نزول الحجاب ، بدليل قوله فيه : " اجتمعوا على صابئ لهم " .
والله تعالى أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 15:52
إشكال حول تغطية الوجه
السؤال
لقد قرأت ما كتبته حول موضوع نقاب المرأة وتغطية الوجه بالرغم من أنني قرأت أدلة تبين أن تغطية الوجه أمرٌ اختياري بناءً على ما يأتي :
أنه لما نزلت الآيات بالحجاب قامت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقط بتغطية كامل أجسادهن مع تغطية وجوههن أما بقية المسلمات فلم يقمن بتغطية وجوههن .
عندما كان أحد الصحابة يريد خطبة امرأة كان يذهب وينظر إليها خفية بدون علمها ، وبالطبع لو كانت تغطي وجهها فلن يستطيع أن يراها . إن هذا الموضوع سبب لي تشويشاً وقلقاً وأنا أريد أن أعرف الحق لأتبعه ابتغاء مرضاة الله .
الجواب
الحمد لله
أولاً :
نشكر لك حرصك على معرفة الحق واتباعه ، ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . والصواب في هذه المسألة أنه يجب على المرأة أن تغطي جميع بدنها عن الرجال . و الدليل جاء ذكره في اجابه السؤال القادم
ثانياً :
قولك " بقية المسلمات لم يقمن بتغطية وجوههن " هذا غير صحيح ، بل الأمر بالحجاب الكامل كان عاماً لنساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبناته ونساء المؤمنين ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) .
وقال الله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) النور /31 . فالأمر في الآيتين عام لجميع المؤمنات .
روى البخاري عن عائشة قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا " راجع سؤال رقم (6991) .
وروى أبو داود (4101) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الأَكْسِيَةِ . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
فقد امتثل نساء المهاجرين والأنصار لهذا الأمر وقمن بتغطية وجوههن .
ثالثاً :
وأما نظر الخاطب لمخطوبته فهو من السنة ، روى أبو داود (1783) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ . قَالَ : فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا ) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1832) . وجاء في رواية ابن ماجه أنه اختبأ لها في بستانها .
وهذا الحديث دليل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن ، لأنه لو كان عادة النساء كشف وجوههن لم يحتج إلى الاختباء ، لأنه يستطيع أن يراها في كل مكان وهي كاشفةٌ لوجهها .
لكن لما كان من عادة النساء تغطية الوجه احتاج إلى الاختباء ، ومن المعلوم أن المرأة إذا لم يكن عندها أحد فإنها لن تغطي وجهها ، كما لو كانت في بيتها أو مزرعتها كما في هذا الحديث .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 15:55
هل يشترط لبس النقاب للمرأة
السؤال
هل لبس النقاب من شروط الزي الإسلامي للمرأة ؟.
الجواب
الحمد لله
الحجاب في اللغة : الستر ، والحجاب : اسم ما احتجب به ، وكل ما حال بين شيئين فهو حجاب .
والحجاب : كل ما يستر المطلوب ويمنع من الوصول إليه كالستر والبواب والثوب ... ألخ.
والخمار : من الخمر ، وأصله الستر ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " خمروا آنيتكم ، وكل ما يستر شيئا فهو خماره .
لكن الخمار صار في العرف اسما لما تغطي به المرأة رأسها ، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للخمار في بعض الإطلاقات عن المعنى اللغوي .
ويعرفه بعض الفقهاء بأنه ما يستر الرأس والصدغين أو العنق .
والفرق بين الحجاب والخمار أن الحجاب ساتر عام لجسم المرأة ، أما الخمار فهو في الجملة ما تستر به المرأة رأسها .
النِّقاب - بكسر النون - : ما تنتقب به المرأة ، يقال : انتقبت المرأة ، وتنقبت : غطت وجهها بالنقاب .
والفرق بين الحجاب والنقاب : أن الحجاب ساتر عام ، أما النقاب فساتر لوجه المرأة فقط .
وأما زي المرأة الشرعي فهو الذي يغطي رأسها ووجهها وجسمها كاملاً .
إلا أن النقاب أو البرقع - والذي تظهر منه عيون المرأة - قد توسعت النساء في استعماله وأساءت بعضهن في لبسه ، مما جعل بعض العلماء يمنع من لبسه لا على أنه غير شرعي في الأصل ، بل لسوء استعماله وما آل إليه الحال من التساهل والتفريط واستعمال أشكال جديدة من النقاب غير شرعية تشتمل على توسيع فتحتي العينين حتى يظهر منهما الخدّ والأنف وشيء من الجبهة .
وعليه : فإذا كان نقاب المرأة أو برقعها لا يظهر منهما إلا العين وتكون الفتحة على قدر العين اليسرى كما ورد عن بعض السلف فإن ذلك جائز ، وإلا فإن عليها أن تلبس ما يغطي وجهها بالكامل .
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله :
الحجاب الشرعي : هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره ، أي : سترها ما يجب عليها ستره ، وأولى ذلك وأوله : ستر الوجه ؛ لأنه محل الفتنة ومحل الرغبة .
فالواجب على المرأة أن تستر وجهها عن من ليسوا بمحارمها … فعلم بهذا أن الوجه أولى ما يجب حجابه ، وهناك أدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وأقوال أئمة الإسلام وعلماء الإسلام تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها على من ليسوا بمحارمها .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 391 ، 392 ) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
الصحيح الذي تدل عليه الأدلة : أن وجه المرأة من العورة التي يجب سترها ، بل هو أشد المواضع الفاتنة في جسمها ؛ لأن الأبصار أكثر ما توجه إلى الوجه ، فالوجه أعظم عورة في المرأة ، مع ورود الأدلة الشرعية على وجوب ستر الوجه .
من ذلك : قوله تعالى : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } النور/31 ، فضرب الخمار على الجيوب يلزم منه تغطية الوجه .
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : { يدنين عليهن من جلابيبهن } الأحزاب/59 ، غطى وجهه وأبدى عيناً واحدةً ، فهذا يدل على أن المراد بالآية : تغطية الوجه ، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذه الآية كما رواه عنه عَبيدة السلماني لما سأله عنه .
ومن السنة أحاديث كثيرة ، منها : أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى المحرمة أن تنتقب وأن تلبس البرقع " ، فدل على أنها قبل الإحرام كانت تغطي وجهها .
وليس معنى هذا أنها إذا أزالت البرقع والنقاب حال الإحرام أنها تبقي وجهها مكشوفاً عند الرجال الأجانب ، بل يجب عليها ستره بغير النقاب وبغير البرقع ، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات ، فكنا إذا مرَّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه .
فالمحرمة وغير المحرمة يجب عليها ستر وجهها عن الرجال الأجانب ؛ لأن الوجه هو مركز الجمال ، وهو محل النظر من الرجال ... ، والله تعالى أعلم .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 396 ، 397 ) .
وقال أيضاً :
لا بأس بستر الوجه بالنقاب أو البرقع الذي فيه فتحتان للعينين فقط ؛ لأن هذا كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن أجل الحاجة ، فإذا كان لا يبدو إلا العينان فلا بأس بذلك ، خصوصاً إذا كان من عادة المرأة لبسه في مجتمعها .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 399 ) .
والله أعلم
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 16:45
الراجح في حكم تغطية الوجه
السؤال
بخصوص النقاب ما الأحاديث والآيات الخاصة به ؟.
الجواب
الحمد لله
الصحيح أن على المرأة أن تستر جميع بدنها حتى الوجه والكفين ، بل إن الإمام أحمد يرى أن ظفر المرأة عورة وهو قول مالك – رحمهما الله تعالى - ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - :
…. وهو ظاهر مذهب أحمد فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها وهو قول مالك .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 110 ) .
خلافا لمن قال بعدم وجوب ذلك ، ولو تتبعنا أقوال القائلين بعدم وجوب تغطية الوجه للمرأة فهي كما قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله تعالى - :
….. لا يخلو من ثلاث حالات :
1- دليل صحيح صريح ، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب ….
2- دليل صحيح لكنه غير صريح ، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين ….
3- دليل صريح ولكنه غير صحيح ، ….
" حراسة الفضيلة " ( ص 68 – 69 ) .
أما الأدلة على وجوب ستر الوجه والكفين :
1- قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } الأحزاب / 59 .
قال ابن تيمية – رحمه الله تعالى - :
وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب لئلا يُعرفن ولا يؤذين وهذا دليل على القول الأول وقد ذكر عبيدة السلمانى وغيره أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق ، وثبت في الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتفاب والقفازين ، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 371 – 372 ) .
2- وقال الله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } النور / 31 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
….. قوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ، قال عبد الله بن مسعود : الزينة الظاهرة : الثياب ، وذلك لأن الزينة في الأصل : اسم للباس والحلية بدليل قوله تعالى : { خذوا زينتكم } الأعراف / 31 ، وقوله سبحانه : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } الأعراف / 32
وقوله تبارك وتعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } النور / 31 ، وإنما يعلم بضرب الرجل الخلخال ونحوه من الحلية واللباس وقد نهاهن الله عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها وأباح لهن إبداء الزينة الخفية لذوي المحارم ومعلوم أن الزينة التي تظهر في عموم الأحوال بغير اختيار المرأة هي الثياب ، فأما البدن فيمكنها أن تظهره ويمكنها أن تستره ونسبة الظهور إلى الزينة دليل على أنها تظهر بغير فعل المرأة ، وهذا كله دليل على أن الذي ظهر من الزينة الثياب .
قال أحمد : الزينة الظاهرة : الثياب ، وقال : كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها وقد روي في حديث : " المرأة عورة " ، وهذا يعم جميعها ؛ ولأن الكفين لا يكره سترهما في الصلاة فكانا من العورة كالقدمين ، ولقد كان القياس يقتضي أن يكون الوجه عورة لولا أن الحاجة داعية إلى كشفه في الصلاة بخلاف الكفين .
" شرح العمدة " ( 4 / 267 – 268 ) .
3- عن عائشة قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه " .
رواه أبو داود ( 1833 ) وأحمد ( 24067 ) .
وقال الشيخ الألباني في " جلباب المرأة المسلمة " /107 : وسنده حسن في الشواهد .
ومما هو معلوم أن المرأة لا تضع شيئاً على وجهها حال إحرامها ، ولكن عائشة ومن معها من الصحابيات كن يسدلن على وجوههن لأن وجوب تغطية الوجه في حال مرور الأجانب أوجب من تركها حال الإحرام .
4- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها " .
رواه البخاري ( 4480 ) .
قال ابن حجر :
قوله : " فاختمرن " أي : غطين وجوههن .
" فتح الباري " ( 8 / 490 ) .
5- وعن عائشة : " …… وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي " .
رواه البخاري ( 3910 ) ومسلم ( 2770 ) .
6- وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " .
رواه الترمذي ( 1173 ) .
وقال الألباني في " صحيح الترمذي " ( 936 ) : صحيح .
ويمكن مراجعة السؤال رقم 21134 ففيه زيادة بيان حول " النقاب " .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 16:51
حديث في كشف المرأة وجهها
السؤال
ما صحة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا بلغت المرأة المحيض لا يظهر منها غير وجهها و كفيها" ؟
وكيف يكون زي المرأة على هذا الأساس ؟ وكيف الحال إذا كان التحجب الشديد سيؤذى المرأة في مجتمعها الذي تعيش فيه ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث المذكور في السؤال رواه أبو داوود (4104) عن الْوَلِيدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَالِد بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا هَذَا وَهَذَا ) - وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ –
قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا مُرْسَلٌ ؛ خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وهذا الحديث ضعيف لا يصح الاستدلال به ، وسبب ضعفه ما يلي :
1- انقطاع سنده ، كما صرَّح بذلك الإمام أبو داوود رحمه الله نفسه بقوله : " هَذَا مُرْسَلٌ ؛ خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ " .
2- في سنده سعيد بن بشير الأزدي ويقال البصري أبو عبد الرحمن ، وثقه بعض علماء الحديث وضعفه أحمد وابن معين وابن المديني والنسائي والحاكم وأبو داوود ،
وقال عنه محمد بن عبدالله بن نمير : منكر الحديث ، وليس بشيء وليس بقوي الحديث ، يروي عن قتادة المنكرات .
وقال عنه ابن حبان : كان رديء الحفظ فاحش الغلط ، يروي عن قتادة ما لا يُتابع عليه .
وقال الحافظ ابن حجر عنه : " ضعيف " .
3- فيه قتادة وهو مدلس وقد عنعنه ، كما أن فيه الوليد بن مسلم قال عنه الحافظ : " ثقةٌ لكنه كثير التدليس والتسوية " . وقد عنعنه .
فهذه هي علل الحديث التي حُكم على الحديث بالضعف بسببها .
انظر فتاوى اللجنة الدائمة
( مجلة البحوث 21/68) .
وعلى فرض صحة الحديث أو تقويته بشواهده فقد أجاب عنه العلماء بأنه كان قبل الحجاب ،
قال ابن قدامة :
" وأما حديث أسماء فيحمل على أنه كان قبل نزول آية الحجاب."
وقال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -
: " على تقدير الصحة يُحمل على ما قبل الحجاب " .
انظر كتاب عودة الحجاب (3/336) .
ولو تأملنا متن الحديث لوجدناه في غاية البعد لأن أسماء رضي الله عنها فيها من الورع والحياء ما يمنعها أن تلبس هذه الملابس الشفافة وتظهر بها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم .
والصواب في هذه المسألة هو وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب يراجع السؤال السابق بعنوان
هل يشترط لبس النقاب للمرأة
وأما كون التحجب سيؤذي المرأة في مجتمعها الذي تعيش فيه ، فعليها أن تصبر وتحتسب ما تلاقيه في سبيل تمسكها بدينها وطاعة ربها ، ولنا قدوة حسنة في سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، فإنهم أوذوا في سبيل الله أشد الإيذاء ، ولم يصرفهم ذلك عن دينهم ، بل كان يمر بهم الإيذاء والتعذيب ولا يزيدهم إلا تمسكاً بدينهم
ولعل هذه الأيام التي نعيشها هي أيام الصبر التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : ( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ) رواه الترمذي (2260) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (957) . والجمر هو النار المتقدة .
قَالَ الْقَارِي : الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ كَمَا لا يُمْكِنُ الْقَبْضُ عَلَى الْجَمْرَةِ إِلا بِصَبْرٍ شَدِيدٍ وَتَحَمُّلِ غَلَبَةِ الْمَشَقَّةِ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لا يُتَصَوَّرُ حِفْظُ دِينِهِ وَنُورِ إِيمَانِهِ إِلا بِصَبْرٍ عَظِيمٍ اهـ من تحفة الأحوذي .
وقال المناوي في "فيض القدير" :
أي الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسى بما يناله من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال مثل ما يقاسيه من يأخذ النار بيده ويقبض عليها بل ربما كان أشد وهذا من معجزاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه إخبار عن غيب وقد وقع اهـ .
نسأل الله تعالى أن يثبتا على دينه حتى نلقاه عليه .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 16:56
صفات الحجاب الصحيح
السؤال
ما هي الصفات الواجب توفرها في الحجاب الإسلامي؟ حيث أن هناك العديد من الأشكال، ولدي صديقة من الدنمرك أسلمت منذ فترة وهي سعيدة بإسلامها (ولله الحمد)، وهي تريد ارتداء الحجاب.
أرجو أن ترشدنا إلى المكان الذي ورد فيه أن الحجاب يجب أن يكون جلبابا طويلا. فهي في حاجة ماسة لجوابك.
الجواب :
الحمد لله
قال الشيخ الألباني ، رحمه الله تعالى :
شروط الحجاب :
أولا : ( استيعاب جميع البدن إلا ما استثني )
فهو في قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } .
ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره :
أي : لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه ، قال ابن مسعود : كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكن إخفاؤه .
ثانيا : ( أن لا يكون زينة في نفسه )
لقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن } فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها ويشهد لذلك قوله تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } سورة الأحزاب:33
وقوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا ، وأمة أو عبد أبق فمات ، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم " . أخرجه الحاكم (1/119) وأحمد (6/19) من حديث فضالة بنت عبيد وسنده صحيح وهو في " الأدب المفرد " .
ثالثا : ( أن يكون صفيقا لا يشف ) فلأن الستر لا يتحقق إلا به ، وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة ، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : "سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات " زاد في حديث آخر :"لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا " . رواه مسلم من رواية أبي هريرة .
قال ابن عبد البر :
أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف لا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة .
نقله السيوطي في تنوير الحوالك (3/103) .
رابعا : ( أن يكون فضفاضا غير ضيق فيصف شيئا من جسمها )
فلأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع ، وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه ويصوره في أعين الرجال وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لا يخفى فوجب أن يكون واسعا وقد قال أسامة بن زيد : " كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال : ما لك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي
فقال : مرها فلتجعل تحتها غلالة ، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها " أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة" (1/441) وأحمد والبيهقي بسند حسن .
خامسا : ( أن لا يكون مبخرا مطيبا ) لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن، ونحن نسوق الآن بين يديك ما صح سنده منها :
1-عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية "
2-عن زينب الثقفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا ".
3-عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " .
4-عن موسى بن يسار عن أبي هريرة : " أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال : يا أمة الجبار المسجد تريدين ؟ قالت : نعم ، قال: وله تطيبت ؟ قالت : نعم ، قال : فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل ".
ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث على ما ذكرنا العموم الذي فيها فإن الاستعطار والتطيب كما يستعمل في البدن يستعمل في الثوب أيضاً لا سيما وفي الحديث الثالث ذكر البخور فإنه للثياب أكثر استعمالاً وأخص.
وسبب المنع منه واضح وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة وقد ألحق به العلماء ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال ، انظر " فتح الباري " (2/279) .
وقال ابن دقيق العيد : وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال . نقله المناوي في "فيض القدير" في شرح حديث أبي هريرة الأول .
سادساً: (أن لا يشبه لباس الرجل)
فلما ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة التي تشبه بالرجل في اللباس أو غيره، وإليك ما نعلمه منها :
1. عن أبي هريرة قال:" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل" .
2. عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال" .
3. عن ابن عباس قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، وقال: أخرجوهم من بُيُوتِكُمْ، وقال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلاناً" وفي لفظ " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال".
4. عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث".
5. عن ابن أبي مليكة -واسمه عبد الله بن عبيد الله- قال قيل لعائشة رضي الله عنها: إن المرأة تلبس النعل؟ فقالت "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء".
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال، وعلى العكس، وهي عادة تشمل اللباس وغيره إلا الحديث الأول فهو نص في اللباس وحده .
سابعاً : ( أن لا يشبه لباس الكافرات ) .
فلما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساءً التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم -
مع الأسف - كثير من المسلمين حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه جهلاً بدينهم أو تبعاً لأهوائهم أو انجرافاً مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة حتى كان ذلك من أسباب تأخر المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) لو كانوا يعلمون .
وينبغي أن يعلم أن الأدلة على صحة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة وإن كانت أدلة الكتاب مجملة فالسنة تفسرها وتبينها كما هو شأنها دائماً.
ثامناً: (أن لا يكون لباس شهرة).
فلحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً".
حجاب المرأة المسلمة " ( ص 54 - 67 ) .
والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 17:02
حديث : ( إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ ).
لسؤال :
سمعت في مقطع صوتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد الصحابة: ( إن الله أمرني بحبك ، وأخبرني أنه يحبك) ، وبحثت عن هذا الحديث فلم أجده ، فهل هذا الحديث صحيح ؟
وأين ورد؟
الجواب :
الحمد لله
روى الترمذي (3718)
وابن ماجه (140)
وأحمد (22968)
والحاكم (4649)
من طريق شَرِيك، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ ) . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِّهِمْ لَنَا، قَالَ: (عَلِيٌّ مِنْهُمْ -يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا - وَأَبُو ذَرٍّ، وَالمِقْدَادُ، وَسَلْمَانُ، أَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) .
وقال الترمذي عقبه :
" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ ".
وهو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو سيء الحفظ ،
قال الحافظ :
" صدوق يخطىء كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة "
"تقريب التهذيب" (ص: 266)
وأبو ربيعة هو عمر بن ربيعة الإيادي ،
قال أبو حاتم: منكر الحديث.
"لسان الميزان" (4/ 306)
وذكره الذهبي في "الضعفاء" (2/466)،
وكذا ابن الجوزي (2/209).
فالإسناد ضعيف.
وقد رواه ابن عدي في "الكامل" (4/ 291)
من طريق سليمان بن عيسى السجزي، حَدَّثَنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابْنِ عُمَر قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ مِنْ أَصْحَابِي وَقَالَ: أَحِبَّهُمْ: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ).
وإسناده موضوع ، سليمان بن عيسى هذا قال الذهبي : هالك،
قال الجوزجانى: كذاب مصرح.
وقال أبو حاتم: كذاب،
وقال ابن عدى: يضع الحديث.
"ميزان الاعتدال" (2/ 218)
وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني في "الضعيفة" (1549)،
وكذا ضعفه محققو المسند.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 17:08
فضل قيام الليل.
السؤال
: هل إذا صليت الوتر مع العشاء سأكون من الذين قاموا الليل ، ويكون بيتي معروفا عند الملائكة ، كما قال : ابن رجب الحنبلي : " أن كعبا قال: إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء "
وقال ابن الحاج في " المدخل " : " وفي قيام الليل من الفوائد جملة ، فلا ينبغي لطالب العلم أن يفوته منها شيء فمنها:... الخامس: أن موضعه تراه الملائكة من السماء كما يتراءى الكوكب الدري لنا في السماء " ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا:
قيام الليل من أفضل العبادات التي ترفع الدرجات، وتزيد في الحسنات، وتكفر السيئات، وتقرب من رب البريات، وقد جاء الترغيب في قيام الليل، في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
ولا نعلم في نصوص الشرع من الكتاب والسنة ما يدل على أن الملائكة تنظر من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل ، ويتراءون لهم في مواضعهم ، كما تتراءى نجوم السماء لأهل الأرض .
وما ذُكر عن كعب الأحبار من قوله : " إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل، كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء "
فهذا ذكره الحافظ ابن رجب في كتابه: "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 91)، فقال :
قال كرز بن وبرة: بلغني أن كعباً قال:
" إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل، كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء "
فهذا لا يصح عن كعب ، لأنه منقطع ، إذ لم يذكر كرز بن وبرة من حدثه بهذا عن كعب ، إنما ذكره بلاغا.
وكرز بن وبرة لا يعرف بجرح ولا تعديل.
وعلى فرض ثبوته عن كعب، فلا حجة فيه ، لأن كعبا من التابعين ، من مسلمة أهل الكتاب ، وكان كثيرا ما ينقل عن أهل الكتاب من كتبهم ، ومثل هذا لا حجة فيه.
وكذلك قول ابن الحاج في "المدخل" (2/ 137):
" أَنَّ مَوْضِعَهُ تَرَاهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ السَّمَاءِ، كَمَا يَتَرَاءَى الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ لَنَا فِي السَّمَاءِ ".
لا حجة فيه ، وغايته أن يكون نقله عن كعب بالمعنى .
وإنما الحجة: في نصوص الكتاب والسنة .
وقراءة القرآن نور للعبد ، وخاصة إذا قام به في الصلاة ، وقد روى الإمام أحمد (11774)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلِكَ، ( أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وذِكْرٌ لكَ فِي الْأَرْضِ )
وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2543)
وروى ابن حبان في صحيحه (361) عن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لك في السماء ).
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1422)
وروى البيهقي في سننه (162) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أُمِرْنَا بِالسِّوَاكِ. وَقَالَ: ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ الْمَلَكُ فَقَامَ خَلْفَهُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَدْنُو، فَلَا يَزَالُ يَسْتَمِعُ وَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَلَا يَقْرَأُ آيَةً إِلَّا كَانَتْ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ)
وصححه الألباني في الصحيحة (1213)
فصلاة الليل نور ، وتحضرها ملائكة الرحمة ، فهذا ثابت ، أما ما ذكر في كلام كعب : فلا دليل عليه .
ثانيا :
وقت قيام الليل يبدأ من بعد صلاة العشاء ، ويمتد إلى طلوع الفجر، وأفضله: في الثلث الأخير من الليل ، قال علماء اللجنة :
" وقت قيام الليل وصلاة الوتر: من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر "
انتهى، من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/ 225)
وقال ابن باز رحمه الله:
" يبدأ التهجد من بعد العشاء وينتهي بطلوع الفجر، هذا التهجد إذا صلى الناس العشاء دخل وقت التهجد إلى طلوع الفجر ، فالسنة قيام الليل ، من الفراغ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ولو بركعة واحدة الوتر " انتهى مختصرا، من "
فتاوى نور على الدرب" (10/ 70)
فأي صلاة تصليها من بعد صلاة العشاء فهي من قيام الليل، ويتفاوت الناس في مراتبهم ودرجاتهم وأجورهم بحسب تفاوتهم في قيام الليل وغيره من العمل الصالح ، فمن صلى ركعتين بعد العشاء حُسبتا من قيام الليل ، ولكن ليس من صلى ركعتين بعد العشاء ، وأوتر ، كمن قام من الليل ، وصلى ما شاء الله له أن يصلي .
فالأجر والفضل على قدر العمل .
القول بأن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل، كما ينظر أهل الأرض إلى نجوم السماء، لا دليل عليه، وما ثبت في فضل قيام الليل ، في نصوص الكتاب والسنة ، فيه الغنية والكفاية .
والله تعالى أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 17:11
ثواب قيام الليل
السؤال
ما ثواب قيام الليل ؟.
الجواب
الحمد لله
قيام الليل سُنة مؤكدة , تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه , والتوجيه إليه , والترغيب فيه, ببيان عظيم شأنه ، وجزالة الثواب عليه .
وقيام الليل له شأن عظيم في تثبيت الإيمان , والإعانة على جليل الأعمال , قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا ) المزمل/1-6.
ومدح الله تعالى أهل الإيمان والتقوى , بجميل الخصال وجليل الأعمال , ومن أخص ذلك قيام الليل , قال تعالى : ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/15-17.
ووصفهم في موضع آخر بقوله : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . . . إلى أن قال : أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) الفرقان/64-75.
وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى ، وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم , والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممن فاز بذلك .
وقد وصف الله تعالى المتقين في سورة الذاريات , بجملة صفات - منها قيام الليل - , فازوا بها بفسيح الجنات , فقال سبحانه : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) الذاريات/15-17.
وقد حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه في أحاديث كثيرة ، فمن ذلك :
قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) رواه مسلم (1163) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ ) . رواه الترمذي (3549) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (452) .
(فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ ) أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ .
(وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ) أَيْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
(وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ) أي يكفر السيئات .
(وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) أَيْ ينهى عَنْ اِرْتِكَابِ الإِثْمِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) .
وعن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من قضاعة فقال له : يا رسول الله ، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وصمت الشهر ، وقمت رمضان ، وآتيت الزكاة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء ) رواه ابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة (2212) .
وروى الترمذي (1984) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (73) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ ) . رواه أبو داود (1398) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
(الْمُقَنْطِرِينَ) أي : هم الذين أعطوا قِنْطاراً من الأجر.
والقنطار مقدار كبير من الذهب ، وأكثر أهل اللغة على أنه أربعة آلاف دينار.
وقيل : إنَّ القِنطار مِلْء جِلْد ثَور ذَهباً. وقيل : ثمانون ألفاً . وقيل : هو جُمْلة كثيرة مجهولة من المال .
انظر "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير .
والمراد من الحديث تعظيم أجر من قام بألف آية ، وقد روى الطبراني أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( والقنطار خير من الدنيا وما فيها ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (638) .
(فائدة) :
قال الحافظ ابن حجر : " من سورة (تبارك ) إلى آخر القرآن ألف آية اهـ .
فمن قام بسورة تبارك إلى آخر القرآن فقد قام بألف آية .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-06-28, 17:14
هل هناك فرق بين التهجد وقيام الليل
السؤال :
ما هو الاختلاف بين قيام الليل والتهجد ؟
وما هو أجر من يصلي تلك الصلوات ؟
الجواب :
الحمد لله
قيام الليل : " هو قضاء الليل ، أو جزءا منه ولو ساعة ، في الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله ، ونحو ذلك من العبادات , ولا يشترط أن يكون مستغرقا لأكثر الليل .
وجاء في مراقي الفلاح : معنى القيام أن يكون مشتغلا معظم الليل بطاعة , وقيل : ساعة منه , يقرأ القرآن أو يسمع الحديث أو يسبح أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم "
انتهى . باختصار من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (34/ 117) .
وأما التهجد : فهو صلاة الليل خاصة ، وقيده بعضهم بكونه صلاة الليل بعد نوم .
قال الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه : " يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد , إنما التهجد أن يصلي الصلاة بعد رقدة , ثم الصلاة بعد رقدة , وتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم "
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/ 35) :
" إسناده حسن , فيه أبو صالح كاتب الليث وفيه لين , ورواه الطبراني وفي إسناده ابن لهيعة وقد اعتضدت روايته بالتي قبله " انتهى .
فتبين بهذا أن قيام الليل أعم وأشمل من التهجد ، لأنه يشمل الصلاة وغيرها ، ويشمل الصلاة قبل النوم وبعده .
وأما التهجد فهو خاص بالصلاة ، وفيه قولان : الأول : أنه صلاة الليل مطلقا ، وعليه أكثر الفقهاء .
والثاني : أنه الصلاة بعد رقدة .
وينظر : الموسوعة الفقهية (2/ 232).
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى :
( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) الإسراء/97 :
" والتهجد : من الهجود ، وهو من الأضداد ؛ يقال : هجد : نام ؛ وهجد : سهر ؛ على الضد . قال الشاعر:
أَلا زارَت وَأَهلُ مِنىً هُجودُ
وَلَيتَ خَيالَها بِمِنىً يَعودُ
آخر :
ألا طرقَتنا والرفاقُ هجودُ
فباتَت بعِلّاتِ النوالِ تجودُ
يعني : نياما .
وهجد وتهجّد بمعنى ، وهجدته أي : أنمته ، وهجدته أي : أيقظته .
والتهجد التيقظ بعد رقدة ، فصار اسما للصلاة ؛ لأنه ينتبه لها ، فالتهجد القيام إلى الصلاة من النوم . قال معناه الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم .
وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث الحجاج بن عمرو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد إنما التهجد الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة كذلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : الهجود النوم يقال : تهجد الرجل إذا سهر وألقى الهجود وهو النوم ، ويسمى من قام إلى الصلاة متهجدا لأن المتهجد هو الذي يلقى الهجود الذي هو النوم عن نفسه "
انتهى من "تفسير القرطبي" (10/ 307).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
" ما هو الفرق بين صلاة التراويح والقيام والتهجد ، أفتونا مأجورين ؟
فأجاب : الصلاة في الليل تسمى تهجدا ، وتسمى قيام الليل ، كما قال الله تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ) . وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ) . وقال سبحانه في سورة الذاريات عن عباده المتقين : ( آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ).
أما التراويح : فهي تطلق عند العلماء على قيام الليل في رمضان أول الليل ، مع مراعاة التخفيف وعدم الإطالة ، ويجوز أن تسمى تهجدا ، وأن تسمى قياما لليل ، ولا مشاحة في ذلك ، والله الموفق "
انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/ 317).
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
محمد ايوب طيب
2018-06-29, 14:18
السلام عليكم ورحمة الله
انضر كتاب الاباني (الرد الفحم على من اللزم المراة تغطية وجهها)
لكن في زمننا هدا زمن الفتن انصح كل نساء المسلمين تغطية وجهها
لآن في الشارع هناك الفاجر والفاسق واللدي في قلبه مرض
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 01:26
السلام عليكم ورحمة الله
انضر كتاب الاباني (الرد الفحم على من اللزم المراة تغطية وجهها)
لكن في زمننا هدا زمن الفتن انصح كل نساء المسلمين تغطية وجهها
لآن في الشارع هناك الفاجر والفاسق واللدي في قلبه مرض
عليكم السلام و رحمه الله و بركاته
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
بارك الله فيك
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 01:31
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
: تخريج أثر : " اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ "
السؤال :
عندي سؤال هل يصح هذا الحديث : ( اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، فذلك وقاية لهم ولكم من النار) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا أثر موقوف على ابن عباس رضي الله عنه ، وليس بحديث مرفوع .
فروى الطبري في "تفسيره" (23/ 491)، والآجرّيّ في "أدب النفوس" (ص: 260) ، من طريق أبي صَالِحٍ عَبْد اللَّهِ بْن صَالِحٍ ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، في قوله تعالى: ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) [التحريم: 6] قال : " اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، وَمُرُوا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ ؛ يُنْجِيكُمْ مِنَ النَّارِ ".
وهكذا ذكره ابن كثير في "تفسيره" (8/ 167)
عن عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، به موقوفا .
وهذا إسناد ضعيف ، له علتان :
الأولى : علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس
قال في "التهذيب"(7/ 339):
" روى عن ابن عباس ولم يسمع منه، بينهما مجاهد وأبي الوداك وراشد بن سعد المقرئ والقاسم بن محمد بن أبي بكر وغيرهم .
قال الميموني عن أحمد: له أشياء منكرات، وقال دحيم: لم يسمع التفسير من ابن عباس، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عن ابن عباس ولم يره " انتهى باختصار .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لم يسمع من ابن عباس، ولم يدركه، وإنما أخذ عن أصحابه " انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (5/ 521) .
الثانية : عبد الله بن صالح ، قال الذهبي :
" هو صاحب حديث وعلم مكثر، وله مناكير.
قال أحمد بن حنبل: كان أول أمره متماسكا، ثم فسد بآخره.
وقال أبو حاتم: أخرج أحاديث في آخر عمره أنكروها عليه، نرى أنها مما افتعل خالد بن نجيح، وكان أبو صالح يصحبه، وكان سليم الناحية، لم يكن وزن أبي صالح الكذب، كان رجلا صالحا.
وقال النسائي: ليس بثقة، ويحيى بن بكير أحب إلينا منه.
وقال ابن المديني: لا أروى عنه شيئا.
وقال ابن حبان: كان في نفسه صدوقا، إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له، فسمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار كان بينه وبينه عداوة، كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله، ويرميه في داره بين كتبه، فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به.
وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث، إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمد".
"ميزان الاعتدال" (2/ 440) .
وقال في "التقريب" (ص: 308):
" صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة " انتهى .
وهذه نسخة معروفة ، ومن العلماء من يعتمدها في التفسير خاصة ، ومنهم من يعتمدها في الموقوفات دون المرفوعات ، ومنهم من يحتج بها في الجملة ، ما لم يأت فيها ما يستنكر .
ومعنى الكلام صحيح ، وتفسير الآية به مناسب .
والله تعالى أعلم.
هذا موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما ، وليس بخبر مرفوع ، وفي إسناده لين .
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 01:38
هل الصدقة على المسكين بشيء لا يستخدمه الإنسان يعتبر من التصدق بالرديء؟
السؤال:
قرأت تفسير الآية الكريمة : (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بضب فلم يأكله ولم ينه عنه . قلت : يا رسول الله ، نطعمه المساكين ؟
قال : ( لا تطعموهم مما لا تأكلون ) " . فالرجل إذا لم يستخدم شيئا كيف يفعل ، وهو يعرف أنه إذا أعطاه مسكينا سيتفيد منه ؟
الجواب :
الحمد لله
روى الإمام أحمد (24736)
والبيهقي (19426)
والطيالسي (1487)
من طريق حَمَّاد بْن سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ - وهو ابن أبي سليمان- عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : " أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ، فَلَمْ يَأْكُلْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: (لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ) ".
وهذا إسناد ضعيف ، منقطع .
قال محققو مسند الإمام أحمد :
" حديث صحيح دون قوله: (لا تطعموهم مما لا تأكلون)، وهذا إسناد اختلف فيه على حماد بن أبي سليمان وهو الراوي عن إبراهيم النخعي:
فرواه حماد بن سلمة - كما في هذه الرواية - عنه، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به.
ورواه سفيان الثوري - فيما أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (2 / 11)
والبيهقي في "السنن" (9 / 325 - 326 )
عنه ، عن إبراهيم ، عن عائشة به ، فلم يذكر الأسود في الإسناد، وهو الصحيح فيما ذكره أبو زرعة الرازي والدارقطني في "العلل" (5/63) .
قلنا: وإبراهيم النخعي لم يسمع من عائشة.
وأخرجه ابن أبي شيبة (8 / 267 - 268)
- ومن طريقه أبو يعلى (4461)
عن عبيد الله بن سعيد - وهو الأموي -، عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
قال أبو زرعة الرازي - كما في "العلل" لابن أبي حاتم (2 / 11)-:
هذا خطأ أخطأ فيه عبيد، قال: عن منصور وإنما هو: عن حماد، والصحيح حديث الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة.
وأخرجه إسحاق (1621)
عن يحيى بن آدم، عن قيس، عن منصور، عن عمرو بن عبد الله، عن عمرو بن حرملة السلمي، عن عائشة، بنحوه.
وهذا إسناد ضعيف لضعف قيس وهو ابن الربيع، وعمرو بن عبد الله وشيخه لم نقف على ترجمتهما.
وقوله : " أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضب فلم يأكله ولم ينه عنه " ، له شاهد من حديث ابن عباس، سلف برقم (2299) ، وآخر من حديث خالد بن الوليد ، سلف برقم (16812)
وإسنادهما صحيحان " انتهى .
وقد أشار البيهقي إلى الاختلاف في رواية الحديث بقوله : " تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مَوْصُولًا ، وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا "
فبان بهذا : أن قوله : ( لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ ) لا يصح ، لأن الحديث معلول بالانقطاع ؛ لأن الراجح في روايته : أنه من رواية إبراهيم النخعي عن عائشة ، وهو لم يسمع منها.
وعلى فرض القول بثبوت الحديث ، فهو محمول على استحباب إطعام المساكين والخدم ونحوهم مما يأكل الإنسان ، وأنه لا يطعمهم مما لا يأكل ، وهذا على وجه الاستحباب ، وهو من طيب النفس وكرمها .
وقد روى البيهقي هذا الحديث في سننه (19427)
بلفظ : أُهْدِيَ لَنَا ضَبٌّ فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تُطْعِمُهُ السُّؤَّالَ؟ فَقَالَ: ( إِنَّا لَا نُطْعِمُهُمْ مِمَّا لَا نَأْكُلُ ) وقال :
" وَهُوَ -إِنْ ثَبَتَ - فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ، مِنَ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِهِ ، ثُمَّ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ مِمَّا لَا يَأْكُلُ ".
فيكون هذا على سبيل الاستحباب والكمال في الكرم أن المتصدق ينزل الفقير منزلة نفسه ، فيطعمه من طعامه الذي يأكله .
ويشبه هذا : أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بأن يطعم عبده مما يأكل ، وذلك هو الأكمل والأحسن ولكنه غير واجب .
روى مسلم (1661) عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن العبيد : (هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ) .
قال النووي رحمه الله :
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ إِخْوَانكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّه تَحْت أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ) الضَّمِير فِي ( هُمْ إِخْوَانكُمْ ) يَعُود إِلَى الْمَمَالِيك ، وَالْأَمْر بِإِطْعَامِهِمْ مِمَّا يَأْكُل السَّيِّد ، وَإِلْبَاسهمْ مِمَّا يَلْبَس مَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب لَا عَلَى الْإِيجَاب ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ...
وَإِنَّمَا يَجِب عَلَى السَّيِّد نَفَقَة الْمَمْلُوك وَكِسْوَته بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْبُلْدَان وَالْأَشْخَاص ، سَوَاء كَانَ مِنْ جِنْس نَفَقَة السَّيِّد وَلِبَاسه ، أَوْ دُونه ، أَوْ فَوْقه ، حَتَّى لَوْ قَتَّرَ السَّيِّد عَلَى نَفْسه تَقْتِيرًا خَارِجًا عَنْ عَادَة أَمْثَاله ، إِمَّا زُهْدًا ، وَإِمَّا شُحًّا ، لَا يَحِلّ لَهُ التَّقْتِير عَلَى الْمَمْلُوك ، وَإِلْزَامه وَمُوَافَقَته إِلَّا بِرِضَاهُ" انتهى .
ومن الأدلة ـ أيضا ـ على أن ذلك الأمر إنما هو من باب الندب والإرشاد ، وليس على سبيل الوجوب : ما رواه مسلم في صحيحه (2004)
عن ابْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما ، قال : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَيَشْرَبُهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ، وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ "
قال الملا علي القاري رحمه الله :
" (سَقَاهُ الْخَادِمَ) : لِكَوْنِهِ دُرْدِيًّا لَا لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا (أَوْ أَمَرَ بِهِ) : أَيْ بِالْمَنْبُوذِ الْبَاقِي (فَصُبَّ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: كُبَّ لِمَخَافَةِ التَّغَيُّرِ، أَوْ إِذَا بَلَغَ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ. قَالَ الْمُظْهِرُ: إِنَّمَا لَمْ يَشْرَبْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ دُرْدِيًّا وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِسْكَارِ، فَإِذَا بَلَغَ صَبَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ شُرْبِ الْمَنْبُوذِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا، وَعَلَى جَوَازِ أَنْ يُطْعِمَ السَّيِّدُ مَمْلُوكَهُ طَعَامًا أَسْفَلَ وَيَطْعَمَ هُوَ طَعَامًا أَعْلَى"
انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/2756) .
وأما قوله تعالى : ( وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) البقرة/ 267 .
فمعناه : " لَا تَقْصِدُوا الْمَالَ الْخَبِيثَ مُخَصِّصِينَ الْإِنْفَاقَ بِهِ، قَاصِرِينَ لَهُ عَلَيْهِ، وَالْحَالُ أَنَّكُمْ لَا تَأْخُذُونَهُ فِي مُعَامَلَاتِكُمْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، وهُوَ مِنْ أَغْمَضَ الرَّجُلُ فِي أَمْرِ كَذَا: إِذَا تَسَاهَلَ وَرَضِيَ بِبَعْضِ حَقِّهِ وَتَجَاوَزَ وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْهُ ".
انتهى من "فتح القدير" (1/ 332)
وروى الحاكم (1461) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ: الْجُعْرُورِ، وَلَوْنِ الْحُبَيْقِ " قَالَ:
" وَكَانَ نَاسٌ يَتَيَمَّمُونَ شَرَّ ثِمَارِهِمْ ، فَيُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ فَنُهُوا عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التَّمْرِ، فَنَزَلَتْ: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وقال الحاكم : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ".
فنهى الله عباده المؤمنين عن قصد الرديء في الزكاة ، وتعمد إخراجها منه ، مع أن عنده من الطيب ما يمكن أن يخرجه .
قال ابن عطية رحمه الله :
" هذا الخطاب هو لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه صيغة أمر من الإنفاق، واختلف المتأولون هل المراد بهذا الإنفاق، الزكاة المفروضة أو التطوع ؟
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين: هي في الزكاة المفروضة ؛ نهى الناسَ عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد، وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بقليل ، فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر، ودرهم زائف خير من تمرة .
فالأمر على هذا القول للوجوب .
والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن بن أبي الحسن وقتادة، أن الآية في التطوع .
وروى البراء بن عازب، وعطاء بن أبي رباح ما معناه : أن الأنصار كانوا أيام الجداد يعلقون أقناء التمر في حبل بين أسطوانتين في المسجد ، فيأكل من ذلك فقراء المهاجرين ، فعلق رجل حشفا ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بئسما علق هذا، فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد [ هو : ابن عطية ] : والأمر على هذا القول على الندب، وكذلك ندبوا إلى أن لا يتطوعوا إلا بجيد مختار .
والآية تعم الوجهين، لكن صاحب الزكاة يتلقاها على الوجوب ، وصاحب التطوع يتلقاها على الندب .
وهؤلاء كلهم ، وجمهور المتأولين ، قالوا : معنى ( مِنْ طَيِّباتِ ) : من جيد ومختار ما كَسَبْتُمْ، وجعلوا الْخَبِيثَ بمعنى الرديء والرذالة .
وقال ابن زيد معناه: من حلال ما كسبتم، قال: وقوله: ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ) : أي الحرام.
قال القاضي أبو محمد: وقول ابن زيد ليس بالقوي من جهة نسق الآية لا من معناه في نفسه"
انتهى من "تفسير ابن عطية" (1/361) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" فنهى سبحانه عن قصد إخراج الرديء كما هو عادة أكثر النفوس ، تمسك الجيد لها ، وتخرج الرديء للفقير، ونهيه سبحانه عن قصد ذلك وتيممه فيه ما يشبه العذر لمن فعل ذلك لا عن قصد وتيمم بل إما عن اتفاق، إذا كان هو الحاضر إذ ذاك أو كان ماله من جنسه، فإن هذا لم يتيمم الخبيث بل تيمم إخراج بعض ما منَّ الله عليه"
انتهى من "طريق الهجرتين" (374) .
والحاصل :
أن النهي عن إخراج الخبيث الرديء في هذه الآية : إما أن يكون في الزكاة المفروضة ، يتعمد رديء المال ، ولا يخرج الزكاة من الطيب ، والواجب عليه أن يخرج زكاة المال من جنسه . وهو أظهر القولين في الآية .
أو يكون ذلك في صدقة النافلة ، لكن على وجه الندب ، أو يتقصد المرء ألا يخرج من ماله إلا الخبيث منه ، ويبخل بالطيب ، ويدخره لنفسه .
وقد سئل ابن عثيمين رحمه الله:
" ذكرت التصدق بالثوب الخلق، فهل يعارض قول الله عز وجل: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون)؟
فأجاب :
" لا يعارض؛ لأن الآية في الزكاة، لا يجوز للإنسان أن يقصد الرديء من ماله ويخرجه في الزكاة، وأما ما ليس واجباً عليه إخراجه فليخرج ما شاء، ولا شك أن التصدق بهذا خير من إتلافه " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 01:43
ماذا حدث للسيدة مريم بعد رفع سيدنا عيسى عليه السلام .
السؤال
ماذا حدث لمريم رضي الله عنها بعد رفع المسيح عليه السلام إلى السماء ؟
الجواب :
الحمد لله
الذي تحدث عنه القرآن ، وورد في السنة النبوية : هو ما كان بشأن مريم رضي الله عنها ، وشأن ابنها المسيح عيسى عليه السلام ، وكيف أن الله جعلها وابنها آية للعالمين ، ؛ بيانا من الله وبرهانا عظيما على أنه على كل شيء قدير ، يخلق ما يشاء ، وهو العليم القدير .
وأبطل القرآن الكريم قول الذين زعموا ألوهية المسيح عليه السلام .
قال تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) النساء/ 171 .
وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة/ 17.
وقال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) المائدة/72-77.
وقال عز وجل : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) المؤمنون/ 50
وقال عز وجل: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/ 59 .
وروى البخاري (3435) ، ومسلم (28)
عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ) .
فبينت نصوص الكتاب والسنة أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأنهما بشر من البشر ، وليسا بإلهين ، ولا بهما شيء من وصف الألوهية ، جعلهما الله آية على ربوبيته ووحدانيته وقدرته سبحانه .
وردّت النصوص على النصارى الذين يعبدون المسيح ابن مريم وأمه ، ويغالون فيهما ، ويدعونهما من دون الله .
فهذا هو الذي ينبغي أن ننشغل به ، ونتعلمه ، ونفقهه ، فنزداد يقينا وإيمانا ، ونتعلم كيف نرد على النصارى
افتراءاتهم على الله ورسله ، وكيف نصحح عقيدتنا ، ونعلم أن الغلوّ في الصالحين من أعظم أسباب الشرك بالله ، وأن الخلق كلهم مربوبون، ليس لأحد منهم من أمره شيء، ولا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا . وأن البعد عن الوحي المنزل طريق الضلال .
أما الجانب القصصي البحت ، وماذا كان قبل ميلاد المسيح ؟
وماذا حدث لأمه بعد رفعه إلى السماء؟
وكيف ماتت ؟
ومتى ماتت ؟
وأين دفنت ؟
ونحو تلك الأسئلة : فلا طائل تحتها ، ولا نجد لها في نصوص الوحيين جوابا ، وإنما نجد نقولا عن أهل الكتاب ، الذين لا يوثق بأقوالهم ، وأقوالا لا يعتد بها ، ولا يحتج بها .
قال ابن كثير رحمه الله:
" وَحَكَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ، فِيمَا بَلَغَهُ أَنَّ مَرْيَمَ سَأَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ - بَعْدَ مَا صُلِبَ الْمَصْلُوبُ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَهِيَ تَحْسَبُ أَنَّهُ ابْنُهَا - أَنْ يُنْزِلَ جَسَدَهُ ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ ، وَدُفِنَ هُنَالِكَ ، فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِأُمِّ يَحْيَى: أَلَا تَذْهَبِينَ بِنَا نَزُورُ قَبْرَ الْمَسِيحِ
فَذَهَبَتَا فَلَمَّا دَنَتَا مِنَ الْقَبْرِ، قَالَتْ مَرْيَمُ لِأُمِّ يَحْيَى: أَلَا تَسْتَتِرِينَ ، فَقَالَتْ: وَمِمَّنْ أَسْتَتِرُ ، فَقَالَتْ: مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ أُمُّ يَحْيَى: إِنِّي لَا أَرَى أَحَدًا. فَرَجَتْ مَرْيَمُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلَ ، وَكَانَتْ قَدْ بَعُدَ عَهْدُهَا بِهِ فَاسْتَوْقَفَتْ أُمَّ يَحْيَى وَذَهَبَتْ نَحْوَ الْقَبْرِ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْقَبْرِ قَالَ لَهَا جِبْرِيلُ ،
وَعَرَفَتْهُ: يَا مَرْيَمُ، أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ فَقَالَتْ: أَزُورُ قَبْرَ الْمَسِيحِ وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَحْدِثُ عَهْدًا بِهِ ، فَقَالَ: يَا مَرْيَمُ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ الْمَسِيحَ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَفَعَ الْمَسِيحَ وَطَهَّرَهُ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَلَكِنْ هَذَا الْفَتَى الَّذِي أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَيْهِ وَصُلِبَ وَقُتِلَ مَكَانَهُ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَهُ قَدْ فَقَدُوهُ فَلَا يَدْرُونَ مَا فُعِلَ بِهِ ، فَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا، فَأْتِي غَيْضَةَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّكِ تَلْقَيْنَ الْمَسِيحَ.
قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَى أُخْتِهَا، وَصَعِدَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَتْهَا عَنْ جِبْرِيلَ، وَمَا قَالَ لَهَا مِنْ أَمْرِ الْغَيْضَةِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ ، ذَهَبَتْ فَوَجَدَتْ عِيسَى فِي الْغَيْضَةِ ، فَلَمَّا رَآهَا أَسْرَعَ إِلَيْهَا فَأَكَبَّ عَلَيْهَا
فَقَبَّلَ رَأْسَهَا وَجَعَلَ يَدْعُو لَهَا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، وَقَالَ: يَا أُمَّهْ، إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَقْتُلُونِي، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَفَعَنِي إِلَيْهِ، وَأَذِنَ لِي فِي لِقَائِكَ، وَالْمَوْتُ يَأْتِيكِ قَرِيبًا، فَاصْبِرِي وَاذْكُرِي اللَّهَ .
ثُمَّ صَعِدَ عِيسَى فَلَمْ تَلْقَهُ إِلَّا تِلْكَ الْمَرَّةَ حَتَّى مَاتَتْ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ مَرْيَمَ بَقِيَتْ بَعْدَ عِيسَى خَمْسَ سِنِينَ، وَمَاتَتْ وَلَهَا ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا .
وقدْ رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عِيسَى لَمَّا رَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ جَاءَتْهُ سَحَابَةٌ، فَدَنَتْ مِنْهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَيْهَا، وَجَاءَتْهُ مَرْيَمُ فودعته وبكت، ثم رفع وهي تنظر، وَأَلْقَى إِلَيْهَا عِيسَى بُرْدًا لَهُ وَقَالَ: هَذَا عَلَامَةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَجَعَلَتْ أُمُّهُ تُوَدِّعُهُ بِأُصْبُعِهَا تُشِيرُ بِهَا إِلَيْهِ حَتَّى غَابَ عَنْهَا، وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهَا حُبُّهُ مِنْ جِهَتَيِ الْوَالِدَيْنِ، إِذْ لَا أَبَ لَهُ، وَكَانَتْ لَا تُفَارِقُهُ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا " .
انتهى من "البداية والنهاية "(2/ 514) .
وهذا الذي ذكره عن ابن عباس ، رواه ابن عساكر في تاريخه (47/ 476)
بنحوه من طريق إسحاق بن بشر أنبأنا جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس به .
وهذا إسناد ليس بشيء ، والضحاك لم يلق ابن عباس ، وجويبر ضعيف جدا ، قال ابن معين: ليس بشئ.
وقال الجوزجاني : لا يشتغل به.
وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك الحديث.
"ميزان الاعتدال" (1/ 427) .
ومقاتل ، هو ابن سليمان ، متهم ، كذبه وكيع والنسائي ، وقال الجوزجاني: كان دجالا جسورا .
"ميزان الاعتدال" (4/ 173) .
وإسحاق بن بشر كذبه علي بن المديني، وقال ابن حبان لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، وقال الدارقطني كذاب متروك.
"لسان الميزان" (1/ 354) .
وما ذكره عن يحيى بن حبيب رواه ابن عساكر أيضا (70/ 121)
من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر قال : قال علي بن عاصم : أخبرني يحيى بن حبيب ... فذكره .
وهذا مع كونه مقطوعا من كلام يحيى بن حبيب ، فهو لا يصح عنه ، وإسحاق بن بشر تقدم الكلام فيه وأنه متروك متهم .
والحاصل :
أن ما حدث لمريم بعد رفع عيسى عليه السلام لا نعلم عنه شيئا ، ولا سبيل إلى العلم به ، لأنه لا يعلم ذلك إلا عن طريق الوحي ، ولم يخبرنا الوحي بشي عن ذلك .
ولا فائدة ترجى لدين العبد من الانشغال بمثل ذلك ، ولا في الجهل به مضرة في دينه ، وقد نهينا عن التكلف .
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 01:48
تخريج أحاديث واردة في عقوبة شارب الخمر.
السؤال :
ما صحة هذه الأحاديث ؟
ومن رواها ؟
روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : ( لعن الله الخمر وشاربها ومشتريها) ؟
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( كل مسكر حرام فمن شرب الخمر في الدنيا حرم عليه خمر الآخرة في الجنه )؟
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (ثلاثة لا يجدون ريح الجنه وأن ريحها يشم من مسيرة خمسمائة عام مدمن خمر ، وعاق والديه ، والزاني إن لم يتب) ؟
وروي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم : (من طعم شارب الخمر لقمه سلط الله عليه جسده حيات وعقارب ، ومن قضي له حاجه فقد أعانه علي هدم الإسلام ، ومن أقرضه فقد أعانه علي قتل مسلم ، ومن جالسه حشره الله أعمي لا حجه له ، وشارب الخمر تربحوه ، وإن مرض فلا تعودوه أبداً
فوالذي نفسي بيده أنه من شرب الخمر إلا من كفر ، وفي التوراه والإنجيل والزبور والفرقان بجميع ما أنزله الله سبحانه وتعالي أقسم بعزته وجلاله أن من شرب الخمر في الدنيا عطشه يوم القيامة عطشاً شديداً يحرق فؤاده ، ويخرج لسانه علي صدره ، ومن يتركه لأجلي سقيته يوم القيامة من خمر الدنيا يوم القدس تحت عرشه) ؟
وروي عنه صلي الله عليه وسلم : (أن العبد إذا شرب الخمر اسود قلبه ، وإذا شرب ثانية تبرأ منه الحفظة ، وإذا شرب ثالثاً تبرأ منه رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وإذا شرب رابعاً تبرأ منه ملك الموت ، وإذا شرب خامساً تبرأ منه جبريل عليه السلام ، وإذا شرب منه سادساً تبرأ منه إسرافيل عليه السلام ، وإذا شرب منه سابعاً تبرأ منه ميكائيل )؟
الجواب :
الحمد لله
أولا:
روى الإمام أحمد (5716)، وأبو داود (3674) عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَلَعَنَ شَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا )
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وروى الترمذي (1295)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالمُشْتَرِي لَهَا، وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ " وقال الترمذي عقبه :
" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ،وصححه الألباني .
ثانيا :
روى الواحدي في "تفسيره" (2/ 226) من طريق عَلِيّ بْن الْحَسَنِ الشَّامِيّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُجَالِسُوا شَرَبَةَ الْخَمْرِ، وَلا تُشَيِّعُوا جَنَائِزَهُمْ، وَلا تُزَوِّجُوهُمْ وَلا تَتَزَوَّجُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْوَدًّا وَجْهُهُ مُزْرَقَّةً عَيْنَاهُ، يُدْلِعُ لِسَانَهُ عَلَى صَدْرِهِ ، يَسِيلُ لُعَابُهُ عَلَى بَطْنِهِ، يَقْذُرُهُ مَنْ يَرَاهُ)
وعلي بن الحسن الشامي متهم ، قال الدارقطني: مصري يكذب يروي عن الثقات بواطيل . وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش: روى أحاديث موضوعة. وقال أبو نعيم: روى أحاديث منكرة لا شيء.
"لسان الميزان" (4/ 213) .
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/42)
من طريق أخرى وقال: " هَذَا حَدِيث مَوْضُوع عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ".
ثالثا :
روى البخاري (5575) ، ومسلم (2003) – واللفظ له - عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ) .
رابعا :
روى الطبري في "تهذيب الآثار" (مسند علي) (313)
والخلال في "السنة" (1521)
عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( ثَلَاثَةٌ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ ).
وهذا ضعيف لإرساله، مجاهد أبو الحجاج هو مجاهد بن جبر المكي صاحب ابن عباس ، وهو من التابعين ، فحديثه مرسل.
خامسا :
أما قوله: ( من أطعم شارب الخمر لقمة سلط الله على جسده حيات وعقارب ... ) إلخ.
فلا نعلم له أصلا ، وهو ظاهر البطلان فلا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
سادسا:
أما قوله : ( إنَّ الْعَبْدِ إِذَا شَرِبَ شَرْبَةً مِنَ الْخَمْرِ اسْوَدَّ قَلْبُهُ ... ) إلخ ، فلا نعلم له أصلا ، ولا رأينا أحدا من أهل العلم ذكره ، وإنما ذكره أبو الليث السمرقندي في "تنبيه الغافلين" (ص151)
بغير إسناد عن الحس البصري بصيغة التمريض، فقال: " ورُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْعَبْدِ إِذَا شَرِبَ شَرْبَةً مِنَ الْخَمْرِ اسْوَدَّ قَلْبُهُ ... " فذكره مطولا .
ولوائح الوضع عليه ظاهرة .
وفي النصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة الغنية عن هذه الأحاديث الباطلة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 01:52
عقوبة شارب الخمر ، وهل تصح منه الصلاة والصيام ؟
السؤال
ما هي عقوبة شارب الخمر ؟
هل يمكن للشارب الخمر أن يصلي ويصوم رمضان ؟.
الجواب
الحمد لله
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90
وفي صحيح البخاري ( 2295 ) ومسلم ( 86 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ . " أي لا يكون مؤمناً كامل الإيمان بل يكون قد نقص إيمانه نقصا عظيما بهذا الفعل الشنيع .
وفي البخاري أيضا ( 5147 ) ومسلم (3736) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَة "ِ
وفي سنن أبي داود ( 3189 ) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قال : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ " وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود ( 2/700 ) .
وفي سنن النسائي ( 5570 ) أَنَّ ابْنَ الدَّيْلَمِيِّ قال لعبد الله بن عمرو هَلْ سَمِعْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ شَأْنَ الْخَمْرِ بِشَيْءٍ فَقَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 709 ) .
والمعنى : أنه لا يثيبه عليها لا أنه لا تجب عليه الصلاة ، بل يتوجب عليه أن يأتي بجميع الصلوات ، ولو ترك الصلاة في هذا الوقت لكان مرتكبا لكبيرة من أعظم الكبائر ، حتى أوصلها بعض العلماء إلى الكفر ، والعياذ بالله .
والأحاديث والآثار الدالة على شدة تحريم الخمر كثيرة جدا ، وهي أم الخبائث ، فمن وقع فيها جَرَّأته على ما سواها من الخبائث والجرائر . نسأل الله العافية .
وأما عقوبة شاربها في الدنيا فهي الْجَلْدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . لِما رواه مُسْلِمٍ ( 3281 ) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : { جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ } .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْجَلَدَاتِ : فَذَهَبَ جماهير العلماء إلَى أَنَّهَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً فِي الْحُرِّ , وَفِي غَيْرِهِ أَرْبَعُونَ .
واستدلوا بما جاء في حديث أنس السابق وفيه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ ."
ووافق الصحابة عمر رضي الله عنه على ذلك ولم يخالفوه . وقد قرر مجلس هيئة كبار العلماء أن عقوبة شارب الخمر هي الحد ، وأن الحد ثمانون جلدة .
وبعض العلماء كابن قدامة رحمه الله ، وشيخ الإسلام في الاختيارات يرون أن الزيادة على الأربعين تابعة لنظر الإمام المسلم فإن رأى الحاجة داعية إلى الزيادة على أربعين كما حصل في عهد عمر رضي الله عنه فله أن يجعلها ثمانين . والله أعلم (
ينظر توضيح الأحكام 5 / 330 ) .
وأما الصلاة والصيام من شارب الخمر ، فلا شك أنه يجب عليه أن يؤدي الصلاة في أوقاتها ، وأن يصوم رمضان ، ولو أخل بشيء من صلاته أو صيامه لكان مرتكباً لكبيرة عظيمة هي أشد من ارتكابه لجريمة شرب الخمر ، فلو أنه شرب الخمر في نهار رمضان لكان قد عصى الله بمعصيتين كبيرتين :
الأولى الإفطار في نهار رمضان
الثانية شرب الخمر .
وليعلم أن وقوع المسلم في معصية وعجزه عن التوبة منها لضعف إيمانه لا ينبغي أن يُسوِّغ له استمراء المعاصي وإدمانها ، أو ترك الطاعات والتفريط فيها بل يجب عليه أن يقوم بما يستطيعه من الطاعات ويجتهد في ترك ما يقترفه من الكبائر والموبقات
نسأل الله أن يجنبنا الذنوب صغيرها وكبيرها إنه سميع قريب
. والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 01:57
حديث موضوع في فضل أهل البيت ، وفيه : (يا أبا الحسن ارفع يدك إلى السماء، وادع ربك وسله يعطك).
السؤال :
وردتني هذه الرسالة ، وأريد التحقق من صحة ما ورد فيها من أحاديث . عن ابن عباس قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي ، وأخذ بيد علي فصلى أربع ركعات ، ثم رفع يده إلى السماء فقال: ( اللهم سألك موسى بن عمران، وإن محمداً سألك أن تشرح لي صدري ، وتيسر لي أمري
وتحل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي ، علياً اشدد به أزري، وأشركه في أمري). قال ابن عباس: فسمعت منادياً ينادي: يا أحمد ، قد أوتيت ما سألت ، فقال النبي: (يا أبا الحسن ارفع يدك إلى السماء، وادع ربك وسله يعطك)، فرفع علي يده إلى السماء وهو يقول: اللهم اجعل لي عندك عهداً
واجعل لي عندك وداً ، فأنزل الله على نبيه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)، فتلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه فعجبوا من ذلك عجباً شديداً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مم تعجبون؟
إن القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة ، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل في علي كرائم القرآن) ، "مناقب مولانا أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام " لابن المغازلي
الجواب :
الحمد لله
هذا الخبر رواه ابن المغازلي في "مناقب عليّ" (375)، فقال :
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن طلحة بن غسان بن النعمان الكازروني -إجازة- أن عمر بن محمد بن يوسف حدثهم قال: حدثنا أبو إسحاق المديني، حدثنا أحمد بن موسى الحرامي، حدثنا الحسين بن ثابت المدني خادم موسى بن جعفر حدثني أبي عن شعبة عن الحكم عن عكرمة عن ابن عباس ... فذكره .
وهذا إسناد مظلم إلى شعبة ، ولو كان يصح عن شعبة عن عكرمة عن ابن عباس ، لرواه أصحاب شعبة الثقات الأثبات ، الذين هم أعرف بحديثه وأجمع له من هذا الذي رواه عنه ، وهو
ثابت بن أنس بن ظهير ، وهو رجل مجهول ، قال ابن أبي حاتم : " روى عنه ابنه الحسين بن ثابت سمعت أبى يقول ذلك ويقول: هو مجهول " .
انتهى من "الجرح والتعديل" (2/ 449).
وابنه الحسين مجهول مثله
كما في "الجرح والتعديل" (3/ 48) أيضا .
وأحمد بن موسى الحرامي لم نجد له ترجمة ، وكذا أبو إسحاق المديني راويه عنه .
وقد روى هذا الخبر مختصرا فرات بن إبراهيم الكوفي الشيعي في تفسيره ، عن أحمد بن موسى هذا به .
ينظر كتاب : "الشيعة والقرآن" (ص: 158) للشيخ إحسان إلهي ظهير.
فهذا الخبر لا يعرفه أهل السنة ، إنما يرويه الشيعة عن مجاهيل لا يُعرفون ، كما هي عادتهم في رواياتهم .
وروى أبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين" (2/ 364)
من طريق إِسْحَاق بْن بِشْرٍ الْكَاهِلِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْكَرِيمِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَّاءِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: ( قَلِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا، وَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ وِدًّا، وَاجْعَلْ لِي فِي صُدُورِ الْمِؤْمِنِينَ مَوَدَّةً ).
وإسحاق بن بشر هذا متهم كذاب ، قال مطين: ما سمعت أبا بكر بن أبى شيبة كذب أحدا إلا إسحاق بن بشر الكاهلى. وكذا كذبه موسى بن هارون وأبو زرعة.
وقال الفلاس وغيره: متروك.
وقال الدارقطني: هو في عداد من يضع الحديث.
"ميزان الاعتدال" (1/ 186) .
ومما يدل على بطلان هذا الخبر قوله فيه : ( وتحل عقدة من لساني يفقهوا قولي ) فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفصح البشر ، وأبلغهم لسانا ، وأحكمهم بيانا ، ولم يَشكُ يوما – لا قبل النبوة ولا بعدها – من آفة في لسانه ، تمنعه من حسن البيان .
أما موسى عليه السلام : فقد ذكر المفسرون أنه كان في لسانه ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام ، ولذلك دعا ربه قائلا : ( وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ).
انظر: "تفسير السعدي" (ص: 504) .
أما الثابت في السنة في تفسير الآية فهو ما رواه الترمذي (3161)
وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ "، قَالَ: " فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ المَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ).
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال السعدي رحمه الله :
" هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، أن وعدهم أنه يجعل لهم ودا، أي: محبة وودادا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ود ، تيسر لهم كثير من أمورهم وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل " .
انتهى من "تفسير السعدي" (ص: 501)
فالآية عامة في حق كل مؤمن صالح ، وليست خاصة بعلي أو بأهل البيت رضي الله عنهم .
وخلاصة الجواب :
أن هذا الحديث واهي الإسناد ، وهو من أحاديث الشيعة ، وهم معروفون بالكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ..
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 02:02
حكم قراءة فاتحة سورة البقرة وخاتمتها بعد دفن الميت
السؤال :
ما صحة الأحاديث التالية ؟
حديث عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، عن أبيه، قال: قال لي أبي: " يا بني إذا أنا مت فألحدني، فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله ، ثم سن علي الثرى سنا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك" . أخرجه الطبراني، وذكر في آخره "سمعت عبد الله بن عمر أوصى بذلك" ، و حكم الحافظ الهيثمي على رواة هذا الحديث بأنهم موثوقون في "مجمع الزوائد" (3/47) ؟
هذه الرواية أيضاً صنفت حسنة بواسطة الإمام النووي ، والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى . "الأذكار" برقم (493) ، و" الفتوحات الربانية " الجزء الثالث روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا مات أحدُكم فلا تَحْبِسُوهُ، وأَسْرِعُوا به إلى قبرِهِ، وَلْيَقْرَأْ عند رأسِه فاتحةَ البقرةِ، وعندَ رِجْلَيْهِ بخاتمةِ البقرةِ )
وذكر ذلك عند البيهقي في "شعب الإيمان" ، وقال: " الحقيقة إن هذه الرواية لعبدالله بن عمر موقوفاً" . انظر "مشكاة المصابيح" رقم (1717) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (491) من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: " يَا بُنَيَّ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَلْحِدْنِي، فَإِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي فَقُلْ: بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، ثُمَّ سُنَّ عَلَيَّ الثَّرَى سَنًّا، ثُمَّ اقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ ".
ورواه البيهقي (7068) والخلال في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص: 87) والدينوري في "المجالسة" (757) بلفظ:
" إِذَا أَنَا مُتُّ، فَضَعْنِي فِي اللَّحْدِ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا، وَاقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَأَوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَخَاتِمَتِهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ هَذَا "
فجعله موقوفا من قول ابن عمر .
وهذا إسناد ضعيف ، عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج رجل مجهول
قال الذهبي في "الميزان" (2/ 579):
" ما روى عنه سوى مبشر بن إسماعيل " انتهى .
ومن مشّى حال هذا الأثر فإنما اعتمد على توثيق ابن حبان لعبد الرحمن هذا ، وابن حبان رحمه الله معروف بالتساهل في التوثيق، حتى إنه ربما ذكر في الثقات من يصرح بأنه لا يدري من هو ولا من أبوه، ولذا قال الحافظ في ترجمة عبد الرحمن هذا في التقريب (ص348)
: "مقبول" يعني عند المتابعة ، وإلا فهو لين الحديث، كما نص عليه في المقدمة.
والصحيح عن ابن عمر ما رواه الترمذي (1046) من طريق نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُدْخِلَ المَيِّتُ القَبْرَ، قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) .
وقال الترمذي عقبه :
" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا " انتهى .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
فهذا القدر من الحديث هو الصحيح .
وروى الطبراني أيضا في "المعجم الكبير" (13613)
والبيهقي في "الشعب" (8854)
من طريق يَحْيَى بْن عَبْدِ اللهِ الْبَابْلُتِّيّ، ثنا أَيُّوبُ بْنُ نَهِيكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَلْيُقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَبْرِهِ).
وهذا إسناد واه ، أيوب بن نهيك ، ضعفه أبو حاتم وغيره، وقال الأزدي: متروك.
"ميزان الاعتدال" (1/ 294)
والبابلتي: قال ابن أبي حاتم: يأتي عن الثقات بأشياء معضلة ، يهم فيها ، فهو ساقط الاحتجاج فيما انفرد به ، وقال ابن عدي : أثر الضعف على حديثه بيّن.
"تهذيب التهذيب" (11/ 211) .
وقال الألباني في الضعيفة (4140): "حديث ضعيف جدا" .
وينظر للاستزادة : "أحكام الجنائز" (1/ 192).
والله أعلم.
ملخص الجواب :
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن ابن عمر، استحباب قراءة شيء من القرآن بعد دفن الميت، لا أوائل سورة البقرة ، ولا خواتيمها ، ولا غير ذلك. ولا نعلم شيئا ثابتا في الباب عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 02:06
قصة رجوع الإمام أحمد عن النهي عن القراءة عند القبر غير صحيحة
السؤال:
ما حكم قراءة القرآن على الأموات ؟
حيث يذكر ابن القيم رحمه الله أن الإمام أحمد رحمه الله بعد إنكاره على الرجل الضرير حين كان يقرأ القرآن على القبر ، أخبره محمد بن قدامه الجوهري خبر ابن اللجلاج ، فقال له الإمام أحمد : ارجع وقل للرجل يقرأ ؛ فهل هذه القصة صحيحة عن الإمام أحمد ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قراءة القرآن على القبور ، وإقامة السرادقات والاحتفال بالميت وبذكرى وفاته وجلب المقرئين لذلك من البدع المحدثة .
والمشروع هو الدعاء للميت والصدقة عنه وإكرام صديقه وإيفاء عهده وتنفيذ وصيته الصحيحة وصلة الرحم المتصلة به ، وإذا كان لم يحج أو لم يعتمر حج عنه وليه واعتمر .
قال ابن باز رحمه الله :
" قراءة القرآن عند القبور لا أصل لها بل هي من البدع ، القبور تزار للذكرى والعظة والدعاء للأموات بالمغفرة والرحمة ، أما القراءة عند قبورهم فما تفيدهم ، انقطعت أعمالهم ، يفيد الدعاء لهم والصدقة عنهم ، والحج عنه والعمرة عنهم ، وقضاء ديونهم هذا الذي ينفعهم ، أما القراءة عند قبورهم فلا تشرع بل هي بدعة "
.
انتهى ملخصا من "فتاوى نور على الدرب" (14/ 217-218) .
ثانيا :
قال أبو بكر الخلال رحمه الله في كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص 88) :
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الوراق ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْحَدَّادُ، وَكَانَ صَدُوقًا، وَكَانَ ابْنُ حَمَّادٍ الْمُقْرِيءُ يُرْشِدُ إِلَيْهِ ، فَأَخْبَرَنِي قَالَ: " كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيِّ فِي جَنَازَةٍ ، فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتُ جَلَسَ رَجُلٌ ضَرِيرٌ يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا هَذَا إِنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ
فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْمَقَابِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرٍ الْحَلَبِيِّ ؟ ، قَالَ: ثِقَةٌ ، قَالَ: كَتَبْت عَنْهُ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ ، وَخَاتِمَتِهَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ ، فَقَالَ أَحْمَدُ: ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأُ " انتهى .
وهذا إسناد لا يحتج به ، الحسن بن أحمد الوراق : مجهول ، وكذا شيخه .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر، لأن شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد له ترجمة فيما عندي الآن من كتب الرجال، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه، وإن قيل في هذا السند إنه كان صدوقا، فإن الظاهر أن القائل هو الوراق هذا، وقد عرفت حاله "
انتهى من "أحكام الجنائز" (192) .
وقال الخلال أيضا :
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيَّ، قَالَ: " كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي جَنَازَةٍ وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: فَلَمَّا قُبِرَ الْمَيِّتُ جَعَلَ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِرَجُلٍ: تَمُرُّ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَقْرَأُ، فَقُلْ لَهُ: لَا تَفْعَلْ. فَلَمَّا مَضَى قَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ: مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ كَيْفَ هُوَ؟ ... فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِعَيْنِهَا .
وعثمان الموصلي لم نجد له ترجمة ، فلا يحتج بروايته أيضا .
ثم إن الإسناد المذكور في القصة إلى ابن عمر ضعيف أيضا ، لا يصح ، ويبعد عن مثل الإمام أحمد أن يحتج به في إثبات حكم شرعي .
فعبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج مجهول
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/ 579)
: " ما روى عنه سوى مبشر بن إسماعيل " .
وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص348)
: " مقبول " ؛ يعني عند المتابعة ، وإلا، فليّن الحديث ؛ كما نص عليه في المقدمة . ولم يتابعه أحد على هذه الرواية .
وينظر : "أحكام الجنائز" ، الموضع السابق .
والمشهور عن الإمام أحمد الذي يرويه عنه كبار أصحابه : النهي عن القراءة عند القبور .
قال أبو داود في "مسائله" (ص224) :
" سمعت أحمد، سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةَ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ. وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ "
انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 /362) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 02:12
من الذي وقع في الشك في هذا الحديث من صحيح مسلم؟
السؤال:
وجدت في "صحيح الإمام مسلم" [رقم/715] الحديث التالي في "باب اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ الْبِكْرِ": حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله ِ: " أَنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ - أَوْ قَالَ سَبْعَ - فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا جَابِرُ، تَزَوَّجْتَ؟)، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ( فَبِكْرٌ، أَمْ ثَيِّبٌ؟ )
قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبٌ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: ( فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ )، أَوْ قَالَ: ( تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ )
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ ، وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ - أَوْ سَبْعَ -، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ آتِيَهُنَّ أَوْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَجِيءَ بِامْرَأَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ ، وَتُصْلِحُهُنَّ، قَالَ: ( فَبَارَكَ اللهُ لَكَ ) أَوْ قَالَ لِي خَيْرًا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبِيعِ: ( تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ) ".
أريد أن استفسر عن الراوي الذي اضطرب في عدد البنات ، أم إن هذا الحديث يجمع روايات مختلفة ؛ لأن الرواية يكثر فيها استعمال كلمة "أو" .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث يرويه كل من (سفيان بن عيينة ، وحماد بن زيد) عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
ولم نجد في جميع موارد رواية سفيان بن عيينة كلمات الشك والتردد في ألفاظ الحديث، فعلمنا أن الشك لم يقع من قبل سفيان بن عيينة ، ولا من جهة شيخه عمرو بن دينار، بل وقع من حماد بن زيد ، أو من تلاميذه ، وليس ثمة احتمال ثالث .
والترجيح بين هذين الاحتمالين يكون بجمع مرويات تلاميذ حماد بن زيد، فإن وجدناهم مجتمعين على حكاية الشك والتردد في بعض ألفاظ الحديث، تبين لنا أن السبب هو حماد بن زيد نفسه، وليس من أحد تلاميذه ؛ لأن من البعيد أن يجتمع تلاميذ حماد بن زيد على "الشك" من تلقاء أنفسهم ، إلا أن يكونوا سمعوا الرواية بالشك عن شيخهم حماد بن زيد رحمه الله .
وقد تبين لنا – بعد تتبع طرق الحديث – أن السبب الراجح في ورود الشك في الرواية هو حماد بن زيد، وأنه هو الذي تردد وجاء بحرف الشك ( أو ) في بعض ألفاظ الحديث، وأن الرواة عنه إنما كانوا يؤدون بنحو ما يسمعون منه، بدليل أن جماعة من تلاميذه رووا الحديث بالشك، وهم:
1. مسدد بن مسرهد :
كما في "صحيح البخاري" (رقم/5367) .
2. أبو النعمان محمد بن الفضل عارم،
كما في "صحيح البخاري" (رقم/6387) .
3. يحيى بن يحيى
كما في "صحيح مسلم" (رقم/715) .
4. أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني
كما في "صحيح مسلم" (رقم/715) .
5. قتيبة بن سعيد
كما في "سنن الترمذي" (رقم/1100).
6. عبيد الله بن عمر القواريري
كما في "مسند أبي يعلى" (3/473).
7. أحمد بن عبدة
كما في "صحيح ابن حبان" (16/86).
8. سليمان بن حرب
كما في "المسند المستخرج على صحيح مسلم" (4/138).
فهؤلاء ، وإن كان بينهم بعض التفاوت في حكاية الشك بحرف (أو)، إلا أنهم جميعهم رووا الحديث بقدر من التردد ، الأمر الذي يدل على سماعهم الحديث على هذا الوجه من حماد بن زيد، فيتحمل هو رحمه الله ما وقع في الرواية.
يقول يعقوب بن شيبة رحمه الله:
"حماد بن زيد معروف بأنه يقصر في الأسانيد ، ويوقف المرفوع ، كثير الشك بتوقيه ، وكان جليلا ، ولم يكن له كتاب يرجع إليه، فكان أحيانا يذكر فيرفع الحديث، وأحيانا يهاب الحديث ولا يرفعه"
انتهى من "إكمال تهذيب الكمال" (4/139) .
فحماد بن زيد إمام حافظ ولا شك ، ولكن وقعت له بعض الشكوك في بعض الروايات ، وذلك من تثبته وتحريه رحمه الله .
ومن أمثلة تردداته المشهورة قول أبي داود رحمه الله: قال قُتَيبةُ: قال حمَّاد: لا أدري هو مِن قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو أبي أمامة، يعني قصَّة الأُذُنين [يعني قوله: والأذنان من الرأس]"
انتهى من "سنن أبي داود" (1/ 94) .
ومما يؤكد ذلك أن الإمام البخاري رحمه الله نبه على الخلاف بين سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، في بعض ألفاظ الحديث، الأمر الذي يشير إلى وقوع المخالفة من حماد بن زيد، وليس من الرواة عنه.
يقول البخاري رحمه الله:
"حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن جابر رضي الله عنه، قال: هلك أبي وترك سبع أو تسع بنات، فتزوجت امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوجت يا جابر» قلت: نعم، قال: «بكرا أم ثيبا» قلت: ثيبا، قال: «هلا جارية تلاعبها وتلاعبك، أو تضاحكها وتضاحكك» قلت: هلك أبي فترك سبع أو تسع بنات، فكرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن، قال: «فبارك الله عليك».
لم يقل ابن عيينة، ومحمد بن مسلم، عن عمرو: بارك الله عليك" .
انتهى من "صحيح البخاري" (8/ 82) .
هذا وللحديث طرق أخرى عن جابر، ليس في شيء منها هذه الشكوك الواردة في طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار، ليس هذا محل تفصيلها وبيانها. يمكن مراجعة بعضها في "المسند المصنف المعلل" (5/438، 465، 470، 472، 473، 476، 478) (6/114) .
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-07-03, 02:18
مقامات ثلاثة تحكم علاقة الحديث الضعيف بالسير والمغازي
السؤال:
يقال : إن العلماء يتساهلون في أحاديث السير ونحوها ، فما رأيكم في كتاب: "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية"؛ فإنه قد بيَّن فيه ضعف كثير من القصص والوقائع المشهورة ، التي يتناقلها الناس، بل حتى العلماء منهم؟
الجواب :
الحمد لله
لا بد أن نفرق في حديثنا عن الأحاديث الضعيفة في جناب السيرة النبوية المطهرة بين مقامات ثلاثة:
المقام الأول:
أن علماء الحديث لا يختلفون في أن أبواب السير والمغازي من الأبواب التي يجوز "رواية" الأحاديث الضعيفة فيها، و"حكايتها"، و"نقلها" في الكتب والمجالس وحلق العلم والدرس، لا على سبيل الجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما على سبيل الحكاية والنقل والرواية.
يقول عباس الدُّوري:
"سمعت أحمد بن حنبل - وسئل وهو على باب أبي النضر هاشم بن القاسم فقيل له: يا أبا عبد الله! ما تقول في موسى بن عُبيدة الربَذَي، وفي محمد بن إسحاق -؟
فقال: أما محمد بن إسحاق فهو رجل تكتب عنه هذه الأحاديث - كأنه يعني المغازي ونحوها - وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس، ولكنه حدث بأحاديث مناكير عن عبد الله بن دينار
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا. وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد، ولم يضم الإبهام، وأرانا أبو الفضل يديه وأرانا أبو العباس" .
انتهى من "تاريخ ابن معين رواية الدوري" (3/60) .
ويقول الإمام الحاكم رحمه الله:
"وأنا بمشيئة الله أُجري الأخبار التي سقطت على الشيخين في كتاب الدعوات على مذهب أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي في قبولها، فإني سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري، يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، يقول: كان أبي يحكي، عن عبد الرحمن بن مهدي، يقول:
إذا روينا، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام : شددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال ، والثواب والعقاب، والمباحات والدعوات : تساهلنا في الأسانيد"
انتهى من "المستدرك على الصحيحين" (1/ 666) .
وقد عقد الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص: 133) بابا بعنوان: "باب التشدد في أحاديث الأحكام، والتجوز في فضائل الأعمال. " .
قال : " قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئا من التهمة ، بعيدا من الظِّنَّة ، وأما أحاديث الترغيب والمواعظ ونحو ذلك : فإنه يجوز كَتْبُها عن سائر المشايخ".
وأورد فيه بأسانيده:
سمعت سفيان الثوري، يقول: لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ.
قال: سمعت ابن عيينة، يقول: لا تسمعوا مِن بَقِيَّة ما كان في سُنة، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره.
يقول: سمعت النوفلي يعني أبا عبد الله، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال ، وما لا يضع حكما ولا يرفعه : تساهلنا في الأسانيد.
قال: سمعت أبا زكريا العنبري، يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا، ولم يحل حراما، ولم يوجب حكما، وكان في ترغيب أو ترهيب، أو تشديد أو ترخيص : وجب الإغماض عنه ، والتساهل في رواته"
انتهى باختصار من "الكفاية" .
ومن هنا امتلأت كتب العلماء والمحدثين في القديم والحديث بمثل هذه الروايات، التي لا يجدون فيها شذوذا أو نكارة تستوجب الرد والحذر، ولكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا يوردونها على سبيل جزم النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لفضائل العمل، أو استرسال الأخبار، أو كل ما لا يترتب عليه تشريع أو اعتقاد.
المقام الثاني:
أن ما سبق من التساهل في أسانيد السير والمغازي لا يعني إطلاقا أننا ننسب للنبي صلى الله عليه وسلم – على وجه الجزم - كلاما لم يثبت بالأسانيد الصحيحة أو الحسنة، سواء في الأحكام أو العقائد أو الفضائل أو السير والمغازي أو غيرها من أبواب العلم والدين، فالتساهل في المغازي والسير هو تساهل على مستوى "النقل" و "البحث العلمي" فحسب، وليس على مستوى جزم النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.
المقام الثالث:
أما ما ورد عن طريق الكذابين والوضاعين وسُراق الحديث، وما اشتمل على نكارة أو شذوذ لا يصدر مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمثله لا يروى إلا على سبيل التحذير منه، ولا يحكى إلا على وجه التنبيه على غلطه، كي لا يُتخذ حجة للطعن على الدين، ولا يكون سببا في إفساد تصورات الناس الإجمالية عن أبواب الفضائل والسير والمغازي.
ومن هنا يمكننا تفصيل الحديث عن كتاب محمد عبد الله العوشن، بعنوان:
"ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية"، ومثله جميع الكتب التي تعتني بالسيرة النبوية تصحيحا وتضعيفا، كلها يشملها التأصيل الحديثي السابق:
فما كان في كتاب العوشن والباحثين الأفاضل الآخرين من مقاصد تسعى لإلغاء الروايات الضعيفة من كتب السيرة، بالكلية ، ومنع التحديث بها، وترك كتابتها، وعدم الاستئناس بالمناسب منها، كما يقول المؤلف العوشن في مقدمته "والهدف من ذلك تنقية السيرة من هذه الأخبار التي لم تثبت"
انتهى من "ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية" (ص3)- دار طيبة.
فهي مقاصد غير محررة ، نراها محل بحث ونظر، ولا تتسق مع مناهج المحدثين الأوائل، الذين نقلوا لنا هذه الروايات في كتبهم، واستأنسوا بها، وساقوها في حديثهم مساق الإحاطة والعناية.
وهكذا فالعلم باب واسع، لا يجوز لأحد حصره فيما يراه – برأيه – صحيحا، ويسوي بين الضعيف والمكذوب، فيتعامل معها بوزان واحد، ولا يفرق بين درجات الثبوت ودركات عدم الثبوت. وهو المزلق الذي وقع فيه كتاب العوشن.
أما ما يجده القارئ في هذا الكتاب وغيره من مقاصد موضوعية، تبحث في صحة "النسبة"، أي تركز بحثها في تحرير صدور ذلك القول أو الفعل المعين عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولا تمانع الأصل الوجودي لهذه المرويات في كتب السيرة، بل تفرق بين الضعيف والموضوع، وتنتهج نهج العلماء الأوائل في "كتابة" الضعيف في السير والمغازي، فهذه مقاصد حسنة، عمل بها الأولون، ولا نراها بعيدة عن قواعد علوم الحديث ومناهج المحدثين.
خاصة حين تركز البحث في المكذوب من روايات السيرة، أو المنكرات التي تتناقض مع حقائق التاريخ وصحيح الأحاديث، وصريح القرآن الكريم، فمثل هذه المرويات حَرِيَّة أن تنتقد، وتتخصص فيها الدراسات والبحوث.
يقول الدكتور أكرم ضياء العمري:
"ينبغي ملاحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الرواية التاريخية، فهم يتساهلون في رواية الأخبار التاريخية، كما نلاحظ عند ثقات المؤرخين، مثل محمد بن إسحاق، وخليفة بن خياط، والطبري، حيث يُكثرون مِن الأخبار المرسلة والمنقطعة. كما أن الطبري يكثر النقل عن رواة في غاية الضعف مثل هشام بن الكلبي، وسيف بن عمر التميمي، ونصر بن مزاحم، وغيرهم.
ولا شك أن عدم تمحيص المؤرخين للأخبار كما فعلوا في الحديث، واكتفاءهم بإلقاء العهدة على الرواة المذكورين في أسانيد الروايات ألقى عبئاً كبيراً على "المؤرخ المعاصر المسلم" لأنه يحتاج إلى بذل جهد ضخم للوصول إلى الروايات الصحيحة بعد فهم وتطبيق منهج المحدثين، وهو أمر لم يعد سهلاً ميسورا
كما كان بالنسبة لخليفة بن خياط، أو الطبري، بسبب تضلعهم في مناهج المحدثين، وطريق سبرهم للروايات وتمييزها، وعلى أية حال فنحن لا نبخس قدامى المؤرخين حقهم وفضلهم، فقد جمعوا لنا المادة الأولية بالأسانيد التي تمكننا من الحكم عليها ولو بعد جهد وعناء.
والآن ماذا بعد سبر الروايات وتمييز صحيحها من سقيمها؟
المطلوب اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها، ثم الحسنة، ثم ما يعتضد من الضعيف لبناء الصورة التاريخية لأحداث المجتمع الإسلامي في عصر صدر الإسلام ....
وعند التعارض يقدم الأقوى دائماً ...
أما الروايات الضعيفة التي لا تقوى أو تعتضد فيمكن الإفادة منها في إكمال الفراغ الذي لا تسده الروايات الصحيحة والحسنة، على ألا تتعلق بجانب عقدي أو شرعي، لأن القاعدة "التشدد فيما يتعلق بالعقيدة أو الشريعة" .
ولا يخفى أن عصر السيرة النبوية والخلافة الراشدة ملئ بالسوابق الفقهية، والخلفاء الراشدون كانوا يجتهدون في تسيير دفة الحياة وفق تعاليم الإسلام، فهم موضع اقتداء ومتابعة فيما استنبطوا من أحكام ونظم لأقضية استجدت بعد توسع الدولة الإسلامية على أثر الفتوح.
أما الروايات التاريخية المتعلقة بالعمران، كتخطيط المدن، وريازة الأبنية، وشق الترع ... أو المتعلقة بوصف ميادين القتال ، وأخبار المجاهدين الدالة على شجاعتهم وتضحيتهم : فلا بأس من التساهل فيها.
وقد تعقب ابن حجر العسقلاني إنكار بعض النقاد لخبر غريب فقال: "في طرق هذه القصة القوي والضعيف، ولا سبيل إلى رد الجميع، فإنه ينادي على من أطلقه بقلة الاطلاع، والإقدام على رد مالا يعلمه، لكن الأولى أن ينظر إلى ما اختلفت فيه بالزيادة والنقص، فيؤخذ بما اجتمعت عليه ، ويؤخذ من المختلف ما قوي، ويطرح ما ضعف وما اضطرب، فإن الاضطراب إذا بَعُد به الجمع بين المختلف، ولم يترجح شيء منه : التحق بالضعيف المردود" [العُجاب]
لا شك أن اشتراط الصحة الحديثية في كل رواية تاريخية نريد قبولها : فيه تعسف، لأن ما تنطبق عليه هذه الشروط لا يكفي لتغطية العصور المختلفة للتاريخ الإسلامي، مما يولد فجوات في تاريخنا، وإذا قارنا ذلك بتواريخ العالم ، فإنها كثيراً ما تعتمد على روايات مفردة أو مؤرخين مجهولين، بالإضافة إلى ذلك فهي مليئة بالفجوات ..
لذلك يكفي في الفترات اللاحقة : التوثق من عدالة المؤرخ ، وضبطه لقبول ما يسجله، مع استخدام قواعد النقد الحديثي في الترجيح عند التعارض بين المؤرخين"
انتهى باختصار من " السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية" (1/ 39-45)
والله أعلم.
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 15:48
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
العلاقة بين الحديث النبوي والواقع العلمي
السؤال:
على الرغم من عدم علمي بحديث يناقض الواقع ، ولكن هل يمكن أن ينسخ الواقع الحديث ، على سبيل المثال: لو وجد هناك حديث يخالف حقيقة علمية ، فهل يجوز لنا رد هذا الحديث والحكم بعدم صحته ؟
فحسب علمي فإنه في حال عدم التمكن من الجمع بين حديثين ظاهرهما التعارض، وكان درجة صحة أحدهما أقوى، فإنه يمكن أن ينسخ الحديث الأقل منه صحة. وهل يُحكَم على من يرد الحديث لمخالفته الواقع أو حقيقة علمية بالكفر، ولم يتمكن من الجمع بين الحديث والعلم ؟
أرجو منكم شرح المسألة بالتفصيل ، وما قول أهل العلم في هذه المسألة؟
الجواب :
الحمد لله
الحقيقة العلمية من خلق الله عز وجل ، والكتاب والسنة مصدرهما الله سبحانه ، وما يصدر عن الله سبحانه – سواء وحيا أم خلقا وإيجادا – لا يمكن أن يتناقض ؛ لأنك تتحدث عن الله سبحانه الذي هو صاحب الكمال المطلق
والعلم الشامل لجميع الكليات والجزئيات ، فهو منزه سبحانه وتعالى عن التناقض في خلقه ووحيه ، فهما من مشكاة واحدة ، قال تعالى: ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 .
فإذا انطلقت من هذه الفكرة أدركت أن كل ما نظنه تعارضا – في الظاهر – بين الحقيقة العلمية والحديث النبوي فهو ظن خاطئ ، لا بد على الباحث أن يسعى في دراسته والتأمل فيه من المنظور الكلي السابق، منظور "اتحاد" العقل (ومنه التجربة والعلم) والشرع، ليكتشف أن ثمة مغالطة أدت إلى ظن هذا التعارض
وإلا فحقيقة الأمر هي التوافق والاتحاد، كما يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله – عن العقل والشرع-: "هما متعاضدان ؛ بل متحدان" .
انتهى من "تفصيل النشأتين" (ص74).
وهذا يعني احتمال البحث لأوجه عديدة في فض هذه المعارضة الظاهرية، نذكر بعضها ، أو أهمها:
الوجه الأول:
تحقيق أن الحديث المعين، المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : لا يثبت إسناده أصلا، وأن صحته المظنونة بنيت على أساس خاطئ ، يتبين ضعفه مع إعادة الدراسة ، وتحقيقها ، لفك التعارض.
فتكون الحقيقة العلمية في هذه الحالة وسيلة مساعدة لاكتشاف العلة الإسنادية، ولولا الوقوف على هذه الوسيلة ، لكان الناقد قد أخذ بالصحة الظاهرية ، دون التعمق في العلل الخفية.
يقول ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله:
"يقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة" .
انتهى من "الجرح والتعديل" (1/351) .
وكما قال ابن الجوزي أيضا:
"ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات، فأخبروا أن الجمل دخل في سم الخياط، لما نفعتنا ثقتهم، ولا أثرت في خبرهم؛ لأنهم أخبروا بمستحيل، فكل حديث يخالف المعقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع ، فلا تتكلف في اعتباره"
انتهى من "الموضوعات" (1/106) .
ونحوه قول الإمام العراقي رحمه الله :
"ومما يستدل به على وضع الحديث : مخالفةُ الواقع" .
انتهى. نقله ابن حجر في "القول المسدد" (ص9) .
ومن أمثلته حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا ، فَعَطَسَ عِنْدَهُ ، فَهُوَ حَقٌّ) رواه أبويعلى في "المسند" (11/234) بإسناد حسنه بعض العلماء
كالنووي في "الأذكار" (ص275)
والسيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (ص183)
ولكن قال بعض المحدثين المتأخرين: "هذا حديث باطل ؛ ولو كان إسناده كالشمس"
انتهى. نقله الزركشي في "اللآلئ المنثورة" (ص211) .
وقال ابن القيم:
"هذا – وإن صحح بعض الناس سنده – فالحس يشهد بوضعه؛ لأنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله، ولو عطس مائة ألف رجل عند حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم بصحته بالعطاس، ولو عكسوا عند شهادة زور لم تصدق" انتهى.
فتأمل استدلال ابن القيم رحمه الله بمخالفة الحديث للحس والواقع؛ على بطلان الحديث .
على أن إسناد هذا الحديث ليس صحيحا ولا حسنا
بل هو ضعيف جدا ، ولذلك قال أبو حاتم الرازي: "
هذا حديث كذب" ، كما في "العلل" (6/311).
وللوقوف على تفصيل علة الحديث يرجى مراجعة "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني،
وتعليق العلامة المعلمي عليه (ص224)
وأيضا : "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني (136).
ولكن هذا المنهج النقدي – كما ترى – منضبط بعلوم الحديث وقواعد التعليل، ومنضبط أيضا بمخالفة الحديث للواقع مخالفة صريحة واضحة، وليس كما ينحو بعض الطاعنين في السنة ، إلى رد كل حديث لا يخالف الواقع والعلم، وإنما يخالف أهواءهم ورغباتهم التي لا ضابط لها، ولا حاكم عليها، ودون الرجوع إلى قواعد تعليل الأحاديث التي يرجع إليها المحدثون.
وينبغي أن نشير هنا إلى مسألة ، هي من الأهمية بمكان في هذا الصدد ، سبق إلى تقريرها الإمام الشافعي رحمه الله ؛ وهي أن هذا النوع من الحديث ، الذي تكتشف ضعف نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بهذه الوسيلة ، ونحوها ، لا يكاد يتفق إلا في القليل النادر من حديث النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
"ولا يُستدل على أكثرِ صدق الحديث وكذبه إلا بصدق اُلمخبِر وكذبه، إلا في الخاصِّ القليل من الحديث، وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحَدِّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أَثبتُ وأكثرُ دلالاتٍ بالصدق منه
" انتهى من "الرسالة" (ص399).
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 15:48
الوجه الثاني:
قد يتبين للباحث أن ما يظنه حقيقة علمية في واقع الأمر ليس كذلك، بل للعلم والتجربة فيه كلمة أخرى باقية توافق الحديث النبوي، فلا يبقى وجه لدعوى التناقض.
ومن أمثلة هذا الوجه رد بعض الناس حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الذباب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً) البخاري (3320) .
قال الخطابي:
"تكلم على هذا الحديث بعض من لا خَلاق له ، وقال: كيف يكون هذا ؟ وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة ؟ وكيف تعلم ذلك من نفسها ، حتى تقدم جناح الداء ، وتؤخر جناح الشفاء، وما أَرَبُها إلى ذلك"
انتهى من "معالم السنن" (4/259) .
وهذا الاعتراض سببه الأول التسرع في النفي، وقد كان بالإمكان الجواب على هذا الطعن كما قال المعلمي:
"بأي إيمان ينفي أبو رية وأضرابه ، أن يكون الله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر لم يصل إليه علم الطبيعة بعد "
انتهى من "الأنوار الكاشفة" (ص221) .
وقد أكدت بعض الأبحاث المعاصرة أن حديث الذباب يشتمل على واقع علمي، وأن الذباب يشتمل فعلا على الداء المتمثل بالبكتيريا الضارة، وعلى الدواء المتمثل بالمضادات لتلك البكتيريا. ومن أقوى الأبحاث العلمية التجريبية التي أقيمت في هذا الموضوع : بحث الأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم حسن، أستاذ الحشرات الطبية ، ومدير مركز أبحاث ودراسات الحشرات الناقلة للأمراض، بعنوان "الداء والدواء في جناحي الذباب"
ولذلك لا يجوز أن يستعجل الباحث في ادعاء امتلاك الحقيقة العلمية، سواء في ضرر غمس الذباب في الماء ، أو في غيرها من المسائل – قبل أن يتحقق من الأمر بالتجارب العلمية المنضبطة.
وليعلم أن التسرع "بالنفي" آفة خطيرة ، غالبا ما تؤدي إلى الوقوع في المغالطات والنتائج الخاطئة. وحديث "الذباب" هذا أكبر عظة في هذا السياق.
ونحوه أيضا حديث "انشقاق القمر"، فعلماء الحديث لم يروا في التصديق بحادثة انشقاق القمر أي غضاضة أو تردد، وأثبتوا كثيرا من المرويات الواردة في تقرير هذه الحادثة .
من أهمها ما يروى في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اشْهَدُوا) " البخاري (3636) ، ومسلم (2800).
وما يستعجل به بعض الباحثين من استعجال رد الحديث بدعوى مخالفته واقع العلوم الفلكية ، هو من مغالطة النفي السابقة ، فعلوم الفضاء لا تنفي أبدا تعرض القمر للانشقاق، وعدم إثباتها وجوده لا يعني النفي، فلا بد من إحالة الأمر إلى البحث العلمي الخاص ، قبل التعرض للحديث بالتأويل، فضلا عن الرد.
الوجه الثالث:
في العديد من الأحوال يتبين أن التعارض الظاهري سببه الفهم الخاطئ للحديث النبوي الشريف، وأن التفسير الصحيح، والتأويل الدقيق، هو السبيل الكفيل بفك ذلك التعارض الظاهري.
كمثل الفهم الخاطئ لحديث (لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) رواه البخاري (5707)، ومسلم (2220) .
حيث ظن بعض الطاعنين أن الحديث ينفي العدوى ، بمعنى السبب الطبيعي الذي ينتقل المرض خلاله من المريض إلى السليم، فراحوا ينكرون الخبر ويردونه .
في حين أن هذا فهم خاطئ للحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى السليم أن يختلط بالمريض، وأوصى بالحجر الصحي على المصاب بالطاعون، وكله ثابت في أحاديث صحيحة مشهورة، بل في سياق الحديث نفسه ـ (لا عدوى) ـ يقول : (فر من المجذوم)، فلا يمكن أن يقع التناقض في حديث واحد.
فالعدوى المنفية إذن هي تلك التي تعشعش في أذهان الجاهليين، والتي ترتبط بدواب وكائنات خرافية، تسكن المريض ثم تغادره وتسكن جسد السليم فيسقم.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله:
" الصفر: دواب البطن. قال أبو عبيدة: سمعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج عن الصفر فقال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب.
قال أبو عبيد: فأبطل النبي عليه السلام أنها تعدي. ويقال: إنها تشتد علي الإنسان إذا جاع وتؤذيه"
انتهى من "غريب الحديث" (1/ 25) .
فإذا ثبتت الحقيقة العلمية ، وكان إسناد الحديث صحيحا : فلا بد من حمل الحديث على معنى لا يخالف الحقيقة العلمية ، ولو بنوع من التأويل ، بشرط أن تكون اللغة تسمح بذلك الوجه من التأويل .
هذه أوجه مختصرة، يمكن الاستعانة بها في حل التعارض الظاهري بين العلم أو الواقع من جهة، والحديث الشريف من جهة أخرى، يظهر من خلالها أن الأمر لا يخضع لقاعدة واحدة مطلقة، بل لا بد من التفصيل والبيان، والموازنة بميزان العلم والعدل.
ومن سلك هذا السبيل فقد أصاب وأنصف، ولا يجوز أن يتعرض له بالتكفير أو التبديع.
أما من ينكر الحديث من غير سلوك مناهج العدل والإنصاف
وللتوسع يمكن الرجوع إلى أطروحة دكتوراة بعنوان: "أثر العلم التجريبي في الكشف عن نقد الحديث النبوي"، للدكتور جميل أبو سارة ، وفقه الله ، من مطبوعات مركز نماء. فعنها استفدنا أكثر أفكار ما سبق من الجواب.
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 15:53
حديث وقوع الذباب في الإناء فيه إعجاز طبي
السؤال:
سمعت شخصاً يستهزئ بحديث الذبابة ، وقال بأنه لو غمست جناح ذبابة - كما جاء في الحديث -
وكانت هذه الذبابة تحمل مرض الملاريا ، لأدى ذلك إلى إصابة الشخص بمرض خطير
. فكيف يمكننا الرد عليه ؟
الجواب :
الحمد لله
يمكننا الرد على صاحب هذه الدعوى بأن الذي يبدو عليه أنه لم يتابع الجديد ، فدعواه هذه قديمة أكل الدهر عليها وشرب ، وأما اليوم فقد انقلبت إلى الضد تماما ، فقد أصبح هذا الحديث واحدا من أشهر أمثلة الإعجاز الطبي في الحديث النبوي الشريف .
فقد أثبت العلم الحديث بالأبحاث التجريبية المختبرية المحكمة والمعتمدة
أن الذباب يشتمل فعلا على الداء المتمثل بالبكتيريا الضارة ، وعلى الدواء المتمثل بالمضادات لتلك البكتيريا . مصداقا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ ؛ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً ) رواه البخاري (3320)
ومن أقوى الأبحاث التي أقيمت في هذا الموضوع بحث الأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم حسن ، أستاذ الحشرات الطبية ، ومدير مركز أبحاث ودراسات الحشرات الناقلة للأمراض ، وكان بحثه بعنوان : " الداء والدواء في جناحي الذباب "، يمكن الاطلاع عليه على الرابط الآتي :
https://www.eajaz.org/pdf/12.pdf
وقد جاء في نتائجه (ص9-11) قوله :
ﻴﺘﻀﺢ ﻤﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺌﺞ ﺍﻟﺴﺎﺒﻘﺔ ﻭﺠﻭﺩ كثافة ﻋﺩﺩﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻤﻥ أﻨﻭﺍﻉ ﻋﺩﻴﺩﺓ ﻤﻥ ﺍﻟﺒكتيريا ﻋﻠـﻲﺠﻨﺎﺤﻲ ﺍﻟﺜﻼﺜﺔ أﻨﻭﺍﻉ ﻤﻥ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ، ﺒﻴﻨﻤﺎ ﻗﻠﺕ أﻋﺩﺍﺩ البكتيريا ﻭأﻨﻭﺍﻋﻬﺎ ﻋﻠى ﺠﻨﺎﺤﻲﺍﻟﺒﻌﻭﻀـﺔ .
كما اتضح أﻥ أكثر أﻨﻭﺍﻉ البكتيريا ﺸﺭﺍﺴﺔ ﻫﻭ ﻨﻭﻉ (B. circulans) ﺍﻟﺫﻱ ﻴﻔﺭﺯ ﻤﺎﺩﺓ ﻤﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﺤﻴﻭﻴﺔ لكثير ﻤﻥ أﻨﻭﺍﻉ البكتيريا الأخرى، ﺴﻭاء ﺴﺎﻟﺒﺔ ﺃﻭ ﻤﻭﺠﺒﺔ ﺍﻟﺠﺭﺍﻡ .
ﻭﻟﻘﺩﻟـﻭﺤﻅ ﺘﻭﺍﺠـﺩ ﻫﺫﻩ البكتيريا بكثافة ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠى ﺍﻟﺠـﻨﺎﺡ ﺍﻷﻴﻤﻥ ﻟﻠﺫﺒﺎﺏ . كما ﻟﻭﺤﻅﻭﺠﻭﺩ أنواع ﻤﻥ ﺍﻟﻔﻁﺭﻴـﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻔﺭﺯ ﺃﻴﻀﺎ ﻤﻭﺍﺩ ﻤﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﺤـﻴﻭﻴﺔ لكثير ﻤﻥ أنواع البكتيريا .
كما ﺍﺘﻀـﺢ ﻗﺩﺭﺓ البكتيريا (B. circulans) ﻋلى ﻗﺘل ﺍلأﻨﻭﺍﻉ الأخرى ﻤﻥ البكتيريا ﻓﻲ ﺯﻤﻥ ﻗﺼﻴﺭ ﺠﺩﺍ . ﻭﻫﻲ البكتيريا ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻨﻘل ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ الأمراض للإنسان ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﻡ ذكرها .
ﺇﺫﺍﺭﺠﻌﻨﺎ إلى ﻨﺹ ﺤﺩﻴﺙ ﺭﺴﻭل ﺍﷲ ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ ﻋﻥ أﺒﻲ ﻫﺭﻴـﺭﺓ : ( إﺫﺍ ﻭﻗـﻊ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ﻓﻲ إناء أحدكم فليغمسه ، ﺜﻡ ﻟﻴﻁﺭﺤﻪ ، ﻓﺈﻥ ﻓﻲ أﺤﺩ ﺠﻨﺎﺤﻴﻪ داء ، وفي الآخر شفاء )
ﻨﺠﺩ أﻥ ﺤﺭﻑ الفاء ﻓﻲ ( ﻓﻠﻴﻐﻤﺴﻪ ) ﻴﻔﻴﺩ ﺍﻟﺴﺭﻋﺔ ، ﺒﻴﻨﻤﺎ ( ﺜﻡ ) ﺘﻔﻴﺩ ﺍﻟﺘﺭﺍﺨـﻲ والبطء . ﻟﺫﻟﻙ ﻓﺄﻤﺭ ﺍﻟﺭﺴﻭل ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ ﺒﻐﻤﺱ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ﺒﺴﺭﻋﺔ ﻷﻨﻪ ﻴﺘﻌﻠﻕ ﻋﻠﻰ ﺴﻁﺢ ﺍﻟـﺴﺎﺌل ﻟﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﺘﻭﺘﺭ ﺍﻟﺴﻁﺤﻲ ، وكلمة ( ثم ) ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻐﻤﺱ ﺘﻌﻁﻲ ﻓﺭﺼـﺔ للأنواع ﺍﻟﻤﻔﻴـﺩﺓ ﻤـﻥ البكتيريا ﻭﺍﻟﻔﻁﺭﻴﺎﺕ لكي ﺘﻔﺭﺯ ﺍﻟﻤﻭﺍﺩ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﺤﻴﻭﻴﺔ والدواء أو ( الشفاء ) لكي تقضي ﻋﻠـى البكتيريا ﺍﻟﻀﺎﺭﺓ ( الداء ).
ﻭﻟﻘﺩﺜﺒﺕ ﺃﻨﻪ ﺤﺘﻰ ﻟﻭ أكل الإنسان ﺃﻭ ﺸﺭﺏ ﻤﻥ الإناء ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﺘﻅل ﻨﺸطة ﻓﻲ أمعاء الإنسان ؛ لأن ﻫﺫﻩ البكتيريا ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ معايشة في أمعاء العائل . كما أنها ﺘﺘﺤﻤـل ﺩﺭﺠﺎﺕ ﺍﻟﺤﺭﺍﺭﺓ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ، ﺘﺄﺜﻴﺭ الإشعاع ، ﺘﺄﺜﻴﺭ ﺍﻟﻤﻭﺍﺩ الكيميائية ﻭﺍﻟﺒﺭﻭﺩﺓ ، ﺃﻱ أﻥ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ﺤﺘـﻰ ﻟﻭ ﺴﻘﻁ ﻓﻲ إناء به ﻁﻌﺎﻡ ﺃﻭ ﺸﺭﺍﺏ ﺴﺎﺨﻥ ﺃﻭ ﺒﺎﺭﺩ ، ﻓﺈﻥ البكتيريا ﺍﻟﻤﻔﻴﺩﺓ (الدواء) ﺘﻅـل ﻨـﺸﻁﺔ ، ﻭﺘﻔﺭﺯ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺎﺘﻠﺔ لأنواع الميكروبات الأخرى بأقل تركيز ، ﻭﻫﻭ 5 µg/ml . ﺃﻱ ﺃﻥ 5 ﺠﻡ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ كافية ﻟﺘﻌﻘﻴﻡ ١٠٠٠ ﻟﺘﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﻠﺒﻥ ﺃﻭ ﺃﻱﺴﺎﺌل ﺃﻭ ﻁﻌﺎﻡ .
ﻭﻟﻌل ﻋﻅﻤﺔ ﺍﻟﺭﺴﻭل ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ ﻓﻲ ﺍﻷﻤﺭ ﺒﻐﻤﺱ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ﺘﺘﻀﺢ ﻓـﻲ ميكانيكية إفراز ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ( الدواء ) ، ﺤﻴﺙ إﻥ ﺇﻓﺭﺍﺯ ﺃﻨﻭﺍﻉ البكتيريا ﺍﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ﻭﺍﻟﻔﻁﺭﻴﺎﺕ ﻟﻬﺫﻩﺍﻟﻤﻭﺍﺩ ﻻ ﻴﺘﻡ ﺇﻻ ﻓﻲ ﻭﺠﻭﺩ ﻭﺴﻁ ، ﻭﻫﻭ ﻫﻨﺎ ﺍﻟﻁﻌﺎﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﺭﺍﺏ ﺍﻟﻤﻭﺠﻭﺩ ﺩﺍﺨل الإناء ، ﺤﻴﺙ ﻴﺴﻤﺢ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻭﺴﻁ لأن يتقابل كل من الداء والدواء ﻭﺠﻬﺎ ﻟﻭﺠﻪ ، ﺒﺩﻭﻥ ﻋﻭﺍﺌﻕ ، ﻭﻴﺘﻡ ﺍﻻﻟﺘﺤﺎﻡ ﻭﻋﻨـﺩ ﺫﻟـﻙ ﺘﻘـﻭﻡ الكائنات المفيدة بالقضاء على الكائنات الضارة .
ﻭﻟﻘﺩﻭﺠﺩ أﻥ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﺤﻴﻭﻴﺔ ، ﻭﺍﻟﺘـﻲ ﺘﻘﺘل البكتيريا ﺴﺎﻟﺒﺔ ﺃﻭ ﻤﻭﺠﺒﺔ ﺍﻟﺠﺭﺍﻡ ، ﻻﺘﺘﺤﺭﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﺨﻼﻴﺎ ﺍﻟﻔﻁﺭﻴﺔ ﺇﻻ إﺫﺍ ﺍﻤﺘﺼﺕ ﺍﻟﺴﺎﺌل ، ﻭﻋﻨـﺩ ﺫﻟﻙ ﻓﺈﻨﻪ ﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺨﺎﺼﻴﺔ ﺍﻟﻀﻐﻁﺍلإﺴﻤﻭﺯﻱ : تنفتح ، ﺜﻡ ﺘﺘﻔﺠﺭ ﻭﺘﻁﻠﻕ ﻤﺤﺘﻭﻴﺎﺘﻬـﺎ ﺍﻟﺘـﻲ ﺘﻌﺘﺒـﺭ كالقنابل ، وتقوم بالقضاء على البكتيريا الضارة .
ﻭﻟﻭﺤﻅﺃﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻘﻨﺎﺒل ﺘﻘﺫﻑ ﻟﻤـﺴﺎﻓﺔ ٢ ﻤـﻡ ﺩﺍﺨل ﺍﻟﺴﺎﺌل ، ﻭﻫﻲ ﻤﺴﺎﻓﺔ ﺘﻌﺘﺒﺭ ﻋﻅﻴﻤﺔ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔﻟﺤﺠﻡ الكائنات الدقيقة .
وفي أبحاث كثيرة ﺴﺎﺒﻘﺔ ﻗﺎﻡ ﺒﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺤﺙ الحالي ﻤﻊ ﺁﺨﺭين ، ﺘﻡ ﻋـﺯل ﻤﻌﻅـﻡ البكتيريا ﺍﻟﻤﻤﺭﻀﺔ ﻤﻥ ﻋﻠى ﺍﻟﺴﻁﺢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺠﻲ ﻟﻠﺫﺒﺎﺏ ، ﻭﺨﺎﺼﺔ ﻤﻥ ﻋﻠى ﺍﻷﺭﺠل ﻭﺍﻟﺒﻁﻥ ، مثل بكتيريا الجمرة ﺍﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ، ﺍﻟﺘﻴﻔﻭﺩ ، ﺍﻟﺒﺎﺭﺍﺘﻴﻔﻭﻴﺩ ، ﺍﻟﺩﻭﺴﻨﺘﺎﺭﻴﺎ ، أﻤﺭﺍﺽ ﺍﻟﻌﻴﻭﻥ ، ﺍﻟﺠﻬـﺎﺯﺍﻟﺘﻨﻔـﺴﻲ ، ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻬﻀﻤﻲ ، ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﻌﺼﺒﻲ ، ﺍﻟﺠﻬﺎﺯ ﺍﻟﺒﻭﻟﻲ ﺍﻟﺘﻨﺎﺴﻠﻲ ﻭﻏﻴﺭﻫﺎ كثير . ﻟﺫﻟﻙ ﻓﺈﻨـﻪ ﻋﻨـﺩ ﻏﻤﺱ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ﻓﻲ الإناء ﻓﺈﻥ البكتيريا ﺍﻟﻤﻔﻴﺩﺓ ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﻡ ﺍﺴﺘﺨﻼﺹﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻤﻨﻬﺎ ، بالإضافة إلى ﺍﻟﻤﻭﺍﺩ ﻀﺩ ﺍﻟﺤﻴﻭﻴﺔ ﺍﻟﻤﻔﺭﺯﺓ ﻤﻥ ﺍﻟﻔﻁﺭﻴﺎﺕ : ﺘﻘﻭﻡ بالقضاء على كل هذه الأنواع ﺍﻟـﻀﺎﺭﺓ .
ﻭﻟﻌﻠﻨﺎﻓﻬﻤﻨﺎ الحكمة ﻤﻥ ﻗﻭل ﺴﻴﺩ ﺍﻟﺨﻠﻕ ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ ( ﻓﻠﻴﻐﻤﺴﻪ ) ﻭﻓﻲ أﺤﺎﺩﻴﺙ ﺃﺨﺭﻯ : ( ﻓﺎﻤﻘﻠﻭﻩ ) ﺃﻱ : ﻓﺎﻏﻤﺴﻭﻩ .
ﻟﻘﺩﻟﻭﺤﻅ أﻥ أﻋﺩﺍﺩ البكتيريا ﺒﻌﺩ ﻏﻤﺱ ﺍﻟﺫﺒﺎﺒﺔ : ﺘﺘﻨﺎﻗﺹ كثيرا ﻋﻤﺎ كانت عليه ﻗﺒل ﺍﻟﻐﻤـﺱ ؛ ﻭذلك لأن البكتيريا ﺍﻟﻤﻔﻴﺩﺓ ﻭﺍﻟﻔﻁﺭﻴﺎﺕ : ﺘﻔﺭﺯ ﺍﻟﻤﻭﺍﺩ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩﺓ ﻟﻠﺤﻴﻭﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻘﺘل البكتيريا ﺍﻟﻀﺎﺭﺓ ﺒﻌﺩ ﺴﻘﻭﻁﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺌل .
ﻭﻫﺫﺍﺍﻟﺒﺤﺙ ﻴﻔﺴﺭ ﺍﻟﻨﺘﺎﺌﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻭﺼل إﻟﻴﻬﺎ ﺩ / ﻨﺒﻴﻪ ﻋﺒـﺩ ﺍﻟـﺭﺤﻤﻥ ﺒﺎﻋﺸﻥ والمشاركون معه في تناقص أعداد البكتيريا ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺌل ﺒﻌﺩ ﻏﻤﺱ ﺍﻟﺫﺒﺎﺒﺔ ، ﻭﻟﻴﺱ ﺯﻴﺎﺩﺘﻬﺎ كما ﻫﻭ ﻤﺘﻭﻗﻊ (ﺩ/ ﺨﻠﻴل ﺨﺎﻁﺭ – ﻤﺭﺠﻊ ﺴﺎﺒﻕ) .
ﻭﺃﻫﻡﻤﺎ ﻨﻭﺩ ﺍﻹﺸﺎﺭﺓ ﺇﻟﻴﻪ ، ﻫﻭ أﻥ ﺭﺴﻭﻟﻨﺎ الكريم ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ ﻟﻡ ﻴﺩﻉ ﺃﺤـﺩﺍﹰ ﺇﻟﻰ ﻭﻀﻊﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ﻓﻲ الإناء ﻋﻨﻭﺓ ، ﺃﻭ إلى الشرب أو الأكل من الإناء ﺍﻟﺫﻱ ﻭﻗﻊ ﻓﻴﻪ ﺍﻟـﺫﺒﺎﺏ ، ولكنه ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ ﻴﻠﻔﺕ ﻨﻅﺭﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻟﻜل داء دواء ، ﻭﻴﺩﻓﻌﻨﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﻓﻲ ﺁﺨﺭﻩ إلى ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻋﻥ الدواء أو الشفاء ﻓﻲ ﺠﻨﺎﺤﻲ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ، ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻷﻤﺭﺍﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻨﻘﻠﻬﺎ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏﻟﻺﻨﺴﺎﻥ .
ﺇﻥﺍﻟﺤـﺩﻴﺙ ﺍﻟﺸﺭﻴﻑ ﻴﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎل لاكتشاف ﻋﺸﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻀﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﻭﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺫﺒﺎب...ﺃﻱ ﺃﻨﻨﺎﻨﺴﺘﻁﻴﻊ ﺃﻥ ﻨﺤﺼل على ﻋﻼﺝ ﺃﻭ دواء لكل ﺍﻷﻤﺭﺍﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﻨﻘﻠﻬﺎ ﺍﻟﺫﺒﺎﺏ ﻓﻲ ﻤﻨﺎﻁﻕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ . ولعل هذا البحث هو الأول من نوعه في هذا المجال ، وربما يفتح الطريق لتحقيق مزيد من الانتصارات العلمية لعلماء المسلمين " انتهى .
ولذلك فإن من أهم ما يجب العناية به الحذر البالغ من مغالطة " النفي " ، نعني نفي دلالة العلم على ما ورد في الحديث ، وبناء عليه عدم التصديق بالحديث ، فهذه إحدى المزالق النقدية التي وقع فيها بعض الناس قديما وحديثا .
وقد قال ابن تيمية رحمه الله :
" أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب ، لا في الإثبات ؛ لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه "
انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (1/145) .
ومن المعلوم كذلك : أن عدم وجدان الدليل المعين ، لا يعني العدم ، بل " كما لا يجوز الإثبات إلا بدليل ، لا يجوز النفي إلا بدليل "
ينظر: " مجموع الفتاوى " (16/431).
قال الخطابي رحمه الله :
" تكلم على هذا الحديث بعض من لا خَلاق له ، وقال : كيف يكون هذا . وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة ، وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء ، وتؤخر جناح الشفاء ، وما أَرَبها إلى ذلك "
انتهى من " معالم السنن " (4/259).
وهذا الاعتراض سببه الأول التسرع في النفي ، وقد كان بالإمكان الجواب على هذا الطعن كما قال المعلمي رحمه الله : " بأي إيمان ينفي أبو رية وأضرابه أن يكون الله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر لم يصل إليه علم الطبيعة بعد ؟! "
انتهى من " الأنوار الكاشفة " (221).
وجاء في كتاب " مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها " (ص47) قوله :
" فمن أين علم هؤلاء أن ذلك الدواء الذي رواه الحديث ليس موجوداً في الذباب ؟! ومن أين علموا أن الذباب لا يحمل شفاء ؟!
إن جهلهم لذلك لا يدل على عدمه في نفسه ، وهم يعرفون أن عدم العلم بالأمر لا يدل على أنه مفقود في الواقع ... وما ذكر ليس مما يدفعه العقل أو الطب ، لا يدفع العقل ولا الطب أن تجتمع المتضادات في الأمر الواحد والجسم الواحد .
وأما قول هؤلاء على الحديث : إنه من أمور الدنيا التي يجوز أن يخطئ فيها الرسول عليه السلام .
فيقال : هل مثل هذا يقال رأياً بدون وحي ؟!
ولو قاله بعض الصحابة أو التابعين لقلنا إنه تلقاه ، وإن حكمه حكم المرفوع ، ولا يمكن أن يكون قاله اجتهاداً ، إذ لا يمكن أن يقول ذلك تهجماً من غير رواية ، وكل العلماء يقولون ذلك في أمثاله ، ويا ليت شعري كيف قال ذلك وهو يجهله ؟
! وكيف عرض أمته لخطر الذباب وما فيه من أمراض ؟! " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:03
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى"
السؤال:
ما النص الأصلي لحديث "لا عدوى في الدين" و ما هو المقصود به ؟.
الجواب :
الحمد لله
الحديث مروي بألفاظ ،
منها : ما رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ".
ورواه البخاري (5316) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا عدوى ) . لا نافية للجنس ، ونفي الجنس أعم من نفي الواحد والاثنين والثلاثة ؛ لأنه نفي للجنس كله ، فنفي الرسول صلى الله عليه وسلم العدوى كلها .
والعدوى : انتقال المرض من المريض إلى الصحيح ، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون أيضا في الأمراض المعنوية الخلقية ، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جليس السوء كنافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه رائحة كريهة.
فقوله : ( لا عدوى ) يشمل الحسية والمعنوية ، وإن كانت في الحسية أظهر .
قوله : ( ولا طيرة ) الطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم .
قوله : ( ولا هامة ) . الهامة ؛ بتخفيف الميم فسرت بتفسيرين :
الأول : أنها طير معروف يشبه البومة ، أو هي البومة ، تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل ؛ صارت عظامُةُ هامة تطير وتصرخ حتى يؤخذ بثأره ، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه .
التفسير الثاني : أن بعض العرب يقولون : الهامة هي الطير المعروف ، لكنهم يتشاءمون بها ، فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت ؛ قالوا : إنها تنعق به ليموت ، ويعتقدون أن هذا دليل قرب أجله ، وهذا كله بلا شك عقيدة باطلة .
قوله : ( ولا صفر ) . قيل : إنه شهر صفر ، كانت العرب يتشاءمون به ولاسيما في النكاح .
وقيل : إنه داء في البطن يصيب الإبل وينتقل من بعير إلى آخر ، وعلى هذا ؛ فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام .
... والأقرب أن صفر يعني الشهر ، وأن المراد نفي كونه مشؤوما ؛ أي: لا شؤم فيه ، وهو كغيره من الأزمان يقدر فيه الخير ويقدر فيه الشر .
وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفيا للوجود ؛ لأنها موجودة ، ولكنه نفي للتأثير ؛ فالمؤثر هو الله ، فما كان منها سببا معلوما ؛ فهو سبب صحيح ، وما كان منها سببا موهوما ؛ فهو سبب باطل ، ويكون نفيا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحا ، ولكونه سببا إن كان باطلا .
فقوله : ( لا عدوى ) : العدوى موجودة ، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يورد ممرض على مصح " أي : لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة ؛ لئلا تنتقل العدوى .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " فر من المجذوم فرارك من الأسد " والجذام مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه ؛ حتى قيل : إنه الطاعون ؛ فالأمر بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك ، وفيه إثبات لتأثير العدوى ، لكن تأثيرها ليس أمرا حتميا ، بحيث تكون علة فاعلة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار
وأن لا يورد ممرض على مصح من باب تجنب الأسباب لا من باب تأثير الأسباب نفسها ؛ فالأسباب لا تؤثر بنفسها ، لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء ؛ لقوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) البقرة/195 ، ولا يمكن أن يقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر تأثير العدوى ؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى .
فإن قيل : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال : " لا عدوى . قال رجل : يا رسول الله ! الإبل تكون صحيحة مثل الظباء ، فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فمن أعدى الأول ؟ " يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى ، بل نزل من عند الله عز وجل ؛ فكذلك إذا انتقل بالعدوى ؛ فقد انتقل بأمر الله ، والشيء قد يكون له سبب معلوم وقد لا يكون له سبب معلوم
فَجَرَبُ الأول ليس سببه معلوما ؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى ، وجرب الذي بعده له سبب معلوم ، لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب ، ولهذا أحيانا تصاب الإبل بالجرب ، ثم يرتفع ولا تموت ، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية ، وقد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ويسلم آخرون ولا يصابون .
فعلى الإنسان أن يعتمد على الله ، ويتوكل عليه ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل مجذوم ، فأخذ بيده وقال له : " كل " يعني من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوة توكله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي .
وهذا الجمع الذي أشرنا إليه هو أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث ) انتهى من شرح كتاب التوحيد 2/80
وعلى هذا فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (لا عدوى ) أي أن المرض لا ينتقل من المريض إلى الصحيح بنفسه ، وإنما ينتقل بتقدير الله تعالى ، فمخالطة المريض للصحيح سبب من أسباب انتقال المرض ، ولكن ليس معنى ذلك أنه واقع لا محالة ، بل لا يقع إلا إذا شاء الله ، ولهذا نجد كثيرا ما يخلف المرضى الأصحاء ولا ينتقل إليهم المرض .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:11
حكم من يرد الحديث الصحيح
السؤال:
هل يكفر من يرد الحديث الصحيح ؟
أحد الإخوة يرد بعض الأحاديث الصحيحة الواردة فی الصحيح : البخاری ومسلم وغيرها... بحجة أنها تعارض القرآن ، فما حکم من يرد الحديث الصحيح ، هل يکفر ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع ، فقد كان الوحي ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ، ومصداق ذلك قول الله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3-4.
وقد أوجب الله تعالى على المؤمنين التسليم التام لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه وحكمه ، حتى لقد أقسم بنفسه سبحانه أن من سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رده ولم يقبل به : أنه ليس من الإيمان في شيء ، فقال عز وجل : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65.
ولذلك وقع الاتفاق بين أهل العلم على أنَّ مَن أنكر حجية السنة بشكل عام ، أو كذَّبَ حديث النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم – فهو كافر ، لم يحقق أدنى درجات الإسلام والاستسلام لله ورسوله .
قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله :
" من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرٌ يُقرُّ بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر" انتهى.
وقال السيوطي رحمه الله :
" اعلموا رحمكم الله أنَّ مَن أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم - قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول - حجة كفر ، وخرج عن دائرة الإسلام ، وحشر مع اليهود والنصارى أو من شاء من فرق الكفرة " انتهى.
"مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" (ص/14)
وقال العلامة ابن الوزير رحمه الله :
" التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديثه كفر صريح " انتهى.
"العواصم والقواصم" (2/274)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" :
" الذي ينكر العمل بالسنة يكون كافرا ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين " انتهى.
"المجموعة الثانية" (3/194)
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:11
ثانيا :
أما مَن رَدَّ الحديث ولم يقبله ، مُنكِرًا أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا ليس كالقسم الأول ، ونحن ندرك أن أكثر أصحاب التيار " التنويري " الجديد ، هم الذين تصدوا للحكم على السنة النبوية من خلال آرائهم
وتوجهاتهم ، وهؤلاء ـ في واقع الأمر ـ لم يأتوا بجديد ، وإنما هم امتداد لأهل البدع من قبلهم ، الذين حكى أهل العمل شبهاتهم ، وتولوا الردع عليها .
ولهؤلاء ، وأمثالهم نقول :
المنهجية العلمية تقتضي النظر في أمور مهمة قبل رد الحديث وإنكار أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الشروط هي :
الشرط الأول :
المناقضة التامة بين ما ورد في الحديث وما ورد في القرآن الكريم من نص واضح الدلالة غير منسوخ ، ونحن نؤكد هنا على قيد " المناقضة التامة "، وليس مجرد تعارض ظاهري يبدو في ذهن الناظر العجل ، ولعل أولئك الذين يخوضون في إنكار الأحاديث يوافقوننا على هذا التقييد
لأن غالب التعارض الظاهري الذي يعرض في أذهان كثير من الناس لا حقيقة له ، وإنما هو ظنٌّ قائمٌ في ذهن المعترض ، يمكن بالتأمل وتلمس أوجه اللغة والمعاني الجواب عليه ، وبيان موافقته لأصول الشريعة ومقاصدها ، ومن تأمل كتاب العلامة ابن قتيبة الدينوري ، المسمى " مختلف الحديث "، عرف قدر المجازفة التي جازفها كثيرون في إنكارهم
الأحاديث بدعوى عدم موافقتها للقرآن ، أو عدم تصديق العقل بما فيها ، ثم إذا ذكر ابن قتيبة تفسير العلماء الصحيح لهذه الأحاديث تبين أن لها أوجها صحيحة موافقة للشريعة ، وأن توهم المعارضة للقرآن إنما هو ظنون فاسدة .
إننا نسأل هؤلاء وأمثالهم ممن يتجرأ على رد السنة ، والطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير منهجية علمية ، أو أصول نقدية مقبولة ، ومن غير أن يحكموا أصول العلم الذي يتحدثون فيه :
هل ترون أن مِن الممكن أن يناقض الحديثُ القرآن الكريم مناقضة تامة بحيث يجزم الناقد بأن هذا الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ونرى مع ذلك جميع علماء الإسلام ، من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، متوافقين على قبول هذا الحديث وشرحه وتفسيره والاستدلال به والعمل بما جاء فيه ؟!
ألا يقضي العقل السليم – الذي يزعمون التحاكم إليه – باحترام اتفاق أهل التخصص على أمر هو في صلب تخصصهم ؟!
هل يجرؤ أحد على تخطئة علماء الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو علوم التربية أو الاقتصاد مثلا إذا اتفقوا
وتواردوا على أمر معين ، خاصة إذا لم يكن المعترض عليهم من أهل العلم بذلك التخصص ، وإنما غاية أمره أن يكون قد قرأ بعض المقالات حوله ، أو شيئا من كتب : تبسيط العلوم ، أو : العلم لكل الناس ؟!
الشرط الثاني :
وجود حلقة من حلقات الضعف الإسنادي ، التي تتحمل الخطأ الوارد في المتن :
ونظن – كذلك – أن هذا الشرط منهجي قويم ، لا ينبغي أن يخالف فيه من يفهم شيئا في أصول النقد العلمي ، وذلك أن إنكار المتن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني وجود حلقة ضعيفة في السند هي التي أوهمتنا أن هذا الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ـ فعليا ـ ليس كذلك .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله ، وهو من هو في منازل العلم والإيمان ، وهو أول من صنف في علم أصول الفقه :
" الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذلك ثبوته "
"اختلاف الحديث ـ ضمن الأم ـ (10/107) " .
ويقول :
" لا يُستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه ، إلا بصدق المُخْبِر ، إلا في الخاص القليل من الحديث " .
"الرسالة" : فقرة (1099) .
ويقول أيضا :
" المسلمون العدولُ : عدولٌ أصحاء الأمر فى أنفسهم ... ، وقولُهم عن خبر أنفسهم ، وتسميتُهم : على الصحة والسلامة ، حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك ، فنحترسَ منهم في الموضع الذي خالف فعلُهم فيه ما يجب عليهم " .
"الرسالة" : فـ (1029-1030) ، وانظر : الأم (8/518-519) .
وبعد أن يحكي الإمام الشافعي رحمه الله بعض الأصول العلمية في هذا الباب ، وهو أمر تعرض له كثيرا في كتبه المختلفة ، يذكر لنا أن ما قرره ، مما نلقلنا بعضه هنا ، ليس اجتهادا فرديا ، أو مذهبا شخصيا له ، وإنما هي أصول أجمع عليها أهل العلم من قبله . يقول :
" فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا ، لعدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة ، واختلاف الناس ، والقياس ، والمعقول ، فما خالف منهم واحدٌ واحدا ، وقالوا: هذا مذهبُ أهل العلم من أصحاب رسول الله ، والتابعين ، وتابعي التابعين ، ومذهبُنا ؛ فمن فارق هذا المذهب : كان عندنا مفارقَ سبيلِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهلِ العلم بعدَهم إلى اليوم ، وكان من أهل الجهالة
وقالوا معا : لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل ، وجاوزوا ، أو أكثرهم ، فيمن يخالف هذا السبيل ، إلى ما لا أبالي أن لا أحكيه " !!
" اختلاف الحديث" ـ الأم ـ ( 10/21)
وانظر نحوا من ذلك في : الرسالة : فـ (1236-1249) .
إن أول ما يجب على من رد حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يبحث ويفسر من هو الراوي الذي أخطأ في نقله هذا الحديث ، فإذا لم يجد المُنكِرُ سببا إسناديا مقبولا لإنكاره الحديث فذلك علامة على خطأ منهجيٍّ ، وهو علامة أيضا على ضرورة مراجعة فهم الحديث والقرآن والمقاصد الشرعية .
فكيف إذا كان الحديث واردا بأصح الأسانيد على وجه الأرض ، بل كيف لو كان الحديث قد ورد بطرق كثيرة جدا – كما هو حال أكثر الأحاديث التي يردها " التنويريون " - ، وعن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم ؟!
الشرط الثالث :
نسبة الأمر كله إلى الاجتهاد المحتمل ، ونبذ أساليب الجزم والحسم واتهام المخالف والطعن في عقول المسلمين ، وهذا فيما إذا كان هناك وجه لهذا الاحتمال ، وكان من يتكلم في هذا مؤهلا ـ بأدوات البحث اللازمة ـ لإدراك ذلك والبحث فيه . فقد يبدو لأحد العلماء ضعف حديث معين لعلة معينة ، ولكنه لا يستعمل لغة الاتهام لكل من قبل الحديث .
فمن خالف هذه الشروط الثلاثة ، وأصر على إنكار الحديث وتكذيبه ، فهذا على خطر عظيم ، إذ لا يجوز للمسلم أن يتأول متهجما من غير شروط ولا ضوابط ، وإلا أثم ووقع في الحرج .
يقول الإمام أحمد رحمه الله :
" من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " انتهى.
ويقول الحسن بن علي البربهاري :
" وإذا سمعت الرجل يطعن على الأثر ، أو يرد الآثار ، أو يريد غير الآثار : فاتّهمه على الإسلام ، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع .
وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن ، فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة ، فقمْ من عنده وودّعه " انتهى.
"شرح السنة" (113-119) باختصار.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه ، فإنه يجب الإيمان به ، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف ؛ لأنه الصادق المصدوق . فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به ، وإن لم يفهم معناه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (3/41)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:14
الحديث الشريف
السؤال
لماذا يعتبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم حجة ؟.
الجواب
الحمد لله
الحديث هو ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .
والحديث أما أن يكون مؤكداً لما في القرآن كالأمر بالصلاة و الزكاة ونحوهما أو يكون مفصلاً لما أجمل في القرآن كعدد ركعات الصلوات , وأنصبة الزكاة وصفة الحج ونحو ذلك أو يكون مبيناً لحكم سكت عنه القرآن كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج .
وقد أنزل الله القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمره ببيانه للناس بقوله : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) النحل/44 .
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من ربه قال تعالى : ( ما ضل صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) النجم/2-4 .
وقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده والكفر بما سواه مبشراً بالجنة ومنذراً بالنار : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) الإسراء/105 .
والرسول صلى الله عليه وسلم حريص على هذه الأمة ما علم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا وحذرها منه : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة/128 .
وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة إلى الناس كافة : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء/107 .
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه الوحي الذي أنزل عليه فقد وجبت طاعته , بل صارت طاعته طاعة لله : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء/80 .
وطاعة الله ورسوله هي سبيل النجاة وطريق الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة : ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) الأحزاب/71 .
ومن هنا وجبت طاعة الله ورسوله على جميع الناس لأن فيها فلاحهم ونجاتهم : ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ) آل عمران/132 .
ومن عصى الله ورسوله فإنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً : ( ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ) النساء/14 .
وإذا حكم الله ورسوله في أمر فليس لأحد أن يختار أو يعترض بل تجب الطاعة والإيمان بالحق : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) الأحزاب/36 .
ولا يتم إيمان العبد إلا بمحبة الله ورسوله والمحبة تستلزم الطاعة ومن أراد أن يحبه الله ويغفر له ذنوبه فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم , والله غفور رحيم ) آل عمران/31 .
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كلمات تردد بل هي عقيدة وسلوك تعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر أن لا يعبد الله إلا بما شرع .
ولما أكمل الله هذا الدين وبلغ الرسول رسالة ربه قبضه الله إلى جواره وترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) المائدة/3 .
وقد حفظ الصحابة رضي الله عنهم بفضل الله أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاء من بعدهم السلف الصالح فدونوها في كتب عرفت بالصحاح والسنن والمسانيد ومن أصحها صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربع ومسند الأمام أحمد وموطأ مالك وغيرها .
وقد أكمل الله هذا الدين وما علم الرسول صلى الله عليه وسلم من خير إلا دل الأمة عليه وما علم من شر إلا حذرها منه فمن أحدث في دين الله شيئاً من البدع , والخرافات كسؤال الموتى , والطواف على قبورهم ودعاء الجن والأولياء وغير ذلك مما لم يشرعه الله ورسوله فذلك كله مردود غير مقبول كما قال عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه مسلم/1718 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري.
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:21
السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
السؤال
أولا : أعتذر عن إثارة مثل هذا السؤال ، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي ، أقول : إنني أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا
. أسأل عن السنة ، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث واحد ، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم ، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم ؟
ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن العظيم ؟
هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ؟
هل هي من خصائص النبوة أم ماذا ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .
قال تعالى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ )
رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه ، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف :
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :
" كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى .
رواه الدامي في سننه (588)
والخطيب في الكفاية (12)
وعزاه الحافظ في الفتح (13/291)
إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا ، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام .
يقول الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44
يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين :
الأول : بيان المجمل في الكتاب العزيز ، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام .
الثاني : زيادة حكم على حكم الكتاب ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى .
ثانيا :
لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي ، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها ، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع .
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :
" قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن ، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله ، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:22
ثالثا :
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي ، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط ، وهو أن القرآن كلام الله تعالى ، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى ، بل من وحيه فقط ، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها ، بل بالمعنى والمضمون .
ومِن فَهْمِ هذا الفرق ، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون ، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا ، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها ، ومعناها ، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله ، وليس في ألفاظها وحروفها .
ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة ، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة ، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها ، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ ، والحق والباطل .
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها ، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة ، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا ، فيقال :
رابعا :
أسباب تعدد الروايات :
1- تعدد الحادثة :
يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :
" وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات ، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع ، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى .
2- الرواية بالمعنى :
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد ، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه ، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن .
مثاله : حديث ( إنما الأعمال بالنيات )
: فقد روي بلفظ ( العمل بالنية ) ولفظ ( إنما الأعمال بالنية ) وآخر ( الأعمال بالنية ) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى ، فإن مخرج الحديث واحد ، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد
فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث ، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية ، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات ، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، ليس هذا محلها .
3- اختصار الراوي للحديث :
أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله ، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال ، ويذكره كاملا في حال أخرى .
مثاله : روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر ، فكلها جاءت عن أبي هريرة ، وهي قصة واحدة ، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة . انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229)
4- الخطأ :
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون ، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض ، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/39) :
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط ، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه ، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب ، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة
ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة ، إذ كانوا آخر الأمم ، فلا نبي بعد نبيهم ، ولا كتاب بعد كتابهم ، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى .
والسنة ، على الوجه الذي ذكرناه أولا ، من كونها وحيا من عند الله تعالى : يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى ، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم ، ولو يأت تفصيله
أو أصله في كتاب الله تعالى ، نقول : السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة ؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة ، وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه ، بما تحمله الكتب ، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ ، أو تعدد لسياقات الحديث ، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها
أو القلق من حفظها ، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها ، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ :
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي ، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين ، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا ، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم ، وتتبعوا الاختلافات ، حتى الشاذة منها ، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"
ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم ، وشارحه : " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس : من علم الكلام ، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى ، من الخوارج والروافض ( خذلهم الله تعالى ) ، وأما حجية الكتاب والسنة : فمتفق عليها عند الأمة ، ممن يدعي التدين كافة ، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى .
انظر : حجية السنة ( 248-249) .
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:34
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة ؟!
السؤال
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة ؟ .
الجواب
الحمد لله
أولاً :
لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب ، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين ، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان ، والجهلة من المسلمين ، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية ، وأن حجتهم داحضة .
ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه : كم ركعة أصلي الظهر ؟
وكم هو نصاب الزكاة ؟ وهذا سؤالان يسيران ، ولا غنى بمسلم عنهما ، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى ، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة ، وأمره بالزكاة ، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية ؟ إن هذا من المحال ، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن ! كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله - : " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب " ،
كما في " البحر المحيط " للزركشي ( 6 / 11 )
ونقله ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) ع
ن التابعي مكحول .
ولا نظن بالأخ السائل إلا خيراً ، ونظن أنه سأل مستفهماً عن أوجه الرد على من يقول بمثل هذه الأقاويل زاعماً تعظيمه للقرآن الكريم .
ثانياً :
من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة ، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم : أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم ، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالانتهاء عما نهى عنه ، وبطاعته ، وقبول حكمه ، ومن ذلك :
قال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر:من الآية7 .
وقال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) النور/54 .
وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/من الآية64 .
وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء/65 .
فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات ؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها ؟ .
وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار
وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم ؟
وما عددها ؟
وما أوقاتها ؟
وما شوطها ؟
وما مبطلاتها ؟
وقل مثل ذلك في الزكاة ، والصيام ، والحج ، وباقي شعائر الدين وشرائعه
.
وكيف سيطبق قول الله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة/38 ؟
فكم هو نصاب السرقة ؟ ومن أين تُقطع اليد ؟
وهل هي اليمين أم الشمال ؟ وما هي الشروط في الشيء المسروق ؟
وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
وقال الشافعي في " الرسالة "
- في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم -
: قال تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه : كالحج ، والصلاة ، والزكاة : لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة : كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله .
" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .
وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن ، ومن أعظم المنسلخين عن الدين ؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام ، وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر ، أو أنه يفعلها فيتناقض !
*عبدالرحمن*
2018-07-06, 16:37
ثالثاً :
والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام ، وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده ، بل هي القرآن والسنَّة ، ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن
بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة ، بدليل نزول آيات من القرآن الكريم بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة .
قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) المائدة/من الآية3 .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ) أي : أكملت لكم الأحكام ، لا القرآن ؛ فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام .
" المنثور في القواعد " ( 1 / 142 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) .
" إعلام الموقعين " ( 1 / 250 ) .
رابعاً :
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى ، وفي كونها حجة ، وفي كونها ملزمة للعباد ، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه ، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن ، بل في القرآن إشارة لحلِّه ، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح .
عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ) .
رواه أبو داود ( 4604 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود .
وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى :
عن عبد الله قال : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله ؟
فقالت : لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه ؛ أما قرأت : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر/7 ؟ ، قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه ، قالت : فإني أرى أهلك يفعلونه ، قال : فاذهبي فانظري ، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً ، فقال : لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا .
رواه البخاري ( 4604 ) ، ومسلم ( 2125 ) .
وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى ، ولا يعرفون غيره ، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام ، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن .
قال الأوزاعي عن حسان بن عطية : كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنَّة تفسر القرآن .
وقال أيوب السختياني : إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال : دعنا من هذا ، حدِّثنا من القرآن : فاعلم أنه ضال مضل .
وقال الأوزاعي : قال الله تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ، وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) ...
. .
وقال الأوزاعي : قال القاسم بن مخيمرة : ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام : فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال : فهو حلال إلى يوم القيامة .
انظر : " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
قال الحافظ الدارمي : يقول : ( أوتيت القرآن , وأوتيت مثله ) : من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه , وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به , كتحريم لحم الحمار الأهلي , وكل ذي ناب من السباع , وليسا بمنصوصين في الكتاب .
وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن , فقال الشافعي في " الرسالة " : " ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير " ,
وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع , وضعته الزنادقة ، قال ابن عبد البر في كتاب " جامع بيان العلم " : قال عبد الرحمن بن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا حديث : ( ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله , فإن وافق كتاب الله فأنا قلته , وإن خالف فلم أقله )
قال الحافظ : وهذا لا يصح , وقد عارضه قوم , وقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه : لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب , بل وجدنا فيه الأمر بطاعته , وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال . انتهى .
وقال ابن حبان في " صحيحه " في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) : فيه دلالة على أن السنَّة يقال فيها : آي .
" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .
خامساً :
قد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن ، ومنها : أنها تأتي موافقة لما في القرآن ، وتأتي مقيدة لمطلقه ، ومخصصة لعمومه ، ومفسرة لمجمله ، وناسخة لحكمه ، ومنشئة لحكم جديد ، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده : أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله ، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل :
المنزلة الأولى
: سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل .
المنزلة الثانية
: سنَّة تفسر الكتاب ، وتبين مراد الله منه ، وتقيد مطلقه .
المنزلة الثالثة :
سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب ، فتبيِّنه بياناً مبتدأً .
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة ، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة .
وقد أنكر الإمام أحمد على من قال " السنة تقضي على الكتاب " فقال : بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه .
والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله
وتخالفه ألبتة ، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله ، وعليه أنزل ، وبه هداه الله ، وهو مأمور باتباعه ، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده ؟! .
ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن ، وبطلت بالكلية .
وما من أحد يُحتج عليه بسنَّة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية ، أو إطلاقها ، ويقول : هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل .
حتى إن الرافضة قبحهم الله سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة ، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم ( لا نُورث ما تركنا صدقة ) وقالوا : هذا حديث يخالف كتاب الله ، قال تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين ) .
وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله ( ليس كمثله شيء ) .
وردت الخوارج من الأحاديث الدالة على الشفاعة ، وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت الجهمية أحاديث الرؤية مع كثرتها وصحتها بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) .\
وردت القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن .
فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها ، وإما أن يطرد الباب في قبولها ، ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن ، أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود - : فتناقض ظاهر .
وما مِن أحد رد سنَّة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك .
وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما على من ردَّ أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع بظاهر قوله تعالى ( قل لا أجد في ما أوحى إليَّ محرماً ) الآية .
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنَّته التي لم تذكر في القرآن ، ولم يدَّعِ معارضة القرآن لها : فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنَّته تخالف القرآن وتعارضه ؟ .
" الطرق الحكمية " ( 65 – 67 ) .
وللشيخ الألباني – رحمه الله - رسالة بعنوان
" منزلة السنة في الإسلام ، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن " ، وفيها :
تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته ، واختصه برسالته ، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم ، وأمره فيه - في جملة ما أمره به - أن يبينه للناس
فقال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ) النحل/44 ، والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان :
الأول : بيان اللفظ ونظمه ، وهو تبليغ القرآن ، وعدم كتمانه ، وأداؤه إلى الأمة ، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم ، وهو المراد بقوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك ) المائدة/67
وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها " ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه : فقد أعظم على الله الفرية " ، ثم تلت الآية المذكورة " - أخرجه الشيخان - ، وفي رواية لمسلم : " لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى : (
وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) الأحزاب/37 .
والآخر : بيان معنى اللفظ ، أو الجملة ، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه ، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة ، أو العامة ، أو المطلقة ، فتأتي السنَّة ، فتوضح المجمل ، وتُخصِّص العام ، وتقيِّد المطلق ، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم ، كما يكون بفعله وإقراره .
وقوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) المائدة/38 ، مثال صالح لذلك ، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد ، فبينتِ السنَّة القوليَّة الأول منهما ، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً ) - أخرجه الشيخان -
كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره ، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل ، كما هو معروف في كتب الحديث ، وبينت السنة القوليَّة اليد المذكورة في آية التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) النساء/43 و المائدة /6 بأنها الكف أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( التيمم ضربة للوجه والكفين ) أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما .
وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة :
1. قوله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الأنعام /82 ، فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله( بظلم ) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً ، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا : يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس بذلك ، إنما هو الشرك ؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان : ( إن الشرك لظلم عظيم ) لقمان/13 ؟ ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
2. قوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) النساء/101 ، فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف ، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا ؟ قال : ( صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) - رواه مسلم - .
3. قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ) المائدة/3 ، فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك ، والكبد والطحال ، من الدم حلال ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان ودمان : الجراد والحوت -
أي : السمك بجميع أنواعه - ، والكبد والطحال ) - أخرجه البيهقي وغيره مرفوعاً وموقوفاً ، وإسناد الموقوف صحيح ، وهو في حكم المرفوع ؛ لأنه لا يقال من قِبَلِ الرأي - .
4. قوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به ) الأنعام/145
ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير حرام ) ، وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك ، كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية ؛ فإنها رجس ) - أخرجه الشيخان - .
5. قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الأعراف/32
فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير ، وفي الأخرى ذهب ، فقال : ( هذان حرام على ذكور أمتي ، حلٌّ لإناثهم ) - أخرجه الحاكم وصححه - .
والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما ، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه .
ومما تقدم يتبين لنا - أيها الإخوة - أهمية السنَّة في التشريع الإسلامي ، فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة - فضلا عن غيرها مما لم نذكر - نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً إلا مقروناً بالسنَّة
.
" منزلة السنة في الإسلام " ( ص 4 – 12 ) .
وننصح بالرجوع إلى رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – فهي في صلب موضوع السؤال .
وبه يتبين :
أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف ، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه ،
وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه ، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام ، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به .
وأمر أخير :
هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن : فإننا نقول : إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة ! فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )النساء/59
فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية ؟
إن قبلها : رجع إلى السنَّة فبطل قوله ، وإن لم يرجع : فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة .
والحمد لله رب العالمين
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
suzuki19
2018-07-08, 11:23
شكرا بارك الله فيك
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 16:46
شكرا بارك الله فيك
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
الشكر موصول لحضورك الرائع مثلك
بارك الله فيك
و في انتظار مرورك العطر دائما
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 16:54
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حديث الفتون .
السؤال:
سؤالي عن صحة الحديث المروي عن سعيد بن جبير
وهو يسأل ابن عباس رحمهم الله عن تفسير وفتناك فتونا ؟
الجواب:
الحمد لله
روى النسائي في "السنن الكبرى" (11263)
وأبو يعلى في "مسنده" (2618)
وابن عساكر في "تاريخه" (61/81)
وبحشل في "تاريخ واسط" (ص78)
وابن عدي في "الكامل" (2/105)
من طريق أَصْبَغ بْن زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، حدثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ
: " سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفُتُونِ مَا هُوَ؟
قَالَ: اسْتَأْنِفِ النَّهَارَ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ، فَإِنَّ لَهَا حَدِيثًا طَوِيلًا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنْتَجِزَ مِنْهُ مَا وَعَدَنِي مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ، فَقَالَ: تَذَاكَرَ فِرْعَوْنُ وَجُلَسَاؤُهُ مَا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يجْعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْتَظِرُونَ ذَلِكَ مَا يَشُكُّونَ فِيهِ
وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلَمَّا هَلَكَ قَالُوا: لَيْسَ هَكَذَا كَانَ وَعْدُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: فَكَيْفَ تَرَوْنَ؟ فَائْتَمَرُوا وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ رِجَالًا مَعَهُمُ الشِّفَارُ يَطُوفُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَا يَجِدُونَ مَوْلُودًا ذَكَرًا إِلَّا ذَبَحُوهُ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ
فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْكِبَارَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَمُوتُونَ بِآجَالِهِمْ، وَالصَّغَارَ يُذْبَحُونَ قَالُوا: تُوشِكُونَ أَنْ تُفْنُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَصِيرُوا أَنْ تُبَاشِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْخِدْمَةِ الَّذِي كَانُوا يَكْفُونَكُمْ، فَاقْتُلُوا عَامًا كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ، فَيَقِلُّ نَبَاتُهُمْ ، وَدَعَوْا عَامًا فَلَا تَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، فَيَنْشَأُ الصِّغَارُ مَكَانَ مَنْ يَمُوتُ مِنَ الْكِبَارِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَكْثُرُوا بِمَنْ تَسْتَحْيُونَ مِنْهُمْ فَتَخَافُوا مُكَاثَرَتَهُمْ إِيَّاكُمْ، وَلَنْ يَفْنَوْا بِمَنْ تَقْتُلُونَ وَتَحْتَاجُونَ إِلَيْهِمْ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ
فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِهَارُونَ فِي الْعَامِ الَّذِي لَا يُذْبَحُ فِيهِ الْغِلْمَانُ ، فَوَلَدْتُهُ عَلَانِيَةً آمِنَةً ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَمَلَتْ بِمُوسَى ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا الْهَمُّ وَالْحَزَنُ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ ... "
وساق الحديث بطوله .
قال الهيثمي رحمه الله:
" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ وَهُمَا ثِقَتَانِ "
انتهى من "مجمع الزوائد" (7/ 66) .
وقال البوصيري رحمه الله :
" هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ، وَبَاقِي رِجَالِ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ " .
انتهى من "إتحاف الخيرة المهرة" (6/ 244) .
وأصبغ بن زيد : تكلم فيه بعض الأئمة ، ووثقه كثيرون . ولعله لذلك قال الذهبي في تاريخ الإسلام (8/128) : " فيه لين " انتهى . وقال الحافظ في "التقريب" : "صدوق يغرب" .
وينظر : "تهذيب التهذيب" (1/361)
"تهذيب الكمال" (3/301) وحاشية المحقق .
وفي "معرفة الرجال" ليحي بن معين ، رواية ابن محرز ( رقم ـ 336) :
" قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى، وَسُئِلَ عن أَصْبُع بن زَيْد، يَعْنِي الوَرَّاق؟ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنِّي لا أَحْسَبُ حَدِيْث الفُتُونِ حَقّا".
وعلى فرض القول بثبوته ، فلعل أكثره قد أخذه ابن عباس عن أهل الكتاب ، ولا يثبت منه إلا المرفوع ، وهو قليل
قال ابن كثير رحمه الله:
" هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، وَأَخْرَجَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ فِيهِ مَرْفُوعٌ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُ، وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا أُبِيحَ نَقْلُهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَوْ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا "
.
انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 293) .
وقال في "البداية والنهاية" (2/ 196):
" هَكَذَا سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ النَّسَائِيُّ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، فِي تَفْسِيرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَالْأَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَكَوْنُهُ مَرْفُوعًا فِيهِ نَظَرٌ، وَغَالِبُهُ مُتَلَقًّى مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ
وَفِيهِ شَيْءٌ يَسِيرٌ مُصَرَّحٌ بِرَفْعِهِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ ، وَفِي بَعْضِ مَا فِيهِ نَظَرٌ وَنَكَارَةٌ، وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَقَدْ سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ يَقُولُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ " انتهى.
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:01
هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ؟
السؤال:
هل ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم وُلد رافعا أصبعه ورأسه إلى السماء ؟
الجواب :
الحمد لله
روى عبد الرزاق في "المصنف" (9718) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أن أمه صلى الله عليه وسلم قالت : لَقَدْ وَلَدْتُهُ حِينَ وَلَدْتُهُ ، فَخَرَّ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ " .
وهذا مرسل صحيح الإسناد .
ورواه ابن حبان (6335)
وأبو يعلى (7163)
من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، رَضِيَ الله عَنْهما ، عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ السعدية ... فذكر قصة إرضاعه صلى الله عليه وسلم ، وفيه : أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:
" ... ثُمَّ وَضَعْتُهُ ، فَمَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ ، وَقَعَ وَاضِعًا يَدَهُ بِالْأَرْضِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ".
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان :
" في سنده انقطاع بين عبد الله بن جعفر -وهو ابن أبي طالب- وبين حليمة.
وجَهم بن أبي جهم : ذكره المؤلف في "الثقات" 4/113، فقال: يروي عن عبد الله بن جعفر، وعن المِسور بن مَخْرَمَةَ ، وهو مولى الحارث بن حاطب القرشي ، روى عنه محمد بن إسحاق وعبد الله العمري ، والوليد بن عبد الله بن جميع، وذكره البخاري 2/229، وابن أبي حاتم 2/521، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلا.
ولا يعرف لحليمة رواية إلا هذا الحديث، ولم يثبت أنها رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد بعثته " انتهى مختصرا .
ورواه الآجري في "الشريعة" (964)
والبيهقي في "الدلائل" (1/132) ؟
وابن عساكر في "التاريخ" (3/91)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَهْمٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: حُدِّثْتُ عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ ... فذكره .
وهذا إسناد ضعيف ، جهم بن أبي الجهم مجهول
ذكره الذهبي في "الميزان" (1/ 426)
وقال : " لا يعرف، له قصة حليمة السعدية " انتهى .
ولم يسمع هذه القصة من عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما
لقوله : " حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ ".
وعبد الله بن جعفر لم يسمعها من حليمة السعدية
لقوله : " حُدِّثْتُ عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ".
ولكن هذه الأخيرة علة خفيفة ، لأن عبد الله بن جعفر صحابي غير أنه من صغار الصحابة .
ورواه ابن سعد في "الطبقات" (1/81 ،120)
من طريق شيخه الواقدي من طرق متعددة ، ولكن الواقدي متهم ، كذبه الإمام أحمد وغيره ، وقال أبو داود : لا أكتب حديثه ولا أحدث عنه ، ما أشك أنه كان يفتعل الحديث . وقال بندار : ما رأيت أكذب منه.
وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث .
راجع : "تهذيب التهذيب" (9 /323-326)
فلا عبرة بما روى .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني ، قال رحمه الله ، في "التعليق على فقه السيرة" للبوطي :
" القصة لم تأت بإسناد تقوم به الحجة وأشهر طرقها ما رواه محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر عن حليمة بنت الحارث السعدية
أخرجه أبو يعلى (ق 128 / 1)
وعنه ابن حبان (2094 -
موارد) وأبو نعيم في (دلائل النبوة) (1 / 47)
عن ابن إسحاق به وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (1 / 108)
عنه أيضا إلا أنه قال: حدثنا جهم بن أبي الجهم - مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب وكان يقال: مولى الحارث بن حاطب - قال: حدثنا من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول: حدثت عن حليمة بنت الحارث .
قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علتان:
الأولى: الاضطراب في إسناده كما هو ظاهر ، ففي الرواية الأولى عنعنة ابن إسحاق من جميع رواته ، وفي الأخرى تصريحه بالتحديث ، مع تصريح الجهم بأنه لم يسمعه من عبد الله بن جعفر ، وتصريح هذا بأنه لم يسمعه من حليمة .
فعلى الرواية الأولى : فيه انقطاع بين ابن إسحاق والجهم ، لأن الأول مشهور بالتدليس .
وعلى الرواية الأخرى : الانقطاع في موضعين منه .
ومنه تعلم وهم الحافظ في (الإصابة) حيث قال (4 / 266) :
(وصرح ابن حبان في (صحيحه) بالتحديث بين عبد الله وحليمة) ؛ فإنه لا أصل لهذا التحديث عند ابن حبان ولا عند غيره ممن ذكرنا .
ويستبعد جدا أن يدرك عبد الله بن جعفر حليمة مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان عبد الله ابن عشر سنين ، وهي وإن لم يذكروا لها وفاة ، فمن المفروض عادة أنها توفيت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
وسواء كان الراجح الرواية الأولى ، أو الأخرى : فالإسناد منقطع لا محالة .
والعلة الأخرى : أن مداره على جهم بن أبي الجهم ، وهو مجهول الحال ، قال الذهبي في (الميزان) : (لا يعرف له قصة حليمة السعدية) .
وأما ابن حبان فذكره في (الثقات) (1 / 31)
على قاعدته في توثيق المجهولين .
وللقصة عند أبي نعيم طريقان آخران مدارهما على الواقدي ، وهو كذاب ، أحدهما عن شيخه موسى بن شيبة ، وهو لين الحديث ، كما قال الحافظ في (التقريب) ، والأخرى عن عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة. . . وهؤلاء مجهولون" .
انتهى ، من "دفاع عن الحديث النبوي" (39) .
وقال أيضا ، في "تعليقه على صحيح ابن حبان" (9/128) :
" .. صرَّح ابن إسحاق بالتحديث في "سيرة ابن هشام" (1/ 172)
لكنَّه شكَّ، فقال: عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أو عمَّن حدَّثه عنه، قال ..... ؛ فذكره.
فلم تطمئن النفس لاتصاله، ولا سيما وجهمٌ هذا مجهول الحال؛ لم يُوَثِّقْهُ غير ابن حبان (4/ 113)،
وقال الذهبي في "الميزان" وغيره: "لا يُعرف" . انتهى .
وينظر : "المطالب العالية" لابن حجر
وتعليق المحققين (17/180-182) .
وهذا الحديث مشهور برواياته ، وطرقه ، عند أهل السير ، كما قال ابن كثير رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، وَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي "
انتهى من "البداية والنهاية" (2/ 275) .
ولعله ، لشهرته : قواه الذهبي رحمه الله ، فقال عن حديث ابن إسحاق المتقدم :
" هذا حديث جيد الإسناد "
انتهى من "تاريخ الإسلام" (1/48) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:04
هل ثبت في الحديث أن من قبّل الحجر الأسود دخل الجنة بلا حساب ؟
السؤال:
أريد الاستفسار عن صحة حديث سمعته ومتنه : ( من قبّل الحجر الأسود دخل الجنة بلا حساب )
ولم أعلم سنده ، فأرجو الحكم على صحة الحديث
وإن كان الحديث لا يصح
فهل يوجد نص شرعي يدل على أن من قبّل الحجر الأسود سيدخل الجنة بلا حساب أم أن هذا أمرا غير موجود ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام المذكور : ( من قبّل الحجر الأسود دخل الجنة بلا حساب )
لم نجده في شيء من كتب السنة ، لا بسند صحيح ، ولا ضعيف ، ولا نعلم له أصلا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
والثابت في فضل الحجر الأسود : أن استلامه يكفر الذنوب ، وأنه سيشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق
روى الترمذي (961)
وحسنه ، وأحمد (2796)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَجَرِ: (وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقال محققو المسند: إسناده قوي .
وروى الترمذي (959)
وحسنه، عن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ : " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ زِحَامًا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّكَ تُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ (الحجر الأسود والركن اليماني) زِحَامًا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُزَاحِمُ عَلَيْهِ ؟
فَقَالَ: إِنْ أَفْعَلْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ مَسْحَهُمَا كَفَّارَةٌ لِلْخَطَايَا).
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:07
أهمية الحجر الأسود
السؤال :
ما هي أهمية الحجر الأسود ؟
الجواب :
الحمد لله
.جاء في الحجر الأسود أحاديث ومسائل ، نذكرها للأخ السائل لعل الله أن ينفعه بها :
1. الحجر الأسود أنزله الله تعالى إلى الأرض من الجنة .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزل الحجر الأسود من الجنة " .
رواه الترمذي ( 877 )
والنسائي ( 2935 )
والحديث : صححه الترمذي .
2. وكان الحجر أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم " .
رواه الترمذي ( 877 )
وأحمد ( 2792 )
وصححه ابن خزيمة ( 4 / 219 )
وقوَّاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 3 / 462 ) .
أ قال المباركفوري :
قال في " المرقاة " : أي : صارت ذنوب بني آدم الذين يمسحون الحجر سببا لسواده ، والأظهر حمل الحديث على حقيقته إذ لا مانع نقلاً ولا عقلاً . "
تحفة الأحوذي " ( 3 / 525 ) .
ب. قال الحافظ ابن حجر :
اعترض بعض الملحدين على الحديث الماضي فقال " كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد " ؟
وأجيب بما قال ابن قتيبة : لو شاء الله لكان كذلك وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ ، على العكس من البياض .
ج. وقال المحب الطبري : في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد .انظر لهما : "
فتح الباري " ( 3 / 463 ) .
3. ويأتي الحجر الأسود يوم القيامة ويشهد لمن استلمه بحق .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في الحجر - : " والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق "
. رواه الترمذي ( 961 ) وابن ماجه ( 2944 )
. والحديث : حسَّنه الترمذي ،
وقواه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 3 / 462 ) .
4. واستلام الحجر أو تقبيله أو الإشارة إليه : هو أول ما يفعله من أراد الطواف سواء كان حاجا أو معتمراً أو متطوعاً .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعاً .
رواه مسلم ( 1218 ) .
واستلام الحجر : مسْحه باليد .
5. وقد قبَّله النبي صلى الله عليه وسلم ، وتبعه على ذلك أمته .
عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلُك ما قبلتك .
رواه البخاري ( 1520 ) ومسلم ( 1720 ) .
6. فإن عجز عن تقبيله فيستلمه بيده أو بشيء وله أن يقبل هذا الشيء .
أ. عن نافع قال رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبل يده ، وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . رواه مسلم ( 1268 ) .
ب. عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمِحْجَن معه ويقبِّل المحجن . رواه مسلم ( 1275 ) .
والمحجن : عصا مِعْوجّة الطَّرف .
7. فإن عجز : أشار إليه بيده وكبَّر .
عن ابن عباس قال : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعيره وكان كلما أتى على الركن أشار إليه وكبَّر
. رواه البخاري ( 4987 ) .
8. ومسح الحجر مما يكفِّر الله تعالى به الخطايا .
فعن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن مسحهما كفارة للخطايا . رواه الترمذي ( 959 ) . والحديث : حسنه الترمذي وصححه الحاكم ( 1 / 664 ) ووافقه الذهبي .
ولا يجوز للمسلم أن يؤذي المسلمين عند الحجر فيضرب ويُقاتل فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الحجر أنه يشهد لمن استلمه بحقّ وليس لمن استلمه بإيذاء عباد الله .
والله أعلم
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:12
هل صحّ حديث: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي: أَبِي ، وَخَلِيلُ رَبِّي ؛ إِبْرَاهِيمُ)؟
السؤال:
هل هناك من العلماء الأوائل أو المتأخرين من يعتقد أن إبراهيم عليه السلام يأتي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في المنزلة والرتبة ؟
لأن الرواية التالية فيما يبدو تفيد ذلك: عن بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لكل نبي من النبيين ولاة ، وإن وليّ من الأنبياء أبي إبراهيم خليل الله ) فما صحة هذه الرواية ؟
كما قرأت أيضاً ما قد يفيد أن إبراهيم عليه السلام يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم في المرتبة، من ضمن ذلك أنهما متتشابهان، وأنهما خليلي الرحمن، وأننا نذكرهما معاً في صلاتنا
وأنهما التقيا في السماء السابعة في ليلة المعراج، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى أحد أبناءه باسمه، وأن الله أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم باتباع إبراهيم عليه السلام ..الخ
فأرجو التفصيل في الموضوع مع ذكر الأدلة الصحيحة ومصادرها.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
أفضل الأنبياء نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، فهو خير بني آدم ، وأكرمهم على الله ، وأفضل الأنبياء بعده خليل رب العالمين إبراهيم عليه السلام .
وقد نقل بعض العلماء الإجماع على ذلك . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).
وَكَذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ، مِنْهُمْ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْم قَالَ: " لَا أُفَضِّلُ عَلَى نَبِيِّنَا أَحَدًا، وَلَا أُفَضِّلُ عَلَى إبْرَاهِيمَ بَعْدَ نَبِيِّنَا أَحَدًا "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 317) .
وقال ابن كثير رحمه الله:
" وَلَا خِلَافَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُهُمْ، ثُمَّ بَعْدَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى عَلَى الْمَشْهُورِ "
انتهى من " تفسير ابن كثير" (5/ 88) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" ونعتقد أَن أفضل الْخلق على الإطلاق حبيب الله الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وخليل الله إِبْرَاهِيم يَلِيهِ فِي التَّفْضِيل، فَهُوَ أفضل الْخلق بعده، نقل بَعضهم الْإِجْمَاع على ذَلِك ، وموسى وَعِيسَى ونوح الثَّلَاثَة بعد إِبْرَاهِيم أفضل من سَائِر الْأَنْبِيَاء "
انتهى باختصار من "إتمام الدراية" (ص 17)
وقد أخبرنا الله تعالى أنه اتخذ إبراهيم خليلا فقال: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) النساء/125 .
وهذه المنزلة (أي منزلة الخلة) لم تثبت لأحد من البشر إلا لنبينا محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، فهما خير البشر .
ثانيا :
أما الحديث الذي ذكرته
فقد رواه الترمذي (2995)
والحاكم (3151)
والطبري (6/498)
من طريق أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي: أَبِي وَخَلِيلُ رَبِّي إِبْرَاهِيمُ) ، ثُمَّ قَرَأَ: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ) آل عمران/ 68 .
ورواه أحمد (3800)
والترمذي أيضا من طريق أبي نعيم ووكيع عن سُفْيَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ، وقال الترمذي : " هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ ".
قال ابن أبي حاتم رحمه الله :
" سألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه أبو أحمد الزُّبَيري ورَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ سُفيان الثَّوْري، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عن مَسروق ، عن عبد الله
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ( لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلاَةٌ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمْ وخَلِيلِي: أَبِي إِبْرَاهِيمُ) ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) فَقَالا جَمِيعًا: هَذَا خطأٌ؛ رَوَاهُ المتقنون من أصحاب الثَّوْري عَنِ الثَّوْري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي الضُّحى، عن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ بِلا مَسْرُوقٍ "
انتهى من "علل الحديث" (4/ 613)
وقال محققو المسند
: " الذين رووه منقطعاً أثبت في سفيان من غيرهم وأكثر، ولذا رجح أبو زرعة وأبو حاتم والترمذي الرواية المنقطعة ".
ومع ذلك ، فقد صححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي ، وكذا صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيق مسند أحمد
: "إسناده ضعيف، لانقطاعه. فإن أبا الضحى مسلم بن صبيح لم يدرك ابن مسعود.
ولكن رواه الترمذي من طريق أبي أحمد عن الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود، فيكون بذلك متصلاً.
ثم رواه من طريق أبي نعيم ومن طريق وكيع، كلاهما عن الثوري كما هنا ، بحذف "مسروق" من الإسناد، ورجح الترمذي رواية من رواه منقطعاً.
وقد نقله ابن كثير في التفسير 2: 162 - 163 من سنن سعيد ابن منصور:
"حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق [وهو والد سفيان الثوري] عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود".
فهذه رواية أخرى متصلة تؤيد رواية أبي أحمد التي رواها الترمذي والاتصال بذكر "مسروق" زيادة ثقة، بل ثقتين، فهي مقبولة. وبذلك يكون الحديث في ذاته صحيحاً" انتهى .
وينظر للفائدة : "كتاب التفسير" من سنن سعيد بن منصور ، رقم (501)
حاشية المحقق ، د. سعد الحميد (10/1047-1051) .
وأما معنى الحديث –إن صح-
فقد قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" :
"قَوْلُهُ : ( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً ) بِضَمِّ الْوَاوِ جَمْعُ وَلِيٍّ . أَيْ : أَحِبَّاءَ وَقُرَنَاءَ هُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ
( مِنْ النَّبِيِّينَ ) حَالٌ مِنْ الْوُلَاةِ ، أَيْ كَائِنِينَ مِنْ النَّبِيِّينَ .
( وَإِنَّ وَلِيِّي أَبِي ) يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( وَخَلِيلُ رَبِّي ) .
( ثُمَّ قَرَأَ ) أَيْ اِسْتِشْهَادًا : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ ) أَيْ أَحَقَّهُمْ بِهِ .
( لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ ) أَيْ فِي زَمَانِهِ ، ( وَهَذَا النَّبِيُّ ) مُحَمَّدٌ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي أَكْثَرِ شَرْعِهِ ( وَاَلَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ مِنْ أُمَّتِهِ ، فَهُمْ الَّذِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُوا : نَحْنُ عَلَى دِينِهِ لَا أَنْتُمْ ( وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ نَاصِرُهُمْ وَحَافِظُهُمْ .
فَإِنْ قُلْت : لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ : لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءُ مُتَعَدِّدَةٌ .
قُلْتُ : لَا ، لِأَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي مَكَانِ الْجَمْعِ ، أَفَادَتْ الِاسْتِغْرَاقَ ، أَيْ : أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ ، وَاحِدًا وَاحِدًا " انتهى .
وانظر : "مرقاة المفاتيح" (9/3961) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:14
لماذا خص إبراهيم عليه السلام بالذكر في التشهد ؟
السؤال
: لماذا نصلي ونسلم على إبراهيم عليه السلام في الصلاة ، ولماذا لا يكون ذلك على الأنبياء الآخرين ، هو أحد أولي العزم الخمسة ، ولكنه ليس أولهم ولا آخرهم ، فلماذا هو
وإذا كان الأمر لأنه قبل الخمسة فلماذا لا نسلم على عيسى ونوح وموسى أيضًا ؟
الجواب :
الحمد لله
سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام اختصه الله عز وجل بالفضائل العظيمة ، والمكارم الجليلة ، فكان الإمام ، والأمة ، والحنيف ، القانت لله عز وجل ، الذي ينتسب إليه جميع الأنبياء بعده ، ويؤمن به جميع أتباع الشرائع (المسلمون والنصارى واليهود) .
وإبراهيم عليه السلام هو أفضل الأنبياء والرسل بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا أخبرنا الله تعالى أنه اتخذه خليلا (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) النساء/125 .
وجميع الأنبياء الذين جاءوا من بعده هم من نسله من طريق إسحق ويعقوب .
إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فهو من ولد إسماعيل بن إبراهيم .
فنبينا صلى الله عليه وسلم أخص بإبراهيم من غيره ، فإبراهيم عليه السلام هو أبو العرب ، وهو أبو النبي صلى الله عليه وسلم من جهة النسب .
وإبراهيم هو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملته (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) النحل/123 ، ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم ـ ونحن تبع له ـ أولى الناس بإبراهيم عليه السلام .
كما قال عز وجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) آل عمران/68 ، وقال رداً على اليهود والنصارى : (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67 .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
لماذا خُص إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد ، مع أن جميع الأنبياء دعوا إلى التوحيد ؟
فأجاب :
"كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد ، قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25، لكن إبراهيم أبو العرب ، وأبو الإسرائيليين ، وهو يدعو إلى التوحيد الخالص ، واليهود والنصارى ادعوا أنهم أتباعه ، والمسلمون هم أتباعه ، فكان هو عليه الصلاة والسلام قد خُصَّ بأنه أبو الأنبياء
وأنه صاحب الحنيفية ، وأمرنا باتباعه ؛ لأننا نحن أولى بإبراهيم ، كما قال عز وجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) آل عمران/68 ، وقال رداً على اليهود والنصارى : (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/67" انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (189/السؤال رقم 7) .
وللعلامة بدر الدين العيني الحنفي رحمه الله ملحظ آخر في توجيه سبب ذلك ، فيقول :
"فإن قيل : لم خص إبراهيم عليه السلام من بين سائر الأنبياء عليهم السلام بذكرنا إياه في الصلاة ؟
قلت : لأن النبي عليه السلام رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين ، وسلم على كل نبي ، ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام ، فأمرنا النبي عليه السلام أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة ، مجازاة على إحسانه .
ويقال : إن إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا لأمة محمد عليه السلام وقال : اللهم من حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام ، وكذلك دعا أهله وأولاده بهذه الدعوة ، فأُمرنا بذكرهم في الصلاة مُجازاة على حُسْن صنيعهم" انتهى .
"شرح سنن أبي داود" للعيني (4/260) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:22
نصراني يسأل مشككا من الأفضل إبراهيم أم محمد عليهما الصلاة والسلام
السؤال:
هل هناك تفريق بين الرسل ؟
السبب وراء سؤالي هو تحدثي مع شخص مسيحي ، فقال : مَنْ الأعلى شأنًا في الإسلام ، إبراهيم أم محمد ، أي : من قام ببناء الكعبة ، أم من علمكم كيفية الطواف عليها . ولم أعرف كيف أجيب ، ولم أجبه مخافة الفتنة .
فكيف يجب على الإنسان المسلم أن يجيب ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الواجب على الإنسان المسلم أن يجيب ابتداء بقول الله عز وجل : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/136
وقوله عز وجل : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة/285
وقول الله جل وعلا : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) آل عمران/84
والمقصد في جميع هذه الآيات هو تأكيد أن المسلم يؤمن بجميع الرسل والأنبياء ، ويتولاهم ، ويحبهم ، ويعتقد نبوتهم وأفضليتهم على جميع الناس ، ولا يفرق بين أحد منهم ، تفريقا يؤدي به أن يؤمن ببعض ويكفر ببعض ، أو يتولى بعضهم ويتنكر للآخرين ، أو يحب من يشاء ويبغض من يشاء
أو يرفع بعضهم ، ويتنقص آخرين ؛ فكل ذلك ليس من فعل المسلمين المؤمنين ، ومن وقع في التفريق المنهي عنه بين الرسل ، فليس هو من أتباع أي منهم ، فقد بعثهم الله عز وجل يصدق بعضهم بعضا في الرسالة ، وكلهم يبشر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) آل عمران/81-82.
ثانيا :
السؤال عن الأعلى شأنا بين الأنبياء ، أو عن المفاضلة بينهم ، إذا أريد به إحداث الفرقة والنزاع ، أو إظهار المسلم مظهر المتنقص لأحد الأنبياء لا قدر الله
أو وقع في سياق التعصب المفضي إلى الإعراض عن الإيمان والإسلام – إنما هو سؤال شيطاني جدلي ، لا يجاب بالوقوع في شَرَك السائل ومَكْره ، بل يجاب بما ورد في القرآن الكريم ، من منزلة عظيمة لكل الأنبياء والرسل ، وعدم التفريق بينهم .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :
" جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ ، وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ فِي وَجْهِي ، قَالَ : ادْعُوهُ . فَدَعَوْهُ ، قَالَ : ( لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ ؟ )
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي مَرَرْتُ بِاليَهُودِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ ، فَقُلْتُ : وَعَلَى مُحَمَّدٍ ، وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ ، قَالَ : ( لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ )
رواه البخاري (4638).
يقول المازري رحمه الله (ت536هـ):
" كان بعض شيوخي يقول : يحتمل أن يريد : لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلا يؤدّي إلى نقص بعضهم ، وقد خرجَ الحديث على سبب ، وهو لَطم الأنصاريّ وجهَ اليهودي ، فقد يكون صلى الله عليه وسلم خاف أن يفهم من هذه الفعلة انتقاص حقّ موسى عليه السلام ، فنهى عن التّفضيل المؤدّي إلى نقص بعض الحقوق "
انتهى من " المعلم بفوائد مسلم " (3/233) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال العلماء : في نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء إنما نهى عن ذلك من يقوله برأيه ، لا من يقوله بدليل .
أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول .
أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع .
أو المراد : لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل ، بحيث لا يترك للمفضول فضيلة ، فالإمام مثلا إذا قلنا إنه أفضل من المؤذن ، لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان .
وقيل : النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها ، كقوله تعالى : ( لا نفرق بين أحد من رسله ) ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض " انتهى من " فتح الباري " (6/446) .
وحينئذ تدرك أن جواب هذا المعترض بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تخيروني من بين الأنبياء ) هو أفضل الأجوبة
وأولاها ، كي يقطع الطريق عليه أن يزايد في تولي أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام على حساب المسلمين ، وكي لا يظن السامع تنقص المسلمين لأحد من الأنبياء ، فالمفضول كثيرا ما يتوهم الناس نقصه ونزول مرتبته
وهذا لا يليق بمقام النبوة ، ومن باب أولى أن لا يليق بمقام إبراهيم عليه السلام ، الذي هو من أولي العزم من الرسل .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:22
ثالثا :
أما ما ذكره هذا المعترض المجادل ، من تفضيل نبي الله إبراهيم ببناء الكعبة ، ونحو هذا من كلامه ، فيقال له :
نعم ، ونحن أولى بإبراهيم عليه السلام منه ، ومن غيره من أهل الملل ، ومقام نبي الله إبراهيم أعظم وأجل من ذلك كله ، وهو أبو الأنبياء ، وأشبه الناس به ابنه ، خاتم الأنبياء : محمد ، صلى الله عليهما وسلم وبارك ، وهو خليل الرحمن ، وهو فوق ما يقول المجادل ، وأجل .
لكننا ننبه السائل هنا إلى أمرين مفيدين :
الأمر الأول :
أن ما أعطاه الله جل جلاله لبعض أنبيائه ورسله من الفضائل ، لا يعني أنه أفضل من غيره مطلقا ، ولا يعني أن غيره لم يحز من الفضائل ما يعادل هذه الفضيلة ، أو يزيد عليها .
قال الشيخ عمر سليمان الأشقر ، رحمه الله :
" الذي يتأمل في الآيتين اللتين أخبرتا بتفاضل الأنبياء والرسل يجد أن الله فضّل مَن فضّل منهم ، بإعطائه خيراً لم يعطه غيره ، أو برفع درجته فوق درجة غيره ، أو باجتهاده في عبادة الله والدعوة إليه، وقيامه بالأمر الذي وكل إليه.
فداود عليه السلام فضله الله بإعطائه الزبور، (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) [الإسراء: 55] ، وأعطى الله موسى التوراة (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة: 53] والكتاب هو التوراة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ) [المائدة:
44] وأعطى عيسى الإنجيل (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) [المائدة: 46] .
وقد اختص الله آدم بأنّه " أبو البشر، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له ".
وفضل نوحاً بأنّه " أوّل الرسل إلى أهل الأرض، وسمّاه الله عبداً شكوراً ".
وفضل إبراهيم باتخاذه خليلاً (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) [النساء: 125]
وجعله للناس إماماً (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [البقرة: 124] .
وفضل الله موسى برسالاته وبكلامه، (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي) [الأعراف: 144] واصطنعه لنفسه (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه: 41] .
وفضل عيسى بأنّه رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكان يكلّم الناس في المهد (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) [النساء: 171] .."
انتهى ، من "الرسل والرسالات" (218-219) .
الأمر الثاني :
أن كثيرا من العلماء قالوا إن تفضيل بعض الأنبياء على بعض إنما كان لاصطفاء إلهي ، واختيار رباني ، وليس بسبب عمل خاص تميز به دون غيره من الرسل والأنبياء .
وهذا التقرير يقطع الطريق على من يشتغل بالمقارنة بين أعمال الأنبياء ليقارن بينها ، ويخوض في أمر لا طائل من ورائه ، سوى الخوض في مقام النبوة بما لا يليق .
يقول ابن قتيبة رحمه الله :
" وليس ما أعطى الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة من السؤدد والفضل على جميع الأنبياء والرسل بعمله ، بل بتفضيل الله تعالى إياه ، واختصاصه له ، وكذلك أمته أسهل الأمم محنة .
بعثه الله تعالى إليها بالحنيفية السهلة ، ووضع عنها الإصر والأغلال التي كانت على بني إسرائيل في فرائضهم . وهي - مع هذا - خير أمة أخرجت للناس بفضل الله تعالى "
انتهى من " تأويل مختلف الحديث " (ص183)
ونقله ابن بطال في " شرح صحيح البخاري " (6/ 535) .
رابعا :
على أننا نقول للسائل ، وللمجادل ، وفي ضوء ما سبق من الآداب ، والأصول المرعية في الشرع :
إن نبي الله محمد بن عبد الله ، هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، وهو أفضلهم منزلة عند الله ، وهو سيد ولد آدم ، وأفضل الأنبياء بعده هو أبوه إبراهيم عليه السلام ، وما ورد من النهي عن التفضيل
فقد سبق بيان وجهه ، مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من تواضعه لربه عز وجل ، فيقول في مقام التواضع ، ما لا يقوله في مقام البيان العام للناس .
وقد روى مسلم في صحيحه (2278)
عن أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) .
وفي سنن الترمذي (3148)
وابن ماجة (4308)
وغيرهما ، من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلاَّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ ) وصححه الألباني
وصححه أيضا : شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (7/256) .
وقال القاضي عياض - رحمه الله
-: " لا خلاف أنه أكرم البشر، وسيد ولد آدم ، وأفضل الناس منزلة عند الله، وأعلاهم درجة ، وأقربهم زلفى ، واعلم أن الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً"
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:29
التفاضل بين الأنبياء لا يخالف قوله تعالى : ( لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه )
السؤال:
قال الله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) ، ونحن نقول عن نبينا صلى الله عليه وسلم : إنه أشرف الأنبياء والمرسلين ، مع أن الله تعالى يقول : ( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ )
فكيف نوفق بين ذلك ؟
ولماذا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا ينبغي لعبد أن يقول إنه أفضل من يونس بن متى ، مع أنه ليس من أولي العزم من الرسل ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قال اللَّه تَعَالَى: ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ) الإسراء/ 55 . وقال تعالى أيضا : ( تِلْكَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) البقرة/ 253 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَلَا خِلَافَ أَنَّ الرُّسُلَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَّ أُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ أَفْضَلُهُمْ ، وَهُمُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورُونَ نَصًّا في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) الأحزاب/ 7
وَلَا خِلَافَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُهُمْ ، ثُمَّ بَعْدَهُ إِبْرَاهِيمُ ، ثُمَّ مُوسَى عَلَى الْمَشْهُورِ "
انتهى، من " تفسير ابن كثير" (5/ 87-88) .
ثانيا :
المقصود بقوله تعالى : ( لا نُفَرِّق بَيْن أحدٍ من رُسُلِه ) البقرة/285 . يعني نؤمن بهم جميعا ، لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، بل الجميع صادقون بارون راشدون .
وهذا لا ينافي تفاضل الأنبياء ، ولا يتعارض ما تقرر من أن بعضهم أفضل عند الله من بعض .
فالتفريق المنهي عنه بين رسل الله أن يقال :
هذا رسول ، وهذا ليس برسول
فهذا كفر ، لأن من كفر برسول فقد كفر بالله .
بخلاف من فاضل بين الأنبياء ، كما جاءت به نصوص الكتاب والسنة ، فهذا تصديق وإيمان .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:29
ثالثا :
ما ورد من النهي عن تفضيل نبينا على موسى أو يونس بن متى صلى الله عليهم وسلم : محمول عند أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم قاله على سبيل الهضم والتواضع
أو للنهي عن المفاضلة بين الأنبياء على وجه العصبية والحمية ، أو حذرا من تنقص أحد الأنبياء ، أو غير ذلك من الأسباب التي سنذكرها ، وليس هذا نهيا عن عموم التفضيل ؛ لأنه ثابت بنصوص الكتاب والسنة .
روى البخاري (3414)
ومسلم (2373)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ ، أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ ، فَقَالَ : لاَ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَامَ فَلَطَمَ وَجْهَهُ
وَقَالَ : تَقُولُ : وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ؟ فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ : أَبَا القَاسِمِ ، إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا ، فَمَا بَالُ فُلاَنٍ لَطَمَ وَجْهِي ؟ فَقَال َ: لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ ؟ فَذَكَرَهُ ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِه ِ، ثُمَّ قَال َ: ( لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ
فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالعَرْشِ ، فَلاَ أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي ، وَلاَ أَقُولُ : إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ) .
وروى البخاري (3395)
ومسلم (2377)
عن ابْن عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ) .
قال ابن كثير رحمه الله :
" فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ ( تِلْكَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) . وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - فذكر الحديث المتقدم ، ثم قال - فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّفْضِيلِ ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ .
الثَّانِي : أَنَّ هَذَا قَالَهُ مِنْ بَابِ الْهَضْمِ وَالتَّوَاضُعِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنِ التَّفْضِيلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي تَحَاكَمُوا فِيهَا ، عِنْدَ التَّخَاصُمِ وَالتَّشَاجُرِ .
الرَّابِعُ : لَا تُفَضِّلُوا بِمُجَرَّدِ الْآرَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ .
الْخَامِسُ : لَيْسَ مَقَامُ التَّفْضِيلِ إِلَيْكُمْ ، وَإِنَّمَا هُوَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَلَيْكُمُ الِانْقِيَادُ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ .
"تفسير ابن كثير" (1/ 670-671) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (40/ 49) :
" مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمْ ، فَقِيل :
- هَذَا كَانَ قَبْل أَنْ تَنْزِل عَلَيْهِ آيَاتُ التَّفْضِيل ، وَقَبْل أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ . فَعَلَى هَذَا : التَّفْضِيل الآْنَ جَائِزٌ .
- وَقِيل : إِنَّمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيل التَّوَاضُعِ .
- وَقِيل : إِنَّمَا نَهَى عَنِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إِلَى أَنْ يُذْكَرَ بَعْضُهُمْ بِمَا لاَ يَنْبَغِي ، وَيَقِل احْتِرَامُهُ عِنْدَ الْمُمَارَاةِ .
- وَقَال ابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ : إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَعْيِينِ الْمَفْضُول ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ فُضِّل مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ .
- وَقَال شَارِحُ الطَّحَاوِيَّةِ : الْمَنْهِيُّ عَنْهُ : التَّفْضِيل إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْفَخْرِ وَالْحَمِيَّةِ وَهَوَى النَّفْسِ ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الاِنْتِقَاصِ لِلْمَفْضُول .
- وَاخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّفْضِيل إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ تَفَاضُل فِيهَا ، وَالتَّفْضِيل فِي زِيَادَةِ الأْحْوَال وَالْخُصُوصِ وَالْكَرَامَاتِ وَالأْلْطَافِ " انتهى .
وقال القاري رحمه الله :
" قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ) أَيْ : لَا أَقُولُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ، وَلَا أُفَضِّلُ أَحَدًا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَة َ، فَإِنَّ شَأْنَهُمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ ، بَلْ نَقُولُ : كُلُّ مَنْ أُكْرِمَ بِالنُّبُوَّةِ ، فَإِنَّهُمْ سَوَاءٌ فِيمَا جَاءُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ ،
وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبَهُمْ ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِمَ بِالرِّسَالَةِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : ( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) وَإِنَّمَا خُصَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ الرُّسُلِ لِمَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَمْرِ يُونُسَ ، وَتَوَلِّيهِ عَنْ قَوْمِهِ ، وَضَجْرَتِهِ عَنْ تَثَبُّطِهِمْ فِي الْإِجَابَةِ ، وَقِلَّةِ الِاحْتِمَالِ عَنْهُمْ ، وَالِاحْتِفَالِ بِهِمْ حِينَ رَامُوا التَّنَصُّلَ
فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ : ( وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) وَقَالَ : ( وَهُوَ مُلِيمٌ ) فَلَمْ يَأْمَنْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخَامِرَ بَوَاطِنَ الضُّعَفَاءِ مِنْ أُمَّتِهِ ، مَا يَعُودُ إِلَى نَقِيصَةٍ فِي حَقِّهِ ، فَنَبَّأَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِيمَا آتَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنَّهُ - مَعَ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ - كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَهَذَا قَوْلٌ جَامِعٌ فِي بَيَانِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ "
انتهى من " مرقاة المفاتيح " (9/ 3645) .
رابعا :
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والآخرين
وسيد ولد آدم أجمعين . روى مسلم (2278)
عن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ) .
وروى الترمذي (3615) وحسنه
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْر َ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
فقول القائل عنه صلى الله عليه وسلم : إنه سيد الأولين والآخرين ، وأشرف الأنبياء والمرسلين ، ونحو ذلك ، لا حرج فيه ، بل هو حقه الواجب ، واعتقاد ذلك ، والإقرار به فرض ثابت ، لكن بشرط ألا يقصد بذلك ، أو يؤدي إطلاقه إلى تنقص أحد من الأنبياء ؛ فإن أدى إلى ذلك ، وجب الإمساك عن ذلك القول ، في مثل هذا المقام .
وإنما المذموم : هو المبالغة في الإطراء ، حتى يرفعه فوق قدره ، أو يعطيه ما لم يجعل الله له ، أو الثناء على الفاضل لتنقص المفضول .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:34
كلام لكعب الأحبار في الاستعاذة بكلمات الله التامات وأسمائه الحسنى، هل يحتج به ؟
السؤال:
عن القعقاع بن حكيم : " أن كعب الأحبار قال : لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا ، فقيل له : وما هن ؟
فقال : أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه ، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وبرأ وذرأ " رواه الإمام مالك. لم أجد كثيرًا من الكلام عليه لأهل العلم
فهل يجوز التكلم بهذه الكلمات استنادًا لكلام كعب الأحبار، وهل لها حكم الرفع ؟
وهل يجوز المداومة عليهن مع أذكار الصباح والمساء قبل الغروب والشروق استنادًا لمن احتج بفضيلة التسبيح أو الذكر في ذلك الوقت ؟ والرجاء تخريج الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
قال الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (3502)
عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ؛ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: " لَوْلاَ كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَاراً"
فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ؟
فَقَالَ:
" أَعُوذُ بِوَجْهِ اللهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لاَ يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمُ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ " .
ومن طريق مالك رواه البيهقي في "الأسماء والصفات" (676) .
وهذا إسناد صحيح عن كعب .
القعقاع بن حكيم ، وثقه أحمد وابن معين
وقال أبو حاتم ليس بحديثه بأس، وذكره ابن حبان في الثقات.
انظر: "التهذيب" (8/383) .
وسمي مولى أبي بكر ثقة ، وثقه أحمد وأبو حاتم والنسائي .
انظر: "التهذيب" (4/239) .
وكعب الأحبار، هو أبو إسحاق كعب بن ماتع الحميري ، تابعي ثقة .
وكان من علماء اليهود ، وله اطلاع تام على كتب بني إسرائيل .
وهذا الدعاء ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هو من كلام كعب الأحبار ، وكعب ليس صحابيا ، بل هو من التابعين ، وليس لكلامه ، ولا أخباره : حكم الرفع ؛ فإن الذي يحكم له بالرفع
عند بعض أهل العلم : ما روي عن الصحابي ، مما لا يقال مثله بالرأي ، شريطة ألا يكون معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب ؛ وكعب ـ ليس صحابيا ، كما مر ، وهو من مسلمة أهل الكتاب ، بل هو من علماء أهل الكتاب ؛ فكيف يكون لكلامه حكم الرفع ؟!
غير أن هذا الدعاء : هو دعاء حسن في نفسه ؛ فإذا دعا به المسلم : فلا حرج عليه ، غير أنه لا يجعله من أذكار الصباح والمساء ، وأوراده التي يداوم عليها ، فإن ما يؤمر المسلم بالمداومة عليه هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الدعاء .
ويغني عن ذلك كله : ما رواه الإمام أحمد (15461)
وابن أبي شيبة (23601)
عن أبي التَّيَّاحِ، قَالَ:
" سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَنْبَشٍ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟
قَالَ: جَاءَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَوْدِيَةِ، وَتَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْجِبَالِ، وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: (يَا مُحَمَّدُ قُلْ)،
قَالَ: ( مَا أَقُولُ؟ ) قَالَ: ( قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ، وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ وَبَرَأَ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ ).
فَطَفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ، وَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (840) .
وروى الطبراني في "الكبير" (3838)
عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ
: " أَنَّهُ شَكَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَجِدُ فَزَعًا بِاللَّيْلِ فَقَالَ: ( أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَزَعَمَ أَنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ يَكِيدُنِي
قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ، وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَفِتَنِ النَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَانُ )
وصححه الألباني في "الصحيحة" (2738) .
فهذا هو الذي يحتج به ويعتمد عليه .
وهذا الذكر يقال عند الفزع بالليل وحصول الأرق ، وعندما يخشى المسلم من الشيطان كيدا ، فيقول هذا الذكر ، فيُذهب الله كيد الشيطان .
وقد ذكره ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (ص 530) من حديث ابن مسعود بنحوه ، وبوب له :
" ذكر مَا يكب العفريت ويطفئ شعلته ".
وليس هذا من أذكار الصباح والمساء .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:40
التعريف بكعب الأحبار ، وبروايته الإسرائيليات ، والموقف منها
السؤال:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة : قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِى فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الاِثْنَينِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَق آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ )
وقد قرأت على الشبكة العنكبوتية أنّ العلماء ضعفوا الحديث وأعلوه ، وأنّ أبا هريرة أخذ الحديث من كعب الأحبار وهو معروف بروايته للإسرائيليات ، فلماذا يروى أبو هريرة عن من ليس بثقة ؟
وأليس كل أحاديث صحيح مسلم هي صحيحة ؟ أرجو منكم شرح المسألة .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
تقدم أن هذا الحديث المذكور
رواه مسلم في صحيحه (2789)
وأنه قد أعله غير واحد من أهل العلم ، وحكم الإمام البخاري وغيره أنه من كلام كعب الأحبار ، أخذه عنه أبو هريرة رضي الله عنه
ثانيا :
كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق ، أدرك الجاهلية وأسلم في أيام أبي بكر وقيل : في أيام عمر ، روى عن عمر وصهيب وعائشة ، وروى عنه بعض الصحابة كمعاوية وأبي هريرة وابن عباس ومالك بن أبي عامر الأصبحي .
وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام وقال : " كان على دين يهود فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان " .
انظر : " تهذيب التهذيب " (8/438-439) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" هُوَ كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ ، اليَمَانِيُّ ، العلَّامة ، الحَبْر ، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ ، وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصحابة , وكان حسن الإسلام ، مَتِيْنَ الدّيَانَةِ ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ "
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (4/472) .
وقال الحافظ في " التقريب " (ص/461) : " ثقة " .
وانظر : " الإصابة " (5/482) .
فكعب الأحبار تابعي ثقة ، وكان من علماء اليهود ، عنده علم غزير ، وله اطلاع تام على كتب بني إسرائيل وكان يحدث بأشياء كثيرة منها .
ثالثا :
اتفق العلماء على أن كل الأحاديث التي رواها البخاري أو مسلم أنها كلها صحيحة ، وفي أعلى مراتب الصحة . إلا بعض الأحاديث القليلة بل النادرة التي تكلم عليها بعض الحفاظ ، فإذا تكلم الحفاظ على حديث أو حديثين أو ثلاثة في صحيح مسلم ، فإن ذلك لا يطعن في صحة الكتاب الذي بلغت أحاديثه ثمانية آلاف حديث
رابعا :
لما أسلم كعب الأحبار ، وكان عنده علم أهل الكتاب ، كان بعض الصحابة يستمعون إلى أحاديثه وينقلونها ، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في التحديث عن أهل الكتاب
كما روى البخاري (3461)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ) ، ومع ذلك فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم يأخذون عنه كل ما يخبر به ، بل ردوا عليه كثيرا قاله مما يخالف الحق الذي بأيدينا .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ... فَإِنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ لَمَّا أَسْلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَانَ يَتَحَدَّثُ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَشْيَاءَ مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَيَسْتَمِعُ لَهُ عُمَرُ تَأْلِيفًا لَهُ وَتَعَجُّبًا مِمَّا عِنْدَهُ مِمَّا يُوَافِقُ كَثِيرٌ مِنْهُ الْحَقَّ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ
فَاسْتَجَازَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ نَقْلَ مَا يُورِدُهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ ; لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَمَّا جَاءَ مِنَ الْإِذْنِ فِي التَّحْدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَكِنَّ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيمَا يَرْوِيهِ غَلَطٌ .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كَعْبِ الْأَحْبَارِ : " وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ "
انتهى من " البداية والنهاية " (1/34-35) .
وقال رحمه الله أيضا :
" أَسْلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَكَانَ يَنْقُلُ شَيْئًا عَنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَحْسِنُ بَعْضَ مَا يَنْقُلُهُ ; لِمَا يُصَدِّقُهُ مِنَ الْحَقِّ ، وَتَأْلِيفًا لِقَلْبِهِ فَتَوَسَّعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَخْذِ مَا عِنْدَهُ ، وَبَالَغَ أَيْضًا هُوَ فِي نَقْلِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنْهَا مَا يُسَاوِي مِدَادَهُ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ لَا مَحَالَةَ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ لِمَا يَشْهَدُ لَهُ الْحَقُّ الَّذِي بِأَيْدِينَا "
انتهى من " البداية والنهاية " (3/36) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لَمَّا دخل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ وَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ مُصَلًّى لِلْمُسْلِمَيْنِ : قَالَ لِكَعْبِ ؟ أَيْنَ أَبْنِيهِ ؟ قَالَ ابْنِهِ خَلْفَ الصَّخْرَةِ . قَالَ : خَالَطَتْك يَهُودِيَّةٌ يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ ؛ بَلْ أَبْنِيهِ أَمَامَهَا [ وذلك لأن اليهود تعظم تلك الصخرة ، ولم يأت ديننا بأي فضيلة لها ] .
وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَلَّى فِي قبلَيْهِ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى الصَّخْرَةِ . وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ مَا يَنْقُلُهُ كَعْبٌ : أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهَا : أَنْتَ عَرْشِي الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ : مَنْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَيْفَ تَكُونُ الصَّخْرَةُ عَرْشَهُ الْأَدْنَى ؟ "
انتهى " مجموع الفتاوى " (15/153) .
فعلى القول بأن هذا الحديث إنما أخذه أبو هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار ، فهو مما رأى أبو هريرة رضي الله عنه أن الرخصة في التحديث عن أهل الكتاب تشمله . ولكنه لا يكون حجة ولا دليلا شرعيا .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-10, 17:47
هل قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم يوما : " اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا" ؟!
السؤال:
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : " أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامٌ ، فَقَالَ لَهَا : ( مَنْ تَرْضَيْنَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ ؟ أَتَرْضَيْنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ؟ )
" قَالَتْ : لا أَرْضَاهُ ؛ عُمَرُ غَلِيظٌ ، فَقَالَ : ( أَتَرْضَيْنَ بِأَبِيكِ بَيْنِي وَبَيْنِكِ ؟ )
قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ ، فَقَالَ : ( وَإِنَّ هَذِهِ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا ، وَمِنْ أَمْرِهَا كَذَا ) ، قَالَتْ : قُلْتُ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا ، قَالَتْ : فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ ، فَرَثَمَ بِهِ أَنْفَهَا ، وَقَالَ : أَنْتِ لا أُمَّ لَكِ ، يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ تَقُولِينَ الْحَقَّ وَأَبُوكِ
وَلَا يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَتْ : فَابْتَدَرَتْ مِنْخَرَاهَا كَأَنَّهَا غَزْلا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ( الْبَيْتَ ) ، وَجَعَلَ يَضْرِبُهَا بِهَا ، فَقَامَتْ هَارِبَةً مِنْهُ ، فَلَزِقَتْ بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ ، لَمَّا خَرَجْتَ ، فَإِنَّا لَمْ نَدْعُكَ لِهَذَا )
، فَلَمَّا خَرَجَ قَامَتْ فَتَنَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهَا : ( ادْنُ مِنِّي ) ، فَأَبَتْ أَنْ تَفْعَلَ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا : ( لَقَدْ كُنْتِ قَبْلَ هَذَا شَدِيدَةَ اللُّزُوقِ بِظَهْرِي ) "
فهل قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم يوما : " اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا" ؟!
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه أبو عمر بن حيويه رحمه الله في "الثالث من مشيخته" (15) فقال :
أَخْبَرَنَا أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ نَصْرٍ الْفَرَائِضِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخُشُوعِيُّ، سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامٌ، فَقَالَ لَهَا: (مَنْ تَرْضَيْنَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟ أَتَرْضَيْنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟)
قَالَتْ: لا أَرْضَاهُ؛ عُمَرُ غَلِيظٌ، فَقَالَ: (أَتَرْضَيْنَ بِأَبِيكِ بَيْنِي وَبَيْنِكِ؟) قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ، فَقَالَ: (وَإِنَّ هَذِهِ مِنْ أَمْرِهَا كَذَا، وَمِنْ أَمْرِهَا كَذَا) .
قَالَتْ: قُلْتُ: اتَّقِ اللَّهَ ، وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا.
قَالَتْ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَرَثَمَ بِهِ أَنْفَهَا، وَقَالَ: أَنْتِ لا أُمَّ لَكِ، يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ تَقُولِينَ الْحَقَّ وَأَبُوكِ، وَلَا يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَالَتْ: فَابْتَدَرَتْ مِنْخَرَاهَا كَأَنَّهَا غَزْلا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (الْبَيْتَ) .
وَجَعَلَ يَضْرِبُهَا بِهَا، فَقَامَتْ هَارِبَةً مِنْهُ ، فَلَزِقَتْ بِظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ، لَمَّا خَرَجْتَ، فَإِنَّا لَمْ نَدْعُكَ لِهَذَا) .
فَلَمَّا خَرَجَ قَامَتْ فَتَنَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهَا: (ادْنُ مِنِّي) .
فَأَبَتْ أَنْ تَفْعَلَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا: (لَقَدْ كُنْتِ قَبْلَ هَذَا شَدِيدَةَ اللُّزُوقِ بِظَهْرِي) "
وهذا حديث منكر
وفي النسخة سقط
فعبد الوارث بن سعيد لم يسمع من عائشة رضي الله عنها حتى يقول : حدثتني عائشة . فهو من أتباع التابعين
إنما روايته عن التابعين أمثال عبد العزيز بن صهيب وشعيب بن الحبحاب وأبي التياح وابن أبي عروبة ،
وكانت وفاته سنة 180، وقيل : 179
انظر: "تهذيب التهذيب" (6/ 443) .
أما عائشة رضي الله عنها فتوفيت سنة 58
انظر : "تهذيب التهذيب" (12/ 436)
فبين وفاتيهما 121 عاما .
والصحيح أن هذا الحديث إنما يرويه عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنا مُحَمد بْن الزبير الحنظلي،
قَالَ: سَمِعْتُ عُمَر بْنَ عَبد الْعَزِيزِ يقول، حَدَّثَنا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ به .
هكذا رواه ابن عدي في "الكامل" (7/ 423) فذكره مختصرا.
ومحمد بن الزبير هذا : قال ابن معين ضعيف لا شي
وقال أبو حاتم ليس بالقوي في حديثه إنكار
وقال البخاري منكر الحديث وفيه نظر
وقال النسائي ضعيف
وقال في موضع آخر ليس بثقة
وقال ابن عدي بصري كوفي قليل الحديث
والذي يرويه غرائب وأفراد، وقال الساجي كان شعبة لا يرضاه، وأسند ابن عدي من طريق أبي داود الطيالسي قلت لشعبة مالك لا تحدث عن محمد بن الزبير؟ فقال مر به رجل فافترى عليه
فقلت له [أي : أنكرت عليه] ، فقال إنه أغاظني.
"تهذيب التهذيب" (9/ 167) .
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/ 259):
" مُنكر الحَدِيث جدا ".
وقال بدر الدين العيني في "مغاني الأخيار" (3/ 542): متروك.
وقال ابن القيسراني رحمه الله عن هذا الحديث :
" رَوَاهُ مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي: عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة. وَمُحَمّد هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف " .
انتهى من " ذخيرة الحفاظ" (2/ 921) .
والصحيح ما رواه أحمد في مسنده (18394)
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: " جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ
فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا: ( أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ )، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: " يَا رَسُولَ اللهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا ".
وصححه محققو المسند
وكذا صححه الألباني في " الصحيحة "(2901) .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 16:35
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
كيف نعرف الأحاديث الصحيحة من المكذوبة
السؤال :
أعلم أن علينا الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما هو مدى تأكدنا من أن بعض الأحاديث الموجودة اليوم ليست مكذوبة أو مغيرة؟ أرجو أن تتفهم أني لا أقوّمُ الأحاديث ولست أقول أنها خطأ بأي حال من الأحوال
لكن الكثير من الأحاديث التي رُويت لي من قبل بعض المسلمين كانت ضعيفة ومكذوبة.أنا أتمثل الأحاديث ما استطعت. أرجو مساعدتي بتقديم أية معلومات حول ذلك
الجواب :
الحمد لله
1. تكفل الله تعالى بحفظ دينه ، ومنه حفظ الكتاب المعجز ، ومعه حفظ السنة النبوية التي تعين على فهم القرآن ، قال الله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، والذكر يشمل القرآن والسنة .
2. وقد حاول كثيرون - في الماضي والحاضر - أن يدسوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الشرع المطهر وفي السنة النبوية ، لكن الله تعالى ردَّ كيدهم في نحورهم
وسخَّر الله الأسباب لحفظ دينه ومنها العلماء الأثبات الثقات الذين ينخلون الروايات ، ويتتبعون مصادرها ويقفون على تراجم رواتها حتى إنهم ليذكرون متى اختلط الراوي ومن الذين رووا عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعد الاختلاط ، ويعرفون رحلات الراوي ودخوله البلدان وعمن أخذ من أهلها
وهكذا في قائمة طويلة يصعب حصرها ، وكل ذلك يدل على أن هذه الأمة محفوظة في دينها مهما حاول الأعداء الكيد والعبث والتحريف .
قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض .
وذكر الحافظ الذهبي أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال الزنديق : أين أنت من ألف حديث وضعتها ، فقال الرشيد : أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفاً حرفاً .
ويستطيع طالب العلم معرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بكل يسر وسهولة وذلك بالنظر في أسانيد الرواية ومعرفة حال رجالها من كتب الرجال وكتب الجرح والتعديل .
3. وقد جمع كثير من العلماء مثل هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتب خاصة ليسهل النظر فيها مجموعة فيحذر الإنسان ويُحذِّر غيره
ومنها " العلل المتناهية " لابن الجوزي
و " المنار المنيف " لابن القيم
و"اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي
و " الفوائد المجموعة " للشوكاني و"الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة" لابن عرّاق
و " ضعيف الجامع الصغير "
و " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " كلاهما للشيخ الألباني رحمه الله .
4. وكون الأخ السائل يسمع الضعيف والموضوع كما يقول فهو يدل على أنه يميز - ولله الحمد - بين ما كان صحيحاً وما كان غير صحيح ! وهذا من فضل الله وهو يدل على ما ذكرنا من حفظ الله لهذه الشريعة .
5. وإننا ننصح الأخ السائل بالقراءة في كتب الرجال والجرح والتعديل وكتب مصطلح الحديث ليعرف مدى الجهود المبذولة لخدمة السنة النبوية .
والله الموفق .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 16:40
ماذا يفعل المسلم مع اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف ؟
السؤال :
ماذا نفعل إذا اختلف علماء الحديث في تصحيح وتضعيف حديث ما يتعلق بالعبادة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
لا فرق عند أهل العلم بين اختلاف العلماء في مسائل الحديث تصحيحا وتضعيفاً وبين اختلافهم في مسائل الفقه ؛ وذلك لأن تصحيح الحديث وتضعيفه خاضع للاجتهاد
وفيه تفاوت بين العلماء في العلم بأحوال الرجال وطرق الحديث ، فما يعرفه بعضهم من حالٍ للراوي قد يخفى على غيره ، وما يقف عليه آخر من شواهد ومتابعات قد لا يتيسر لغيره
فيختلف حكمهم على الحديث الواحد تبعاً لذلك ، وأحياناً يقف كل واحد منهم على ترجمة الراوي وطرق الحديث ، ويختلف ترجيحهم تصحيحاً وتضعيفاً تبعاً لاجتهادهم في الراجح من حال الرواي
وفي الراجح من خلو طرق الحديث من الشذوذ والعلة .
قال الإمام الترمذي :
وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم .
" سنن الترمذي " ( 5 / 756 )
وهو كتاب " العلل " في آخر " السنن " .
وفي بيان أسباب اختلاف العلماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
السبب الثالث : اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره ، مع قطع النظر عن طريق آخر ، سواء كان الصواب معه أو مع غيره ، أو معهما عند من يقول : كل مجتهد مصيب ؛ ولذلك أسباب :
منها : أن يكون المحدث بالحديث يعتقده أحدهما ضعيفا ؛ ويعتقده الآخر ثقة ، ومعرفة الرجال علم واسع ؛ ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه ؛ لاطلاعه على سبب جارح ، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفته أن ذلك السبب غير جارح ؛ إما لأن جنسه غير جارح ؛ أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح .
وهذا باب واسع وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم .
ومنها : ألا يعتقد أن المحدث سمع الحديث ممن حدث عنه ، وغيره يعتقد أنه سمعه لأسباب توجب ذلك معروفة .
ومنها : أن يكون للمحدث حالان : حال استقامة ، وحال اضطراب ؛ مثل أن يختلط أو تحترق كتبه ، فما حدث به في حال الاستقامة صحيح ، وما حدث به في حال الاضطراب ضعيف ؛ فلا يدري ذلك الحديث من أي النوعين ، وقد علم غيره أنه مما حدث به في حال الاستقامة .
ومنها : أن يكون المحدث قد نسي ذلك الحديث فلم يذكره فيما بعد ، أو أنكر أن يكون حدثه معتقدا أن هذا علة توجب ترك الحديث ، ويرى غيره أن هذا مما يصح الاستدلال به ، والمسألة معروفة ... إلى أسباب أخر غير هذه .
" مجموع الفتاوى " ( 20 / 240 – 242 ) باختصار .
ثانياً :
أما موقف المسلم من هذا الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد : فهو الموقف ذاته من اختلافهم في الفقه ، فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً من أحد الحكمَين
وإن كان غير مؤهل فواجبه التقليد ، وعليه أن يأخذ بترجيح من يراه أكثر ديناً وعلماً في هذا الباب ، ولا ينبغي أن يغتر بكونه فقيهاً أو أصوليّا أو مفسِّراً ، بل ينبغي أن يكون المقلَّد في التصحيح والتضعيف من أهل هذه الصنعة وهذا الفن ، وهو فن علم الحديث ، ولا حرج عليه فيما يترتب على تقليده
فإن كان الحديث صحيحاً عنده وقلَّده فيه ، وكان يحوي حكماً فقهيّاً فالواجب عليه العمل به ، ولا حرج عليه إن ترك العمل به إن كان الحديث ضعيفاً .
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
وإذا اختلفت العلماء عليه في الفتيا ، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم مثلاً : فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه .
" لقاء الباب المفتوح " ( اللقاء " 46 " ، سؤال 1136 ) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 16:45
موقفنا من اختلاف العلماء
السؤال :
إذا كانت هناك مسألة ما ، وفيها أكثر من فتوى شرعية ، فتوى تقول بالتحليل ، وفتوى تقول بالتحريم ، وفتوى ما بين بين ، فالمسلم أي شيء يختار ، وخاصة في الأمور المستحدثة ، والتي يدخل فيها القياس ، والاجتهاد ، والتي لا نص فيها ، مثل : فوائد البنوك ، أو أياً كانت المسميات التي يسمونها ، بالاستمثار ، أو العائد الاستثماري .
وما موقف ما يقول إنها فتوى عالم ، وهو المسؤول عنها ، وإنها معلقة في رقبته ؟
وما موقف من يتتبع رخص العلماء ، وتسهيلات العلماء ورخصهم ؟
ويقولون إنهم هم هؤلاء أهل العلم والذكر وهذه فتواهم وهم أعلم منا بذلك ، وقد تكون فتواهم معارضة لفتوى شيوخ وعلماء آخرين في نفس الدولة أو في دول أخرى ، فأي منهم نتبع ؟
وكيف لنا السبيل أن نعرف الصحيح وغير الصحيح ؟
مع العلم أن عامة الناس ليس لديهم العلم الكافي للحكم على صحة هذه الفتوى التي تصدر من عالم أو مفتي ويعارضها علماء آخرون .
الجواب :
الحمد لله
قبل الجواب على هذا السؤال الهام ، لا بد أولاً من بيان الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي حتى يكون من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم ، ويعد خلافه خلافا بين العلماء ، وهي شروط كثيرة ، ترجع في النهاية إلى شرطين اثنين وهما :
1. العلم . لأن المفتي سوف يخبر عن حكم الله تعالى ، ولا يمكن أن يخبر عن حكم الله وهو جاهل به .
2. العدالة . بأن يكون مستقيما في أحواله ، ورعا عفيفا عن كل ما يخدش الأمانة . وأجمع العلماء على أن الفاسق لا تقبل منه الفتوى ، ولو كان من أهل العلم . كما صرح بذلك الخطيب البغدادي .
فمن توفر فيه هذان الشرطان فهو العالم الذي يعتبر قوله ، وأما من لم يتوفر فيه هذان الشرطان فليس هو من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم ، فلا عبرة بقول من عُرف بالجهل أو بعدم العدالة .
الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه للشيخ ابن عثيمين ص: 23 .
فما هو موقف المسلم من اختلاف العلماء الذين سبقت صفتهم ؟
إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة ، والترجيح بينها ، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك ، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة
فقال : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) النساء/59. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة ، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به ، لأن الواجب هو اتباع الدليل
وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة .
وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء ، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/43 . وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه .
فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم ، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض – عافانا الله جميعا – فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره ، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا .
ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل ، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى .
بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً ، وأشد خشية لله تعالى .
الخلاف بين العلماء للشيخ ابن عثيمين 26 . لقاء منوع من الشيخ صالح الفوزان ص: 25، 26 .
وهل يليق – يا أخي - بالعاقل أن يحتاط لبدنه ويذهب إلى أمهر الأطباء مهما كان بعيدا ، وينفق على ذلك الكثير من الأموال ، ثم يتهاون في أمر دينه ؟!
ولا يكون له هَمٌّ إلا أن يتبع هواه ويأخذ بأسهل فتوى ولو خالفت الحق ؟! بل إن من الناس – والعياذ بالله – من يسأل عالماً ، فإذا لم توافق فتواه هواه سأل آخر ، وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يهوى وما يريد !!
وما من عالم من العلماء إلا وله مسائل اجتهد فيها ولم يوفق إلى معرفة الصواب ، وهو في ذلك معذور وله أجر على اجتهاده ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) البخاري (7352) ومسلم (1716) .
فلا يجوز لمسلم أن يتتبع زلات العلماء وأخطاءهم ، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله ، ولهذا قال العلماء : من تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ بالرخص من أقاويلهم ، تزندق ، أو كاد .اهـ . إغاثة اللهفان 1/228 . والزندقة هي النفاق .
نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، ويوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح .
وأما ما ذكرته من فوائد البنوك فقد سبق الجواب عنها
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 16:47
شروط الحديث الصحيح
السؤال :
ما هي شروط الحديث الصحيح ؟.
الجواب :
الحمد لله
للحديث الصحيح إطلاقان :
إطلاق عام : يشمل المتواتر والصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن .
يقول الحافظ ابن حجر :
" واعلم أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح " انتهى . "النكت" (1/480) .
وإطلاق خاص : يشمل الصحيح لذاته والصحيح لغيره فقط .
وهو بهذا التعريف :
الحديث الذي يرويه العدل تام الضبط ، بسند متصل ، ولا يكون شاذاً ولا معلَّلاً .
فإن كان الضبط خفيفاً وليس تاماً فهو الحسن لذاته . فإن تعددت طرقه فهو الصحيح لغيره .
انظر : "نخبة الفِكَر" للحافظ ابن حجر رحمه الله .
ومن هذا التعريف يمكن إجمال شروط الحديث الصحيح بما يلي :
1- عدالة جميع رواته .
2- تمام ضبط رواته لما يروون .
3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه ، بحيث يكون كل راوٍ قد سمع الحديث ممن فوقه .
4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه ، ومعنى الشذوذ : أن يخالف الراوي من هو أرجح منه .
5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه ، والعلة : سبب خفي يقدح في صحة الحديث ، يطّلع عليه الأئمة المتقنون .
وتحديد هذه الشروط جاء نتيجة استقراء الأئمة المتأخرين كلام أهل الحديث وعباراتهم مع تطبيقاتهم ، ولذلك تجد في كلام المتقدمين ما يدل على هذه الشروط .
فمثلاً : قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (370-371) :
" ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا ، منها : أن يكون من حَدَّثَ به ثقةً في دينه ، معروفًا بالصدق في حديثه ، عاقلا لما يحدث به ، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ
وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع ، لا يحدث به على المعنى ؛ لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى حرام ، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يُخاف فيه إحالته الحديث
حافظا إذا حدث به من حفظه ، حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه ، إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم ، بَرِيًّا من أن يكون مدلسا يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه ، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحدث الثقات خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى من انتهى به إليه دونه " انتهى .
فإذا اجتمعت هذه الشروط في الحديث فهو حديث صحيح باتفاق أهل العلم ، كما نقله ابن الصلاح رحمه الله .
انظر : "المقدمة في علوم الحديث" (8) والذهبي في "الموقظة" (24) .
ثم إن من أهل العلم من نقص من هذه الشروط :
فقد قبل الإمام مالك وأبو حنيفة الحديث المرسل ، وهذا تنازل عن شرط الاتصال إلى منتهى الحديث .
كما قبل بعض أهل العلم حديث المدلس ولو لم ينص على السماع .
وقال الذهبي رحمه الله "الموقظة" (24) : وزاد أهل الحديث سلامته من الشذوذ والعلة ، وفيه نظر على مقتضى أصول الفقهاء ، فإن كثيرا من العلل يأبونها .
وانظر : "تدريب الراوي" (1/68-75، 155) .
والمقصود : أن اختلاف العلماء في تصحيح الأحاديث إنما يكون لسببين :
الأول : اختلافهم في بعض شروط الصحة ، وذلك أن من تنازل عن بعض هذه الشروط ، لا بد أنه سيصحح ما لا يصححه غيره .
الثاني : اختلافهم في انطباق هذه الشروط على حديث معين . فقد يختلفون في عدالة بعض الرواة ، أو اتصال السند ونحو ذلك .
واعلم أن ما سبق تقريره من شروط الحديث الصحيح ، قد اجتمع عليها أدلةٌ من الشرع ، وأدلةٌ من العقل ، وليست هذه الشروط تعبدية محضة ، بل معقولة المعنى ، ظاهرة المقصد
وما هي إلا خلاصة لجهود آلاف العلماء ، وعصارة لأفكار أهل الحديث المتقدمين عبر سنوات التدوين الطويلة في القرون الثلاثة الأولى ومن بعدهم .
ومن أراد الإطلاع على ذلك فليرجع إلى كتاب الخطيب البغدادي " الكفاية في علم الرواية " .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 16:52
الفرق بين قولهم حديث صحيح ، وقولهم إسناده صحيح .
السؤال
: ما الفرق بين الحديث الصحيح ، والحديث الذي إسناده صحيح ؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يقرر المحدثون أن الحديث الصحيح الذي يغلب على الظن ثبوت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو الحديث الذي اجتمعت فيه الشروط الخمسة الآتية :
1- أن يكون كل راوٍ من رواته عدلا .
2- أن يكون كل راوٍ من رواته ضابطا ( تمام الضبط أو قاصرا عنه )
3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه .
4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه .
5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال السابق
ثانيا :
ولما كان الشرطان الرابع والخامس من أدق الشروط وأصعبها على الناقد ، لأن تحقيقها يحتاج إلى بحث شديد ، وتدقيق ، وجمع لطرق الحديث ورواياته
كما يحتاج إلى خبرة واسعة في علوم الحديث وتخصص في النقد – لذلك احتاط كثير من المحدثين المتأخرين في أحكامهم ، فاكتفوا بدراسة ظاهر الإسناد للتحقق من توافر الشروط الثلاثة الأولى
فإذا قامت هذه الشروط بإسناد معين قالوا : إسناد صحيح . ليشعروا القارئ أنهم ضمنوا له الشروط الثلاثة الأولى لصحة الحديث دون الشرطين الرابع والخامس ، كي يكون القارئ على بصيرة بما يريده هذا المحدث .
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :
" قولهم : ( هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد ) دون قولهم : ( هذا حديث صحيح أو حديث حسن ) لأنه قد يقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولا يصح لكونه شاذا أو معللا "
انتهى. " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)\
ويقول ابن كثير :
" الحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن ، إذ قد يكون شاذاً أو معللاً "
انتهى. " اختصار علوم الحديث " (ص/43)
ويقول العراقي في ألفيته :
" والحكم للإسناد بالصحة أو *** بالحسن دون الحكم للمتن رأوا "
انتهى. " التبصرة والتذكرة " (1/107)
ثالثا :
ومع ذلك فقد يستثنى من هذه التفرقة ما إذا عرف الإمام بأنه لا يفرق في اصطلاحه بين هذين الاستعمالين " إسناد صحيح " و " حديث صحيح "، فقد يطلق الإمام – وخاصة إذا كان من المتقدمين –
قوله " إسناد صحيح " ويريد به تصحيح الحديث نفسه ، والحكم بانطباق الشروط الخمسة جميعها .
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :
" غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله : إنه صحيح الإسناد ، ولم يذكر له علة ، ولم يقدح فيه ، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه ؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر . والله أعلم "
انتهى. " مقدمة في علوم الحديث " (ص/23)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين مَن يُفَرِّقُ - في وَصفِهِ الحديث بالصحة - بين التقييد والإطلاق ، وبين مَن لا يُفَرِّق .
فمن عُرف مِن حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ، ويُحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا ، وتقييده على الإسناد فقط .
ومَن عُرف مِن حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد ، فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرا " انتهى . [ وهو يشير إلى قول ابن الصلاح الذي نقلناه قبله مباشرة ] .
" النكت على ابن الصلاح " (1/474)
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 16:54
معنى قول المحدثين :
" للحديث شواهد وطرق كثيرة "
السؤال :
ما معنى : للحديث شواهد وطرق كثيرة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
هذا التعبير يستعمله علماء الحديث الشريف ، يريدون به بيان أمر مهم في علوم الحديث ، وهو وجود المتابعات
والشواهد للحديث المعين ، إذ من المعلوم أن أصحاب الكتب الستة والمسانيد إنما يوردون الأحاديث مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أن الإمام البخاري مثلا يروي الحديث عن شيخه الذي أخذ عنه
وذلك الشيخ يروي الحديث عن شيخه ..
وهكذا حتى تصل السلسلة إلى الصحابي الذي سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم .
مثال ذلك :
قال الإمام البخاري رحمه الله في "الجامع الصحيح" ، حديث رقم : (552) :
حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ).
وهذا الإسناد – كما ترى – مهم جدا في معرفة ثبوت الحديث من عدمه ، فالعلماء يبحثون في سيرة رجال الإسناد ، ودرجة ضبطهم وحفظهم للحديث ، فإذا وجدوا أنهم من الثقات الحفاظ حكموا على الحديث بالصحة والقبول .
ثم إذا وجدوا أن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد رواه إمام آخر عن الصحابي نفسه ، ولكن بإسناد آخر ، قالوا : هذا الإسناد متابع للإسناد الأول ، أو قالوا : إن للحديث طرقاً عدة .
وهذا الحديث الذي مثلنا به ، رواه الإمام مسلم رحمه الله من حديث ابن عمر (626) ، ولكن بإسناد مختلف عن إسناد الإمام البخاري ، فقال رحمه الله :
حدثني هارون بن سعيد الأيلي ، قال حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله عن أبيه – يعني ابن عمر – : إلى آخر الحديث .
فإسناد الحديث عند الإمام مسلم يسميه العلماء طريقا آخر ، وذلك لأن الصحابي واحد في الحديثين ، وهو ابن عمر رضي الله عنهما ، وإنما رواه عنه تلميذ آخر من تلاميذه .
أما إذا روى واحد من الأئمة هذا الحديث عن صحابي آخر غير ابن عمر ، فهذا يسميه المحدثون بـ " الشاهد "، فيقولون : للحديث شواهد أخرى .
وفي المثال السابق نجد أن الإمام النسائي روى الحديث في "السنن" (478) عن الصحابي الجليل نوفل بن معاوية رضي الله عنه .
فقال : أخبرنا سويد بن نصر ، قال أنبأنا عبد الله بن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، قال أنبأنا جعفر بن ربيعة ، أن عراك بن مالك حدثه ، أن نوفل بن معاوية حدثه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ).
فحديث نوفل بن معاوية هذا يسمى " شاهدا " لحديث ابن عمر السابق ، والعكس أيضا ، حديث ابن عمر يسمى " شاهدا " لحديث نوفل بن معاوية ، رضي الله عن الجميع .
وبهذا نفهم معنى قول العلماء : " للحديث شواهد وطرق كثيرة ".
فالشاهد : أن يروي الحديث عن صحابي آخر .
والطريق : أن يروي عن الصحابي نفسه ولكن بسند مختلف عن السند الأول .
ثانياً :
يبقى السؤال : ماذا نستفيد من هذه الطرق والشواهد للأحاديث ؟
فالجواب : يستفاد منها فوائد كثيرة ، منها :
1- معرفة الأخطاء التي قد تقع من بعض الرواة ، وقد قال علي بن المديني رحمه الله : "الباب إذا لم تُجمَع طُرُقُه لم يَتَبَيَّن خطؤه" انتهى . رواه الخطيب البغدادي في "الجامع" (2/212) .
2- زيادة الاطمئنان إلى صحة الحديث وثبوته ، فالقلب يطمئن إلى صحة الخبر الذي جاء من طريقين أكثر من اطمئنانه للخبر الوارد من طريق واحد .
3- قد يأتي الحديث بسند ضعيف ، ولكن تتعدد طرقه وشواهده ، فيرتقي بهذا إلى درجة القبول ، ويكون حديثاً مقبولاً ، وهذا ما يسميه العلماء : تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات ، وهو باب عظيم من أبواب علوم الحديث له شروطه وضوابطه الدقيقة التي يجب الالتزام بها .
قال السخاوي رحمه الله :
"قال النووي رحمه الله في بعض الأحاديث
: وهذه وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوي بعضها بعضاً ، ويصير الحديث حسناً ، ويحتج به ، وسبقه البيهقي في تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة ، وظاهر كلام أبي الحسن بن القطان يرشد إليه ، فإنه قال : هذا القسم لا يحتج به كله
بأن يعمل به في فضائل الأعمال ويتوقف عن العمل به في الأحكام، إلا إذا كثرت طرقه ، أو عضده اتصال عمل ، أو موافقة شاهد صحيح ، أو ظاهر القرآن ، واستحسنه شيخنا - يعني ابن حجر - وأشار إلى أنَّ مذهب ابن دقيق العيد التوقف" انتهى .
"فتح المغيث" (1/69) .
نرجو أن نكون قد وفقنا لبيان ما سأل عنه السائل بعبارة واضحة سهلة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 17:00
هل يصح ذكر اسم الله الأعظم في هذا الحديث؟
السؤال:
أنا باحثة شرعية متخصصة في أمور العقيدة ، أصنف حاليا بحثا حول اسم الله الأعظم
وقد وجدت حديثا يصرح به ، ولكننى لم أجد هذا الحديث يحتج به أحد ممن ناقش ماهية الاسم الأعظم إلا في بحث وحيد فقط ، وأما باقى الأبحاث فلم تنوه إليه أصلا ، كما أنى حاولت البحث عنه في مواقع تحقيق الأحاديث فلم أجده
لذلك أرجو منكم تحقيق الحديث ، وذكر سبب عدم تواجده في أي موقع أحاديث ، وسبب عدم ذكره في جل الأبحاث التى تناولت اسم الله الأعظم ، والحديث أَخْرَجَه التِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ( أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّه، ُ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَهِيَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ ) .. يراجع كتاب " سبل السلام " (2/704) .
الجواب :
الحمد لله
روى الترمذي (3383)
وحسنه، وابن ماجة (3800)
وابن حبان (846)
والحاكم (1834)
والنسائي في "السنن الكبرى" (10599)
عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ ) .
وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وروى الترمذي (3585)
عن ابن عمرو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى الإمام مالك في "الموطأ "(726)
والبيهقي في "السنن" (8391)
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ).
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" جَاءَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ".
انتهى من "التمهيد" (6/ 39) .
وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (1102) .
وقال الصنعاني رحمه الله في "سبل السلام" (2/ 704):
" أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا : (أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) ، وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَهِيَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ " انتهى .
فجمع رحمه الله بين حديث جابر : ( أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) وبين حديث ابن عمرو : ( أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ).
ثم قال : " وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَهِيَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ " .
فالقول بأن كلمة التوحيد هي اسم الله الأعظم ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من كلام الصنعاني رحمه الله ، ولعله لما رأى أن كلمة التوحيد هي أفضل الذكر
وهي أفضل ما قال الأنبياء عليهم السلام ، اختار أن تكون هي اسم الله الأعظم .
وربما وقع في بعض طبعات الكتاب، أو في النسخة الالكترونية منه، جَعْل الكلام كله بين قوسين ، فظنت الأخت الباحثة أن الكلام كله حديث مرفوع ، وليس الأمر كذلك .
ويتضح الأمر أكثر إذا علمنا أن هذا الكلام ليس للصنعاني أيضا ، وإنما هو نقله من الكتاب الذي اختصره
" وقد جاء فى الحديث هنا أيضًا : أفضل الذكر التهليل ، وأنه أفضل ما قاله - عليه السلام - والنبيون من قبله . وقد قيل : إنه اسم الله الاَعظم ، وهى كلمة الإخلاص "
انتهى من "إكمال المعلم" للقاضي عياض (8/192) .
ثم نقله الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (114/207)
وزاد بعده تخريج حديث "أفضل الذكر.." .
ثم نقله ، مع بعض تغيير في العبارة ، ودمج التخريج : المغربي
في "البدر التمام" (10/427):
" ويدل على أفضلية التهليل الحديث مرفوعًا: "أفضل الذكر لا إله إلا الله". أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث جابر. و"أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله" . وهو كلمة التوحيد والإخلاص، وهو اسم الله الأعظم .. " اهـ
وهي العبارة التي أخذها الصنعاني في كتابه "سبل السلام" ، الذي هو مختصر لكتاب " البدر التمام" .
فتحصل من ذلك كله : إن وصف "لا إله إلا الله " بـ"اسم الله الأعظم" ليس في الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو قول "قيل" ،
على حد تعبير القاضي عياض رحمه الله ، وسرى منه إلى غيره ، على نحو ما ذكرناه .
وقد أوردنا ما جاء في " اسم الله الأعظم " في النصوص النبوية، وأقوال بعض أهل العلم ، وبينّا الراجح من أقوالهم
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 17:09
" اسم الله الأعظم "
في النصوص النبوية وأقوال أهل العلم
السؤال:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) ، ومنها اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى .
سؤالي هو : ما هو اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى ؟
وكيف نعرفه ؟
وهل أحد من أهل العلم كان يعرفه ؟
هل أجمع العلماء عليه ؟ . جزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ورد في خصوص " اسم الله الأعظم " عدة أحاديث ، أشهرها :
1. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ : فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ " ) .
رواه ابن ماجه ( 3856 )
وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
2. عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) .
رواه الترمذي ( 3544
) وأبو داود ( 1495 )
والنسائي ( 1300 )
وابن ماجه ( 3858 )
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
3. عن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " ، فَقَالَ : ( لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ) .
رواه الترمذي ( 3475 )
وأبو داود ( 1493 )
وابن ماجه ( 3857 )
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك .
" فتح الباري " ( 11 / 225 ) .
4. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) ، وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ( الم . اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) .
رواه الترمذي ( 3478 )
وأبو داود ( 1496 )
وابن ماجه ( 3855 ) .
والحديث ضعيف ، فيه عبيد الله بن أبي زياد وشهر بن حوشب ، وكلاهما ضعيف .
ثانياً:
قد اختلف أهل العلم في " اسم الله الأعظم " من حيث وجوده على أقوال :
القول الأول :
إنكار وجوده أصلاً ! لاعتقادهم بعدم تفضيل اسم من أسماء الله تعالى على آخر ، وقد تأول هؤلاء الأحاديث الواردة السابقة فحملوها على وجوه :
الوجه الأول : من قال بأن معنى " الأعظم "
هو " العظيم " وأنه لا تفاضل بين أسماء الله تعالى .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقد أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا : لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض
ونسب ذلك بعضُهم لمالك ؛ لكراهيته أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور لئلا يُظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل
وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم : العظيم ، وأن أسماء الله كلها عظيمة ، وعبارة أبي جعفر الطبري : " اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم والذي عندي : أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم ، ولا شيء أعظم منه "
فكأنه يقول : كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم ، فيرجع إلى معنى عظيم كما تقدم .
انتهى
الوجه الثاني : أن المراد بالأحاديث السابقة بيان مزيد ثواب من دعا بذلك الاسم .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقال ابن حبان : الأعظمية الواردة في الأخبار : إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك ، كما أطلق ذلك في القرآن ، والمراد به : مزيد ثواب القارئ .
انتهى
الوجه الثالث : أن المراد بالاسم الأعظم حالة يكون عليها الداعي ، وهي تشمل كل من دعا الله تعالى بأي اسم من أسمائه ، إن كان على تلك الحال .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقيل : المراد بالاسم الأعظم : كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به مستغرقاً بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله تعالى ، فإن من تأتَّى له ذلك : استجيب له ، ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق ، وعن الجنيد ، وعن غيرهما .
انتهى
القول الثاني :
قول من قال بأن الله تعالى قد استأثر بعلم تحديد اسمه الأعظم ، وأنه لم يُطلع عليه أحداً من خلقه .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وقال آخرون : استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحداً من خلقه .
انتهى
ينظر: " فتح الباري "
للحافظ ابن حجر ( 11 / 224 ) .
القول الثالث :
قول من أثبت وجود اسم الله الأعظم وعيَّنه ، وقد اختلف هؤلاء المعينون في الاسم الأعظم على أربعة عشر قولاً ! وقد ساقها الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه "
فتح الباري " ( 11 / 224 ، 225 ) وهي :
1. هو ! 2. الله 3. الله الرحمن الرحيم 4. الرحمن الرحيم الحي القيوم 5.
لحي القيوم 6. ا
لحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام الحي القيوم 7.
بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام 8.
ذو الجلال والإكرام 9.
الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد 10.
رب رب 11.
دعوة ذي النون في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " 12.
هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم 13.
هو مخفي في الأسماء الحسنى 14. كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
واعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين اسم الله الأعظم على أربعة عشر قولاً ، ساقها الحافظ في " الفتح " ، وذكر لكل قول دليله ، وأكثرها أدلتها من الأحاديث ، وبعضها مجرد رأي لا يلتفت إليه ، مثل القول الثاني عشر ؛ فإن دليله : أن فلاناً سأل الله أن يعلِّمه الاسم الأعظم ، فرأى في النوم ؛ هو الله ، الله ، الله ، الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم !! .
وتلك الأحاديث منها الصحيح ، ولكنه ليس صريح الدلالة ، ومنها الموقوف كهذا ، ومنها الصريح الدلالة ؛ وهو قسمان :
قسم صحيح صريح ، وهو حديث بريدة : ( الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ... ) إلخ
وقال الحافظ : " وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك
" ، وهو كما قال رحمه الله ، وأقره الشوكاني في " تحفة الذاكرين " ( ص 52 )
وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1341 ) .
والقسم الآخر : صريح غير صحيح ، بعضه مما صرح الحافظ بضعفه ؛ كحديث القول الثالث عن عائشة في ابن ماجه ( 3859 )
وهو في " ضعيف ابن ماجه " رقم ( 841 )
وبعضه مما سكت عنه فلم يحسن ! كحديث القول الثامن من حديث معاذ بن جبل في الترمذي ،
وهو مخرج في " الضعيفة " برقم ( 4520 ) .
وهناك أحاديث أخرى صريحة لم يتعرض الحافظ لذكرها ، ولكنها واهية
وهي مخرجة هناك برقم ( 2772 و 2773 و 2775 ) .
" سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " ( 13 / 279 ) .
ثالثاً:
لعل ألأقرب من تلك الأقوال أن الاسم الأعظم هو " الله " ؛ فهو الاسم الجامع لله تعالى الذي يدل على جميع أسمائه وصفاته تعالى ، وهو اسم لم يُطلق على أحد غير الله تعالى ، وعلى هذا أكثر أهل العلم .
1. قال ابن القيم – رحمه الله - :
اسم " الله " دالٌّ على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث ... .
" مدارج السالكين " ( 1 / 32 ) .
والدلالات الثلاث هي : المطابقة والتضمن واللزوم .
2. وقال ابن أمير حاج الحنفي – رحمه الله - :
عن محمد بن الحسن قال : سمعتُ أبا حنيفة رحمه الله يقول : اسم الله الأعظم هو " الله " , وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء , وأكثر العارفين .
وفي " التقرير والتحبير " ( 1 / 5 ) .
3. وقال أبو البقاء الفتوحي الحنبلي – رحمه الله - :
فائدتان :
الأولى : أن اسم " الله " علم للذات , ومختص به , فيعم جميع أسمائه الحسنى .
الثانية : أنه اسم الله الأعظم عند أكثر أهل العلم الذي هو متصف بجميع المحامد .
" شرح الكوكب المنير " ( ص 4 ) .
4. وقال الشربيني الشافعي – رحمه الله - :
وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم ، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً .
" مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج " ( 1 / 88 ، 89 ) .
5. وقال الشيخ عمر الأشقر – رحمه الله - :
والذي يظهر من المقارنة بين النصوص التي ورد فيها اسم الله الأعظم أنّه : ( الله ) ، فهذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي يوجد في جميع النصوص التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنّ اسم الله الأعظم ورد فيها .
ومما يُرجِّح أن ( الله ) هو الاسم الأعظم أنه تكرر في القرآن الكريم ( 2697 )
سبعاً وتسعين وستمائة وألفين - حسب إحصاء المعجم المفهرس - وورد بلفظ ( اللهم ) خمس مرات ، في حين أنّ اسماً آخر مما يختص بالله تعالى وهو ( الرحمن ) لم يرد ذكره إلا سبعاً وخمسين مرة ، ويرجحه أيضاً : ما تضمنه هذا الاسم من المعاني العظيمة الكثيرة .
" العقيدة في الله " ( ص 213 ) .
ويأتي في الدرجة الثانية من القوة في كونه اسم الله الأعظم " الحي القيوم " ، وهو قول طائفة من العلماء ، ومنهم النووي ، ورجحه الشيخ العثيمين رحمه الله .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 17:14
حديث : (قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنة المغرب) .
السؤال:
هل بالإمكان تخريج حديث قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنة صلاة المغرب؟
الجواب :
الحمد لله
روى الإمام أحمد (4763)
عَنِ مجاهد عن ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ " .
وصححه محققو المسند على شرط الشيخين .
ورواه النسائي (992)
من طريق أخرى عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " رَمَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً، يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "
وحسنه الألباني في " صحيح النسائي " .
وروى الترمذي (431)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: " مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ : بِقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وروى الطبراني في "الأوسط" (7304)
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " .
وروى عبد الرزاق في " المصنف " (3/ 70)
عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَرْكَعُوا بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "
وعزاه الحافظ ابن حجر رحمه الله في "نتائج الأفكار" (1/491)
إلى محمد بن نصر "بسند صحيح"
قال : " وعبد الرحمن تابعي كبير ، سمع من ابن مسعود وغيره من كبار الصحابة، فهو شاهد قوي " انتهى .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-16, 17:21
تخريج حديث : ( لا تَسُبُّوا قُرَيْشًا؛ فَإِنَّ عَالِمهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمًا ).
السؤال:
ما صحة حديث : ( عالم قريش يملأ طباق الأرض علما ) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (2/ 637)
والبيهقي في " المعرفة " (1/206)
والعقيلي في " الضعفاء " (4/289)
من طريق النضر بن حميد عن الْجَارُودِ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تَسُبُّوا قُرَيْشًا؛ فَإِنَّ عَالِمهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمًا ).
وهذا إسناد واه ، النضر بن حميد، قال أبو حاتم: متروك الحديث
وقال البخاري: منكر الحديث.
"لسان الميزان" (6 /159) .
ورواه ابن أبي عاصم أيضا (2/ 637)
والخطيب في تاريخه (2/392)
وابن عساكر في تاريخه (51/ 326)
من طريق إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ عَنْ عبد العزيز بن عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به مرفوعا .
وعبد العزيز بن عبيد الله
قال ابن معين: ضعيف الحديث، لم يحدث عنه غير إسماعيل،
وقال أبو زرعة: مضطرب الحديث ، واهي الحديث
يروي عن أهل الكوفة والمدينة ولم يرو عنه غير إسماعيل، وهو عندي عجيب ، ضعيف منكر الحديث ينكر حديثه
ويروي أحاديث مناكير ويروي أحاديث حسانا.
وقال أبو داود: ليس بشيء،
وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه ،
وقال الدارقطني: حمصي متروك.
"تهذيب التهذيب" (6 /311) .
وله شاهد آخر يرويه ابن عبد البر في "الانتقاء" (ص 83)
وابن عساكر في "التاريخ" (58/378)
من طريق عَدِيّ بْن الْفَضْلِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ به مرفوعا .
وعدي بن الفضل
قال ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: متروك الحديث.
قال: وترك أبو زرعة حديثه
وقال أبو داود: لا يكتب حديثه
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال الدارقطني: متروك . "
"تهذيب التهذيب" (7 /154) .
وأورده ابن عبد البر أيضا في "الانتقاء" (ص 83)
من طريق صَالِح بْن رُسْتُمَ الدِّمَشْقِيُّ عَن عَطاء ابْن أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( أَكْرِمُوا قُرَيْشًا؛ فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمًا)
وهذا مرسل ضعيف ، صالح بن رستم ، قال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عنه فقال: مجهول لا نعرفه " .
"الجرح والتعديل" (4 /403) .
وقد ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 420) وقال:
" هو موضوع. قاله الصغاني ".
وأورده الألباني في "الضعيفة" (1/ 573)
بلفظ : ( لا تسبوا قريشا، فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما، اللهم إنك أذقت أولها عذابا أو وبالا، فأذق آخرها نوالا )
وقال: ضعيف جدا " انتهى .
والخلاصة :
أن هذا الحديث: ( لا تَسُبُّوا قُرَيْشًا؛ فَإِنَّ عَالِمهَا يَمْلأُ الأَرْضَ عِلْمًا )
حديث ضعيف جدا ، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 17:25
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تخريج حديث: (مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ ، وَهَلَّلَ مِائَةَ تَهْلِيلَة ٍ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ).
السؤال:
ما تخريج حديث أبي هُرَيرة عند النَّسائيِّ : أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة ، وهلل مائة تهليلة غفر له ذنوبه ، وإن كانت مثل زبد البحر ) وبيان إن كان يصِحُّ أم لا ؟
وهل صحَّ اجتهاد الألباني بالاستقرار على تصحيحه آخر الأمر؟
الجواب :
الحمد لله
روى النسائي في "المجتبى" (1354)
وفي "عمل اليوم والليلة" (140)
وأبو الشيخ في "جزء أحاديث أبي الزبير عن غير جابر" (143)
وأبو عبد الله العطار في "جزئه" (18)
من طريق الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ ، وَهَلَّلَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ).
وأبو علقمة هو المصري مولى بني هاشم ، قال أبو حاتم: أحاديثه صحاح ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: مصري تابعي ثقة .
" تهذيب التهذيب " (12/ 173) .
وأبو الزبير ، هو محمد بن مسلم بن تدرس ، ثقة ، لكنه مدلس
قال الحافظ :
" مشهور بالتدليس ، وصفه النسائي وغيره بالتدليس " .
"طبقات المدلسين" (ص 45) .
وحجاج بن حجاج ثقة ، قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة ، وقال أبو حاتم: ثقة من الثقات ، صدوق.
" تهذيب التهذيب " (2/ 200) .
فهذا حديث ضعيف لتفرد أبي الزبير به ، وهو مدلس ، وقد عنعنه .
وقد صححه الألباني في " صحيح النسائي "
ولكنه ضعفه في "ضعيف الجامع" (5621)
وتوسع في تخريجه وبيان علته في "السلسلة الضعيفة" (3/ 395) ، فقال :
" منكر :
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 141)
ومحمد بن الحسن الطبري
في " الأمالي " (4/1)
والسياق له من طريق يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عطاء
ابن أبي علقمة بن الحارث بن نوفل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، عطاء بن أبي علقمة بن الحارث مجهول كما في " التقريب ".
ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح مثله ، وبه أعله النسائي.
وقد خالفه الحجاج بن الحجاج فرواه عن أبي الزبير عن أبي علقمة عن أبي هريرة به
بلفظ:
" من سبح دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة ... " الحديث لم يذكر التكبير مائة مرة.
أخرجه النسائي (1/199)
وفي " اليوم والليلة " أيضا (140)
وأبو علقمة هو المصري مولى بني هاشم.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم، إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، فيخشى أن
يكون تلقاه عن ضعيف مثل يعقوب هذا ثم دلسه، وكأن الحافظ رحمه الله يميل إلى
هذا، فقد ذكر في ترجمة عطاء بن أبي علقمة حديثه هذا، ثم ذكر رواية الحجاج عن
أبي الزبير، ثم قال:
" فكأن الصواب: يعقوب بن عطاء عن أبي علقمة إن شاء الله تعالى ".
والمحفوظ في هذا الحديث إنما هو بلفظ:
" ثلاثا وثلاثين " كما رواه مسلم وغيره من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا،
وهو مخرج في " الأحاديث الصحيحة " رقم (101) " انتهى .
وهو يشير ـ رحمه الله ـ إلى ما رواه مسلم (597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
( مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ).
فهذا هو المحفوظ ، أما الحديث الوارد في السؤال : فضعيف ، كما تقدم .
ولا يزال الشيخ الألباني رحمه الله يعل أحاديث أبي الزبير المعنعنة بتدليسه .
والله تعالى أعلم .
روضة الكتب
2018-07-21, 17:30
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 17:31
معنى "المثناة" في أثر: (مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُتْلَى الْمَثْنَاةُ فَلَا يُوجَدُ مَنْ يُغَيِّرُهَا).
السؤال :
ما معنى "المثناة" في قوله ﷺ : من اقتراب ( وفي رواية أشراط ) الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار ويفتح القول ويخزن العمل ويقرأ بالقوم ( المثناة ) ليس فيهم أحد ينكرها . قيل وما المثناة ؟
قال : ما استكتب سوى كتاب الله عز وجل ) لقد رأيت القوم منكري السنّة يستشهدون به (مع انه ينكرون السنة!! ) ويقولون انه يُقصد به كتب السنة والفقه ؟
الجواب :
الحمد لله
روى الحاكم في "المستدرك" (8661)
والبيهقي في "الشعب" (4834)
وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص71)
والدارمي في "سننه" (493)
والطبراني في "مسند الشاميين" (482)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: " مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْقَوْلُ وَيُخْزَنَ الْفِعْلُ، وَمِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُرْفَعَ الْأَشْرَارُ، وَتُوضَعَ الْأَخْيَارُ، وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُقْرَأَ الْمَثْنَاةُ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَأِ لَا يُغَيَّرُ !!
قِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ بِمَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: " مَا جَاءَكُمْ عَنْ مَنْ تَأْمَنُونَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ فَخُذُوا بِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ عَنْهُ تُسْأَلُونَ، وَبِهِ تُجْزَوْنَ، وَكَفَى بِهِ وَاعِظًا لِمَنْ عَقِلَ " .
وَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَمَا الْمَثْنَاةُ؟
قَالَ: " مَا اسْتُكْتِبَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ".
ورواه الحاكم (8660)
مرفوعا أيضا ، وصححه مرفوعا وموقوفا ، ووافقه الذهبي .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" هو من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، يرويه عنه عمرو
ابن قيس الكندي، رواه عنه جمع ، رفعه بعضهم وأوقفه بعضهم، وهو في حكم المرفوع
لأنه لا يقال بمجرد الرأي "
انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 774)
والأظهر ، والله أعلم ، وقف هذا الحديث على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وليس له حكم الرفع ، لما يأتي في كلام أبي عبيد .
وينظر أيضا : " الروض البسام" لجاسم الفهيد (4/108-109)
والمقصود بالمثناة : كتب كتبها أهل الكتاب، فيها الكثير من الباطل، شغلوا الناس بها عن كتاب الله، فإذا انشغل الناس بها، وتركوا الكتاب والسنة ، فتلك علامة من علامات الساعة .
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (8/ 341):
" رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إنَّ ابْنِي هَلَكَ، فَزَعَمَتْ الْيَهُودُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِي فِي مِيرَاثِهِ؟ فَدَعَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ:
"أَلَا تُعْطُونَ هَذِهِ حَقَّهَا؟" فَقَالُوا: لَا نَجِدُ لَهَا حَقًّا فِي كِتَابِنَا؟ فَقَالَ: "أَفِي التَّوْرَاةِ؟" قَالُوا: بَلَى، فِي الْمُثَنَّاةِ قَالَ: "وَمَا الْمُثَنَّاةُ؟" قَالُوا: كِتَابٌ كَتَبَهُ أَقْوَامٌ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ؟ فَسَبَّهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: "اذْهَبُوا فَأَعْطُوهَا حَقَّهَا"
وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ رحمه الله :
" سَأَلت رجلا من أهل الْعلم بالكتب الأُوَل ، قد عرفهَا وَقرأَهَا ، عَن المَثْناة ؟
فَقَالَ: إِن الْأَحْبَار والرهبان من بني إِسْرَائِيل بعد مُوسَى وضعُوا كتابا فيمَا بَينهم ، على مَا أَرَادوا من غير كتاب الله تبَارك وَتَعَالَى، فسَمَّوه الْمُثَنَّاة، كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنهم أحلّوا فِيهِ مَا شاؤوا ، وحرموا فِيهِ مَا شاؤوا
على خلاف كتاب الله تبَارك وَتَعَالَى، فَبِهَذَا عرفت تَأْوِيل حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : أَنه إِنَّمَا كره الْأَخْذ عَن أهل الْكتاب لذَلِك الْمَعْنى، وَقد كَانَت عِنْده كتب ، وَقعت إِلَيْهِ يَوْم اليرموك، فأظنّه قَالَ هَذَا لمعرفته بِمَا فِيهَا "
"غريب الحديث" (4/ 282)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَعِنْدَهُمْ - يعني أهل الكتاب - النُّبُوَّاتُ الَّتِي هِيَ مِئَتَانِ وَعِشْرُونَ ، وكِتَابُ الْمَثْنَوِيِّ الَّذِي مَعْنَاهُ "الْمُثَنَّاةُ" ، وَهِيَ الَّتِي جَعَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فِينَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
فَقَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْرَأَ فِيهِمْ بِالْمُثَنَّاةِ لَيْسَ أَحَدٌ يُغَيِّرُهَا . قِيلَ: وَمَا الْمُثَنَّاةُ؟ قَالَ: مَا اُسْتُكْتِبَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ".
"مجموع الفتاوى" (4/ 112)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" يقول العبرانيون للكتب "المشنا" ، وَمَعْنَاهَا بلغَة الْعَرَب "الْمُثَنَّاة" ، الَّتِي تثنى ، أَي تقْرَأ مرّة بعد مرّة "
انتهى ، من جلاء الأفهام (ص 198)
وقال ابن الأثير رحمه الله :
" قِيلَ إنَّ المَثْنَاة هِيَ أنَّ أَحْبَارَ بَني إِسْرَائِيلَ بَعْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وضعوا كتابا فِيمَا بيْنهم عَلَى مَا أرَادُوا مِنْ غَيْرِ كتاب الله "
انتهى من النهاية (1/ 225)
فهذا هو المقصود بالمثناة ، ويدل عليه لفظ الدارمي :
" مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَنْ يَظْهَرَ الْقَوْلُ وَيُخْزَنَ الْعَمَلُ، أَلَا إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَنْ تُتْلَى الْمَثْنَاةُ فَلَا يُوجَدُ مَنْ يُغَيِّرُهَا ".
أما القول بأن المقصود بها كتب السنة والفقه والعلم الشرعي : فقول باطل ، لا أصل له ، وهو مدخل لأهل الضلال ، لهدم دين الإسلام ، وتشكيك الناس فيما أتاهم من عند رب العالمين .
ويدل على بطلانه الحديث نفسه ، حيث جاء فيه كما تقدم : أنه قيل لعبد الله بن عمرو : كَيْفَ بِمَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فقَالَ: " مَا جَاءَكُمْ عَنْ مَنْ تَأْمَنُونَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ فَخُذُوا بِهِ "
فأمر بالأخذ بالأحاديث الثابتة الصحيحة التي يرويها الثقات الأمناء .
وقد كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، من أكثر الصحابة رواية للحديث .
روى الترمذي (6228) عن أبي هريرة قال: " لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي ، إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ ، وَكُنْتُ لَا أَكْتُبُ ".
وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله :
" لم يُرد عَبْد اللَّه بْن عَمْرو النَّهْي عَن حَدِيث رَسُول اللَّه صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وسنّته، وَكَيف ينْهَى عَن ذَلِك وَهُوَ من أَكثر الصَّحَابَة حَدِيثا عَنْهُ؟ "
انتهى من "غريب الحديث" (4/ 282)
وإذا أراد المنكر للسنة قياس كتب السنة والفقه ، على مثناة اليهود ، فهو قياس باطل ، لأن "مثناة" اليهود وضعوها مخالفة لكتابهم ، وصاروا يحكمون بها بدلا من الحكم بكتابهم ، أما كتب السنة والفقه فقد كتبها العلماء وجمعوا فيها أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما استنبطوه منها من الأحكام .
فكيف يقاس ما كان موافقا للكتاب والسنة ، مبنيا عليهما ، على ما خالف كتاب الله ؟!
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 17:35
تخريج حديث : ( مَنْ نَظَرَ إِلَى وَجْهِ عَالِمٍ نَظْرَةً فَفَرِحَ بِهِ...).
السؤال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَظَرَ إِلَى وَجْهِ عَالِمٍ نَظْرَةً فَفَرِحَ بِهِ، خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ تِلْكَ النَّظْرَةِ وَالْفَرَحِ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِصَاحِبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . أهذا الحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ثم من خرج هذا الحديث؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (49/366) فقال :
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رَجَاءٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ قَيْسُ بْنُ بُسْرِ بْنِ السِّنْدِيِّ النَّصْرِيُّ بِجُبَيْلٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيٍّ الْعَجَمِيُّ الأَحْوَلُ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَظَرَ إِلَى وَجْهِ عَالِمٍ نَظْرَةً فَفَرِحَ بِهِ، خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ تِلْكَ النَّظْرَةِ وَالْفَرَحِ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِصَاحِبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ).
وهذا إسناد ضعيف ، فيه علل :
- علي العجمي لم نجد له ترجمة .
- قيس بن بسر ، ذكره ابن عساكر في تاريخه (49/365)
وابن ماكولا في " الإكمال " (1/271)
ولم يحكيا فيه جرحا ولا تعديلا ، فهو مجهول .
- عبد الوهاب بن جعفر الميداني ، قال عبد العزيز الكتاني: كان فيه تساهل ، واتهم في لقي أبي علي بن هارون الأنصاري ، وكتب الكثير، وذكر أنه كتب بنحو مائة رطل حبر حين احترقت كتبه ، وجددها .
وذكر أبو الحسن بن قيس عن أبيه وغيره قال: كان عبد الوهاب بن الميداني لا يبخل بإعارة شيء من كتبه ، إلا بكتاب واحد كان لا يسمح به ، فاحترقت كتبه كلها، فاستحدث نسخا من الكتب التي نسخت من كتبه .
قال الحافظ : والتساهل الذي أشار إليه عبد العزيز من هذه الجهة.
"لسان الميزان" (4 /86) .
- علي بن الحسن بن رجاء، ذكره ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (41/ 321)
وكذا الذهبي في " تاريخ الإسلام " (26/ 593)
ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا .
وقد سبق في جواب اسابث بعنوان ضوابط لتمييز الحديث الصحيح من الضعيف
: أن عامة الأحاديث التي تنفرد بإخراجها الكتب التالية ، ولا يرويها أصحاب السنن والمسانيد المشهورة ؛ هي أحاديث ضعيفة :
" الضعفاء الكبير " للعقيلي ، " الكامل في الضعفاء " لابن عدي ، " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي ، " تاريخ دمشق " لابن عساكر ، " نوادر الأصول " للحكيم الترمذي ، " مسند الفردوس " للديلمي .
وهذا الحديث مما انفرد بإخراجه ابن عساكر فيما نعلم .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 17:43
هل يحتج بأحاديث نعيم بن حماد؟
وما صحة حديث : ( تَدُومَ الْفِتْنَةُ الرَّابِعَةُ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا... ) ؟
السؤال:
أريد أن اسأل عن صحة حديث : ( تدوم الفتنة الرابعة اثني عشر عاما ، ثم تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبل من ذهب... ) ، وإن كان هذا الحديث ضعيفا ، هل يمكن الاحتجاج به ؟
الجواب :
الحمد لله
روى نعيم بن حماد الخزاعي في "كتاب الفتن" (676) من طريق الْجُنَيْد بْن مَيْمُونٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
" الْفِتْنَةُ الرَّابِعَةُ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ تَمُورُ مَوْرَ الْبَحْرِ، لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إِلَّا مَلَأَتْهُ ذُلًّا وَخَوْفًا، تُطِيفُ بِالشَّامِ ، وَتَغْشَى بِالْعِرَاقِ ، وَتَخْبِطُ بِالْجَزِيرَةِ بِيَدِهَا وَرِجْلِهَا، تُعْرَكُ الْأُمَّةُ فِيهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ، وَيَشْتَدُّ فِيهَا الْبَلَاءُ حَتَّى يُنْكَرَ فِيهَا الْمَعْرُوفُ، وَيُعْرَفَ فِيهَا الْمُنْكَرُ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ يَقُولُ: مَهْ مَهْ
وَلَا يَرْقَعُونَهَا مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَتَّقَتْ مِنْ نَاحِيَةٍ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَلَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا مِنْ دَعَا كَدُعَاءِ الْغَرَقِ فِي الْبَحْرِ، تَدُومُ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا، تَنْجَلِي حِينَ تَنْجَلِي وَقَدِ انْحَسَرَتِ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يُقْتَلَ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ سَبْعَةٌ ".
وفي لفظ : " تَدُومَ الْفِتْنَةُ الرَّابِعَةُ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا، تَنْجَلِي حِينَ تَنْجَلِي وَقَدِ انْحَسَرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَيُقْتَلُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ سَبْعَةٌ ".
ونعيم بن حماد كان من علماء أهل السنة ، إلا أنه كان ضعيفا في الحديث يروي المناكير ، ومن ثَمّ وهاه أهل العلم ، وتركوا حديثه ، ولم يحتجوا به .
قال أبو داود: عند نعيم نحو عشرين حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها أصل
وقال النسائي: ليس بثقة ،
وقال أبو علي النيسابوري: سمعت النسائي
يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة والسنن
ثم قيل له في قبول حديثه فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة
فصار في حد من لا يحتج به .
وأورد له بن عدي أحاديث مناكير
وقال: وله غير ما ذكرت وقد أثنى عليه قوم وضعفه قوم .
"تهذيب التهذيب" (10/ 461) .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" وَنُعَيْمٌ هَذَا ، وَإِنْ كَانَ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ كَانُوا يُحْسِنُونَ بِهِ الظَّنَّ ، لِصَلَابَتِهِ فِي السُّنَّةِ ، وَتَشَدُّدِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَكَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَى أَنَّهُ يهِ مُ، وَيُشَبَّهُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ ، فَلَمَّا كَثُرَ عُثُورُهُمْ عَلَى مَنَاكِيرِهِ، حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالضَّعْف .
فَرَوَى صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ عَنِ ابْنِ مُعِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ ، قَالَ صَالِحٌ: وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حَفْظِهِ، وَعِنْدَهُ مَنَاكِيرُ كَثِيرَةٌ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: يَصِلُ أَحَادِيثَ يُوقِفُهَا النَّاسُ ، يَعْنِي أَنَّهُ يَرْفَعُ الْمَوْقُوفَاتِ، وَقَالَ أَبُو عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيُّ: هُوَ مُظْلِمُ الْأَمْرِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ: رَوَى أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ عَنِ الثِّقَاتِ، وَنَسَبَهُ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ " انتهى
"جامع العلوم والحكم" (2/ 394) .
وقال الذهبي :
" نُعَيْمٌ مِنْ كِبَارِ أَوْعِيَةِ العِلْمِ ، لَكِنَّهُ لاَ تَرْكَنُ النَّفسُ إِلَى رِوَايَاتِهِ " .
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (9/ 20) .
والجنيد بن ميمون لم نجد له ترجمة .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
"جنيد بن ميمون ، أبي عبد الله [ كذا ، حكاية لما في الإسناد ] ، لم أجد له ترجمة
وقد أورده الدولابي في "الكنى" (2/72-73)
فيمن كنيته أبو عبد الحميد
ولكنه سماه حميد بن ميمون ، ولم أره أيضا ، والله أعلم " .
انتهى من " تخريج السنة لأبي عاصم " (1/213) رقم (103) .
وقد رواه نعيم (972) مرفوعًا
عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْفِتْنَةُ الرَّابِعَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا، ثُمَّ تَنْجَلِي حِينَ تَنْجَلِي وَقَدِ انْحَسَرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ، تَكُبُّ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَيُقْتَلُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ سَبْعَةٌ) .
وابن أبي فروة ضعيف جدا :
قال أحمد قال البخاري: تركوه.
وقال الجوزجانى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تحل الرواية عندي عن إسحاق بن أبى فروة. وقال أبو زرعة وغيره: متروك.
" ميزان الاعتدال " (1 /193) .
وضرار بن عمرو متروك أيضا
قال ابن معين: لا شيء .
وضعفه البخاري والعقيلي وابن الجارود وغيرهم .
انظر: " لسان الميزان " (3 /202) .
فهذا الخبر لا يصح مرفوعا ولا موقوفا ؛ ومثل هذا لا يحتج به ، إنما يحتج بحديث الثقات الأثبات ، الذين يضبطون رواياتهم ، ويُعرفون بالصدق والحفظ فيما يروون .
على أن جملة انحسار الفرات عن جبل من ذهب ثابتة من وجه آخر
فروى البخاري (7119) ، ومسلم (2894) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ : لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو ).
اللفظ لمسلم ، ولفظ البخاري :
(يُوشِكُ الفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا) .
وهذا من علامات الساعة .
قال الحافظ رحمه الله :
" النَّهْي عَنْ أَخْذِهِ ؛ لِمَا يَنْشَأُ عَنْ أَخْذِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْقِتَالِ عَلَيْهِ " .
انتهى من " فتح الباري " (13/ 81)
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 17:47
حال مؤمَّل بن إسماعيل في رواية الحديث .
السؤال:
هل الراوي "مؤمل بن اسماعيل" ثقة؟
الجواب :
الحمد لله
مؤمَّل بن إسماعيل العدوي مولى آل الخطاب ، وقيل مولى بني بكر، أبو عبد الرحمن البصري نزيل مكة ، كان صدوقا ، شديدا في السنة ، إلا أنه كان يحدث من حفظه ، فيخطئ ، حتى وقعت في أحاديثه المناكير
فلا يحتج بما رواه مخالفا للثقات ، ولا بما انفرد بروايته .
روى عن عكرمة بن عمار ، وأبي هلال الراسبي ، ونافع بن عمر الجمحي ، وشعبة ، و الحمادين ، و السفيانين ، وغيرهم .
وروى عنه أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن المديني ، وأبو موسى ، وبندار، وأبو كريب ، وأبو الجوزاء أحمد بن عثمان النوفلي ، وعلي بن سهل الرملي ، ومحمود بن غيلان
وأحمد بن نصر الفراء ، وآخرون .
قال ابن معين: ثقة
وقال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ
وقال البخاري : منكر الحديث
وقال الآجري : سألت أبا داود عنه فعظمه ورفع من شأنه إلا أنه يهم في الشيء، وقال غيره: دفن كتبه فكان يحدث من حفظه فكثر خطؤه .
وقال يعقوب بن سفيان: شيخ جليل سني ، سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء عليه، وكان مشيختنا يوصون به ، إلا أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه
وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه ، وهذا أشد فلو كانت هذه المناكير عن الضعفا
لكنا نجعل له عذرا . وقال الساجي: صدوق كثير الخطأ وله أوهام يطول ذكرها
وقال ابن سعد: ثقة كثير الغلط
وقال ابن قانع: صالح يخطئ ، وقال الدارقطني: ثقة كثير الخطأ
وقال محمد بن نصر المروزي : إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف ويتثبت فيه لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط .
انظر : "تهذيب التهذيب" (10/ 380) .
وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 187) وقال :
" رُبمَا أَخطَأ " .
وقال الذهبي :
" حافظ عالم يخطئ " .
" ميزان الاعتدال " (4/ 228) .
وذكره الذهبي فيمن تكلم فيه وهو موثق (ص 183) .
ولخص الحافظ ابن حجر الأقوال التي قيلت فيه في "التقريب" (ص 555) فقال :
" صدوق سيء الحفظ " .
وانظر : "الطبقات الكبرى" (6/ 44)
"الجرح والتعديل" (8/ 374)
"مغاني الأخيار" (3/ 99)
وقال ابن حبان : مات سنة ست ومائتين
وفيها أرخه أبو القاسم بن مندة
وزاد: في رمضان، وقال البخاري: مات سنة خمس أو ست .
" تهذيب التهذيب " (10/ 380) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 17:55
قضايا في علوم المصطلح والتخريج
السؤال:
ذكر أحد علماء التصحيح والتضعيف طريقته في نقد الحديث حيث قال: " أحاديث السنن: إما أن تكون في البخاري أو مسلم ، أو في غيرهم من كتب الحديث: فإن كانت في غير صحيحي البخاري ومسلم يجب التحقق من صحتها . فلو ضعفت حديثًا ما فإني أذكر سبب تضعيفي له .
وإن صححت الحديث فإنني أذكر من سبقني إلى تصحيح هذا الحديث. وفي حال الاختلاف فيما إن كان أحد الرواة ثقة أم لا، فإنه يستحيل تطبيق قاعدة واحدة لا تتغير للتوفيق بين الآراء المختلفة.
ولذلك فأنا أفضل قول الجمهور في مثل هذه الحالات. ولو قام أحد العلماء ممن يعرف عنهم التساهل ، مثل الترمذي، وابن حبان، والحاكم، بتوثيق أحد الرواة ، فإنني أعتبر الراوي من المجاهيل
. ولكن لو وثقه اثنان منهم فإني أعتبره صدوقا. وعند تصحيح أو تضعيف الحديث آخذ بعين الاعتبار الشواهد والمتابعات". وقد اعترض بعض الناس على هذه الطريقة، وقالوا : إنها طريقة مبتدعة ، فما رأيكم؟
الجواب :
الحمد لله
تشتمل هذه الفقرة على مجموعة من المباحث النقدية المتعلقة بعلوم الحديث الشريف، نوردها هنا تباعا مع التعليق عليها باختصار:
أولا:
الحديث الذي ينفرد به أصحاب السنن والمسانيد عن صحيحي البخاري ومسلم لا بد من التفتيش في ثبوته وإسناده صحة أو ضعفا، ذلك أن هذه الكتب لم تشترط الصحة فيما ترويه من الأحاديث
وإنما صنفها مؤلفوها العظام لأجل تخريج الأحاديث على أبواب الدين والفقه، أو جمع مسانيد الصحابة ومروياتهم في مكان واحد. ومع ذلك فكثير منها تشتمل على أحكام نقدية خاصة بما ترويه من أحاديث
فالإمام الترمذي مثلا يعتني بذكر درجة الحديث، وكذلك الإمام أبوداود، والنسائي ينتقي في سننه ويحسن الانتقاء، حتى عُدَّ أصحَّ كتب السنن. وهكذا تراعَى في تخريج الحديث من كتب السنن هذه الاعتبارات.
أما إذا كان الحديث مخرجا في الصحيحين
: فقد جاوز القنطرة، وتُلقي بالقبول والتسليم، لكن مع ضرورة عناية الباحث المختص في هذا الشأن : بجمع ألفاظ الحديث وطرقه، فقد كان من منهج البخاري رحمه الله تفريق الحديث الواحد في العديد من المواضع، كثيرا ما تختلف بينها الألفاظ، كما تتعدد الطرق
وكذلك كان الإمام مسلم رحمه الله يكثر من إيراد المتابعات، ولكن يجمعها في سياق واحد مع أصل الحديث، ودور الباحث المتخصص هنا هو العناية باختلاف الألفاظ وتعدد الطرق
والتأمل فيما يمكن النظر فيه من تأثير هذا الاختلاف على محل الشاهد من الحديث، ومنهجية دراسة هذا الاختلاف.
يقول مغلطاي رحمه الله:
"ليس لحديثي ٍّعزوُ حديثٍ في أحد الستة لغيرها : إلا لزيادة ليست فيها، أو لبيان سنده ورجاله"
انتهى نقله عن كتاب "فيض القدير" (1/280) للمناوي.
ثانيا:
لا يقبل من الباحث أن يضعف الحديث دون أن يحيل على سبب الضعف، ودون أن يبين موطن التعليل، فالتضعيف حكم بحثي نقدي لا يقبل إلا بدليل.
وكذلك الحكم بالقبول والتصحيح، يبين الحاكم بألفاظ جامعة مجملة
موجب هذا التصحيح، كي يؤكد للقارئ أنه تحقق فعلا من هذه الشروط، وأنه على وعي وتنبه لما يمكن أن يعل به الحديث، فيقرر مثلا أن السند وإن اشتمل على مدلس، فقد صرح بالتحديث في هذا المثال، أو ينبه القارئ على أن التصحيح أو التحسين كان لتعدد الطرق والمتابعات
أو أن الراوي الفلاني وإن طعن فيه بعض النقاد إلا أن قبوله كان لأسباب محددة يبينها، وهكذا لا يخلي القارئ من الخلاصات العلمية التي تمثل مبادئ هذا العلم الشريف، وتبني عقليته المنهجية.
وحين يعزز أحكامه بالتضعيف أو بالتصحيح بالنقل عن المحدثين السابقين، فإنه بذلك يؤكد النتيجة التي توصل إليها، أو يكشف عن اسم العالم الذي قلده في حكمه
فيبرئ ساحته، ويعزز صواب منهجه ودراسته، ويضفي على حكمه قدرا كبيرا من الثقة والاعتبار والاعتماد، فأسماء النقاد الأوائل مناطٌ هام من مناطات الوثوقية العلمية.
يقول الإمام السخاوي رحمه الله:
"التخريج: إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه ، أو بعض شيوخه ، أو أقرانه أو نحو ذلك، والكلام عليها، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين، مع بيان البدل والموافقة ونحوهما.
وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج والعزو"
انتهى من "فتح المغيث" (3/317) .
فالتخريج من فنون الحديث المفصلة والمبينة، يشرح فيها المخرج خلاصة ما توصل إليه في نقد الحديث، ولا يقتصر على العزو المجرد، وهو ما عبر عنه الإمام السخاوي بقوله: "والكلام عليها".
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 17:56
ثالثا:
إذا وقع الاختلاف في الحكم على أحد الرواة بالجرح أو التعديل، فلا بد في هذه الحالة من الدراسة التفصيلية
التخصصية، لسبر جميع الاعتبارات الدقيقة التي تعتري أحكام الجرح والتعديل، وليس بالهجوم على قول الجمهور كيفما اتفق:
فكثيرا ما لا يجد الباحث قولا يمكن أن يصنفه على أنه قول الجمهور، لقلة عدد النقاد المتكلمين في هذا الراوي جرحا أو تعديلا، أو لانقسامهم إلى فريقين متعادلين.
وقد لا يتمكن الناقد من تحديد قول الجمهور، نظرا لتنوع عبارات النقاد وتباين أحكامهم.
وقد لا يتمكن الناقد من تحديد قول الجمهور، نظرا لأن العبرة في الأحكام النقدية لا تقاس بالعدد، بل تقاس بمستوى الخبرة التي يتمتع بها هذا الناقد في المجال المعين، فلو اتفق اثنان من كبار أئمة العلل المتقدمين مثلا، فكلمتهم أقوى من كلمة خمسة من النقاد المتأخرين الذين لم يصلوا إلى مرتبتهم في الإمامة والعلم
وهكذا يغدو اعتبار قول الجمهور العددي – هكذا مطلقا – سببا لمجانبة الصواب في أحيان كثيرة.
وقد يكون الخلاف لفظيا لا يتجاوز تنويع العبارات وترادف الكلمات، ففي هذه الحالة يأخذ الباحث بمضمون كلام الناقد ، متجاوزا الألفاظ والكلمات، ولا تأثير في هذه الحالة لما عليه "الجمهور".
ثم قد يكون "الجمهور العددي" في حالة أحد الرواة : من الموسومين بالتساهل أو بالتشدد، وحينئذ يقدم عليهم قول المعتدل أو المتوسط من النقاد.
وهكذا في تفاصيل كثيرة، لا بد من مراعاتها جميعها، الأمر الذي يقتضي دراسة مفصلة لعلم "ضوابط الجرح والتعديل"، والتنقيب في المصنفات التي صنفت في هذا العلم المهم جدا لكل باحث في علم الحديث.
يقول الإمام الذهبي رحمه الله:
"اعلم هداك الله أن الذين قَبِلَ الناسُ قولَهم في الجرح والتعديل ... على ثلاثة أقسام:
1 - قسم منهم في الجرح متثبت في التعديل ، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويلين بذلك حديثه، فهذا إذا وثق شخصا : فعض على قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه.
وإذا ضعف رجلا : فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ؟ إن وافقه ولم يوثق ذلك أحد من الحذاق : فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه : لا يُقبل تجريحه إلا مفسرا، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلا: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه ، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب.
وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني متعنتون.
2 - وقسم في مقابلة هؤلاء كأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي، متساهلون.
3 - وقسم كالبخاري، وأحمد بن حنبل وأبي زرعة وابن عدي : معتدلون ومنصفون"
انتهى من "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل/ مطبوع ضمن أربع رسائل" (ص/171-172) .
رابعا:
أما انفراد الترمذي، أو ابن حبان، أو الحاكم، بتوثيق الراوي فلا يمكن إلغاؤه، بل لا بد من اعتباره توثيقا كافيا في أحوال عديدة:
فالترمذي قريب إلى الاعتدال والتوسط في توثيق الرواة والحكم عليهم، بل نفى كثير من الباحثين المعاصرين وصفَ "التساهل" عنه، كما قرره د. الجديع في "تحرير علوم الحديث" (2/862).
وأما ابن حبان فوصفه بالتساهل لا ينبغي أخذه على إطلاقه، فهو تساهل خاص فيمن ذكرهم في كتابه "الثقات" ذكرا مجردا من المقلين من الحديث من غير شيوخه، فهؤلا
فقط هم من يصدق على ابن حبان وصفه بالتساهل فيهم، أما غيرهم فتوثيقه معتبر لدى العلماء، وقد فصل العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله (1386هـ) مراتب كلام ابن حبان في توثيق الرواة فقال:
" التحقيق أن توثيقه على درجات:
الأولى: أن يصرح به، كأن يقول: «كان متقنا» أو «مستقيم الحديث» أو نحو ذلك.
الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.
الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذاك الرجل معرفة جيدة.
الخامسة: ما دون ذلك.
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم.
والثانية قريب منها.
والثالثة مقبولة.
والرابعة صالحة.
والخامسة لا يؤمن فيها الخلل"
انتهى من "التنكيل" (2/669) .
ولهذا فليست قاعدة صحيحة تلك التي تهمل توثيق كل من الترمذي وابن حبان مطلقا عند انفرادهما، أو تعتد بتوثيقهما مطلقا عند اجتماعهما، بل في الأمر تفصيل دقيق لا بد من مراعاته.
يقول الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: " اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد، أو لا بد من اثنين؟
فمنهم من قال: لا يثبت ذلك إلا باثنين، كما في الجرح والتعديل في الشهادات.
ومنهم من قال - وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره - أنه يثبت بواحد، لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله، بخلاف الشهادات"
انتهى من "مقدمة ابن الصلاح" (ص109) .
خامسا:
أما التصحيح والتحسين بالمتابعات والشواهد فأصله مقرر في كتب علوم الحديث الأولى، من ذلك قول ابن الصلاح رحمه الله: "أي ذلك وجد : يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه، وإلا فلا...
ثم اعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده، بل يكون معدودا في الضعفاء، وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد
وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء: فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به"
انتهى من "مقدمة ابن الصلاح" (ص/83-84) .
غير أن هذا الموضوع – نعني التصحيح بالمتابعات والشواهد – من أدق قضايا علوم الحديث والتخريج، ولا بد فيها من التأمل في مناهج المحدثين
وضوابط التصحيح، ومزالق المتأخرين خاصة في هذا الباب. ينظر كتاب "نظرية الاعتبار عند المحدثين" د. منصور الشرايري ، وكتاب "الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات"، طارق بن عوض الله.
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 18:11
إشارات إلى كتب الجمع بين الصحيحين
السؤال :
ما الكتب التي تعرض الأحاديث المتفق عليها، ومفردات البخاري
ومفردات مسلم، وتشرح غريب الألفاظ، غير "الجمع بين الصحيحين" للشيخ يحيى اليحى؟
الجواب :
الحمد لله
أولا:
فكرة "الجمع بين الصحيحين" تعني العناية بالمتفق عليه بين الشيخين، البخاري ومسلم، وكذلك العناية بمفردات كل منهما، كما صنع أكثر المؤلفين فيه. فالمتفق عليه جزء من "الجمع بين الصحيحين" وليس مساويا له.
وقد عني جماعة من الأئمة السابقين والباحثين المعاصرين بالتصنيف في هذا الباب، نورد هنا أولا أسماء خمسة من أشهر المصنفين الذين لاقت مصنفاتهم قبولا واشتهارا بين العلما
وطلبة العلم، ثم نتبعها بسرد المصنفات الأخرى. وكثير من هذه المصنفات تشتمل على بيان "غريب الحديث"، وشرح المفردات والكلمات المشكلة.
المصنِّف الأول:
الحميدي، وهو محمد بن فتوح أبي نصر، المتوفى سنة (488
هـ)، واسم كتابه "الجمع بين الصحيحين"، وهو من أفضل الكتب للباحث المتخصص في الجمع بين أحاديث الصحيحين، خاصة وأن مؤلفه من العلماء المدققين في العلم، له مؤلفات عديدة تشهد على تحريره وعنايته
أندلسي الأصل من قرطبة، ورحل إلى المشرق للحديث، وكان مختصا بصحبة ابن حزم الظاهري يحمل عنه كتبه، وصفه الذهبي بأنه من "كبار الحفاظ"
كما في "تاريخ الإسلام" (10/617)
وانظر ترجمته عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (55/79)
وقد أثنى العلماء على كتابه هذا من جهات عدة، أهمها حسن ترتيبه، فقد رتبه على "مسانيد الصحابة"، وليس على الأبواب والموضوعات، ومن المعلوم أن الحفظ على المسانيد أيسر وأسهل منه على الأبواب
وفي داخل كل مسند من مسانيد الصحابة يبدأ بالمتفق عليه بين الشيخين، ثم ما انفرد به البخاري، ثم يورد ما انفرد به مسلم.
ومن جميل صنعه وتسهيل كتابه على الحفاظ والطلاب أنه كان يجمع الأحاديث المتفقة المعنى ، وإن اختلفت ألفاظها ورواياتها قليلا أو كثيرا، الأمر الذي أدى إلى تقليل أ
عداد الأحاديث المرقمة بالنسبة لكتب الأطراف مثلا. ولكن لزم عن ذلك أنه كان يجعل بعض الأحاديث من "المتفق عليه"، في حين أن غيره كان يعدهما حديثين مختلفين وإن اتفق الصحابي.
ومن أهم ميزاته عنايته ببيان الفرق بين الروايات، والتنبيه على الزيادات المتنية المهمة، وملاحظته للطائف إسنادية من قبيل الأفراد ونحوها.
يقول الحميدي رحمه الله – في مقدمة كتابه -:
"لم أذكر من الإسناد في الأكثر إلا التابع عن الصاحب، أو من روى عنه مما يتعلق بالتراجم للمعرفة به، ولا من المعاد إلا ما تدعو الضرورة إليه لزيادة بيان، أو لمعنى يتصل بما لا يقع الفهم إلا بإيراده.
وربما أضفنا إلى ذلك نبذا مما تنبهنا عليه من كتب أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر الخوارزمي، وأبي مسعود الدمشقي
وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين، من تنبيه على غرض، أو تتميم لمحذوف، أو زيادة في شرح، أو بيان لاسم أو نسب، أو كلام على إسناد، أو تتبع لوهم بعض أصحاب التعاليق في الحكاية عنهما، ونحو ذلك من الغوامض التي يقف عليها من ينفعه الله بمعرفتها إن شاء الله تعالى"
انتهى من "الجمع بين الصحيحين" (1/74-75)
ويقول محقق الكتاب الدكتور علي البواب:
"الحميدي إذا نقل حديثا عن الصحابي قدم الرواية التي للشيخين، أو التي : الاختلاف بينهما فيها قليل، وهو ينقل الحديث بلفظ أحد الشيخين إن اختلفا، ويميل إلى الرواية الأتم
وقد ينبه على صاحب الرواية، ثم يتبعها بعد ذلك بما جاء في الحديث نفسه من الروايات الأخر عن الراوي نفسه بزيادة أو نقصان أو اختلاف. ثم ما جاء من الحديث عن رواة آخرين، ومع التنبيه إذا كانت الرواية لهما أو لأحدهما، ويسكت أحيانا"
انتهى من "الجمع بين الصحيحين" (1/13)
ويقول أيضا:
"يسعى الحميدي إلى إتمام الحديث ، أو إيراد روايته بالسند الذي جاء ، مختصرا أو مدرجا.
وقد رجع الحميدي في ذلك إلى كتب : المستخرج على الصحيحين للإسماعيلي، والبرقاني، وخلف، وأبي مسعود وغيرهم من المحدثين. ويمتلئ كتابه بأمثله ذلك
منها: أخرج البخاري طرفا منه عن ... لم يزد على هذا. قال الحميدي: وهو بتمامه عند البرقاني من حديث ... وذكره.
وأشير هنا أيضا إلى أن كثيرا من الروايات التي ذكرها الحميدي تختلف عما في طبعتي البخاري ومسلم، كما أنه يشير كثيرا إلى الخلاف في الروايات، وقد يكون بعضها المثبت في الصحيحين عندنا".
انتهى من "الجمع بين الصحيحين" (1/19)
*عبدالرحمن*
2018-07-21, 18:12
فتأمل هذه الميزات العديدة، والتحريرات المفيدة للجمع بين أحاديث الصحيحين، التي دفعت الإمام ابن الجوزي رحمه الله أن يقول:
"صار كتابه – لقدره في نفسه – مقدَّما على جميع جنسه"
انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/6)
وقال ابن الأثير:
"فإنه أحسن في ذكر طرقه، واستقصى في إبراز رواياته، وإليه المنتهى في جمع هذين الكتابين"
انتهى من "جامع الأصول" (1/55)
وقال الذهبي:
"رتبه أحسن ترتيب"
كما في "سير أعلام النبلاء" (19/121)
وقد توسع ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/300 -311)
في الحديث عن منهج الحميدي في كتابه، يمكن الرجوع إليه.
ولا نخلي هذا الثناء هنا عن ملاحظة مهمة أوردها العلماء على عمل الحميدي، كي يكون طالب العلم منها على بينة.
يقول الإمام السخاوي رحمه الله:
"الحميدي ربما يسوق الحديث الطويل ناقلا له من مستخرج البرقاني أو غيره، ثم يقول: اختصره البخاري، فأخرج طرفا منه، ولا يبين القدر المقتصر عليه، فيلتبس
على الواقف عليه، ولا يميزه إلا بالنظر في أصله، ولكنه في الكثير يميز ، بأن يقول بعد سياق الحديث بطوله: اقتصر منه البخاري على كذا، وزاد فيه البرقاني مثلا كذا.
ولأجل هذا وما يشبهه، انتقد ابن الناظم وشيخنا دعوى عدم التمييز، خصوصا وقد صرح العلائي ببيان الحميدي للزيادة، وهو كذلك، لكن في بعضها ما لا يتميز كما قررته"
انتهى من " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث" (1/ 61)
وأورد الشيخ صالح أحمد الشامي مجموعة مهمة من الملاحظات، كتفويت بعض "الأحاديث" من أصلها، وإيراد معلقات دون التنبيه عليها، ونقص بعض الروايات، ودمج أخرى دون الإشارة لذلك.
يمكن مراجعة هذه الملاحظات في مقدمة "الجامع بين الصحيحين" لصالح الشامي (1/6) الطبعة الثانية.
المصنِّف الثاني:
ابن الخراط، عبدالحق بن عبدالرحمن الإشبيلي، المتوفى سنة (582هـ)
واسم كتابه "الجمع بين الصحيحين"، طبعته دار المحقق في الرياض، سنة 1999م، بتحقيق الدكتور حمد الغماس ، ثم طبعته دار الغرب الإسلامي ، بتحقيق : طه أبو سريح .
عُرف عبدالحق الإشبيلي بالحفظ والإمامة في الحديث والفقه، وخاصة من خلال كتبه "الأحكام الكبرى"، و"الأحكام الوسطى"، و"الأحكام الصغرى" التي ظهرت فيها صنعته الحديثية النقدية، ومعرفته بالعلل وعلوم الإسناد.
اعتمد في جمعه هنا بين الصحيحين "صحيحَ مسلم" كأساس، فابتدأ بحذف الأسانيد والمكرر منه، ثم أتبعه بالنظر في "صحيح البخاري" مقارنة بها، وبيانا للمتفق
عليه، وزوائد كل من البخاري ومسلم، يوردها في بابها منبها عليها، وزيادات الروايات بعضها على بعض ، يتحرى الدقة البالغة فيها، غرضه – كما قال – "أن يخف به الكتابان على من أعياه حفظ الأسانيد، واعتمد في العلم بها على التقليد".
قدم كتابه بمقدمة ضافية استغرقت سبع صفحات، كما في المطبوع (1/ ص1-7)
وضّح فيها منهجه وطريقته في العرض، وهي طريقة أدق في نظرنا وأرتب من طريقة الحميدي، لأنه التزم ألفاظ صحيح مسلم وترتيبه على الموضوعات
وأضاف ما رآه مناسبا من أبواب البخاري، على خلاف الحميدي الذي كان يذكر ما يراه أوفى باللفظ من الكتابين ، في كل حديث على حدة، ورتب كتابه على المسانيد.
قال محقق الكتاب في مقدمته:
" من قرأ كتابه علم أنه ما ترك شاذة ولا فاذة من روايات الصحيحين إلا اكتنزها في كتابه هذا" (ص/24)
وقال أيضا:
"ومن تحريره أن الحديث إذا كان عند أحد صاحبي الصحيح عن صحابي، وعند الأخر عن صحابي غيره، بين ذلك في موضعه... وهذا من الإمام عبد الحق كاشف للبس الذي يقع فيه البعض من ذكر الحديث متفقا عليه، في حين أنه عند كل من صاحبي الصحيح عن صحابي غير الصحابي الذي عند الآخر" (ص25)
وقال أيضا: "وعلى هذا فنسخة من كتاب الجمع بين الصحيحين للحافظ عبد الحق هي في الواقع نسخة محررة موثقة لمتون الصحيحين، تولى حافظ متقن محقق مدقق تفلية كلماتها، وتوثق من جملها، وروى أصولها عن مؤلفيها بحدثنا وأخبرنا، ثم انتظمها في كتابه هذا
كما تنتظم درر الجواهر في أسلاك الذهب" (ص26-27)
ولهذه الميزات قال ابن ناصر الدين رحمه الله:
"إن عبد الحق أحسن من جمع بين الصحيحين"
انتهى من "التبيان" (ق135)
نقلا عن مقدمة محقق كتاب "الجمع بين الصحيحين" للإشبيلي (1/34)
وقال الذهبي:
"عمل الجمع بين الصحيحين بلا إسناد، على ترتيب مسلم، وأتقنه وجوده"
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (21/199)
المصنِّف الثالث:
محمد فواد عبدالباقي، المتوفى سنة (1967م)، واسم كتابه "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان"، من أيسر كتب الجمع وأسهلها، وأقربها إلى نفوس المبتدئين من طلبة العلم
ومن اشتغل بالحفظ، اعتمد في إيراد المتن على ألفاظ البخاري، ولكنه رتب الأحاديث على أبواب صحيح مسلم رحمه الله. كما قال في مقدمته الموجزة جدا:
"لهذا كان ترتيب صحيح مسلم هو الترتيب الذي توخيته وارتضيته, فأخذت منه أسماء كتبه وأبوابه مع أرقامها، وأخذت من صحيح البخاري نص الحديث الذي وافقه مسلم عليه. وبينت عقب سرد كل حديث موضعه من صحيح البخاري، بذكر اسم الكتاب، وعنوان الباب، مع أرقامها"
ولعل كون مؤلفه من أبناء العصر المتخصصين في الاشتغال بالفهرسة والجمع والترتيب لكتب السنة النبوية - ساعد على تيسير كتاب "اللؤلؤ والمرجان" للقراءة والحفظ، خاصة وأنه أخلاه من إيراد اختلاف الروايات والتنبيه على الفروق بينها، كما لم يتطرق إلى المفردات، ولم يخض في اختلاف نسخ الصحيحين
وهكذا جاء كتابه مقتصرا على تجريد المتفق عليه، خاليا من فوائد كتابي الحميدي والإشبيلي، يمكن أن يكون أساسا للمبتدئ في طلب العلم إذا أراد قراءة المتفق عليه أو حفظ ما يتمكن من حفظه من هذا الكتاب
لكن سيفوته الكثير من الألفاظ والروايات ولا شك؛ لأن المؤلف لم يعتن بسياقها أو التنبيه عليها، والحافظ المبتدئ لا يضره هذا الفوت إن شاء الله.
المصنِّف الرابع:
صالح أحمد الشامي، باحث معاصر، اسم كتابه "الجامع بين الصحيحين"
طبعته دار القلم في دمشق في العام 1993
م في مجلدين، وقد سبقت طباعته طباعة كل من جمع الحميدي والإشبيلي محققين، وكتب مقدمة نبه فيها على العديد من المسائل المهمة في هذا الباب.
رتب كتابه على أبواب موضوعية خاصة به، وقد كان منهجه في مفردات البخاري ومسلم اختيار الرواية الأعم والأشمل
وفي المتفق عليه يقول فيه (1/26-27):
"كانت طريقتي أن أضع أمامي روايات البخاري للحديث، وكذلك روايات مسلم له، ثم أختار النص الذي اتفقا عليه. فإن كان هذا النص هو الأعم والأشمل اكتفيت به، وإلا أشرت إلى الزيادات والفروق في الروايات الأخرى في كل منهما. وحيث كان الحديث متفقا عليه فإني أثبت لفظ البخاري
فإن كان في لفظ مسلم أو سياقه زيادة فائدة، فإني أثبته أيضا أو أشير إلى ذلك حسب مقتضى الحال".
ثم اختصر كتابه هذا بـ "الوافي بما في الصحيحين" ليناسب طلبة العلم الراغبين في حفظ الكتاب بعيدا عن تطويل الروايات وتنوعها.
المصنِّف الخامس:
فضيلة الشيخ يحيى بن عبد العزيز اليحيى حفظه الله، واسم كتابه "الجمع بين الصحيحين للحفاظ"، مثل مشروعا عمليا – وليس بحثيا – لجمع الأحاديث المتفق عليها، ثم مفردات كل من البخاري ومسلم، بأسهل طريقة
وأيسر عبارة، تقريبا لمن يرغب بحفظ الكتابين، تداوله طلبة العلم مصورا قبل أن يصير الشيخ إلى طبعه، فطبعته دار ابن الجوزي الطبعة الأولى في العام 1424هـ، بين في مقدمته الموجزة جدا منهجه باختصار قائلا:
"المتن هو لفظ البخاري، وكله متفق عليه، إما على لفظه أو على معناه، ما عدا الموضوع بين قوسين ( ) فهو من مفردات البخاري.
كل ما في الحاشية من مفردات مسلم فقط.
كل أبوابه هي أبواب البخاري في صحيحه إلا ما أشرت إليه بنجمة، هكذا: *
الشواهد والمتابعات التي ليس فيها أحكام جديدة لم أثبتها هنا إلا يسيرا، ولكن أثبتها كلها في كتاب "الجمع بين الصحيحين للباحثين" انتهى.
ويتضح من هذه المقدمة أن المؤلف قصد الاختصار فعلا على الحافظ كي لا يشق الأمر عليه، وأحال تفصيل الروايات والتنبيه عليها إلى كتاب في طور التأليف جعله "للباحثين"
وقد سجل الباحثون العديد من الملاحظات المهمة على نسخة "الحفاظ" هذه، من قبيل فوات أحاديث برأسها، وإدخال السياقات ببعضها دون تنبيه، وقد روجع الكتاب بعد ذلك من قبل القائمين على المشروع، وصوبت العديد من الملاحظات والحمد لله.
ثانيا:
لدينا مصنفات أخرى مطبوعة في "الجمع بين الصحيحين"، ولكن ما سبق هي الأشهر والأوسع انتشارا، وبعضها عليه مؤاخذات أضعفت منهجيتها البحثية، منها:
1. الجمع بين الصحيحين، للحسن بن محمد الصاغاني، المتوفى سنة (650هـ)، والمسمى "مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية".
اقتصر الكتاب على الأحاديث القولية فقط، ويلاحظ عليه أنه رتب الأحاديث فيه على كلمات في أبواب النحو، مبتدئا بمن الموصولة، ثم الاستفهامية، وهكذا، في ترتيب غريب يشق معه على الباحث الوصول إلى الحديث. فضلا عما زاده فيه من أحاديث "مسند الشهاب" للقضاعي وغيره ممزوجا بالصحيحين.
2. "الجمع بين الصحيحين" للموصلي، أبي حفص الموصلي، عمر بن بدر الكردي الحنفي (ت622هـ)
طبعه المكتب الإسلامي (1995م)،
بتحقيق صالح أحمد الشامي، لخصه من "جامع الأصول" لابن الأثير، وقد وقع في أخطاء بسبب النقل عن كتاب الحميدي دون التنبه للتفرقة بين ما زاد الحميدي من كتب أخرى، وما هو في الصحيحين حقا، كما لم ينبه على الجمع بين الروايات، وقد بذل المحقق جهدا في سبيل بيان ذلك.
3. "مسند الصحيحين وسنن الصحيحين"، لعبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي، المتوفى سنة (1394هـ)، وقد قسمه إلى قسمين: القسم الأول: مسند الصحيحين، رتبه على مسانيد الصحابة. القسم الثاني: مسند الصحيحين أو مصنف
الصحيحين، ورتبه على الأبواب على ترتيب صحيح مسلم. ويسوق الحديث بإسناده، ويعزوه إلى الكتاب والباب في أصله.
4. "زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم" لمحمد حبيب الله الشنقيطي، طبعته دار إحياء الكتب العربية في خمسة مجلدات، رتب مؤلفه أحاديث على حروف المعجم، ولم يبين منهجه في جمع الروايات والاختيار بينها.
5. "الجمع بين الصحيحين برواية الإمام مسلم"، ياسر بن إبراهيم السلامة، طبعته دار الوطن في الرياض، (
1999م)، وهو كتاب متقن، قدم له الدكتور إبراهيم اللاحم، سرد فيه المؤلف الأحاديث سردا من غير تبويب، والتزم إيراد لفظ مسلم للحديث، وعد من المتفق عليه ما اتفقا على متنهما وإن اختلف الصحابي.
قال في مقدمته (ص12):
"ثم أتبعت كل حديث اتفقا عليه بذكر زيادات الشيخين أو أحدهما في روايات أخرى للحديث، ولا أذكر من الرايات ما كان المعنى فيه موافقا للمعنى المثبت في الأصل
والتغاير إنما هو في التعبير، وإنما اقتصرت على الروايات التي تستقل بمعنى جديد... ثم أذكر الشواهد للحديث إن وجدت" انتهى.
6. "كفاية المسلم في الجمع بين صحيحي البخاري ومسلم" لمحمد أحمد بدوي.
7. "هدي الثقلين في أحاديث الصحيحين" لمحمد لقمان السلفي، دار الداعي، (ط1 عام 2000م)
8. "إرشاد القاري إلى أفراد مسلم عن البخاري" لعبد الله بن صالح العبيلان
طبعته دار غراس في مجلدين، (2002م).
9، 10. "أفراد البخاري" لأبي عمرو عبد الكريم الحجوري، و"أفراد مسلم" له أيضا.
هذا وننبه أخيرا إلى أن المؤلفات في "الجمع بين الصحيحين" كثيرة في تاريخ علوم الحديث عبر القرون، وإنما أوردنا هنا ما نعلمه مطبوعا منها، وأما الآخرون الذين تبين أن لهم مصنفات في "الجمع بين الصحيحين" لكنها في عداد المخطوط أو المفقود، فهم:
الجوزقاني (388هـ)
أبومسعود الدمشقي (401هـ)
ابن الفرات (414هـ)
والقراب (414هـ)
البرقاني (425هـ)
عمر بن علي الليثي (466هـ)، البغوي (516هـ)
محمد بن حسين الأنصارى الحوضي (532هـ)
عبد الرحمن بن يحيى الإشبيلي (580هـ)
أبوعبدالله محمد بن حسين المري – بوزن غني – (582هـ)
ابن الجوزي (597هـ)
ابن زرقون (621هـ)
أبوجعفر أحمد القرطبي المعروف بابن حجة (643هـ)
المنذري (656هـ)، ابن حجر العسقلاني (852هـ)
ينظر مقدمة تحقيق "الجمع بين الصحيحين" للإشبيلي (1/11-15) وغيرها.
وأما كتاب "جامع الصحيحين بحذف المعاد والطرق" لأبي نعيم عبيد الله بن الحسن الحداد الأصبهاني (517هـ)
طبعته دار النوادر في خمسة مجلدات، فهو في حقيقته مستخرج
وليس جمعا للمتفق عليه مع المفردات.
والله أعلم.
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 17:27
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
جانب من حياة النبي صلى الله عليه وسلم الزوجية .
السؤال:
ما صحة : قال أنس : كانت صفية مع رسول الله ﷺ في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله ﷺ وهى تبكي، وتقول حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها، ويسكتها...
رواه النسائي بسند صحيح .
الجواب :
الحمد لله
قال الإمام النسائي في "السنن الكبرى" (9117) :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
( كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَهَا
فَأَبْطَأْتُ فِي الْمَسِيرِ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ: حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ بَطِيءٍ؟!
فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا وُيُسْكِتُهَا، فَأَبَتْ إِلَّا بُكَاءً، فَغَضبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكَهَا، فَقَدِمَتْ ، فَأَتَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَوْمِي هَذَا لَكِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَنْتِ أَرْضَيْتِهِ عَنِّي .
فَعَمَدَتْ عَائِشَةُ إِلَى خِمَارِهَا، وَكَانَتْ صَبَغَتْهُ بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ، فَنَضَحَتْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ جَاءَتْ حَتَّى قَعَدَتْ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا لَكِ؟) .
فَقَالَتْ: ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيَهُ مَنْ يَشَاءُ !!
فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ، فَرَضِيَ عَنْ صَفِيَّةَ، وَانْطَلَقَ إِلَى زَيْنَبَ. فَقَالَ لَهَا: ( إِنَّ صَفِيَّةَ قَدْ أَعْيَا بِهَا بَعِيرُهَا، فَمَا عَلَيْكِ أَنْ تُعْطِيَهَا بَعِيرَكِ ) ؟
قَالَتْ زَيْنَبُ: أَتَعْمَدُ إِلَى بَعِيرِي فَتُعْطِيَهُ الْيَهُودِيَّةَ؟
فَهَاجَرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ يَقْرَبْ بَيْتَهَا، وَعَطَّلَتْ زَيْنَبُ نَفْسَهَا، وَعَطَّلَتْ بَيْتَهَا، وَعَمَدَتْ إِلَى السَّرِيرِ فَأَسْنَدَتْهُ إِلَى مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ، وَأَيَسَتْ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذَا بِوَجْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ دَخَلَ الْبَيْتَ ، فَوَضَعَ السَّرِيرَ مَوْضِعَهُ .
فَقَالَتْ زَيْنَبُ: يَا رَسُولَ اللهِ جَارِيَتِي فُلَانَةُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْيَوْمَ، هِيَ لَكَ؟
فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا .
وكذا رواه الضياء في "المختارة" (1727) من طريق النسائي به .
وهذا إسناد جيد متصل :
ثابت البناني: ثقة مشهور حافظ ، من رجال الستة ، ومن أصحاب أنس رضي الله عنه.
انظر : "التهذيب" (2/3).
وسليمان بن المغيرة : ثقة حافظ ، من رجال الستة أيضا.
انظر : "التهذيب" (4/193).
وآدم ، هو ابن أبي إياس ، ثقة مأمون .
انظر : "الجرح والتعديل" (2/268)
ومحمد بن خلف ، هو أبو نصر العسقلاني ، قال أبو حاتم : صدوق، وقال النسائي: صالح.
وقال ابن أبي عاصم : ثقة .
"تهذيب الكمال" (25 /161).
فالحديث ثابت .
و"الْوَجْس" : الصَّوتُ الخَفيُّ "
كما في "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير(5/156) .
وفيه : حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته ، مع العدل التام ، وحسن التأديب ، وكمال رحمته وشفقته عليهن ، فيرجع عن الغضب إلى الرضا ، وعن الإعراض إلى الإقبال ،
بعد التعليم والتأديب ، فيجمع بين كمال الأدب وحسن الخلق وطيب العشرة.
وفيه أيضا : ما كان عليه زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من المحبة له
والغيرة عليه ، وبيان أن ما كان يحدث بينهن من الغيرة والمنافسة لا يقدح فيهن بوجه - حاشا وكلا - ومن كانت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كيف لا تغار عليه ؟!
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 17:32
تخريج حديث : (إنما أجازي العباد على قدر عقولهم) .
السؤال:
وقفت على حديث قدسي أعجبني ، ضعفه ابن الجوزي وغيره، فهل حسنه أو أخذ به بعض أهل العلم قديما أو حديثا ؟ لقد روي الحديث (مقطوعا) عن زيد بن أسلم التابعي الجليل ، فهل تصح نسبته إليه، وهل كان زيد بن أسلم يحدث عن بني إسرائيل ؟ قال أبو نعيم في " حلية الأولياء " :
" حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن بكار ، حدثنا أبو مسعر ، عن زيد بن أسلم : " أن نبيا ، من الأنبياء أمر قومه أن يقرضوا ربهم عز وجل ، فقال رجل منهم : يا رب ، ليس عندي إلا تبن حماري ، فإن كان لك حمار علفته من تبن حماري هذا ، قال : فكان يدعو بذلك في صلاته
قال : فنهاه نبيه عن ذلك ، فأوحى الله عز وجل إليه لأي شيء نهيته ؟ قد كان يضحكني في اليوم كذا وكذا مرة " ، قال الشيخ رحمه الله : وزادني غيره من رواية متصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا
فقال : " دعه فإني أجازي العباد على قدر عقولهم " . ولقد وجدت هذه الزيادة المذكورة في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه سلم عن طريق جابر بن عبد الله رواه البيهقي في " شعب الإيمان "
ـ لكن لا أدري ما درجة صحته ـ ، و هو: أخبرنا أبو سعد الماليني (وغيره) قال : سمعت أحمد بن بشير ، يقول : نا الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعبد رجل في صومعة ، فمطرت السماء ، فأعشبت الأرض فرأى حمارا يرعى
فقال : رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري ، فبلغ ذلك نبيا من أنبياء بني إسرائيل ، فأراد أن يدعو عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : إنما أجازي العباد على قدر عقولهم " لفظ حديث الماليني ، تفرد به أحمد بن بشير الكوفي
هذا والله أعلم . وروى البيهقي الحديث موقوفا عن جابر رضي الله عنه .
الجواب :
الحمد لله
روى البيهقي في "الشعب" (4319)
وابن شاهين في " الترغيب " (259)
وابن عدي في "الكامل" (1/269)
والخطيب في "التاريخ" (5/22)
وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/174)
كلهم من طريق أَحْمَدَ بْن بَشِيرٍ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل ٍ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( تَعَبَّدَ رَجُلٌ فِي صَوْمَعَةٍ ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ ، فَأَعْشَبْتِ الْأَرْضُ ، فَرَأَى حِمَارًا يَرْعَى فَقَالَ: يا رَبِّ لَوْ كَانَ لَكَ حِمَارٌ لِرَعِيَّتُهُ مَعَ حِمَارِي، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: إِنَّمَا أُجَازِي الْعِبَادَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ ) .
وهذا إسناد ضعيف ، أحمد بن بشير هذا
قال عثمان الدارمي : متروك ،
وقال النسائي: ليس بذاك القوى.
وقال أبو زرعة: صدوق.
وقال الدارقطني: ضعيف، يعتبر بحديثه .
"ميزان الاعتدال" (1 /85) .
وقال ابن عدي عقب روايته :
" هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لا يَرْوِيهِ بَهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرٍ " .
وقال ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" (2/ 1154):
" أحمد مَتْرُوك الحَدِيث ، وَهَذَا أحد مَا أنكر عَلَيْهِ ".
وقال الألباني في "الضعيفة" (6876) " حديث منكر " .
وقد رواه البيهقي في "الشعب" (4318)
من طريق أحمد بن بشير هذا بسنده المتقدم ، إلا أنه أوقفه على جابر ولم يرفعه .
قال الألباني :
" هذا يعني: أن أحمد بن بشير كان يضطرب في ضبطه وإسناده ، فتارة يرفعه - كما تقدم -، وتارة يوقفه ، وهذا مما يؤكد ضعف حفظه الذي أشار إليه النسائي ، وغيره ممن ضعفه صراحة كالدارقطني .
واذا عرفت هذا؛ فالحديث بالوقف أشبه، ثم هو كأنه من الإسرائيليات التي كان بعض الصحابة يتلقاها عن أهل الكتاب، وموقفنا منها مع قول نبينا صلى الله عليه وسلم:
( فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم ... ) رواه البخاري " .
انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (14/ 879) .
وقال أبو نعيم في "الحلية" (3/ 222):
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، ثَنَا أَبُو مِسْعَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: " أَنَّ نَبِيًّا، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَمَرَ قَوْمَهُ أَنْ يُقْرِضُوا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَبِّ لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا تِبْنُ حِمَارِي
فَإِنْ كَانَ لَكَ حِمَارٌ عَلَفْتُهُ مِنْ تِبْنِ حِمَارِي هَذَا، قَالَ: فَكَانَ يَدْعُو بِذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ قَالَ: فَنَهَاهُ نَبِيُّهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ لِأَيِّ شَيْءٍ نَهَيْتَهُ؟ قَدْ كَانَ يُضْحِكُنِي فِي الْيَوْمِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً ".
وهذا مقطوع من قول زيد بن أسلم ، وهو تابعي ، والإسناد إليه رجاله كلهم ثقات ، إلا أنا لم نجد ترجمة لأبي مسعر راويه عن زيد .
ولو ثبت عن زيد فربما يكون أخذه عن أهل الكتاب ، فقد كان يروي عن كعب الأحبار ، ووهب الذماري ، وكان لهما علم من الكتب المتقدمة .
قال ابن أبي حاتم : " وهب الذمارى سكن ذمار وقد قرأ الكتب، روى عنه زيد بن أسلم. سمعت أبى يقول ذلك ".
"الجرح والتعديل" (9 /23) .
وانظر: "المعرفة والتاريخ" (3/ 408).
والخلاصة :
أن هذا الحديث لا يصح مرفوعا ، والظاهر أنه من أحاديث أهل الكتاب .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 17:36
شرح الحديث المتواتر والمستفيض والعزيز والغريب
السؤال:
هل يشترط للحديث المتواتر تعدد الطرق ، أم إن طريقا واحدة تكفيه إن كثر رواته الذين يمتنع تواطؤهم علي الكذب ؟
وهل يشترط في الحديث المشهور أو العزيز أو الغريب أن يكون الثلاثة رواه فأكثر مالم يبلغ حد التواتر أو الراويان أو الراوي علي الترتيب من الصحابة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث المتواتر هو: ما رواه جمع تحيل العادة تواطأهم على الكذب ، أو صدوره منهم اتفاقا من غير قصد ، ويستمر ذلك في كل طبقة من طبقات السند، ويكون مرجعه إلى الحس ، من مشاهَد أو مسموع أو نحوهما .
قال القاسمي رحمه الله في " قواعد التحديث " (ص 146):
" المتواتر: ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة، بأن يكونوا جمعًا لا يمكن تواطؤهم على الكذب على مثلهم، من أوله إلى آخره؛ ولذا كان مفيدًا للعلم الضروري ، وهو الذي يضطر إليه الإنسان بحيث لا يمكنه دفعه ،
ويجب العمل به من غير بحث عن رجاله، ولا يعتبر فيه عدد معين في الأصح " انتهى .
ومعنى : لا يشترط فيه عدد معين : أنه لا يتقيد المتواتر بأن يكون هو الذي رواه : أربعة ، أو خمسة ، أو عشرة ، فليس هناك عدد محدد يحصل به التواتر
وما دونه لا يحصل به ، بل الواجب أن يتحقق "العدد الكثير" الذي تحصل به صفة التواتر .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" إِذا جَمَع هذهِ الشروطَ الأربعةَ، وهي:
1- عددٌ كثير أحالت العادة تواطؤَهم، أو توافُقَهم، على الكذب.
2- رووا ذلك عن مِثْلِهِم من الابتداءِ إلى الانتهاءِ.
3- وكان مُسْتَنَدُ انْتِهائِهم الحِسَّ.
4- وانْضافَ إلى ذلك أَنْ يَصْحبَ خبرَهم إفادةُ العلمِ لِسامِعِهِ.
فهذا هو المتواتِرُ "
انتهى من " نزهة النظر " (ص 196)
فمن شروط المتواتر: تعدد طرقه ، أما الطريق الواحد ، وإن صح : فلا يثبت به التواتر ، إذ لا بد من تعدد الرواة في كل طبقة من طبقات السند
حتى طبقة الصحابة - تعددا تمنع العادة تواطأهم على الكذب ، أو تواردهم على الوقوع في نفس الغلط .
ولا بد أن يعلم أن المتواتر قسمان : لفظي ، ومعنوي .
قال القاسمي رحمه الله :
" المتواتر قسمان: لفظي وهو ما تواتر لفظه، ومعنوي وهو ما تواتر القدر المشترك فيه. وللأول أمثله كثيرة منها حديث: (من كذب عليَّ متعمدًا ... )
رواه نحو المائتين وحديث الحوض، رواه خمسون ونيف وحديث المسح على الخفين رواه سبعون، وحديث رفع اليدين في الصلاة رواه نحو الخمسين .
وللثاني أمثلة أيضًا، فمنه: أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد رُوي عنه -صلى الله عليه وسلم- نحو مائة حديث فيه رفع يديه في الدعاء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها، وهو الرفع عند الدعاء تواتر باعتبار المجموع " .
انتهى من " قواعد التحديث " (ص 146) .
ثانيا :
أما المشهور : فهو ما رواه ثلاثة فأكثر، ما لم يبلغ التواتر ، وذلك في كل طبقة من طبقات السند أيضا، بما في ذلك طبقة الصحابة.
قال الحافظ ابن حجر :
" الْمَشْهُورُ مَا لَهُ طُرُقٌ مَحْصُورَةٌ بِأَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْنِ، وَلَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُضُوحِهِ، وَسَمَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَفِيضَ لِانْتِشَارِهِ، مِنْ فَاضَ الْمَاءُ يَفِيضُ فَيْضًا " .
انتهى من " تدريب الراوي " (2/ 621) .
وانظر : "التذكرة" لابن الملقن (17)
"التوضيح" للسخاوي (ص 49) .
وقال د. محمود الطحان :
" المشهور اصطلاحًا: ما رواه ثلاثة فأكثر -في كل طبقة- ما لم يبلغ حد التواتر"
والمشهور غير الاصطلاحي:
يقصد به ما اشتهر على الألسنة من غير شروط تعتبر؛ فيشمل:
أ- ما له إسناد واحد.
ب- وما له أكثر من إسناد.
ج- وما لا يوجد له إسناد أصلا " .
انتهى من " تيسير مصطلح الحديث " (ص 30)
وينظر : " قواعد التحديث " (ص 124) .
ثالثا :
أما الغريب : فهو ما رواه راوٍ واحد فقط ، إما في كل طبقة من طبقات السند ، وإما في بعض طبقاته ، ولو طبقة واحدة .
" تيسير مصطلح الحديث " (ص 27) .
فإذا حصلت الغرابة في طبقة واحدة فهو غريب نسبي ، وإذا حصلت في أصل السند ، وهي طبقة الصحابة ، فهو غريب مطلق .
وأما العزيز: فقال الحافظ ابن حجر :
" صورة العزيز : ألا يرويَهُ أقلُّ مِن اثْنَيْنِ عَنْ أقلَّ مِنَ اثْنَيْنِ " .
انتهى من " نزهة النظر" (ص 53) .
وقال محمود الطحان : "العزيز اصطلاحاً : أن لا يقل رواته عن اثنين في جميع طبقات السند"
انتهى من " تيسير مصطلح الحديث " (ص 25) .
وبهذا يتبين أن ما اصطلح العلماء عليه من شروط في الإسناد حتى يكون الحديث متواترا أو مشهورا أو عزيزا أو غريباً : أن ذلك ينطبق على جميع طبقات السند، بما في ذلك طبقة الصحابة
فالمتواتر يشترط فيه أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة كثيرة من الصحابة .
والمشهور يشترط أن يرويه أكثر من اثنين من الصحابة .
والعزيز يشترط أن يرويه -ولو في طبقة واحدة من الإسناد- راويان اثنان فقط ، ولو كانا من الصحابة .
والغريب يشترط فيه أن يرويه راوٍ واحد فقط ، ولو كان ذلك الراوي من الصحابة ، ثم أخذه عنه جماعة .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 17:43
هل هناك أحاديث نبوية في فضل " باكستان " ؟
السؤال:
أخبرتني إحدى الأخوات وهي غير عربية أن هناك أحاديث نبوية في فضل باكستان ، وأن الرسول أخبر عن تأسيسها في بعض أحاديثه ، هل هذا صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
دخل الإسلام إلى "باكستان" على يد الفاتح محمد بن القاسم الثقفي ، عن طريق السند ، في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك .
فقد قرر الحجاج فتح بلاد السند كلها، ووقع اختياره على محمد بن القاسم الثقفي ليقود الجيش العربي، فتحرك بجيشه المكون من ستة آلاف مقاتل من العراق إلى الشيراز في سنة 90 هـ،
وهناك انضم إليه ستة آلاف من الجند، وبعد ذلك اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، حتى التقى الجيش العربي بقيادته ، مع الجيش السندي بقيادة الملك داهر
في معركة دامية مصيرية سنة 92هـ، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، واستمرت الفتوحات حتى عام 96هـ، وبذلك دخل الإسلام بلاد السند والبنجاب .
وبلاد السند والبنجاب تشمل الآن باكستان وشمال الهند .
انظر:
- "الكامل في التاريخ" لابن الأثير الجزري (4/18).
- "البداية والنهاية" (12 /444) .
- "موجز عن الفتوحات الإسلامية" د. طه عبد المقصود أبو عبية
• "باكستان" كانت جزءًا من "الهند" وانفصلت على أساس ديني.
• أتمنى نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في باكستان.
• اهتمام وسائل الإعلام الباكستانية بالإسلام ضعيف.
• أبرز الأعمال الثقافية الباكستانية ديوان إقبال ومؤلفات المودودي.
https://e.top4top.net/p_9371xg8r1.jpg (https://up.top4top.net/)
باكستان، أو "جمهورية باكستان الإسلامية" كما تعرف رسميًّا، هي دولة في جنوب آسيا شمال غرب "الهند"، انفصلت عن "الهند" البريطانية على أساس ديني، حيث اعتبرت أنها دولة الهنود المسلمين و"الهند" دولة الهنود الهندوس، وهي دولة نووية، وكلمة "باكستان" تعني الأرض النقية.
يمارس حوالي 97% من جملة الشعب الباكستاني الشعائر الإسلامية؛ حيث يدينون بالإسلام، وكان هذا هو السبب الرئيس في قيام "باكستان" كدولة مستقلة بذاتها.
في إطار مشروع (الألوكة) تعريف القراء بالبلدان الإسلامية، كان حوارنا عن "باكستان" مع الأخ "إبراهيم أنور إبراهيم"، مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بباكستان، والذي له أكثر من 15 سنة في مجال العمل الخيري الإسلامي، بمناطق الشرق الأوسط، وإفريقيا، وآسيا.
• أستاذ "إبراهيم"، نود في البداية أن نسجل شكر موقع (الألوكة) لكم على جهودكم البارزة في العمل الخيري، ونسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، ونود أن تذكر للقراء نبذة بسيطة عن "باكستان".
بدايةً؛ أشكركم أن أتحتم لي هذه الفرصة.
"باكستان" أو "جمهورية باكستان الإسلامية" كما تسمى رسميًّا، موقعها الجغرافي: قارة آسيا، ويحدها من الشرق الهند، ومن الغرب إيران وأفغانستان، ومن الشمال الصين.
مساحتها: 84400 كيلو متر مربع.
عدد سكانها: 160.000.000 (مائة وستون مليون نسمة).
عدد المسلمين: نسبة 97% من السكان مسلمون.
أهم مدنها: إسلام أباد، لاهور، كراتشي، بشاور، حيدر أباد، كويته، راولبندي.
أهم الثروات الطبيعية: الغاز، الفحم الحجري، الملح، الجبس، الحجر الجيري.
أهم المنتجات: الملابس، المنسوجات، الأسمدة، القطن، القمح، الأرز، الفاكهة، السكر، الجلود.
• كيف دخل الإسلام إلى "باكستان"؟
دخل الإسلام إلى "باكستان" على يد الفاتح محمد بن القاسم الثقفي، عن طريق السند، في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك.
قرر الحجاج فتح بلاد السند كلها، وقد وقع اختياره على محمد بن القاسم الثقفي ليقود الجيش العربي، وتحرك البطل بجيشه المكون من ستة آلاف مقاتل من العراق إلى الشيراز في سنة 90 هـ، وهناك انضم إليه ستة آلاف من الجند
وبعد ذلك اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، حتى التقى الجيش العربي بقيادته مع الجيش السندي بقيادة الملك داهر، في معركة دامية مصيرية سنة 92هـ، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، واستمرت الفتوحات حتى عام 96هـ، وبذلك دخل الإسلام بلاد السند والبنجاب أي بلاد "باكستان" الحالية.
• هل يوجد في "باكستان" مراكز إسلامية؟
وما دورها؟
تتميز المراكز الإسلامية في "باكستان" بأنها مراكز علمية؛ لإدراكهم قيمة العلم خاصة العلم الشرعي، ومن أهم تلك المراكز:
1- الجامعة الإسلامية العالمية، في إسلام أباد.
2- الجامعة البنورية، في كراتشي.
3- الجامعة الأشرفية, في لاهور.
4- الجامعة الحقانية، في بيشاور.
5- جامعة بنوري تاون، في كراتشي.
• ما أشهر المساجد في "باكستان" ؟
تمثل المساجد قيمة كبيرة لدى الشعب الباكستاني وتلقى الاهتمام الكبير ولا تعد مكانًا للصلاة فقط بل مركزًا للتواصل بين المسلمين، ومن أشهر المساجد: مسجد الملك فيصل، في إسلام أباد، ومسجد باتشاهي، في لاهور، ومسجد مهبط خان، في بشاور، ومسجد سونهري، في بشاور أيضًا.
• هل يوجد في "باكستان" شخصيات إسلامية بارزة لها تأثير في مجالات العمل الإسلامي المختلفة؟
بالطبع إن "باكستان" بلد إسلامي، يتميز بالتزام أهله بتعاليم الإسلام أكثر من معظم الدول الأخرى؛ فالإسلام منطلق أساسي في حياة الناس؛ لذا تعددت التوجهات والجماعات الإسلامية، كل يحاول أن يدعو أو يخدم الإسلام بطريقته، ومن ثم برز كثير من الشخصيات في ساحة الدعوة والعمل الإسلامي؛ مثل:
1- قاضي حسين أحمد، رئيس الجماعة الإسلامية باكستان.
2- طارق جميل، كبير جماعة التبليغ.
3- د. عبدالرزاق إسكندر، رئيس جامعة بنورية.
4- مفتي نعيم، رئيس جامعة بنوري تاون.
5- مولانا فضل الرحمن، رئيس جمعية علماء إسلام.
6- حافظ سعيد، رئيس جماعة الدعوة باكستان.
7- د. أسرار أحمد، رئيس التنظيم الإسلامي.
• نلاحظ أن هذه الأسماء تشغل مناصب قيادية في مؤسسات متعددة، ويدل هذا بالطبع على تعدد المؤسسات الإسلامية في باكستان، فما أبرز تلك المؤسسات العاملة في مجال الدعوة الإسلامية؟
بالفعل تتميز "باكستان" - بحكم التزام معظم أهلها بمبادئ الإسلام - بوجود عدد كبير من المؤسسات والجماعات الإسلامية، ومن أبرز تلك المؤسسات العاملة في حقل الدعوة: الجماعة الإسلامية، وجماعة الدعوة والتبليغ، وجمعية علماء الإسلام، وجماعة الدعوة.
• هل يقتصر عمل المؤسسات الإسلامية في "باكستان" على الدعوة أم هناك أنشطة في مجال العمل الخيري؟ وما أبرز الجهات الخيرية الخارجية العاملة في "باكستان" ؟
بالتأكيد النشاط الخيري ينال جانبًا كبيرًا من اهتمام تلك الجماعات، فضلاً عن النشاط الخيري للمؤسسات العالمية، فنرى جهودها بارزة ودورها مؤثر في باكستان، فهناك هيئات خارجية عديدة تمد يد العون للمحتاجين من أبناء "باكستان" أذكر منها على سبيل المثال:
1- الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
2- رابطة العالم الإسلامي وهيئة الإغاثة العالمية الإسلامية.
3- هيئة الإغاثة الإسلامية، بريطانيا.
4- جمعية قطر الخيرية.
5- الهلال الأحمر السعودي.
6- جمعية الفرقان.
7- الحملة الشعبية السعودية لإغاثة متضرري زلزال باكستان.
8- اللجنة الخيرية المشتركة الكويتية.
• وبالنسبة للنشاط الثقافي ما أهم الكتب والبحوث الإسلامية الصادرة في "باكستان" التي تنصحون بقراءتها والرجوع إليها؟
لقد كان علماء "باكستان" إضافة كبيرة للثقافة الإسلامية، ومن أبرز الأعمال التي انطلقت من "باكستان" وانتشرت في البلاد العربية والعالم: مؤلفات سماحة الشيخ أبي الأعلى المودودي، أول من نال جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام، عام 1399هـ، وأيضًا ديوان الشاعر العلامة محمد إقبال.
• دولة مثل "باكستان" يهتم أهلها بالإسلام، لا شك أن هذا الاهتمام له أثر في التعليم، فما أهم الجهود المبذولة للاهتمام بالتعليم الإسلامي في باكستان؟
تتضافر الجهود في مجال التعليم الإسلامي؛ حيث نجد المدارس الدينية منتشرة بكثرة، والجامعات الإسلامية، وكذلك الدعوة والإرشاد من قبل الجماعات الإسلامية الموجودة في باكستان، وأيضًا من خلال الكتب والمجلات والنشرات الإعلامية.
• ما أهم النصائح التي توجهونها لمن يرغب في الذهاب إلى هناك؟
1- أن يتم الاتصال والتنسيق قبل السفر مع مكتب الندوة لتنظيم برنامج الزيارة، أو الاتصال بالسفارة التابعة لبلده وملحقياتها.
2- عدم الذهاب إلى مناطق تكثر فيها الصراعات والخلافات السياسية أو المذهبية.
• ما أثر الإعلام في نشر الإسلام في تلك الدولة وتعزيز قيمه؟
اهتمام وسائل الإعلام بالإسلام ليس بالدرجة المطلوبة، ويمكن القول بأنه ضعيف، شأنها في ذلك شأن معظم الدول الإسلامية، حيث يركز على الجوانب الترفيهية أكثر من غيرها.
• ما نظرة المجتمع للمسلمين هناك، وللأسرة وحجاب المرأة المسلمة على وجه التحديد؟
المجتمع مسلم بطبيعته وهو محب للإسلام والمسلمين، والحجاب ظاهرة منتشرة في المجتمع، ويحظى باحترام شعبي وحكومي.
• ما أمنياتك في العمل الإسلامي بالمنطقة؟
نشر وتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وتنفيذ المشاريع الخيرية الهادفة (التعليمية والدعوية).
• ما المناطق التي زرتها في تلك الدولة؟
بشاور، وإسلام أباد، وكراتشي، وكشمير، ولاهور، وفيصل آباد، وبنو، وميرانشاة، وهريبور.
في النهاية يتوجه موقع (الألوكة) للأخ الفاضل "إبراهيم أنور إبراهيم"، مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بباكستان، بوافر الشكر والتقدير على تلك المعلومات القيمة، وعلى جهده المميز في العمل الخيري.
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 17:45
وقد روى الإمام أحمد (8823)
وابن الأعرابي في معجمه (102)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلِيلِي الصَّادِقُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ: ( يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْثٌ إِلَى السِّنْدِ وَالْهِنْدِ) فَإِنْ أَدْرَكْتُهُ فَاسْتُشْهِدْتُ فَذَاكَ الَّذِي أُرِيدُ، وَإِنْ أَنَا رَجَعْتُ ، رَجَعْتُ وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ ، قَدْ أَعْتَقَنِي اللَّهُ مِنَ النَّارِ ".
وضعفه محققو المسند .
ولا نعلم حديثا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل باكستان .
ولا يعني ذلك التنقيص من شأنها ، أو شأن أهلها ؛ فإن أكثر بلاد الإسلام لم يرد في فضائلها أحاديث خاصة .
وقد جعل الله تعالى ميزان تفضيل الناس بعضهم على بعض هو التقوى ، وليس الجنس أو البلد ؛ قال الله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13.
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 17:52
ما ورد في السنَّة من أحاديث في غزو " الهند " رواية ودراية
السؤال:
لدى سؤال يتعلق بـ " غزوة الهند " ، والتي يدَّعي البعض بأنها ستحدث ، ويقولون : بأنه مَن سيقتل فى هذه الغزوة سيدخل الجنة ، ويقتبسون هذا الحديث : روى النسائي - الحديث ( 3124 ) -
عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام )
. وفي " سنن النسائي - الحديث ( 3123 ) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ ، فَإِنْ أَدْرَكْتُهَا أُنْفِقْ فِيهَا نَفْسِي وَمَالِي ، فَإِنْ أُقْتَلْ كُنْتُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ
وَإِنْ أَرْجِعْ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ . بداية : هل هذه الأحاديث صحيحة ؟ وإذا كانت كذلك فهل هى تشير حقّاً إلى حرب فى شبه القار ة قرب نهاية العالم ؟ .
الجواب
الحمد لله
أولاً:
أما الحديث الأول وهو حديث ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فهو حديث صحيح.
وقد رواه النسائي في " سننه " ( 3175 )
وصححه الألباني في " صحيح النسائي " ،
ورواه أحمد في " مسنده " ( 37 / 81 ) وحسَّنه المحققون .
وأما الحديث الثاني وهو حديث أَبِي هُرَيْرَةَ : فهو حديث ضعيف .
وقد رواه النسائي ( 3173 )
وضعفه الألباني في " ضعيف النسائي "
ورواه أحمد في " مسنده " ( 12 / 28 ) ط الرسالة
وضعفه محققو الطبعة. وثمة طرق أخرى لحديث أبي هريرة كلها ضعيفة ،
وثمة أحاديث أخرى في الباب لا تخلو من مقال ، والذي ثبت وصحَّ هو حديث ثوبان . ثانياً: قد حصل غزو الهند ، وافتتحها المسلمون ، وحطموا أصنامها ، مراراً
وقد ابتدأ ذلك في عهد الوليد بن عبد الملك بقيادة القاسم بن محمد الثقفي ، وغزيت وافتتحت أيضاً في زمان العباسيين ، وذلك بقيادة القائد المظفر " محمود بن سُبُكتِكين " رحمه الله ، وقد فرض على نفسه غزو الهند مرة في كل عام .
قال الشيخ صدِّيق حسن خان – رحمه الله – توفي عام 1307 هـ -
: وأما الهند : ففتح في عهد " الوليد بن عبد الملك " على يد " محمد بن قاسم الثقفي " سنة اثنتين وتسعين الهجرية ، وبلغت راياته المظلة على الفوج من حدود " السند " إلى أقصى " قنوج " سنة خمس وتسعين .
وبعد ما عاد عاد ولاة الهند إلى أمكنتهم وبقي الحكام من الخلفاء المروانية والعباسية ببلاد " السند " ..
. . قال صاحب " المغني " : ... وقصد السلطان محمود الغزنوي أواخر المائة الرابعة غزو " الهند " وأتى مراراً ، وغلب ، وأخذ الغنائم ، وانتزع " السند " من الحكام الذين كانوا من قبل " القادر بالله بن المقتدر العباسي "
ولكن السلطان " محمود " لم يقم بالهند وكان أولاده متصرفين من " غزنين " إلى " لاهور " حتى استولى السلطان " معز الدين سام الغوري " على " غزنين " وأتى " لاهور " وقبض على " خسروملك " ختْم الملوك الغزنوية
وضبط " الهند " وجعل " دهلي " دار الملك سنة تسع وثمانين وخمسمائة ، ومن هذا التاريخ إلى آخر المائة الثانية عشر كانت ممالك الهند في يد السلاطين الإسلامية . " أبجد العلوم " ( 1 / 344 ، 345 )
. وقال ابن كثير – رحمه الله
- في حوادث سنة أربع وتسعين - : وفيها : افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند ، وغنم أموالاً لا تعد ولا توصف . "
البداية والنهاية " ( 9 / 113 )
. وقال ابن كثير – رحمه الله -
في حوادث سنة ست وتسعين وثلاث مئة - : وفيها : غزا يمين الدولة " محمود بن سُبُكْتِكين " بلاد الهند ، فافتتح مدناً كباراً ، وأخذ أموالاً جزيلة ، وأسر بعض ملوكهم - وهو ملك " كراشي " - حين هرب لما افتتحها ، وكسر أصنامها. "
البداية والنهاية " ( 11 / 358 ) .
وقال أيضاً – رحمه الله - في حوادث سنة تسع وأربع مئة - : وفيها غزا " محمود بن سبكتكين " بلاد الهند ، وتواقع هو وملك الهند ، فاقتتل الناس قتالاً عظيماً ، ثم انجلت عن هزيمة عظيمة على الهند
وأخذ المسلمون يقتلون فيهم كيف شاءوا ، وأخذوا منهم أموالاً عظيمة من الجواهر والذهب والفضة ، وأخذوا منهم مائتي فيل ، واقتصوا أثار المنهزمين منهم ، وهدموا معامل كثيرة . "
البداية والنهاية " ( 12 / 8 ) .
وهذا الذي حصل من غزو الهند من دلائل النبوة ، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوعه وهو من علْم الغيب الذي أوحاه الله إليه . قال الأستاذ محمد عبد الوهاب بحيري – رحمه الله - :
فائدة : الحديث المذكور – أي : حديث ثوبان – من أعلام النبوة فقد غزا المسلمون الهند والسند في عهد بني أمية – ثم شرع في ذِكر أحداث غزو الهند وفتحها - . "
بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني " ( 22 / 411 ) .
وليس هناك ما يدل على أن هناك غزوا آخر للهند يكون آخر الزمان قرب القيامة أو في أيام عيسى عليه السلام كما ذهب إليه بعض أهل العلم
بل الظاهر أن المشار إليه في الحديث هو هذا الذي وقع الأمر ، وحديث ثوبان ليس فيه الربط بين العصابتين ، بل كل عصابة لها وقتها ، وكلاهما قد اشتركا في فضل واحد .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 17:57
قصة دعاء الإمام أحمد على المأمون
السؤال:
كلنا يعرف محنة الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في فتنة المأمون ، فعندما أمر المأمون أن يُحمل له الإمام أحمد بن حنبل، ومحمَّد بن نوح ، فأرسلاَ مقيَّدَين على بعير واحد ، فأمَّا محمد بن نوح فمات في أثناء الطريق قبلَ أن يصل إلى طَرَسُوس ،َ حيث مقرُّ الخليفة المأمون ، وبقي الإمام أحمد بن حنبل فدَعَا الله - عز وجل -
في أثناء الطريق ألاَّ يُريَه المأمون ، وألاَّ يجتمع به ، فاستجاب االله ـ عز وجل ـ دعاء الإمام أحمد، ، فمات المأمون قبلَ أن يصلَ إليه الإمام أحمد ، لكن قرأت القصة في الفيسبوك وبعض الكتب القصة وفيها أنه : " فجثا الإمام أحمد على ركبتيه ، ورمق بطرفه إلى السماء
ثم قال: سيدي ، غرَّ حِلمُك هذا الفاجر حتى تجبر على أوليائك بالضرب والقتل ، اللهم فإن يكُنِ القرآن كلامَك غيرَ مخلوق ، فاكفِنا مؤنته ، قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل ".
فهل صح قول هذا الدعاء عن إمامنا أحمد رحمه الله ؟ وإذا كان صحيحا ، فهل يجوز دعاء الله تعالى بـ"سيدي" ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى أبو داود (4806)
عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي: " انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا، فَقَالَ: (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى).
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وقد دل هذا الحديث على أن " السيد " من أسماء الله الحسنى ، ومن ثم يشرع دعاء الله به ، كغيره من الأسماء الحسنى .
وخالف في ذلك بعض أهل العلم ، كالإمام مالك وغيره ؛ ولعله لم يبلغه الحديث فيه ، أو بلغه من وجه لا يصح عنده .
على أننا ننبه هنا إلى أن عامة الأدعية الواردة في الكتاب والسنة، وما روي في ذلك مما صح عن الصحابة والسلف الصالح : إنما كانت تستهل بـ "اللهم" ، "ربنا" ، "رب".
فالذي يظهر أن الأكمل والأوفق للسنة ، وطريقة السلف : أن يدعو بما جرى عليه العمل ، وعهد الدعاء به فيما صح من الكتاب ، والسنة ، والأثر ،فيقول : يا رب ، اللهم ، ربنا ، ونحو ذلك .
فإن دعا وقال في دعائه : " يا سيدي " فهو جائز ، لا حرج فيه إن شاء الله .
ثانيا :
أما هذا الدعاء الوارد عن الإمام أحمد رحمه الله
فقد رواه الحافظ أبو نعيم رحمه الله في "حلية الأولياء" (9/ 194) قال :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا أَبِي ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ غَسَّانَ : " حُمِلْتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مَحْمَلٍ عَلَى جَمَلٍ يُرَادُ بِنَا الْمَأْمُونُ، فَلَمَّا صِرْنَا قَرِيبَ عَانَة ، قَالَ لِي أَحْمَدُ: قَلْبِي يُحِسُّ أَنَّ رَجَاءً الْحَصَّارَ يَأْتِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، فَإِنْ أَتَى وَأَنَا نَائِمٌ فَأَيْقِظْنِي ، وَإِنْ أَتَى وَأَنْتَ نَائِمٌ أَيْقَظْتُكَ .
فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذْ قَرَعَ الْمَحْمَلَ قَارِعٌ ، فَأَشْرَفَ أَحْمَدُ ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَعْرِفُهُ بِالصِّفَة ِ، وَكَانَ لَا يَأْوِي الْمَدَائِنَ وَالْقُرَى ، وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ شَدَّهَا عَلَى عُنُقِهِ ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَضِيَكَ لَهُ وَافِدًا ، فَانْظُرْ لَا يَكُونُ وُفُودُكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وُفُودًا مَشْئُومًا، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَنْتَظِرُونَكَ لِأَنْ تَقُولَ فَيَقُولُوا، وَاعْلَمْ أَنَّمَا هُوَ الْمَوْتُ وَالْجَنَّةُ .
فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْبُذَيذُونَ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدَ بْنَ غَسَّانَ إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا عَنِّي : رَاقَبِ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَاشْكُرْهُ عَلَى الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، وَإِنْ دَعَانَا هَذَا الرَّجُلُ أَنْ نَقُولَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَلَا تَقُلْ ، وَإِنْ أَنَا قُلْتُ فَلَا تَرَكْنَ إِلَيَّ ، وَتَأَوَّلْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) .
فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَثَبَاتِ قَلْبِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ أَنْ خَرَجَ خَادِمٌ وَهُوَ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ بَكُمِّهِ وَهُوَ يَقُولُ : عَزَّ عَلَيَّ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنْ جَرَّدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَيْفًا لَمْ يُجَرِّدْهُ قَط ُّ، وَبَسَطَ نِطْعًا لَمْ يَبْسُطْهُ قَطُّ
ثُمَّ قَالَ: وَقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا رَفَعْتُ عَنْ أَحْمَدَ وَصَاحِبِهِ حَتَّى يَقُولَا الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى أَحْمَدَ وَقَدْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَحَظَ السَّمَاءَ بِعَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "سَيِّدِي غَرَّ هَذَا الْفَاجِرَ حِلْمُكَ حَتَّى يَتَجَرَّأَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ بِالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ ، اللَّهُمَّ فَإِنْ يَكُنِ الْقُرْآنُ كَلَامَكَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَاكْفِنَا مُؤْنَتَهُ " .
قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا مَضَى الثُّلُثُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا وَنَحْنُ بِصَيْحَةٍ وَضَجَّةٍ ، وَإِذَا رَجَاءٌ الْحَصَّارَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَدْ مَاتَ وَاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ".
وهذا إسناد ضعيف :
عبد الله بن جعفر ، هو عَبْد اللَّه بْن جعْفَر بْن أَحْمَد بْن فارس
قال الذهبي : "كان ثقة عابدا"
"تاريخ الإسلام" (25/ 196) .
وأبوه لم نجد له ترجمة .
وكذا شيخه أحمد بن عبد الله .
وأحمد بن غسان ترجمه الذهبي في تاريخ الإسلام ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا .
قال : " أحد مشايخ العابدين بالبصرة ، كان يقول بالقدر، ورجع عنه ، فلما كانت المحنة أيام المعتصم أبى أن يقول بخلق القرآن ، فحمل إلى بغداد وحبس بها ، فاتفق معه في الحبس أحمد بن حنبل، والبويطي "
انتهى من "تاريخ الإسلام" (16/ 49) .
وقوله في هذا الخبر عن الإمام أحمد : " فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَثَبَاتِ قَلْبِهِ " منكر
يدل على عدم صحة هذه القصة
لأن بداية المحنة كانت سنة 218
وولد الإمام أحمد سنة 164، فيكون عمره في بداية المحنة 54 سنة
فكيف يقال لمن هذا عمره : " تعجبت من حداثة سنه"؟!
فهذه القصة غير ثابتة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 18:23
ما حكم دعاء الله بقول ( سيدي ) أو ( يا سيدي) ؟
السؤال:
هل يجوز نداء الله بقول : سيدي أو يا سيدي ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
" السيد" من أسماء الله الحسنى ، كما ثبت في السنة النبوية الصحيحة ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قال: " انطلقتُ في وفدِ بني عامرٍ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا: أنتَ سيّدُنا.
فقال: ( السَّيدُ الله )" .
رواه الإمام أحمد في "مسنده" (16307)
والبخاري في "الأدب المفرد" (211)
وأبو داود في "سننه" (4806)
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/ 464): " إسناده جَيِّد"
وقال الحافظ في "الفتح" (5/179): " رجاله ثقات وقد صحَّحه غير واحد"
وصحَّحه صاحب "عون المعبود" (4/ 402)
وصحَّحه الشيخ الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (3594).
قال الدكتور محمد خليفة التميمي " ورد ذكر هذا الاسم في جمع : ابن منده ، والحليميِّ ، والبيهقيِّ ، وابنِ حزم ، والأصبهانيِّ ، وابن العربىِّ ، والقُرطبيِّ ، وابن القيِّم ، والعثيمين ، والقحطانيِّ ، ونور الحسن خان " ا
نتهى من "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" (ص: 155).
قال البيهقي : " وَمِنْهَا ( السَّيِّدُ) وَهَذَا اسْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْكِتَابُ ، وَلَكِنَّهُ مَاثُورٌ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
انتهى من "الأسماء والصفات" (1/ 67) .
وينظر: " التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل " لابن منده (2/ 132)
"المنهاج في شعب الأيمان" للحليمي (1/192)
"أحكام القرآن" لابن العربي(2/343)
"القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" لابن عثيمين (ص: 16)
قال ابن القيم:
" وَأما وصف الرب تَعَالَى بِأَنَّهُ السَّيِّد ، فَذَلِك وصف لرَبه على الْإِطْلَاق ، فَإِن سيد الْخلق هُوَ مَالك أَمرهم الَّذِي إِلَيْهِ يرجعُونَ ، وبأمره يعلمُونَ ، وَعَن قَوْله يصدرون ، فَإِذا كَانَت الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ خلقا لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وملكا لَهُ ، لَيْسَ لَهُم غنى عَنهُ طرفَة عين ، وكل رغباتهم إِلَيْهِ
وكل حوائجهم اليه : كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّيِّد على الْحَقِيقَة .
قَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَول الله (الصَّمد) قَالَ: السَّيِّد الَّذِي كمل سؤدده "
انتهى من "تحفة المودود " (ص: 126)
وقال: " فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى : المالك ، والمولى ، والرب".
انتهى من "بدائع الفوائد" (3/1176).
ثانياً :
إذا ثبت أن السيد من أسماء الله ، فالدعاء به : جائز ، لا حرج فيه ، لقول الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )الأعراف/ 180.
قال السعدي : " وهذا شامل لدعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب ، فيقول الداعي مثلا : اللّهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ، وتب عَلَيَّ يا تواب ، وارزقني يا رزاق ، والطف بي يا لطيف ، ونحو ذلك".
انتهى من "تفسير السعدي" (ص: 309) .
وقد كره بعض أهل العلم - كالإمام مالك - دعاء الله بقول : يا سيدي ، أو سيدي ، وذلك – والله أعلم – لأن هذا الاسم لم يثبت عنده أنه من أسماء الله الحسنى .
ثالثا :
كره بعض أهل العلم الدعاء بـ"سيدي" ، كما نقل عن الإمام مالك وغيره .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: " وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي عِمْرَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي: يَا سَيِّدِي يَا سَيِّدِي ، وَقَالُوا: قُلْ كَمَا قَالَتْ الْأَنْبِيَاءُ: رَبِّ ، رَبِّ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 207) ، وينظر "جامع العلوم والحكم" (1/292).
وسياق الرواية بتمامها عن الإمام مالك ذكره ابن رشد في "البيان والتحصيل" فقال:
" سئل هل كان أحد بالمدينة يكره أن يقول العبد لسيده: يا سيدي؟
فقال: لا، ولم يُكره ذلك، وقال الله تعالى: ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) ، وقال تبارك وتعالى: (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) ، فلم يُكره ذلك.
قيل : يقولون إن السيد هو الله .
قال: فأين في كتاب الله أن الله هو السيد؟
هو الرب، قال: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) ، وقال: ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) .
قيل: أفتكره أن يدعو الرجل فيقول يا سيدي؟
فقال: غير ذلك أحب إليَّ ؛ أن يدعو بما في القرآن ، وما دعت به الأنبياء.
قيل: ذلك أحب إليك من أن يقول يا سيدي؟
فقال نعم، لا أحب أن يقول يا سيدي ، وغير ذلك أحب إلي".
انتهى من "البيان والتحصيل" (18/430).
قال ابن رشد : " وإنما كره مالك الدعاء بـ (يا سيدي ، ويا حنان) ، وبما أشبه ذلك من الأسماء؛ لاختلاف أهل العلم في جواز تسميته بها ، إذ لم ترد في القرآن ، ولا في السنن المتواترة ، ولا أجمعت الأمة على جواز تسميته بها"
انتهى من "البيان والتحصيل" (17/423).
قال الداودي عن الحديث الوارد في هذا الباب: " فيه أيضًا جواز الدعاء بـ (يا سيدي) ، ومالك يكرهه وقال: يُدعى بما في القرآن ، ولعله لم يبلغه الحديث".
نقله عنه في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (29/102) .
والحاصل :
أن مناجاة الله جل جلاله ، ودعاءه بـ"يا سيدي" : جائز لا حرج فيه
وإن كان الأحسن من ذلك مراعاة هدي القرآن ، وطريقة السلف وجادتهم المسلوكة في هذا الباب
فيبدأ دعاءه بـ "رب ، ربنا " ، أو "اللهم" ، أو يتوسل إلى ربه بما يناسب حاجته من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فيقول ـ مثلا ـ : يا رحمن ، ارحمني ؛ يا تواب ، تب علي .. ، ونحو ذلك .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 18:29
خبر موضوع في حضور آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ولادة النبي صلى الله عليه وسلم .
السؤال:
سمعت أحد المشايخ يذكر أنّه عندما كانت أم النبي صلى الله عليه وسلم في المخاض جاءت آسية امرأة فرعون ، ومريم أم عيسى عليه السلام ، وسارة وهاجر زوجات النبي إبراهيم عليه السلام ؛ لتساعدها في الولادة ، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوجهن الأربعة في الجنة ، فما صحة ذلك ؟
فحسب علمي فزوجات إبراهيم عليه السلام في مقام أمهات المؤمنين بما فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الأخص هاجر والتي هي أم اسماعيل عليه السلام جد النبي صلى الله عليه وسلم
فهل يجوز للمرء أن يتزوج جدته ؟
أرجو توضيح المسألة .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قال أبو نعيم الحافظ رحمه الله في " دلائل النبوة " (555):
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَم َ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
" فَكَانَ مِنْ دَلَالَاتِ حَمْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ نَطَقَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَقَالَتْ: حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ أَمَانُ الدُّنْيَا وَسِرَاجُ أَهْلِهَا، وَلَمْ يَبْقَ كَاهِنَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إِلَّا حُجِبَتْ عَنْ صَاحِبَتِهَا ، وَانْتُزِعَ عِلْمُ الْكَهَنَة ِ، وَلَمْ يَكُنْ سَرِيرُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا إِلَّا أَصْبَحَ مَنْكُوسًا
وَالْمَلِكُ مُخْرَسًا لَا يَنْطِقُ يَوْمَهُ ذَلِكَ ، وَمَرَّتْ وُحُوشُ الْمَشْرِقِ إِلَى وُحُوشِ الْمَغْرِبِ بِالْبُشَارَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْبِحَارِ ، يُبَشِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِهِ ، نِدَاءٌ فِي الْأَرْضِ وَنِدَاءٌ فِي السَّمَاءِ: أَنْ أَبْشِرُوا؛ فَقَدْ آنَ لِأَبِي الْقَاسِمِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْأَرْضِ مَيْمُونًا مُبَارَكًا .
فَكَانَتْ أُمُّهُ تُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهَا وَتَقُولُ: أَتَانِي آتٍ حِينَ مَرَّ بِي مِنْ حَمْلِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَكَزَنِي بِرِجْلِهِ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ: يَا آمِنَةُ إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ الْعَالَمِينَ طُرًّا، فَإِذَا وَلَدْتِيهِ ، فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَاكْتُمِي شَأْنَكِ .
قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: لَقَدْ أَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ ، ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَ ى، وَإِنِّي لَوَحِيدَةٌ فِي الْمَنْزِلِ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي طَوَافِهِ ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ وَجْبَةً شَدِيدَةً ، وَأَمْرًا عَظِيمًا، فَهَالَنِي ذَلِكَ ، وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ .
فَرَأَيْتُ كَأَنَّ جَنَاحَ طَيْرٍ أَبْيَضَ قَدْ مَسَحَ عَلَى فُؤَادِي ، فَذَهَبَ عَنِّي كُلُّ رُعْبٍ ، وَكُلُّ فَزَعٍ وَوَجَعٍ كُنْتُ أَجِدُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتُّ ، فَإِذَا أَنَا بِشَرْبَةٍ بَيْضَاءَ ، وَظَنَنْتُهَا لَبَنًا ، وَكُنْتُ عَطْشَى ، فَتَنَاوَلْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَأَضَاءَ مِنِّي نُورٌ عَالٍ .
ثُمَّ رَأَيْتُ نِسْوَةً كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ ، كَأَنَّهُنَّ بَنَاتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُحَدِقْنَ بِي ، فَبَيْنَا أَنَا أَعْجَبُ وَأَقُولُ: وَاغَوْثَاهْ ، مِنْ أَيْنَ عَلِمْنَ بِي هَؤُلَاءِ؟ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ ، وَأَنَا أَسْمَعُ الْوَجْبَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ أَعْظَمَ وَأَهْوَل َ، فَإِذَا أَنَا بِدِيبَاجٍ أَبْيَضَ قَدْ مُدَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: خُذُوهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ .
قَالَتْ: وَرَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ وَقَفُوا فِي الْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ فِضَّةٍ ، وَأَنَا يَرْشَحُ مِنِّي عَرَقٌ كَالْجُمَانِ ، أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ، وَأَنَا أَقُولُ: يَا لَيْتَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَنِّي نَاءٍ، قَالَتْ: فَرَأَيْتُ قِطْعَةً مِنَ الطَّيْرِ قَدْ أَقْبَلَتْ مِنْ حَيْثُ لَا أَشْعُرُ، حَتَّى غَطَّتْ حُجْرَتِي، مَنَاقِيرُهَا مِنَ الزُّمُرُّدِ ، وَأَجْنِحَتُهَا مِنَ الْيَوَاقِيتِ
فَكَشَفَ لِي عَنْ بَصَرِي، فَأَبْصَرْتُ سَاعَتِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا , وَرَأَيْتُ ثَلَاثَ أَعْلَامٍ مَضْرُوبَاتٍ : عَلَمٌ فِي الْمَشْرِقِ , وَعَلَمٌ فِي الْمَغْرِبِ , وَعَلَمٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ
وَأَخَذَنِي الْمَخَاضُ وَاشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ جِدًّا، فَكُنْتُ كَأَنِّي مُسْتَنِدَةٌ إِلَى أَرْكَانِ النِّسَاءِ ، وَكَثُرْنَ عَلَيَّ ، حَتَّى كَأَنَّ الْأَيْدِي مَعِي فِي الْبَيْتِ ، وَأَنَا لَا أَرَى شَيْئًا، فَوَلَدْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَطْنِي دُرْتُ
فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَنَا بِهُ سَاجِدٌ قَدْ رَفَعَ إِصْبَعَيْهِ كَالْمُتَضَرِّعِ الْمُبْتَهِلِ ... "
وقد أورده ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (6/ 298) وسمى شيخ سليمان بن أحمد - وهو الطبراني -: حفص بن عمرو بْنِ الصَّبَاحِ.
وحفص هذا أورده ابن حبان في " الثقات " (8/ 201) وقال : " رُبمَا أَخطَأ ".
وإن كان اسمه : عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ فلم نجد له ترجمة .
ويحيى بن عبد الله هو البابلتي ، وهو ضعيف الحديث ، ضعفه أبو زرعة وغيره.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة تفرد ببعضها، وأثر الضعف على حديثه بين.
وقال أبو حاتم: لا يعتد به.
" ميزان الاعتدال " (4/ 390) .
وشيخه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف أيضا ، قال أبو داود: سُرق لأبي بكر بن أبي مريم حلي، فأنكر عقله ، وسمعت أحمد يقول: ليس بشيء.
" ميزان الاعتدال " (4/ 498)
ووالد سعيد بن عمرو الأنصاري لم نجد له ترجمة .
فهذا خبر واهٍ .
وقال ابن كثير :
" غريب جدا " .
"البداية والنهاية" (6/ 299) .
وساقه شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية" (1/ 77)
من طريق أبي نعيم وضعفه بقوله: "وهو مما تُكلم فيه".
وقال عند قولها : " ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهن من بنات عبد مناف ، يحدقن بى فبينا أنا أتعجب وأنا أقول واغوثاه من أين علمن بى؟ " ، قال : " في غير هذه الرواية: فقلن لي : نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، وهؤلاء من الحور العين " انتهى .
وهذا لم نجد له أصلا ، ولعله من خرافات جهلة الصوفية .
ثانيا :
أما القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الجنة من آسية امرأة فرعون ، ومريم أم عيسى عليه السلام ، وسارة ، وهاجر: فقول باطل ، فإن سارة زوجة أبيه إبراهيم الخليل
وهاجر أم أبيه إسماعيل ـ فهي في مقام أمه ـ ، وهما زوجتا إبراهيم عليه السلام في الجنة ، فمن قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج منهما في الجنة فقد قال منكرا من القول وزورا .
وما ورد من الأحاديث: أن الله عز وجل يزوج نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون : فلا يصح منها شيء
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-07-26, 18:47
اخوة الاسلام
و بخصوص الأحاديث الواردة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وكلثوم أخت موسى عليه السلام
سوف ندرسها جميعا في موضوع الاحاديث الضعيفه القادمه باذن الله
...............
حَدِيثِ : ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ ). رواية ودراية.
السؤال:
جاء في الحديث عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام ، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ) ، فما صحة هذا الحديث ؟
وأين ذكر؟
الجواب :
الحمد لله
هذا حديث صحيح ، وله طرق :
فرواه الإمام أحمد (21733)
والفسوي في " المعرفة " (2/290)
والبزار "كشف الأستار" (3332)
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِه ِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي ، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ) .
وقال البزار : " لا نَعْلَمُهُ رَوَاهُ إِلا أَهْلُ الشَّامِ ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَوَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَهَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ " انتهى .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 57):
" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ".
وقال محققو المسند : " إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح ".
ورواه أحمد (17775)
والطبراني في " مسند الشاميين "(1357)
من طريق عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ عن عَمْرو بْن الْعَاصِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي ، أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ) .
وإسناده ضعيف ، لضعف عبد العزيز بن عبيد الله ، ضعفه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم .
انظر : "التهذيب" (6/348) .
ورواه الطبراني في " الكبير" (14514)
و" الأوسط " (2689)
من طريق مُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيلَ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا عَمُودَ الْكِتَابِ فَعَمَدُوا بِهِ إِلَى الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَالْأَمْنُ بِالشَّامِ).
مؤمل بن إسماعيل : قال الحافظ في " التقريب " (ص 555): "صدوق سيء الحفظ" .
وقد رواه الطبري في تفسيره (18/ 469):
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد
قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ،
قال: وحدثنا أبو قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرسلا ، وهذا أصح .
ولكن رواه الحاكم (8554)
والطبراني في " الكبير " (14561)
وفي "مسند الشاميين " (308)
والحارث في مسنده (2/944)
وأبو نعيم في " الحلية "(5/252)
من طريق سَعِيد بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا به مرفوعا .
وقال الحاكم : "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ" ووافقه الذهبي .
ورواه الطبراني في " الكبير " (14545)
عن ابن عمرو أيضا ، وفي إسناده ابن لهيعة ، وفيه مقال معروف
وبعض أهل العلم يحسن حديثه .
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/ 58):
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِأَسَانِيدَ
وَفِي أَحَدِهَا ابْنُ لَهِيعَةَ
وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ
وَقَدْ تُوبِعَ عَلَى هَذَا، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ ".
ورواه ابن عبد الحكم في " فتوح مصر والمغرب " (ص296)
والفسوي في " المعرفة " (2/291)
وابن عساكر في " التاريخ " (1/105) ع
ن مدرك بن عبد الله الأزدى- أو أبى مدرك- قال:
" غزونا مع معاوية مصر، فنزلنا منزلا، فقال عبد الله بن عمرو لمعاوية: أتأذن لي أن أقوم في الناس؟
فأذن له ؛ فقام على قوسه ؛ فحمد لله وأثنى عليه
ثم قال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: ( رأيت في منامي أن عمود الكتاب حمل من تحت رأسي ، فأتبعته بصرى ، فاذا هو كالعمود من النور يعمد به إلى الشأم ، ألا وإنّ الإيمان إذا وقعت الفتن، بالشأم) ثلاث مرّات ".
ومدرك الأزدي مجهول
كما في " ميزان الاعتدال "(4/ 86) .
ورواه الطبراني في "الكبير" (7714)
وابن عساكر في " التاريخ " (1/111)
من طريق الْوَلِيد بْن مُسْلِمٍ، عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانَ ، أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: (رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ هَوَى بِهِ ، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، وَإِنِّي أَوَّلْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالشَّامِ) .
وعفير بن معدان متروك الحديث ، انظر " الميزان " (3/83) .
وقال الهيثمي في " المجمع " (10/ 58):
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وفِيهِ عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ ".
ورواه الطبراني في " مسند الشاميين " (601)
من طريق هِشَام بْن عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ
عن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَمُودًا أَبْيَضَ ، كَأَنَّهُ لُؤْلُؤَةٌ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ، قُلْتُ: مَا تَحْمِلُونَ؟ قَالَ: عَمُودُ الْإِسْلَامِ أُمِرْنا أَنَ نَضَعَهُ بِالشَّامِ .
وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ الْكِتَابَ اخْتُلِسَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَخَلَّى مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي ، فَإِذَا هُوَ نُورٌ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى وُضِعَ بِالشَّامِ ،
فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ ، وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِهِ , فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ ).
وهشام بن عمار :
قال الحافظ في " التقريب " (ص 573):
" صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن ".
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب "(4/ 32):
" رواه الطبراني ورواته ثقات ".
ورواه الفسوي في "المعرفة" (2/ 311)
وابن عساكر في "التاريخ" (1/109)
من طريق نصر بن محمد بن سليمان عن أبيه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَانَ السُّلَمِيّ قَالَ: حدثني عبد الله بن أبي قيس قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( رَأَيْتُ عَمُودًا مِنْ نُورٍ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي سَاطِعًا حَتَّى اسْتَقَرَّ بِالشَّامِ ).
ونصر هذا : قال أبو حاتم: ضعيف لا يصدق ، وذكره ابن حبان في الثقات .
" ميزان الاعتدال " (4/ 251).
وقد صحح هذا الحديث البيهقي في "دلائل النبوة" (6/447)
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 31):
" رواه أحمد ورواته رواة الصحيح ".
وصححه أيضا : الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/403)
والألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3092)
ومحققو المسند - كما تقدم -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَوْلِهِ (رَأَيْت كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ- وَفِي رِوَايَةٍ - عَمُودَ الْإِسْلَامِ أُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَأَتْبَعْته نَظَرِي فَذُهِبَ بِهِ إلَى الشَّامِ) وَعَمُودُ الْكِتَابِ وَالْإِسْلَامِ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ ، وَهُمْ حَمَلَتُهُ الْقَائِمُونَ بِهِ.
وَمِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ) .
وَمِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَة ُ).
وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : (وَهُمْ بِالشَّامِ)" انتهى
من "مجموع الفتاوى" (27/ 42)
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
بارك الله فيك اخي الكريم
وجزاك الله خيرا
*عبدالرحمن*
2018-07-27, 16:46
بارك الله فيك اخي الكريم
وجزاك الله خيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
كل الشكر و التقدير لشخصك الكريم
اسال الله ان يحغل تشجيعك
بحضورك المميز مثلك
في موازين حستاتك
https://d.top4top.net/p_795sbakq1.gif (https://up.top4top.net/)
.
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 17:30
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الفرق بين قولهم : " أخرجه فلان " و " رواه " و " ذكره " عند المحدثين .
السؤال :
ما الفرق بين ((اخرجه ورواه وذكره)) عند المحدثين وجزكم الله خيرا
الجواب :
الحمد لله
قولهم " رواه فلان " أعم من قولهم " أخرجه فلان "
فإن "رواه فلان" تطلق على الراوي نفسه
فيقال رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
أو : رواه الزهري مرسلا
أو: رواه فلان وخالف فيه فلانا ، ونحو ذلك .
وتطلق أيضا على رواية العالم الحديث في مصنفه
فيقال : " رواه البخاري في صحيحه "
و " رواه أحمد في مسنده " و " رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة " ونحو ذلك .
أما " أخرجه فلان " فتطلق على من روى الحديث في مصنفه
وهذا المصطلح ، بهذا المعنى : يساوي مصطلح " رواه فلان " بالمعنى الثاني المتقدم ، ولا فرق بينهما.
أما " خرّجه فلان " فتطلق على معنيين :
أولهما : بمعنى " أخرجه فلان "
ومنه قول ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" في غير موضع منه : " خرجه البخاري" ، "خرجه مسلم" ، "خرجه الإمام أحمد" ، "خرجه الترمذي".
الثاني: "عزو الأحاديث التي تذكر في المصنفات مطلقة
غير مسندة ولا معزوة إلى كتاب
أو كتب مسندة، إما مع الكلام عليها تصحيحاً وتضعيفاً ورداً وقبولاً وبيان ما فيها من علل، وإما بالاقتصار على العزو إلى الأصول".
"حصول التفريج بأصول التخريج" للغماري( ص21)
ومن ذلك قولهم : "علق عليه وخرج أحاديثه ... " .
أما "ذكره فلان" : فتطلق ويراد بها عدة معان ، منها :
- أن تأتي بمعنى "روى" وهذا قليل ،
ومثاله ما ذكره الهيثمي في المجمع (1/ 291)
عند تخريجه لحديث : (أول ما يحاسب به العبد صلاته ... ) قال :
" روى النسائي عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة مثل هذا، وقد ذكره الإمام أحمد في ترجمة رجل غير أبي هريرة، ورجاله رجال الصحيح " انتهى .
ومقصوده بـ" ذكره الإمام أحمد ": رواه بسنده .
ومنه أيضا : قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ "الجواب الصحيح" (5/69)
: " وتولى بعد النجاشي آخر فأرسل إليه كما ذكره مسلم في صحيحه "
انتهى . ومراده أن مسلما رواه مسندا في صحيحه ، وهو فيه برقم (1774) .
وينظر : "زاد المعاد" لابن القيم (1/166، 245) .
- أن تأتي بمعنى : رواه بغير إسناد ، كأن يذكر البخاري معلقا في صحيحه أثرا عن بعض السلف ، فيقال : "ذكره البخاري في صحيحه" كما قال ابن رجب :
" وقال ابن أبي أوفى: "النَّاجش: آكلُ ربا خائنٌ" ذكره البخاري ".
جامع العلوم والحكم (3/ 973)
وقد ذكره البخاري في صحيحه (3/ 69) عنه بغير إسناد .
وكذلك قول ابن رجب : " وصلاةُ الله على عبده: هي ثناؤه عليه بين ملائكته، وتنويههُ بذكره، كذا قال أبو العالية، ذكره البخاري في " صحيحه ".
جامع العلوم والحكم (3/ 1027)
وهذا ذكره البخاري في صحيحه (6/120) بغير إسناد .
- تأتي كثيرا للتعبير عن إيراد الراوي في بعض كتب الجرح والتعديل ، إشارة إلى توثيقه أو تضعيفه ، أو لنقل كلام أهل الجرح والتعديل فيه ، كقولهم : "ذكره العجلي في الثقات" و "ذكره ابن حبان في المجروحين" و "ذكره العقيلي في الضعفاء" ونحو ذلك .
وكقولهم : " ذكره الذهبي في الميزان ، وحكى تضعيفه عن أحمد وابن معين" ونحو ذلك .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 17:38
كيف نعرف أصح الأحاديث في صحيح البخاري ؟
السؤال:
كيف أعرف أصح الروايات في صحيح البخاري مثل حديث الأعمال بالنية وغيرها ؟
وهل هناك كتاب اختار فيها أصح الروايات وأرجحها لدى البخاري ؛ لأني دائماً أاسمع هذا الأصل والباقي متابعات وشواهد ، فكيف أميز بينها ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
اتفق أهل العلم على أن الصحيحين أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى .
واتفق جمهورهم على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم ، من حيث الصناعة الحديثية.
انظر جواب السؤال السابق في الموضوع
بعنوان هل في البخاري ومسلم أحاديث ضعيفة ؟
ثانيا :
أكثر أهل العلم على أن جميع ما في صحيح البخاري مما رواه في الأصول صحيح ثابت ، أما ما رواه في الشواهد والمتابعات فقد يوجد منه ما فيه بعض الضعف ، ولكن أصله محفوظ عنده بسند صحيح .
انظر جواب السؤال السابق في الموضوع
بعنوان هل كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة ؟
ثالثا :
أصح الروايات في صحيح البخاري : ما اتفق مع الإمام مسلم على إخراجه ، فالأحاديث المتفق عليها متلقاة من الأمة بالقبول ، وهذه الأحاديث هي أصح الأحاديث في البخاري ومسلم ، بل أصح الأحاديث على الإطلاق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا يتفقان على حديث : إلا ويكون صحيحا لا ريب فيه ، قد اتفق أهل العلم على صحته "
انتهى من "مجموع الفتاوى"(18/20) .
ثم ما كان على شرطهما وقد انفرد به البخاري ، لأنه في حكم الأول ، أو قريب منه .
ثم ما كان له شواهد وطرق تؤكد صحته وثبوته .
ثم ما حفته قرائن تدل على ثبوته ، كثبوت العمل به ، وتلقيه بالقبول ، وكون فتوى الصحابة عليه .
ثم ما رواه البخاري ، ولم ينتقده عليه أحد من أهل الحديث ، ممن عني بتتبع ذلك ، كأبي الحسن الدارقطني ، وأبي علي الغساني ، وأبي مسعود الدمشقي .
فكل حديث أخرجه، ولم ينتقده عليه أحد ممن عني بالنقد والنظر : فهو من أصح الأحاديث .
ولا نعلم أحدا صنف في أصح الروايات وأرجحها عند الإمام البخاري رحمه الله .
أما أصح الأسانيد في صحيح البخاري وغيره : فقيل :
الزهري عن سالم عن أبيه (عبد الله بن عمر).
وقيل: ابن سيرين عن عبيدة عن علي .
وقيل: الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود.
وقيل: الزهري عن علي بن الحسن عن أبيه عن علي .
وقيل: مالك عن نافع عن ابن عمر .
انظر: "التقريب" للنووي (ص25) .
أما ما يرويه في الشواهد والمتابعات : فهو أنزل رتبة مما يرويه في الأصول
.
يقول الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله :
" ما يرويه الإمام البخاري أو مسلم في الأصول : هو ما يرويانه بالأسانيد الأقوى والأجود ، مما لم يُتكلم في أحد من رواته، لا من حيث الثقة والعدالة والضبط ، ولا من حيث الاتصال والانقطاع .
فالحديث المروي في الأصول هو الحديث الأقوى في الباب ، وما دونه فإنه يكون مرويًا في الشواهد والمتابعات ، لاسيما إذا كان في رواته من مُسَّ بشيء يسير من التجريح .
وقال بعضهم: إن الأصل : هو الأول في الباب ، والشاهد هو الذي يليه .
وبعضهم : ذكر العكس .
وعلى كل حال: لا أعلم قاعدة مطردة أو طريقة مستمرة ، في أن يحكم على أول ما يرد في الباب أنه هو الأصل ، وما يردفه به هو الشاهد أو المتابع .
لكن مع ذلك : النظر هو في نظافة الأسانيد وصحتها .
وكثيرًا ما يقول العلماء في كتب الرجال: روى له البخاري في الشواهد ، أو روى له في المتابعات ، أو روى له مقرونًا، وتجده أحيانًا في أول حديث في الباب، وتجده تارةً في الحديث المتوسط
لا الأول ولا الأخير، وأحيانًا يكون هو في آخر روايات أحاديث الباب . وحينئذٍ : لا أعرف قاعدة مطردة يُحكم عليها بأن الأول هو الأصل ، والثاني هو الشاهد أو المتابع .
لكن الأصل : هو الأنظف ، والأصح إسنادًا .
والشاهد : هو الذي يكون دون هذه المثابة ، ممن في رواته شيء ، أو في اتصاله شيء ، أو في بعض صيغ الأداء شيء ، مما يخل بقوة الاتصال " انتهى من موقع الشيخ .
والحاصل :
أن معرفة أحاديث الأصول وأحاديث الشواهد وأحاديث المتابعات ليس بالأمر الهين ، ولا يطلع عليه إلا المتمرسون في هذا الفن .
انظر جواب السؤال السابق في الموضوع
بعنوان ضوابط لتمييز الحديث الصحيح من الضعيف
.
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 17:42
: هل صحيح أن في كل فاكهة رمان حبة من رمان الجنة؟
السؤال:
كنت أتناول بعض الرمان ، فقال لي أحدهم : إن هناك حديثاً فيه أن في فاكهة الرمان حبة من الجنة ، وعليه فإن على من أكلها استصحاب النية الصالحة
فهل هذا الحديث صحيح ، وهل هناك حديث في هذا الشأن ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
"الرمان" من ثمار الجنة ، قال تعالى : ( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) الرحمن/ 68 .
قال ابن كثير رحمه الله:
" وَإِنَّمَا أُفْرِدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا " .
انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/ 507) .
ثانيا :
روى ابن عدي في " الكامل " (7/ 543)
ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (56/186)
من طريق مُحَمد بْن الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنا أَبُو عاصم ، عنِ ابن جريح ، عنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِيهِ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَا مِنْ رُمَّانٍ مِنْ رُمَّانِكُمْ إِلا وَهو يُلْقَحُ بِحَبَّةٍ مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ ) .
وقد أورده ابن عدي في ترجمة محمد بن الوليد هذا ، وقال : " يضع الحديث ويوصله، وَيَسْرِقُ ويقلب الأسانيد والمتون. سمعت الحسين بْن أَبِي معشر يقول: مُحَمد بْن الوليد بْن أَبَان كذاب " انتهى .
وأورد الذهبي ـ أيضا ـ في ترجمته من " الميزان " (4/59) هذا الحديث من أباطيله .
ورواه ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/ 285)
من طريق عَبْد السَّلامِ بْن عُبَيْدِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ به .
وعبد السلام هذا: قال ابن حبان: كان يسرق الحديث ، ويروي الموضوعات، وقال الأزدي: لا يكتب حديثه ، وقال الدارقطني: ليس بشيء .
"لسان الميزان" (4/ 15) .
فهذا حديث باطل موضوع .
وينبغي أن يُعلم أن فاكهة الجنة تشبه فاكهة الدنيا في الأسماء فقط ، أما الحقائق فبينهما من التفاوت ما لا يعلمه إلا الله .
روى ابن جرير الطبري رحمه الله في "تفسيره" (1/392)
بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لا يشبه شيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا ، إلا الأسماء " وفي لفظ : " : " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء " .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 17:45
حديث باطل لا أصل له في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صباحا ومساء ، عشرا عشرا .
السؤال:
ماصحة هذا الحديث : ( هبط الملائكة الأربعة ؛ جبريل ، ميكائيل ، إسرافيل ، عزرائيل على النبى محمد صل الله عليه وسلم ، فقال جبريل : يا حبيبى يا محمد ، قال : نعم يا جبريل من صلى عليك عشرة صباحا وعشرة مساءا خطفته من على الصراط كالبرق . وقال ميكائيل : يا حبيبى يا محمد ، قال : نعم يا ميكائيل
قال : من صلى عليك عشرة صباحا وعشرة مساءا اعطيته شربة لم يظمأ بعدها أبدا . وقال إسرافيل : يا حبيبى يا محمد ، قال : نعم يا إسرافيل ، قال : من صلى عليك عشرة صباحا وعشرة مساءا سجدت سجدة تحت العرش لم أرفع رأسى منها حتى يغفر له . قال عزرائيل : يا حبيبى يا محمد ،
قال : نعم يا عزرائيل ، قال : من صلى عليك عشرة صباحا وعشرة مساءا أخذت روحه كما تأخذ الشعرة من العجين) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام لا نعلم له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن ينسب إليه إلا ما رواه أهل الحديث بالإسناد الثابت عنه صلى الله عليه وسلم
ومثل هذا الكلام الذي لا أصل له ، نسبته إليه صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ) رواه مسلم في مقدمة الصحيح (1/7) ، قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا ، وَكَيْف لَا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ ؟ " انتهى .
ومما يدل على بطلان هذا الحديث : سماجة لفظه ، وركاكة عباراته ، وما فيه من المجازفات ، قال ابن القيم رحمه الله :
" الأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من "المنار المنيف" (ص 50) .
وذكر رحمه الله أمورا كلية يعرف بها كون الحديث موضوعا ، فذكر منها: أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء، فضلا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى ، فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي ، بل لا يشبه كلام الصحابة .
راجع : "المنار المنيف" (ص 56- 62) .
أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عشراً صباحا ومساء : فقد ورد حديث : (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا ، وحين يمسي عشرًا ، أدركته شفاعتي يوم القيامة) ، لكنه حديث ضعيف
وأما فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وفضل الإكثار منها : فمن المعلوم من الدين بالضرورة .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 17:48
لا نجزم بأن اسم ملك الموت عزرائيل
السؤال:
هل ورد ما يدل على أن ملك الموت اسمه عزرائيل ؟.
الجواب :
الحمد لله
اشتهر أن اسم ملك الموت عزرائيل ، إلا أنه لم ترد تسمية ملك الموت بهذا الاسم في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة ، وإنما ورد ذلك في بعض الآثار والتي قد تكون من الإسرائيليات .
وعلى هذا ، لا ينبغي الجزم بالنفي ولا بالإثبات ، فلا نثبت أن اسم ملك الموت عزرائيل ، ولا ننفي ذلك، بل نفوض الأمر إلى الله تعالى ونسميه بما سماه الله تعالى به "مللك الموت"
قال الله تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) السجدة /11.
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/49) :
وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل ، والله أعلم .
وقد قال الله تعالى: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) السجدة /11.
وقال السندي :
لم يرد في تسميته حديث مرفوع اهـ .
وقال المناوي في "فيض القدير" (3/32)
بعد أن ذكر أن ملك الموت اشتهر أن اسمه عزرائيل ، قال :
ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر اهـ .
وقال الشيخ الألباني في تعليقه على قول الطحاوي :
" ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين " .
قال رحمه الله :
قلت: هذا هو اسمه في القرآن ، وأما تسميته بـ "عزرائيل" كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له ، وإنما هو من الإسرائيليات اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
(ملك الموت) : وقد اشتهر أن اسمه (عزرائيل) ، لكنه لم يصح ، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لا توجب أن نؤمن بهذا الاسم ، فنسمي من وُكِّل بالموت بـ (ملك الموت) كما سماه الله عز وجل في قوله : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ) اهـ .
"فتاوى ابن عثيمين" (3/161) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 17:52
حديث : (من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي)
السؤال :
ما صحة هذا الحديث : قال النبي صلى الله عليه وآله : (من صلّى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي )؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث مروي عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا ، وحين يمسي عشرًا ، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني –
كما عزاه إليه العلماء الذين نقلوا هذا الحديث ، ولكنا لم نقف عليه في المطبوع من معجم الطبراني ، لأن أحاديث أبي الدرداء ، لم تطبع بعد في "المعجم الكبير" للطبراني .
وقد نقل الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه " جلاء الأفهام " (ص/63)
إسناد الطبراني لهذا الحديث أنه قال : حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي ، حدثنا محمد بن علي بن ميمون ، حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال : سمعت خالد بن معدان ، يحدث عن أبي الدرداء به .
وفي هذا الإسناد عدة علل ، منها :
1- خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء .
انظر: " جامع التحصيل " (ص/171) .
2- إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني : لم ينقل عن أحد فيه توثيق ولا تجريح .
ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري (1/323)
"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/127) .
3- بقية بن الوليد مدلس ولم يصرح بالسماع
غير أن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر في "السلسلة الضعيفة" (5788)
أنه صرح بالتحديث في رواية أخرى ، وأن السند إليه صحيح .
وقد ضعف هذا الحديث الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/441)
والسخاوي في "القول البديع" (179)
والشيخ مقبل الوادعي في " الشفاعة " (ص/270) .
وكان الشيخ الألباني رحمه الله قد حَسَّن هذا الحديث في "صحيح الجامع" (5357)
ثم تراجع وضعفه في "السلسلة الضعيفة" (5788) .
وقد جاءت في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة كثيرة تغني عن مثل هذا الحديث الضعيف ، كما أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال بالعديد من الأعمال الصالحة المعينة في السنة الصحيحة .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ : حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
رواه البخاري (614) .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 18:19
حديث مشهور في فضل عفو المسلم عن أخيه المسلم ، لا يصح سنده .
السؤال:
ما صحة هذا الحديث القدسي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْتُهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
، قَالَ : ( رَجُلانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلَمَتِي مِنْ أَخِي ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَعْطِ أَخَاكَ مَظْلَمَتَهُ
فَقَالَ : يَا رَبِّ مَا بَقِيَ مِنْ حَسَنَاتِي شَيْءٌ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي ) ، وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( وَإِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ يَوْمٌ يَحْتَاجُ فِيهِ النَّاسُ إِلَى أَنْ تُحْمَلَ عَنْهُمْ أَوْزَارُهُمْ )
ثُمَّ قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ بِحَقِّهِ : ارْفَعْ رَأْسَكَ فَانْظُرْ إِلَى الْجِنَانِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَرَأَى مَا أَعْجَبَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ ، فَقَال : لِمَنْ هَذَا يَا رَبِّ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَعْطَانِي ثَمَنَهُ
قَالَ : وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ يَا رَبِّ ؟
قَالَ : أَنْتَ ، قَالَ : بِمَاذَا ؟ قَالَ : بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ ، قَالَ : خُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَادْخُلا الْجَنَّةَ ) ، ثُمَّ قَالَ : وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) " ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه الحاكم في "المستدرك" (8718)
والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (602)
وابن عساكر في "معجمه" (389)
وابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" (118)
وابن أبي داود في "البعث" (32)
من طريق عَبْد اللَّهِ بْن بَكْرٍ السَّهْمِيّ ، أَنْبَأَ عَبَّادُ بْنُ شَيْبَةَ الْحَبَطِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ُ، قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ ، إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟
قَالَ: ( رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي ) ؟!
قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ ، ثُمَّ قَالَ:
( إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ ، يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ : ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَانِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبً مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ ؛ لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا ؟ أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا ؟ أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا ؟
قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ !!
قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ ؟
قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ ، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ ، قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ) .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) " .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، عباد بن شيبة : قال ابن حبان : " مُنكر الْحَدِيث جدا عَلَى قلَّة رِوَايَته ، لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ ، لما انْفَرد بِهِ من الْمَنَاكِير ".
ينظر : "كتاب المجروحين" (2/ 171) .
وسعيد بن أنس : قال البخاري: لا يتابع عليه ـ يشير إلى هذا الحديث ـ ، وقال العقيلي: بصري مجهول بالنقل.
ينظر : "لسان الميزان" (3/ 24) .
والحديث صححه الحاكم، فتعقبه الذهبي بقوله : "عباد ضعيف، وشيخه لا يعرف".
وكذا استنكر تصحيحه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/211) فقال : " كذا قال!"
وقال ابن كثير: " إِسْنَادٌ غَرِيبٌ ، وَسِيَاقٌ غَرِيبٌ " .
انتهى من "البداية والنهاية" (20/ 40) .
وقال الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (18/622) : " ضعيف جدا " .
وينظر تعليق المحققين على "المطالب العالية" .
وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1469) : " ضعيف جدا " .
وينظر : "عجالة الإملاء" للحافظ الناجي (5/1088-1093) .
وأيضا : "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن (7/3523- 3525)
وتعليق المحققين
"النافلة في الأحاديث الباطلة" لأبي إسحاق الحويني ، رقم (96) .
وبالجملة :
فهذا الحديث لا يصح .
وفي فضل العفو، وإصلاح ذات البين ، من الآيات والأحاديث الصحيحة ، ما يغني عن هذا الحديث وغيره مما لا يصح سنده .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 18:24
: هل ثبت دعاء النظر في المرآة؟
السؤال:
ما دعاء النظر إلى المرآة ، وهل هو "اللهم أنت حسّنت خلقي فحسن خُلقي" ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (163)
من طريق الْحُسَيْن بْن أَبِي السَّرِيِّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ ، اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي) " .
وهذا إسناد موضوع: ابن أبي السري كذاب ، كذبه أبو عروبة ، وكذبه أخوه محمد.
انظر : "تهذيب التهذيب" (2 /315) .
وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ متروك ، تركه أحمد وغيره .
انظر: "الميزان" (2/548) .
ورواه أبو يعلى (2611) -
ومن طريقه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (164)- :
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حُصَيْنٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَظَرَ فِي الْمَرْآةِ قَالَ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَسَّنَ خَلْقِي وَخُلُقِي ، وَزَانَ مِنِّي مَا شَانَ مِنْ غَيْرِي ) .
ويحيى بن العلاء، قال أحمد: كذاب يضع الحديث.
"الميزان" (4/397) .
وعمرو بن الحصين، قال أبو حاتم: ذاهب الحديث، ليس بشيء ، وقال الدارقطني: متروك.
"التهذيب" (8/20) .
ورواه أبو الشيخ في "أخلاق النبي" (527)
وأبو الحسين البزاز في " غرائب مالك " (161)
من طريق أَبَان بْن سُفْيَانَ ، نَا أَبُو هِلَالٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، به .
وأبان بن سفيان ، قال الدارقطني : متروك.
"ميزان الاعتدال" (1 /7) .
ورواه الطبراني في "الأوسط" (787) ،
وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (165)
من طريق سَلْم بْن قَادِمٍ قَالَ: نا هَاشِمُ بْنُ عِيسَى الْبُرِّيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَالَ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّى خَلْقِي فَعَدَلَهُ ، وصَوَّرَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَهَا، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) " .
هشام بن عيسى، قال العقيلي: منكر الحديث.
"الضعفاء الكبير" (4/ 343) .
والحارث بن مسلم، قال الدارقطني: مجهول.
"لسان الميزان" (2/160) .
ورواه البيهقي في "الدعوات" (489)
من طريق مَسْلَمَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ به .
ومسلمة: هو ابن محمد الثقفي : قال يحيى بن معين: ليس بشيء .
وقال أبو عبيد الآجري : قلت لأبي داود: حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : (إياكم والزنج فإنه خلق مشوه).
فقال: من حدث بهذا : فاتهمه.
"ميزان الاعتدال" (4/ 112) .
ورواه المروزى فى " زوائد الزهد " (1174)
من طريق عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك ، قال: حدثنى رجل من آل أنس بن مالك أنه سمع أنس بن مالك يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول المرآة فينظر فيها يقول: (الحمد لله ، أكمل خلقي ، وحسن صورتي ، وَزَانَ مِنِّي مَا شَانَ مِنْ غَيْرِي) .
وهذا إسناد ضعيف؛ لجاهلة الرجل الذي لم يسم .
ورواه البزار في "مسنده" (7322)
من طريق داود بن المحبر، حَدَّثنا عَبد اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ ، عَن أَنَسٍ به .
وابن المحبر متروك متهم.
انظر: "الميزان" (2/20) .
وللحديث طرق أخرى كلها ضعيفة لا يصح منها شيء .
والخلاصة :
أن هذا الحديث ضعيف من جميع طرقه ، وكلها- إلا حديث أنس المتقدم آنفا- في غاية الضعف ، فلا ينتهض القول بتحسينه لوهاء طرقه .
وقد ضعفه الألباني في "الإرواء" (74)
وكذا ضعفه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على " الأذكار " (ص304) .
ولكن ، صح هذا الدعاء عنه صلى الله عليه وسلم مطلقا دون تقييد بالنظر فى المرآة:
فروى أحمد (24392) ، وأبو يعلى (5075)
والطيالسي (372)
والبيهقي في " الشعب " (8183)
عَنِ عائشة قالت: " كَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي ، فَأَحْسِنْ خُلُقِي ) .
وصححه محققو المسند
وكذا صححه الألباني في "صحيح الجامع" (1307).
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-01, 18:31
حديث : ( تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ: الْمَوْتُ )
السؤال:
ما صحة هذا الحديث : " تحفة المؤمن الموت" ؟
و ما شرحها ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث رواه ابن المبارك في "الزهد" (59)
والبيهقي في "الشعب" (9418)
وأبو نعيم في "الحلية" (8/185)
والحاكم في "المستدرك" (7900)
والبغوي في "شرح السنة" (5/271)
وابن بشران في "أماليه" (1482)
والقضاعي في "مسنده" (150)
كلهم من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ: الْمَوْتُ ) .
وصححه الحاكم ، فرده الذهبي بقوله :
" ابن زياد ، هو الأفريقي : ضعيف " .
وعبد الرحمن بن زياد هذا ضعفه ابن معين ، وأبو زرعة ، والنسائي ، والترمذي ، والجوزجاني ، ويعقوب بن شيبة ، وقال الإمام أحمد وصالح بن محمد : منكر الحديث .
انظر: "تهذيب التهذيب" (6/ 174-175) .
ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 402)
من طريق الْقَاسِم بْن بِهْرَام عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَوْتُ تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ، وَالدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ رَبِيعُ الْمُنَافِقِ، وَهُمَا رَادَّانِ أَهْلِيَهُمَا إِلَى النَّارِ ) .
وقال ابن الجوزي عقبه : " تفرد به القاسم بْن بهرام " .
قال الذهبي :
"عنده عجائب. وهَّاه ابن حبان وغيره ، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال"
انتهى من "ميزان الاعتدال" (3 /369) .
فهذا إسناد ضعيف جدا .
وينظر : "المطالب العالية" لابن حجر ، رقم (781) وتعليق المحققين عليه .
وينظر أيضا : "السلسلة الضعيفة" ، للألباني (6891) .
وقد جاء موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه :
فرواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 102)
والطبراني في "الكبير" (8774)
وأبو داود في "الزهد" (117)
وأبو نعيم في "الحلية" (1/131)
من طريق يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : " ذَهَبَ صَفْوُ الدُّنْيَا ، وَبَقِيَ كَدَرُهَا، فَالْمَوْتُ تُحْفَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " .
ويزيد بن أبي زياد ضعيف ، ولا يعرف له سماع من أبي جحيفة رضي الله عنه .
انظر : "الميزان" (4 /423) .
ورواه ابن بطة في " الإبانة" (1/ 187)
من طريق الْمَسْعُودِيّ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : .. فذكره .
والمسعودي ، هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي ، وهو صدوق ، لكنه اختلط قبل موته
كما في "التقريب" (ص 344) .
فالحديث ضعيف مرفوعا ، ولا بأس به موقوفا بطريقيه .
أما معناه : فقال المناوي رحمه الله :
" التحفة : ما يتحف به المؤمن من العطية ، مبالغة في بِره وإلطافه .
(الموت) : لأن الدنيا محنته وسجنه وبلاؤه؛ إذ لا يزال فيه في عناء من مقاساة نفسه ، ورياضة شهواته ومدافعة شيطانه، والموت إطلاق له من هذا العذاب، وسبب لحياته الأبدية، وسعادته السرمدية
ونيله للدرجات العلية، فهو تحفة في حقه، وهو وإن كان فناء واضمحلالا ظاهرا ، لكنه بالحقيقة ولادة ثانية ، ونقلة من دار الفناء إلى دار البقاء .
ولو لم يكن الموت ، لم تكن الجنة ، ولهذا منّ الله علينا بالموت فقال : (خلق الموت والحياة) قدم الموت على الحياة ، تنبيها منه على أنه يتوصل منه إلى الحياة الحقيقية ، وعده علينا من الآلآء في قوله (كل من عليها فان)
ونبه بقوله (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) على أن هذه التغييرات لخلق أحسن ، فنقض هذه البنية لإعادتها على وجه أشرف "
انتهى من "فيض القدير" (3/ 233) .
فبعد انقضاء أيام المؤمن في الدنيا ، في طاعة الله ، يتحفه ربه بالموت الذي يخلصه من كروبها وابتلاءاتها، ويوصله إلى الحياة الحقيقية في جنات النعيم .
ولكن ذلك لا يعني استحباب تمني الموت ، فالحياة للمؤمن زيادة في الطاعة والإيمان والأجر والثواب ، ولكن متى وقع الموت ، فتلك تحفة المؤمن .
وقد روى ابن المبارك في "الزهد" (17)
وأبو نعيم في "الحلية" (1/136)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ رَاحَةٌ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
وصححه الألباني في "الضعيفة" (2/ 116) .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-10, 05:04
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
السأم من الحياة
السؤال:
أنا شاب مللت من العيش في هذه الدنيا الفانية ، وأصبح عندي شعور بالملل والسأم ، فهل من ناصر ، ولا ناصر إلا الله ؟! .
الجواب :
الحمد لله
أسباب الرغبة عن الدنيا وكراهيتها عديدة ، فمن الناس من يكره هذه الدنيا الفانية رغبة فيما عند الله من الأجر والثواب ، ومحبة للقاء الله تعالى ، ولهذا قال بعض السلف :" تحفة المؤمن الموت "
فهو يكره الدنيا ، لتعلق قلبه بالآخرة ، وهو مع كراهيته للدنيا قائم بحق الله تعالى وحق عباده ، وساع في الخير قدر استطاعته ، على حد قوله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) الحجر/99
ومن الناس من يكره الدنيا لا لأجل الآخرة ، بل لأنه يرى أن حظه فيها قليل ، وأن غيره خير منه ، ولا شك أن في هذا نوعا من التسخط على أقدار الله تعالى
فالله تعالى هو معطي المنح ، ومقسم الأرزاق ، ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) الشورى/27
ومن الناس من يكره الدنيا لكثرة ما أصابه فيها من بلاء ونصب وتعب ، ولا شك أن هذا الصنف لم يعرف حقيقة الدنيا ، فالدنيا دار عمل وابتلاء ، ودار نصب وتعب ، لاسيما المؤمن الصالح
فإنه يلاقي من أنواع البلاء ما يكفر الله به عنه من خطاياه ، ويرفع به من منزلته
قال تعالى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ) البلد/4
وقال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ *
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت/2-3
وقال تعالى : ( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) آل عمران/197
وقال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/154-156
أخي الكريم .... من أي الأصناف السابقة أنت ؟؟!!!
تذكر أخي الحبيب كم ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد عاداه قومه ، ووقف في وجهه أقرب الناس إليه ، وشتمه بعض الناس ، وآذاه البعض الآخر ، وطرد من دياره ، وحوصر حصارا شديدا
واجتمع الكفار على قلته واغتياله ، وماتت زوجته خديجة رضي الله عنها في أصعب المواقف وأحلك الظروف ، وكان يبيت الشهر والشهرين لا يأكل إلا الماء والتمر ، كل هذا وهو نبي الله
ورسوله وأمينه على وحيه !! كل هذا وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود !! كل هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
فكيف بنا نحن المذنبين العاصين المقصرين ؟؟؟
أنصحك أخي الكريم بما يلي :
أولا : أكثر من دعاء الله عز وجل والتقرب إليه بأنواع العبادات ، من صلاة وزكاة وصيام وغير ذلك ، وابتهل إلى الله عز وجل أن يزيل ما نفسك ، وأن يشرح صدرك
قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) الأعراف/201
ثانيا : اعلم أن أقدار الله عز وجل لعبده المؤمن كلها خير ، وأنه مهما ضاق عليك أمر حياتك ، فعند الله خزائن السماوات والأرض ، فأصلح ما بينك وبين الله ، يكفك الله مؤنة الناس .
ثالثا : قد يكون كدرك وحزنك على أمر فاتك فلم تحصله ، وحينئذ عليك أن تعلم أنه كم من إنسان ألح في طلب شيء ، وهو لا يدري أن هلاكه فيه
وكم من إنسان حزن على فوات أمور يريدها ، وهو لا يدري أنه لو حصلها لأضاع دينه ودنياه ، فارض بقضاء الله وقدره ، واستعن بالله ولا تعجز .
رابعاً : راجع فؤادك وقلبك وعلاقتك مع ربك بصورة أدق ، فالعبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه
خامسا : قد تكون لديك بعض المشاكل الشخصية أو العائلية ، وحل مثل تلك المشاكل أن ترتب الأولويات ، وأن تستعين بالله ثم بأهل الخبرة في حلها ، وفك معضلاتها .
سادساً : اعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، فقد ثبت في المسند من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟
قال : ( الأنبياء ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل من الناس ، يبتلى الرجل على حسب دينه ؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ، وإن كان في دينة رقة خفف عنه
وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشى على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة ) مسند الإمام أحمد برقم 1481 ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 992 .
سابعا : داوم على الاستغفار والعبادة ، فهو خير لك من كل حظوظ الدنيا مهما عظمت وكثرت ، كما أن فيه إزالة للهموم ، وقد جاء في بعض الآثار أنه من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب .
فاستدم طاعة الله عز وجل ، واعمل بقوله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )
وقوله تعالى ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ) طه/131
وفقنا الله وإياك لصالح القول والعمل
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-10, 05:08
تشعر بالقلق فماذا تفعل ؟
السؤال:
أشعر هذه الأيام بالقلق من شيء ما لا أدري ما هو ، حاولت أن أنسى الموضوع ولكن بدون جدوى ، أنا بحاجة لمساعدتك .
كوني فتاة مسلمة متزوجة ، ماذا يجب علي أن أفعل لكي أنسى هذا الأمر ؟.
الجواب :
الحمد لله
خير علاج للقلق هو ذكر الله تعالى ، والمحافظة على الصلاة ، ومجانبة الفراغ .
قال الله تعالى في شأن الذكر: ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد /2. وقال سبحانه : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) الإسراء /82 .
وقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يونس /57 .
وقال في شأن الصلاة : ( إن الإنسان خلق هلوعا . إذا مسه الشر جزوعا . وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ) المعارج /19-23.
وقال : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) البقرة /153.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة [ رواه أحمد وأبو داود 1319 وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 4703 ] ومعنى حزبه : أي نزل به أمر مهم أو أصابه غم .
وكان يقول : يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها [ رواه أحمد و أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم7892 ].
فالصلاة راحة القلب ، وقرة العين ، وعلاج الهموم والأحزان .
وأما الفراغ فإنه باب مفتوح نحو الخيالات والأفكار الرديئة وما ينتج عن ذلك من ضيق وقلق وهم .
فكلما شعرت بشيء من القلق والضيق فافزعي إلى الوضوء والصلاة ، وقراءة القرآن ، وانشغلي بالنافع من الأعمال ، لاسيما أذكار الصباح والمساء والنوم والأكل والشرب والدخول والخروج .
والمسلم المؤمن بقضاء الله وقدره لا ينبغي أن يقلق لأمر الرزق أو الولد أو المستقبل بصفة عامة ، إذ كل ذلك مكتوب قبل أن يوجد ، لكن ينبغي أن يقلق لأجل ذنوبه وتقصيره في حق ربه
وعلاج ذلك يكون بالتوبة والمسارعة في الخيرات . وقد تكفل الله لأهل الإيمان بالحياة الطيبة فقال : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل /97.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-10, 05:13
شاب مستقيم يعاني من تسلط الهم والضيق فما العلاج ؟
السؤال:
شاب يعاني من ضيق نفسي وحزن وهم ولا يدري ما هو السبب علماً بأنه يصلي الليل ويصوم كثيرا ، ويصلي الصلوات ولكن أحياناً ينام عنها ، ويحضر الدروس الإسلامية ويقرأ الكتب ويحاول حفظ القرآن ويسمع الأشرطة الإسلامية
. ومع ذلك يعاني من الحزن والهم علماً أن الشاب يحب عمته حباً كبيراً ويكون تحت خدمتها دوماً وأن العمة لا تعاني من أي شي.
الجواب :
الحمد لله
إن مما يَسُر أيها الأخ السائل حرصك على هذا الشاب واهتمامك به عن طريق البحث عن العلاج الناجع كي تقدمه له رجاء أن ينفعه الله به وأنت حين تفعل ذلك إنما تجسد الأخوة الإسلامية ، فنسأل الله أن يكتب لك الأجر على ذلك .
وقد شرحت حال هذا الرجل وسيكون الجواب في النقاط التالية :
الأولى :
حياتنا الدنيا على اسمها دنيا لا يثبت فيها حال الإنسان بل يتقلب فيها بين ما يحبه وما يكرهه .
والعاقل إذا تأمل في هذه الدنيا وجد أنه محتاج لأن ينظر إليها نظرة المتفائل ، ويقضي على الهم والحزن الذي طالما كدر صفو الإنسان ومزاجه . والذي يُريد به الشيطان أن يُحزن به المسلم .
إن التقوقع على النفس باحتضان الآلام والآهات أكبر مرتع للشيطان ، وأخصب مكان لتكاثر هذه المنغصات
وإن التطلع للحياة السعيدة والنظر لجوانب الفأل فيها لمن دواعي الأنس والارتياح ، ومن المعلوم أن هذه الدنيا مزيج من الراحة والنصب ، والفرحة والحزن ، والأمل والألم ، فلماذا يُغلب الإنسان جانبها القاتم على جانبها المشرق المتألق ؟
ومن المعقول أنه لو لم يغلب جانب التفاؤل والاستبشار فلا أقل من أن ينظر إليها بعدل واتزان .
الثانية :
إن ضيق الصدر وحياة الضنك لا تستولي على فكر الإنسان وتحيط به من غير أسباب أخرى تدعو إليها بل هي مؤشر على وجود خلل في العلاقة بين العبد وبين ربه ، فبقدر ما يكون الإنسان مقبلاً على الله بقدر ما يفيض عليه من الأنس والراحة ما لا يعلمه إلا الله
ولهذا كان أهل العلم والقرب والخشية من الله أسعد الناس بهذا الفضل حتى قال قائلهم تلك العبارة الخالدة : ( لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف ) . وهذا ما أفصح عنه القرآن الكريم قال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
النحل/97
وأما الشعور بالضيق والكدر فإنه يحمل تنبيهاً للعبد ليقوم بالتفتيش في علاقته بربه ، فإن للذنوب والمعاصي أثراً على العبد في ضيق صدره وشتات أمره
قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طـه/124
وهذا الشاب الذي تسأل عنه فيه خير كثير حيث إنه ممن يحرص على طلب العلم ونوافل العبادات كالصيام وحسن صلة الرحم بعمته
ومع هذا فلابد من أن تلفت انتباه هذا الرجل لمراجعة حساباته مع الله تعالى فلعل هناك ما منع عنه هذه السعادة من ذنب اقترفه في جنب الله أو حق لعبد أخذه ، وادعه لأن يكثر من التوبة والاستغفار لاسيما وقد ذكرت عنه أنه ربما نام عن الصلاة وهذا أمر عظيم تساهل فيه كثير من الناس وتهاونوا فيه .
الثالثة :
قد يكون ابتلاء هذا الشخص بالمصائب والنكبات مما يقدره الله على العبد من أجل رفع درجاته إن قام بما أمره الله تجاهها من الصبر والرضى بما قدر الله ، فإن كل ما يقدره الله على المؤمن خير له في دينه ودنياه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .
وإذا أصيب المؤمن بمصيبة فهو إما أن يصبر أو يجزع فإن صبر ظفر بالأجر العظيم وارتاح لقضاء الله وقدره لأنه لما علم أنه من عند الله اطمئن لذلك وسلّم ، فلا داعي للجزع والضجر؟
وعلى العكس من ذلك لو لم يصبر فإنه مع ما يصيبه من الإثم بالجزع والتسخط ، وما يكتنفه من الهم والغم يفوته الأجر الذي أعده الله للصابرين قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10
الرابعة :
صدق التوجه إلى الله بالدعاء ، والتضرع له سبحانه بأن يزيل عنه هذه الوساوس ، ويكثر من الاستعاذة من الشيطان الرجيم فإنه يغيظه أن يرى العبد المؤمن في دعة وطمأنينة
فيوسوس للعبد ليصرفه عن ذلك ويلبسه لباس الخوف والتوجس .
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاء ندعو به يدفع الهم والحزن
. روى أحمد (3528) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ
مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي
وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
الخامسة :
حاول أن تدله على أن يغير شيئاً من رتابة يومه فيفتح على نفسه من أنواع المباحات التي تبدد الفتور وتجدد النشاط ، لا بأس أن يسافر للنزهة والاستجمام من غير إسراف
وأفضل من ذلك أن يسافر لأداء العمرة وزيارة المسجد النبوي ، لأنَ تغيير واقع الحياة المستمر يفيد في هذا كثيراً.
سادساً :
عليه أن يبتعد عن الأماكن التي يشعر بأنها تثير فيه كوامن الهم والغم وتجدد فيه الأحزان ، كما أن عليه اجتناب قراءة الكتب القصصية التي تحمل طابع المأساوية
ويحاول ألا يجالس أصحاب الهموم ولو بغرض المواساة ، وعلى العكس من ذلك يحاول قراءة الكتب المفيدة التي تبعده عن هذه الهموم ، كما أن عليه إذا شعر بالضيق والحزن ألاّ يجنح إلى الصمت والتفكير والبحث عن الانفراد في هذه الحال .
وأخيراً . .
فالنصيحة لهذا الشاب أن يرفع رأسه إلى الأمام وينظر للمستقبل بعين التفاؤل واليقين بالنجاح ، وأقول له : إنك تمتلك الكثير من مقومات النجاح وعناصر التفوق ومثلك ينتظر منه الكثير والكثير
وأملنا في أن تزول عنك هذه الرواسب ، والهموم النفسية ، فتح الله عليك ، وفرج همك وغمك .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-10, 05:18
حكم تمني الموت
السؤال:
إذا كان المسلم يواجه مشكلات كثيرة في حياته ، ولا يستطيع حلها ، فهل يجوز له أن يدعو على نفسه بالموت ، حتى يستريح من هذه المشاكل ؟.
الجواب :
الحمد لله
أولاً : طول العمر للمؤمن الذي يعمل صالحاً خير له من الموت .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ) رواه أحمد والترمذي (110) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ) رواه الطبراني وأبو نعيم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3928) .
وروى أحمد (8195) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَجُلَانِ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً . قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ : فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ
فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ ، فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ ! وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً ! صَلاةَ السَّنَةِ ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2591) . وقال العجلوني في "كشف الخفاء" : إسناده حسن .
وقال رجل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ) قَالَ : فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ) رواه أحمد والترمذي (2330) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :
" إِنَّ الأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ , فَمَنْ اِنْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ , وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا " انتهى .
ولذلك قيل لبعض السلف : طاب الموت !!
قال : يا ابن أخي ، لا تفعل ، لساعة تعيش فيها تستغفر الله ، خير لك من موت الدهر !
وقيل لشيخ كبير منهم : أتحب الموت ؟ قال : لا ، قد ذهب الشباب وشره ، وجاء الكبر وخيره ، فإذا قمت قلت : بسم الله ، وإذا قعدت قلت : الحمد لله ، فأنا أحب أن يبقى هذا !!
وكان كثير من السلف يبكي عند موته أسفا على انقطاع أعماله الصالحة .
ولأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت ، لأنه يحرم المؤمن من خير الطاعة ، ولذة العبادة ، وفرصة التوبة ، واستدراك ما فات :
فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ , وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا ) رواه مسلم (2682) .
فجمع بين النهي عن تمني الموت ، والنهي عن الدعاء به على النفس .
وعند البخاري (7235) بلفظ : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ ) .
قَالَ النَّوَوِيّ :
فِي الْحَدِيث التَّصْرِيح بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ فَاقَة ، أَوْ مِحْنَة بِعَدُوٍّ ، وَنَحْوه مِنْ مَشَاقّ الدُّنْيَا , فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضَرَرًا أَوْ فِتْنَة فِي دِينه فَلا كَرَاهَة فِيهِ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ فَعَلَهُ خَلَائِق مِنْ السَّلَف .
وَقَوْله " يَسْتَعْتِبُ " أَيْ يَسْتَرْضِي اللَّه بِالإِقْلاعِ وَالاسْتِغْفَار .
وفي تمني الموت معنى آخر يمنع منه :
وهو أن سكرات الموت شديدة ، وهول المطلع أمر فظيع ، ولا عهد للمرء بمثل ذلك ، ثم إن الإنسان لا يدري ما ينتظره بعد الموت ! نسأل الله السلامة ، فتمني الموت طلب لشي
لا عهد للمرء به ، وتغرير بنفسه ؛ وعسى إن تمنى الموتَ بسبب شدةٍ وقع فيها أن يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فلعله أن يهجم بعد الموت على ما هو أعظم وأشد مما هو فيه ؛ فتمني الموت حينئذ نوع من استعجال البلاء قبل وقوعه
ولا ينبغي للعاقل أن يفعل ذلك ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ) متفق عليه ، وقد ورد في هذا المعنى حديث , ولكن ضعيف .
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قالُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطَّلَع شَدِيدٌ ، وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ ) رواه أحمد ، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (885) .
وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت ، فقال : لا تتمن الموت ، فإنك ميت ، وسل الله العافية ، فإن الميت ينكشف له عن هول عظيم .
قال ابن رجب رحمه الله :
" وقد كان كثير من الصالحين يتمنى الموت في صحته ، فلما نزل به كرهه لشدته ، ومنهم أبو الدرداء وسفيان الثوري ، فما الظن بغيرهما ؟!" .
والنهي عن تمني الموت إنما هو إذا كان بسبب ما يحصل للمرء من ضرر في أمور دنياه ، فإنّ تمني الموت حينئذ دليل على الجزع مما أصابه :
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ , فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي , وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) متفق عليه .
وَقَوْله " مِنْ ضُرّ أَصَابَهُ " يعني بذلك الضرر الدنيوي كالمرض والابتلاء في المال والأولاد وما أشبه ذلك , وأما إذا خاف ضرراً في دينه كالفتنة فإنه لا حرج من تمني الموت حينئذٍ كما سيأتي .
ولعل هذا الذي طلب الموت ليستريح مما به من ضر ، لعله أن يزيد تعبه ، ويتصل ألمه وهو لا يدري ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَاتَتْ فُلَانَةُ
وَاسْتَرَاحَتْ , فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ ) رواه أحمد (24192) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1710) .
ثانياً : هناك بعض الحالات يشرع تمني الموت فيها ، منها :
الأولى : أن يخشى على دينه من الفتن
ولا شك أن موت الإنسان بعيدا عن الفتن ، ولو كان عمله يسيرا ، خير له من أن يفتن في دينه ، نسأل الله السلامة .
فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ : الْمَوْتُ ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (813) .
وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال أيضاً : قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه : ( وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) رواه الترمذي (3233) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال ابن رجب رحمه الله : هذا جائز عند أكثر العلماء .
وعلى هذا يحمل ما ورد عن السلف في تمني الموت ؛ أنهم تمنوا الموت خوفاً من الفتنة .
روى مالك عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قال : لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي
، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي ، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلا مُفَرِّطٍ ) قال سعيد : فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رضي الله عنه .
وقال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : من رأى الموت يباع فليشتره لي !
"الثبات عند الممات" لابن الجوزي (ص 45) .
الثانية : أن يكون موته شهادة في سبيل الله عز وجل
وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال كثير من الأحاديث ، منها :
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ) متفق عليه . فقد تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله ، وما ذاك إلا لعظم فضل الشهادة .
وروى مسلم (1909) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) .
وقد كان السلف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يحبون الموت في سبيل الله .
قال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بشأن مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة : والله لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة .
وكتب خالد بن الوليد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى أهل فارس : والذي لا إله غيره لأبعثنَّ إليكم قوماً يحبُّون الموت كما تحبُّون أنتم الحياة .
وإنما كانت هذه المنزلة مرغوبة - لا حرمنا الله منها - وطلبها ممدوحا من كل وجه ، لأن من أعطيها لم يحرم أجر العمل الصالح الذي تطيب لأجله الحياة ، وتكون خيرا للمرء من الموت ، ثم إن الله تعالى يحمي صاحب هذه المنزلة من فتنة القبر .
فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ) رواه مسلم (1913) .
والخلاصة : أن يكره للمسلم أن يتمنى الموت إن كان ذلك بسبب ضر أصابه في الدنيا ، بل عليه أن يصبر ويستعين بالله تعالى ، ونسأل الله تعالى أن يفرج عنك ما أنت فيه من الهم .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-08-10, 05:26
أثر لا يصح في فضل العفو والصبر والتزاور في الله.
السؤال:
ما صحة الأثر التالي ، كما وردني: جاء في " البداية والنهاية " روى الطبراني عن علي بن الحسين ، قال: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم أهل الفضل
فيقوم ناس من الناس ، فيقال: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين ، فيقولون: إلى الجنة ، قالوا: قبل الحساب ، قالوا: نعم ، قالوا: من أنتم ، قالوا: أهل الفضل ، قالوا: وما كان فضلكم
قالوا: كنا إذا جهل علينا حلمنا ، وإذا ظلمنا صبرنا ، وإذا أسيء علينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ، ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس ، فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة ،
فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون: نحن أهل الصبر، قالوا: ما كان صبركم ، قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله
وصبرناها عن معصية الله عز وجل ، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله في داره ، فيقوم ناس من الناس وهم قليل ، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة
فيقال لهم مثل ذلك ، قالوا: وبما جاورتم الله في داره ، قالوا: كنا نتزاور في الله عز وجل ، ونتجالس في الله ، ونتباذل في الله ، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين " ؟
الجواب:
الحمد لله
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله في "حلية الأولياء" (3/ 139):
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْفَرَّاءِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ أَهْلُ الْفَضْلِ، فَيَقُومُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا إِلَى الْجَنَّةِ، فَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ، فَيَقُولُونَ: " إِلَى أَيْنَ؟ فَيَقُولُونَ: إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالُوا: قَبْلَ الْحِسَابِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟
قَالُوا: أَهْلُ الْفَضْلِ ، قَالُوا: وَمَا كَانَ فَضْلَكُمْ ؟ ، قَالُوا: كُنَّا إِذَا جُهِلَ عَلَيْنَا حَلُمْنَا، وَإِذَا ظُلِمْنَا صَبَرْنَا ، وَإِذَا أُسِيَ عَلَيْنَا غَفَرْنَا ، قَالُوا: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَقُمْ أَهْلُ الصَّبْرِ ، فَيَقُومُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ ، فَيُقَالُ لَهُمُ: انْطَلِقُوا إِلَى الْجَنَّةِ فَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ
فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الصَّبْرِ، قَالُوا: مَا كَانَ صَبْرَكُمْ ؟ ، قَالُوا: صَبَّرْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ ، وَصَبَّرْنَاهَا عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالُوا: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَقُمْ جِيرَانُ اللهِ فِي دَارِهِ
فَيَقُومُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ ، وَهُمْ قَلِيلٌ ، فَيُقَالُ لَهُمُ: انْطَلِقُوا إِلَى الْجَنَّةِ ، فَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَة ُ، فَيُقَالُ لَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ ، قَالُوا: وَبِمَا جَاوَرْتُمُ اللهَ فِي دَارِهِ ؟
قَالُوا: كُنَّا نَتَزَاوَرُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلّ َ، وَنَتَجَالَسُ فِي اللهِ ، وَنَتَبَاذَلُ فِي اللهِ ، قَالُوا: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ " .
ومن طريق أبي نعيم رواه ابن قدامة في "كتاب المتحابين في الله" (155)
وهذا إسناد واه بمرة :
زافر بن سليمان ، ضعفه النسائي، والساجي ، وابن عدي ، وابن حبان ، وغيرهم .
انظر: "التهذيب" (3/262) .
وقال الحافظ في "التقريب" (ص213) : " صدوق كثير الأوهام " .
وثابت الثمالي ، هو ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي الأزدي الكوفي ، رافضي متروك الحديث .
قال أحمد: ضعيف ليس بشيء، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال الجوزجاني: واهي الحديث ، وقال النسائي: ليس بثقة ، وقال عمر بن حفص بن غياث: ترك أبي حديث أبي حمزة الثمالي
وقال ابن عدى: ضعفه بيِّنٌ على رواياته ، وهو إلى الضعف أقرب ، وقال الدارقطني: متروك، وقال الفلاس: ليس بثقة.
انظر: "التهذيب" (2/7) .
وسليمان بن أحمد شيخ أبي نعيم هو الحافظ الطبراني ، الذي عزى هذا الأثر ابن كثير إليه
كما في "البداية والنهاية" (9/114).
فهذا الأثر واهي الإسناد لا يصح عن علي بن الحسين رحمه الله .
وفي نصوص الشرع الثابتة في فضل العفو والصبر والتزاور في الله ما يغني عن هذا.
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
sat_mohamed
2018-08-10, 18:23
جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك
*عبدالرحمن*
2018-08-12, 16:55
جزاك الله كل الخير وجعله في ميزان حسناتك
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اسعدني حضورك المميز مثلك
في انتظار مرورك العطر دائما
بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-08-12, 17:01
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
ما صحة حديث : ( مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي ) ؟
السؤال:
من فضلكم دلونا ما هو الأصح ، والقول المحقق في درجة الحديث التالي : ( من زار قبري وجبت له شفاعتي) ؟
الجواب :
الحمد لله
روى الدارقطني (2695) ، والبيهقي في " الشعب " (3862)
من طريق مُوسَى بْن هِلَالٍ الْعَبْدِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي) .
وموسى بن هلال هذا لا يعرف ، قال أبو حاتم: مجهول ، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.
وقال الذهبي :
" وأنكر ما عنده: حديثه عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - مرفوعاً: (من زار قبري وجبت له شفاعتي) "
انتهى من " ميزان الاعتدال " (4/ 226) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "لسان الميزان" (6/ 135):
" قال ابن خزيمة في صحيحه في باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إن ثبت الخبر ؛ فإن في القلب منه " ، ثم رواه عن موسى بن هلال عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنه به وقال :
" أنا أبرأ من عهدته ، هذا الخبر من رواية الأحمسي أَشْبَه ؛ لأن عبيد الله بن عمر أجل وأحفظ من أن يروى مثل هذا المنكر ، فإن كان موسى بن هلال لم يغلط في من فوق أحد العمرين
فيشبه أن يكون هذا من حديث عبد الله بن عمر فأما من حديث عبيد الله بن عمر فأنى لا أشك أنه ليس من حديثه " .
هذه عبارته بحروفها ، وعبد الله بن عمر العمرى ـ بالتكبير ـ : ضعيف الحديث، وأخوه عُبيد الله بن عمر ـ بالتصغير ـ : ثقة حافظ جليل.
وقد رواه الدولابي في الكنى ، قال : حدثنا علي بن معبد بن نوح قال حدثنا موسى بن هلال قال حدثنا عبد الله بن عمر العمرى ، أبو عبد الرحمن أخو عبيد الله ، عن نافع عن ابن عمر فذكره .
فهذا قاطع للنزاع ، من أنه عن المكبر ، لا عن المصغر ؛ فإن المكبر هو الذي يكنى أبا عبد الرحمن .
ولما ذكره العقيلي في الضعفاء ، أورد هذا الحديث عن محمد بن عبد الله الحضرمي ، عن جعفر بن محمد ، عن موسى بن هلال عن عبيد الله بن عمر به ، وقال: لا يصح .
وفي أسئلة البرقاني : أنه سأل الدارقطني عن موسى بن هلال ، فقال: هو مجهول " انتهى .
فبان بذلك أن للحديث علتين :
أولا : موسى بن هلال : مجهول .
ثانيا: الصحيح أنه من روايته عن عبد الله بن عمر المكبر ، لا عن أخيه عبيد الله ، وعبد الله المكبر ضعيف الحديث ، ضعفه ابن معين ، والنسائي ، والبخاري ، وابن سعد ، وابن حبان ، وغيرهم .
انظر: "التهذيب" (5/327) .
وقال البيهقي :
" وَسَوَاءٌ قَالَ : عُبَيْدُ اللهِ ، أَوْ عَبْدُ اللهِ ؛ فَهُوَ مُنْكَرٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ لَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ "
انتهى من " شعب الإيمان " (6/ 52) .
ورواه البزار - كما في " كشف الأستار " (2/ 57) من طريق عَبْد اللَّهِ بْن إِبْرَاهِيمَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ زَارَ قَبْرِي حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي) .
قَالَ الْبَزَّارُ: " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : لَمْ يُتَابَعْ عَلَى هَذَا، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ ." انتهى.
وهو متهم ، نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث ، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ، وقال الدارقطني: حديثه منكر ، قال الحاكم: عبد الله يروي عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة .
" ميزان الاعتدال " (2/ 388) .
وعبد الرحمن بن زيد متروك متهم أيضا ، قال الطحاوي: حديثه ، عند أهل العلم بالحديث : في النهاية من الضعف ، وقال الحاكم ، وأبو نعيم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه .
" تهذيب التهذيب " (6/ 179) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَحَادِيث زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ، لَا يُعْتَمَدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فِي الدِّينِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ أَهْلُ الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ شَيْئًا مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَرْوِيهَا مَنْ يَرْوِي الضِّعَافَ ، كالدارقطني وَالْبَزَّارِ وَغَيْرِهِمَا "
انتهى من " مجموع الفتاوى " (1/ 234) .
وقال أيضا رحمه الله:
" (مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدارقطني ، فِيمَا قِيلَ ، بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا ، مَنْ كُتُبِ الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (27/ 25) .
وقال ابن عبد الهادي رحمه الله:
" هذا حديث غير صحيح ، ولا ثابت ، بل هو حديث منكر عند أئمة هذا الشأن ، ضعيف الإسناد عندهم ، لا يقوم بمثله حجة ولا يعتمد على مثله عند الاحتجاج إلا الضعفاء في هذا العلم "
انتهى من " الصارم المنكي " (ص 21).
وضعفه النووي في "المجموع" (8/272) .
وقال الذهبي :
" حديث منكر "
انتهى من " تاريخ الإسلام " (11/212) .
وقال الألباني في " ضعيف الجامع " (5607) : " موضوع " .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-12, 17:06
ما صحة حديث : من زار قبري بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي
السؤال:
لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن زيارة قبره بعد موته كزيارته وهو على قيد الحياة ولهذا عندما نزور قبره في المدينة لا يعد حراما أن نتحدث إليه كما لو كان حيا وأن نطلب منه الشفاعة لنا عند الله يوم الحساب
لكني قلق من أن يكون هذا من الشرك في شيء .
الجواب :
الحمد لله
روى الدارقطني في سننه (2/278) بإسناده عن حاطب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي .. الحديث " وهذا حديث حكم عليه كثير من علماء الحديث بالبطلان وأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فممن حكم عليه بذلك الحافظ الذهبي في لسان الميزان (4/285)
عند ترجمته لأحد رواته وهو هارون بن أبي قزعة فقال الذهبي : هارون بن أبي قزعة المدني عن رجل " عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم " قال البخاري : لا يتابع عليه .
وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (6/217) : قال الأزدي : هارون أبوقزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل . قلت : ( أي الحافظ ) : فتعين أنه الذي أراد الأزدي وقد ضعفه أيضا يعقوب بن شيبة ..
وقد ذكره الحافظ ابن حجر أيضا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/266) وقال : وفي إسناده الرجل المجهول . ومقصود الحافظ بالرجل هو رجل من آل حاطب .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص134)
عن الحديث : إن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين ، فإن من زاره في حياته ، وكان مؤمنا به ، كان من أصحابه ، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه
المجاهدين معه . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " أخرجاه في الصحيحين . والواحد من بعد الصحابة لايكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة ؛ كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه
فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين ، بل ولا شرع السفر إليه ، بل هو منهي عنه . وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه ، والسفر إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه هو مستحب
والسفر إلى الكعبة للحج فواجب . فلو سافر أحد السفر الواجب والمستحب لم يكن مثل واحد من الصحابة الذين سافروا إليه في حياته ، فكيف بالسفر المنهي عنه .
وقال أيضاً في ( ص 133 ) :
فإن أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة ، لا يعتمد على شيء منها في الدين ؛ ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئا منها ، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما .
وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (رقم1021)
عن الحديث : باطل . وذكر علل الحديث وهي الرجل الذي لم يسم وضعف هارون أبي قزعة وعلة ثالثة وهي الاختلاف والاضطراب ثم قال الشيخ : وبالجملة فالحديث واهي الإسناد .
وقال أيضا في الضعيفة رقم ( 47) :
يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ؛ وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى
وعليهم ، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شي
من المخالفات والبدع ، مثل شد الرحل والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد " . والمستثنى منه في الحديث ليس هو المساجد فقط
كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجداً أو قبراً أو غير ذلك ، بدليل ما رواه أبو هريرة قال ( في الحديث له ) :
" فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال : من أين أقبلت ؟ فقلت : من الطّور ، فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تُعْمل المُطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح .
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه ، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شدّ الرّحْل لزيارة قبر ما ، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة
فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال :
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف . انتهى
والخلاصة
أنّ السّفر بنية زيارة القبر النبوي بدعة وحرام لأجل الحديث الوارد في النهي عن شد الرّحال إلى بقعة للعبادة غير المساجد الثلاثة
وأمّا زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لمن كان بالمدينة فهو أمر صحيح ومشروع
وكذلك السّفر بنية الصّلاة في المسجد النبوي قربة وطاعة وعبادة لله تعالى وإنما يقع في الخطأ والإشكال من لم يفهم الفرق بين ما هو مشروع وما هو ممنوع
والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-08-12, 17:12
الكلام على حديث : (أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الأَدبَبِ؟! تَخْرُجُ فَتَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ).
السؤال:
ما صحة هذا الحديث ، والمراد منه؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنِسَائِهِ : ( لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الأَدِببِ تَخْرُجُ فَيَنْبَحُهَا كِلابُ حَوْأَبٍ ، فَيُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَتْلًا كَثِيرًا ثُمَّ تَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ ) .
الجواب :
الحمد لله
روى الإمام أحمد (24654)
وابن حبان (6732)
والحاكم (4613)
وابن أبي شيبة (7/ 536) - واللفظ له - عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
" لَمَّا بَلَغَتْ عَائِشَةُ بَعْضَ مِيَاهِ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ ، فَوَقَفَتْ فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً
فَقَالَ لَهَا طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ: مَهْلًا رَحِمَكَ اللَّهُ ، بَلْ تَقْدَمِينَ ، فَيَرَاكَ الْمُسْلِمُونَ ، فَيُصْلِحُ اللَّهُ ذَاتَ بَيْنهِمْ ، قَالَتْ : مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: ( كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ ) ".
والحديث : صححه ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/212)
على شرط الشيخين، وكذا صححه محققو المسند ، والألباني في "الصحيحة" (474)على شرط الشيخين.
وصححه الذهبي في "السير" (3/453)
والحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/55)
وقال : " وسنده على شرط الصحيح " وقال الهيثمي في "المجمع" (7/ 234):
" رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو يَعْلَى ، وَالْبَزَّارُ ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ " .
ورواه الضياء في "المختارة" (179)
والبزار - كما في "البداية والنهاية" (6/212)
عن ابن عباس ، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عند أزواجه: ( لَيْتَ شِعْرِي، أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ، تَخْرُجُ فَيَنْبَحُهَا كِلَابُ حَوْأَبٍ، يُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَتْلَى كَثِيرٌ، ثُمَّ تَنْجُو بَعْدَمَا كَادَتْ) .
وقال الحافظ في "الفتح" (13/55) :
" رجاله ثقات " ،
وكذا قال الهيثمي في "المجمع" (7/234)
وصححه الألباني في "الصحيحة" (1/853) .
والحَوْأَب: قال ابن الأثير رحمه الله :
" مَنْزل بَيْنَ مَكَّةَ والبَصْرة ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَتْهُ عَائِشَةُ لمَّا جَاءَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ فِي وقْعَة الجَمل "
انتهى من " النهاية " (1/ 456) .
والجَمَلِ الأَدْبَبِ : أَراد الأَدَبَّ ، فأَظْهَر التَّضْعيفَ ، والأَدَبَّ: هُوَ الْكَثِيرُ الوَبرِ؛ وَقِيلَ: الكثيرُ وَبَرِ الوجهِ، لِيُوازِن بِهِ الحَوْأَبِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَمَلٌ أَدَبُّ: كثيرُ الدَّبَبِ.
" لسان العرب " (1/ 373) .
والحاصل :
أنه لما وقعت الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، واختلف الناس ، خرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للإصلاح بينهم ، فلما وصلت إلى هذا المكان الذي يسمى " الحوأب " نبحتها الكلاب
فلما سألت عن اسم المكان ، فأخبروها: تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي يخبر فيه عن إحدى زوجاته
أنها تنبحها كلاب الحوأب ، وأنه يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو هي بعد أن كادت ألا تنجو ، وفي هذا خبر عن حصول الفتنة ، ووقوع المقتلة بين المسلمين .
فعزمت على الرجوع ؛ إذ لا يحسن بها أن تكون طرفا في الفتنة ، أو سببا في المقتلة ، من قريب أو بعيد ، فألحوا عليها في مواصلة السير ؛ عسى الله أن يصلح بها بين الناس ، فكان ما كان .
وقد ثبت عنها رضي الله عنها بعد ذلك أنها ندمت على هذا الخروج .
قال الذهبي رحمه الله :
" روى إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَتْ تُحَدِّثُ نَفْسَهَا أَنْ تُدْفَنَ فِي بَيْتِهَا ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَحْدَثْتُ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَثاً، ادْفِنُوْنِي مَعَ أَزْوَاجِهِ فَدُفِنَتْ بِالبَقِيْعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
قُلْتُ: تَعْنِي بِالحَدَثِ: مَسِيْرَهَا يَوْمَ الجَمَلِ؛ فَإِنَّهَا نَدِمَتْ نَدَامَةً كُلِّيَّةً وَتَابَتْ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهَا مَا فَعَلَتْ ذَلِكَ إلَّا مُتَأَوِّلَةً قَاصِدَةً لِلْخَيْرِ، كَمَا اجْتَهَدَ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ وَالزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الكِبَارِ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيْعِ " .
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (3/ 462) .
وقال الزيلعي رحمه الله :
" وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُصِيبًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ، وَهُمْ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، وَمَنْ مَعَهُمْ ، وَأَهْلُ صِفِّينَ، وَهُمْ مُعَاوِيَةُ ، وَعَسْكَرُهُ ، وَقَدْ أَظْهَرَتْ عَائِشَةُ النَّدَمَ
كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا مَنَعَك أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيرِي؟!
قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا غَلَبَ عَلَيْك - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ- فَقَالَتْ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ نَهَيْتَنِي مَا خَرَجْت " .
انتهى من " نصب الراية " (4/ 69) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهَا: (تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ)
فَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْمَكْذُوبَاتِ أَشْبَهُ مِنْهُ
بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، بَلْ هُوَ كَذِبٌ قَطْعًا، فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُقَاتِلْ وَلَمْ تَخْرُجْ لِقِتَالٍ ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ ، وَظَنَّتْ أَنَّ فِي خُرُوجِهَا مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فِيمَا بَعْدُ أَنْ تَرْكَ الْخُرُوجِ كَانَ أَولَى ، فَكَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ خُرُوجَهَا تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا.
وَهَكَذَا عَامَّةُ السَّابِقِينَ نَدِمُوا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ ، فَنَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – أَجْمَعِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجَمَلِ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ فِي الِاقْتِتَالِ .
وَلَكِنْ وَقَعَ الِاقْتِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَرَاسَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَصَدُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ ، وَأَنَّهُمْ إِذَا تَمَكَّنُوا طَلَبُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَهْلَ الْفِتْنَةِ
وَكَانَ عَلِيٌّ غَيْرَ رَاضٍ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا مُعِينًا عَلَيْه ِ، كَمَا كَانَ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ فِي يَمِينِهِ، فَخَشِيَ الْقَتَلَةُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ عَلَى إِمْسَاكِ الْقَتَلَةِ
فَحَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَظَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ ، فَحَمَلُوا دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّهُمْ حَمَلُوا عَلَيْهِ ، فَحَمَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ
فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَاكِبَةٌ: لَا قَاتَلَتْ ، وَلَا أَمَرَتْ بِالْقِتَالِ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ
" . انتهى من "منهاج السنة" (4/316-317) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-12, 17:16
ما صحة أثر ابن عباس : " مَنْ كان يحب ركوب الْخَيْلَ وَفَدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَيْلٍ لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ " ؟
السؤال:
ما صحة أثر ابن عباس : "مَنْ كان يحب الْخَيْلَ وَفَدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَيْلٍ لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ لُجُمُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَمِنَ الزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ وَمِنَ الدُّرِّ الْأَبْيَضِ ، وَسُرُوجُهَا مِنَ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ
وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ رُكُوبَ الْإِبِلِ فَعَلَى نَجَائِبَ لَا تَبْعَرُ وَلَا تَبُولُ ، أَزِمَّتُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ و، َمَنْ كَانَ يحب ركوب السفن فعلى سفن من يَاقُوتٍ قَدْ أَمِنُوا الْغَرَقَ ، وَأَمِنُوا الْأَهْوَالَ ؟
وقد ورد في " تفسير " القرطبي ، وهل هناك نسخ محققة من " تفسير القرطبي " ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ذكر القرطبي رحمه الله في "تفسيره" (11/ 151)
أبا نصر عبد الرحيم بن عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُشَيْرِيُّ ذكر في تفسيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : " مَنْ كان يحب ركوب الْخَيْلَ وَفَدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَيْلٍ لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ لُجُمُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَمِنَ الزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ وَمِنَ الدُّرِّ الْأَبْيَضِ وَسُرُوجُهَا مِنَ
السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ رُكُوبَ الْإِبِلِ فَعَلَى نَجَائِبَ لَا تَبْعَرُ وَلَا تَبُولُ أَزِمَّتُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَمَنْ كَانَ يحب ركوب السفن فعلى سفن من زبرجد ويَاقُوتٍ قَدْ أَمِنُوا الْغَرَقَ وَأَمِنُوا الْأَهْوَالَ " انتهى .
ولم نجد لهذا الأثر أصلا ، ولا نعرفه يروى بسند صحيح ولا ضعيف ، ولا اطلعنا على أحد من أهل العلم ذكره إلا القرطبي عن أبي نصر القشيري
ولم ينقل القرطبي إسنادا للحديث ، يمكننا النظر فيه ، ولا وقفنا نحن عليه في مصدر مسند .
ومثل هذا لا حجة فيه ، ولا يحل نقله إلا مع بيان أن عهدته على راويه .
وينظر للفائدة : "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" لابن القيم (1/556-561) ـ ط عالم الفوائدـ ، وحاشية محققه .
ثانيا :
من أحسن طبعات تفسير القرطبي: طبعة دار الكتب المصرية ، وقد صورتها دار عالم الكتب؛ هذا من حيث العناية بنص الكتاب ، وجودته .
وأما تخريج أحاديثه ، وتمييز صحيحها من ضعيفة ، فلا نعلم أن هناك طبعة وفت بهذا الجانب ، حتى الآن .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-12, 17:26
هل صح أن التوراة أنزلت على موسى عليه السلام في رمضان ؟
السؤال:
لدي سؤال عن الحديث الوارد هنا : روى أحمد ، والطبراني في " معجم الكبير " عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان
وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان ، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان ، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان )
. حسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة "(1575).
السؤال: كيف نوفق بين وقت نزول التوراة كما هو مذكور في الحديث ، مع وقت نزولها الذي يخالف ذلك كما أخبر القرآن؟
فالقرآن يقول في سورة الأعراف الآيات 142/144/145 "وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً"
وقال تعالى : "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ" "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ" و "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً
لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" . قال ابن عباس عن تلك الأيام العشر الأخيرة هي العشر الأولى من ذي الحجة وكثير وافقوه .
الجواب :
الحمد لله
روى الإمام أحمد (16984)
والطبراني في "الكبير" (185)
والطبري في "التفسير" (3/446)
واليهقي في "السنن"(9/ 317) من طريق عِمْرَان أَبي الْعَوَّامِ ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) .
وهذا إسناد ضعيف ، عمران أبو العوام ، هو عمران بن داور القطان ، وثقه ابن حبان والعجلي وغيرهما ، وضعفه ابن معين ، وأبو داود ، والنسائي ، وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة والوهم .
" تهذيب التهذيب " (8/ 132) .
وقال الحافظ في "التقريب" (ص 429): " صدوق يهم " .
وقد تبين خطؤه ووهمه في هذا الحديث :
فقد رواه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (127)
والطبري في "التفسير" (24/ 377) من طريق يَزِيد بن زريع، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا عَنْ أَبِي الْجَلْدِ، قَالَ: " أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ
وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) .
وهذا إسناد صحيح ، سعيد ، وهو ابن ابي عروبة ، من أوثق الناس في قتادة
قال ابن أبي خيثمة:
" أثبت الناس في قتادة: سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي " .
" تهذيب التهذيب " (4/ 63) .
ويزيد بن زريع أوثق الناس في سعيد
قال ابن معين في تاريخه (1/ 102):
" أوثق الناس فى سعيد بن أبى عروبة يزيد بن زريع " .
فالصحيح عن قتادة ما رواه سعيد بن أبي عروبة ، عنه ، عن صاحب له ، عن أبي الجلد ، من قوله . ورواية عمران خطأ .
وقد رواه ابن أبي شيبة (6/ 144): حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةَ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِي الْجَلْدِ، قَالَ: فذكره .
وقد روى البيهقي هذا الحديث في " الأسماء والصفات " (1/ 569) من طريق عمران به ، ثم قال : " وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ , عَنْ قَتَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ ، لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ
إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: (لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَدَلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ) ، وَكَذَلِكَ وَجَدَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ ، دُونَ ذِكْرِ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ "انتهى .
ورواه ابن أبي شيبة (6/ 144):
حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: " نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " .
وأبو الجلد هو جيلان بن فروة البصري ، وثقه الإمام أحمد ، وقال ابن أبي حاتم :
" صاحب كتب التوراة ونحوها " .
" الجرح والتعديل " (2/ 547) .
وينظر أيضا للفائدة : " المطالب العالية " لابن حجر (14/350) وتعليق المحققين .
والخلاصة
: أن هذا الكلام ورد من قول أبي قلابة ، وأبي الجلد ، وأخذه قتادة عن أبي الجلد وكان ربما حدث به ولم يذكر أبا الجلد .
فمثل هذا الأثر لا تقوم به الحجة ، لأنه من قول بعض التابعين .
وأما الحديث المرفوع فهو حديث ضعيف ، لا تقوم به حجة .
وله شاهد رواه ابن عساكر (6/ 202) من طريق أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي نا أبو قصي نا أبي عن علي هو ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من شهر رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست من رمضان، وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين من رمضان ) .
وهذا إسناد واه مسلسل بالعلل :
-محمد بن موسى بن فضالة، أبو عمر الدمشقي. قال عبد العزيز الكتاني: تكلموا فيه.
"الميزان" (4/51) .
وفي نسخة من " الميزان " (4/ 555) في ترجمة أبي عمر الدمشقي :
" قال الدارقطني: متروك ، قال الذهبي : هو محمد بن موسى بن فضالة " .
- وأبو قصي هو إسماعيل بن محمد بن إسحاق العذري : مجهول ، ترجمه ابن عساكر " تاريخ دمشق " لابن عساكر (71/ 313)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
- وأبوه لم نجد له ترجمة .
- وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس .
انظر : "التهذيب" (7/339) .
وبالجملة فالحديث معلول لا يصح رفعه ، ولا يصلح للاحتجاج به .
*عبدالرحمن*
2018-08-12, 17:28
ثانيا :
قال تعالى : ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) الأعراف/ 142 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مَا هِيَ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشَرُ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " انتهى.
ثم قال تعالى :
(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ) الأعراف/ 145 .
وقد اختلف المفسرون في المقصود بالألواح ، فقيل : كان مكتوبا فيها التوراة ، وقيل : أعطيها موسى قبل التوراة
قال ابن كثير :
" أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ كَتَبَ لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ، قِيلَ: كَانَتِ الْأَلْوَاحُ مِنْ جَوْهَرٍ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ لَهُ فِيهَا مَوَاعِظَ وَأَحْكَامًا مُفَصَّلَةً مُبَيِّنَةً لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْوَاحُ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْرَاةِ
وَقِيلَ: الْأَلْوَاحُ أُعْطِيَهَا مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ "
انتهى من " تفسير ابن كثير " (3/ 474).
فعلى تقدير ثبوت الحديث يمكن الجمع بينهما بأن نزول التوراة كان لست مضين من رمضان ، وأن الألواح المذكورة في الآية : غير التوراة ، وإنما فيها مواعظ وأشياء أخرى ، سوى ما في التوراة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولكل رسول كتاب، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: 25]
وهذا يدل على أن كل رسول معه كتاب ، لكن لا نعرف كل الكتب ، بل نعرف منها: صحف إبراهيم وموسى، التوراة، الإنجيل، الزبور، القرآن، ستة
لأن صحف موسى بعضهم يقول: هي التوراة، وبعضهم يقول: غيرها، فإن كانت التوراة، فهي خمسة، وإن كانت غيرها، فهي ستة، ولكن مع ذلك نحن نؤمن بكل كتاب أنزله الله على الرسل، وإن لم نعلم به، نؤمن به إجمالاً "
انتهى من "شرح العقيدة الواسطية" (1/65) .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ ، حفظه الله :
" الكُتُبُ التي أنزلها الله - عز وجل - على المرسلين : اختلف العلماء هل يدخل فيها الصحف، أم إنَّ الكتب غير الصحف؟ على قولين:
- من أهل العلم من قال: الصحف هي الكتب.
- ومنهم من قال: لا؛ الصحف غير الكتاب.
ويَتَّضِحْ الفرق في صحف موسى عليه السلام والتوراة، فإنَّ الله - عز وجل - أعطى موسى عليه السلام صُحُفَاً وأعطاه أيضاً التوراة، فهل هما واحد أم هما مختلفان؟
خلاف:
- والقول الأول: أنهما واحد لأنَّ صحف موسى هي التوراة ، وهي التي كتبها الله - عز وجل - بيده.
- القول الثاني: أنَّ الصحف غير الكتب، وهذا القول هو الصحيح ، وهي أنَّ كتب الله - عز وجل - غير الصحف.
ويدل على هذا الفرق أنَّ الله - عز وجل - أعطى موسى صُحُفَاً ، عليه السلام ، وكَتَبَ له ذلك في الألواح ، كما قال {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[الأعراف:145]
وأوحى الله - عز وجل - إليه بالتوراة أيضاً.
فقوله {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}[الأعلى:19]:
صحف إبراهيم: ذَكَرَ الله ما فيها في سورة النجم قال {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى* أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم:37-41]
إلى آخره، فهذه كانت مما في صحف إبراهيم عليه السلام.
وفي صحف موسى: ما كتبه الله - عز وجل - له.
وأما التوراة: فهي وحْيٌ وكتَابٌ مستقل ، غير صحف موسى عليه السلام ، أوحاها الله - عز وجل - إليه.
صحف موسى بالذات : وَقَعَ فيها الاشتباه ، من جهة أنَّهُ : ظاهر القرآن أنَّ الله - عز وجل - كَتَبَ الصحف لقوله {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ}
وجاء في الحديث أنَّ الله - عز وجل - كتب التوراة لموسى بيده، فمن هذه الجهة وقع الاشتباه، هل هما واحد لأجل أن هذه كُتِبَتْ وهذه كُتِبَتْ.
والأظهر كما ذكرتُ لك من سياق الآيات في سورة الأعراف أن الكتب غير الصحف " .
انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (1/321) .
وممن رجح الفرق بينهما أيضا : الشيخ عبد الرزاق عفيفي
كما في "فتاواه" (1/367)
والشيخ عبد العزيز الراجحي
كما في "شرح الاقتصاد في الاعتقاد" (17) .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
falconpro
2018-08-13, 21:20
مشكور على الموضوع
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 05:18
مشكور على الموضوع
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
الشكر موصول لجودك الطيب العطر
بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 05:23
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل ثبت أن السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام هي أول من اختتن، وأول من ثقبت أذنها من النساء؟
السؤال:
هل صحيح أنه حين ولدت السيدة هاجر إسماعيل عليه السلام غارت منها السيدة سارة فأقسمت أن تقطع أحد أعضائها ، فأمرها زوجها إبراهيم عليه السلام أن تبر قسمها بثقب أذنيها ، فأصبحت سنة ؟
وهل كان ذلك بسبب الغيرة ؟
الجواب:
الحمد لله
روى ابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص 31)
من طريق إسرائيل، والبيهقي في "شعب الإيمان" (11/124)
وابن عساكر في "التاريخ" (69/186)
من طريق الثوري ، كلاهما عن أبى إسحاق ، عن حارثة بن مضرّب ، عن على بن أبى طالب رضي الله عنه : " أَنَّ سَارَةَ لَمَّا وهبَتْ هَاجَرَ لِإِبْرَاهِيمَ ، فَأَصَابَهَا ، غَارَتْ سَارَةُ
فَحَلَفَتْ لَتغَيِّرَنَّ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ، فَخَشِيَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ تَقْطَعَ أُذُنَيْهَا ، أَوْ تَجْدَعَ أَنْفَهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَخْفِضَهَا ، وَتَثْقُبَ أُذُنَيْهَا " .
وأبو إسحاق كان قد اختلط وتغير حفظه ، لكن سماع الثوري منه - وكذا إسرائيل - كان قبل الاختلاط ، إلا أنه كان مدلسا ، وصمه بالتدليس حسين الكرابيسي ، وأبو جعفر الطبري ، وابن حبان ، وغيرهم .
انظر: "تهذيب التهذيب" (8/ 66) .
وحارثة بن مضرب ثقة
وثقه ابن معين وغيره . انظر : "التهذيب" (2/167) .
فإن كان أبو إسحاق سمعه من حارثة فالإسناد صحيح .
وبعض أهل العلم يصحح حديث الثوري عن أبي إسحاق مطلقا ، وخاصة في روايته عن التابعين، فإذا انضم إلى ذلك أن الخبر موقوف ليس مرفوعا فاحتمال ثبوته قوي.
إلا أن مقتضى أصول علم الحديث أن هذا الإسناد ضعيف ؛ لأن أبا إسحاق مدلس وقد عنعنه .
وروى ابن عساكر في "تاريخه" (69/ 187)
من طريق الواقدي عن محمد بن صالح عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال: " كانت سارة تحت إبراهيم خليل الرحمن ، فمكثت معه دهرا لا ترزق منه ولدا
فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية ، فولدت لإبراهيم إسماعيل عليهما السلام ، فغارت من ذلك سارة ، ووجدت في نفسها، وعتيت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف
فقال لها إبراهيم: هل لك أن تبري يمينك ؟ ، قالت: كيف أصنع؟
قال: ( اثقبي أذنيها واخفضيها )، والخفض هو الختان " .
وهذا إسناد واه ، الواقدي متروك متهم ، كذبه الشافعي ، وأحمد ، والنسائي ، وغيرهم ، وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث .
"تهذيب التهذيب" (9 /326) .
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من أهل العلم .
ينظر :"التمهيد" لابن عبد البر (21/60)
"تحفة المودود" لابن القيم (190)
"البداية والنهاية" لابن كثير (1/ 154) .
ولم يجزم أحد ممن ذكرها من أهل العلم ، فيما وقفنا عليه ، بثبوتها ، أو صحة إسنادها .
ولم ينقل في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والأثر المروي فيها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : في إسناده مقال ، كما تقدم ، مع أن في الاحتجاج به ، في مثل ذلك الأمر السابق : نظرا ، لا يخفى ، فالله أعلم بحقيقة الحال .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 05:27
لماذا شعرت سارة بالغيرة مع جلالة قدرها من هاجر ؟
السؤال
هل أحست سارة بالغيرة من " هاجر " عندما ولدت إسماعيل ( عليه السلام ) ؟
إذا كان الجواب بنعم : فلماذا تشعر امرأة رفيعة المنزلة مثل " سارة " بالغيرة ؟
وهل كان شعورها بالغيرة هو السبب الذي من أجله أمِرَ إبراهيم ( عليه السلام ) بإرسال " هاجر " و " إسماعيل " ( عليه السلام ) إلى الصحراء ؟.
الجواب
الحمد لله
غيرة المرأة من ضرائرها أمرٌ جُبلت عليه ، وهو غير مكتسب ، ولذا فإنها لا تؤاخذ عليه إلا أن تتعدى ، وتقع بسبب الغيرة فيما حرم الله عليها من ظلم أختها
فتقع في غيبة أو نميمة أو تؤدي بها غيرتها إلى طلب طلاق ضرتها أو الكيد لها وما شابه ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء ، لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام ، وضابط ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه : ( إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ )
حسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" (7/80) -
فالغيرة منهما – أي : من الزوج والزوجة - إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء ، فتعذر فيها ، ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل
وعلى هذا يحمل ما جاء من السلف الصالح عن النساء في ذلك . "
فتح الباري " ( 9 / 326 ) .
وقال ابن مفلح رحمه الله :
قال الطبري وغيره من العلماء : الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جُبِلن عليه من ذلك .
" الآداب الشرعية " ( 1 / 248 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله شرحاً لحديث كسر عائشة لإناء إحدى ضرائرها :
وقالوا : أي جميع من شرحوا الحديث : فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا ، لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضَب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ لا بَأْس بِهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا : ( أَنَّ الْغَيْرَاء لا تُبْصِر أَسْفَل الْوَادِي مِنْ أَعْلاهُ ) . "
فتح الباري " ( 9 / 325 ) .
وما وقع من فضليات النساء من الغيرة إنما هو مما لم يسلم منه أحد ، وهنَّ غير مؤاخذات عليه لأنه ليس في فعلهن تعدٍّ على شرع الله تعالى .
وما حصل من غيرة " سارة " من هاجر هو من هذا الباب ، فطلب الزوجة من زوجها أن لا ترى ضرتها أو أن لا تجاورها أمرٌ غير مستنكر
، مع أن الذي ذكره أهل العلم أن إبراهيم عليه السلام هو الذي خرج بهاجر وابنه لا أن سارة زوجه طلبت منه ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
ويقال : إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك . "
فتح الباري " ( 6 / 401 ) .
ويدل عليه قول هاجر : " يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟
فقالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له : أالله الذي أمرك بهذا ؟
قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا " -
رواه البخاري ( 3184 ) - .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان : خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء ...
رواه البخاري ( 3185 ) .
قال الحافظ :
قوله – أي : ابن عباس - : " لما كان بين إبراهيم وبين أهله " يعني : سارة " ما كان " يعني : من غيرة سارة لما ولدت هاجر إسماعيل . "
فتح الباري " ( 6 / 407 ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 05:32
هل ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " لَوْ أَنَّ رَجُلا عَيَّرَ رَجُلا بِرَضَاعِ كَلْبَةٍ لَرَضَعَهَا " ؟
السؤال:
هل هذه الآثار التالية صحيحة في الشماته : - يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " والله لو أن أحداً عيّر رجلا رضع من كلبة لرضع هو من كلبة " .
- وورد عن ابن عمر رضي الله عنه: " والله لو عيرتُ امرأة حُبلى بحملها لخشيت أن أحمل " .
- يقول ابن القيم رحمه الله : " مامن عبد يعيبُ على أخيه ذنباً ، إلا و يُبتلى به ، فإذا بلغك عن فلان سيئةً فقل : غفر الله لنا وله " .
ﻻ تراقب الناس ، وﻻ تتبع عثراتهم - لا تكشف سترهم ، وﻻ تتجسس عليهم - اشتغل بنفسك وأصلح عيوبك ، فسوف تسأل فقط عن نفسك ﻻ عن غيرك ، فالله أرحم بهم منك ومن أنفسهم ، "
وقُل للشامتين صبراً فإن ؛ نوائب الدنيا تدورُ " ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى الخطيب في "تاريخه" (15/ 376) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلا عَيَّرَ رَجُلا بِرَضَاعِ كَلْبَةٍ ؛ لَرَضَعَهَا ) .
وهذا حديث ضعيف جدا، في إسناده نصر بن باب ، قال البخاري: يرمونه بالكذب. وقال ابن معين: ليس حديثه بشئ ."
ميزان الاعتدال" (4/ 250)
وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (2380) : " ضعيف جدا " .
وضعفه الحافظ ابن رجب في "الفرق بين النصيحة والتعيير" (ص: 21) ، وقال :
" وقد رُوي هذا المعنى عن جماعة من السلف " انتهى .
أما قوله : (الْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ) فقد ثبت عن ابن مسعود ، من قوله ؛
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (5/231)
وابن أبي الجعد في مسنده (1963) من طريقين عن ابن مسعود
وصححه الألباني عنه في "الضعيفة" (7/ 395).
والمقصود من هذا الكلام كله : حفظ اللسان مطلقا ، والحذر من تعيير المسلم ، أو الشماتة بذنبه
قال المناوي رحمه الله :
" العَبْد فِي سَلامَةٍ ، مَا سكت ؛ فَإِذا تكلم : عرف مَا عِنْده بالنطق ، فيتعرض للخطر أَو الظفر "
انتهى من "التيسير" (1/ 440) .
أما قوله : ( لَوْ أَنَّ رَجُلا عَيَّرَ رَجُلا بِرَضَاعِ كَلْبَةٍ لَرَضَعَهَا ) فلم نجده عن ابن مسعود إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإسناده واه ، كما تقدم بيانه .
ولكن روى ابن أبي شيبة (5/ 231)
وهناد في "الزهد" (2/570)
عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود :" لَوْ سَخِرْتُ مِنْ كَلْبٍ، لَخَشِيتُ أَنْ أَكُونَ كَلْبًا " !! .
وروى الدينوري في "المجالسة" (3/ 243) عن عَمْرو بْن شُرَحْبِيلَ قال : " لَوْ عَيَّرْتُ رَجُلًا بِرَضَاعِ الْغَنَمِ؛ لَخَشِيتُ أَنْ أرضعها " .
وعن ابن سِيرِينَ قال: "عَيَّرْتُ رَجُلًا بِالْإِفْلَاسِ فَأَفْلَسْتُ".
"الآداب الشرعية" (1/ 322) .
ثانيا :
أما ما ذُكر في السؤال عن ابن عمر رضي الله عنهما : " والله لو عيرتُ امرأة حُبلى بحملها لخشيت أن أحمل " : فلم نجده
ولا ذكره أحد من أهل العلم - فيما علمنا – فمثله لا ينبغي الاشتغال به ، ولا تناقله ، حتى تعلم صحته إلى من نسب إليه .
ثالثا :
وأما ما ذُكر عن ابن القيم فلم نجده أيضا في شيء من كتبه بهذا النص
لكنه قال في "كتاب الفروسية" (ص 446):
" من ضحك من النَّاس ضُحك مِنْهُ، وَمن عير أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ ؛ وَلَا بُد " انتهى .
فيخشى على من عير أحدا بذنب أو بلاء أن يبتلى بما عيره به .
والواجب على المسلم أن ينصح أخاه ، لا أن يعيره ، وأن يتمنى للناس الخير ويحبه لهم ، كما يتمناه لنفسه ويحبه
ما روى البخاري (13) ، ومسلم (45) ، والنسائي (5017) - واللفظ له -
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ الْكِرْمَانِيّ : وَمِنْ الْإِيمَان أَيْضًا : أَنْ يَبْغَض لِأَخِيهِ مَا يَبْغَض لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّرّ " انتهى .
وننصح بقراءة رسالة الحافظ ابن رجب رحمه الله
: "الفرق بين النصيحة والتعيير" .
وأما النهي عن تتبع عثرات الناس ، وكشف سترهم ، والتجسس عليهم ، والأمر بالانشغال بالنفس ، وإصلاح عيوبها : فكلام حسن ، تشهد له النصوص الشرعية .
وينبغي للمسلم أن يتثبت مما يقول وينقل عن أهل العلم ، حتى لا يقع في الكذب ، من حيث لا يدري .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 05:37
ما صحة قول النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام : ( لتقاتلنّ عليًّا وأنت ظالمٌ له )؟
السؤال:
ورد حديث عن الرسول في أحد الكتب عن موقعة الجمل : أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب ، بهمدان ، ثنا عثمان بن خزرزاذ الأنطاكي ، ثنا ربيعة بن الحارث
حدثني محمد بن سليمان العابد ، ثنا إسماعيل بن أبي حازم قال : " قال علي للزبير : أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار ، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أتحبه ؟ )
فقلت : وما يمنعني ؟
قال : ( أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم ) قال : فرجع الزبير " . زور الكثير من الحقائق في هذه الفترة من قبل أهل الفتنه فهل هذه الحادثة صحيحة ، وهل الحديث الوارد فيها صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث المذكور قد روي من طرق متعددة ، لا يصح منها شيء :
فرواه الحاكم (5575) من طريق مِنْجَاب بْن الْحَارِثِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ قَالَ مِنْجَابٌ: وَسَمِعْتُ فَضْلَ بْنَ فَضَالَةَ، يُحَدِّثُ بِهِ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ،
قَالَ: " شَهِدْتُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ، لَمَّا رَجَعَ الزُّبَيْرُ عَلَى دَابَّتِهِ يَشُقُّ الصُّفُوفَ، فَعَرَضَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
فَقَالَ: ذَكَرَ لِي عَلِيٌّ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ) فَلَا أُقَاتِلُهُ،
قَالَ: وَلِلْقِتَالِ جِئْتَ؟ إِنَّمَا جِئْتَ لِتُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُصْلِحُ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ بِكَ، قَالَ: قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُقَاتِلَ، قَالَ: فَأَعْتِقْ غُلَامَكَ جِرْجِسَ وَقِفْ حَتَّى تُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَأَعْتَقَ غُلَامَهُ جِرْجِسَ وَوَقَفَ فَاخْتَلَفَ أَمَرُ النَّاسِ، فَذَهَبَ عَلَى فَرَسِهِ ".
ولمنجاب بن الحارث فيه إسنادان، وهما ضعيفان ، ففي الأول منهما الأجلح الكندي والد عبد الله ، وهو ضعيف ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وأبو حاتم والنسائي ، وغيرهم .
انظر "التهذيب" (1/165-166) .
وقد رواه البيهقي في "الدلائل" (6/414) من هذا الطريق عن يزيد الفقير عن أبيه ، فزاد : عن أبيه ، وأبوه مجهول لا يعرف ، وهذه علة أخرى في هذا السند .
وفي الإسناد الثاني فضل بن فضالة ، قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (6/158): " لم أجد له ترجمة " .
ثم رواه الحاكم (5574) من طريق أبي قِلَابَةَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مُحَمَّدِ الرَّقَاشِيّ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ به .
وأبو قلابة ضعيف ، قال الدارقطني: صدوق كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، كان يحدث من حفظه فكثرت الأوهام في روايته.
" تهذيب التهذيب " (6 /372) .
وقد خولف فيه ، فرواه أبو يعلى (666) : حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ الرَّقَاشِيِّ
عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي جِرْوٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ ... فذكره .
وهذا أصح ، لأن يعقوب بن إبراهيم ثقة حافظ ، أحفظ وأوثق من أبي قلابة ، فروايته أصح . وقد تابعه جعفر بن سليمان عند الحاكم (5576)، وجعفر ثقة .
وأبو جرو هذا قال الذهبي في " الميزان " (4/510) : " مجهول " .
ورواه الحاكم (5573) من طريق مُحَمَّد بْن سُلَيْمَانَ الْعَابِد، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ به .
وقال الذهبي في تلخيصه : " فيه نظر " .
وعلته محمد بن سليمان ، فهو مجهول .
وقد رواه ابن أبي شيبة (15/282) حدثنا يعلى بن عبيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد السلام رجل من بني حية ، .. فذكره .
وعبد السلام هذا مجهول أيضا
كما قال الذهبي في " الميزان " (2/619)
ولم يسمع من الزبير ولا من عليّ ، كما قال البخاري : " لا يثبت سماعه منهما " .
"الضعفاء" للعقيلي (3 /65) .
ورواه ابن أبي شيبة (7/ 545) من طريق شَرِيك، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: " حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى الزُّبَيْرَ يَقْعَصُ الْخَيْلَ بِالرُّمْحِ قَعْصًا , فَثَوَّبَ بِهِ عَلِيٌّ: يَا عَبْدَ اللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ,
قَالَ: فَأَقْبَلَ حَتَّى الْتَقَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا , قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ , أَتَذْكُرُ يَوْمَ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُنَاجِيكَ فَقَالَ: (أَتُنَاجِيهِ , فَوَاللَّهِ لَيُقَاتِلَنَّكَ يَوْمًا وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ) , قَالَ: فَضَرَبَ الزُّبَيْرُ وَجْهَ دَابَّتِهِ فَانْصَرَفَ " .
وهذا ضعيف أيضا ، شريك هو ابن عبد الله القاضي ، ضعيف سيء الحديث ، وفيه تشيع معروف .
انظر"الميزان" (2/270-272)
ثم هو يرويه عن الأسود بن قيس عن رجل مجهول .
ورواه معمر في "جامعه" (11/241) عن قتادة قال :
" لَمَّا وَلَّى الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ ، بَلَغَ عَلِيًّا فَقَالَ : لَوْ كَانَ ابْنُ صَفِيَّةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ مَا وَلَّى ، قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ: ( أَتُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ؟ )
فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ؟) قَالَ: فَيَرَوْنَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَلَّى لِذَلِكَ ".
وهذا ضعيف لإرساله .
فكل طرق هذا الحديث معلولة ، وقد قال العقيلي: " لَا يُرْوَى هَذَا الْمَتْنُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ "
انتهى من "الضعفاء" (3 /65) .
ولم يخرج الزبير رضي الله عنه ، ولا غيره من الصحابة ، يوم الجمل لإرادة القتال ، وإنما للإصلاح بين الناس ، ولكن وقع القتال بغير اختيارهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" عَامَّةُ السَّابِقِينَ نَدِمُوا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ ، فَنَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجَمَلِ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ فِي الِاقْتِتَالِ
وَلَكِنْ وَقَعَ الِاقْتِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَرَاسَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَصَدُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ ، وَأَنَّهُمْ إِذَا تَمَكَّنُوا طَلَبُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَهْلَ الْفِتْنَةِ
وَكَانَ عَلِيٌّ غَيْرَ رَاضٍ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا مُعِينًا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ فِي يَمِينِهِ، فَخَشِيَ الْقَتَلَةُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ عَلَى إِمْسَاكِ الْقَتَلَةِ
فَحَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَظَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلُوا دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّهُمْ حَمَلُوا عَلَيْهِ، فَحَمَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ
فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَاكِبَةٌ: لَا قَاتَلَتْ، وَلَا أَمَرَتْ بِالْقِتَالِ .
هَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ "
انتهى من"منهاج السنة النبوية" (4/ 316) .
والواجب الكف عما شجر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من خلاف أو قتال ، وهم في ذلك بين مجتهد مصيب له أجران ، ومجتهد مخطئ له أجر ، وخطؤه مغفور له .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-15, 05:42
الكلام على حديث : ( مَنْ صَمَتَ نَجَا ) .
السؤال:
ما هو الفهم الصحيح لحديث "من صمت نجا" ؟
الجواب :
الحمد لله
روى الترمذي (2501)
وأحمد (6481)
والطبراني في "الكبير" (113)
وابن المبارك في "الزهد" (385)
والبيهقي في "الشعب" (4629)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَمَتَ نَجَا ) .
وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (ص996) : " إسناده جيد "
وقال الحافظ في "الفتح" (11/309) : "رواته ثقات"
وقال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص: 653) " شواهده كثيرة "
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/343) : " رواته ثقات " وحسنه محققو المسند ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" ، وكذا صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند .
ومعنى الحديث :
أن الصمت سبب للنجاة ، فمن صمت نجا من آفات اللسان ، وآفات اللسان غير محصورة ، فكان سبيل النجاة والفلاح للعبد الناصح لنفسه أن يتأمل كلامه قبل أن يقوله ، فإن كان فيه خير ، تكلم به
وإلا ففي الصمت منجاة من الإثم ، ومن مغبات جرائر اللسان
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ )
رواه البخاري (6019) ، ومسلم (48).
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" الْكَلَام بِالْخَيْرِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ كُلُّهُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ ، وَإِنَّمَا الصَّمْتُ الْمَحْمُودُ الصَّمْتُ عَنِ الْبَاطِلِ .
" انتهى من التمهيد (22/ 20) .
وقال الغزالي رحمه الله :
"فإن قلت: فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه ؟
فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان ، من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات .
فهذه آفات كثيرة ، وهي سباقة إلى اللسان ، لا تثقل عليه ، ولها حلاوة في القلب ، وعليها بواعث من الطبع ، ومن الشيطان
والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان ، فيطلقه بما يحب ، ويكفه عما لا يحب فإن ذلك من غوامض العلم - كما سيأتي تفصيله - .
ففي الخوض خطر، وفي الصمت سلامة ، فلذلك عظمت فضيلته .
هذا ، مع ما فيه من جمع الهم ، ودوام الوقار ، والفراغ للفكر والذكر والعبادة ، والسلامة من تبعات القول في الدنيا، ومن حسابه في الآخرة، فقد قال الله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عتيد)
ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر، وهو: أن الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة.
أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر.
وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر : فهو فضول، والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران، فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام، وبقي ربع
وهذا الربع فيه خطر ؛ إذ يمتزج بما فيه إثم ، من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام، امتزاجا يخفى دركه فيكون الإنسان به مخاطراً.
ومن عرف دقائق آفات اللسان علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب ، حيث قال (من صمت نجا) ؛ فلقد أوتى والله جواهر الحكم قطعا
وجوامع الكلم ، ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء" .
انتهى من "إحياء علوم الدين" (3/ 111-112) .
والخلاصة
: أن المقصود بالحديث الأمر بالصمت ، إلا عن الخير فهو مأمور به ، كذكر الله تعالى وتعلم العلم وتعليمه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... ونحو ذلك .
والله أعلم.
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 04:26
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تخريج حديث : ( أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمُ .. أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ قَوْمٍ مَا تَوَلَّوْا ؟ ) .
السؤال:
ما صحة هذا الحديث : ( أليس عدلا مني أن أولي كل رجل منكم ما كان يتولاه في الدنيا) ؟
الجواب :
الحمد لله
قال الإمام أبو القاسم الطبراني رحمه الله في "المعجم الكبير" (9763) :
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو غَسَّانَ ، ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، ح .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْحَضْرَمِيُّ، قَالُوا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ الْحَرَّانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ،
عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( يَجْمَعُ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ قِيَامًا ، أَرْبَعِينَ سَنَةً ، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ ، يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ ( ، قَالَ: " وَيَنْزِلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ ،
ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : أَيُّهَا النَّاسُ ؛ أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ نَاسٍ مِنْكُمْ مَا كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ وَيَعْبُدُونَ فِي الدنيا ، أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمْ؟
قَالُوا: ) بَلَى (، قَالَ: ) فَلْيَنْطَلِقْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ ، وَيُمَثَّلُ لَهُمْ أَشْيَاءُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الشَّمْسِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْقَمَرِ، وَإِلَى الْأَوْثَانِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَأَشْبَاهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، قَالَ: وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى
وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، وَيَبْقَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ ،
قَالَ: فَيَتَمَثَّلُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَأَتِيهِمْ فَيَقُولُ: مَا لَكُمْ لَا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ إِنَّ لَنَا لَإِلَهًا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَامَةً إِذَا رَأَيْنَاهَا عَرَفْنَاهَا
قَالَ: فَيَقُولُ: مَا هِي؟، فَيَقُولُونَ: يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ "، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَيَخِرُّ كُلُّ مَنْ كَانَ بِظَهْرِهِ طَبَقٌ، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَياصِيِّ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
وَقَدْ كَانَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ... ( وساق الحديث مطولا بتمامه .
قال الهيثمي في "المجمع" (10/ 343):
" رَوَاهُ كُلَّهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ، وَرِجَالُ أَحَدِهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ " .
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"
: "رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق أحدها صحيح ، واللفظ له والحاكم وقال صحيح الإسناد " .
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3591) .
وقال الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (18/ 492):
قال إسحاق - يعني ابن راهويه - : أخبرنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، ثنا قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْه حَدَّثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْه هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ:
" إِذَا حُشِرَ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَامُوا أَرْبَعِينَ، عَلَى رؤوسهم الشَّمْسُ، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، يَنْتَظِرُونَ الْفَصْلَ كُلُّ بَرٍّ مِنْهُمْ وَفَاجِرٍ، لَا يَتَكَلَّمُ مِنْهُمْ بَشَرٌ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ ثُمَّ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ
أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ قَوْمٍ مَا تَوَلَّوْا ، فَيَقُولُونَ: بَلَى ... " ثم ساق الحديث موقوفا .
وقال الحافظ :
" هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ " .
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة" (8/ 156):
" رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ " .
ومن طريق إسحاق رواه محمد بن نصر في " تعظيم قدر الصلاة " (281)
: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا جَرِيرٌ به .
وكذلك رواه الطبري في "تفسيره" (23/ 557)
والدارقطني في "الرؤية" (164) من طريق الأعمش، عن المنهال بن عمرو به موقوفا .
وهذا أصح من المرفوع ، لكنه في حكمه لأنه لا مجال للرأي فيه ، وابن مسعود رضي الله عنه لا يعرف عنه الأخذ عن أهل الكتاب ، وقد حدث عمر رضي الله عنه بهذا ، فلم ينكره عليه .
وله شواهد في الجملة :
فروى البخاري (6573) ، ومسلم (182) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " قَالَ أُنَاسٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ ، فَقَالَ: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَاب ٌ؟)، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ : (هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟) ، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ
وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُون َ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُم ْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ
هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ ... ) وساق الحديث .
وروى البخاري (7439) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ قَالَ: (هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟) ، قُلْنَا: لاَ،
قَالَ: (فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا) ، ثُمَّ قَالَ: ( يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ
وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟
قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟
فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ
حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟
فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ... ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا لِغَيْرِ اللَّهِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَضُرَّهُ مَحْبُوبُهُ؛ وَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَذَابِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ، وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
يُمَثَّلُ لِأَحَدِهِمْ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتِهِ. يَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ. أَنَا مَالُك. وَكَذَلِكَ نَظَائِرُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: (يَا ابْنَ آدَمَ؛ أَلَيْسَ عَدْلًا مِنِّي أَنْ أُوَلِّيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ فِي الدُّنْيَا؟) .
وَأَصْلُ التَّوَلِّي الْحُبُّ؛ فَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ : وَلَّاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا تَوَلَّاهُ، وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.
فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَالضَّرَرُ حَاصِلٌ لَهُ إنْ وُجِد
أَوْ فُقِدَ ؛ فَإِنْ فُقِدَ عُذِّبَ بِالْفِرَاقِ وَتَأَلَّمَ، وَإِنْ وُجِدَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْأَلَمِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ اللَّذَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالِاعْتِبَارِ وَالِاسْتِقْرَاءِ.
وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَضَرَّتَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ ؛ فَصَارَتْ الْمَخْلُوقَاتُ وَبَالًا عَلَيْهِ ، إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ ، وَفِي اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ كَمَالٌ وَجَمَالٌ لِلْعَبْدِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 28) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 04:31
فضل من حافظ على الصلوات الخمس ، وأداهنّ كما أُمر .
السؤال:
ما صحة هذه الأحاديث من كتاب كنز الأعمال ، وهل يعمل بها ؟
1. " من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئا جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه ، ومن جاء قد انتقص منهن شيئا فليس له عند الله عهد إن شاء رحمه ، وإن شاء عذبه "طس عن عائشة
. 2. " من صلى الصلوات الخمس فأتمهن وأقامهن ، وصلاهن لوقتهن جاء يوم القيامة وله على الله عهد أن لا يعذبه ، ومن لم يصلهن ولم يقمهن جاء يوم القيامة وليس له على الله عهد إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه " ص عن عبادة بن الصامت
. 3. " قال الله عز وجل: إن لعبدي علي عهدا إن أقام الصلاة لوقتها أن لا أعذبه ، وأن أدخله الجنة بغير حساب " ك في تاريخه عن عائشة
الجواب :
الحمد لله
أما حديث عبادة :
فروى أبو داود (1420) ، والنسائي (461) عن عبادة بن الصامت قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ
كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
ورواه أبو داود أيضا (425) ، وأحمد (22704) عن عبادة بلفظ : ( خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ) .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" ، وكذا صححه محققو المسند .
وأما حديث عائشة :
فروى الطبراني في "الأوسط" (4012) من طريق عبْد اللَّهِ بْن أَبِي رُومَانَ الْإِسْكَنْدَرَانِيّ قَالَ : نا عِيسَى بْنُ وَاقِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَة َ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ) فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ ، فَقَالَتْ : مَنْ سَمِعَ هَذَا مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَاللَّهِ مَا بَعُدَ الْعَهْدُ
وَمَا نَسِيتُ، إِنَّمَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ جَاءَ بِصَلَوَاتِ الْخَمْسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَدْ حَافَظَ عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا، لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا شَيْئًا، جَاءَ وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُ
وَمَنْ جَاءَ وَقَدِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ ، إِنْ شَاءَ رَحِمَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ) .
وقال الطبراني عقبه :
" لَمْ يَرْوِه عَنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا عِيسَى ، تَفَرَّدَ بِهِمَا: عَبْدُ اللَّهِ " .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" قلت : وهو المعافري ؛ قال الذهبي : "ضعفه غير واحد ، روى حديثاً كذباً ".
قلت : وأنا أظن أنه يشير إلى هذا الحديث ؛ فإنه ظاهر الكذب ، وقال الحافظ ابن حجر: " وهاه الدارقطني، وقال ابن يونس: وهو ضعيف الحديث ، روى مناكير".
قلت: وشيخه عيسى بن واقد ؛ لم أجد له ترجمة ، وبه أعله الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 293) "
انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (11/ 371) .
والمنكر منه قوله : ( مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ ) .
وأما باقي الحديث ، فله شواهد ، بمعناه ، كما مر في حديث عبادة .
ويشهد له أيضا ما رواه أحمد (18345)
عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: رُكُوعِهِنَّ، وَسُجُودِهِنَّ ، وَوُضُوئِهِنَّ ، وَمَوَاقِيتِهِنَّ ، وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ) أَوْ قَالَ: ( وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) .
وقال محققو المسند : " صحيح بشواهده " .
وروى أبو داود (429) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ ، مَعَ إِيمَانٍ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ : مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ؛ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ
وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ) .
وحسنه الألباني .
وأما حديث عائشة : ( إن لعبدي علي عهدا ، إن أقام الصلاة لوقتها : أن لا أعذبه ، وأن أدخله الجنة بغير حساب ) .
فعزاه المتقي الهندي رحمه الله في " كنز العمال " (7/312) للحاكم في تاريخه .
و" تاريخ نيسابور " للحاكم رحمه الله كتاب عظيم جليل ، ولكنه في عداد ما فقد من أسفار المسلمين ومصنفاتهم ، ولا يوجد حاليا بين أيدي الناس - حسب علمنا - إلا تلخيصه ، لأحمد بن محمد بن الحسن ، المعروف بالخليفة النيسابوي ، وليس فيه هذا الحديث .
وتفرد الحاكم بروايته لهذا الحديث في تاريخه مشعر بضعفه وعدم ثبوته ، وخاصة أن جملة : ( وأن أدخله الجنة بغير حساب ) لم نجد ما يشهد لها ، ويغني عنه عبادة الصحيح المتقدم .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 04:35
تخريج حديث : (إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ، وَسُبَّ أَصْحَابِي، فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
السؤال:
ما مدى صحّة هذا الحديث : ( إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عَلِمَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ اجمعين ) ؟
الجواب :
الحمد لله
قال أبو بكر بن الخلال رحمه الله في "كتاب السنة" (787) :
أَخْبَرَنِي حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكرْمَانِيُّ ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَمَّادُ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَيْصَمٍ ، قَالَ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ، وَسُبَّ أَصْحَابِي، فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
وهذا إسناد ضعيف لا يصح ، محمد بن هيصم مجهول ، لم يرو عنه إلا حماد بن المبارك .
انظر "الجرح والتعديل" (8/ 117) .
وحماد هذا مجهول أيضا .
انظر : "ميزان الاعتدال" (1/599) .
وقد تابع ابنَ هيصم محمدٌ بن عبد المجيد التميمي المفلوج ، قال الذهبي :
" ضعفه محمد بن غالب تمتام ومن مناكيره ... " ثم ساق له هذا الحديث .
"ميزان الاعتدال" (3/ 630) .
وتابعه أيضا محمد بن عبد الرحمن بن رمل ، أخرجه ابن عساكر في تاريخه (54/80)، وابن رمل هذا مجهول لا يعرف ، ترجمه ابن عساكر ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وأخرجه الديلمي ( 1 / 1 / 66 ) من طريقين عن علي بن بندار : حدثنا محمد بن إسحاق الرملي حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم به .
وهشام فيه ضعف ، والرملي لم أعرفه ، وابن بندار صوفي متهم عند محمد بن طاهر ، وضعفه غيره "
انتهى من"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4 /15) .
ورواه ابن ماجة (263)
والبخاري في "التاريخ" (3/197)
والخطيب في "تاريخ بغداد" (11/144)
وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (17/6) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَمَنْ كَتَمَ حَدِيثًا فَقَدْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) .
قال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (1507) : " ضعيف جدا " .
وذكر الشيخ حديث معاذ المتقدم في "الضعيفة" (1506)، وقال : " منكر " .
والخلاصة : أن هذا الحديث لا يصح ، وقد أطلق عليه النكارة الحافظ الذهبي ، والشيخ الألباني ، رحمهما الله .
ولا شك أن البدع لا تحارب بمثل العلم ، وما ظهرت البدع إلا بسبب الجهل وقلة العلم ، وكلما ظهر العلم وكثر العلماء : انقمعت البدعة وأهلها .
ومتى ظهرت البدعة فعلى العالم إنكارها وإظهار ما عنده من العلم مما ينهى عنها.
وقد قيل : "مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا، حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا "
انتهى من "تفسير البغوي" (2/ 149) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 04:40
: أثر عن عمر في : أيّ آي القرآن أحكم ؟ وأيّ آي القرآن أجمع ؟ وأيّ آي القرآن أرجى ؟
السؤال:
ما صحة هذه القصة ؟ "
التقى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بمسافرين في طريق سفره ، والليل مخيم ، ويحجب الرَّكب بظلامه ، وكان في الرَّكب عبدالله بن مسعود ، فأمر عمر رجلاً أن يناديهم : من أين القوم؟
فأجاب عبدالله بن مسعود - وعمر بن الخطاب لا يعلم من هو - من الفج العميق ، فقال عمر: وأين تريدون ؟
، فقال عبدالله : البيت العتيق ، فقال عمر: إن فيهم عالماً ، وأمر رجلاً فناداهم : أي القرآن أعظم ؟
فأجاب عبدالله بن مسعود : (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ، فقال عمر: نادهم أي القرآن أحكم ؟ فأجاب عبدالله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى)، فقال عمر: نادهم أي القرآن أجمع ؟
فأجاب عبدالله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره)، فقال عمر: نادهم أي القرآن أخوف؟
فأجاب عبدالله (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا)، فقال عمر: نادهم أي القرآن أرجى؟
فأجاب عبدالله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم)، قال عمر: نادهم أفيكم عبدالله بن مسعود؟ قالوا: اللهم نعم " .
الجواب :
الحمد لله
هذا الأثر رواه بتمامه الحافظ أبو الطاهر السِّلَفي رحمه الله في "الطيوريات" (173) فقال :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ بِمِصْرَ، حدثنا محمد بن الْحَسَنِ بْنِ دُرَيد، ثنا الْعُكْلِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَكْبًا فِي سَفَرٍ لَيْلا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ رَجُلا يُنَادِيهِمْ: مِنْ أَيْنَ الْقَوْمُ؟ فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَقْبَلْنَا مِنَ الْفَجِّ الْعَمِيقِ. فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْبَيْتُ الْعَتِيقُ.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ فِيهِمْ لَعَالِمًا، فَأَمَرَ رَجُلا يُنَادِيهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ؟ فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ، قَالَ: نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَحْكَمُ؟
فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) فَقَالَ: نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَجْمَعُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
فَقَالَ عُمَرُ: نَادِهِمْ، أَيُّ الْقُرْآنِ أَحْزَنُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) الآيَةَ، فقَالَ عُمَرُ: نَادِهِمْ: أَيُّ الْقُرْآنِ أَرْجَى؟
فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) الآيَةَ، قَالَ عُمَرُ: نَادِهِمْ، أَفِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ " .
وهذا إسناد ضعيف جداً .
- ابن دريد : قال الدارقطني: تكلموا فيه. وقال أبو منصور الأزهري : دخلت على ابن دريد فرأيته سكران .
وقال مسلمة بن القاسم: كان كثير الرواية للأخبار وأيام الناس والأنساب، غير أنه لم يكن ثقة عند جميعهم، وكان خليعا .
"لسان الميزان" (5 /133) .
- العكلي : لم نجد له ترجمة .
- الهيثم بن عدي : كذبه ابن معين ، والبخاري ، وأبو داود .
وقال النسائي وغيره: متروك الحديث.
انظر: "ميزان الاعتدال" (4 /324) .
- مجالد ، هو ابن سعيد ، ضعيف الحديث ، ضعفه ابن مهدي، ويحيى بن سعيد ، وأحمد بن حنبل ، وابن معين ، وابن سعد ، وغيرهم
انظر "التهذيب" (10/37) .
- الشعبي ، عامر بن شراحيل ، لم يسمع من ابن مسعود كما قال أبو حاتم ، والدارقطني ، والحاكم ، كما في "التهذيب" (5/60) ، وبالأحرى لم يسمع من عمر ، وقد صرح بذلك المزي
في "تهذيب الكمال" (14 /30).
وهذا الأثر رواه ـ أيضا ـ عبد الرزاق في "تفسيره" (3/ 449) ، فقال :
قَالَ مَعْمَرٌ ، وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِهِ رَكْبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ مَنْ هُمْ؟ فَقَالُوا: جِئْنَا مِنَ الْفَجِّ الْعَمِيقِ ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نَؤُمُّ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ
قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ لِهَؤُلَاءِ لَنَبَأٌ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَحْكَمُ؟ قَالُوا: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) قَالَ: فَأَيُّ آيَةٍ أَعْدَلُ؟ قَالُوا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) قَالَ: فَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ؟ فَقَالُوا: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قَالَ: فَأَيُّ آيَةٍ أَرْجَى؟
قَالُوا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) قَالَ: فَأَيُّ آيَةٍ أَخْوَفُ؟ قَالُوا: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) قَالَ: سَلْهُمْ أَفِيهِمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ .
وهذا إسناد منقطع ، فمعمر ، هو ابن راشد ، وهو من كبار أتباع التابعين ، ولد سنة 95 ه أو التي بعدها ، فبينه وبين عمر رضي الله عنه رجلان على الأقل
انظر: "التقريب" (ص75) ، " سير أعلام النبلاء " (7/5) .
وقد روى عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 390) هذا الأثر مختصرا مغايرا لهذا السياق، فقال :
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْبًا يُرِيدُونَ الْبَيْتَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَأَجَابَهُمْ أَحْدَثُهُمْ سِنًّا، فَقَالَ: عِبَادُ اللَّهِ الْمُسْلِمُونَ . قَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟
قَالَ: مِنَ الْفَجِّ الْعَمِيقِ . قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالَ: الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، قَالَ عُمَرُ: تَأَوَّلَهَا لَعَمْرُ اللَّهِ ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَمِيرُكُمْ؟ فَأَشَارَ إِلَى شَيْخٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَنْتَ أَمِيرُهُمْ ، لِأَحْدَثِهِمْ سِنًّا ، الَّذِي أَجَابَهُ بِجَيِّدٍ .
وهذا إسناد صحيح متصل .
والخلاصة :
أن هذا الأثر بتمامه لا يصح سنده ، وإنما صح مختصرا ، ليس فيه ابن مسعود ، وسياقه مختلف تماما عن المذكور في السؤال .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-18, 04:47
قصة شداد بن عاد ، وبيان بطلانها .
السؤال:
ورد في الأثر أنّ شداد مات قبل أن يدخل جنته ، فهل يعرف الآن مكان هذه الجنة ؟
الجواب :
الحمد لله
ذكر بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) الفجر/ 6 - 8
أن شداد بن عاد كان ملكا ذا بأس شديد ، ولما سمع بذكر جنة عدن التي وعد الله عباده المؤمنين قال : أبني في الأرض مثلها ، فبنى مدينة عظيمة هائلة
فلما أتم بناءها ، وسار إليها بأهل مملكته بعث الله عليها صيحة من السماء فهلكوا أجمعين ، ولم يدخلها شداد بن عاد هذا ولا من معه ، وصار خبر هذه المدينة وخبر هذا الملك من آيات الله في عباده وبلاده .
قال القرطبي رحمه الله :
" وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِعَادٍ ابْنَانِ: شَدَّادٌ وَشَدِيدٌ، فَمَلَكَا وَقَهَرَا، ثُمَّ مَاتَ شَدِيدٌ، وَخَلَصَ الْأَمْرُ لِشَدَّادٍ فَمَلَكَ الدُّنْيَا، وَدَانَتْ لَهُ مُلُوكُهَا، فَسَمِعَ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ
فَقَالَ: أَبْنِي مِثْلَهَا. فَبَنَى إِرَمَ في بعض صحاري عدن ، في ثلاثمائة سَنَةٍ ، وَكَانَ عُمُرُهُ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ. وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ، قُصُورُهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَسَاطِينُهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ
وَفِيهَا أَصْنَافُ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ. وَلَمَّا تَمَّ بِنَاؤُهَا سَارَ إِلَيْهَا بِأَهْلِ مَمْلَكَتِهِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً مِنَ السَّمَاءِ فَهَلَكُوا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قِلَابَةَ : أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِمَّا ثَمَّ، وَبَلَغَ خَبَرُهُ مُعَاوِيَةَ فَاسْتَحْضَرَهُ، فَقَصَّ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَى كَعْبٍ فَسَأَلَهُ
فَقَالَ: هِيَ إِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ، وَسَيَدْخُلُهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِكَ، أَحْمَرُ أَشْقَرُ قَصِيرٌ، عَلَى حَاجِبِهِ خَالٌ، وَعَلَى عَقِبِهِ خَالٌ، يَخْرُجُ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَبْصَرَ ابْنَ قِلَابَةَ، وَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ " .
انتهى من "تفسير القرطبي" (20/ 47)
وقد أنكر العلماء المحققون هذه القصة ، وعدوها من خرافات القصاصين والمفسرين، ومما أخذوه عن كَذَبة بني إسرائيل .
قال ابن كثير رحمه الله :
" الْمُرَادُ إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِهْلَاكِ الْقَبِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِعَادٍ، وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ الَّذِي لَا يُرَد، لَا أَنَّ المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم.
وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، مِنْ ذِكْرِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ، قُصُورُهَا وَدَوْرُهَا وَبَسَاتِينُهَا، وَإِنَّ حَصْبَاءَهَا لَآلِئٌ وَجَوَاهِرُ، وَتُرَابُهَا بَنَادِقُ الْمِسْكِ، وَأَنْهَارُهَا سَارِحَةٌ، وَثِمَارُهَا سَاقِطَةٌ، وَدُورُهَا لَا أَنِيسَ بِهَا
وَسُورُهَا وَأَبْوَابُهَا تَصْفَرُّ، لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ. وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ فَتَارَةٌ تَكُونُ بِأَرْضِ الشَّامِ، وَتَارَةٌ بِالْيَمَنِ، وَتَارَةٌ بِالْعِرَاقِ، وَتَارَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ -فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ خُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ
مِنْ وَضْعِ بَعْضِ زَنَادِقَتِهِمْ، لِيَخْتَبِرُوا بِذَلِكَ عُقُولَ الْجَهَلَةِ مِنَ النَّاسِ أَنْ تُصَدِّقَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ -وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قِلابة-فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ ذَهَبَ فِي طَلَبِ أَبَاعِرَ لَهُ شَرَدَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتِيهُ فِي ابْتِغَائِهَا
إِذْ طَلَعَ عَلَى مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ لَهَا سُورٌ وَأَبْوَابٌ، فَدَخَلَهَا فَوَجَدَ فِيهَا قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَدِينَةِ الذَّهَبِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَأَنَّهُ رَجَعَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ، فَذَهَبُوا مَعَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قِصَّةَ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ هَاهُنَا مُطَوَّلَةً جِدًّا !!
فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ لَيْسَ يَصِحُّ إِسْنَادُهَا، وَلَوْ صَحَّ إِلَى ذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ ، فَقَدْ يَكُونُ اخْتَلَقَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ أَصَابَهُ نَوْعٌ مِنَ الهَوَس وَالْخَبَالِ ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ.
وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا يُخْبِرُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالطَّامِعِينَ وَالْمُتَحَيِّلِينَ، مِنْ وُجُودِ مَطَالِبَ تَحْتَ الْأَرْضِ، فِيهَا قَنَاطِيرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَلْوَانِ الْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللَّآلِئِ وَالْإِكْسِيرِ الْكَبِيرِ
لَكِنْ عَلَيْهَا مَوَانِعُ تَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا وَالْأَخْذِ مِنْهَا، فَيَحْتَالُونَ عَلَى أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ وَالضَّعَفَةِ وَالسُّفَهَاءِ، فَيَأْكُلُونَهَا بِالْبَاطِلِ ، فِي صَرْفِهَا فِي بَخَاخِيرَ وَعَقَاقِيرَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانَاتِ
ويَطْنزون بِهِمْ [أي يسخرون ويستهزؤون بهم] .
وَالَّذِي يُجْزَمُ بِهِ أَنَّ فِي الْأَرْضِ دَفَائِنَ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامِيَّةً ، وَكُنُوزًا كَثِيرَةً، مَنْ ظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَمْكَنَهُ تَحْوِيلُهُ .
فَأَمَّا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي زَعَمُوهَا : فَكَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ وَبُهْتٌ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يَقُولُونَ إِلَّا عَنْ نَقْلِهِمْ ، أَوْ نَقْلِ مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْهَادِي لِلصَّوَابِ " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/ 395-396) .
وقال ابن خلدون رحمه الله :
" وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسّرون في تفسير سورة «والفجر»
في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ) فيجعلون لفظة إرم اسما لمدينة وصفت بأنّها ذات عماد أي أساطين .... "
.
وذكر مثل ما ذكره القرطبي ، ثم قال :
" وهذه المدينة لم يسمع لها خبر من يومئذ في شيء من بقاع الأرض .
وصحارى عدن الّتي زعموا أنّها بنيت فيها : هي في وسط اليمن، وما زال عمرانه متعاقبا، والأدلّاء تقصّ طرقه من كلّ وجه، ولم ينقل عن هذه المدينة خبر، ولا ذكرها أحد من الأخباريـّين ولا من الأمم .
ولو قالوا إنّها درست فيما درس من الآثار لكان أشبه ، إلّا أنّ ظاهر كلامهم أنّها موجودة، وبعضهم يقول إنّها دمشق ، بناء على أنّ قوم عاد ملكوها
وقد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى أنّها غائبة ، وإنّما يعثر عليها أهل الرّياضة والسّحر، مزاعم كلّها أشبه بالخرافات "
.
انتهى من "تاريخ ابن خلدون" (1/ 18-19) .
والحاصل :
أن قصة شداد بن عاد ، ومدينته التي بناها : هي خرافة من خرافات القصاص والأخباريين ، ليس لذكرها أصل صحيح يعتمد عليه .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
ابن الجزائر11
2018-08-18, 14:50
بارك الله فيك أخي
*عبدالرحمن*
2018-08-20, 05:57
بارك الله فيك أخي
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اسعدني حضورك المميز مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما
بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير
*عبدالرحمن*
2018-08-20, 05:57
قصة أبي قدامة مع المرأة التي أعطته شعرها ليجعله قيدا لفرسه في سبيل الله .
السؤال :
هناك قصة عن أبي قدامة مع إحدى النساء وولدها ، وأبو قدامة رجل عاش في العراق في القرن العاشر وحارب ضد النصارى ، فهل لديكم سيرة ذاتيه كاملة لأبي قدامة ؟
الجواب :
الحمد لله
هذه القصة ذكرها بعض المؤرخين
كابن الجوزي رحمه الله في كتابه "صفوة الصفوة" (2/363) ، قال : " بلغنا عن أبي قدامة الشامي قال : كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات ، فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس إلى الغزو ورغبتهم في الثواب
وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها ، ثم تفرق الناس وركبت فرسي وسرت إلى منزلي ، فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تنادي: يا أبا قدامة ، فقلت: هذه مكيدة من الشيطان
فمضيت ولم أجب ، ما هكذا كان الصالحون ، فوقفت ، فجاءت ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية ، فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها مكتوب: إنك دعوتنا إلى الجهاد ورغبتنا في الثواب
ولا قدرة لي على ذلك ، فقطعت أحسن ما فيّ، وهما ضفيرتاي ، وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك ، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي .
فلما كانت صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل فتقدمت إليه وقلت: يا فتى أنت غلام غر راجل ، ولا آمن أن تجول الخيل فتطأك بأرجلها ، فارجع عن موضعك هذا .
فقال: أتأمرني بالرجوع ؟
وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الأنفال/15-16 .
فحملته على هجين كان معي فقال: يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم فقلت: أهذا وقت قرض؟ فما زال يلح علي حتى قلت بشرط : إن منّ الله بالشهادة أكون في شفاعتك
قال: نعم ، فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهماً في قوسه وقال: السلام عليك يا أبا قدامة ، ورمى به فقتل رومياً. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك يا أبا قدامة فقتل رومياً ، ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك سلام مودع .
فجاءه سهم فوقع بين عينيه فوضع رأسه على قربوس سرجه ، فتقدمت إليه وقلت: لا تنسها. فقال: نعم ، ولكن لي إليك حاجة: إذا دخلت المدينة فأت والدتي وسلم خرجي إليها وأخبرها،
فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك ، وسلم عليها فإنها العام الأول أصيبت بوالدي ، وفي هذا العام بي ، ثم مات " .
وذكر القصة إلى آخرها .
ولم نجد لهذه الحكاية إسنادا ينظر فيه ، فابن الجوزي رحمه الله لم يذكر إسنادها وإنما قال : بلغنا ، فمن الذي أبلغه ؟ ولا نعلم من هو أبو قدامة صاحب هذه القصة ، وعباراتها وسياقها يوحي بعدم صحتها .
وكثير من هذه الحكايات يكون من نسج القصاصين ، يحثون الناس بها على الجهاد وأعمال الخير ، ولا يصلح الكذب في جد ولا هزل .
وقد أغنى الله عز وجل عباده عن الأقاصيص التي لا تثبت ، والحكايات التي لا نعرف لها أصلا، بالقصص الحق ، أحسن القصص ، وخير الكلام ، فقال تعالى : (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) آل عمران/ 62
وقال عز وجل : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) يوسف/ 3 .
وآيات الكتاب الحكيم ، وأحاديث السنة الصحيحة ، في أبواب الجهاد والبذل في سبيل الله كثيرة لا تحصى ، وفيها الغنية والكفاية ، وفي أخبار الصالحين والمجاهدين
أهل الخير والمعروف والجهاد من سلف هذه الأمة وأعلامها ، ما يغني عن هذه الحكايات .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-20, 06:06
تخريج حديث عوف بن مالك الأشجعي في فضل " لا حول ولا قوة إلا بالله " ، وسبب نزول قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ).
السؤال
ما صحة هذا الحديث ؟
ذهب عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال له: يا رسول الله ، إن ابني مالكًا ذهب معك غازيًا في سبيل الله ولم يعد ، فماذا أصنع ؟
لقد عاد الجيش ولم يعد مالك ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( يا عوف ، أكثر أنت وزوجك من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فذهب الرجل إلى زوجته التي ذهب وحيدها ولم يعد، فقالت له: ماذا أ
عطاك رسول الله يا عوف؟
قال لها: أوصاني أنا وأنتِ بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، فماذا قالت المرأة المؤمنة الصابرة ؟
قالت: لقد صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وجلسا يذكران الله بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ، وأقبل الليل بظلامه ، وطُرِق الباب، وقام عوف ليفتح فإذا بابنه مالك قد عاد
ووراءه رؤوس الأغنام ساقها غنيمة ، فسأله أبوه : ما هذا ؟
قال: إن القوم قد أخذوني وقيّدوني بالحديد وشدّوا وثاقي ، فلما جاء الليل حاولت الهروب فلم أستطع لضيق الحديد وثقله في يدي وقدمي وفجأة شعرت بحلقات الحديد تتّسع شيئًا فشيئًا حتى أخرجت منها يديّ وقدميّ ، وجئت إليكم بغنائم المشركين هذه ، فقال له عوف: يا بني ، إن المسافة بيننا وبين العدو طويلة
، فكيف قطعتها في ليلة واحدة ؟! ، فقال له ابنه مالك: يا أبت، والله عندما خرجت من السلاسل شعرت وكأن الملائكة تحملني على جناحيها، سبحان الله العظيم! ، وذهب عوف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليخبره
وقبل أن يخبره قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: أبشر يا عوف ، فقد أنزل الله في شأنك قرآنًا: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح من جميع طرقه .
روى الطبراني في "الدعاء" (1672) من طريق الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا ابْنِي وَإِنَّهُمْ يُكَلِّفُونَهُ مِنَ الْفِدَاءِ مَا لَا نُطِيقُ، قَالَ: ( ابْعَثْ إِلَى ابْنِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) قَالَ: فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ فَقَالَهَا، فَغَفَلَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ
فَاسْتَاقَ خَمْسِينَ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِهِمْ فَقَعَدَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْهَا حَتَّى أَتَى بِهَا أَبَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 3 .
وهذا حديث موضوع ، فإن الكلبي كذاب .
قال سفيان : قال لى الكلبي : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب .
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل : يحل النظر في تفسير الكلبى ؟ قال: لا.
وقال ابن حبان : مذهبه في الدين ، ووضوح الكذب فيه : أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، يروى عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير
وأبو صالح لم ير ابن عباس ، ولا سمع الكلبى من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف ، لا يحل ذكره في الكتب ، فكيف الاحتجاج به ؟!"
انتهى "ميزان الاعتدال" (3 /557-559) .
ورواه الخطيب في "تاريخه" (10/118)
من طريق إسماعيل بن زياد السكوني ، عن جويبر عن الضّحاك عن ابن عبّاس .
وإسماعيل .. قال عنه ابن حبان : " شيخ دجال لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه "
انتهى من " ميزان الاعتدال" (1/ 230) .
وجويبر هو ابن سعيد الأزدي ، متروك
كما قال الدارقطني والنسائي وغيرهما ، وضعفه ابن المديني جدا .
"ميزان الاعتدال" (2/222) ، "التهذيب" (2/106) .
والضحاك لم يلق ابن عباس .
وله شاهد يرويه أبو الحسن النيسابوري في "أسباب النزول" (ص 457).
وفي إسناده عبيد بن كثير العامري : قال الأزدي والدارقطني: متروك الحديث.
" ميزان الاعتدال " (3/ 23) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : جَاءَ مَالِكٌ الْأَشْجَعِيُّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لَهُ: أُسِرَ ابْنِي عَوْفٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( أَرْسِلْ إِلَيْهِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أَنْ تُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) ... فذكر الحديث ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/ 170) .
وهذا معضل .
وقال الثعلبي في "تفسيره" (9/ 336) ، وتبعه البغوي في " تفسيره " (5/109) :
" قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي
وذلك أنّ المشركين أسروا ابنا له يسمّى : سالما، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ العدوّ أسر ابني وشكا إليه أيضا الفاقة
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( ما أمسى عند آل محمد إلّا مُدٌّ ، فاتّق الله واصبر ، وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلّا بالله) .
وروى ابن جرير (23/ 447) عن السدي : " أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عوف الأشجعي ، كان له ابن ، وأن المشركين أسروه
فكان فيهم ، فكان أبوه يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فيشكو إليه مكان ابنه ، وحاله التي هو بها وحاجته ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ويقول له: إن الله سيجعل له مخرجا
فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا إذ انفلت ابنه من أيدي العدو، فمر بغنم من أغنام العدو فاستاقها، فجاء بها إلى أبيه ، وجاء معه بغنى قد أصابه من الغنم ،
فنزلت هذه الآية: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
ثم رواه بنحوه عن سالم بن أبي الجعد ، ليس فيه ذكر : " لا حول ولا قوة إلا بالله "
وهذان مرسلان .
وروى الحاكم (1993) ، والبيهقي في "الدلائل" (6/106) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُرَاهُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِي فُلَانٍ أَغَارُوا عَلَيَّ فَذَهَبُوا بِابْنِي وَإِبِلِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كَذَا وَكَذَا أَهْلَ بَيْتٍ - وَأَظُنُّهُ قَالَ تِسْعَةَ أَبْيَاتٍ - مَا فِيهِمْ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَلَا مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، فَاسْأَلِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) ، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، قَالَتْ: مَا رَدَّ عَلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَأَخْبَرَهَا، قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثِ الرَّجُلُ أَنْ رُدَّ عَلَيْهِ إِبِلُهُ، وَابْنَهُ أَوْفَرَ مَا كَانُوا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، " فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ بِمَسْأَلَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالرَّغْبَةَ إِلَيْهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ) .
وليس فيه : " لا حول ولا قوة إلا بالله " .
وإسناده ضعيف ، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه .
ثم رواه البيهقي عن أبي عبيدة مرسلا بدون ذكر أبيه .
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (972) .
والخلاصة :
أنه حديث ضعيف من جميع طرقه، وبعضها أشد ضعفا من بعض ، وخاصة مع ذكر الحوقلة.
واللفظ الذي ذكره السائل فيه زيادات لم نرها في شيء من طرق الحديث .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-20, 06:23
هل الكذب أشد من الزنا ؟
السؤال:
قرأت الحديث التالي : " المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألفا من الملائكة ، وخرج من قبله نتن حتى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش ، وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن زنى مع أمه"
فهل هذا الحديث ينطبق على المؤمن الذي اعتاد الكذب أم على أي شخص كذب على العمو م؟
وهل هذا الحديث يعني أنّ الكذب أعظم من الزنا ؟
وهل يمكننا القول عن كل شخص كذب أو يكذب أنه زنا 70 زنية ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الكذب من صفات المنافقين ، وهو خلق ذميم ، يحضّ على الشر ، ويمنع من الخير ، وقد روى البخاري (6094) ، ومسلم (2607)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا
وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) .
وأشد الكذب : الكذب على الله ورسوله ، ثم الكذب بين الناس للإفساد بينهم ، واعتياد الكذب في الحديث من صفات المنافقين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ،
وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) رواه البخاري (34) ، ومسلم (58).
والواجب على من كذب - ولو كذبة واحدة - أن يتوب إلى الله تعالى
فقد روى الترمذي (1973) عن عائشة قالت : ، ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة " وصححه الألباني في "الصحيحة" (2052) .
ثانيا :
هذا الحديث الوارد في السؤال لم نجد له أصلا – بعد البحث – والظاهر أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ذكر العلماء أن من علامات الحديث الموضوع : المبالغة في ذكر الثواب أو العقاب على عمل من الأعمال ، وهذا الحديث كذلك .
والأصل أن الزنا أشد من الكذب في حديث الناس ، ولهذا جاء مرتبا ، بعد الشرك بالله
وقتل النفس في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) النور/68 .
وجاء في الزنا ـ أيضا ـ من العقوبة في الدنيا (الحد) ، والوعيد في الآخرة ، ما لم يأت مثله في الكذب ، إلا أن بعض أفراد الكذب أشد من الزنا وغيره من الموبقات ، كالكذب على الله ورسوله
قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ) يونس/ 69 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر : (من كذب علي متعمدا فيتبوأ مقعده من النار) .
أما القول بأن مطلق الكذب أشد من الزنا : فباطل ، فضلا عن أن يقال : أشد من سبعين زنية ، أهونها كمن زنى بأمه ؛ فهذا من أسمج المقال ، وأبين الكذب والمحال !!
وأما ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" (27/ 241) عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله هل يزني المؤمن ؟ ، قال: ( قد يكون ذاك ) .
قال: هل يسرق المؤمن؟ ، قال: ( قد يكون ذاك ) .
قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: ( لا ، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون ) " .
فحديث باطل ، في إسناده يعلى بن الأشدق ، قال ابن حبان: وضعوا له أحاديث فحدث بها ولم يدر ، وقال أبو زرعة: ليس بشيء ؛ لا يصدق.
"ميزان الاعتدال" (4/ 457)
وذكره الألباني في الضعيفة (5521) وقال : " موضوع " .
ومثل ذلك : حديث صفوان بن سليم : " قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَاناً؟
فَقَالَ: (نَعَمْ) .
فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً ؟
فَقَالَ: (نَعَمْ) .
فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّاباً ؟
فَقَالَ: (لاَ) " .
رواه مالك (3630) وهو مرسل ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1752).
والخلاصة :
أن هذا الكلام المذكور ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ثم هو كلام باطل في نفسه ؛ فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-20, 06:42
حديث : ( من أتى الجمعة والإمام يخطب كانت له ظهرا ) حديث ضعيف لا يصح .
السؤال:
هناك حديث يتداوله الناس فيما بينهم مفاده أن من جاء بعد الخطيب يوم الجمعة فلا جمعة له، وأظنه في ابن ماجه ، فما تخريجه وما صحته ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
هذا الحديث المشار إليه في السؤال حديث ضعيف لا يصح ، رواه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله في "تاريخ دمشق" (24/ 32):
قرأت على أبي الحسن علي بن المسلم الفقيه ، عن عبد العزيز بن أحمد أنبأ تمام بن محمد حدثني أبو الفتح صدقة بن محمد بن محمد بن محمد بن خالد بن معتوق الهمذاني
من أهل عين ثرماء نا أبو الجهم بن طلاب نا يوسف بن عمر نا سعيد بن المغيرة نا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى الجمعة والإمام يخطب كانت له ظهرا )
وهذا إسناد ضعيف
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" أورده - يعني ابن عساكر- في ترجمة أبي الفتح هذا، ولم يذكر فيه أكثر من هذا الحديث.
وأبو الجهم بن طلاب وشيخه يوسف بن عمر؛ لم أجد لهما ترجمة. وبقية الرجال ثقات " .
انتهى من "السلسلة الضعيفة" (10/31) .
وليس هذا الحديث عند ابن ماجة ولا غيره من أئمة السنة ، ولم نجده إلا عند ابن عساكر في تاريخه .
ثانيا :
أما من حيث الحكم ؛ فالواجب على كل من سمع النداء الثاني للجمعة ، ممن تجب عليه : أن يسعى إلى الصلاة ، ولا يجوز له التخلف عن حضور الخطبة إلا لعذر
ومن كان منزله بعيداً ، وجب عليه أن يسعى لها قبل النداء ليدرك الخطبة والصلاة ؛ لأن إدراكهما واجب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
فمن أتى الجمعة والإمام يخطب : فإن كان تأخره لعذر : فلا إثم عليه .
وإن كان تأخره لغير عذر : فقد أثم ، وجمعته صحيحة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الجمعة: 9]
فأمر بالسعي إلى ذكر الله من حين النداء، وبالتواتر القطعي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب ، إذاً فالسعي إلى الخطبة واجب
وما كان السعي إليه واجباً فهو واجب ؛ لأن السعي وسيلة إلى إدراكه وتحصيله، فإذا وجبت الوسيلة وجبت الغاية."
انتهى من "الشرح الممتع" (5/51) .
وقال أيضا :
" وفي هذا دليل على أن الخطبة تسمى ذكراً ونستفيد من هذه الفائدة وجوب حضور الخطبة واستماعها لقول الله تعالى : (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فنقول (إلى ذكر الله) أ
ي : إلى الخطبة ، فيستدل به على وجوب حضور خطبة الجمعة والاستماع إليها."
انتهى من "التعليق على الكافي" (2/221) الشاملة .
وقد سئل الشيخ رحمه الله :
" بعض الناس هداهم الله عندما يخطب الخطيب يكونون في خارج المسجد يتكلمون بالكلام ، بل يضحكون والخطيب يخطب ، ولا يزالون على ذلك خارج المسجد حتى تقام الصلاة فيدخلون المسجد ولم يسمعوا الخطبة
علماً أنهم يفعلون ذلك دائماً في صلاة الجمعة ؟ " .
فأجاب :
" هذا حرام عليهم ، لا يجوز للإنسان إذا سمع الأذان الذي يكون عند مجيء الإمام أن يتأخر، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة:9]
فأمر بالسعي إلى ذكر الله ، وأمر باجتناب البيع مع أن البيع فيه مصلحة فكيف إذا لم يكن فيه مصلحة ؟!! ثم إن الواجب عليهم إذا سمعوا الخطيب الذي يريدون أن يصلوا معه أن ينصتوا سواء كانوا في المسجد أو خارج المسجد ، فإن لم يفعلوا فإنهم يحرمون من أجر الجمعة
قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) وقال: (الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال له : أنصت ، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له ) .
فعلى هؤلاء: إذا حضر الإمام أن يدخلوا المسجد ويصلوا ركعتين ، ولو كان المؤذن يؤذن، ثم يجلسوا لينصتوا للخطبة "
انتهى من "اللقاء الشهري" (40/27) .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-27, 15:50
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل يجلس في طرف الصف الأول بعيدا عن الخطيب يوم الجمعة ، أم يجلس أمامه في الصف الثاني أو الثالث ؟
السؤال:
قرأت حديثا أن من قعد بالقرب من الخطيب يوم الجمعة أجلسه الله في مكان قريب منه يوم القيامة ، يوم يخرج على عباده في كل جمعة
وهنا أتساءل: ماذا لو كان المسجد عريضا، وجئت مبكرا ووجدت لي مكانا في الصف الأول مما يلي إحدى الزوايا بعيدا عن الخطيب
فأيهما أفضل في هذه الحالة الجلوس في الصف الأول وان ابتعد عن الخطيب أم في الصف الثاني أو الثالث أمام الخطيب مباشرة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
جاءت الرواية بأن جلوس الناس يوم القيامة من الله عز وجل على قدر ذهابهم إلى الجمعة ؛ ولكن المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : إسناده ضعيف .
وورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، من قوله ، وهو يدل على أن المرفوع له أصل.
روى ابن ماجة (1094) عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: " خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ ثَلَاثَةً وَقَدْ سَبَقُوهُ ، فَقَالَ: رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
( إِنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إِلَى الْجُمُعَاتِ ، الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ) ، ثُمَّ قَالَ: "رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ" وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجة"
وروى الطبرني في "الكبير" (9169) عن ابن مسعود قال : " سَارِعُوا إِلَى الْجُمَعِ ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْرُزُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ، فَيَكُونُوا مِنَ الْقُرْبِ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ " .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدة طرق لهذا الأثر عن ابن مسعود ، ثم قال :
" وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا نَبِيٌّ، أَوْ مَنْ أَخَذَهُ عَنْ نَبِيٍّ ، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، لِوُجُوهِ:
(أَحَدُهَا) : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا يُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُحَدِّثَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْيَهُودُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ حُكْمًا.
(الثَّانِي) : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُصُوصًا، كَانَ مِنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنْكَارًا لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
(الثَّالِثُ) : أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لَنَا، وَالتَّبْكِيرُ فِيهَا لَيْسَ إلَّا فِي شَرِيعَتِنَا، فَيَبْعُدُ مِثْلُ أَخْذِ هَذَا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَيَبْعُدُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ يُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ
وَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِكِتْمَانِ الْعِلْمِ وَالْبُخْلِ بِهِ وَحَسَدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " .
ثم ذكر حديث ابن ماجة المتقدم ، ثم قال :
" وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِي قَوْلِهِ: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: السَّابِقُونَ فِي الدُّنْيَا إلَى الْجُمُعَاتِ هُمْ السَّابِقُونَ فِي يَوْمِ الْمَزِيدِ فِي الْآخِرَةِ أَوْ كَمَا قَالَ "
انتهى من"مجموع الفتاوى" (6/ 405-406) .
وظاهرٌ أن هذه الفضيلة عُلِّقت على التبكير إلى صلاة الجمعة والمسارعة إليها .
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على التبكير إلى صلاة الجمعة ، منها :
ما رواه البخاري (881) ، ومسلم (850) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ
فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ
فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) .
وقد جاء الأمر بالدنو من الإمام في بعض الأحاديث .
روى أبو داود (1108) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( احْضُرُوا الذِّكْرَ ، وَادْنُوا مِنَ الْإِمَامِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنْ دَخَلَهَا) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
والمراد من ذلك الدنو : الحث على الصلاة في الصف الأول .
قال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (1/251) : "(وادنوا من الإمام) أي : اقتربوا منه ، بأن تكونوا في الصف الأول ، بحيث تسمعون الخطبة"
انتهى من "فيض القدير" (1/251) .
وهذا هو المشروع لكل من بَكَّر إلى الصلاة وسارع إليها ، أن يحرص على الصلاة في الصف الأول .
ثانيا :
إذا كان المسجد عريضا ، فالصلاة في طرف الصف الأول : أفضل من الصلاة في الصف الثاني خلف الإمام ، لأن ما ورد في فضيلة الصف الأول أكثر
ولأن الدنو من الإمام فسَّره بعض العلماء بالصلاة في الصف الأول ، كما سبق .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
إذا دخل الرجل المسجد يوم الجمعة ، فهل يتم الصف الأول إذا كان طويلاً أم يدنو من الإمام؟
فأجاب : " لا، الأفضل أن يتم الأول ، في الجمعة أو في غيرها، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول
ثم لم يجدوا إلاَّ أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني: لو لم يجدوا طريقاً إلى الصف الأول إلاَّ بالقرعة لفعلوا ذلك، وذلك لكثرة ثوابه ، وتكميل الأول فالأول أيضاً هو السنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون
كما تصف الملائكة عند ربها، قالوا: كيف ذاك يا رسول الله؟! قال: يتراصون ويُتِمُّون الأول فالأول، أو قال: يُكمِّلون الأول فالأول("
انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (140/14) الشاملة .
وسئل أيضاً :
إذا دخل شخص المسجد يوم جمعة ووجد الصف الأول في طرفه فُرَج ، هل الأفضل أن يجلس في الصف الثاني قرب الإمام ، أو يجلس في طرف الصف ؟
فأجاب :
" إذا كان يدرك الخطبة كلها مثل أن يكون في المسجد مكبر صوت ، ولا يخفى عليه شيء من الخطبة، فالصف الأول أفضل بلا شك، أما إذا كان لا يدركها :
فجلوسه أمام الإمام أفضل؛ وذلك لأن استماع الخطبة واجب ، والتقدم إلى الصف الأول سنة ، وغالب المساجد والحمد لله الآن فيها مكبر صوت "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (124/ 17) بترقيم الشاملة .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-27, 15:53
هل ورد في السنة النهي عن إدخال الطعام على الطعام ؟
السؤال:
هل ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه النهي عن إدخال الطعام على الطعام ؟
الجواب :
الحمد لله
لا نعلم حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن إدخال الطعام على الطعام ، وهذا بكلام الأطباء أشبه ، بل هو معروف من كلامهم .
وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على التقلل من الطعام والشراب ، وأن لا يأكل الإنسان أكثر من حاجته ، فقال صلى الله عليه وسلم :( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ
بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ : فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) رواه الترمذي (2380) وصححه ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَلَا تَسْقُطُ قُوَّتُهُ ، وَلَا تَضْعُفُ مَعَهَا، فَإِنْ تَجَاوَزَهَا فَلْيَأْكُلْ فِي ثُلُثِ بَطْنِهِ ، وَيَدَعِ الثُّلُثَ الْآخَرَ لِلْمَاءِ، وَالثَّالِثَ لِلنَّفَسِ،
وَهَذَا مِنْ أَنْفَعِ مَا لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ ، فَإِنَّ الْبَطْنَ إِذَا امْتَلَأَ مِنَ الطَّعَامِ ضَاقَ عَنِ الشَّرَابِ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ الشَّرَابُ ضَاقَ عَنِ النَّفَسِ ، وَعَرَضَ لَهُ الْكَرْبُ وَالتَّعَبُ بِحَمْلِهِ بِمَنْزِلَةِ حَامِلِ الْحِمْلِ الثَّقِيلِ
هَذَا إِلَى مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الْقَلْبِ ، وَكَسَلِ الْجَوَارِحِ عَنِ الطَّاعَاتِ ، وَتَحَرُّكِهَا فِي الشَّهَوَاتِ الَّتِي يَسْتَلْزِمُهَا الشِّبَعُ ، فَامْتِلَاءُ الْبَطْنِ مِنَ الطَّعَامِ مُضِرٌّ لِلْقَلْبِ وَالْبَدَنِ "
انتهى من "زاد المعاد" (4/ 17) .
وقال السفاريني رحمه الله في "غذاء الألباب" (2/110) :
" ينبغي للآكل أن يجعل ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للهواء؛ امتثالا لما قال الرسول الشفيق الناصح لجميع الخلق المرشد للمنافع الدينية والدنيوية ..
. وقال الحارث بن كلدة طبيب العرب: " الحمية رأس الدواء , والبطنة رأس الداء" وقال الحارث أيضا: "الذي قتل البرية , وأهلك السباع في البرية , إدخال الطعام على الطعام , قبل الانهضام " انتهى.
والخلاصة :
أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إدخال الطعام على الطعام ، ولكن عُرف ذلك عن الأطباء ، والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحث على التقلل من الطعام وعدم الإكثار منه فوق الحاجة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-27, 16:04
: هل صح أن البحر يستأذن ربه ليغرق أهل الأرض ، وأن الأرض تستأذن ربها لتبتلعهم ، وأن السماء تستأذن ربها لتنطبق عليهم ؟
السؤال:
هل صحيحٌ أن البحر يستأذن المولى صبيحة كل يوم كي يغرق الكفار ، وأن الأرض تستأذن المولى كي تنشق فتبتلعهم والسماء كي تطبق عليهم ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ورد في استئذان البحر ربه أن يغرق أهل الأرض حديث ضعيف ، رواه الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده" (303) قال :
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَانَ مُرَابِطًا بِالسَّاحِلِ
قَالَ: لَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ فِيهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْأَرْضِ
يَسْتَأْذِنُ اللهَ فِي أَنْ يَنْفَضِخَ عَلَيْهِمْ، فَيَكُفُّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ )
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" هذا إسناد ضعيف؛ لجهالة الشيخ الذي لم يسم، وأبي صالح مولى عمر؛ فإنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد "
انتهى ."سلسلة الأحاديث الضعيفة" (9/ 382) .
وينظر : "المسند" ، ط الرسالة (1/295) .
وقد استدل بعض أهل العلم على أصل ذلك المعنى بقوله تعالى: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) الطور/ 6
قال ابن كثير رحمه الله - بعد أن ذكر اختلاف العلماء في تفسير هذه الآية - :
" ... وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَسْجُورِ: الْمَمْنُوعُ الْمَكْفُوفُ عَنِ الْأَرْضِ ، لِئَلَّا يَغْمُرَهَا فَيُغْرِقَ أَهْلَهَا، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ يَقُولُ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ
وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ... " فذكر الحديث المتقدم ، ثم ضعفه .
"تفسير ابن كثير" (7/ 400)
وقال ابن القيم - بعد أن ذكر الحديث- :
" وَهَذَا أحد الأقوال فِي قَوْله عز وَجل (وَالْبَحْر الْمَسْجُور) أنه الْمَحْبُوس، حَكَاهُ ابْن عَطِيَّة وَغَيره "
انتهى من "مفتاح دار السعادة" (1/ 204)
ولكن لا يلزم من تفسير الآية بهذا القول ، إن صح ذلك : إثبات أن يكون البحر يستأذن ربه تعالى ، كل ليلة ، أن يغرق أهل الأرض
والله تعالى يمنعه من ذلك ؛ بل يكفي في إثبات أصل ذلك المعنى : أن يكون البحر مملوءا بالماء ، ولولا الله تعالى ، بمنه وكرمه ، لفاض على أهل الأرض ، وفي ذلك بيان المنة وتمام النعمة .
كما هو شأنه تعالى ، بلطفه وقدرته ، في أمر السماء والأرض ؛ قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) فاطر/41 .
قال السعدي رحمه الله :
" (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي: المملوء ماء، قد سجره الله، ومنعه من أن يفيض على وجه الأرض، مع أن مقتضى الطبيعة، أن يغمر وجه الأرض، ولكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان والفيضان
ليعيش مَن على وجه الأرض، مِن أنواع الحيوان .
وقيل: إن المراد بالمسجور، الموقد الذي يوقد نارا يوم القيامة، فيصير نارا تلظى، ممتلئا على عظمته وسعته من أصناف العذاب "
انتهى من "تفسير السعدي" (ص 813)
ثانيا :
أما استئذان السماء أن تنطبق على الأرض ، أو تحصب أهلها ، واستئذان الأرض أن تنخسف بهم : فلا نعلم عليه دليلا ، ولكن ذكر ذلك بعض أهل العلم
فقال ابن القيم رحمه الله :
" فَالسَّمَاءُ تَسْتَأْذِنُ رَبَّهَا أَنْ تَحْصِبَهُ، وَالْأَرْضُ تَسْتَأْذِنُهُ أَنْ تَخْسِفَ بِهِ، وَالْبَحْرُ يَسْتَأْذِنُهُ أَنْ يُغْرِقَهُ، كَمَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يَسْتَأْذِنُ رَبَّهُ أَنْ يُغْرِقَ ابْنَ آدَمَ، وَالْمَلَائِكَةُ تَسْتَأْذِنُهُ أَنْ تُعَاجِلَهُ وَتُهْلِكَهُ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يَقُولُ: دَعُوا عَبْدِي، فَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ، إِذْ أَنْشَأْتُهُ مِنَ الْأَرْضِ، إِنْ كَانَ عَبْدَكُمْ فَشَأْنُكُمْ بِهِ
وَإِنْ كَانَ عَبْدِي فَمِنِّي وَإِلَيَّ، عَبْدِي ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِنْ أَتَانِي لَيْلًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ أَتَانِي نَهَارًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا،
وَإِنْ مَشَى إِلَيَّ هَرْوَلْتُ إِلَيْهِ، وَإِنِ اسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ، وَإِنِ اسْتَقَالَنِي أَقَلْتُهُ، وَإِنْ تَابَ إِلَيَّ تُبْتُ عَلَيْهِ، مَنْ أَعْظَمَ مِنِّي جُودًا وَكَرَمًا، وَأَنَا الْجَوَادُ الْكَرِيمُ؟ عَبِيدِي يَبِيتُونَ يُبَارِزُونَنِي بِالْعَظَائِمِ،
وَأَنَا أَكْلَؤُهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ، وَأَحْرُسُهُمْ عَلَى فُرُشِهِمْ، مَنْ أَقْبَلَ إِلَيَّ تَلَقَّيْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَمَنْ تَرَكَ لِأَجْلِي أَعْطَيْتُهُ فَوْقَ الْمَزِيدِ، وَمَنْ تَصَرَّفَ بِحَوْلِي وَقُوَّتِي أَلَنْتُ لَهُ الْحَدِيدَ
وَمَنْ أَرَادَ مُرَادِي أَرَدْتُ مَا يُرِيدُ، أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَسَتِي، وَأَهْلُ شُكْرِي أَهْلُ زِيَادَتِي، وَأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ كَرَامَتِي، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِي لَا أُقْنِطُهُمْ مِنْ رَحْمَتِي
إِنْ تَابُوا إِلَيَّ فَأَنَا حَبِيبُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَأَنَا طَبِيبُهُمْ، أَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ، لِأُطَهِّرَهَمْ مِنَ الْمَعَايِبِ ) "
انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 430-431)
وليس في الحديث - على ضعفه - إلا استئذان البحر .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" ذكره ابن القيم من رواية الإمام أحمد في "مدارج السالكين" (1/ 432-433) بلفظ:
( ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق بني آدم، والملائكة تستأذنه أن تعالجه وتهلكه، والرب تعالى يقول: دعوا عبد ي فأنا أعلم به ) الحديث بطوله، وفي آخره: ( أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري ... ).
وفي اعتقادي أن عزوه لأحمد في "المسند" بهذا الطول خطأ، وعليه لوائح الإسرائيليات. والله أعلم "
انتهى مختصرا .
"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (9/ 383) .
وينظر : "التعليق على الوابل الصيب" ، عبد الرحمن بن قايد (158) .
والخلاصة :
أننا لا نعلم دليلا صحيحا يدل على أن البحر يستأذن ربه ليغرق أهل الأرض ، أو الكافرين منهم ، وأن الأرض تستأذن ربها لتنخسف بهم ، وأن السماء تستأذن ربها لتنطبق عليهم .
ومثل هذا من الغيب الذي لا سبيل إلى علمه إلا بالخبر المعصوم من الكتاب أو السنة الصحيحة .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-27, 16:11
تخريج أثر ابن مسعود رضي الله عنه في إنكاره على الذين جلسوا في المسجد حلقا يقول أحدهم : كبروا مائة ، فيكبرون ، هللوا مائة ، فيهللون
السؤال:
هناك حديث عن ابن مسعود أنه دخل المسجد فوجد أناساً يذكرون الله ويعدون الحصى فنهاهم عن ذلك ، فما صحة هذا الحديث ؟ لأن بعض الصوفية يدّعون بأنه ضعيف
أرجو مناقشة الحديث ورجال سنده وما إذا كان هناك من الروايات ما يعضده ؟
الجواب:
الحمد لله
قال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي رحمه الله في "سننه" (210) :
أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنبَأَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ، يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ
فَإِذَا خَرَجَ ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ
فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا ، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ
قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً
قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟ ، قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ ، قَالَ : " أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ " ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ
فَقَالَ: " مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ ، قَالَ: " فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ
مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ "
قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ
وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ " ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ " .
وهكذا رواه بحشل في "تاريخ واسط" (ص 198)
من طريق عُمَرو بْن يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ... فذكره . وهذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات :
- عمرو بن يحيى وثقه ابن معين كما في "الجرح والتعديل" (6 /269) .
- يحيى بن عمرو بن سلمة ، وثقه العجلي في " الثقات "(2/355) ، وروى عنه شعبة والثوري والمسعودي وقيس بن الربيع وابنه عمرو بن يحيى
كما في " الجرح والتعديل" (9 /176) وكان شعبة ينتقي شيوخه الذين يروي عنهم .
- عمرو بن سلمة ، وثقه ابن سعد وابن حبان
انظر "تهذيب التهذيب" (8 /38) .
وقد صحح هذا الأثر بهذا الإسناد الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (2005) .
ورواه الطبراني في "الكبير" (8636) من طريق مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ به نحوه .
قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 181):
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى " .
ولهذا الأثر شواهد ، منها :
- ما رواه أبو نعيم في "الحلية" (4/ 381) من طريق عَطَاء بْن السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: " أَخْبَرَ رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْمًا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، فِيهِمْ رَجُلٌ يَقُولُ: كَبِّرُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا
سَبِّحُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا، وَاحْمَدُوا اللهَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَيَقُولُونَ . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِمَجْلِسِهِمْ ، فَأَتَاهُمْ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ لَهُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا سَمِعَ مَا يَقُولُونَ قَامَ، وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدًا، فَقَالَ:
" أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، أَوْ لَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا " . فَقَالَ مِعْضَدٌ: وَاللهِ مَا جِئْنَا بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، وَلَا فَضَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عِلْمًا.
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَسْتَغْفِرُ اللهَ ، قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالطَّرِيقِ فَالْزَمُوهُ، فَوَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَتَضِلُّنَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " .
- وقال أبو نعيم عقبه :
" رَوَاهُ زَائِدَةُ وَجَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، وَرَوَاهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو الزَّعْرَاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ " انتهى .
- ومنها ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه (3/222)
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: " سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ، بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مَعَهُمْ قَاصٌّ يَقُولُ: سَبِّحُوا، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمَا،
أَوْ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظَلْمَاءَ، وَإِنْ تَكُونُوا قَدْ أَخَذْتُمْ بِطَرِيقَتِهِمْ، فَقَدْ سَبَقُوا سَبْقًا بَعِيدًا، وَإِنْ تَكُونُوا خَالَفْتُمُوهُمْ فَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، عَلَى مَا تُعَدِّدُونَ أَمْرَ اللَّهِ؟ "
- ومنها ما رواه ابن وضاح في "البدع" (18) من طريق يَحْيَى بْنِ عِيسَى , عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: " مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بِرَجُلٍ يَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى أَصْحَابِهِ ,
وَهُوَ يَقُولُ: سَبِّحُوا عَشْرًا , وَهَلِّلُوا عَشْرًا , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَضَلُّ , بَلْ هَذِهِ , بَلْ هَذِهِ " يَعْنِي: أَضَلُّ ".
- ومنها ما رواه ابن الوضاح أيضا (22) من طريق سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , عَنْ أَبِي الزَّعراء قَالَ: " جَاءَ الْمُسَيِّبُ بْنُ نُجَيْدٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رِجَالًا يَقُولُونَ: سَبِّحُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ ,
فَقَالَ: قُمْ يَا عَلْقَمَةُ وَاشْغَلْ عَنِّي أَبْصَارَ الْقَوْمِ , فَجَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ لَتُمْسِكُونَ بِأَذْنَابِ ضَلَالٍ , أَوْ إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَوْ نَحْوَ هَذَا .
فهذه الشواهد مما يتقوى بها هذا الأثر ، وتؤكد صحته وثبوته عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-27, 16:17
هل يشرع للمسلم كلما تلا قوله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) أن يقول : ( لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الحَمْدُ ) ؟
السؤال:
ما حكم قول ولا بأي من نعمك يا ربنا نكذب ولك الحمد عند قراءة سورة الرحمن عند الآية "" فبأي ء آلاء ربكما تكذبان "" ؟
الجواب :
الحمد لله
روى الترمذي (3291) ، والحاكم (3766) ، والبيهقي في "الشعب" (2264) ، وفي "دلائل النبوة" (2/ 232) ، وأبو الشيخ في "العظمة" (5/ 1666)
وابن أبي الدنيا في "الشكر" (69) من طريق الوَلِيد بْن مُسْلِمٍ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا
فَقَالَ : ( لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ لَيْلَةَ الجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ ، فَلَكَ الحَمْدُ ) .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، رواية أهل الشام عن زهير بن محمد : مناكير ، وهذه منها ؛ فإن الوليد بن مسلم دمشقي .
قال الإمام البخاري: ما روى عنه أهل الشام : فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح .
وقال الأثرم ، عن أحمد ، في رواية الشاميين عن زهير: يروون عنه مناكير . ثم قال: أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة ، عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر . وأما أحاديث أبي حفص ، ذاك التنيسي ، عنه : فتلك بواطيل موضوعة .
وقال أبو حاتم : " محله الصدق ، وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق ، لسوء حفظه ، فما حدث به من حفظه ففيه أغاليط ، وما حدث من كتبه فهو صالح " .
انظر : "تهذيب التهذيب" (3/ 349-350) .
والوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية ، وهو شر أنواع التدليس ، فيخشى أن يكون أسقط رجلا من الإسناد .
انظر : "جامع التحصيل" (ص 111) ، "تقريب التهذيب" (ص 584) .
وله شاهد ، يرويه الطبري في "تفسيره" (22/ 23)، والبزار في "مسنده" (5853)، والخطيب في "تاريخه" (5/ 493)، والمستغفري في "فضائل القرآن" (2/ 626)
من طريق يحيى بن سليم الطائفي ، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع ، عن ابن عمر به مرفوعا نحوه .
ويحيى بن سليم سيء الحفظ ، وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي ، وتكلم فيه غير واحد ، فقال أبو حاتم : شيخ صالح محله الصدق ، ولم يكن بالحافظ ، يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال أحمد بن حنبل أتيته : فكتبت عنه شيئا فرأيته يخلط في الأحاديث فتركته ، وفيه شيء.
وقال النسائي: ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمرو. وقال أيضا : ليس بالقوي .
انظر : "تهذيب التهذيب" (11 /198-199) .
وقد اختلف العلماء في الحكم على هذا الحديث ، فمنهم من صححه أو حسنه ، ومنهم من ضعفه .
فصححه الحاكم على شرط الشيخين ، ولم يتعقبه الذهبي . وكذا صححه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 690) ، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وضعفه الترمذي ، والذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/ 201)
. وكذا ضعفه الشيخ ابن عثيمين ، كما في "تفسير الحجرات - الحديد" (ص 307) ومقبل بن هادي الوادعي في "أحاديث معلة ظاهرها الصحة" (ص 86) ، والحويني في "النافلة" (2/ 5) .
والأقرب - والله أعلم - أنه حديث ضعيف لا يثبت ؛ فرواية الوليد بن مسلم عن زهير منكرة ، ورواية يحيى بن سليم ضعيفة ، ولا تتقوى الرواية الضعيفة بالمنكرة .
وعلى هذا القول : فلا يشرع للمسلم كلما تلا قوله تعالى : ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) أن يقول : ( لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الحَمْدُ ) .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-08-30, 06:17
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار صدوق حسن الحديث ، يحتج به إلا إذا خالف من هو أوثق منه .
السؤال:
ذكر العظيم آبادي في " عون المعبود " أن عبد الرحمن عبد الله بن دينار "متكلم فيه" مشيراً إلى ضعف روايته ، مع أن بن حجر قال عنه في" التقريب " : أنه صدوق ، والبخاري روى عنه في صحيحه ،
فماذا قصد المؤلف عندما وصفه بالضعف ؟
وهل لذلك تأثير على روايته ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار العدوي ، روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ، واحتج به البخاري
كما قال الحافظ في "الفتح" (4/417) .
وقد اختلف العلماء فيه ، فمنهم من ضعفه ، ومنهم من وثقه ، وتوسط فيه آخرون –كالشيخ الألباني- فحسنوا حديثه ولم يبلغوا به درجة الصحيح .
قال الدوري عن ابن معين : في حديثه عندي ضعف ، وقد حدث عنه يحيى القطان ، وحسبه أن يحدث عنه يحيى ، وقال أبو حاتم: فيه لين ، يكتب حديثه ولا يحتج به
وقال ابن عدي: بعض ما يرويه منكر لا يتابع عليه ، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء .
وقال السلمي عن الدارقطني :
خالف فيه البخاريُّ الناسَ ، وليس بمتروك .
وقال الحاكم عن الدارقطني:
إنما حدث بأحاديث يسيرة.
وقال أبو القاسم البغوي:
هو صالح الحديث.
وقال الحربي: غيره أوثق منه .
وقال ابن خلفون:
سئل عنه علي بن المديني فقال : صدوق .
"تهذيب التهذيب" (6/ 206)
ولخص الحافظ ترجمته في "التقريب" (ص344)
بقوله : " صدوق يخطىء "
وقال عنه الألباني :
"تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه ، وقد أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال : " ثقة ، قال ابن معين وغيره: في حديثه ضعف "، وقال في " الميزان ":
" صالح الحديث، وقد وثق ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ".
قلت: فحسب مثله أن يحسن حديثه ، أما الصحة فلا " .
انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3/ 15) .
ثانيا :
إذا روى البخاري - وكذلك مسلم - لبعض من تكلم فيهم ، فإنه ينتقي من حديثه ما يعلم أنه صحيح ، وخاصة إذا كانوا من شيوخه ، أو يورد أحاديثهم في الشواهد والمتابعات ، لا في أصول الباب .
قال الحافظ ابن حجر في "النكت" (1/288) :
" الذينَ انفردَ بهم البخاريُّ ممنْ تُكُلمُ فيهِ أكثرهُمْ مِنْ شيوخهِ الذينَ لَقِيهم ، وَعَرَفَ أحوالَهُم، وَاطلع عَلَى أحاديثهم فميّز جيدها مِنْ رديها ، ولا شكَ أنَّ المرءَ أشدّ معرفة بحديثِ شيوخهِ
وبصحيحِ حَدِيثهم مِنْ ضعيفه ، ممن تقدم عَنْ عصرهم " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله عند كلامه عن الحارث بن عبيد :
" وَلَا عَيْبَ عَلَى مسلم فِي إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِي مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَفِظَهُ، كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ الثِّقَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، فَغَلِطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَنِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ إِخْرَاجَ جَمِيعِ حَدِيثِ الثِّقَةِ
وَمَنْ ضَعَّفَ جَمِيعَ حَدِيثِ سَيِّئِ الْحِفْظِ "
انتهى من "زاد المعاد" (1/364).
وقال الزيلعي رحمه الله :
" مُجَرَّدُ الْكَلَامِ فِي الرَّجُلِ لَا يُسْقِطُ حَدِيثَهُ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَذَهَبَ مُعْظَمُ السُّنَّةِ، إذْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، بَلْ خُرِّجَ فِي الصَّحِيحِ لِخَلْقٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ، وَمِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضبعي، والحارث بن عبد الْإِيَادِيُّ
وَأَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ الْحَبَشِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَلَكِنْ صَاحِبَا الصَّحِيحِ رحمهما الله إذَا أَخْرَجَا لِمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَقُونَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ
وَظَهَرَتْ شَوَاهِدُهُ ، وَعُلِمَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا ، وَلَا يَرْوُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، سِيَّمَا إذَا خَالَفَهُ الثِّقَاتُ "
انتهى من "نصب الراية" (1/ 341) .
وانظر للاستزادة في هذه المسألة جواب السؤال القادم
ثالثا :
قد يروي البخاري للراوي المتكلم فيه ، لأنه عنده ثقة ، لا يضره كلام من تكلم فيه.د
قال الشيخ المعلمي اليماني رحمه الله :
" إن الشيخين يخرجان لمن فيهم كلام في مواضع معروفة :
أحدهما : أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام لا يضره في روايته البتة ، كما أخرج البخاري لعكرمة .
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده ، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً، أو حيث تابعه غيره ، ونحو ذلك .
ثالثها : أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه ، أو برواية فلان عنه ، أو بما سمع منه من غير كتابه ، أو بما سمع منه بعد اختلاطه
أو بما جاء عنه عنعنة وهو مدلس ، ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس .
فيخرجان للرجل حيث يصلح ، ولا يخرجان له حيث لا يصلح "
انتهى من" التنكيل "(ص692) .
رابعا :
الشيخ أبو عبد الرحمن العظيم آبادي رحمه الله ، من المشايخ المشهورين ، ومن شراح الأحاديث الموثوقين.
وقد ذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار في كتابه "عون المعبود" (8/44) عند الكلام على حديث : ( مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ ) فقال :
" وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الْمَدِينِيُّ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَذَكَرَ أَبُو أَحْمَدَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " انتهى .
وهذا أحد الأحاديث التي خولف فيها عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، فمن أهل العلم من صحح حديثه وأثبته ، وحكم له فيه بالحفظ ، ومنهم من أعله به .
فممن صححه : الإمام البخاري :
قال الترمذي : " سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يعني البخاري - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَرَى هَذَا الْحَدِيثَ مَحْفُوظًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لَهُ: عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَدْرَكَ أَبَا وَاقِدٍ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ , عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ قَدِيمٌ "
انتهى من "العلل الكبير" (ص 241) .
وقد صحح هذا الحديث الحافظ ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/85) على شرط البخاري ، مما يدل على أنه يرى أن ابن دينار قد حفظه .
وممن أعله به : الدارقطني ، حيث قال في "العلل" (6/ 297) :
" يَرْوِيهِ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ :
فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ.
وَخَالَفَهُمَا الْمِسْوَرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ: عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
والمرسل أشبه " انتهى .
ومنهم : أبو زرعة الرازي ، فقال ابن أبي حاتم في "العلل" (4/ 353):
سألتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه عبد الرحمن بن عبد الله بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلَم، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِب ، عَنْ أَبِي واقدٍ اللَّيْثي ... فذكر الحديث .
وَرَوَى مَعْن القَزَّاز ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلَم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: " جَمِيعًا وَهْمَين! والصَّحيحُ: حديثُ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلَم، عَنْ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مُرسَل " .
والحاصل
أن كون بعض العلماء تكلم في أحد الرواة لا يلزم منه أن يُحكم على هذا الرواي بالضعف على سبيل الإطلاق وترد جميع أحاديثه .
وقد نقل الشيخ العظيم آبادي حديثا رواه أحمد من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ونقل تحسين الهيثمي له ولم يتعقبه بشيء . فقال :
" أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ حدثني أسيد بن أبي أسيد عن ابن أبي موسى عن أبيه أو عن ابن قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ .
.. فذكر حديثا ، ثم قال :
" وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ "
انتهى من "عون المعبود" (11/ 199)
فقد يكون العظيم آبادي لا يضعف جميع أحاديث عبد الرحمن هذا ، بل ينظر في كل حديث على حدة
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-30, 06:29
كيف يخرج البخاري في صحيحه عن رواة ضعفاء ؟
السؤال:
وجدت شبهة تحتاج لرد متخصص ، وهي : البخاري ضعف أحد الرواة ، وهو حمران بن أبان ، ثم أخرج له روايات فى صحيح البخاري .
. فكيف يضعف راو ثم يخرج له ؟؟
كيف تكون هذه الأحاديث صحيحة وفيها راو ضعفه البخاري نفسه ؟؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
هذه المسألة من دقيق مسائل علوم الحديث ، يخطئ في فهمها كثير من الناس ، ويتورطون بما ينصبه لهم أعداء الإسلام من شبه ، في حين أن جوابها سهل ميسور لا يختلف فيه أهل العلم المتخصصون .
وخلاصة هذه المسألة أنه ليس من منهج الإمام البخاري في صحيحه ألا يخرج عن رواة متكلم فيهم أو موصوفين بالضعف ، ولكن من منهجه ألا يخرج إلا الصحيح من حديثهم ، وفرق بين الأمرين :
فالراوي الضعيف أو المتكلم فيه لا يلزم أن ترد جميع مروياته
– ما دام غير متهم بالكذب -
إذ قد يكون مضعفا في حال دون حال
أو في شيخ دون شيخ
أو في بلد دون بلد
أو في حديث معين دون أحاديث أخر
ونحو ذلك من أنواع التضعيف
فلا يجوز أن نرد جميع مروياته حينئذ
بل نقبل حديثه الذي تبين لنا أنه ضبطه وحفظه وأداه كما حفظه
ونرد حديثه الذي تبين لنا أنه أخطأ فيه
ونتوقف فيما لم يتبين لنا شأنه
وهكذا هو حكم التعامل مع جميع مرويات الرواة الضعفاء
وليس كما يظن غير المتخصصين أن الراوي الضعيف ترد جميع مروياته .
هذا هو منهج الأئمة السابقين
ومنهج الإمامين البخاري ومسلم صاحبي الصحيحين ، ويسمى منهج " الانتقاء من أحاديث الضعفاء "
يعني تصحيح أحاديث بعض الرواة المتكلم فيهم بالضعف إذا تبين أنهم قد حفظوا هذا الحديث بخصوصه
تماما كما أننا قد نرد حديث الراوي الثقة إذا تبين أنه لم يحفظ هذا الحديث المعين
أو خالف فيه من هو أوثق منه وأحفظ . والبحث في المتابعات والشواهد ومن وافق هذا الراوي المتكلم فيه من الرواة الثقات مِن أنفع وسائل التثبت من حفظ الراوي المتكلم فيه لتصحيح حديثه أو تضعيفه .
وخلاصة الكلام أن إخراج البخاري عن بعض الرواة الضعفاء أو المتكلم فيهم لا يخلو من الأحوال الآتية :
1- إما أن الصواب في هذا الراوي هو التوثيق ، وأن تضعيف مَن ضعَّفه مردود عليه مثل : عكرمة مولى ابن عباس .
2- أو أن الراوي مُضعَّف في الأحاديث التي يتفرد بها فقط ، أما ما وافق فيه الرواة الآخرين فيقبل حديثه ، فيخرج البخاري له ما وافق فيه الثقات
لا ما تفرد به ، مثل: أفلح بن حميد الأنصاري ، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، وفضيل بن سليمان النميري .
3- أو أن الراوي مُضعَّفٌ إذا روى عن شيخ معين ، أما إذا روى عن غيره فيقبل العلماء حديثه ، فتجد البخاري يجتنب روايته عن الشيخ المضعف فيه ، مثل: معمر بن راشد عن ثابت البناني .
4- أو أن الراوي مُضعَّف بالاختلاط والتغير ، فيروي له البخاري عمَّن أخذ عنه قبل اختلاطه وتغيره ، مثل: حصين بن عبد الرحمن السلمي .
5- أو أن الراوي ضعيف ، لكن البخاري لم يَسُق له حديثا من الأحاديث الأصول ، وإنما أورده في إسناد يريد به متابعة إسناد آخر أو الاستشهاد له به ، أو في حديث معلق .
وننقل هنا من كلام العلماء ما يدل على التقرير السابق :
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله – ضمن كلامه عن سبب وجود رواة ضعفاء في صحيح مسلم ، ومثله يقاس الكلام على البخاري - :
" عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية ، الذين ليسوا من شرط الصحيح أيضا .
والجواب أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها :
أحدها : أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده .
الثاني : أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول ، وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا
ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه .
الثالث : أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سداده واستقامته " انتهى باختصار.
" صيانة صحيح مسلم " (ص/96-98)
*عبدالرحمن*
2018-08-30, 06:30
ويقول الحافظ الحازمي (ت 524هـ) –
وقد قسم الرواة إلى خمس طبقات وجعل الطبقة الأولى مقصد البخاري ، ويخرج أحياناً من أعيان الطبقة الثانية - :
" فإن قيل : إذا كان الأمر على ما مهدت ، وأن الشيخين لم يودعا كتابيهما إلا ما صح ، فما بالهما خرجا حديث جماعة تكلم فيهم ، نحو فليح بن سليمان
وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، وإسماعيل بن أبي أويس عند البخاري ، ومحمد بن إسحاق وذويه عند مسلم .
قلت : أما إيداع البخاري ومسلم " كتابيهما " حديث نفر نسبوا إلى نوع من الضعف فظاهر ، غير أنه لم يبلغ ضعفهم حداً يُرَدُّ به حديثهم " انتهى.
" شروط الأئمة الخمسة " (ص69 – 70)
ويقول الحافظ الذهبي رحمه الله :
" فما في الكتابين – يعني صحيحي البخاري ومسلم – بحمد الله رجل احتج به البخاري أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة ، بل حسنة أو صحيحة ..
. ومن خرج له البخاري أو مسلم في الشواهد والمتابعات ففيهم مَن في حفظه شيء ، وفي توثيقه تردد " انتهى باختصار.
" الموقظة " (ص/79-81).
وقال الإمام ابن القيم –
وهو يرد على من عاب على مسلم إخراج أحاديث الضعفاء سيئي الحفظ كمطر الوراق وغيره ، ومثله يقاس الكلام على البخاري - :
" ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه ؛ لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه ، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه
فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة ، ومن ضعف جميع أحاديث سيئي الحفظ " انتهى.
" زاد المعاد " (1/364)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وأما الغلط فتارة يكثر في الراوي وتارة يقل ، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ، ينظر فيما أخرج له ، إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط
علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق ، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف فيما هذا سبيله ، وليس في الصحيح – بحمد الله –
من ذلك شيء ، وحيث يوصف بقلة الغلط ، كما يقال : سيء الحفظ ، أو له أوهام ، أو له مناكير ، وغير ذلك من العبارات ، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله
إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك " انتهى.
" هدي الساري " (ص/381)
ولهذا يرى الحافظ ابن حجر أن يكون تعريف الحديث الصحيح على هذا النحو :
" هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل التام الضبط ، أو القاصر عنه إذا اعتضد ، عن مثله ، إلى منتهاه ، ولا يكون شاذاً ولا معللاً
. وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيراً من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم عليها الحكم بالصحة إلا بذلك – يعني بتعدد الطرق – " انتهى.
" النكت على ابن الصلاح " (1/86)
ويقول العلامة المعلمي رحمه الله :
" إن الشيخين يخرجان لمن فيهم كلام في مواضع معروفة :
أحدهما : أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام لا يضره في روايته البتة ، كما أخرج البخاري لعكرمة .
الثاني : أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده ، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً ، أو حيث تابعه غيره ، ونحو ذلك .
ثالثها : أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه ، أو برواية فلان عنه ، أو بما سمع منه من غير كتابه
أو بما سمع منه بعد اختلاطه ، أو بما جاء عنه عنعنه وهو مدلس ، ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس .
فيخرجان للرجل حيث يصلح ، ولا يخرجان له حيث لا يصلح " انتهى.
" التنكيل " (ص/692)
ولذلك كله ينبه العلماء إلى عدم صحة الاستدلال على ثقة الراوي بإخراج البخاري له ، وإنما ينبغي النظر في كيفية إخراج البخاري له
فإن أخرج له حديثا في الأصول صحيحا لذاته فهذا الذي في أعلى درجات التوثيق ، أما من أخرج له في المتابعات أو صحيحا لغيره فهذا يشمله اسم الصدق العام ، ولكن قد لا يكون في أعلى درجات التوثيق .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده ، وصحة ضبطه ، وعدم غفلته ، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين
وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح ، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما ، هذا إذا خرج له في الأصول
فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره ، مع حصول اسم الصدق لهم " انتهى.
" هدي الساري " (ص/381)
وهذا القيد الأخير مهم جدا في كلام الحافظ ابن حجر ، يبين أن قوله في بداية الفقرة أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه مقيد بمن أخرج لهم في الأصول
يعني الأحاديث التي يصححها بنفسها ولم يوردها كمتابعة أو شاهد أو لغرض حديثي آخر ، وهذا لا يميزه إلا أهل العلم المختصون بالحديث .
وللتوسع في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى فصل بعنوان : " موقف البخاري من الرواة الضعفاء "
من كتاب " منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها " لأبي بكر كافي (ص/135-159) .
*عبدالرحمن*
2018-08-30, 06:31
ثانيا :
وعلى هذا فمن الخطأ الظاهر عند علماء الحديث الاعتراض بوجود بعض الرواة المتكلم فيهم في صحيح البخاري ، فهذا أمر لا يخفى على المحدِّثين
ولا يخفى على الإمام البخاري نفسه، فالبخاري ينتقي من حديث المتكلم فيهم ما يجزم أنه صحيح مقبول ، سواء كان هذا الراوي مضعفا مِن قِبَل البخاري نفسه ، أو مِن قِبَل غيره مِن المحدثين .
فكل راو يُنقَل عن البخاري تضعيفه ، لا بد في دراسته من التثبت من عدة أمور :
1- التأكد من تضعيف البخاري له حقا ، ولتحقيق ذلك يجب التنبه إلى أن ذكر البخاري المجرد للراوي في كتابه " الضعفاء " لا يلزم منه أنه يميل إلى تضعيفه تضعيفا مطلقا
فقد يكون يرى ضعفه في بعض الأحاديث دون أخرى ، أو في بعض الشيوخ دون آخرين ، أو في حال دون حال ، وهكذا ، وهذه مسألة دقيقة أيضا تحتاج شرحا وبسطا ولكن ليس هذا محله
مع العلم أن للبخاري كتابين في الضعفاء ، وهما " الضعفاء الكبير " وهذا الكتاب ما زال مخطوطا ، وكتاب " الضعفاء الصغير " وهذا هو المطبوع اليوم .
2- النظر في كيفية إخراج البخاري عنه في صحيحه تبعا للأمور التي سبق ذكرها في الجواب أعلاه ، هل أخرج له في الأصول ، وما هي الأحاديث التي أخرجها ، هل لها شواهد ومتابعات
وإن كان الراوي مختلطا ينظر كيف أخرج البخاري عنه ، قبل الاختلاط أم بعده ، إلى غير ذلك من التفاصيل التي يتقنها أهل الحديث .
ثالثا :
ومن ذلك ما ورد في السؤال من الكلام حول الراوي حمران بن أبان ، وهو مولى عثمان بن عفان ، قال ابن عبد البر رحمه الله : أهل السير والعلم بالخبر قالوا : وكان حمران أحد العلماء الجلة
أهل الوداعة والرأي والشرف بولائه ونسبه "
انتهى. " التمهيد " (22/211)
وعامة أهل العلم على توثيقه ، مع كونه قليل الحديث
ولم ينقل تضعيفه إلا عن ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (5/283) حيث قال : " كان كثير الحديث ، ولم أرهم يحتجون بحديثه "
انتهى. وهذا جرح مبهم يقابل التعديل ، والعلماء يقدمون التعديل والتوثيق على الجرح المبهم
ولذلك يقول الذهبي رحمه الله :
" حجة ، قال ابن سعد : لم أرهم يحتجون به . قال الحاكم : تكلم فيه بما لا يؤثر فيه . قلت : هو ثبت " انتهى.
" الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم " (ص/9) .
وأما تضعيف البخاري له فلم نقف عليه إلا في نقل الإمام الذهبي أيضا حيث قال :
" أورده البخاري في الضعفاء ، لكنَّ ما قال ما بليته قط " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (1/604)
وهذا كما ترى غير كاف لتضعيفه أيضا ، إذ لم نقف على نص كلام البخاري نفسه في الضعفاء ، ويبدو أنه في " الضعفاء الكبير " الذي لم يطبع بعد
ويبدو أنه البخاري أورده إيرادا مجردا من غير حكم عليه بالضعف ، وهو ما يدل عليه قول الذهبي: ( ما قال ما بليته ) ، يعني : أن البخاري لم يذكر سبب ضعفه .
وقد ترجم البخاري رحمه الله نفسه لحمران بن أبان في " التاريخ الكبير " (3/80) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا .
وعلى كل حال ، فما أخرج البخاري في صحيحه لحمران هما حديثان اثنان فقط :
الحديث الأول قال فيه :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ
فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِى الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ ، وَاسْتَنْشَقَ ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ
ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
( مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِى هَذَا ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )
رواه البخاري تحت الأرقام التالية : (159، 164، 1934)
وهذا الحديث من رواية حمران عن سيده عثمان بن عفان ، وهي من أوثق الروايات وأصحها، فقد كان حمران ملازما لعثمان ، يخدمه ويصحبه ، بل كان حاجبا له
وكاتبا بين يديه ، حتى كتب لعثمان وصية له بالخلافة لعبد الرحمن بن عوف حين مرض مرة ، وقال قتادة : إن حمران بن أبان كان يصلى مع عثمان بن عفان فإذا أخطأ فتح عليه .
وكان قرابة عثمان يجلون حمران كثيرا ، ويقدرونه لأجل صحبته له ، تجد كل ذلك في "
تهذيب التهذيب " (3/25)
فمن هذا حاله ألا يقبل حديث يحدث به عن مولاه عثمان ، ليس فيه ما يستنكر ، بل جاءت له شواهد لا تعد كثرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وفي فضل الوضوء ؟!
فعلى فرض أن الإمام البخاري يضعف حمران على وجه العموم ، فذلك لا يلزم منه أن يرد جميع أحاديثه ، بل سبق وأن بينا أنه قد يخرج حديثه الذي يطمئن إلى صحته لقرائن وأدلة أخرى .
الحديث الثاني قال فيه :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ :
( إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً ، لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا ، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا ، يَعْنِى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ )
رواه البخاري (رقم/587)
وهذه الرواية كما ترى من رواية حمران عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في موضوع ساق له البخاري مجموعة من الأحاديث عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة في باب
" لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس "، وهذه المسألة وردت فيها الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تنهى عن الصلاة بعد العصر ، فليس في رواية حمران شيء مستنكر ولا مستغرب
حتى يرد حديثه هنا ، فتأمل كيف انتقى البخاري من حديثه ما هو صحيح مقبول .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-08-30, 06:38
حديث إسماعيل بن أبي أويس في الصحيحين .
السؤال:
ما هي الأحاديث التي رواها البخاري أو مسلم وفي سندها إسماعيل بن أبي أويس ، وهل تصح ؟
لأنه جاء عنه أنه كان يضع الحديث .وضعفه النسائي وغيره
وقال الدارقطني لا أختاره في الصحيح ، وقال الذهبي لو لم يخرج له الشيخان لما وثقته ، أو كلمة نحوها .
الجواب :
الحمد لله
إسماعيل بن أبي أويس : هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله ، ابن أخت مالك بن أنس .
روى له الجماعة ، إلا النسائي
قال أبو طالب عن أحمد لا بأس به
وكذا قال عثمان الدارمي عن ابن معين
وقال ابن أبي خيثمة عنه صدوق ضعيف العقل ليس بذاك، يعني أنه لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤديه أو يقرأ من غير كتابه
وقال معاوية بن صالح عنه: هو وأبوه ضعيفان
وقال عبد الوهاب بن عصمة عن أحمد بن أبي يحيى عن ابن معين: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث
وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى : مخلط يكذب ليس بشيء
وقال أبو حاتم محله الصدق وكان مغفلا
وقال النسائي ضعيف
وقال في موضع آخر: غير ثقة .
"تهذيب التهذيب" (1 /271) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "مقدمة الفتح" (ص388) :
" احتج به الشيخان، إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه ، ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين ، وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري
وروى له الباقون سوى النسائي فإنه أطلق القول بضعفه ، وروى عن سلمة بن شبيب ما يوجب طرح روايته ...
وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه .
وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا : لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح ، من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره ، إلا أن يشاركه فيه غيره ، فيعتبر به " انتهى .
فإسماعيل بن أبي أويس متكلم فيه بكلام قادح ، وجرح مفسر ، مما يستوجب التوقف في قبول حديثه .
وقد أخرج له البخاري سبعة عشر حديثا تقريبا ، ولم يخرج له مما تفرد به سوى حديثين ، كما تقدم في كلام الحافظ ، فالكلام في هذين الحديثين ، لأن ما سواهما إما توبع عليه ، وإما روى له البخاري ما يشهد له من طريق آخر .
وقد قال الإمام البخاري : " كان إسماعيل بن أبي أويس إذا انتخبت من كتابه ، نسخ تلك الأحاديث لنفسه ، وقال: هذه أحاديث انتخبها محمّد بن إسماعيل من حديثي " .
انتهى من "تاريخ بغداد" (2/ 19)
فهو يعلم أن البخاري لا ينتخب من حديثه إلا الصحيح .
وقال الحافظ ابن حجر في "النكت" (1/288) :
" الذينَ انفردَ بهم البخاريُّ ممنْ تُكُلمُ فيهِ أكثرهُمْ مِنْ شيوخهِ الذينَ لَقِيهم ، وَعَرَفَ أحوالَهُم ، وَاطلع عَلَى أحاديثهم فميّز جيدها مِنْ رديها
ولا شكَ أنَّ المرءَ أشدّ معرفة بحديثِ شيوخهِ ، وبصحيحِ حَدِيثهم مِنْ ضعيفه ، ممن تقدم عَنْ عصرهم " انتهى .
وما تقدم من أن البخاري كان ينتقي من أصوله أحاديث فيرويها عنه ، يدل على أنه لم يرو عنه إلا ما كان من صحيح حديثه ، ذلك أن الراوي إذا كان محله الصدق في نفسه
فإن الخطأ عادة يكون من روايته للحديث من غير كتاب ، فيهم ويغلط ، وقد كان إسماعيل في الأصل صدوقا ، وليس هو بمتهم كما يقول السائل ، وقول ابن معين : كان يسرق الحديث
لا يعني أنه كان يكذب فيه ، وخاصة أنه قال عنه مرة : لا بأس به ، وقال مرة : صدوق ضعيف العقل ، فربما عثر له من رواياته ما ليس من حديثه ، فاتهمه بسرقة الحديث ، وهذا لا يعني أنه يتهمه بالوضع .
قال الذهبي رحمه الله في ترجمة إسماعيل من "السير" (8/ 441-442):
" الإمام الحافظ الصَّدُوْقُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَصْبَحِيُّ المَدَنِيُّ ... وَكَانَ عَالِمَ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَمُحَدِّثَهُم فِي زَمَانِهِ علَى نَقْصٍ فِي حِفْظِهِ وإتقانه
ولولا أن الشَّيخَينِ احْتَجَّا بِهِ لَزُحْزِحَ حَدِيْثُهُ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيْحِ إِلَى دَرَجَةِ الحَسَنِ، هَذَا الَّذِي عِنْدِي فِيْهِ ".
ثم ذكر كلام أهل العلم فيه ثم قال :
" قُلْتُ: الرَّجُلُ قَدْ وَثَبَ إِلَى ذَاكَ البرِّ، وَاعتَمَدَهُ صَاحِبَا الصَّحِيْحَيْنِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ صَاحِبُ أَفرَادٍ وَمَنَاكِيْرَ تَنْغَمِرُ فِي سَعَةِ مَا رَوَى، فَإِنَّهُ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ " انتهى .
ولم يزد الحافظ في ترجمته في "التقريب" (ص 108) على أن قال :
" صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه " انتهى .
ومن كانت هذه حاله ، فإنه لا يقال عنه : متهم ، أو كذاب .
وأما الإمام مسلم ، فله عنده ستة أحاديث :
- فروى له حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ ) ، تابعه عليه عنده يحيى بن يحيى .
- وروى له عن سُلَيْمَان بْن بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بحديث المتلاعنين ، وقد تابعه عنده الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم به .
- وروى له عن أخيه عَنْ سُلَيْمَانَ بن بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، فذكرت حديث : ( أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ ) .
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (5/ 308):
" لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ إِسْمَاعِيلُ، بَلْ تَابَعَهُ أَيُّوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا، وَلَا انْفَرَدَ بِهِ يحيى بن سعيد، فقد أخرجه ابن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أَبِيهِ " انتهى .
- وروى له حديث : ( السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ ) بمتابعة خمسة من الثقات .
- وروى له عن سليمان بن بلال عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ)
وقد رواه أيضا من طريق طَلْحَة بْن يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يُونُسَ به .
- وروى له عن سُلَيْمَان بْن بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ) ، وقد رواه عن قُتَيْبَة بْن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلٍ به .
فتبين بما تقدم أن مسلما لم يحتج به إلا في المتابعات ، مع أنه من شيوخه ، وهو أعرف بحديثه ، ولا يمكن أن يحتج به في الصحيح
إلا وهو يعلم أن ما يرويه عنه من صحيح حديثه ، وأكابر الحفاظ لا يمكن أن يفوتهم مثل هذا ، ولهم في رواياتهم عن الشيوخ ما لا يحيط بعلمه إلا ذو الدراية الكافية .
قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله :
" واعلم أن كثيراً ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين ، لخصوصيته به ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يُخَرِّجون من حديثه عن غيره ، لكونه غير مشهور بالرواية عنه، ولا معروف بضبط حديثه، أو لغير ذلك " .
انتهى من "الصارم المنكي" (ص 194) .
وقال ابن القيم رحمه الله عند كلامه عن الحارث بن عبيد :
" وَلَا عَيْبَ عَلَى مسلم فِي إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ، لِأَنَّهُ يَنْتَقِي مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَفِظَهُ، كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ الثِّقَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، فَغَلِطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَنِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ إِخْرَاجَ جَمِيعِ حَدِيثِ الثِّقَةِ، وَمَنْ ضَعَّفَ جَمِيعَ حَدِيثِ سَيِّئِ الْحِفْظِ "
انتهى من "زاد المعاد" (1/ 353) .
وخلاصة ما تقدم : أن إسماعيل بن أبي أويس عالم حافظ صدوق في نفسه ، إلا أنه ربما غلط وانفرد ، وحاشاه أن يكون ممن يضع الحديث .
وأن صاحبي الصحيحين لم يرويا عنه إلا ما كان من صحيح حديثه ، إما متابعة ، وإما انتخابا .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
lamine Mellak
2018-08-30, 16:43
شكرا جزيلالكم
*عبدالرحمن*
2018-09-02, 07:11
شكرا جزيلالكم
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
الشكر موصول لمرورك الطيب مثلك
في انتظار حضورك العطر دائما
بارك الله فيك
و جزاك الله غنا كل خير
*عبدالرحمن*
2018-09-02, 07:18
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
: العبد المؤمن بين الخوف والرجاء، إلى أن يلقى الله تعالى .
السؤال:
يقول الله في حديث قدسي : (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء) . وهناك مقولة قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لو أحد قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله " .
هل لم يحسن سيدنا عمر الظن بالله فهو من المبشرين بالجنة ، وهو ثاني أكبر صحابة النبي بعد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ؟
هل إذا اطمأن قلب العبد يخاف من مكر الله ؟
أرجو تفسير واضح لعلاقة المقولة بالحديث .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (7405) ، ومسلم (2675) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ) .
والحديث باللفظ الوارد في السؤال : رواه الإمام أحمد (16016) وغيره ، من حديث سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي السَّائِبِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَيَّانُ أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: " دَخَلْتُ مَعَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو الْأَسْوَدِ يَمِينَ وَاثِلَةَ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ ، وَوَجْهِهِ لِبَيْعَتِهِ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ : وَاحِدَةٌ، أَسْأَلُكَ عَنْهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِرَبِّكَ ؟
قَالَ : فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ : وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ ، أَيْ حَسَنٌ قَالَ وَاثِلَةُ: أَبْشِرْ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ ) .
قال محققو المسند ـ ط الرسالة ـ : "إسناده صحيح" . وصححه الألباني في "صحيح الجامع".
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ . قَالُوا: وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ يَكُونُ خَائِفًا رَاجِيًا وَيَكُونَانِ سَوَاءً . وَقِيلَ : يَكُونُ الْخَوْفُ أَرْجَحَ فَإِذَا دَنَتْ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ غَلَّبَ الرَّجَاءَ أَوْ مَحّضَهُ ؛
لأَنَّ مَقْصُودَ الْخَوْفِ الِانْكِفَافُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَوْ مُعْظَمُهُ فِي هَذَا الْحَالِ ، فَاسْتُحِبَّ إِحْسَانُ الظَّنِّ الْمُتَضَمِّنُ لِلِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِذْعَانِ لَهُ "
انتهى من "شرح النووي على مسلم" (17/ 210) .
وروى الإمام أحمد (9076) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ) وصححه محققو المسند .
قال المناوي رحمه الله :
" أي: إن ظن بي خيرا أفعل به خيرا، وإن ظن بي شرا أفعل به شرا " .
انتهى من "فيض القدير" (2/ 312) .
فعلى المسلم أن يحسن الظن بربه ، بإحسان العمل ، والإقبال على الله ، فإن أساء أحسن الظن بالله بالتوبة وعدم التسويف ، والرجاء أن يغفر الله له ويتجاوز عنه .
ثانيا :
قال تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الأعراف/99 .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" المقصود من هذا: تحذير العباد من الأمن من مكره بالإقامة على معاصيه والتهاون بحقه ، والمراد من مكر الله بهم : كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره
فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم ؛ بسبب إقامتهم على معاصيه، وأمنهم من عقابه وغضبه "
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (24/ 232) .
وقال أيضا :
" الواجب على المسلم ألا يقنط ولا يأمن ، ويكون بين الرجاء والخوف ، لأن الله ذم الآمنين ، وذم القانطين ، فقال سبحانه: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)
وقال سبحانه: (لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) . فالواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس ، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله
ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو ، ولا يأمن من مكر الله، ويقيم على المعاصي ويتساهل " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" لابن باز (4/ 38) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمُؤْمِنُ يَعْمَلُ بِالطَّاعَاتِ وَهُوَ مُشْفِق وَجِل خَائِفٌ، وَالْفَاجِرُ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ آمِنٌ " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/ 451) .
ثالثا :
ما يذكره بعض الناس عن أبي بكر رضي الله عنه - ويحكيه بعضهم عن عمر رضي الله عنه – أنه قال : " لو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها لما أمنت مكر الله " لم نجد له أصلا في كتب أهل الحديث ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكره .
وقد سئل عنه الشيخ الألباني رحمه الله فقال :
" ما أعرفه " انتهى .
وفي هذا الكلام - بعد عدم ثبوت صحته- نظر ؛ فالمؤمن لا يأمن مكر الله ما دام لم يدخل الجنة ، فإذا وطئت قدمه الجنة أمن مكر الله ، ولا يعرف أن أحدا وطئ بإحدى قدميه الجنة ، فأخرجه الله منها ، وأدخله النار .
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله :
متى يجد العبد طعم الراحة ؟
فقَالَ: " عند أول قدم يضعها فِي الجنة "
انتهى من "طبقات الحنابلة" (1/ 293) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-02, 07:24
من الأذكار التي تقال بعد الصلاة ، وعند النوم .
السؤال :
ما صحة هذا الحديث : عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال في دبر الصلوات ، وإذا أخذ مضجعه : الله أكبر كبيراً ، عدد الشفع والوتر، وكلمات الله الطيبات المباركات - ثلاثاً -
، ولا إله إلا الله - مثل ذلك - كن له في القبر نوراً ، وعلى الحشر نوراً ، وعلى الصراط نوراً، حتى يدخل الجنة " أخرجه بن أبي شيبة 10/229. والهندي في " الكنز " ، وقال عنه حسن الإسناد ؟
الجواب :
الحمد لله
قال ابن أبي شيبة رحمه الله في "مصنفه" (29256) :
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ طَيْسَلَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا عَدَدَ الشَّفْعِ
وَالْوِتْرِ، وَكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الطَّيِّبَاتِ الْمُبَارَكَاتِ ، ثَلَاثًا، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، كُنَّ لَهُ فِي قَبْرِهِ نُورًا، وَعَلَى الْجِسْرِ نُورًا، وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا حَتَّى يُدْخِلْنَهُ الْجَنَّةَ ، أَوْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) .
وهذا إسناد صحيح :
- طيسلة هو ابن علي ، ويقال : ابن مياس ، وثقه ابن معين وابن حبان ، وروى عنه جمع من الثقات
وقال الحافظ رحمه الله في التقريب (ص284) : " مقبول " . فرده الشيخ الألباني رحمه الله بقوله :
" قوله في ( طيسلة ) : " مقبول " غير مقبول منه
بل هو ثقة كما قال ابن معين فيما رواه ابن أبي حاتم عنه ( 2 / 1 / 501 )
وهو مما ذكره ابن شاهين في " ثقاته " عن يحيى ، يعني ابن معين
وحكاه المزي في " تهذيبه " ( 13 / 467 ) عنه ، وروى عنه جمع من الثقات " .
انتهى من "السلسلة الصحيحة" (6 /397)
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" طيسلة ، وثقه ابن معينٍ ، وهو: ابن علي اليمامي، ويقال: ابن مياسٍ " .
انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (7/ 398) .
- ومحمد بن عبد الرحمن ، هو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد القرشي التيمى مولى آل طلحة ، ثقة من رجال مسلم ، وثقه ابن معين والترمذي وأبو علي الطوسي ويعقوب بن سفيان
وقال أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود : صالح الحديث . وقال النسائي: ليس به بأس . وذكره ابن حبان في الثقات .
"تهذيب التهذيب" (9 /267)
وقال ابن رجب في هذا الإسناد :
" ذكر الإسماعيلي : أن محمد بن عبد الرحمن ، هو: مولى آل طلحة، وهو ثقةٌ مشهورٌ، وخرّج له مسلمٌ "
انتهى من "فتح الباري" (7/ 397) .
- ومسعر ، وهو ابن كدام ، ويزيد بن هارون : ثقتان مشهوران من رجال الكتب الستة .
فإسناد هذا الأثر صحيح
وقال المتقي الهندي رحمه الله في " كنز العمال " (2/ 641) :
" سنده حسن " .
وهو كما قال ، أو أعلى .
وهذا الأثر هو من قول ابن عمر لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن قد يقال : إن له
حكم الرفع ، فمثل هذا لا يقال بالاجتهاد ، ولا هو مما يمكن أن يتلقاه الصحابي عن أهل الكتاب ، وخاصة إذا جاء عن مثل ابن عمر رضي الله عنهما ، وهو المعروف بتحريه والتزامه السنة وعنايته بها على التمام .
وينظر للفائدة جواب السؤال القادم
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-02, 07:28
أذكار النوم الصحيحة
السؤال:
ما هي أذكار النوم الصحيحة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
أريد أن أعرفها كاملة ، جزاكم الله خير الجزاء .
الجواب :
الحمد لله
أذكار النوم الصحيحة الواردة في السنة النبوية كثيرة ، حتى قال الإمام النووي رحمه الله :
" اعلم أن الأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية لمن وفق للعمل به ، وإنما حذفنا ما زاد عليه خوفا من الملل على طالبه
ثم الأَولى أن يأتي الإنسان بجميع المذكور في هذا الباب ، فإن لم يتمكن اقتصر على ما يقدر عليه من أهمه " انتهى.
" الأذكار " (ص/95)
ونحن نجمع ههنا ما صح من الأحاديث في هذا الباب :
1- النفث في الكفين بالمعوذات الثلاثة :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها :
( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ : جَمَعَ كَفَّيْهِ ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا ، فَقَرَأَ فِيهِمَا : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) النفث : نفخ لطيف بلا ريق . رواه البخاري (5017) .
2- آية الكرسي :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
( وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِي آتٍ ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ -
فَقَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، ذَاكَ شَيْطَانٌ )
رواه البخاري (2311) .
3- آخر آيتين من سورة البقرة :
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ قَرَأَ بِالْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ ) . رواه البخاري (5009) ومسلم (808)
اختلف العلماء في معنى كفتاه ، فقيل : من الآفات في ليلته . وقيل : كفتاه من قيام ليلته . ويجوز أن يراد به الأمران ، والله أعلم .
4- سورة الكافرون :
عن نوفل الأشجعي رضي اللّه عنه قال : قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
( اقْرأ : ( قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ ) ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها ، فإنَّها بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ )
رواه أبو داود (5055) وحسنه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/61)
5- سورة الإسراء :
عن عائشة رضي اللّه عنها قالت :
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَنَامُ حَتَّى يَقرَأَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَالزُّمَر )
رواه الترمذي (3402) وقال : حديث حسن . وحسّنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (3/65)
6- سورة الزمر :
دليله الحديث السابق نفسه.
7- باسمك اللهم أموت وأحيا :
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ :
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )
رواه البخاري (6324)
8- اللهم إني أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت :
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ : وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ
لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ . فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ، قَالَ : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ . قُلْتُ : وَرَسُولِكَ . قَالَ : لَا ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ) رواه البخاري (6311) ، ومسلم (2710) .
9- باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ : بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ )
رواه البخاري (6320) ، ومسلم (2714)
10- التسبيح ثلاثا وثلاثين مرة ، والتحميد ثلاثا وثلاثين ، والتكبير أربعا وثلاثين .
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا ، فَقَالَ :
( أَلَا أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ ، تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ . فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ . قِيلَ : وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ ؟
قَالَ : وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ ) رواه البخاري (5362) ، ومسلم (2727)
11- اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك :
عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ قِنِى عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ ) ثَلاَثَ مِرَارٍ .
رواه أبو داود (5045) وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (11/119).
12- الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا ، وكفانا وآوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي :
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ :
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ )
رواه مسلم ( 2715 )
13- اللهم خلقت نفسي ، وأنت توفاها ، لك مماتها ومحياها ، إن أحييتها فاحفظها ، وإن أمتها فاغفر لها ، اللهم إني أسألك العافية :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ :
( اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا ، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا ، إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا ، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ )
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ ؟ فَقَالَ : مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ ، مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه مسلم ( 2712 )
14- اللهم رب السماوات ، ورب الأرض ، ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها
اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر :
عن سهيل قال : كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا - إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ - أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ :
( اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ
وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ ، وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ )
وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم ( 2713 )
15- اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم ، اللهم لا يهزم جندك ، ولا يخلف وعدك ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، سبحانك وبحمدك :
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ :
( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ ، اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ ، وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ )
رواه أبو داود (5052) وصححه النووي في " الأذكار " (ص/111)، وابن حجر في " نتائج الأفكار " (2/384)
16- بسم الله وضعت جنبي ، اللهم اغفر لي ذنبي ، وأخسئ شيطاني ، وفك رهاني ، واجعلني في الندي الأعلى – أي في الملأ الأعلى من الملائكة -.
عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ الْأَنْمَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ :
( بِسْمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَأَخْسِئْ شَيْطَانِي ، وَفُكَّ رِهَانِي ، وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الْأَعْلَى )
رواه أبو داود (5054)
وحسنه النووي في " الأذكار " (ص/125)
والحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (3/60).
*عبدالرحمن*
2018-09-02, 07:35
غناء الحور العين في الجنة بالتسبيح والتقديس .
السؤال :
ما معنى الحديث " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّةِ ، حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ ، وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا
قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا ذَلِكَ الْغِنَاءُ؟ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّقْدِيسُ وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ " ؟
الجواب :
الحمد لله
روى البيهقي رحمه الله في " البعث والنشور" (383) عَنْ أبي صَالح عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّ، حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ ، وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ
حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا "، قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا ذَلِكَ الْغِنَاءُ؟ قَالَ: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ : التَّسْبِيحُ ، وَالتَّحْمِيدُ ، وَالتَّقْدِيسُ وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ " .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (11/ 49):
" هكذا رواه ـ يعني : جعفرا الفريابي ـ موقوفاً
وعزاه المنذري (4/ 267) للبيهقي
وهو في "البعث" (213/ 425) . قلت : وإسناده جيد، ورجاله ثقات رجال "الصحيح"؛ غير أبي عبد الرحيم - واسمه خالد بن أبي يزيد الحراني -، وهو ثقة. وأشار المنذري لتقويته " انتهى .
ومعنى هذا الأثر :
أن في الجنة نهرا طويلا بطول الجنة ، على حافتيه جوارٍ عذارى متقابلات ، من جواري الجنة ، يغنين بأعذب الأصوات وأحسنها ، يسمعهن أهل الجنة
يذكرن في غنائهن : التسبيح والتحميد والتقديس والثناء على الرب تعالى .
ومعلوم أنه ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء .
فليس هذا الغناء الذي في الجنة كذاك الذي في الدنيا .
وقد روى ابن أبي الدنيا بسند صحيح في كتاب "صفة الجنة" (258) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنْ مَجَالِسِ اللَّهْوِ، وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ
أَسْكِنُوهُمْ بَيَاضَ الْمِسْكِ، ثُمَّ يَقُولُ للمَلَائِكَة: ( أَسْمِعُوهُمْ تَمْجِيدِي وَتَحْمِيدِي ) " .
وروى الآجري في "تحريم النرد والملاهي" (69) بسند صحيح عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: " يُنَادِى مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنِ اللَّهْوِ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ؟
قَالَ: فَيَجْعَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي رِيَاضِ الْمِسْكِ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: ( أَسْمِعُوهُمْ عِبَادِي تَحْمِيدِي وَتَمْجِيدِي وَالثَّنَاءَ عَلَيَّ ، وَأَخْبِرُوهُمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
وروى ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (328)
عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ : إِنَّ عِبَادِي كَانُوا يُحِبُّونَ الصَّوْتَ الْحَسَنَ فِي الدُّنْيَا فَيَدَعُونَهُ مِنْ أَجْلِي ، فَأَسْمِعُوا عِبَادِي، فَيَأْخُذُونَ بِأَصْوَاتٍ مِنْ تَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ لَمْ يَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطُّ " .
فهذه الآثار تدل على أن التسبيح والتكبير والتهليل هو مما يتلذذون بسماعه ، تلذذ أهل الهوى من أهل الدنيا بسماع الغناء والموسيقى ، فيسمعون الذكر بأصوات عذبة حسنة .
وينظر للفائدة : جواب السؤال القادم
وقد ورد في غناء الحور العين غير ذلك :
فروى الطبراني في "الأوسط" (6497) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ الْحُورَ فِي الْجَنَّةِ يَتَغَنَّيْنَ يَقُلْنَ:
نَحْنُ الْحُورُ الْحِسَانُ ** هُدِينَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ )
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"
وينظر للفائدة : جواب السؤال بعد القادم
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-02, 07:40
هل كل المحرمات يوجد مثلها في الجنة؟
السؤال :
طُلب من المسلم الابتعاد عن الحرام لأنه يجده في الجنة ، فهل هذه العبارة صحيحة أن كل المحرمات والشهوات المحرمة في الدنيا محللة جائزة في الآخرة ؟ إذ هناك شهوات كالحب المثلي يقال إنها محرمة في الدنيا والآخرة
فكيف يتوقف المسلم عنها عندما ييأس من أن يجدها في الآخرة ؟
ما الدافع القوي لتركها في الدنيا ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
عبارة " طُلب من المسلم الابتعاد عن الحرام لأنه يجده في الجنة " : غير صحيحة إذا فُهمت أنها على عمومها ؛ إذ ليس كل ما حرَّمه الله تعالى علينا نجده في الآخرة
وإنما جاء ذلك في أشياء معدودة كتحريم لبس الحرير وتحريم شرب الخمر وتحريم الشرب بآنية الذهب والفضة ؛ فإن هذه الأشياء يجدها المسلم في الجنة بما هو لائق بفضل الله وبما هو لائق بتلك الدار .
فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهُ فِي الْآخِرَةِ , وَمَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لَمْ يَشْرَبْ بِهِمَا فِي الْآخِرَةِ )
ثُمَّ قَالَ ( لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَشَرَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَآنِيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) .
رواه النسائي في " السنن الكبرى " ( 6869 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ( 384 ) .
وإذا كان الشيء المحرم له نظير في الآخرة ؛ فقد ذهب بعض العلماء إلى أن من فعل هذا المحرم في الدنيا عوقب بحرمانه في الآخرة ، كالغناء والاستمتاع بامرأة لا تحل له .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :
"من صام اليوم عن شهواته : أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حرم عليه قبل وفاته : عوقب بحرمانه في الآخرة وفواته
وشاهد ذلك قوله تعالى : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) الأحقاف/ 20
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة )"
انتهى من" لطائف المعارف " ( ص 147 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله - وهو يعدد العقوبات التي تقع على الزاني إذا لم يتب - :
"ومنها : أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن ، والله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة
وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة ، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا ، بل كل ما ناله العبد في الدنيا من حرام : فاته نظيره يوم القيامة" انتهى .
انتهى من" روضة المحبين " ( 365 - 368 ) .
أما اللواط والسحاق فقد حرم الله تعالى ذلك على عباده في الدنيا ، وأهل الجنة منزهون عن مثل هذه الفواحش .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-02, 07:43
هل يحرم سماع الغناء في الجنة مَن سمعه في الدنيا ؟
السؤال
هل من يسمع الأغاني في الدنيا لا يسمعها في الجنة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ورد في السنة بعض ما يدل على أن من أنواع النعيم الذي يلقاه أهل الجنة الاستماع إلى أصوات جميلة تستفرغ لذاتهم ، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه " حادي الأرواح "
في الباب السابع والخمسين فصلا كاملا في " ذكر سماع الجنة وغناء الحور العين وما فيه من الطرب واللذة " (ص/358-365) جمع فيه كل ما ورد في هذا الباب من صحيح وضعيف .
ولعل من أصح ما ورد في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ : نَحْنُ الْخَيِّرَاتُ الْحِسَانُ أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ )
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (5/149)، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (3/269)
ثانيا :
من المعلوم أيضا أن استماع المعازف في الدنيا من المحرمات التي ثبت تحريمها في الكتاب والسنة الصحيحة ، وقرر ذلك فقهاء المذاهب الأربعة
فمن تهاون في الوقوع في هذه المعصية استحق الإثم والعذاب على ارتكابه لذلك ، كما هو الحال في سائر ما حرم الله على عباده في الدنيا .
ولم يرد دليل على أن من سمع المعازف في الدنيا حُرم من سماع الغناء والأصوات الجميلة في الجنة حين يدخلها ، وإن كان بعض أهل العلم يذكر أن من عقوبة من تنعم بشيء
على وجه محرم في الدنيا ، أن يحرم من التنعم به في الجنة ، أو ينقص حظه منه فيها ، كما أن من لبس الذهب أو الحرير من الرجال في الدنيا ، يحرم منه في الجنة .
قال ابن القيم رحمه الله :
" إذا كان – الله عز وجل - قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة ، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة ، فكذلك مَن تمتع بالصور المحرمة في الدنيا
بل كل ما ناله العبد في الدنيا ، فإن توسع في حلاله ، ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه ، وإن ناله من حرامٍ فاته نظيرُه يوم القيامة " انتهى.
" روضة المحبين " (ص/362) .
لكن الجزم بذلك ، أو القول بأن هذا الحرمان على وجه التأبيد : مما يحتاج إلى دليل بخصوصه ، فالله أعلم بحقيقة الحال .
ثالثا :
أما ما ورد من أحاديث يدل ظاهرها على أن من سمع الغناء في الدنيا لم يسمعه في الآخرة فهي أحاديث ضعيفة جدا ، من أشهرها حديث :
( من لها بالغناء ، لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة . قيل : وما الروحانيون ؟ قال : قراء أهل الجنة )
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" موضوع ، أخرجه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (3/441 - 442 – طبع دار الكتب العلمية) من طريق حماد بن عمرو عن أبي موسى - من ولد أبي هريرة - عن أبيه عن جده مرفوعاً .
قلت – أي الشيخ الألباني رحمه الله - : وهذا موضوع ، آفته ( حماد بن عمرو ) - وهو: النصيبي - ، قال الذهبي في "المغني": روى عن الثقات موضوعات
قاله النقاش، وقال النسائي: متروك . وهو معدود فيمن يضع الحديث، كما قال ابن عدي وغيره - كما يأتي
في الحديث الذي بعده – " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6516) .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-07, 10:33
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
بطلان ما روي عن عائشة في "الإسراء" : ( ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)
السؤال:
بخصوص حديث الإسراء والمعراج هناك حديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول فيه : ( ما فقدت جسد رسول الله ولكن أُسري بروحه ) ما صحة الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الأثر رواه محمد بن إسحاق قال : حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: " مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَسْرَى بِرُوحِهِ) " كما في " السيرة النبوية " لابن هشام (2/46) .
ومن طريقة رواه ابن جرير الطبري في تفسيره : (22175) (14/445) ، وذكره القاضي عياض في "الشفا" (1/147) .
وهو أثر ضعيف لم يثبت عن عائشة رضي الله عنها ، بل حكم عليه بعض العلماء بأنه موضوع .
قال الشيخ علوي السقاف في "تخريج أحاديث الظلال" (ص229)
: "ضعيف ، رواه ابن إسحاق بإسناد منقطع " انتهى .
وقد روى ابن إسحاق أيضا نحوه عن معاوية رضي الله عنه ، وضعفه الألباني كما ضعف الأثر عن عائشة فقال : "لم يصح ذلك عنهما"
انتهى من "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" (ص246) .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله
: " قد تجد حديثين عن عائشة ومعاوية ، يُفْهِمان أن الإسراء لم يكن بجسده الشريف ، وهما حديثان ليسا مما يحتج بمثلهما أهل العلم بالحديث ، وقد رواهما ابن إسحاق في السيرة
قال :حدثني بعض آل أبي بكر أن عائشة كانت تقول : (ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه) .
فإنهما خبران ضعيفان ، ليس لهما إسناد صحيح ، وقد أطلت البحث عنهما فلم أجد لهما إسنادًا غير ما ذكر ابن إسحاق .
أما خبر معاوية
فإنه منقطع ؛ لأن راويه يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، لم يدرك معاوية ، ولم يدرك أحدًا من الصحابة أصلاً ، وإنما يروى عن التابعين فقط ، ومات سنة 128 هـ، ومعاوية مات سنة 60 هـ .
وأما حديث عائشة فإنه كما ترون : لا إسناد له ، لأن قول ابن إسحاق : حدثني بعض آل أبي بكر إبهام للراوي ، فلا نعرف منه من الذي حدثه ، وهل هو ثقة أو ليس بثقة ؟ وهل أدرك عائشة أو لم يدركها ؟
فكلا الحديثين منقطع الإسناد ، مجهول الراوي ، لا يحتج بمثله عند أهل العلم" .
انتهى من " مجلة المنار " (49/14) الشاملة .
وقد اختلفت نسخ الكتب في لفظ هذا الأثر ، ففي بعضها : (ما فقدت..) بتاء المتكلم ، وفي بعضها : (ما فُقِد) ؛ واللفظ الأول أدل على أنه كذب ، لأن الإسراء والمعراض كان بمكة قبل الهجرة
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا في المدينة بعد الهجرة ، فكيف تقول : (ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ؟!
قال الصالحي في "سبل الهدى والرشاد" (3/101) :
" كذا فيما وقفت عليه من نسخ السيرة (فُقِد) بالبناء للمفعول ، وفي الذي وقفت عليه من نسخ الشّفا للقاضي (ما فقدت) بالبناء للفاعل وإسناد الفعل إلى تاء المتكلّم." انتهى .
ثم قال (3/103):
"وأما ما يعزى لعائشة رضي الله عنها، فلم يرد بسند يصلح للحجة ، بل في سنده انقطاع واروٍ مجهول كما تقدم . وقال أبو الخطاب بن دحية في التنوير: إنه حديث موضوع عليها. وقال في معراجه الصغير:
قال إمام الشافعية القاضي أبو العباس بن سريج: هذا حديث لا يصح ، وإنما وُضِعَ ردًا للحديث الصحيح" اهـ ." انتهى
كلام الصالحي .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" وإنكار عائشة الإسراء بجسده : لا يصح عنها ، ولا يثبت قولها : (ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أسري بروحه ).
وقد قال بعضهم عنها : (ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة) ؛ وهذا من الكذب الواضح ؛ لأن عائشة لم تكن وقت الإسراء معه ، وإنما ضمها بعد ذلك بسنين كثيرة بالمدينة "
انتهى من "الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة" لابن عبد البر (134-135) ط دار ابن عفان .
والإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم كان بروحه وجسده كما سبق بيانه في الفتوى القادمة
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-07, 10:41
الرد على من زعم أن الإسراء والمعراج خرافة
السؤال:
لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج ، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف : إن حادثة المعراج هي محض خرافات ، ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة
في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها : ( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93؛ فقال إن القرآن ينفي
إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء ، وقال : إن ذلك يخالف القران بنص الآية ، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )الإسراء/60.
وفي النهاية أقول لفضيلتكم : إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة ، ولكني مؤمن بأنها معجزة ؛ أرجو الإجابة والتوضيح ، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر ، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم
علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان . أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة
وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .
وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس
وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر
, لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .
وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج ، فمنهم من قال : إنه كان مناما ، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة ؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها .
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة :
" والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى .
وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله : " اختلف الناس في الإسراء :
فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده
وبينهما فرق عظيم ، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة
فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة ، وروحه لم تصعد ولم تذهب ؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال ، فما أرادا أن الإسراء كان مناما ، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها ؛ ففارقت الجسد ثم عادت إليه
ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .
وقيل : كان الإسراء مرتين : مرة يقظة ، ومرة مناما ... ، وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين : مرة قبل الوحي ومرة بعده
ومنهم من قال : بل ثلاث مرات : مرة قبل الوحي ومرتين بعده ؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق ، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة
وقيل بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر ...
وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام ، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما
وربط البراق بحلقه باب المسجد ، وقد قيل : إنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، ولا يصح عنه ذلك ألبتة .
ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما ، فرأى هناك آدم أبا البشر ، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثانية..."
إلى أن قال رحمه الله
: " ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) الإسراء /1 ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح
كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا
ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر "
انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245).
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) :
" ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً
ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة ، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا
قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء
ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد
وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60،
قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ]
زقال تعالى :
( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .
وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .
وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067)
: " ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس
شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى
لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به
استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال
: إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى .
وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) :
" وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس
وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة ، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء ، وصهيب الرومي وأم هانىء
وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة
فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون ، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون "
انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36).
ثانيا :
لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال ، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار
فأوهم أن الجواب القرآني : (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب ، وهو الرقي في السماء ، وأن هذا يدل على عدم إمكانه .
والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار ، وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً *
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93
فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .
فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض ، والأنهار ، ويسقط السماء ، ويأتي بالله ! وبالملائكة ! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر ! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره
وهو موافق لقوله تعالى : ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المدثر /52 . لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر ، ولا هو في إمكانهم ، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب
لا على آحاد كل منها ، وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة ، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره ، فكيف بتفجير نبع من الأرض
ولا استحالة ـ أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل .. ، على نحو ما طلبوا ، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة
إنما هي من باب المبالغة في العناد ، والتعنت مع الرسول ، من أجل التمادي في طغيانهم
.
قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله :
" ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [ المبالغة في الخصومة ] وعناد ، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة ( سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب .. ثم بالاستفهام الإنكاري
وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا ، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة ، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها " . انتهى .
"التحرير والتنوير" ( 15/210-211) .
ثالثا :
احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك
أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي ، ما يحصنك ضد شبهات المشككين ، ففر من هؤلاء ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم
فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين
.
نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-07, 10:48
لم يصح حديث في تحديد المسافة بين السماء والأرض أو بين كل سماءين!!
السؤال:
ذكرتم في إحدى أجوبتكم رواية أخرجها ابن خزيمة في كتاب " التوحيد "، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام ) .
فكيف يعقل هذا في ظل المعلومات العلمية المتوفرة حالياً ، أم هل أنّ معنى الخمسمائة عام لا يؤخذ على ظاهره ؟
الجواب :
الحمد لله
الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، التي ذُكر فيها أن ما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام ، كلها أحاديث لا تثبت ولا تصح ، بلغتنا عن أربعة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
وهذا تفصيل ذلك :
الحديث الأول : عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه ، قَالَ :
" كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ ) ، قَالَ : قُلْنَا : السَّحَابُ ، قَالَ : ( وَالْمُزْنُ ) ، قُلْنَا : وَالْمُزْنُ
. قَالَ : ( وَالْعَنَانُ ) ، قَالَ : فَسَكَتْنَا ، فَقَالَ : ( هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ؟ ) ، قَالَ : قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ
وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِنَّ وَأَظْلافِهِنَّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ شَيْءٌ ) .
الأوعال : ملائكة على صورة الأوعال على ما قاله ابن الأثير في"النهاية".
روي هذا الحديث من طريق سماك بن حرب ، عن عبد الله بن عميرة ، عن عباس بن عبد المطلب . وبعضهم أضاف الأحنف بن قيس بعد ابن عميرة .
رواه الإمام أحمد في " المسند " (3/292)، وأبوداود (4723)، والترمذي (3320)، وغيرهم كثير.
وهذا إسناد ضعيف بسبب عبد الله بن عميرة ، ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (5/124)
والبخاري في " التاريخ الكبير " (5/159)، ولم ينقلا فيه جرحا ولا تعديلا
. بل قال البخاري : لا نعلم له سماعا من الأحنف . وقال إبراهيم الحربي: لا أعرف عبد الله بن عميرة
. كما في " إكمال تهذيب الكمال " (8/102)
لذلك قال الذهبي في " المغني " (1/350):
" لا يعرف ". وقال ابن حجر : مجهول . " تعجيل المنفعة " (2/274).
ولذلك قال ابن الجوزي عن هذا الحديث : " لا يصح " "العلل المتناهية " (1/9)، وقال البوصيري : ضعيف منقطع ،
كما في " إتحاف الخيرة المهرة " (6/165).
وقال الشيخ أحمد شاكر في " تحقيق المسند ": ضعيف جدا . وكذا قال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
الحديث الثاني : من طريق قتادة، عن الحسن البصري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
" بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّتْ سَحَابَةٌ فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ ؟ ... ) وذكر نحو الحديث المتقدم ، " قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( الْعَنَانُ ، وَرَوَايَا الْأَرْضِ
يَسُوقُهُ اللهُ إِلَى مَنْ لَا يَشْكُرُهُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَا يَدْعُونَهُ ، أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ فَوْقَكُمْ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : ( الرَّقِيعُ ، مَوْجٌ مَكْفُوفٌ ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ ، أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
قَالَ : مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ )، ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الَّتِي فَوْقَهَا؟ قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : سَمَاءٌ أُخْرَى ، ( أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا ؟
) ،قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) ، ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: ( الْعَرْشُ)
قَالَ : أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ ) .
ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَا تَحْتَكُمْ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أَرْضٌ ، أَتَدْرُونَ مَا تَحْتَهَا ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : (أَرْضٌ أُخْرَى ، أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ )
قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ ، ) ، ثُمَّ قَالَ : ( وَايْمُ اللهِ ، لَوْ دَلَّيْتُمْ أَحَدَكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى السَّابِعَةِ
لَهَبَطَ ، ثُمَّ قَرَأَ : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد: 3] " .
رواه أحمد في " المسند " (14/422) ، والترمذي في " السنن " (3298)
وهذا حديث شديد الضعف أيضا ، فقتادة مدلس ولم يصرح بسماعه من الحسن البصري ، والحسن لم يسمع من أبي هريرة ، كما قال أيوب السختياني : " لم يسمع الحسن من أبي هريرة "
انتهى من "المراسيل" لابن أبي حاتم (106).
لذلك قال الترمذي : غريب من هذا الوجه . وقال الجورقاني : " باطل "
انتهى من " الأباطيل " (1/201)
وقال ابن الجوزي : " لا يصح "
انتهى من " العلل المتناهية " (1/27)
وقال ابن حجر : " لا يصح سنده " انتهى من " تحفة النبلاء " (63). وقال الذهبي : " منكر " ا
نتهى من " العلو " (74)، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
الحديث الثالث : من طريق ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
( وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) [الواقعة: 34] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ ارْتِفَاعَهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَإِنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ) .
رواه الإمام أحمد في " المسند " (18/247)، والترمذي في " السنن " (2540) وقال : حديث غريب ، إشارة منه إلى ضعفه ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
وضعف هذا الإسناد ظاهر جدا ، بسبب ابن لهيعة ، ودراج أبي السمح ، وخاصة في روايته عن أبي الهيثم .
ينظر " تهذيب التهذيب " (3/209)
الحديث الرابع : حديث أبي نصر ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كثف الأرض مسيرة خمس مائة عام ، وبين الأرض العليا وبين السماء الدنيا خمس مائة عام ...... )
وذكر نحو الحديث المتقدم .
رواه البزار في " البحر الزخار " (9/ 460)
وقال : " هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد . وأبو نصر هذا أحسبه حميد بن هلال ولم يسمع من أبي ذر ".
وقال الجورقاني : "حديث منكر "
انتهى من " الأباطيل " (1/200) ،
وكذا قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1/12)
وقال ابن كثير في " تفسيره " (4/303) :
" في إسناده نظر ، وفي متنه غرابة ونكارة ".
وهكذا لم نقف على إسناد يصح في تحديد المسافة بين السماء والأرض أنها مسيرة خمسمائة عام.
يقول الشيخ محمد الحوت رحمه الله :
" لم يصح من ذلك شيء ، ولا مقدار ما بين كل سماءين ، ولا بين السماء والأرض ، من كون ذلك خمسمائة سنة ، أو ثمانين سنة "
انتهى من " أسنى المطالب " (ص/164)
وما نقلناه سابقا في الفتوى القادمه
ليس فيه تصحيح حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث السابقة
وإنما نقلنا فيه عن عبد الله بن مسعود
ولا يخفى على طالب العلم أن أثر الصحابي ليس كحديث النبي صلى الله عليه وسلم .
فهو محل بحث ونظر إذا اشتمل على الغريب أو عارض ما هو أقوى منه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-07, 10:50
هل العرش فوق السماء السابعة ؟
السؤال
أعرف أن الله فوق السماء والأرض والكل تحته . فهل هذا يعني أن العرش فوق السماء السابعة ؟ .
الجواب
الحمد لله
مما لا شك فيه أن العرش فوق السماء السابعة بل هو أعلى المخلوقات كلها .
وقد دلت الأدلة الصريحة على ذلك .
فمن ذلك ما رواه البخاري ( 2581 )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ
لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ " .
وقد تقرر عند جميع المسلمين ، أن الجنة فوق السماء السابعة ، فإذا كان العرش فوق الجنة لزم من ذلك أن يكون العرش فوق السماء السابعة .
ومما يشهد لهذا المعنى ويدل عليه ما رواه مسلم في صحيحه ( 4136 ) عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَنْصَارِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ...
وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟
فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ. قَالَ : فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا " فهذا ظاهر جداً في أن العرش وحملته فوق جميع السماوات .
ومن ذلك مَا أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه ( 105
) وفي كتاب التوحيد له (رقم 594 ) عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ : " بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن كُلّ سَمَاء مسيرة خَمْسمِائَةِ عَام . وَفِي رِوَايَة " وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام
, وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام , وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ "
وصححه الذهبي في العلو ( ص64 ) وابن القيم في اجتماع الحيوش الإسلامية ( ص 100 ) .
وما أخرجه الذهبي في كتاب العلو كما في مختصره ( 35 )عن عبد الله بن عمرو قال : جعل الله فوق السماء السابعة الماء ، وجعل فوق الماء العرش " وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح.
وقد نص العلماء رحمهم الله تعالى على أن العرش سقف المخلوقات وأعلاها .
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/203) :
والعرش هو سقف المخلوقات وأعظمها اهـ بتصرف يسير .
وكذا قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/581) ، (25/1998) .
وقاله ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/9، 11) .
وقاله ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" (1/311) .
انظر: ( مختصر العلو ـ للذهبي ، والتوحيد لابن خزيمة ، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم.
*عبدالرحمن*
2018-09-07, 10:56
عنده إشكال في قوله تعالى : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) السجدة/ 5 .
السؤال:
عندي استفسار بخصوص الآية : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) السجدة/5 ؛ ففي هذه الآية : هل المقصود أن الله يدبر الأمر ويرسله إلى الأرض " بواسطة الملائكة "
ثم ترجع إليه الملائكة بالخبر ، كل ذلك في ألف سنة ؟
فإذا كانت كذلك ، فهل ينتظر الله حتى تعود إليه الملائكة ، لكي يعلم رد فعل الأمر الذي تم إنزاله ؟
أقصد أن علم الله واسع ، فلماذا ينتظر حتى تعود إليه الملائكة بالخبر ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
يقول الله عز وجل :
( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) السجدة/ 5 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ مِنْ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ ، إِلَى أَقْصَى تُخُومِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وَتُرْفَعُ الْأَعْمَالُ إِلَى دِيوَانِهَا فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، وَمَسَافَةُ مَا بَينهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ : مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ ، وَسُمْكُ السَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: النُّزُولُ مِنَ الْمَلَكِ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمائَةِ عَامٍ ، وَصُعُودُهُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ " .
انتهى من " تفسير ابن كثير " (6 /359) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
" أي : الأمر ينزل من عنده ، ويعرج إليه ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) وهو يعرج إليه ، ويصله في لحظة "
انتهى . " تفسير السعدي" (ص 654).
فعلى ذلك : يكون تدبير الله جل جلاله لأمره ، من السماء إلى الأرض ، ثم عروج الملائكة إليه بذلك ، كله : في يوم واحد ؛ مقدار هذا اليوم في حساب الناس : ألف سنة مما عندهم من الأيام
وإنما يكون عروج الملائكة بذلك إلى ربها : في وقت قصير ؛ لحظة ، أو طرف عين ، أو نحو ذلك ، وهذا كله من أمر الغيب الذي لا يعلم كنهه وماهيته إلا الله تعالى .
راجع جواب السؤالين القادمين
وليس الأمر بحسب ما ظن السائل أن الله تعالى يرسل الملائكة إلى الأرض ، ثم يمكث ألف سنة حتى يرجعوا إليه بخبر أهل الدنيا وأعمالهم ، فالله تعالى علام الغيوب
لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، وهو أمر مقطوع به ، معلوم بالضرورة من دين الإسلام ، ولذلك قال تعالى في الآية التالية لهذه : ( ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) السجدة/ 6 .
والله عز وجل يعلم ما الخلق عاملوه قبل أن يخلقهم ، وقبل أن يعملوه ، ويعلمه بعدما خلقهم ، وقبل أن يعملوه أيضا ، ثم يعلمه في حين عملهم لما يعملون ، وبعد عملهم لما يعملونه ، يعلمه كذلك ، علام الغيوب .
وقد روى مسلم (4797) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ).
وروى أبو داود (4078) عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟
قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ). وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وأما نزول الملائكة وعروجها : فهذا من تمام ملكه وسلطانه ، وعظمته وجلاله ، وتدبيره لأمر كونه جل شانه ، وإنما تكتب الملائكة أعمال العباد ، وتحصيها عليهم في صحائفهم : إقامة لحجة الله عليهم بما عملوه
وليس لأن علم الله جل جلاله ، يحتاج إلى شيء من ذلك ، سبحانه ، لا يحتاج إلى من يعلمه ما لا يعلم ، ولا يذكره بأمر ينساه
فهو منزه عن ذلك كله جل جلاله : ( قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) طه/49-52 .
وقد روى البخاري (555) ، ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ
ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ).
قال النووي رحمه الله :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَيَسْأَلهُمْ رَبّهمْ وَهُوَ أَعْلَم بِهِمْ كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ ) فَهَذَا السُّؤَال عَلَى ظَاهِره ، وَهُوَ تَعَبُّد مِنْهُ لِمَلَائِكَتِهِ ، كَمَا أَمَرَهُمْ بِكَتْبِ الْأَعْمَال ، وَهُوَ أَعْلَم بِالْجَمِيعِ " انتهى .
وراجع للفائدة جواب السؤال الثالث القادم
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 15:06
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
لم يصح حديث في تحديد المسافة بين السماء والأرض أو بين كل سماءين!!
السؤال:
ذكرتم في إحدى أجوبتكم رواية أخرجها ابن خزيمة في كتاب " التوحيد "، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام )
. فكيف يعقل هذا في ظل المعلومات العلمية المتوفرة حالياً ، أم هل أنّ معنى الخمسمائة عام لا يؤخذ على ظاهره ؟
الجواب :
الحمد لله
الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، التي ذُكر فيها أن ما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام ، كلها أحاديث لا تثبت ولا تصح ، بلغتنا عن أربعة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .
وهذا تفصيل ذلك :
الحديث الأول : عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه ، قَالَ :
" كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ ) ، قَالَ : قُلْنَا : السَّحَابُ ، قَالَ : ( وَالْمُزْنُ ) ، قُلْنَا : وَالْمُزْنُ . قَالَ : ( وَالْعَنَانُ )
قَالَ : فَسَكَتْنَا ، فَقَالَ : ( هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ؟ ) ، قَالَ : قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ
وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِنَّ وَأَظْلافِهِنَّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ شَيْءٌ ) .
الأوعال : ملائكة على صورة الأوعال على ما قاله ابن الأثير في"النهاية".
روي هذا الحديث من طريق سماك بن حرب ، عن عبد الله بن عميرة ، عن عباس بن عبد المطلب . وبعضهم أضاف الأحنف بن قيس بعد ابن عميرة .
رواه الإمام أحمد في " المسند " (3/292)، وأبوداود (4723)، والترمذي (3320)، وغيرهم كثير.
وهذا إسناد ضعيف بسبب عبد الله بن عميرة ، ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (5/124) ، والبخاري في " التاريخ الكبير " (5/159)، ولم ينقلا فيه جرحا ولا تعديلا
. بل قال البخاري : لا نعلم له سماعا من الأحنف . وقال إبراهيم الحربي: لا أعرف عبد الله بن عميرة .
كما في " إكمال تهذيب الكمال " (8/102)
لذلك قال الذهبي في " المغني " (1/350): " لا يعرف ". وقال ابن حجر : مجهول . " تعجيل المنفعة " (2/274).
ولذلك قال ابن الجوزي عن هذا الحديث : " لا يصح " "العلل المتناهية " (1/9)، وقال البوصيري : ضعيف منقطع ، كما في " إتحاف الخيرة المهرة " (6/165). وقال الشيخ أحمد شاكر في " تحقيق المسند ": ضعيف جدا .
وكذا قال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
الحديث الثاني : من طريق قتادة، عن الحسن البصري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
" بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّتْ سَحَابَةٌ فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ ؟ ... ) وذكر نحو الحديث المتقدم ، " قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
قَالَ : ( الْعَنَانُ ، وَرَوَايَا الْأَرْضِ ، يَسُوقُهُ اللهُ إِلَى مَنْ لَا يَشْكُرُهُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَا يَدْعُونَهُ ، أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ فَوْقَكُمْ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : ( الرَّقِيعُ ، مَوْجٌ مَكْفُوفٌ ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ ، أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا ؟ )
قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ )، ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الَّتِي فَوْقَهَا؟ قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : سَمَاءٌ أُخْرَى ، ( أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا ؟ )
،قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) ، ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: ( الْعَرْشُ) ، قَالَ : أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ؟ )
قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ ) .
ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَا تَحْتَكُمْ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أَرْضٌ ، أَتَدْرُونَ مَا تَحْتَهَا ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : (أَرْضٌ أُخْرَى
أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ ، ) ، ثُمَّ قَالَ : ( وَايْمُ اللهِ ، لَوْ دَلَّيْتُمْ أَحَدَكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى السَّابِعَةِ ، لَهَبَطَ
ثُمَّ قَرَأَ : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد: 3] " .
رواه أحمد في " المسند " (14/422) ، والترمذي في " السنن " (3298)
وهذا حديث شديد الضعف أيضا ، فقتادة مدلس ولم يصرح بسماعه من الحسن البصري ، والحسن لم يسمع من أبي هريرة ، كما قال أيوب السختياني : " لم يسمع الحسن من أبي هريرة "
انتهى من "المراسيل" لابن أبي حاتم (106).
لذلك قال الترمذي : غريب من هذا الوجه . وقال الجورقاني : " باطل "
انتهى من " الأباطيل " (1/201)
وقال ابن الجوزي : " لا يصح "
انتهى من " العلل المتناهية " (1/27)
وقال ابن حجر : " لا يصح سنده "
انتهى من " تحفة النبلاء " (63).
وقال الذهبي : " منكر "
انتهى من " العلو " (74)، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
الحديث الثالث : من طريق ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
( وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) [الواقعة: 34] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ ارْتِفَاعَهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَإِنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ) .
رواه الإمام أحمد في " المسند " (18/247)، والترمذي في " السنن " (2540) وقال : حديث غريب ، إشارة منه إلى ضعفه ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".
وضعف هذا الإسناد ظاهر جدا ، بسبب ابن لهيعة ، ودراج أبي السمح ، وخاصة في روايته عن أبي الهيثم . ينظر " تهذيب التهذيب " (3/209)
الحديث الرابع : حديث أبي نصر ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كثف الأرض مسيرة خمس مائة عام ، وبين الأرض العليا وبين السماء الدنيا خمس مائة عام ...... ) وذكر نحو الحديث المتقدم .
رواه البزار في " البحر الزخار " (9/ 460) ، وقال : " هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد . وأبو نصر هذا أحسبه حميد بن هلال ولم يسمع من أبي ذر ".
وقال الجورقاني : "حديث منكر "
انتهى من " الأباطيل " (1/200) ، وكذا قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1/12)
وقال ابن كثير في " تفسيره " (4/303) : " في إسناده نظر ، وفي متنه غرابة ونكارة ".
وهكذا لم نقف على إسناد يصح في تحديد المسافة بين السماء والأرض أنها مسيرة خمسمائة عام.
يقول الشيخ محمد الحوت رحمه الله :
" لم يصح من ذلك شيء ، ولا مقدار ما بين كل سماءين ، ولا بين السماء والأرض ، من كون ذلك خمسمائة سنة ، أو ثمانين سنة "
انتهى من " أسنى المطالب " (ص/164)
وما نقلناه سابقا ليس فيه تصحيح حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث السابقة
وإنما نقلنا فيه عن عبد الله بن مسعود ، ولا يخفى على طالب العلم أن أثر الصحابي ليس كحديث النبي صلى الله عليه وسلم . فهو محل بحث ونظر إذا اشتمل على الغريب أو عارض ما هو أقوى منه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 15:12
هل نزل قوله تعالى : ( وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) في شأن عبد الله بن سعد ابن أبي سرح ؟
السؤال:
ما صحة قصة عبد الله بن أبي سرح في تحريف القرآن حينما كان من كتاب الوحي قبل أن يرتد وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ؟ وما صحة ما ذكره الواحدي في أسباب النزول
: " أنّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ يَكْتُبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمُؤْمِنُونَ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ أَمْلَاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ:
ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هَكَذَا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ"، فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا لَقَدْ قُلْتُ كَمَا قَال " ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ذكر غير واحد من أهل العلم أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد ارتد وافترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه يلقنه الوحي ، ويكتب له ما يريد ، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه
ونذر رجل من المسلمين ليقتلنه ، ثم لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة حبسه عثمان أياما حتى اطمأن أهل مكة ، ثم جاء به تائبا ليبايع النبي عليه الصلاة والسلام ويؤمنه .
انظر جواب السؤال القادم
ومن الناحية الحديثية : لم نقف على رواية صحيحة الإسناد أن عبد الله بن أبي سرح كان يحرِّف الوحي ، وإنما في قصته أنه " أزلَّه الشيطان " .
والذي كان يدعي ذلك كَانَ رَجُلا نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، وكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ : " مَا يَدْرِى مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ " ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ
فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ .
والذي ثبت في حق ابن أبي السرح أنه ارتد ، ثم عاد إلى الإسلام وتاب وحسنت توبته ، رضي الله عنه .
انظر جواب السؤال الثاني و الثالث القادمين
ثانيا :
قال الواحدي في "أسباب النزول" (ص 220):
" قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) الأنعام/ 93 .
نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ يَكْتُبُ لَهُ شَيْئًا، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمُؤْمِنُونَ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ) أَمْلَاهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) عَجِبَ عَبْدُ اللَّهِ فِي تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ،
فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (هَكَذَا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ)، فَشَكَّ عَبْدُ اللَّهِ حِينَئِذٍ وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ كَمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَلَئِنْ كَانَ كَذَّابًا لَقَدْ قُلْتُ كَمَا قَالَ
وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ( وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ " انتهى .
وذكره القرطبي في "تفسيره" (7/40) وقال :
" رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " انتهى .
وقال المناوي في "الفتح السماوي" (2/ 612):
" أخرجه الواحدي عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابن عباس " انتهى .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، الكلبي ، هو محمد بن السائب ، أبو النضر الكوفى المفسر ، وهو وضاع مشهور
.
قال سفيان : قال لى الكلبي : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب .
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبى ؟ قال: لا.
وكذبه التيمي والجوزجاني والحاكم وغيرهم ، وقال أبو حاتم : الناس مجمعون على ترك حديثه ، هو ذاهب الحديث لا يشتغل به .
وقال ابن حبان: " مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه . يروى عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير
وأبو صالح لم ير ابن عباس ، ولا سمع الكلبى من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف ، لا يحل ذكره في الكتب ، فكيف الاحتجاج به ".
انظر: "تهذيب التهذيب" (9 / 157-159) ، "ميزان الاعتدال" (3/556-559) .
وقال ابن معين : " بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن : تفسير الكلبي عن أبى صالح " .
"ميزان الاعتدال" (1 /645) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب " .
انتهى من "الإتقان في علوم القرآن" (2 /497-498) .
فهذه الرواية لا تصح عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد روى الطبري في "تفسيره" (11/ 533) من طريق حجاج - وهو ابن أرطاة - عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله)
نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيما يملي (عزيز حكيم)، فيكتب (غفور رحيم) ، فيغيره، فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم: لقد كان ينزل عليه (عزيز حكيم) فأحوله
ثم أقرأ ما كتبت، فيقول: (نعم سواء)! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة .
وهذا إسناد ضعيف لإرساله ، وحجاج بن أرطاة وابن جريج مدلسان ، وقد عنعنا في الرواية .
ثم رواه الطبري (11/ 534) من طريق أسباط عن السدي به ، وهو ضعيف أيضا ، السدي ، هو إسماعيل بن عبد الرحمن أبو محمد القرشي ، السدي الكبير ، وهو تابعي ، فحديثه مرسل .
والخلاصة:
أن هذه الرواية وإن كانت مشهورة عند المفسرين - وذكرها عامتهم – إلا أننا لم نجد لها سندا صحيحا .
والثابت في قصة عبد الله بن سعد بن أبي السرح أنه ارتد ثم تاب وعاد إلى الإسلام وحسن إسلامه . رضي الله عنه .
أنه لم يرد بإسناد تقوم به الحجة :
أن هذه الآيات نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، وإن كان قد ثبت عنه أنه ارتد ، ثم عاد فتاب ، وأسلم ، وحسن إسلامه .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 15:17
التفريق بين عبد الله بن أبي سرح وغيره ممن ارتد وادَّعى أنه كان يحرِّف الوحي
السؤال:
عبد الله بن أبي السرح هو شخصية إسلامية جدلية في التاريخ الإسلامي حيث كان من كتَّاب الوحي ثم ارتد عن الاسلام ، هل كان يحرِّف بعض الآيات في القرآن ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ثمة خلط عند كثيرين بين شخصيتين ارتدتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومما جعل الأمر كذلك اشتراكهما في كتابة الوحي ، ووقوع الردة منهما ، إلا أن الحقيقة أنهما شخصيتان مختلفتان
فالأول هو " عبد الله بن سعد بن أبي سرْح " ، والثاني هو رجل نصراني لا يُعرف اسمه ، والأول كان ارتد ثم رجع إلى الإسلام في " فتح مكة "
والثاني بقي على ردته ومات ولفظته الأرض وكان آية للناس ، والثاني هو الذي زعم أنه كان يغيِّر في كتابة الوحي ليس الصحابي الجليل عبد الله بن أبي السرح .
ثانياً:
أما الأول : فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أبو يحيى القرشي العامري ، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه
ثم استأمن له عثمان فأمَّنه النبي صلى الله عليه ، وأسلم وحسن إسلامه .
عَنْ سَعْد بن أبي وقَّاص قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ ، قَالَ : وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ
عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى
فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ ( أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ
فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ ( إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ )
.
رواه النسائي ( 4067 ) وأبو داود ( 2683 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
وقد ولاَّه عثمان رضي الله عنه على " مصر " ، وهو الذي قاد معركة " ذات الصواري " ، وقد غزا إفريقية ففتح كثيراً من مدنها ، واعتزل فتنة علي ومعاوية رضي الله عنهما ، ثم خرج إلى " الرملة " في " فلسطين "
فلما كان عند الصبح قال " اللهم اجعل آخر عملي الصبح " فتوضأ ثم صلَّى فسلم عن يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه ،
وكان ذلك في سنة تسع وخمسين .
قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله :
"لم يتعدَّ ، ولا فعل ما يُنقم عليه بعدها – أي : بعد فتح مكة - ، وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم
"انتهى من" سير أعلام النبلاء " ( 3 / 34 ) .
ولينظر " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " لابن عبد البر ( 3 / 52 ) ، و " الإصابة في تمييز الصحابة " ( 4 / 110 ) .
ولم نقف على رواية صحيحة الإسناد أن عبد الله بن أبي سرح كان يحرِّف الوحي ، وإنما في قصته أنه " أزلَّه الشيطان " .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
رواه النسائي ( 4069 ) وأبو داود ( 4358 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .
ثالثاً:
أما الثاني : فهو الرجل الذي كان نصرانيّاً ثم أسلم وارتدَّ على عقبه ، وكان يقول إنه كان يغيِّر ما كان يلقيه عليه النبي صلى الله عليه وسلم من كلام
فأهلكه الله تعالى هلاكاً يكون فيه عبرة لغيره من الشاتمين للرسول صلى الله عليه وسلم والطاعنين في دينه .
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ : كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَادَ نَصْرَانِيًّا فَكَانَ يَقُولُ : مَا يَدْرِى مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ
فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقُوهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ
فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِى الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا ، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ .
رواه البخاري ( 3421 ) ومسلم ( 2781 ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مراراً
وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله وأنه كان كاذباً إذ كان عامَّة الموتى لا يصيبهم مثل هذا ، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد
إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ، وأن الله منتقم لرسوله صلى الله عليه وسلم ممن طعن عليه وسبَّه ، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب إذ لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد
"انتهى من" الصارم المسلول " ( 1 / 122 ) .
فتبين براءة عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، رضي الله عنه ، من هذه التهمة ؛ فهو لم يدع ذلك ، ولم يقله ، ثم إنه تاب بعد ذلك ، وأسلم ، وحسن إسلامه .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 15:21
: تفسير قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ )
السؤال :
وفقاً لكلام المعلقين على القرآن ، على الجزء الأول من السورة 6: 93 والذي يقول فيه : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ
مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " .
أرجو بيان ، هل هي بخصوص عبد الله ابن أبي السرح أم شخص آخر ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) الأنعام/ 93 .
ذكر غير واحد من أهل العلم أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي السرح
فروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1347) ، وابن جرير في "تفسيره" (11/ 534) - واللفظ له - عن السدي قال : " نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أسلم، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم
فكان إذا أملى عليه : "سميعًا عليمًا"، كتب هو: "عليمًا حكيمًا" ، وإذا قال: "عليمًا حكيمًا" كتب: "سميعًا عليمًا"، فشكّ وكفر، وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إليّ
وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله ! فلحق بالمشركين، ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي، أو لبني عبد الدار .
وقال بعضهم : نزل قوله ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء) في مسيلمة ، وقوله : (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) ، في ابن أبي السرح .
فروى ابن جرير عن عكرمة قال : " قوله : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء) ، قال : نزلت في مسيلمة
وقوله : (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) ، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان كتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان فيما يملي "عزيز حكيم"، فيكتب "غفور رحيم"
فيغيره ، ثم يقرأ عليه " كذا وكذ ا"، لما حوَّل ، فيقول : " نعم ، سواءٌ ". فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وقال لهم : لقد كان ينزل عليه "عزيز حكيم" فأحوِّله
ثم أقرأ ما كتبت، فيقول: " نعم سواء "! ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة " .
"تفسير الطبري" (11/ 533) .
وممن ذكر أنها نزلت في ابن أبي السرح : الخطابي كما في "معالم السنن" (2/287)
وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (3/ 291) ، و "الصارم المسلول" (ص 115) ، والقرطبي كما في "تفسيره" (7/ 40) ، حتى قال ابن جرير رحمه الله :
" ولا تمانُع بين علماء الأمة أن ابن أبي سرح كان ممن قال: "إني قد قلت مثل ما قال محمد" ، وأنه ارتدّ عن إسلامه ولحق بالمشركين، فكان لا شك بذلك من قيله مفتريًا كذبًا "
انتهى من "تفسير الطبري" (11/ 536) .
وكل ما ورد بشأن ذلك من حيث الصناعة الحديثية لا يصح منه شيء ، والذي ثبت أنه كان يقول : ( مَا يَدْرِى مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ ) رجل آخر غير ابن أبي السرح
وغاية ما ثبت في حق ابن أبي السرح أنه ارتد ، ثم إنه عاد إلى الإسلام وتاب وحسنت توبته
ثانيا :
الآية عامة ، سواء ثبت دخول ابن أبي السرح فيها أو لم يثبت ، فلا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ، أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء
ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ؛ فمن كان من أهل ذلك ومات عليه : لحقه الذم ، وخلده الله في النار ، ومن كان من أهل ذلك ثم تاب وأصلح : تاب الله عليه .
قال الطبري رحمه الله :
" قد دخل في هذه الآية كل من كان مختلقًا على الله كذبًا، وقائلا في ذلك الزمان وفي غيره : "أوحى الله إلي"، وهو في قيله كاذب ، لم يوح الله إليه شيئًا ، فأما التنزيل
فإنه جائز أن يكون نزل بسبب بعضهم ، وجائز أن يكون نزل بسبب جميعهم ، وجائز أن يكون عني به جميع المشركين من العرب ، إذ كان قائلو ذلك منهم ، فلم يغيّروه
فعيّرهم الله بذلك ، وتوعّدهم بالعقوبة على تركهم نكيرَ ذلك ، ومع تركهم نكيرَه : هم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مكذبون ، ولنبوّته جاحدون، ولآيات كتاب الله وتنزيله دافعون
فقال لهم جل ثناؤه : "ومن أظلم ممن ادّعى عليّ النبوّة كاذبًا "، وقال: "أوحي إلي"، ولم يوح إليه شيء، ومع ذلك يقول : " ما أنزل الله على بشر من شيء " ، فينقض قولَه بقوله
ويكذب بالذي تحققه ، وينفي ما يثبته. وذلك إذا تدبره العاقلُ الأريب : علم أن فاعله من عقله عديم "
.
انتهى من " تفسير الطبري " (11/ 536) .
وإذا ثبت أن ابن أبي السرح كان من أهل هذه الآية ، فقد ثبت أيضا ، أن الله تعالى قد أحسن إليه بعد ذلك ، وتاب عليه
فصار من أهل عموم قوله تعالى : ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/ 70 .
وقد اتفق أهل العلم على أنه رجع إلى الإسلام وحسنت توبته رضي الله عنه ، فهو بذكر هذا الثناء الحسن أولى ؛ لأن الإسلام يجبّ ما قبله ، والتوبة تجبّ ما قبلها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-10, 15:29
عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن أبي سرح ليس فيه إسقاط حد الردة
السؤال:
ما صحة ذاك الحديث الذي ورد في " سنن أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط الحد عن رجل ارتد عن الإسلام . وإذا كان صحيحاً ولم يُنسَخ ، فكيف يُطبق اليوم في ظلِّ التشريع الإسلامي ؟
الجواب :
الحمد لله
لعل الحديث المقصود في السؤال ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ، اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ . فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى . فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : ( أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ ، فَيَقْتُلُهُ ؟
فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟
قَالَ : إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ) رواه أبو داود (4359) بإسناد صحيح ، وصححه ابن تيمية في " الصارم المسلول " (2/219) ، وابن الملقن في " البدر المنير " (7/450)
وابن حجر في " التلخيص الحبير " (3/1136) ، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (4/ 301) .
فإن كان هذا الحديث هو المقصود ، فليس فيه دلالة على عدم قتل المرتد ، فقد استحق عبد الله بن سعد بن أبي سرح القتل من جهتين :
الأولى : من جهة أنه ارتد عن الإسلام ، وحار إلى الكفر بعد الهداية .
والقتل لهذا السبب حق لله تعالى ، يسقط بتوبة المرتد ورجوعه إلى الإسلام .
الثانية : أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفتري عليه الكذب بقوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدل في القرآن بحسب ما يملي عليه ابن أبي سرح
. كما روى ذلك ابن إسحاق في " السير والمغازي " عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم : إنما أمر بابن أبي سرح لأنه كان قد أسلم
فكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فرجع مشركا ، ولحق بمكة ، فكان يقول لهم : إني لأصرفه كيف شئت ، إنه ليأمرني أن أكتب له الشيء فأقول له : أو كذا أو كذا . فيقول : نعم
. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( عليم حليم ) فيقول له : أو أكتب : ( عزيز حكيم ) فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلاهما سواء "
انتهى نقلا عن " الصارم المسلول " (ص/111) .
وقال ابن إسحاق أيضا :
" حدثني بعض علمائنا أن ابن أبي سرح رجع إلى قريش ، فقال : والله لو أشاء لقلت كما يقول محمد ، وجئت بمثل ما يأتي به ، إنه ليقول الشيء وأصرفه إلى شيء
فيقول : أصبت . ففيه أنزل الله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ) فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله .
وعن ابن أبي نجيح قال : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فارتد مشركا راجعا إلى قريش
فقال : والله إني لأصرفه حيث أريد ، إنه ليملي علي فأقول : أو كذا أو كذا . فيقول : نعم . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يملي عليه فيقول
: ( عزيز حكيم ) أو ( حكيم حليم ) فكان يكتبها على أحد الحرفين فيقول : كل صواب " انتهى نقلا عن " الصارم المسلول " (ص/112) .
والقتل لهذا السبب حق للنبي عليه الصلاة والسلام ، يسقط بعفوه وصفحه .
فغاية ما وقع في هذه الحادثة :
أن السبب الأول سقط بتوبة عبد الله بن أبي سرح ، ورجوعه إلى الإسلام ، بل وحسُن إسلامه عقب ذلك ، والتائب من الردة لا يقام عليه الحد ، في أصح قولَيْ العلماء .
وأما السبب الثاني فقد سقط بموجب عفو النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد شفاعة عثمان بن عفان رضي الله عنه .
والدليل على توبة ابن أبي سرح أمور :
أولا :
خطاب عثمان بن عفان رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية بقوله : ( بايع عبد الله ) ، وعلى أي شيء تكون المبايعة إلا على الإسلام والحق والخير !!
ثانيا :
روايات أخرى صريحة بذكر التوبة ، منها ما جاء في " المغازي " (2/ 855) للواقدي قوله : " وخرج هاربا من المدينة إلى مكة مرتدا ، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح
فلما كان يومئذ جاء ابن أبي سرح إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكان أخاه من الرضاعة ، فقال : يا أخي ، إني والله اخترتك فاحتبِسني هاهنا ، واذهب إلى محمد فكلِّمه في
فإن محمدا إن رآني ضرب الذي فيه عيناي ، إن جرمي أعظم الجرم ، وقد جئت تائبا "
ثالثا :
أقوال العلماء الذين ترجموا لعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كلهم أجمعوا على أنه أسلم في ذلك اليوم ، وحسن إسلامه بعد ذلك .
حتى روى البغوي في " معجم الصحابة " (4/24، 250) بإسناده إلى يزيد بن أبي حبيب قال : لما حضرت عبد الله بن سعد بن أبي سرح الوفاة ، وهو بالرملة
وكان خرج إليها فارا من الفتنة ، فجعل يقول لهم من الليل : أصبحتم ؟ فيقولون : لا . فلما كان عند الصبح قال : إني لأجد برد الصبح ، فانظروا . ثم قال : اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح
فتوضأ ثم صلى ، فقرأ في أول ركعة بأم القرآن والعاديات ، وفي الآخرة بأم القرآن وسورة ، فسلم عن يمينه ، وذهب يسلم عن يساره فقبض الله عز وجل روحه .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" أسلم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أيام الفتح ، فحسن إسلامه ، فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك "
انتهى من " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " (3/ 918) .
وقال النووي رحمه الله :
" ثم أسلم ذلك اليوم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، وحَسن إسلامه ، ولم يظهر منه بعده ما يُنكر ، وهو أحد العقلاء والكرماء من قريش ، ثم ولاه عثمان مصر سنة خمس وعشرين
ففتح الله على يديه إفريقية ، وكان فتحًا عظيمًا بلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف مثقالٍ ذهبًا ، وشهد معه هذا الفتح عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير
وكان عبد الله بن سعد هذا فارس بني عامر بن لؤى ، وغزا بعدَ إفريقية الأساودَ من أرض النوبة ، سنة إحدى وثلاثين ، وغزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم .
وحين قُتل عثمان بن عفان اعتزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح الفتنة ، فأقام بعسقلان ، وقيل : بالرملة ، وكان دعا بأن يختم عمره بالصلاة ، فسلَّم من صلاة الصبح التسليمة الأولى
ثم همَّ بالتسليمة الثانية عن يساره ، فتوفى سنة ست وثلاثين "
انتهى من " تهذيب الأسماء واللغات " (1/ 270) .
وقد كان أحد السببين كافيا لقتل عبد الله بن أبي سرح :
فلو ارتد ولم يَفْتَرِ على النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك موجبا للقتل ، ولكن التوبة تدرء هذا الحدّ .
ولو سبّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وافترى عليه : كان أيضا ذلك موجبا للقتل ، ولا يسقط الحد في هذه الحالة إلا بعفو خاص من صاحب الحق عليه الصلاة والسلام . فلما عفا سقط عنه الحد
أي حد إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم والافتراء عليه وعلى الوحي ، وليس حد رجوعه عن الإسلام إلى عبادة الأوثان ، فهذا تَكفِي لإسقاطه التوبةُ .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" عبد الله بن سعد بن أبي سرح : كان قد ارتد وافترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه يلقنه الوحي ، ويكتب له ما يريد ، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه ، ونذر رجل من المسلمين ليقتلنه
ثم حبسه عثمان أياما حتى اطمأن أهل مكة ، ثم جاء تائبا ليبايع النبي عليه الصلاة والسلام ويؤمنه ، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا رجاء أن يقوم إليه الناذر أو غيره فيقتله ويوفي بنذره .
ففي هذا دلالة على أن المفتري على النبي صلى الله عليه وسلم ، الطاعن عليه : قد كان له أن يقتله ، وأن دمه مباح ، وإن جاء تائبا من كفره وفريته
لأن قتله لو كان حراما لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، ولا قال للرجل : هلا وفيت بنذرك بقتله .
ولا خلاف بين المسلمين علمناه أن الكافر إذا جاء تائبا مريدا للإسلام ، مظهرا لذلك ، لم يجز قتله لذلك . ولا فرق في ذلك بين الأصلي والمرتد...
بل لو جاء الكافر طالبا لأن يعرض عليه الإسلام ، ويقرأ عليه القرآن
لوجب أمانه لذلك . قال الله تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ )
وقال تعالى في المشركين : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) .
وعبد الله بن سعد إنما جاء تائبا ملتزما لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، بل جاء بعد أن أسلم .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه كان مريدا لقتله ، وقال للقوم : ( هلا قام بعضكم إليه ليقتله ) و ( هلا وفيت بنذرك في قتله ) ، فعلم أنه قد كان جائزا له أن يقتل من يفتري عليه
ويؤذيه من الكفار ، وإن جاء مظهرا للإسلام والتوبة بعد القدرة عليه .
وفي ذلك دلالة ظاهرة على أن الافتراء عليه وأذاه : يُجَوِّز له قتل فاعله ، وإن أظهر الإسلام والتوبة "
انتهى من " الصارم المسلول " (408-409) .
وقال – أيضا - رحمه الله :
" عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما طعن عليه ، وافترى افتراء عابه به ، بعد أن أسلم : أهدر دمه ، وامتنع عن مبايعته ، وقد تقدم تقرير الدلالة منه على أن الساب يقتل وإن أسلم
وذكرنا أنه كان قد جاءه مسلما تائبا ، قد أسلم قبل أن يجيء إليه ، كما رويناه عن غير واحد . أو قد جاء يريد الإسلام ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد جاء يريد الإسلام
ثم كف عنه انتظار أن يقوم إليه رجل فيقتله .
وهذا نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن : لا يجب قبول توبته ، بل يجوز قتله وإن جاء تائبا ، وقد قررنا هذا فيما مضى وهنا من وجوه أخرى ؛ أن الذي عصمَ دمَه : عفوُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه
لا مجردُ إسلامه ، وأن بالإسلام والتوبة : انمحى الإثمُ ، وبعفو رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتقن الدمُ ، والعفو بطل بموته صلى الله عليه وسلم
وليس للأمة أن يعفوا عن حقه . وامتناعه من بيعته حتى يقوم إليه بعض القوم فيقتله : نص في جواز قتله ، وإن جاء تائبا "
انتهى من " الصارم المسلول على شاتم الرسول " (ص/340) .
والخلاصة : أنه لم يسقط في هذا الحديث حد الردة عن الإسلام إلى الكفر ، وإنما سقط حد الافتراء على النبي عليه الصلاة والسلام ، وفرق بين الأمرين .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 01:33
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل كِبَرُ السن يعدّ سببا لدخول الجنة ، والنجاة من النار ؟
السؤال:
قرأ أحد الأشخاص قبل عدة أيام من كتاب " فضائل الأعمال " حيث ذكر : " أنّ يحيى بن أكثم جاء في المنام بعد موته لأحد الأشخاص وذكر أنّ الله أدخله الجنة لكبر سنه
فهل هناك أحاديث تذكر أنّ كبر السن سبب في دخول الجنة ؟
وهل سيعيش الرجل في البرزخ إن أمر الله بدخوله الجنة لكبر سنه ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
كان يحيى بن أكثم القاضي رحمه الله من علماء المسلمين ، فقيها أديبا عاقلا ، قَالَ الحَاكِمُ : "مَنْ نَظَرَ فِي "التَنْبِيهِ" لَهُ, عَرَفَ تَقَدُّمَهُ فِي العُلُومِ".
وَقَالَ طَلْحَةُ الشَّاهِدُ: " كَانَ وَاسِعَ العِلْمِ بِالفِقْهِ ، كَثِيْرَ الأَدَبِ ، حَسَنَ العَارِضَةِ ، قَائِماً بِكُلِّ مُعْضِلَةٍ ، غَلَبَ عَلَى المَأْمُوْنِ حَتَّى لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عِنْدَهُ أَحَدٌ مَعَ بَرَاعَةِ المَأْمُوْنِ فِي العِلْمِ ، وَكَانَتِ الوُزَرَاءُ لاَ تُبْرِمُ شَيْئاً حَتَّى تُرَاجِعَ يَحْيَى ".
وقال الذهبي : "كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الاجْتِهَادِ " .
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (9/ 432) .
ثانيا :
روى الخطيب في "تاريخه" (14/ 206)
عن محمّد بن عَبْد الرَّحْمَن الصيرفي قَالَ: " رأى جارٌ لنا يَحْيَى بْن أكثم بعد موته فِي منامه ، فقال لَهُ: ما فعل بك ربك ؟ قَالَ: وقفت بن يديه فقال لي: سوءةً لك يا شيخ
فقلتُ: يا رب إن رسولك قَالَ: إنك لتستحي من أبناء الثمانين أن تُعذبهم ، وأنا ابن ثَمانين ، أسيرُ الله فِي الأرض ، فقال لي: صدق رسولي ، قد عفوتُ عنك .
ثم روى عن مُحَمَّد بْن سلم الخواص- الشيخ الصالِح- قَالَ:
رأيتُ يَحْيَى بْن أكثم القاضي فِي المنام فقلتُ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال لي: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذُ العبد بين يدي مولاهُ، فلما أفقتُ قَالَ لي:
يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذُ العبد بين يدي مولاهُ ، فلما أفقتُ قَالَ لي: يا شيخ السوء، فذكر الثالثة مثل الأوليين
فلما أفقتُ قلت: يا رب ما هكذا حُدثت عنك، فقال الله تعالى: وما حُدثت عني- وهو أعلمُ بذلك- قلتُ: حدَّثَنِي عَبْد الرزاق بْن همّام، حَدَّثَنَا معمر بْن راشد ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك
عَن نبيك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن جبريل عَنك يا عظيمُ أنك قلت: (ما شاب لي عبدٌ فِي الْإسْلَام شيبة إلا استحييتُ منه أن أعذبه بالنار) فقال الله: صدق عَبْد الرزاق وصدق معمر وصدق الزُّهْرِيّ وصدق أنس وصدق نبيي وصدق جبرائيل
أَنَا قلت ذَلِكَ انطلقوا بِهِ إلى الجنة " .
وقال الحافظ المزي رحمه الله في "تهذيب الكمال" (31/ 223):
" وروي عن علي بن هارون الزاهد، قال: رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام، فذكر نحو ذلك
وروي من وجه آخر عن رجل من أهل سامراء، قال: لما مات يحيى بن أكثم رؤي في النوم فذكره، وقال فيه: عن معمر، عن قتادة، عن أنس " انتهى .
والمنامات لا يؤخذ منها حكم ، ولا يثبت بها حديث .
ولكن يستأنس بها ، فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات
كما روى الترمذي (2273) وحسنه عن أبي الدَّرْدَاءِ : " عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فَقَالَ : ( هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ) " .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وهذا الحديث المذكور في المنام لا أصل له بهذا المتن ، وهذا الإسناد ، فلا يعول على هذا المنام في الكلام عليه .
وكبر السن مدعاة للتوبة ومراجعة النفس ، كما روى البخاري (6419) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ اعْتِذَارٌ، كَأَنْ يَقُولَ: لَوْ مُدَّ لِي فِي الْأَجَلِ لَفَعَلْتُ مَا أُمِرْتُ بِهِ . يُقَالُ: أَعْذَرَ إِلَيْهِ: إِذَا بَلَّغَهُ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُذْرِ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا بِالْعُمُرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ : فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَالطَّاعَةُ ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ " انتهى .
وروى الترمذي (2329) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْر رضي الله عنهٍ : " أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ) " .
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
فكبر السن إعذار وإنذار ، ومدعاة للتوبة والعمل الصالح ، وليس هو بمجرده سببا لدخول الجنة أو النجاة من النار ، ولكن من طال عمره وحسن عمله .
ثالثا :
ورد في بعض الأحاديث أن الله لا يعذب ذا الشيبة المسلم ، ولكنها أحاديث ضعيفة لا يثبت منها شيء ، فمنها :
- ما رواه زَاهِر بْن طَاهِر الشحامي فِي "الإلهيات"
كما في "اللآلىء المصنوعة" (1/ 125)
من طريق أَبِي المهزم عَن حُذَيْفَة بْن الْيَمَان قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : ( قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لي: يَا مُحَمَّد ، قلتُ : لبيْك إلهي وسيدي ، قَالَ: إِني لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي يشيبان فِي الْإسْلَام أَن أعذبهما بِنار ) .
وأبو المهزم متروك متهم ، كما في "الميزان" (4/426) .
- وروى أيضا من طريق سُلَيْمَان بْن عَمْرو عَن عَبْد الله بْن دِينَار عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي إِذَا شَابَا فِي الإِسْلامِ أَنْ أُعَذِّبَهُمَا بِالنَّارِ )
وسليمان بن عمرو ، قال ابن معين : " كان أكذب الناس " .
انظر : "الميزان" (2/216) .
- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ( يَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ عَبْدِي وَأَمَتِي يَشِيبَانَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَتَشِيبُ لِحْيَةُ عَبْدِي وَرَأْسُ أَمَتِي فِي الْإِسْلَامِ أُعَذِّبُهُمَا فِي النَّارِ بَعْدَ ذَلِكَ) .
قال الهيثمي في "المجمع" (5/ 159):
" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَفِيهِ نُوحُ بْنُ ذَكْوَانَ، وَغَيْرُهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ "
- وروى الإمام أحمد (13279) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ مُعَمَّرٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، إِلَّا صَرَفَ اللهُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْبَلَاءِ : الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ ، وَالْبَرَصَ
فَإِذَا بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً ، لَيَّنَ اللهُ عَلَيْهِ الْحِسَابَ ، فَإِذَا بَلَغَ سِتِّينَ ، رَزَقَهُ اللهُ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ بِمَا يُحِبُّ ، فَإِذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً ، أَحَبَّهُ اللهُ ، وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ
فَإِذَا بَلَغَ الثَّمَانِينَ ، قَبِلَ اللهُ حَسَنَاتِهِ ، وَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ ، فَإِذَا بَلَغَ تِسْعِينَ ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَا تَأَخَّرَ، وَسُمِّيَ أَسِيرَ اللهِ فِي أَرْضِهِ ، وَشَفَعَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ )
قال الألباني في "الضعيفة" (5984) : " منكر " .
ورواه أحمد أيضا موقوفا (5626) وقال محققو المسند : " إسناده ضعيف جدا " .
رابعا :
حياة البرزخ هي التي تكون من بعد موت الإنسان إلى بعثه يوم القيامة ، والقبر إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار .
فمن كان من أهل الجنة نُعِّم في قبره ، شيخا كان أم شابا ، ومن كان من أهل النار عذب فيه ، شيخا كان أم شابا .
وفي ذلك حديث البراء المشهور
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 01:41
تَفسِيرُ قَولِ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ "
السؤال:
وردت أحاديث كثيرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء ولم يضع يده قط في أيديهن، لكنني رأيت رواية ذات مرة تقول : إن امرأة أخذت النبي صلى الله عليه وسلم من يده ...الخ. فكيف نفهم هذه الرواية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه ، ولمسه لها : حرام لا يجوز .
ولا فرق في ذلك بين الشابة والمرأة العجوز .
أما الصغيرة التي لا تُشتهى ، ممن دون سبع سنين : فلا حرج في النظر إليها ومصافحتها .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17/47) .
ثانيا :
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ، وما مست يده يد امرأة أجنبية قط .
ولما أرادت النساء أن يبايعن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمصافحة ، اكتفى بمبايعتهن بالكلام
وقال لهن : (إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) رواه النسائي (4181) - وهذا لفظه - وابن ماجة (2874) ، وأحمد (27006) ، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
وقالت عائشة رضي الله عنها : " قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ) وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ "
رواه البخاري (4891) ، ومسلم (1866) .
وفي رواية للبخاري (7214) : " وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ ، إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا " .
قال ولي الدين العراقي رحمه الله :
" فيه : أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه ، لا في مبايعة ، ولا في غيرها ، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه : فغيره أولى بذلك .
والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه ؛ فإنه لم يُعدَّ جوازه من خصائصه " .
انتهى من "طرح التثريب" ( 7 / 44 ، 45 ) .
أما ما رواه البخاري (6072) عن أنس رضي الله عنه أنه قَالَ: " إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ " .
فقد حمل العلماء هذا الحديث على أن المراد به حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وانقياده لتلك الأمة ، وموافقته لها حتى يقضي حاجتها .
ولم يحملوا الأخذ باليد في هذا الحديث على ظاهره في الإمساك باليد ، وهذا أسلوب عربي معروف ، كما في الدعاء : "اللهم خذ بأيدينا إليك" أي : وفقنا للانقياد لك ، لأن من أخذ بيدك فقد انقدت له .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (10/490) :
" الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ : لَازِمُهُ ، وَهُوَ الرِّفْقُ ، وَالِانْقِيَادُ " انتهى .
وقال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (22/ 141):
" الْمرَاد من الْأَخْذ بِيَدِهِ : لَازمه ، وَهُوَ الرِّفْق والانقياد ، يَعْنِي : كَانَ خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذِه الْمرتبَة، هُوَ أَنه لَو كَانَ لأمة حَاجَة إِلَى بعض مَوَاضِع الْمَدِينَة
وتلتمس مِنْهُ مساعدتها فِي تِلْكَ الْحَاجة ، واحتاجت بِأَن يمشي مَعهَا لقضائها : لما تخلف عَن ذَلِك حَتَّى يقْضِي حَاجَتهَا " انتهى .
وانظر : "إرشاد الساري" (9/51) ، "مرقاة المفاتيح" (9/ 3713) .
وقد بَيَّن ثابت البناني في روايته عن أنس معنى هذا الحديث ، فروى ابن حبان في "صحيحه" (4527) من طريق ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أُمَّ فُلَانٍ ، خُذِي أَيَّ الطُّرُقِ شِئْتِ ، فَقُومِي فِيهِ حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ ) !!
فَخَلَا مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِيهَا ، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا ".
وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان .
فليس في هذا الحديث التصريح بمس اليد ، ولا هو مخالف لما جزمت به عائشة رضي الله عنها ، من أن يد النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تمس يد امرأة قط .
وأما ما ورد في بعض ألفاظ الحديث عند ابن ماجة (417) ، وأحمد (12780) من طريق عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
" إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، فِي حَاجَتِهَا " .
فالحديث بهذا التمام ضعيف لا يصح ، لتفرد علي بن زيد به ، وهو ضعيف الحديث، ضعفه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وأحمد ويحيى والبخاري وابن خزيمة وغيرهم ، ووصفوه بالاختلاط وسوء الحفظ .
انظر : "ميزان الاعتدال" (3 / 127) ، "تهذيب التهذيب" (7 /283) .
قال البوصيري في "الزوائد" (4/ 230):
" هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف لضعف عَليّ بن زيد بن جدعَان " ، وكذا ضعفه محققو مسند الإمام أحمد .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 01:51
حديث باطل لا أصل له في عذاب الذي يستمع إلى الموسيقى ويتعلق بها
السؤال:
سمعت حديثاً لا أدري بصحته وأتمنى منكم الإيضاح ، يقول الحديث : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن العاصي ، المحب للموسيقى، يأتي يوم القيامة
فيقول له الله تبارك وتعالى : ادخل النار، فيبادر العاصي إلى إيراد الأسباب والمعاذير، فيأذن الله بصوت ينطلق من النار يحمل صوت الموسيقى المفضلة لذلك العبد فيهرع راقصاً حتى يدخلها.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سماع الموسيقى وآلات اللهو محرم في شريعتنا المطهرة ، وقد دلت على ذلك الأدلة الشرعية ، وكلام أهل العلم ، ولا يخفى على كل عاقل : ما لها من سيئ الأثر في قلب ونفس صاحبها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مذَهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة : أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ كُلَّهَا حَرَامٌ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 576) .
ثانيا :
القول بأن الذي يحب لموسيقى ويتعلق بها يأتي يوم القيامة ، فيأمره الله بدخول النار ، ويخرج من النار صوت الموسيقى التي كان يحبها هذا العبد ، فينطلق وهو يرقص ، حتى يلج النار :
مثل هذا الكلام لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه - مع كونه لا أصل له - فهو كلام سمج ممجوج ، تمجه القلوب والأسماع
ولا يعلم له أصل ولا نظير في دين الله ، ولم نقف على مثل هذا الكلام ، ولا قريب منه ، مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو منسوبا إليه
ولو بإسناد ضعيف ، أو واهٍ !! والشريعة ليست بحاجة إلى هذا الكذب لإثبات تحريم الغناء .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ، ومجازفات باردة ؛ تنادي [ يعني : تدل ] على وضعها واختلاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم "
انتهى من "المنار المنيف" (ص 50)
فمثل هذا ، لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه من الكذب عليه ، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه البخاري (110) ، ومسلم (3) .
قال النووي رحمه الله :
" يَحْرُم رِوَايَة الْحَدِيث الْمَوْضُوع عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ ؛ فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا ، عَلِمَ ، أَوْ ظَنَّ ، وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ ووَضْعَهُ :
فَهُوَ دَاخِل فِي هَذَا الْوَعِيد , مُنْدَرِج فِي جُمْلَة الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
انتهى من " شرح صحيح مسلم" (1/71) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 01:59
سبب نزول " سورة الإخلاص " .
السؤال:
هل ثبت أن : سبب نزول سورة الإخلاص أن مشركي قريش طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بنسب الله عز وجل؟
وسبب نزول سورة الكافرون : أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة فنزلت السورة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
تقدم ذكر سبب نزول سورة " الكافرون " وهو أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويقبلوا ما جاء به
بشرط أن يشاركهم في عبادة آلهتهم الباطلة ، فنزلت هذه السورة للبراءة من الشرك وأهله .
ثانيا :
أما سبب نزول سورة (قل هو الله أحد ) فقد روى الترمذي (3364) ، وأحمد (21219) ، والحاكم (3987) ، والبيهقي في "الشعب" (100) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/95)
وأبو الشيخ في "العظمة" (88) من طريق أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : " أَنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) "
وهذا إسناد ضعيف ، أبو جعفر الرازي - واسمه عيسى بن أبي عيسى ماهان - ضعيف الحديث ، قال أحمد والنسائي: ليس بالقوى . وقال ابن المدينى: ثقة كان يخلط .
"ميزان الاعتدال" (3 /320) .
وفيه علة أخرى ، وهي الإرسال ، فقد رواه الترمذي عقب هذه الرواية (3365) من طريق عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، به مرسلا ،
وقال الترمذي :
" وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَهَذَا أَصَحُّ".
لكن لهذا الحديث شواهد :
- فرواه الطبراني في "الأوسط" (5687) ، والطبري في "تفسيره" (24/ 687) ، والبيهقي في "الشعب" (2319) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/335) من طريق إِسْمَاعِيل بْن مُجَالِدٍ
عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَنَزَلَتْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) "
وإسناده ضعيف ، مجالد ، هو ابن سعيد ، ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني وغيرهم
انظر : "الميزان" (3/438) .
وقال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص109) : " صدوق يخطىء "
- ورواه الهروي في "ذم الكلام" (4/ 106) من طريق مُحَمَّد بْن حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ حَدَّثَنِي أَهْلُ بَيْتِي عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ به نحوه
وهذا ضعيف أيضا ؛ لجهالة من رواه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه
. انظر : "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 59) .
- ورواه أبو الشيخ في "العظمة" (89) ، والهروي في "ذم الكلام" (4/111) من طريق قَيْس بن الربيع ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ: " قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسبْ لَنَا رَبَّكَ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه السورة " .
وهذا مرسل ، وقيس بن الربيع ضعيف ، ضعفه وكيع وابن معين وابن المديني وغيرهم
انظر "التهذيب" (8/351) .
- وقد روي من طرق مرسلا
قال ابن كثير في "تفسيره" (8/ 489):
" أَرْسَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ " انتهى .
وقال البغوي في "تفسيره" (5/ 329):
" وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك يا محمد لعلنا نؤمن بك
فإن الله أنزل نعته في التوراة ، فأخبرنا من أي شيء هو ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ فأنزل الله هذه السورة " .
وكذا أرسله محمد بن عمرو ، كما رواه أبو الحسن السكري في "مشيخته" (104)
- وأخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 38) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، " َنَّ الْيَهُودَ، جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه السورة ".
حسنه الحافظ في "الفتح" (13/ 356)
ولأجل تعدد طرقه ، وكثرة مخارجه : حسنه الحافظ ابن حجر - كما تقدم
- وكذا حسنه السيوطي في "الدر المنثور" (8/669)
وكذا الألباني في "صحيح الترمذي". وهو حديث مشهور متداول في كتب أئمة السنة
ويورده شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-13, 02:14
كيف للعامي أن يبحث عن الحديث مع اختلاف المصادر ، واختلاف الترقيم ؟
السؤال:
كم عدد الأحاديث الموجودة في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما؟ السبب في سؤالي أنني وجدت اختلافاً في أرقام الأحاديث عند بحثي عنها فعلى سبيل المثال أجد أنّ مصدر أحد الأحاديث في صحيح البخاري باللغة الإنجليزية
هو الجزء السابع ، كتاب 72 ، رقم 852 من كتاب اللباس ولكن في النسخة المتوفرة بالأوردو هو: الجزء السابع ، حديث رقم 5666 ، الصفحة 271، فما سبب الاختلاف في الترقيم عند الإشارة إلى الحديث من لغة إلى أخرى؟
وكيف للعامي أن يرجع للحديث مع هذا الاختلاف في المصادر حيث حدث مؤخراً أنني سمعت في أحد الدروس أنّ عائشة رضي الله عنها قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني
وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول : وارأساه . فقال : " بل أنا والله يا عائشة وارأساه " . قالت : ثم قال : " وما ضرك لو مت قبلي ، فقمت عليك ، ولقنتك ، وصليت عليك ، ودفنتك " .
قالت : قلت : والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك" وذكر الداعية أنّ الحديث في صحيح البخاري
الجزء السابع حديث رقم 5666 ، صحفة 271 (النسخة التي باللغة الأوردو) ولكنني لم أتمكن من العثور على هذا الحديث ، فهل فعلاً هذا الحديث في صحيح البخاري وما درجة صحته؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يختلف عدد أحاديث كتب الحديث باختلاف طريقة العد والحصر
فمن العلماء من يعد المكرر ، ومنهم من لا يعده
ومنهم من يعد المرسل ، ومنهم من لا يعده
ومنهم من يعد المعلق ومنهم من لا يعده
ومنهم من يعد الموقوف والمقطوع ونحوه ، ومنهم من لا يعد إلا المرفوع .
وعلى ذلك : فالسبب في اختلاف العدد : هو الاختلاف في طريقة العد ، وليس بالضرورة أن يكون لأجل الاختلاف في الترجمة ، من لغة إلى لغة .
وأما اختلاف الأجزاء والصفحات : فهذا أمر مفهوم معتاد في الكتب التي تولى طباعتها أكثر من دار من دور النشر
حيث يكون لكل دار طريقتها في تنسيق الصفحة وحجم الخط وحجم الصفحة نفسها مما يترتب عليه اختلاف الأجزاء والصفحات .
ثانيا :
أما ما ذكر من أعداد الأحاديث في الكتب المشهورة :
فعدد أحاديث صحيح البخاري بالمكرر (7397) حديثا
وبحذف المكرر (2602)
كما حرر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله.
وعدد أحاديث صحيح مسلم بالمكرر (7275) حديثا
وبحذف المكرر نحو (4000) حديث .
وعدد أحاديث سنن أبي داود (4800) حديث
- غير المراسيل - انتخبه مؤلفه من خمسمائة ألف حديث .
وعدد أحاديث سنن ابن ماجة (4341) حديثا .
وعدد أحاديث مسند الإمام أحمد بالمكرر نحو (40000) حديث
وبحذف المكرر نحو (30000) حديث.
انظر : "مصطلح الحديث" للشيخ ابن عثيمين (ص: 47-54)
وعدد أحاديث سنن النسائي (5720) حديث تقريبا .
وعدد أحاديث سنن الترمذي (3956) حديثا. عدا أحاديث كتاب العلل آخر الجامع.
ويقول أبو بكر الأبهري: جملة ما في "الموطأ" من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين (1720) حديثاً، المسند منها (600) ، والمرسل (222) ، والموقوف (613) ، ومن قول التابعين (285)
انظر: "تدوين السنة النبوية" (ص 92)
"بحوث في تاريخ السنة المشرفة" (ص 249)
"كيف نستفيد من الكتب الحديثية الستة؟" (ص 23) .
ثالثا :
قد يكون الحديث رواه البخاري وغيره ، ثم يأتي الداعية أو الخطيب بجملة من الحديث لم يروها البخاري وإنما رواها الإمام أحمد مثلا ، فيتساهل في عزو الحديث فيقول : رواه البخاري
ويعني بذلك : أن أصل الحديث في البخاري ولا يقصد أن هذا اللفظ بعينه رواه البخاري .
وهذا الحديث المذكور في السؤال من هذا القبيل ، فقد رواه البخاري (5666)
عن القَاسِم بْن مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَا رَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي
وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ، لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ - أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ: أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ -
أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ - ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ )
ثم رواه برقم (7217) ولفظه : قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ)
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلَلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ، لَقَدْ هَمَمْتُ - أَوْ أَرَدْتُ -
أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ، أَنْ يَقُولَ: القَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ ) - أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ - .
ورواه أحمد (25908) ومن طريقه ابن ماجة (1465)
عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَجَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهْ قَالَ: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ ثم قَالَ: ( مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي
فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ؟ )
قُلْتُ: لَكِنِّي أَوْ لَكَأَنِّي بِكَ، وَاللهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ " .
ونجد ما يلي :
أولا : أن الحديث قد رواه البخاري في "كتاب المرضى" من صحيحه ،
بَابُ قَوْلِ المَرِيضِ: " إِنِّي وَجِعٌ، أَوْ : وَارَأْسَاهْ، أَوِ اشْتَدَّ بِي الوَجَعُ " برقم (5666) الجزء (7) الصفحة (119).
ثم رواه في "كتاب الأحكام" من صحيحه ، " باب الاستخلاف " برقم (7217) الجزء (9) الصفحة (80).
ثانيا : أن سياق الحديث كما ذكره السائل أشبه بسياق أحمد وابن ماجة منه بالبخاري ، والأولى في هذا أن يتم التنبيه على أن هذا اللفظ لم يروه البخاري فيقال مثلا : رواه البخاري وأحمد - واللفظ له - .
ثالثا : هذا الترقيم الذي ذكره في الطبعة الأردية هو ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله ، وهو من مشاهير المحققين والمدققين ، وترقيمه من أضبط الترقيم ، أو هو أضبطه .
في حين أننا قد نجد الحديث برقم آخر في طبعة أخرى، وبرقم ثالث في طبعة ثالثة.
رابعا : قد يعول المحقق العربي على ترقيم طبعة معينة ، أو تحقيق معين ، ويعول المحقق الأوردي ، أو الإنجليزي .. على طبعة أو ترقيم غيره ، فينشأ الاختلاف
وهو اختلاف غير مؤثر عادة ، إلا إذا كان اختلافا واضحا ، سببه عدم الدقة في التحقيق والمراجعة والمقابلة ، فحينئذ لا يعتمد إلا على النسخة الصحيحة ، ويعلم ذلك المتخصصون من أهل العلم وطلبته .
وأولى المهمات : التأكد من النص والتخريج ، وأنه لا يوجد تحريف أو تصحيف أو اختصار مخل ونحو ذلك ، فإن تم التأكد من ذلك ، فاختلاف الترقيم لا يضر .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 01:41
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الكلام على حديث : ( لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَى أُمَّتِي ) قيل : من ؟ قَالَ : ( أَئِمَّةً مُضِلِّينَ ) سندا ومتنا .
السؤال:
عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( لغير الدجال أخوفني على أمتي ( قالها ثلاثًا ) " ، قال : قلت : يا رسول الله ! ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك ؟
قال : ( أئمة مضلين ) مسند أحمد 145/5 حديث رقم 21334 ، 21335 . هل هذا الحديث صحيح ، وما شرحه ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث رواه الإمام أحمد (21296) من طريق ابْن لَهِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُبَيْرَةَ ، أَخْبَرَنِي أَبُو تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو ذَرٍّ ، قَالَ : " كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ : ( لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَى أُمَّتِي ) قَالَهَا ثَلَاثًا . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا هَذَا الَّذِي غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قَالَ : ( أَئِمَّةً مُضِلِّينَ ) " .
وهذا إسناد ضعيف ، ابن لهيعة ضعيف الحديث ، وكان قد اختلط .
انظر : " الميزان " (2/476) .
غير أن هذا الحديث قد ورد بعدة أسانيد وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة .
فمن ذلك :
- ما رواه أبو داود (4252) ، والترمذي (2229) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : ( إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ ) ، وصححه الألباني رحمه الله في " صحيح سنن أبي داود " .
وقد جاء في صحيح مسلم (2937) الإشارة إليه ، فعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه ، قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ
فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) .
قال النووي رحمه الله في " شرح صحيح مسلم " :
" وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَفِيهِ أَوْجُه أَظْهَرهَا أَنَّهُ مِنْ أَفْعَل التَّفْضِيل , وَتَقْدِيره غَيْر الدَّجَّال أَخْوَف مُخَوِّفَاتِي عَلَيْكُمْ , ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَاف إِلَى الْيَاء , وَمِنْهُ : أَخْوَف مَا أَخَاف عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّة الْمُضِلُّونَ ) " انتهى .
وقد ذكر الألباني رحمه الله طرق الحديث وصححه في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (1582) ، (1989) .
وقد جود إسناده الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (ص72) ، وكذا ابن كثير في " مسند الفاروق " (2/535) ، والمناوي في " التيسير " (2/ 162)
وقال الشيخ أحمد شاكر في " تحقيق مسند أحمد " (1/150) : إسناده حسن . انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"حديث الأئمة المضلون محفوظ ، وأصله في الصحيح "
انتهى من " بيان تلبيس الجهمية " (2/293) .
ثانيا :
معنى الحديث : أن الأئمة المضلين من أشد ما يخاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، حتى إنهم أخوف عنده على أمته من الدجال .
قال المناوي رحمه الله :
" قال أبو البقاء : معناه : أني أخاف على أمتي من غير الدجال أكثر من خوفي منه .
وقال ابن العربي : هذا لا ينافي خبر : ( لا فتنة أعظم من فتنة الدجال ) ؛ لأن قوله هنا : ( غير الدجال ... إلخ ) ، إنما قاله لأصحابه ، لأن الذي خافه عليهم أقرب إليهم من الدجال
فالقريب المتيقن وقوعه لمن يُخاف عليه ، يشتد الخوف منه ، من البعيد المظنون وقوعه ، ولو كان أشد "
انتهى من " فيض القدير " (4/535) .
وقال النووي رحمه الله في " شرح مسلم " (18/64) :
" ( أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ ) مَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَى أُمَّتِي ، أَحَقُّهَا بِأَنْ تُخَافَ : الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ " انتهى .
والمقصود بالأئمة المضلين : الأئمة المتبوعون الذين يضلون الناس عن سبيل الله ، فيدخل في ذلك : الحكام الفسدة ، والعلماء الفجرة ، والعُبَّاد الجهلة .
وكما وجد في أهل الكتاب علماء فجرة يصدون الناس عن سبيل الله ويضلونهم كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) التوبة/34
فقد وجد من هذه الأمة من العلماء والعباد من كان مثل علماء وعباد أهل الكتاب .
" قال سفيان بن عيينة رحمه الله : كَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادِنَا فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى .
وقال غير واحد من السلف : احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ ، فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ"
انتهى من " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (1/197) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فالأئمة المضلون هم الأمراء "
انتهى من " مجموع الفتاوى" (1/355) .
وقال السندي في " حاشية ابن ماجة " (2/465) :
" ( أئمة مضلين ) أي : داعين الخلق إلى البدع " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ( الأئمة المضلين ) أئمة الشر ، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، إن أعظم ما يخاف على الأمة الأئمة المضلون ، كرؤساء الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذين تفرقت الأمة بسببهم .
والمراد بقوله : ( الأئمة المضلين ) : الذين يقودون الناس باسم الشرع ، والذين يأخذون الناس بالقهر والسلطان ، فيشمل الحكام الفاسدين ، والعلماء المضلين ، الذين يدعون أن ما هم عليه شرع الله ، وهم أشد الناس عداوة له "
انتهى من " القول المفيد على كتاب التوحيد " (1/365) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 01:44
حديث باطل في رفع عذاب القبر عن الموتى إذا تاب شاب
السؤال:
هناك حديث مفاده أنه إذا تاب شاب فإن الله يرفع العذاب عن أهل قبور ما بين المشرق والمغرب أربعين يوماً.. ثم قال : نضّر الله من قرأ هذا الحديث فبلّغه . رواه بن ماجه. ما صحة هذا الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام المذكور لا يُعلم له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس هو في " سنن ابن ماجة " ، ولا في غيره من كتب الحديث ، ولا يعلم أن أحداً من أهل العلم رواه ، ولو بسند ضعيف .
والذي رواه ابن ماجة (230) : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ) ، وهو حديث صحيح مشهور ، صححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجة " .
لكن ذكر ، قريبا من هذا المعنى : ( إن العالم والمتعلم إذا مرا بقرية فإن الله يرفع العذاب عن مقبرة تلك القرية أربعين يوما ) .
قال الألباني رحمه الله في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (419) :
" لا أصل له ، كما قال السيوطي في " تخريج أحاديث شرح العقائد " (ورقة 6 / وجه 2) ، وأقره العلامة القاري في " فرائد القلائد على أحاديث شرح العقائد " (25 /1) " انتهى .
وورد أيضا ـ لكن من كلام أنس بن مالك رضي الله عنه : أن عذاب القبر يرفع عن الموتى في شهر رمضان ، ولا يثبت كذلك .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" روي بإسناد ضعيف ، عن أنس بن مالك : أن عذاب القبر يرفع عن الموتى في شهر رمضان "
انتهى من " أهوال القبور " (ص 60) .
فلا يجوز الجزم بنسبة شيء من ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وخاصة ما لا يعرف له أصل ، فإن ذلك من جملة الأحاديث الموضوعة المكذوبة
وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ) رواه مسلم في " مقدمة صحيحه " (1/7) .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ ، فَرَوَاهُ : كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لَا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ ؟ " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 01:57
هل كتب البلاذري التاريخية موثوقة ؟
السؤال:
أثبتم بطلان الكثير من الادعاءات التاريخية المذكورة في كتاب " جمل من أنساب الأشراف " للإمام البلاذري رحمه الله تعالى :
كاغتيال عمر بن الخطاب لسعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما
واعتداء عمر بن الخطاب على فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهم
وبطلان صحة حديث يذم معاوية
بعد هذه الأمثلة ، هل يجوز - مع كامل الاحترام للإمام البلاذري رحمه الله - أن نعتبر الكتاب المذكور مصدرا موثوقا في سرد السيرة والتاريخ الإسلامي بشكل عام ؟
الجواب :
الحمد لله
إطلاق وصف " الموثوقية " أو عدمها على كتب البلاذري لن يخلو من بعض الميل والحيف ، وذلك أن أكثر كتب التاريخ المسندة – وكتب البلاذري منها – كانت تعتمد مبدأين اثنين في سرد مروياتها :
الأول :
توثيق الحكاية والرواية وتدوينها كما بلغت ، مع الإحالة إلى الإسناد الذي تحمَّل تلك الرواية ، وإخلاء العهدة عن المسؤولية تجاه صحة الحادثة أو كذبها أو خطئها
وهذا المبدأ يقتصر على أمانة النقل ، والرغبة في الجمع والسرد المجردين ، من غير تدخل في النقد ، ولا اجتهاد في الاختيار والتمحيص ، كي لا تفقد الكتب والصحف أيا من الروايات والأخبار تحت غطاء النقد والتمييز .
الثاني :
جمع الطرق والروايات الواردة في الشيء المروي ، بحيث يتمكن الناقد من النظر في جميع ذلك ، ويميز الثابت منها ، من غير الثابت
ليقارن بينها ، وينتقي من غير الثابتة ما يصلح في الشواهد والمتابعات ، ويمكن الاستئناس به .
مع التنبيه إلى أن المعتاد السائر في عمل المؤرخين : هو قدر من التساهل والتخفيف في أمر المرويات التاريخية ، بما لا يعتاد مثله ، ولا يقبل في أمر المرويات الشرعية والآثار النبوية .
والإمام أحمد بن يحيى البلاذري (ت279هـ) اعتمد في كتبه هذين المبدأين ، مع قدر جيد من الانتقاء والاختيار والاجتهادات النقدية للمرويات .
ولكن الدراسة العملية التطبيقية أثبتت لنا اشتمال كتبه على الكثير من المرويات التي ينفرد بها ، أو التي هي محل شك وتردد ، يسوقها أحيانا خطأ على وجه الاعتماد
وأحيانا أخرى يسوقها بمقصد الجمع والسرد وإحالة العهدة على الإسناد لا غير ، كما هي عادة المؤرخين ، لا يختلف في ذلك عن الإمام الطبري مثلا
الذي امتلأت مؤلفاته التاريخية بالمرويات غير الثابتة ، ولم يكن ذلك سبيلا للطعن في شخصه ، فهو إمام يسلم الجميع بإمامته ، وإنما فسر العلماء مسلكه هذا في ضوء المبدأين اللذين سبق تقريرهما.
وهكذا الشأن في الإمام البلاذري ، فقد وصفه ياقوت الحموي في " معجم الأدباء " (2/531) بقوله : " كان عالما فاضلا شاعرا راوية نسابة متقنا ، وكان مع ذلك كثير الهجاء بذيء اللسان آخذا لأعراض الناس ".
ونعته الإمام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (13/162) بأنه " العلامة الأديب المصنف ". وقال عنه في " تاريخ الإسلام " (6/505): " له كتب جياد . وهو صاحب كتاب البلدان ، صنفه وأحسن تصنيفه ".
وهكذا لم نجد في المحدثين من يتهمه بالكذب ، أو نكارة الحديث ، وغاية ما هنالك وصفه بالهجاء وذرب اللسان ، والله يعفو عنا وعنه .
وقد استدل العلماء على تحري البلاذري في كتبه – في كثير من الأحيان وليس دائما – بقوله في بعض المواضع : " وقد روى ذلك ولا أدري من أين جاء به من رواه ".
وقوله : " حدثني هشام بن عمار في إسناد له لم أحفظه ".
وبأنه في أحيان كثيرة يرجح بين الروايات ، ويظهر رأيه ونقده فيقول مثلا : " والخبر الأول أثبت "، ونحو ذلك من العبارات .
وهذه كلها أمثلة تدل على قدر من التحري والتدقيق يبذله رحمه الله في كتبه .
ويقول الدكتور عبد العزيز الدوري :
" وقد شهد النصف الثاني للقرن الثالث الهجري ظهور مؤرخين لا تحدهم مدرسة أو اتجاه مما ذكر ، بل حاولوا أن يستفيدوا من مواد السيرة
ومن كتب الإخباريين ، ومن كتب الأنساب والمصادر الأخرى المتيسرة ، وشملت دراستهم الأمة بصورة منظمة ، وكان عملهم انتقاء المادة بعد النقد ، وأفقهم عاما أو عالميا .
وأول ممثل للتطور الجديد هو أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت279هـ/892م). وله كتابان مهمان هما " فتوح البلدان "، و" أنساب الأشراف ".
أما فتوح البلدان فيبحث تاريخ الفتوحات الإسلامية ، ويقدم قصة متسلسلة لفتح كل مصر . وقد أخذ البلاذري مادته من الكتب الخاصة بفتوح كل مصر ، ومن المواد التي استطاع جمعها خلال زيارته للأمصار
ومن الروايات الأخرى المتيسرة . وطريقته في الكتابة تكمن في أنه ينتقي المادة بعد الغربلة والنقد ، ويعطي صورة متزنة للحوادث ، مع تجنب إيراد روايات متعددة حول الحادث
وهو يعتمد كثيرا على روايات المدينة التي تتصف بالحياد والدقة أكثر من غيرها ، كما أنه استفاد بالدرجة الأولى من الروايات المحلية . وقد أورد البلاذري كثيرا من المعلومات القيمة عن النواحي الثقافية والاقتصادية والإدارية .
أما " أنساب الأشراف " فهو كتاب عام للتاريخ الإسلامي في إطار الأنساب ، وهو يمثل مزيجا فذا في الخطة والمادة . فخطته تجمع بين أساليب كتابة كتب الطبقات وكتب الأخبار وكتب الأنساب .
وتشمل سيرة كل خليفة الأحداث التي وقعت على عهده ، بما في ذلك فعاليات الأحزاب السياسية ، مع عناوين فرعية للحوادث المهمة تشبه عناوين " كتب " الإخباريين .
وهو يراعي التسلسل التاريخي عادة ، ومع ذلك توجد استثناءات فرضتها ضرورة مراعاة تسلسل النسب ( مثلا يرد الكلام عن يزيد قبل عثمان بن عفان ).
ينقد البلاذري مصادره قبل الأخذ عنها . ولكننا نلاحظ أن الآراء عن المؤرخين السابقين قد استقرت في عصره . وهذا ينعكس في مثل قوله " الواقدي في إسناده "، و" أبومخنف في إسناده " الخ .
ويظهر أن بعض الروايات كانت مقبولة لدى عامة المؤرخين كما يظهر من بعض أخباره التي تبدأ بـ " قالوا ".
ويظهر أن البلاذري في انتقائه لمادته التاريخية أعطى أهمية خاصة للروايات التي تعود للمنطقة التي وقع فيها الحادث ، وأتمها بروايات أخرى حول الموضوع .
فمثلا في حديثه عن " الشورى " يعتمد بالدرجة الأولى على الواقدي والزهري (المدينة)، ويضيف إلى ذلك روايات عن أبي مخنف (وهي أقرب للعلويين)، ويأخذ عن الزبير بن بكار فيما يخص الأنساب .
وفي أخباره عن عبد الملك بن مروان يعتمد كثيرا على المدائني (عن عوانة بن الحكم)، وعلى عوانة بن الحكم والواقدي (دمشق والمدينة)
ويضيف إلى ذلك بعض الروايات العراقية . وفي أخباره عن وقعة (الحرة) يستند بصورة أساسية إلى المدائني والواقدي وعوانة وأشياخ من المدينة ، وبذلك يعطي روايات مدنية وأموية .
أما مصادر البلاذري فمؤلفات مكتوبة وروايات شفوية . فبعض التعابير مثل "حدثني" و"قال لي" تشير إلى روايات شفوية مباشرة ، بينما تشير "روي" بصورة عامة إلى مؤلفات مكتوبة
في حين أن " قال " تعني أخذ رواية شفوية أو الأخذ من كتاب .
ويستعمل البلاذري الإسناد عادة في بعض رواياته التي تتعلق بحوادث المدينة زمن الراشدين ، وفي بعض الروايات المنفردة ، وإلا فإنه يأخذ عن مصدر سلسلة إسناده معروفة
فيكتفي بذكره. وكثيرا ما يستعمل الإسناد الجمعي ليدل على الاتفاق على المعلومات الأساسية ، ثم يورد إضافات بسيطة .
ويحدث أحيانا أن يورد البلاذري عدة روايات ، بينها شيء من الاختلاف حول الموضوع نفسه . وترد لديه بعض الروايات المنفردة دون إسناد .
على الرغم من اتصاله بالعباسيين إلا أن البلاذري محايد في أخباره ، ومتزن ، فهو يفسح المجال للروايات كافة ، ويحاول بصورة جدية أن يكون موضوعيا في أخباره .
ويعبر البلاذري في " أنساب الأشراف " عن فكرة وحدة الأمة واتصال خبراتها في التاريخ الإسلامي . أما " فتوح البلدان " فيظهر قيمة خبرة الأمة للأغراض الإدارية والتشريعية " .
انتهى من " نشأة علم التاريخ عند العرب " (ص56-58) .
وللتوسع ينظر :
1. صلاح الدين المنجد ، مقدمة تحقيق كتاب "فتوح البلدان"، دار القاهرة.
2. فوزي ساعاتي، " موارد البلاذري في كتابه فتوح البلدان " ، رسالة دكتوراة في جامعة أم القرى، 1989م.
3. صفاء حافظ، " البلاذري ومنهجه في فتوح البلدان " ، (ص29-42) .
والخلاصة
أن الباحث المحقق لا يعتمد على موثوقية الكاتب أو الكتاب ، بقدر ما يستند إلى الدرس الخاص بالرواية نفسها ، وذلك بتمحيص أسانيدها وأركانها ، وعرضها على النقد الداخلي والخارجي
ليصير إلى النتيجة في كل رواية على حدة ، وبهذا ينتفع الباحث من كتب التاريخ كلها حتى لو اشتملت على بعض الروايات الغريبة المنكرة ، كما في كتب البلاذري .
وهذا ما سلكه المحققون من العلماء ، كالحافظ المزي ، والذهبي ، والحافظ ابن حجر ، ومن المتأخرين العلامة محمد رشيد رضا ، والشيخ الألباني رحمهم الله جميعا
وغيرهم من علماء الرجال والتاريخ المتأخرين ، امتلأت كتبهم بالاعتماد على كثير من مرويات البلاذري ، ولم يردها أحد لمجرد ورودها من طريقه
وإنما كانوا يقيمون البحث الخاص للتحقق من الرواية ، كما هو الشأن في التعامل مع أي كتاب
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 02:02
سبب وجود الأحاديث الضعيفة في كتب بعض العلماء
السؤال
: ما أسباب وجود أحاديث ضعيفة في كتب المتقدمين كابن تيمية وابن القيم وابن رجب رحمهم الله ؟
وكيف نتعامل معها ؟
الجواب :
الحمد لله
تنقسم الأحاديث الضعيفة – من حيث جزمنا بردها وضعفها - إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
أحاديث يجزم بردها وكذب نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم : وهي نوعان :
1- أحاديث جاءت من طريق الرواة الكذابين والمتهمين ، أو شديدي الضعيف سيِّئِي الحفظ ، ويظهر في متنها نكارة لا يصدر مثلها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
2- أو التي يُجزَم بخطئ راويها حين يخالف من هو أوثق منه أو أكثر عددا ، فيرفع الموقوف ، أو يسند المرسل ، أو يزيد وينقص في المتن أو الإسناد .
فهذه الأحاديث لا تكاد تجد منها شيئا في كتب أهل العلم المحققين إلا ما يذكرونه للتنبيه على وهنه ونكارته ، أما أن يكون في معرض الاستدلال والاستشهاد : فهذا لا يقع إلا نادرا على سبيل الوهم والخطأ .
القسم الثاني :
أحاديث ضعيفة بسبب وجود راو ضعيف أو مجهول محتمل الضعف ، أو بسبب انقطاع يسير ، مع عدم وجود نكارة في المتن مناقضة للثابت من الشريعة .
وهذا القسم لا يجزم العلماء برده وتكذيب نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يعتبرون احتمال صدوره عنه صلى الله عليه وسلم قائما
إذ قد يحفظ الراوي الضعيف ويصيب ، كما قد يكون الراوي الساقط من الإسناد أو الراوي المجهول ثقة
فتجدهم يحكمون بقبول الحديث إذا اجتمعت بعض القرائن التي تقوي هذين الاحتمالين كتعدد الطرق ومجيئه من غير وجه .
يقول ابن الصلاح في "المقدمة" (ص/9) :
" إذا قالوا في حديث : إنه غير صحيح ، فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر ، إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر ، وإنما المراد به : أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور " انتهى .
ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/75-76) :
" ( وإذا قيل ) هذا حديث ( غير صحيح ) : فمعناه لم يصح إسناده على الشرط المذكور ، لا أنه كذب في نفس الأمر ، لجواز صدق الكاذب ، وإصابة مَن هو كثير الخطأ " انتهى .
فإذا وجد أهل العلم أنَّ ضعفَ الحديث المعيَّن ضعفٌ محتملٌ ، ورأوا في متنه معنًى مقبولا في جملة الشريعة ، لم يتورعوا – في الغالب – عن ذكره وتدوينه استئناسا وليس استدلالا
فهم متفقون على أن الاستدلال على الأحكام الشرعية يجب أن يكون بالحديث الصحيح ، ولكنهم يستأنسون بهذا القسم من الضعيف في أبواب القصص والرقائق والسير والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال ونحوها .
فيمكن تلخيص أسباب ذكر العلماء هذه الأحاديث الضعيفة في كتبهم بما يلي :
1- اعتبار احتمال ظهور صدقها وصحتها ببعض الشواهد والطرق والمتابعات ، فيستأنسون بمعانيها في تلك الأبواب إذا كانت مقبولة في الجملة .
2- تقليد من سبقهم من أهل العلم ، ممن أخرج الحديث وبوب عليه في مصنفات السنة ولم يحكم برده وتكذيبه ، فيوكلون العهدة عليه .
3- وفي كثير من الأحيان يصحبون ذكر هذه الأحاديث ببعض ما يدل على ضعفها ، كالتصريح بالضعف ، أو ذكرها بصيغة التمريض : رُوي ، حُكي ، وجاء في الحديث...ونحوها .
القسم الثالث :
أحاديث مختلف فيها ، مترددة بين القسمين السابقين ، وبين قسم الحديث الحسن والمقبول ، فيكون ذكر أهل العلم لها في كتبهم من باب اعتبار هذا الخلاف ، أو ترجيح قبول الحديث أو على الأقل عدم الجزم برده .
هذا واحتمال الخطأ وارد في كل ذلك ، فالعلماء وإن اتسعت معارفهم فذلك لا يثبت العصمة لهم ، فقد يذكر الحديث الضعيف ظنا منه أنه صحيح
وإذا كان الخطأ قد وقع لأئمة السنة أصحاب المصنفات والسنن والجوامع ، فوقوعه فيمن بعدهم من العلماء أولى وأقرب .
يقول الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/447) :
" فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة ، إما لذهول عن ضعفها ، وإما لقلة معرفة بالنقد " انتهى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-15, 02:10
هل ورد في السنة شيء عن الفوائد الطبية لنبتة " السّنا " ؟
السؤال:
هل وردت أحاديث في نبتة السنامكي (السنا)؟
وما فوائدها؟
الجواب :
الحمد لله
روى ابن ماجة (3457) ، والحاكم (7442) ، والطبراني في "مسند الشاميين" (14) ، وأبو نعيم في "الطب النبوي" (177) عن أبي أُبَيِّ بْنَ أُمِّ حَرَامٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ
: (عَلَيْكُمْ بِالسَّنَى، وَالسَّنُّوتِ، فَإِنَّ فِيهِمَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا السَّامَ) ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: (الْمَوْتُ) " وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7442) .
وروى الترمذي (2081) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهَا: (بِمَ تَسْتَمْشِينَ؟) ، قَالَتْ: بِالشُّبْرُمِ قَالَ: (حَارٌّ جَارٌّ)
قَالَتْ: ثُمَّ اسْتَمْشَيْتُ بِالسَّنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ شَيْئًا كَانَ فِيهِ شِفَاءٌ مِنَ المَوْتِ لَكَانَ فِي السَّنَا) . وقال الترمذي " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ " وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" .
وينظر للتوسع في تخريجه : "مختصر استدراك الذهبي" لابن الملقن (6/2750-2755) .
جاء في "المعجم الوسيط" (1/ 457):
" (السنا) : نبات شجيري من الفصيلة القرنية ، زهره مصفر، وحبه مفلطح رَقِيق ، كلوي الشكل تَقْرِيبًا إِلَى الطول ، يتداوى بورقه وثمره ، وأجوده الْحِجَازِي، وَيعرف بالسنا الْمَكِّيّ " انتهى .
وقال في "القاموس المحيط" (ص: 1296):
" نَبْتٌ مُسْهِلٌ للصَّفْراءِ والسَّوْداءِ والبَلْغَمِ " انتهى .
وانظر: "تاج العروس" (38/ 313) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" السَّنَا : نَبْتٌ حِجَازِيٌّ أَفْضَلُهُ الْمَكِّيُّ ، وَهُوَ دَوَاءٌ شَرِيفٌ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ ، قَرِيبٌ مِنَ الِاعْتِدَالِ، حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى ، يُسْهِلُ الصَّفْرَاءَ وَالسَّوْدَاءَ ، وَيُقَوِّي جِرْمَ الْقَلْبِ ، وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ شَرِيفَةٌ فِيهِ
وَخَاصِّيَّتُهُ النَّفْعُ مِنَ الْوَسْوَاسِ السَّوْدَاوِيِّ ، وَمِنَ الشِّقَاقِ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ، وَيَفْتَحُ الْعَضَلَ وَيَنْفَعُ مِنِ انْتِشَارِ الشَّعَرِ، وَمِنَ الْقُمَّلِ وَالصُّدَاعِ الْعَتِيقِ ، وَالْجَرَبِ وَالْبُثُورِ، وَالْحِكَّةِ وَالصَّرِعِ، وَشُرْبِ مَائِهِ مَطْبُوخًا أَصْلَحُ مِنْ شُرْبِهِ مَدْقُوقًا
وَمِقْدَارُ الشَّرْبَةِ مِنْهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ، وَمِنْ مَائِهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، وَإِنْ طُبِخَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ زَهْرِ الْبَنَفْسَجِ وَالزَّبِيبِ الْأَحْمَرِ الْمَنْزُوعِ الْعَجَمُ ، كَانَ أَصْلَحَ .
قَالَ الرَّازِيُّ: السَّنَاءُ وَالشَّاهَتْرَجُ يُسَهِّلَانِ الْأَخْلَاطَ الْمُحْتَرِقَةَ ، وَيَنْفَعَانِ مِنَ الْجَرَبِ وَالْحِكَّةِ ، وَالشَّرْبَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ إِلَى سَبْعَةِ دَرَاهِمَ.
وَأَمَّا السَّنُوتُ: فَفِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ: ...
..
الثامن : أَنَّهُ الْعَسَلُ الَّذِي يَكُونُ فِي زِقَاقِ السَّمْنِ ، حَكَاهُ عبد اللطيف البغدادي. قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: وَهَذَا أَجْدَرُ بِالْمَعْنَى وَأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، أَيْ يُخْلَطُ السَّنَاءُ مَدْقُوقًا بِالْعَسَلِ الْمُخَالِطِ لِلسَّمْنِ
ثُمَّ يُلْعَقُ فَيَكُونُ أَصْلَحَ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ مُفْرَدًا لِمَا فِي الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ مِنْ إِصْلَاحِ السَّنَا، وَإِعَانَتِهِ لَهُ عَلَى الْإِسْهَالِ "
انتهى من "زاد المعاد" (4/ 6970) .
\
وفي الطب الحديث تعتمد شركات الأدوية على (السنا) وتنتج كثيراً من مستحضراته ، وقد ذكروا له فوائد طبية كثيرة
يعد من أفضل المسهلات
السنامكي.. ينقي الدم ويفتك بالفيروسات والفطريات
يعرف السنا على مستوى العالم باسم «سنامكي
لأن موطنه الأصلي مكة المكرمة، ويعرف محلياً باسم «سنا» وخاصة في مناطق الحجاز وفي جنوب المملكة، أما في نجد وبعض المناطق الأخرى من المملكة فيعرف باسم «عشرق» يوجد من السنا ثلاثة عشر نوعاً وأهم هذه الأنواع:
1- السنامكي والمعروف علمياً باسم Cassia Angustifolia.
2- السنامكي الحجازي والمعروف علمياً باسم Cassia Acutifolia.
3- الخرنوب ويعرف علمياً باسم Cassia Fistuls .
والنوعان الأوليان عبارة عن نباتات عشبية معمرة لا يزيد ارتفاعها في الغالب على مترين ويحمل النبات أوراقاً مركبة ريشية الشكل تتكون من زوجين إلى سبعة أزواج من الوريقات
وأزهاراً في قمم الأغصان على هيئة مجاميع ما بين زهرتين إلى سبع زهرات في شكل عناقيد ذات لون اصفر إلى برتقالي، الثمار قرنية تشبه ثمار الفاصوليا أو الفول وشكلها مفلطح جلدية الملمس طولها ضعف
عرضها ذات لون بني مصفر تحوي بداخلها بذوراً ذات لون رمادي وقوامها صلب وتعرف باسم القرنة «الجراب».
الجزء المستخدم من نباتات السنا هي الوريقات المجففة وكذلك الثمار.
الموطن الأصلي لنبات السنا هي الجزيرة العربية ومصر والسودان والهند والباكستان وايران وتعتبر مصر والسودان والهند والباكستان الدول المصدرة للسنا على مستوى تجاري كبير.
أما الطب الحديث فقد قامت أبحاث كثيرة على أوراق وثمار السنا وأثبتت تلك الأبحاث فائدة السنا كأفضل مسهل بالاضافة إلى تنقيته للدم والفتك بالفيروسات والفطريات وأنتجت شركات الأدوية كثيراً من مستحضرات السنا
ويعتبر نبات السنا أحد النباتات المهمة المسجلة في دساتير الأدوية الأوروبية والأمريكية والهندية والصينية وهناك مستحضرات
عدة تسوق في جميع أنحاء العالم، وهناك استعمالات داخلية للسنا وأخرى خارجية نذكر منها ما يلي:
1) لاشك ان السنا من أفضل الملينات إن لم يكن على الاطلاق ذلك لأن مفعوله لا يبدأ إلا في القولون حيث يتم تحلله بواسطة البكتريا القولونية وعليه فإنه لا يؤثر على المعدة والامعاء الدقيقة
ولا يؤثر بالتالي على امتصاص الغذاء بعد فترة الاسهال كما تفعل بعض المسهلات التي يحدث بعد استعمالها خمول لحركة الأمعاء فيحدث الإمساك بعد الاسهال مما يضطر المرء إلى معاودة استعمال المسهل والتعود عليها
كما لا يسبب السنا تقلصات في الأمعاء كما تفعل المسهلات الأخرى، كما أن من محاسن استعمال السنا ان الشخص يستطيع ان ينظم الوقت المريح لاستعماله فتأثيره المسهل لا يبدأ إلا بعد ما بين 8 - 12 ساعة من تعاطيه
ولا يمتص من الامعاء، ويستعمل السنا على هيئة مطبوخ أو منقوع أو على هيئة اقراص وهي متوفرة في الصيدليات.
2) يوجد حالياً في الهند مستحضر مكون من محلول مائي مركز من السنامكي حيث تستعمل لتنقية الدم.
3) يوجد استخدام جديد يستعمل ضد الفيروسات وتكاثرها حيث تم استخلاص راسب بروتوني من نوع السنا المعروف باسم سنا سيام وأعطى نتائج 100٪ لوقف نمو الفيروسات.
4) تم استخلاص جلوكوزيدات من نباتي فيستولا ودكورا واستخدمت ضد الفطريات.
أما الاستعمالات الخارجية فيمكن استخدام منقوع أوراق السنا على هيئة حقنة شرجية للأطفال كمسهل وذلك باستعمال منقوع 1 جم لكل سنة من العمر، أما الكبار فنسبة الحقنة الشرجية من 10 - 15جم لكل 500 مليلتر من الماء.
يجب عدم استعمال السنا في حالة وجود سدد بالأمعاء وفي الالتهابات المرضية الحادة في الامعاء وفي حالة التهاب الزائدة الدودية.
كما يجب عدم استعمال السنا من قبل المرأة الحامل وكذلك المرأة المرضع.
تعتبر الجرعة المتوسطة اليومية ما بين، 05 إلى 2جم تؤخذ على هيئة منقوع في كوب ماء دافئ ويترك لمدة عشر دقائق
فقط ثم يصفى ويشرب أو تنقع الكمية في كوب ماء بارد لمدة ما بين 10 - 12 ساعة ثم يصفى ويشرب.
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 08:59
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
: حديث : ( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ) حديث ثابت
السؤال:
في أي كتب السنة ورد هذا الحديث : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة ". إن هناك الكثير من الأحاديث التي تحث على استعمال السواك قبل كل الصلاة
أمّا التي تحث على الوضوء فلا أدري عنها شيئاً . ولا شك ، على فرض صحة هذا الحديث ، أن المقصود به لفت الانتباه إلى فضيلة الوضوء وعظم أجره ، أليس كذلك ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
جاءت الأحاديث النبوية باستحباب السواك عند الوضوء وعند الصلاة ، وهي أحاديث مشهورة وقد سبق ذكر بعضها في الفتوى القادمه
ثانيا :
هذا الحديث المسئول عنه حديث حسن ، وقد رواه الإمام أحمد (7513) والنسائي في " السنن الكبرى " (3027) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ، لَأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ ، ومَعَ كُلِّ وُضُوءٍ بِسِوَاكٍ ، وَلَأَخَّرْتُ عِشَاءَ الْآخِرَةِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ )
. وحسنه محققو المسند ، وكذا حسنه الألباني في "صحيح الجامع" (5318) .
وقد رواه الطيالسي في "مسنده" (2448) ولفظه : ( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَمَعَ كُلِّ وُضُوءٍ سِوَاكٌ ) .
وهذا الحديث يدل على استحباب الوضوء لكل صلاة ، وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم غالباً .
روى البخاري (214) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ) . فقيل له : كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ : يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَظَاهِره أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ عَادَته ، لَكِنْ الأحاديث الأخرى تدل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد الْغَالِب " .
انتهى بتصرف يسير، من "فتح الباري" (1/316).
وإن صلى عدة صلوات بوضوء واحد فهو جائز ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله أحياناً .
روى مسلم : (177) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ . قَالَ : عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ ) .
قال القرطبي في "المفهم" (4/10) :
"قوله صلى الله عليه وسلم : ( عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ ) ؛ أي : قصدًا ، ليبين للناس أنه يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلواتٍ ، وهذا أمر لا خلاف فيه " انتهى .
وقال النووي رحمه الله :
"فِي هَذَا الْحَدِيث أَنْوَاع مِنْ الْعِلْم مِنْهَا : جَوَاز الْمَسْح عَلَى الْخُفّ .
وَجَوَاز الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَات وَالنَّوَافِل بِوُضُوءٍ وَاحِد مَا لَمْ يُحْدِث ، وَهَذَا جَائِز بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدّ بِهِ .
وَحَكَى أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو الْحَسَن بْن بَطَّال فِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّهُمْ قَالُوا : يَجِب الْوُضُوء لِكُلِّ صَلَاة وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا ...
قال النووي : وَمَا أَظُنُّ هَذَا الْمَذْهَب يَصِحّ عَنْ أَحَد ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا اِسْتِحْبَاب تَجْدِيد الْوُضُوء" انتهى.
والحاصل
أن هذا الحديث حديث حسن ، ويستحب للمسلم أن يتوضأ لكل صلاة ، وإن صلى عدة صلوات بوضوء واحد فهو جائز .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 09:10
ما هي السنة في السواك ؟
السؤال
ما معنى السواك ؟
وما حكم استعماله ؟
وما هي الأوقات التي يستعمل بها ؟
ما هي صفات السواك وكيفية طريقة استعماله ؟
هناك بعض الأنواع منه تكون بنكهة الليمون وغير ذلك فهل حكمها كحكم السواك العادي ؟.
الجواب
الحمد لله
السواك والاستياك بمعنى تنظيف الفم والأسنان بالسواك ، ويطلق السواك على الآلة وهي العود الذي يستاك به .
والسواك سبب لتطهير الفم وموجب لمرضاة الرب سبحانه وتعالى ، كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السواك مطهرة للفم
مرضاة للرب " علقه البخاري في صحيحه (2/274) ووصله أحمد (6/47) والنسائي (1/50) وإسناده صحيح (الإرواء 1/105) .
وقد ورد في حقه الندب المؤكد كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة "
رواه البخاري (2/299) ومسلم (1/151) . وفي رواية للبخاري : " عند كل وضوء " .
وقد حكى الإمام النووي رحمه الله إجماع من يعتد برأيهم على استحباب السواك وسنيته ، ومما يدل على عظم شأنه أن بعض السلف قال بوجوبه ومنهم الإمام إسحاق بن راهويه .
الأوقات التي يستحب فيها السواك :
السواك مستحب في كل جميع الأوقات من ليل أو نهار لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة المتقدم : " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " .
وقد ذكر العلماء مواضع يتأكد فيها استحباب السواك فمن ذلك :
1- عند الوضوء والصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " وفي رواية مع كل وضوء وقد تقدم .
2- عند دخول البيت للالتقاء بالأهل والاجتماع بهم كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت : بأي شيء يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته
قالت : " كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم (1/220) .
3- عند الإنتباه من النوم لحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك " رواه البخاري (1/98) ومسلم (1/220) ومعنى : يشوص فاه ، أي : يغسله ويدلكه .
4- عند تغير رائحة الفم سواء كان التغير بأكل ماله رائحة كريهة أو بسبب طول الجوع أو العطش أو غير ذلك : لأنه إذا كان السواك مطهرة للفم فإن مقتضى ذلك أن يتأكد السواك متى احتاج الفم إلى التطهير .
5- عند دخول المسجد لأنه من تمام الزينة التي أمر الله بها عند كل مسجد ، قال تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) ، ولما فيه من حضور الملائكة واجتماع المصلين .
6- عند قراءة القرآن وفي مجالس الذكر لحضور الملائكة .
الاستياك للصائم :
اتفق أهل العلم رحمهم الله على أنه لا بأس في الاستياك للصائم أول النهار ، واختلفوا في الاستياك للصائم بعد الزوال فمنهم من كرهه والصحيح أنه سنة في حق الصائم كغيره لعموم الأدلة التي تدل على سنية السواك
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن وقتاً دون وقت والعام يجب بقاؤه على عمومه إلا أن يرد مخصص وأما ما استدلوا به من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي " رواه الدارقطني وهو حديث ضعيف قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/62) : إسناد ضعيف . فالحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم : " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " رواه البخاري (2/29) ومسلم (2/806) فإن هذا الخلوف لا يذهبه السواك لأن سببه خلو المعدة
ثم إنه قد يحصل في أول النهار إذا لم يستحر الصائم والجميع متفق على جواز السواك في أول النهار ، فتبين بهذا أن السواك مستحب حتى للصائم من غير تفريق بين أول النهار وآخره .
ما يستاك به :
اتفق العلماء على أن أفضل ما يستاك به هو عود الأراك لما فيه من طيب وريح وتشعير يخرج وينقي ما بين الأسنان من بقايا الطعام وغير ذلك
ولحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكاً من الأراك .. الحديث " وراه أحمد (3991) وسنده حسن ( الإرواء 1/104) .
ومن ثم استحب الفقهاء إذا لم يوجد عود الأراك التسوك بجريد النخل ، ويليه التسوك بعود شجرة الزيتون وقد رويت في ذلك أحاديث لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب أن كل عود مُنقٍّ غير مضر يقوم مقام السواك عند عدمه في التنظيف وإزالة ما يعلق بالأسنان من أذى . وكذلك فرشاة الأسنان المعروفة نافعة واستخدامها مفيد .
ما لا يتسوك به :
ذكر أهل العلم أنه يحرم التسوك بالأعواد السامة أو ما ليس بطاهر ، وكذلك يكره الاستياك بكل عود يُدْمي أو يحدث ضرراً أو مرضاً .
صفات المسواك :
ذكر الفقهاء استحباب السواك بعود متوسط الغلظ والطول ، وحدوه بغلظ الخنصر ، وأن يكون خالياً من العُقَد ، وأن لا يكون رطباً يلتوي لأنه إذا كان كذلك فلا يزيل الأذى ، وأن لا يكون يابساً يجرح الفم أو يتفتت فيه
ولا شك أن تطلب ذلك من باب الكمال وإلا فإن الأدلة الواردة في السواك لم تقيد سواكاً دون آخر بل يجوز الاستياك بكل عود يحقق مقصود الشارع في الأمر بالسواك والحث عليه .
كيفية الاستياك :
اختلف الفقهاء في الاستياك هل يكون باليد اليمنى أو باليد اليسرى :
فذهبت طائفة وهم الجمهور إلى أن الأفضل الاستياك باليد اليمنى لعموم حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله " متفق عليه
. ولأن السواك طاعة وقربة لله تعالى فلا يكون باليسرى .
وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى استحباب الاستياك باليد اليسرى لأنه من باب إزالة الأذى وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وفصّل بعض أهل العلم بأن المتسوك إن كان يقصد تحصيل السنة فيستاك باليد اليمنى وإن كان يستاك لإزالة الأذى فباليسرى ، والراجح أن الأمر في هذا واسع لعدم ثبوت النص الخاص في المسألة ولكل قول وجهه .
واستحب الفقهاء أن يبدأ المرء في استياكه من الجانب الأيمن عرضاً لأن الاستياك طولاً قد يجرح اللثة ، وذكروا من جملة آدب السواك :
- أن لا يستاك بحضرة جماعة أو في المحافل العامة لأنه ينافي المروءة .
- أن يغسل السواك بعد الاستياك لتخليصه مما علق به وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك ، فيعطيني السواك لأغسله ، فأبدأ به فأستاك
ثم أغسله وأدفعه إليه " رواه أبو داود (1/45) .
- أن يحفظ السواك بعيداً عما يستقذر .
الاستياك بالإصبع :
وفي إجزاء التسوك بالإصبع عند عدم وجود غيره خلاف بين أهل العلم ، والراجح أنه لا تحصل به السنية لأن الشرع لم يرد به ولا يحصل الإنقاء للفم به مثل حصوله بالعود ونحوه .
ومما يلحق بالعود ونحوه استعمال أدوات تنظيف الأسنان الحديثة مثل الفرشاة ونحوها مما يحصل به إزالة الأذى وطيب رائحة الفم … إلخ
ولا بأس باستعمال السواك بنكهة النعناع والليمون وما شابه ذلك ما لم تكن ضارّة ولكن على الصّائم أن يجتنب استعمال ما فيه نكهة ويقتصر أثناء صيامه على السّواك الطبيعي .
والله تعالى أعلم .
يراجع لسان العرب (مادة سوك)
المجموع للنووي (1/269)
نهاية المحتاج للرملي (1/162)
حاشية ابن عابدين (1/78)
نيل الأوطار للشوكاني (1/24)
المغني لابن قدامة (1/78)
الفتوحات الربانية على أذكار النووي لابن علان (3/256)
الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (1/137) .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 09:19
العقل الصحيح لا يخالف النقل الصحيح .
السؤال:
ما معنی قول ابن الجوزي رحمه الله: ( إذا رأيت الحديث يباين المعقول ... فاعلم أنه موضوع )
بينما كثير من الأحاديث تباين المعقول كإمساك رسول الله صلى الله عليه وسلم برقبة الجنِّي وخلق الإبل من الجن والشجرة التي جاءت إلی رسول الله صلى الله عليه ، وغيرها ؟
الجواب :
الحمد لله
كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو يوافق العقل والفطرة ، ولا يمكن أن يخالف العقل الصحيح النقل الصحيح بحال .
وإنما قد يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أحيانًا بما تحار فيه العقول ولا تدركه لعجزها وضعفها ، لا بما تحيله العقول ولا تقبله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ما جاء عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِفِطْرَةِ الْخَلَائِقِ ، وَمَا جُعِلَ فِيهِمْ مِنْ الْعُقُولِ الصَّرِيحَةِ، والقصود الصَّحِيحَة ، لَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ
وَلَا الْقَصْدَ الصَّحِيحَ ، وَلَا الْفِطْرَةَ الْمُسْتَقِيمَةَ ، وَلَا النَّقْلَ الصَّحِيحَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا يَظُنُّ تَعَارُضَهَا : مَنْ صَدَّقَ بِبَاطِلِ مِنْ النُّقُولِ ، أَوْ فَهِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ
أَوْ اعْتَقَدَ شَيْئًا ظَنَّهُ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَهُوَ مِنْ الجهليات ، أَوْ مِنْ الْكُشُوفَاتِ وَهُوَ مِنْ الكسوفات إنْ كَانَ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِمَنْقُولِ صَحِيحٍ وَإِلَّا عَارَضَ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ ، أَوْ الْكَشْفِ الصَّحِيح ِ
مَا يَظُنُّهُ مَنْقُولًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَكُونُ كَذِبًا عَلَيْهِ ، أَوْ مَا يَظُنُّهُ لَفْظًا دَالًّا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ دَالًّا عَلَيْهِ "
انتهى . "الرسالة العرشية" (ص: 35) .
وقال أيضا :
" ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ . وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل ، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس ، أو يفهمون منها معنى باطلاً ، فالآفةُ منهم ، لا من الكتاب والسُّنَّة " انتهى .
"مجموع الفتاوى" ( 11 / 490 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يخبروا بما تحيله العقول وتقطع باستحالته ، بل أخبارهم قسمان :
أحدهما : ما تشهد به العقول والفطر .
الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها ، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر وتفاصيل الثواب والعقاب ، ولا يكون خبرهم محالا في العقول أصلا
وكل خبر يظن أن العقل يحيله ، فلا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون الخبر كذبا عليهم ، أو يكون ذلك العقل فاسدًا ، وهو شبهة خيالية ، يظن صاحبها أنها معقول صريح "
انتهى من "الروح" (ص 62) .
وينظر : "الصواعق المرسلة" (3/ 829-830).
وعلى ذلك : فقول الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله :
" مَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ : إِذَا رَأَيْتَ الْحَدِيثَ يُبَايِنُ الْمَعْقُولَ أَوْ يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ أَوْ يُنَاقِضُ الْأُصُولَ : فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ "
انتهى من "تدريب الراوي" (1/ 327).
يعني : أن من أمارات الحديث الموضوع أنه يخالف صريح العقل ، أو يخالف صحيح النقل ، أو يخالف أصلا معمولاً به متفقا عليه .
فمخالفته لصريح العقل : أن يأتي بما يرده العقل ويأباه ، كحديث : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْفَرَسَ فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ ، فَخَلَقَ نَفَسَهُ مِنْهَا ) .
قال السيوطي رحمه الله :
"هَذَا لَا يَضَعُهُ مُسْلِمٌ ، بَلْ وَلَا عَاقِلٌ ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ كَانَ زَائِغًا فِي دِينِهِ "
انتهى من "تدريب الراوي" (1/ 328).
أما أن يأتي الحديث الصحيح بما لا سبيل للعقل إليه لنقصه وعجزه ، كأن يأتي ببعض المعجزات النبوية ، أو يأتي ببعض الأخبار الغيبية : فمثل هذا يسمى " محارات العقول " ولا يسمى " محالات العقول " فهو لا يخالف العقل
ولكن يعجزه ويحيره ، فإما أن يسلم العبد به ويقبله ويقر بعجزه – وتلك حال المؤمن – وإما أن يرفضه ويرده – وتلك حال الجاهل المكذب .
وكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابي أن يدعو الشجرة فيدعوها فتنقاد إليه ، أو كونه يمسك الجني ويخنقه حتى يجد برد لعابه بين أصبعيه : فهذا من دلائل النبوة التي يجب تصديقها عند صحة الخبر بها
فيزداد بها المؤمن إيمانًا ، والكافر كفرانًا ؛ وليس في بدائه العقول ولا قضاياها ما يحكم باستحالة مثل ذلك ، أو يقضي ببطلانه ، وإن عجز العقل عن إدراك كيفية ذلك ، أو الحكم بها ثبوتا أو نفيا ، من غير ورود الخبر به .
أما حديث : ( صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ؛ فإنها خلقت من الشياطين ) رواه ابن ماجة (769) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
فليس المراد به ـ على المشهور ـ أنها خلقت من الشياطين حقيقة ، وإنما المراد أن أكل لحومها يورث قوة شيطانية نافرة ، والغاذي شبيه بالمغتذي
وأنها خلقت على صفة تشبه الجن في النفور والإيذاء ، فلذلك أمر بالوضوء من لحومها ، ونهى عن الصلاة في أعطانها .
انظر : "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (20/523) (21/10)
"حاشية ابن عابدين" (1/380),
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 09:22
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حديث : (اقْرَءُوا سُورَةَ هُودٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ضعيف لا يصح .
السؤال:
ما صحة هذا الحديث "اقرءوا سورة هود يوم الجمعة"؟ لقد ورد في " مسند الدارمي " بحديث رقم : (3400) ، المجلد الثاني (ص545) ، و" شعب الإيمان " (2/472) حديث رقم : (2438)
و" الدر المنثور " (3/346) ، و" فضائل سور القرآن الكريم " صفحة رقم : (255) .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه الدارمي في "سننه" (3446) ، وأبو داود في "المراسيل" (59) والبيهقي في "الشعب" (2214) والشجري - كما في " ترتيب الأمالي" (530) كلهم من طريق أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ كَعْبٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (اقْرَءُوا سُورَةَ هُودٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) .
ورواه المستغفري في " فضائل القرآن " (808) :
أخبرني الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن زر الرازي حدثنا الحسين بن الحسن العطاري حدثنا ابن الأشعث حدثنا حزم قال : سمعت أبا عمران الجوني يقول
: " بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة)
ومرده إلى الأول ، وهو مرسل ، وكعب ، هو كعب بن ماتع الحميري ، المشهور بكعب الأحبار ، وهو تابعي ثقة .
فهذا إسناد ضعيف لإرساله
لم يذكر فيه الصحابي الذي روى كعب عنه هذا الحديث ، والمرسل من أقسام الحديث الضعيف .
وقد ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (1070) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-19, 09:35
هل ورد حديث قدسي : ( إِذَا نَامَتْ الْعُيُونُ كَذَبَ مَنْ ادَّعَى مَحَبَّتِي ، إِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي )
السؤال:
ما صحة الحديث المنسوب إلى الله تعالى أنه قال : ( كذب من ادعى محبتي , حتى إذا جن عليه الليل نام وتركني ) ؟
الجواب :
الحمد لله
لا يعرف هذا الكلام في الأحاديث القدسية التي يرويها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل ، ولم نطلع عليه بسند صحيح ولا ضعيف ، وإنما هو شيء يروى عن فضيل بن عياض ، وأبي سليمان الداراني ، رحمهما الله .
فروى أبو نعيم في "الحلية" (8/99) ، والدينوري في " المجالسة " (132) ، وابن العديم في "بغية الطلب" (ص1455) عن فُضَيْل بْن عِيَاضٍ قَالَ : " يَنْزِلُ اللهُ تَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ الرَّبُّ :
مَنِ ادَّعَى مَحَبَّتِي إِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي ؟
أَلَيْسَ كُلُّ حَبِيبٍ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِه ؟ هَا أَنَا ذَا مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي ، إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ مَثَّلْتُ نَفْسِي بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ ، فَخَاطَبُونِي عَلَى الْمُشَاهَدَةِ ، وَكَلَّمُونِي عَلَى حُضُورِي غَدًا , أُقِرُّ أَعْيُنَ أَحِبَّائِي فِي جَنَّاتِي " .
وكذا نسبه الحافظ ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" (ص1087) للفضيل .
وقال في "لطائف المعارف" (ص44) : " وفي الأثر المشهور: ... " فذكره .
ورواه أبو الحسين الطيوري - كما في " الطيوريات " - انتخاب السلفي (ص1034)- وابن عساكر في "تاريخه" (34/138) عن أحمد بن أبي الحواري قال:
" سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ يَقُولُ: يَا أَحْمَد ُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( إِذَا نَامَتْ الْعُيُونُ كَذَبَ مَنْ ادَّعَى مَحَبَّتِي، إِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي ، أَوَ لَيْسَ كُلُ مَحِبٍّ يُحِبُّ لِقَاءَ حَبِيبِهِ ؟ هَا أَنَا مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي إِذَا جَنَّهُمُ اللّيْلُ
جَعَلْتُ أَبْصَارَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَمَثَّلْتُ نَفْسِي بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ ، فَخَاطَبُونِي عَلَى مُشَاهَدَةٍ ، وَسَأَلُوني عَلَى حُضُورٍ، النَّاسُ يَوْمَ اْلقِيَامَةِ فِي كَرْبٍ وَجُهْدٍ ، وَهُمْ يَوْمَ اْلقِيَامَةِ عَلَى كَرَاسِيٍّ فِي ظِلِّ عَرْشِي) .
ومثل هذا إنما يذكر من باب الإشارة ، للموعظة والاعتبار ، لا أنه كلام الله حقيقة ، أو كلام رسوله ، أو أنه حجة قائمة بنفسه .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 08:55
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حكاية : أن عليا رضي الله عنه ترك قتل المشرك ، لما بصق في وجهه !
السؤال:
نقرأ في بعض المواقع أن سيدنا علي ابن أبى طالب كان يقاتل مشركا شرسا، فطال بينهما القتال وفى النهاية تمكن رضى الله عنه من خصمه، ولما هم بقتله بصق المشرك في وجه سيدنا على
والسيف في الهواء يوشك أن يهوي ، فما كان من سيدنا علي إلا أن تركه وانصرف عنه ولم يقتله ، فجرى المشرك خلفه مستفسرا عن سبب عدم قتله باستغراب فكان الرد أحد من السيف
إذ قال سيدنا علي : كدت أن أقتلك لأنك عدو الله ، أما وقد بصقت علي ، فقد صرت عدوا لي" ، فما صحة هذه الرواية ؟
الجواب :
الحمد لله
لا نعرف لهذه الرواية أصلا ، وهي ظاهرة النكارة ، إذ كيف يبصق المشرك في وجه علي رضي الله عنه بعد تمكنه منه ، والحال حال استعطاف ورجاء ، وليس بحال تكبر واستعلاء ؟
ثم كيف يتركه علي رضي الله عنه ، وهو لم ينزل الحرب إلا لقتال المشركين وقتلهم ؟ أيتركه ليقتل في المسلمين ، ويعيث في الأرض الفساد ؟
وهو لما بصق عليه - حسب الرواية - صار عدوا لله وعدوا له ، فقتله حينئذ آكد .
فلا شك أن مثل هذا الفعل الشنيع يدل على غطرسة وتكبر وإغراق في الكفر ، ومثل هذا لا يترك .
ثم ، أي عقل سليم ، يقبل أن عليا ترك ذلك المشرك ، شديد البأس ، في أرض المعركة ، لأجل هذا ، ثم يريد أن يحبك للكذبة حبكتها ، فيقول : إن عليا لما تولى عنه ، تبعه المشرك ، ليسأله : لماذا لم يقتله ؟
هل كانوا يمثلون فيلما سينمائيا ، أو يتحاربون ، يا عباد الله ؟!!
وحسبنا أن نطالب من يتناقل هذه القصة ، أو يروج لها : بأن يذكر لنا إسنادها ، ولو ضعيفا أو واهيا ، أو يذكر مصدرها في كتب التواريخ والسير المعتمدة .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 08:58
حديث : ( الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَتَرَائى لِأَهْلِ السَّمَاءِ، كَمَا تَتَرَائَى النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ) ضعيف لا يصح .
السؤال :
ما صحة الحديث الذي أخرجه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها : "البيت الذى يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء ، كما تتراءى النجوم لأهل الأرض"؟
الجواب :
الحمد لله
قال الإمام أبو بكر البيهقي رحمه الله في " شعب الإيمان " (1829) :
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْفَارِسِيُّ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ قُرَيْشٍ ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ
عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْبَيْتُ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يتراءى لِأَهْلِ السَّمَاءِ، كَمَا تتراءى النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ )
وهذا إسناد ضعيف ، ابن لهيعة سيئ الحفظ قبل احتراق كتبه وبعد احتراقها .
قال ابن معين: هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها.
وقال أبو زرعة: سماع الاوائل والأواخر منه سواء، إلا أن ابن المبارك، وابن وهب كانا يتبعان أصوله، وليس ممن يحتج به.
"ميزان الاعتدال" (2/ 477) .
وهو أيضا مدلس ، وقد عنعنه ، قال ابن حبان : سبرت أخباره فرأيته يدلس عن أقوام ضعفاء على أقوام ثقات قد رآهم ، ثم كان لا يبالي ، ما دُفِع إليه قرأه ، سواء كان من حديثه أو لم يكن
فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين ، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين بعد احتراق كتبه لما فيها مما ليس من حديثه "
انتهى من "تهذيب التهذيب" (5/ 379) .
وأبو بكر بن قريش ، والراوي عنه أبو الحسين الفارسي شيخ البيهقي لم نجد لهما ترجمة ، قال الشيخ الألباني رحمه الله عن أبي بكر بن قريش :
" لم أعرفه ، وكذلك الراوي عنه "
انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (7/ 397) .
وقد ضعف الشيخ هذا الحديث في "ضعيف الجامع" (2382) .
وروى محمد بن فضيل الضبي في " الدعاء " (113) : حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ
: " أَنِيرُوا بُيُوتَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ، وَاجْعَلُوا لِبُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ جُزْءًا، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قَبْرًا كَمَا اتَّخَذَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بُيُوتَهُمْ قُبُورًا، فَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يُضِيءُ النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ " .
فذكره أثرا مقطوعا ، من قول ابن سابط .
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" (5999) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُثَوَّرُ فِيهِ يُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يُضِيءُ النَّجْمُ الْأَرْضَ) .
وهذا من تخاليط ليث ، وهو ابن أبي سليم ، فإنه كان اختلط في آخر عمره ، قال مؤمل بن الفضل : " سألت عيسى بن يونس عن ليث بن أبي سليم، فقال
: " قد رأيته وكان قد اختلط ، وكنت ربما مررت به ارتفاع النهار، وهو على المنارة يؤذن "
انظر : "ميزان الاعتدال" (3/ 421) .
ثم قال عبد الرزاق :
قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُولُ : " إِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْبَيْتَ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُصَلَّى فِيهِ ، كَمَا يَتَرَاءَى أَهْلُ الدُّنْيَا الْكَوْكَبَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ "
وهذا إنما هو أثر ، غايته أنه من كلام هذا المديني المجهول !!
والخلاصة :
أن هذا الحديث ضعيف لا يصح سنده
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 09:01
هل صح حديث أن المرأة التي تسأل عن حجابها تسحب أربعة رجال معها ؟
السؤال :
ما صحة حديث أنّ المرأة عندما تسأل عن حجابها يوم القيامة تسحب المرأة أربعة رجال معها إلى النار هم الأب والأخ والزوج والابن؟
الجواب :
الحمد لله
حديث : ( أربعة يُسألون عن حجاب المرأة : أبوها، وأخوها، وزوجها، وابنها ) فلا نعلم له أصلا .
ويغني عنه ما رواه البخاري (893) - واللفظ له - ومسلم (1829) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا
وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) قَالَ : وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ : ( وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء : الرَّاعِي هُوَ الْحَافِظ الْمُؤْتَمَن الْمُلْتَزِم صَلَاح مَا قَامَ عَلَيْهِ , وَمَا هُوَ تَحْت نَظَره , فَفِيهِ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ تَحْت نَظَره شَيْء فَهُوَ مُطَالَب بِالْعَدْلِ فِيهِ , وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِ فِي دِينه وَدُنْيَاهُ وَمُتَعَلِّقَاته " انتهى .
وينبغي على إخواننا المسلمين التثبت من الأحاديث التي تذاع وتنشر ؛ فإن كثيرا منها مختلق لا أصل له .
وانظر للفائدة جواب السؤال القادم
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 09:21
هل المرأة غير المحجبة ستدخل النار
السؤال
إذا لم تكن الفتاة ترتدي الحجاب، فهل سيكون مصيرها إلى النار؟
وإذا كانت تصلي وتقرأ القرآن بانتظام وتتصرف بأدب ولا تنظر إلى الفتيان ولا تمارس الغيبة والنميمة وغيرها فهل يؤدي عدم ارتدائها الحجاب إلى أن تدخل النار على الرغم من صفاتها الحميدة جميعا؟.
الجواب
الحمد لله
يجب العلم أولاً بأن المسلم والمسلمة يجب عليهما أن ينقادا لأوامر الله ورسوله ، مهما كان صعبة وشاقة على النفس ، دون خجل من أحدٍ من الناس
فإن المؤمن الصادق في إيمانه هو الذي يصدق في تحقيق طاعة ربه سبحانه وتعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وليس للمؤمن ولا المؤمنة أن يتلكآ أو يترددا في الأمر
بل يجب السمع والطاعة مباشرة عملا بقوله جل وعلا : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الأحزاب
وهذا هو دأب المؤمنين الذي مدحهم ربهم سبحانه وتعالى بقوله : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون
ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) سورة النور/50 -51 .
ثم إن المسلم لا ينظر إلى صغر الذنب وكبره ، بل ينظر إلى عظمة من عصاه سبحانه وتعالى فهو الكبير المتعال ، وهو شديد المحال ، وهو جل وعلا شديد البطش
أخذه أليم ، وعذابه مهين ، وإذا انتقم سبحانه ممن عصاه فالهلاك هو مصيره
قال عزّ وجلّ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) سورة هود/102-103 .
وقد تصغر المعصية في نظر العبد وهي عند الله عظيمة
كما قال الله تعالى : ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم )
والأمر كما قال بعض أهل العلم : " لاتنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت " والواجب علينا طاعة الله وتنفيذ أوامره ومراقبته في السر والعلانية واحتناب نواهيه وزواجره .
أما من جهة الاعتقاد فإن المسلم المصلي إذا صدرت منه بعض المعاصي والسيئات فإنه باق على الاسلام ما لم يرتكب أمرا مخرجا عن الملة ويقع في ناقض من نواقض الإسلام
وهذا المسلم العاصي تحت مشيئة الله في الآخرة إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له ، ولو دخل النار في الآخرة فإنه لا يخلد فيها ، ولا يستطيع أحدٌ من الناس أن يجزم بمصيره من ناحية وقوع العذاب عليه أو عدم وقوعه
لأنّ هذا أمر مردّه إلى الله وعلمه عنده سبحانه وتعالى .
والذنوب تنقسم إلى قسمين ( صغيرة - وكبيرة ) فالصغيرة تكفّرها الصلاة والصيام والأعمال الصالحة ، والكبيرة ( وهي التي ورد فيها وعيد خاص أو حَدٌّ في الدنيا أو عذاب في الآخرة ) فلا تكفّرها الأعمال الصالحة
بل لابد لمن وقع فيها أن يحدث لها توبة نصوحاً ، ومن تاب تاب الله عليه ، والكبائر أنواع كثيرة منها مثلاً ( الكذب والزنا والربا والسرقة وترك الحجاب بالكلية ونحوها ) .
وبناء على ما تقدّم فلا يمكن الجزم بأن من تركت الحجاب سوف تدخل النار ، ولكنها مستحقّة لعقوبة الله لأنها عصت ما أمرها به ، وأما مصيرها على التعيين فالله أعلم به
وليس لنا أن نتكلم فيما لا نعلمه قال تعالى : ( ولا تقف ما ليس لكَ به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) .
ويكفي المسلم صاحب القلب الحيّ أن ينفر من عمل يعلم بأنّه إذا فعله سيكون معرّضا لعقوبة الربّ عزّ وجلّ لأنّ عقابه شديد وعذابه أليم وناره حامية ( نار الله الموقدة . التي تطّلع على الأفئدة )
وفي المقابل فإن من أطاعت ربها فيما أمرها به - ومن ذلك الالتزام بالحجاب الشرعي - فإننا نرجو لها الجنة والفوز بها والنجاة من النار وعذابها .
وغريب حقاً في امرأة صفاتها حميدة وتصلي وتصوم ولا تنظر للفتيان وتجتنب الغيبة والنميمة ثم بعد هذا لا تلتزم بالحجاب
وذلك لأن من تمسكت حقاً بهذه الأعمال الصالحة الحسنة فإن هذا مؤشر كبير على حبها للخير ، ونفورها من الشر ، ثمّ لا ننسى أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والحسنة تأتي بأختها
ومن اتقى الله تعالى في نفسه وفقه الله وأعانه على نفسه ، ويبدو أن هذه المسلمة فيها خير كثير ، وهي قريبة من طريق الاستقامة فلتحرص على الحجاب الذي أمرها به ربها تبارك وتعالى ولتترك الشبهات وتقاوم ضغوط
أهلها ولا تستسلم لكلام الناس والمنتقدين ، ولتترك مشابهة العاصيات اللاتي يردن التبرّج على حسب الموضة والموديلات ، ولتقاوم هوى النفس الذي يدعوها لإظهار الزينة والتباهي بها
وتتمسك بما فيه صون لها وستر وحماية وتترفّع عن أن تكون سلعة يتمتع بها الغادي والرائح من الأشرار ، وتأبى أن تكون سببا لفتنة عباد الله
ونحن نخاطب فيها إيمانها وحبها لله ورسوله ، ونناشدها ان تحافظ على ما أُمرت به من الحجاب وأن تلتزم بقول الله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن )
وبقوله ( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-09-21, 09:26
ما رُوي من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ليلة المعراج النساء اللائي لا يغطين رؤوسهن قد علقن من شعورهن : لا أصل له
السؤال :
ما صحة حديث رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم حين عرج به إلى السماء نساء معلقات من شعورهن وعندما سأل جبريل عليه السلام عنهن قال هؤلاء النساء اللواتى لا يغطين شعورهن من الأجانب؟
الجواب :
الحمد لله
شاع بين الناس حديث مكذوب عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
: ( يا علي، ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد، وأنكرت شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن؛ رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها ... )
فذكره ، إلى أن قال : فقالت فاطمة : حبيبي وقرة عيني: أخبرني ما كان عملهن وسيرهن حتى وضع الله عليهن العذاب ؟
فقال صلى الله عليه وسلم: ( يا ابنتي: أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال ... )
وهذا حديث باطل لا أصل له ، قال علماء اللجنة :
" ... هذه النشرة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلى من نسبت إليهم روايتها عنه، يستحق من اختلقها أو روجها الوعيد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) متفق على صحته "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/ 167) .
وروى البيهقي في "الشعب" (6326) من طريق سَعِيد بْن سِنَانٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَمِّهِ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ الْمقرانيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِرِجَالٍ تُقَطَّعُ جُلُودُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ،
فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَتَزَيَّنُونَ لِلزِّينَةِ. قَالَ: " ثُمَّ مَرَرْتُ بِجُبٍّ مُنْتِنِ الرِّيحِ، فَسَمِعْتُ فِيهِ أَصْوَاتًا شَدِيدَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: نِسَاءٌ كُنَّ يَتَزَيَّنَّ لِلزِّينَةِ، وَيَفْعَلْنَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُنَّ ) .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، سعيد بن سنان هو أبو مهدي الحنفي ، متروك الحديث
قال ابن معين: ليس بثقة
وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة لا تشبه أحاديث الناس
وقال أحمد بن صالح المصري: منكر الحديث
وقال دحيم: ليس بشيء
وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث
قال النسائي: متروك الحديث .
وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث في "ضعيف الترغيب" (1440)
وقال : " ضعيف جدا " .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-23, 18:47
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
يحرم خروج المرأة من غير إذن وليها
السؤال :
إذا خرجت الزوجة من بيتها بلا إذن من زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع ، هل نفس الشيء يحدث إذا خرجت الفتاة دون إذن والدها ، أو ولي أمر لها ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
يتفق الفقهاء على حرمة خروج الزوجة – لغير ضرورة أو واجب شرعي – بغير إذن زوجها، ويَعُدُّون الزوجة التي تفعل ذلك زوجة ناشزة .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (19/107):
" الأصل أن النساء مأمورات بلزوم البيت ، منهيات عن الخروج ... فلا يجوز لها الخروج إلا بإذنه – يعني الزوج - .
قال ابن حجر الهيتمي :
وإذا اضطرت امرأة للخروج ، لزيارة والد : خرجت بإذن زوجها ، غير متبرجة .
ونقل ابن حجر العسقلاني عن النووي عند التعليق على حديث : ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن ) أنه قال : استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه
لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن " انتهى النقل عن الموسوعة باختصار.
ثانيا :
ومثلها أيضا الفتاة التي تخرج من بيت وليها من غير إذنه ، فإذا كان ولي أمرها يملك أمر تزويجها ، فمن باب أولى : أن يملك القيام عليها في أمرها كله
ومن ذلك : أن يأذن لها في الخروج من بيته ، أو لا يأذن ؛ خاصة مع فساد الزمان وتغير الأحوال ، بل الواجب على الولي – أبا كان أم أخا - أن يتحمل هذه المسؤولية
ويحفظ أمانته التي عنده ، حتى يلقى الله تعالى وقد أدب ابنته وعلمها وأحسن إليها ، والواجب على الفتاة : أن لا تخالفه في مثل ذلك ، وفي أمر المعروف كله ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذن وليها .
ثالثا :
لم يصح – فيما نعلم - حديث في لعن الزوجة التي تخرج من بيت زوجها بغير إذنه ، وأما ما روي في ذلك فحديثان ضعيفان :
الحديث الأول :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
" أَتَتِ امْرَأَةٌ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زوجته ؟
قَالَ : لاَ تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ .
قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ؟
قَالَ : لاَ تَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ لَهُ الأَجْرُ ، وَعَلَيْهَا الْوِزْرُ .
قَالَتْ : يَا نَبِي الله مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى امرأته ؟
قَالَ : لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ : لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ اللهِ وَمَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْغَضَبِ حَتَّى تَتُوبَ ، أَوْ تراجع
.
قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللهِ : فَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا ؟
قَالَ : وَإِنْ كَانَ لَهَا ظَالِمًا .
قَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لاَ يَمْلِكُ عَلَيَّ أَمْرِي أَحَدٌ بَعْدَ هَذَا أَبَدًا مَا بَقِيتُ " .
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (رقم/17409) ، وعبد بن حميد في " المسند " (رقم/813) ، وأبو داود الطيالسي في " المسند " (3/456) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (7/292)
جميعهم من طريق ليث بن أبي سليم عن عطاء عن ابن عمر .
وهذا حديث ضعيف فيه علتان :
1- ليث بن أبي سليم : اتفقت كلمة النُقَّاد على تضعيفه . انظر " تهذيب التهذيب " (8/468) .
2- اختلاف ألفاظه ، مما يدل على اضطراب ليث فيه ، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " المطالب العالية " (5/189): " وهذا الاختلاف من ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف " انتهى.
والحديث : ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله ، في " السلسلة الضعيفة " (رقم/3515).
الحديث الثاني :
عن ابن عباس رضي الله عنهما :
" أن امرأة من خثعم أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت :
يا نبي الله ! إني امرأة أيم ، وإني أريد أن أتزوج ، فما حق الزوج على زوجته ؟ فإن استطعتُ ذلك ، وإلا جلست أيما ؟
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( إن حق الزوج على زوجته إذا أرادها على نفسها وهي على ظهر بعيره لا تمنعه ، ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تعطي من بيتها إلا بإذنه
وإن فعلت ذلك كان الإثم عليها والأجر لغيرها ، ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه ، فإن فعلت ذلك لعنتها الملائكة حتى ترجع أو تتوب ) "
رواه البزار (2/177) ، وأبو يعلى في " المسند " (4/340) من طريق خالد الواسطي ، عن حسين بن قيس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وحسين هذا هو الملقب بـ (حنش) ، وهو متروك كما قال الحافظ في "التقريب" ، وإلى ذلك يشير الذهبي في "الكاشف" : " قال البخاري : لا يكتب حديثه " ، وبه أعله الهيثمي ، ولكنه قال (4/ 307) :
"رواه البزار ، وفيه حسين بن قيس المعروف بـ (حنش) ، وهو ضعيف ، وقد وثقه حصين بن نمير ، وبقية رجاله ثقات" .
وأشار المنذري إلى تضعيف الحديث بتصديره إياه في "الترغيب" (3/ 77) بقوله : "روي".
انتهى، من " السلسلة الضعيفة " (رقم/3515) .
رابعا :
وبناء على ما سبق نَقول ، كما قال العلماء : بحرمة خروج النساء بغير إذن أوليائهن ، وسواء في ذلك أكُنَّ متزوجات أم غير متزوجات ، ولكن لا نرتب على ذلك اللعن من الملائكة ، لعدم صحة الحديث الوارد به .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-23, 18:52
لم يرد بخطبة عرفة في حجة الوداع إلا الوصاية بكتاب الله
السؤال :
رغم أن خطبة الوداع التي ألقاها النبي (صلي الله عليه وسلم) علي عرفات قد سمعها الآلاف من الصحابة ، إلا أنه قد ورد إلينا ثلاث روايات في تلك الخطبة
: 1- الرواية الأولي: " تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وأهل بيتي " وهذه رواية مسلم والدارمي وابن حنبل
. 2-الرواية الثانية"تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله وسنتي"وهذه رواية الإمام مالك في الموطأ. 3-والرواية الثالثة : "
تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله" وهذه الرواية في صحيح مسلم وابن ماجه وأبو داود.فلماذا لا نتبع الرواية التي رواها مسلم وأبو داود؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى مسلم (1218) من طريق حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حديث حجة الوداع
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعرفة وقال : (... وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ )
قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ (اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
وهكذا رواه أبو داود (1905) وابن ماجة (3074) وابن أبي شيبة (14705) وابن حبان (1457) والبيهقي (8827) والطحاوي في "مشكل الآثار" (41) من طرق عن حاتم به ، بذكر الوصية بكتاب الله فقط .
ورواه الترمذي (3786) والطبراني في "الأوسط" (4757) من طريق زَيْد بْن الحَسَنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ به بلفظ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ) .
وقال الطبراني عقبه :
" لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَّا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ " .
وزيد بن الحسن لا يحتج به ، قال أبو حاتم : منكر الحديث . وذكره ابن حبان في الثقات.
"تهذيب التهذيب" (3 /350).
فحديثه غير محفوظ .
ورواه الحاكم في "المستدرك" (318) من طريق إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ:
( ... إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
وقال الحاكم عقبه : " وَذِكْرُ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ غَرِيبٌ " .
وإسماعيل بن أبي أويس ، قال أحمد: لا بأس به.
وقال ابن أبى خيثمة، عن يحيى: صدوق، ضعيف العقل، ليس بذاك.
وقال أبو حاتم: محله الصدق مغفل، وقال النسائي: ضعيف.
وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.
وقال ابن عدى: قال أحمد بن أبى يحيى: سمعت ابن معين يقول: هو وأبوه يسرقان الحديث.
وقال ابن عين أيضا : لا يساوى فلسين.
وقال الذهبي : فيه لين .
"ميزان الاعتدال" (1 /223)
وأبوه أبو أويس فيه لين أيضا :
قال أحمد، ويحيى: ضعيف الحديث.
وقال يحيى - مرة: ليس بثقة.
وقال - مرة: صدوق، وليس بحجة.
وقال ابن المدينى: كان عند أصحابنا ضعيفا.
وقال النسائي وغيره: ليس بالقوى.
"ميزان الاعتدال" (2 /450).
فحديث خطبة عرفة فيه الوصاية بكتاب الله فقط ، ليس فيه زيادة : السنة ، ولا أهل البيت ؛ هذا هو المحفوظ .
ثانيا :
الوصية بالسنة وبأهل البيت محفوظان أيضا ، ولكن ليس في خطبة عرفة .
أما الوصية بالسنة : فروى الإمام مالك (3338) بلاغا أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ )
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، شُهْرَةً يَكَادُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ أَحَادِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ "
انتهى من "التمهيد" (24/ 331)
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2937)
وليس هذا الحديث من أحاديث خطبة عرفة ، ولا أحاديث حجة الوداع ، كما توهمه السائل .
وأما الوصية بأهل البيت : فروى مسلم (2408) عن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ:
( أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ) فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ
: ( وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي )
وليس هذا الحديث أيضا من أحاديث خطبة عرفة - كما توهمه السائل- وإنما هذه خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بموضع يسمى " غدير خُمّ " بعد رجوعه من حجة الوداع .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَدِيرِ خُمٍّ كَانَ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ "
انتهى من "منهاج السنة" (7/ 44)
وقال أيضا :
" وَغَدِيرُ خُمٍّ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحَجَّةِ " انتهى من "منهاج السنة" (7/ 314) .
والوصية بأهل البيت هنا لا تعني وجوب اتباعهم ، ولكن وجوب مراعاتهم ومحبتهم، واجتناب ما يسوؤهم، والاحتراز عما يؤذيهم ، والامتناع عن ظلمهم ، وتوفيتهم حقوقهم .
ثالثا :
لا تنافي بين الوصية بكتاب الله ، والوصية بالسنة ، والوصية بآل البيت ، بل الكل متلازم ، فالوصية بكتاب الله تتضمن الوصية بالسنة ، كما في قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) المائدة/ 92
وقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر/ 7 ، ونحو ذلك من الآيات .
كما تتضمن الوصية بكتاب الله الوصية بآل البيت
كما في قوله تعالى : ( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) الشورى/ 23
وبهذا يتضح الجواب عن سؤال السائل : " لماذا لا نتبع الرواية التي رواها مسلم وأبو داود؟ " ؛ فإنه لا تعارض بين شيء من ذلك كله
بل أوصى بهذا مرة ، وبهذا مرة ، والواجب اتباع وصية النبي صلى الله عليه وسلم كلها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-23, 18:56
هل ورد ما يدل على فضل البداءة بالبنات في الإنجاب ؟
السؤال:
هناك أثر يقول "طوبى لمن كانت أول أولادها بنت"، فهل هذا حديث؟
وهل هو صحيح، وهل هناك ما يدل على هذا المعنى؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من سعادة المرء أن يرضى بما قسم الله له ، في أمره كله ، فالمال والبنون رزق من رزق الله ، والسعيد من وفقه الله للرضا برزقه وقسمه ، حتى وإن خالف طبعه وهواه ؛ فكم فيما يكره الإنسان ، مما يكون خيرا كثيرا .
قال ابن القيم رحمه الله :
" قال تعالى في حق النساء : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) النساء/ 19 .
وهكذا البنات أيضا : قد يكون للعبد فيهن خير في الدنيا والآخرة ، ويكفي في قبح كراهتهن أن يكره ما رضيه الله وأعطاه عبده .
وقال صالح بن أحمد : كان أبي إذا ولد له ابنة يقول : الأنبياء كانوا آباء بنات . ويقول : قد جاء في البنات ما قد علمت
وقال يعقوب بن بختان : ولد لي سبع بنات ، فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي : يا أبا يوسف ، الأنبياء آباء بنات ؛ فكان يذهب قوله همي "
انتهى ، من "تحفة المودود" ( ص 26) .
ثانيا :
لا نعرف في السنة ، ولا في كلام أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ما يدل على الاغتباط باستهلال الإنجاب بالبنت ، ولا بالولد ، وإنما الاغتباط بالذرية الصالحة
وقد مدح الله عباد الرحمن الذين يقولون : ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان/ 74 ، وقال عز وجل عن عبده زكريا عليه السلام :
عز وجل : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) آل عمران/ 38.
والذي ينبغي أن يكون أمر الوالدين ، دائرا بين حسنتين : حسنة قبل الإنجاب ، وهي سؤال الله الذرية الصالحة ، وحسنة بعد الإنجاب ، وهي الرضا بما قسم الله لهما .
أما هذا الكلام المذكور : (طوبى لمن كانت أول أولادها بنت) فلا نعلم له أصلا .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-09-23, 19:02
درجة حديث صلاة ست ركعات بعد المغرب والمقارنة بين أحكام السيوطي والألباني على الأحاديث
السؤال:
تصاميم دعوية أكتب بها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السؤال هو : عندما أجد حديثا قال فيه المحدث الألباني " ضعيف ". وقال فيه المحدث السيوطي " صحيح " ماذا أفعل .
هل يجوز نشر هذا الحديث والعمل به . فهل يجوز العمل بـالحديث التالي : ( مَن صلَّى بعدَ المغربِ ستَ رَكعاتٍ لم يتَكلَّم بينَهنَ بسوءٍ عَدَلنَ عبادةَ ثِنتي عشرةَ سنةً ) [الراوي: أبو هريرة المحدث: النووي
– المصدر : الخلاصة - الصفحة أو الرقم: 1/542. خلاصة حكم المحدث: ضعيف] عندما أقوم بنشر حديث ما أكتب بعده هل أكتب اسم الراوي أم حكم المحدث ما هو الأفضل ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث الوارد في السؤال يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً )
رواه الترمذي في " جامعه " (435) ، وابن ماجه في " السنن " (1167) ، ومحمد بن نصر المروزي في " قيام الليل " (87) ، وأبو يعلى في " المسند " (10/413) ، وابن خزيمة في " الصحيح " (2/207) ، والطبراني في " المعجم الأوسط "
(1/250) ، وابن شاهين في " الترغيب في فضائل الأعمال " (32) وغيرها من الكتب والأجزاء .
جميعهم من طريق : زيد بن الحباب ، قال : حدثنا عمر بن أبي خثعم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة به مرفوعًا .
قال الطبراني : " لم يَروِ هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا عمر بن عبد الله ، تفرد به زيد بن الحباب " انتهى
.
وهذا حديث ضعيف جدا ، بسبب عمر بن عبد الله بن أبي خثعم :
لذلك قال الإمام الترمذي – عقب روايته الحديث -: " حديث أبي هريرة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب ، عن عمر بن أبي خثعم . وسمعت محمد بن إسماعيل –
يعني الإمام البخاري – يقول : عمر بن عبد الله بن أبي خثعم منكر الحديث ، وضعفه جدا " انتهى.
وقال أبو زرعة الرازي :
" واهي الحديث ، حدث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث ، لو كانت في خمسمائة حديث لأفسدتها "
انتهى من " الضعفاء لأبي زرعة في أجوبته على أسئلة البرذعي " (2/543) .
وقال ابن حبان :
" كان ممن يروي الأشياء الموضوعات عن ثقات أئمة ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب "
انتهى من " المجروحين " (2/83).
وقال ابن عدي :
" منكر الحديث "
انتهى من " الكامل " (6/126)
وانظر " تهذيب التهذيب " (7/468).
ثانيا :
لذلك اتفق أئمة الحديث على تضعيف هذا الحديث ورده ، فأورده أكثر من ترجم لعمر بن عبد الله بن أبي خثعم ضمن أمثلة أحاديثه المنكرة ، وضعفه الإمام الترمذي كما سبق في قوله : " غريب "
. وقال ابن العربي : " منكر لا يلتفت إليه " كما في " عارضة الأحوذي " (1/432)، وضعفه النووي في " الخلاصة " (1/542) ، وحكم عليه ابن القيم في "المنار المنيف" (40) بأنه " موضوع "
وضعفه العراقي في " تخريج الإحياء " (1/233) ، وقال الشيخ الألباني : " ضعيف جدا "
إذن فالحديث حكمه النكارة والضعف الشديد ، ومثله لا يستدل به حتى في فضائل الأعمال .
ثالثا :
الضعف الشديد لهذا الحديث لا يعني المنع من التطوع بالصلاة بين المغرب والعشاء ، بل الصواب استحباب التنفل المطلق بين العشاءين ( المغرب والعشاء ) وذلك لأدلة عديدة :
الدليل الأول :
حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، وفيه : ( فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعِشَاءِ ) رواه أحمد في " المسند " (38/353)
والترمذي (3781) وقال : حسن غريب من هذا الوجه . وصححه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة . والشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
الدليل الثاني :
عمل الصحابة والتابعين ، وحرصهم على التنفل في هذا الوقت ، حتى عقد ابن أبي شيبة رحمه الله في " المصنف " (2/14) بابا بعنوان : " في الصلاة بين المغرب والعشاء "
روى فيه عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن عمه ، قال : ساعة ، ما أتيت عبد الله بن مسعود فيها إلا وجدته يصلي ، ما بين المغرب والعشاء ، وكان يقول : هي ساعة غفلة .
وروى عن عبد الله بن عمر ، قال : صلاة الأوابين ، ما بين أن يلتفت أهل المغرب ، إلى أن يُثَوَّب إلى العشاء .
الدليل الثالث :
أن الليل يبدأ بغروب الشمس ، فكل تطوع بعده ينال فضل " قيام الليل "، وقد روى ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/15) عن أنس رضي الله عنه أنه كان يصلي ما بين المغرب والعشاء ، ويقول : هي ناشئة الليل .
الدليل الرابع :
ليس هذا الوقت من أوقات النهي عن الصلاة ، فالأصل جواز الصلاة فيه ، ولا حرج .
الدليل الخامس :
اتفقت مذاهب الفقهاء المعتمدة على استحباب الصلاة في هذا الوقت ، وأنه من أوقات التنفل المعهودة لدى الصالحين .
جاء في " مراقي الفلاح " من كتب الحنفية (ص390):
" ندب ست ركعات بعد المغرب " انتهى.
ويقول النفراوي المالكي رحمه الله :
" ... التنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه ، أي حض عليه الشارع ؛ لما قيل : من أنها صلاة الأوابين ، وصلاة الغفلة "
انتهى من " الفواكه الدواني " (1/198).
ويقول الماوردي رحمه الله :
" روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بين المغرب وعشاء الآخرة . وكان الصالحون من السلف رحمهم الله يصلونها ، ويسمونها صلاة الغفلة
أي الناس غفلوا عنها وتشاغلوا بالعشاء والنوم ، وهذا كله مختار ، والمداومة عليها أفضل ".
انتهى من " الحاوي الكبير " (2/287).
وجاء في " منار السبيل في شرح الدليل " (1/ 113):
" إحياء ما بين العشاءين من قيام الليل ، قال الإمام أحمد : قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر ، وعن قتادة عن أنس في قوله تعالى : ( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) قال : كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء " انتهى.
ثالثا :
ليست لدينا قاعدة مطلقة في المقارنة بين السيوطي والألباني في الحكم على الحديث ، فالحَكَم بينهما هو الدليل ، والتخريج العملي للحديث مع دراسة أسانيده وأحوال رواته .
ولكن يمكننا إرشاد غير المختصين إلى بعض الأمارات الظنية في الترجيح بينهما فنقول :
إذا سكت السيوطي على الحديث في " الجامع الصغير "، ولم يرمز له بالتصحيح أو التضعيف . وفي الوقت نفسه ضعفه الشيخ الألباني صراحة
فالأخذ بكلام الشيخ الألباني أولى من حيث الأصل ، ذلك أن سكوت العالم على الحديث ليس تصريحا منه بحكمه ، لا تصحيحا ولا تضعيفا ، وكثيرا ما يكون سبب السكوت هو إجراء الحديث على السلامة الأصلية
أو الاعتماد على النظرة الظاهرية الأولى ، من غير بحث شديد ولا تحرير ، فيقع الخطأ الكثير بسبب ذلك .
أما حكم الشيخ الألباني على الحديث نفسه بالضعف الصريح ، وخاصة في كتبه التي توسع في دراسة الأحاديث فيها ، مثل " سلسلة الأحاديث الضعيفة "
فإنما يطلق الحكم فيها بعد دراسة خاصة ، وبحث شديد وتأمل ، فهو أولى بالصواب ممن حكم على الحديث من حفظه وبادي رأيه . ويتأكد ذلك أيضا إذا كان حكم الألباني على الحديث بالضعف الشديد
وليس بالضعف اليسير فحسب ، فذلك أدعى للاحتياط في الحديث ، وعدم الاعتماد على سكوت السيوطي عليه في " الجامع الصغير ".
أما إذا وقع الاختلاف في الحكم على الحديث تصريحًا من كل من الإمامين ، السيوطي والألباني ، فتقليد غير المختص للشيخ الألباني ، فيما يبدو لنا : أقرب من تقليد الإمام السيوطي رحمه الله
لما للشيخ الألباني رحمه الله من عناية بالغة بأمر الصنعة الحديثية ، والانكباب على علوم الحديث ، درسا ، ونقدا ، وتخريجا ، وتحقيقا .
ثم ، مع ذلك كله : قرب مأخذ تراث الشيخ الألباني في ذلك .
هذا مع إقرارنا ، بأمر لا يخفى على منصف ، وهو أعلمية السيوطي وتبحره في العلوم كلها ، وتمكنه من كثير من العلوم حفظا وفهما وتصنيفا
ولا نظن أحدا من المتأخرين يتردد في تقديم السيوطي على الألباني في سعة العلوم ، ليس تعصبا لأي منهما ، ولكن موضوعية في الطرح العلمي المقارن ، وإلا فكل منهما من العلماء الأجلاء المشهود لهم بالعلم والتقوى .
لكن الفضيلة العامة ، والتقديم العام للإمام السيوطي ، لا يمنع أن يكون تراث الشيخ الألباني ، وجهوده ، في جانب معين : أولى وأجدر بالقبول ، على الأقل بسحب ما ظهر لنا من تصانيف الرجلين .
رابعا :
لا بأس بكتابة اسم الراوي أولا بعد نص الحديث ، أو قبل نص الحديث ، كما لا حرج في تقديم حكم المحدث عليه أو تقديمه
فكل ذلك الأمر فيه واسع ، ومستعمل في الكتب ومتنوع فيها ، ولم نر للمحدثين تفضيلا لصيغة محددة على أخرى .
على أننا ننبه السائل ، أخيرًا ، إلى أن ما في الصحيح المتفق عليه ، على الأقل بين السيوطي والألباني ، وما الجامع الصغير وغيره ، من الصحيح المليح
ما يسد الثغرة في الجانب الذي تطلبه ، ويغنيك عن الدخول في تلك المضايق .
والله أعلم.
*عبدالرحمن*
2018-09-23, 19:07
لماذا لم يرو البخاري عن أبي حنيفة والشافعي ولم يخرج لهما في صحيحه ؟
السؤال :
لماذا لم يرو الإمام البخاري عن الإمام الشافعي وأبي حنيفة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لم يرو الإمام البخاري مباشرة عن كل من الإمامين أبي حنيفة والشافعي رحمهم الله جميعا لسبب واضح لا اختلاف عليه ، وهو أن البخاري لم يدرك أيا منهما:
فقد ولد البخاري سنة (194هـ)، أي بعد وفاة الإمام أبي حنيفة بأربع وأربعين سنة ، فقد توفي أبو حنيفة رحمه الله سنة (150هـ).
ولم يدرك البخاريُّ الشافعيَّ أيضا ، أو بعبارة أدق كان صغيرا جدا ، فقد توفي الشافعي سنة (204هـ) وعمر البخاري عشر سنوات فقط ، فمن المؤكد أنه لم يحدث عنه .
إذن فأبو حنيفة والشافعي أعلى طبقة من الإمام البخاري ، لذلك لا يمكن الحديث عن سبب آخر في ضوء هذه الحقائق التاريخية التي يمكن التثبت منها في كتب التراجم .
ثانيا :
لم يخرج البخاري شيئا من أحاديث أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله ، أي أنه لم يحدث بحديث ورد من طريقهما عن بعض تلاميذهما ، وذلك لسببين :
السبب الأول :
أن البخاري رحمه الله كان يتشدد في الأسانيد كثيرا ، فكان يرى اشتغال الإمام أبي حنيفة في الفقه أكثر منه في الحديث ، الأمر الذي نزل به عن مرتبة الحفظ والإتقان المطلوبة في " الجامع الصحيح "
الذي رسم البخاري خطته للتصنيف ، لذلك لما ترجم لأبي حنيفة رحمه الله في " التاريخ الكبير " (8/81) قال فيه : " سكتوا عنه ، وعن رأيه ، وعن حديثه " انتهى
وهي من كلمات البخاري البالغة في الأدب مع الأئمة الكبار ، حيث يدل القارئ على ضعف حديث الراوي بقوله : سكتوا عنه . أو : سكتوا عن حديثه .
السبب الثاني :
أما الإمام الشافعي رحمه الله فسبب عدم إخراج البخاري أي حديث من طريقه ليس هو عدم قناعته بحفظ الشافعي وثقته ، فقد ترجم له في " التاريخ الكبير " (1/42) ولم يقدح في حفظه بأي مطعن .
وإنما لأن البخاري كان يبحث عن الشيوخ الأكبر سنا والأعلى طبقة من الشافعي ، كي يعلو إسناده ويقترب من النبي صلى الله عليه وسلم بأقل عدد ممكن من الرواة
فكان إذا أراد أن يحدث من طريق الشافعي سيضطر للأخذ عن أحد تلاميذ الشافعي ، عن الشافعي نفسه رحمه الله ، في حين أنه تيسر للبخاري أن يأخذ عمن هم في طبقة الشافعي نفسه مباشرة
فقد أدرك بعضهم ، وسمع ممن رووا عن شيوخ الشافعي مباشرة ، فلا حاجة للنزول في الإسناد ما دام العلو متيسرا
.
يقول الخطيب البغدادي رحمه الله :
" الذي نقول في ترك [ البخاري ] الاحتجاج بحديث الشافعي ، إنما تَرَكه لا لمعنى يوجب ضعفه ، لكن غِنى عنه بما هو أعلى منه ، وذلك أن أقدم شيوخ الشافعي الثقات الذين روى عنهم
: مالك بن أنس ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وسفيان بن عيينة .
والبخاري لم يدرك الشافعي ، وروى عن من كان أكبر منه سنا ، وأقدم منه سماعا ، مثل : مكي بن إبراهيم البلخي ، وعبيد الله بن موسى العبسي ، وأبي عاصم الشيباني ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وخلق يطول ذكرهم .
وهؤلاء الذين سميتهم رووا عن بعض التابعين .
وحدثه أيضا عن شيوخ الشافعي جماعة ، كعبد الله بن مسلمة القعنبي ، وعبد الله بن يوسف التنيسي ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وعبد العزيز الأويسي ، ويحيى بن قزعة ، وأبي نعيم الفضل بن دكين
وخالد بن مخلد ، وأحمد بن يونس ، وقتيبة بن سعيد - وهؤلاء كلهم رووا عن مالك ، ومنهم من روى عن الدراوردي - وكسعيد بن أبي مريم المصري ، وأبي غسان النهدي
وعبد الله بن الزبير الحميدي ، وعلي بن المديني - وهؤلاء رووا عن سفيان بن عيينة ، وفيهم من يحدث عن داود بن عبد الرحمن العطار -.
وغير من ذكرت أيضا ممن أدرك شيوخ الشافعي قد كتب عنه البخاري .
فلم ير أن يروي عنه حديثا ، عن رجل ، عن الشافعي ، عن مالك ، وقد حدثه به غير واحد عن مالك كما رواه الشافعي ، مع كون الذي حدثه به أكبر من الشافعي سنا ، وأقدم سماعا " .
انتهى من " الاحتجاج بالشافعي " (ص38-39) .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
طالب اجنة الفردوس
2018-09-25, 21:06
https://www.file-upload.com/xfoxnvbhnt51 عمل يعدل قيام وصيام الاف السنين حديث صحيح
*عبدالرحمن*
2018-09-26, 08:27
https://www.file-upload.com/xfoxnvbhnt51 عمل يعدل قيام وصيام الاف السنين حديث صحيح
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
بارك الله فيك
*عبدالرحمن*
2018-09-26, 08:34
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما من أنه كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا عند افتتاحها : لا يصح عنه .
السؤال :
قرأت في كتاب شرح معاني الآثار للطحاوي أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يرفع يده في الصلاة مرة واحدة فقط في بدايتها ، وأن الرواة هم من رجال الصحيحين ، فما صحة هذا الأثر؟
الجواب:
الحمد لله
روى ابن أبي شيبة في " المصنف "(2452) ، والبيهقي في "المعرفة" (2/ 428) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/225) من طريق أبي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " مَا رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَا يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ " .
وهذا الأثر ظاهره الصحة ، إلا أنه معلول بعلتين :
أولا : أنه خلاف الثابت عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا
فقد روى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ : " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ "
وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وروى البخاري (735) ، ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ
وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ " .
ثانيا :
أنه مما تفرد به أبو بكر بن عياش ، وهو متكلم فيه ، وكان يخطئ ويخالف
قال الإمام أحمد : ثقة ربما غلط ،
وقال عثمان الدارمي : ليس بذاك في الحديث
وقال ابن حبان : كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر ساء حفظه ، فكان يهم إذا روى
وقال العجلي: كان ثقة قديما ، صاحب سنة وعبادة ، وكان يخطئ بعض الخطأ
وقال ابن سعد : كان ثقة صدوقا عارفا بالحديث والعلم ، إلا أنه كثير الغلط.
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالحافظ عندهم. وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه اضطراب،
وقال الساجي: صدوق يهم ،
وقال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه
وقال البزار: لم يكن بالحافظ .
"تهذيب التهذيب" (12 /32-33) .
وقد خولف أبو بكر بن عياش في هذا الحديث ، وحكم العلماء عليه بالغلط فيه ، منهم الإمام البخاري ، الذي روى له في الصحيح واحتج به .
قال البيهقي رحمه الله عقب روايته لهذا الأثر :
" وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ - يعني هذا الحديث - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، مِمَّا لَوْ عَلِمَهُ الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى الثَّابِتِ عَنْ غَيْرِهِ .
ثم روى عن البخاري قال : " وَالَّذِي قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ ، قَدْ خُولِفَ فِيهِ عَنْ مُجَاهِدٍ :
قَالَ وَكِيعٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الرَّبِيعِ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ.
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ . هَذَا أَحْفَظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ: وَقَالَ صَدُقَةُ: إِنَّ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، كَانَ صَاحِبُهُ قَدْ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ، يُرِيدُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَالَّذِي رَوَاهُ الرَّبِيعُ وَلَيْثٌ أَوْلَى، مَعَ رِوَايَةِ طَاوُسٍ، وَسَالِمٍ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ .
قال البيهقي : وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْقَدِيمِ كَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا. مَوْقُوفًا، ثُمَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ حِينَ سَاءَ حِفْظُهُ، فَرَوَى مَا قَدْ خُولِفَ فِيهِ " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ : فَعَوَّلُوا عَلَى رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ : أَنه صلى خلف ابن عُمَرَ ، فَلَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
وَأُجِيبُوا : بِالطَّعْنِ فِي إِسْنَادِهِ ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ رَاوِيَهُ سَاءَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ : فَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أولى من وَاحِد ، لَا سِيمَا وَهْمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ ...
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ : مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْء رفع الْيَدَيْنِ ، عَن مَالك : أَن ابن عُمَرَ كَانَ إِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع : رَمَاه بالحصا "
انتهى من "فتح الباري "(2/220) .
والحاصل :
أن هذا الأثر لا يصح عن ابن عمر رضي الله عنهما ، لتفرد أبي بكر بن عياش به ، وهو ، وإن روى له البخاري في صحيحه واحتج به ، إلا أنه أخطأ في هذا الحديث ، وخالف من هم أتقن حفظا ، وأكثر عددا .
أما قول القائل بأن رواته رواة الصحيحين : فغير صحيح ، لأن أبا بكر بن عياش روى له البخاري دون مسلم ، وقد تبين خطؤه كما تقدم ، فلا يظنن ظان أن إسناده على شرط البخاري
فضلا عن الصحيحين ؛ لأن من شروط الحديث الصحيح ألا يكون شاذا أو معلا ، وقد تبين بما تقدم أن هذا الأثر معلول شاذ .
وقد يكون الراوي ممن احتج به الشيخان أو أحدهما ، إلا أن ذلك لا يمنع من الحكم عليه في بعض مروياته بالخطأ ، إذا خالف الثقات
أو خالف من هو أحفظ منه ، وفي رجال الصحيحين : جملة من ذلك ، لكن الشيخين كانا ينتقيان حديث هؤلاء .
وقد رُوي من حديث ابن عمر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يده إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود .
وهو حديث باطل موضوع ،
انظر لتوضيح ذلك مع زيادات نافعة : "سلسلة الأحاديث الضعيفة " (943) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-26, 08:40
فوارق مهمة بين مجموعة من كتب التراجم
السؤال:
ما الفرق بين الكتب التالية ، وأيها يغني عن الآخر ؟ -
تهذيب الكمال للمزي . - تهذيب التهذيب لابن حجر ، تقريب التهذيب لابن حجر . - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي
ميزان الاعتدال للذهبي . - لسان الميزان لابن حجر ، سير أعلام النبلاء للذهبي ، الكامل في الضعفاء لابن عدي .
الجواب :
الحمد لله
طالب العلم لا يستغني عن أي كتاب ، حتى لو كان مختصرا لكتاب آخر ، أو مستلا منه ، فغالبا ما سيجد فيه إضافة علمية مهمة يحتاجها في بحثه ودرسه
فقد كان من هدي العلماء الأوائل الحرص على تقديم الجديد في مؤلفاتهم وكتبهم ، كي لا تذهب أوقاتهم هدرا في تكرار علم اشتملت عليه الكتب الأخرى ، وخاصة كتب الحديث .
فكتب التراجم وعلم الرجال إذن - كلها بمجموعها - تشكل موسوعة تاريخية لا نظير لها في الدنيا ، ولا يستغني عنها طالب العلم الباحث المدقق .
وبيان ذلك أن كلا من " تهذيب الكمال "، و " تهذيب التهذيب "، و " تقريب التهذيب "، و " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة "، هي مختصرات وإضافات ترجع إلى أصل واحد
هو كتاب " الكمال في معرفة أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي (ت600هـ) ، إلا أن كل كتاب من هذه تميز بأمور لا تجدها في غيره .
فـ " تهذيب الكمال " أضاف إلى " الكمال " مئات التراجم التي فاتته ، كما قال مؤلفه نفسه الإمام المزي رحمه الله :
" تتبعت الأسماء التي حصل منه إغفالها
فإذا هي أسماء كثيرة ، تزيد على مئاتٍ عديدة من أسماء الرجال والنساء . ثم وقفت على عدة مصنفات لهؤلاء الأئمة الستة غير هذه الكتب الستة ، فإذا هي تشتمل على أسماء كثيرة ليس لها ذكر في الكتب الستة
ولا في شيء منها ، فتتبعتها تتبعاً تامّاً ، وأضفتها إلى ما قبلها ، فكان مجموع ذلك زيادة على ألف وسبعمائة اسم من الرجال والنساء "
انتهى من " تهذيب الكمال " (1/148) .
و" تهذيب التهذيب " مثلا اختصر من أسماء الشيوخ والتلاميذ لكل راو ما يضطرك إلى الأصل المطبوع في " تهذيب الكمال " في كثير من الأحيان
ولكنه أضاف على المزي كثيرا من أقوال المجرحين أو المعدلين التي فاتته
كما قال ابن حجر رحمه الله :
" اقتصرت من شيوخ الرجل ومن الرواة عنه - إذا كان مكثراً - على الأشهر والأحفظ والمعروف ...ومهما ظفرت به بعد ذلك من تجريح وتوثيق ألحقته
ولا أحذف من رجال " التهذيب " أحداً ، بل ربما زدت فيهم من هو على شرطه "
انتهى من " تهذيب التهذيب " (1/4) .
وأما كتاب " تقريب التهذيب " فهو مختصر جدا ، لا ينفع الباحث في التعرف المفصل على الراوي وبيان حاله ، ولكنه تميز بذكر خلاصة الحكم على الراوي ، في رأي المؤلف
الأمر الذي لا تجده في الكتب السابقة
كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" يتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة ، وهي : أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه ، وأعدل ما وصف به بألخص عبارة
وأخلص إشارة ، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً "
انتهى من " مقدمة تقريب التهذيب ".
وكذلك حال كتاب " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة " للإمام الذهبي ، فهو مختصر جدا ، لا يفيد الباحث في معرفة الشيوخ والتلاميذ وأقوال النقاد والسماع والاتصال والانقطاع ونحو ذلك
وحذف منه تراجم الرواة في غير الكتب الستة تحديدا ، ولكن فيه إضافة نافعة ، وهي أيضا ذكر خلاصة حكم الإمام الذهبي على الراوي بكلمات معدودة .
قال الذهبي في مقدمته :
" اقتصرت فيه على ذكر من له رواية في الكتب الستة دون باقي تلك التواليف التي في " التهذيب "، ودون من ذُكِرَ للتمييز أو كُرِّر للتنبيه "
وهكذا كل كتاب مما سبق فيه بعض الميزات التي لا توجد في غيره ، وفيه نواقص نسبية ، بمعنى أن هذه النواقص قد لا تكون مهمة لبعض الباحثين
وقد تكون ضرورية لآخرين ، بحسب الباحث ونوع البحث الذي يجريه . لكن في المجمل العام ، طالب العلم الجاد لا يستغني عن شيء منها .
أما الكتب الأخرى ، فكتاب " ميزان الاعتدال " للحافظ الذهبي جمع فيه كل من ضعفه أحد النقاد من الرواة ، سواء من رواة الكتب الستة أو غيرهم
وسواء كان التضعيف بحق أم بغير حق ، ولم يستثن سوى الصحابة وأئمة المذاهب المتبوعة .
يقول رحمه الله :
" احتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين الوضاعين المتعمدين قاتلهم الله ، وعلى الكاذبين في أنهم سمعوا ولم يكونوا سمعوا ، ثم على المتهمين بالوضع أو بالتزوير
ثم على الكذابين في لهجتهم لا في الحديث النبوي ، ثم على المتروكين الهلكى الذين كثر خطؤهم وترك حديثهم ولم يعتمد على روايتهم ، ثم على الحفاظ الذين في دينهم رقة
وفي عدالتهم وهن ، ثم على المحدثين الضعفاء من قبل حفظهم ، فلهم غلط وأوهام ، ولم يترك حديثهم ، بل يقبل ما رووه في الشواهد والاعتبار بهم لا في الأصول والحلال والحرام
ثم على المحدثين الصادقين أو الشيوخ المستورين الذين فيهم لين ، ولم يبلغوا رتبة الأثبات المتقنين ، ثم على خلق كثير من المجهولين ممن ينص أبو حاتم الرازي على أنه مجهول
أو يقول غيره : لا يعرف ، أو فيه جهالة ، أو يجهل ، أو نحو ذلك من العبارات التي تدل على عدم شهرة الشيخ بالصدق ، إذ المجهول غير محتج به ، ثم على الثقات الأثبات الذين فيهم بدعة
أو الثقات الذين تكلم فيهم من لا يلتفت إلى كلامه في ذلك الثقة ، لكونه تعنت فيه ، وخالف الجمهور من أولي النقد والتحرير ، فإنا لا ندعى العصمة من السهو والخطأ في الاجتهاد في غير الأنبياء " .
انتهى من " ميزان الاعتدال " (1/3).
ثم جاء الحافظ ابن حجر واختصر من
" ميزان الاعتدال " كل التراجم الموجودة في " تهذيب التهذيب "، وأضاف عليه من وصف بالضعف وفات الذهبي ذكره ، وسمى كتابه " لسان الميزان "
فمن اقتنى " تهذيب التهذيب " و " لسان الميزان " أغناه إن شاء الله عن " ميزان الاعتدال ".
يقول ابن حجر رحمه الله :
" من أجمع ما وقفت عليه في ذلك كتاب " الميزان " الذي ألفه الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، رأيت أن أحذف منه أسماء من أخرج له الأئمة الستة في كتبهم أو بعضهم
فلما ظهر لي ذلك استخرت الله تعالى ، وكتبت منه ما ليس في تهذيب الكمال...وقد جمعت أسماءهم - أعني من ذكر منهم في الميزان - وسردتها في فصل آخر الكتاب
ثم إني زدت في الكتاب جملة كثيرة... وما زدته في أثناء ترجمة ختمت كلامه بقول انتهى وما بعدها فهو كلامي ، وسميته لسان الميزان "
انتهى من " لسان الميزان " (1/192) .
وأما كتاب " الكامل في ضعفاء الرجال " لابن عدي ، فيغني عنه ما سبق من الكتب ، فقد استوعب ما فيه كل من ابن حجر والذهبي رحمهما الله ، ومع ذلك فمن أراد التدقيق لم يكتف بالكتب التي تنقل عنه
بل يرجع إلى المصدر مباشرة ، كي يقف على الترجمة المطولة ، ويدقق في دقة النقل عنه أصلا ، فكثيرا ما تقع الأوهام في نقل آراء ابن عدي ، وكثيرا ما تتضح في تراجم ابن عدي أحوال الرواة بشكل أفضل
لما تميز به من جمع مناكير الراوي وما أخذ عليه في ترجمته . وهذا المنهج لا بد أن يستفاد منه في أي عمل موسوعي قادم .
يبقى أخيرا الحديث حول كتاب " سير أعلام النبلاء " للإمام الذهبي ، فهو من الموسوعات المهمة للباحث ، لما فيه من جمع عريض ، وتراجم شاملة ، ليست لرواة الحديث فحسب
بل لكل من عرفه الذهبي من المشاهير عنده ، من الأمراء والعلماء والمصنفين وغيرهم من كل من كان له ذكر في التاريخ الإسلامي ، بل فيه تراجم لغير المسلمين أيضا . فهو كتاب مهم ، ومرجع أساس للباحث في التراث .
يقول الدكتور بشار عواد معروف :
" استعمل الذهبي لفظ " الأعلام " ليدل على المشهورين جدا بعرفه هو ، لا بعرف غيره ، ذلك أن مفهوم " العَلَم " يختلف عند مؤلف وآخر استنادا إلى عمق ثقافته ، ونظرته إلى البراعة في علم من العلوم
أو فن من الفنون ، أو عمل من الأعمال ، أو أي شيء آخر . لذلك وجدنا أن سعة ثقافة الذهبي ، وعظيم اطلاعه ، وكثرة معاناته ودربته بهذا الفن
قد أدت إلى توسيع هذا المفهوم ، بحيث صرنا نجد تراجم في " السير " مما لا نجده في كتب تناولت المشهورين ، مثل " المنتظم " لابن الجوزي ، و " الكامل " لابن الأثير
و " البداية " لابن كثير ، و " عقد الجمان " لبدر الدين العيني ، وغيرها .
لم يقتصر الذهبي في " السير " على نوع معين من " الأعلام "، بل تنوعت تراجمه فشملت كثيرا من فئات الناس ، من الخلفاء ، والملوك ، والأمراء والسلاطين ، والوزراء
والنقباء ، والقضاة ، والقراء ، والمحدثين ، والفقهاء ، والأدباء ، واللغويين ، والنحاة ، والشعراء ، وأرباب الملل والنحل والمتكلمين والفلاسفة ، ومجموعة من المعنيين بالعلوم الصرفة " .
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (طبعة الرسالة، المقدمة/ 110) .
نرجو أن نكون قد بينا في هذه العجالة تعريفا موجزا بهذه الكتب ، والفوارق بينها ، وما تميز كل منها عن الآخر
.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-26, 08:43
من هم التابعون ؟
ومن هم أتباع التابعين ؟
السؤال:
من هم التابعون ؟
ومن هم أتباع التابعين ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
التابعون هم الذين جاءوا بعد عصر النبوة ، فلم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما صحبوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وأتباع التابعين هم الذين لم يلقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما رأوا التابعين ، وصحبوهم .
والتابعي - في مصطلح الحديث - : من لقي الصحابي ، ولا يشترط طول الصحبة - على الصحيح ، فكل من لقي الصحابة ومات مسلما فهو تابعي ، وبعضهم أفضل من بعض .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " نخبة الفكر " (4/ 724) :
" التَّاَّبِعِيِّ : هُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" قال الخطيب البغدادي : التابعي : من صحب الصحابي . وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي وروى عنه وإن لم يصحبه " انتهى .
وقال العراقي رحمه الله في " ألفيته " (ص/66) :
والتَّابعِي اللاَّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبَا
وأتباع التابعين هم الذين لقوا التابعين ، ولم يدركوا الصحابة رضي الله عنهم .
والتابعون مثل : سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والحسن البصري ومجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس ونافع مولى ابن عمر .
وأتباع التابعين مثل : الثوري ومالك وربيعة وابن هرمز والحسن بن صالح وعبد الله بن الحسن وابن أبي ليلى وابن شبرمة والأوزاعي .
ثانيا :
روى البخاري (3651) ، ومسلم (2533) عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) .
قال النووي رحمه الله :
" الصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّحَابَةُ ، وَالثَّانِي : التَّابِعُونَ ، وَالثَّالِثُ : تَابِعُوهُمْ "
انتهى من " شرح النووي على مسلم " (16/85) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلُهُ ( ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) أَيِ الْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُمْ ، وَهُمُ التَّابِعُونَ ، ( ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ "
انتهى من " فتح الباري " (7/6) .
وقال القاري رحمه الله :
" قَالَ السُّيُوطِيُّ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ - يعني القرن - لَا يَنْضَبِطُ بِمُدَّةٍ ، فَقَرْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمُ الصَّحَابَةُ ، وَكَانَتْ مُدَّتُهُمْ مِنَ الْمَبْعَثِ إِلَى آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً
وَقَرْنُ التَّابِعِينَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ إِلَى نَحْوِ سَبْعِينَ ، وَقَرْنُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِنْ ثَمَّ إِلَى نَحْوِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًا ، وَأَطْلَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا
وَرَفَعَتِ الْفَلَاسِفَةُ رُءُوسَهَا ، وَامْتُحِنَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إِلَى الْآنَ ، وَظَهَرَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ) "
انتهى من " مرقاة المفاتيح " (9/3878) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-26, 08:46
حديث : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي ، وَأَنْتَ تَهْدِينِي ، وَأَنْتَ تُطْعِمُنِي ، وَأَنْتَ تَسْقِينِي ... )
السؤال :
من فضلك ما هي صحة هذا الحديث : روى سمرة بن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قال إذا أصبح وإذا أمسى سبع مرات : اللهمَّ أنت خلقتني
وأنت تهديني ، وأنت تطعمُني وتسقيني ، وأنت تميتني وأنت تحييني ؛ وأنت على كل شيء قدير ، لم يسألْ شيئًا إلا أعطاه اللهُ إياه ) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1028) فقال :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ : نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَكْرِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ قَالَ: نَا أَبُو رَوْحٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ : أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا
وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ مِرَارًا ، وَمِنْ عُمَرَ مِرَارًا ؟ قُلْتُ : بَلَى قَالَ: ( مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي، وَأَنْتَ تَهْدِينِي ، وَأَنْتَ تُطْعِمُنِي ، وَأَنْتَ تَسْقِينِي ، وَأَنْتَ تُمِيتُنِي ، وَأَنْتَ تُحْيِينِي ، لَمْ يَسْأَلْ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ )
قَالَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ، فَقُلْتُ: أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعَتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مِرَارًا ، وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ مِرَارًا ، وَمِنْ عُمَرَ مِرَارًا ؟ ، قَالَ: بَلَى ، فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ: " بِأَبِي وَأُمِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتُ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْطَاهُنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَانَ يَدْعُو بِهِنَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعَ مِرَارٍ، فَلَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ " .
أحمد شيخ الطبراني الظاهر أنه أحمد بن داود المكي ، كما صرح به قبل ذلك بأحاديث ، وهو ما ذكره علاء الدين مغلطاي في " شرح ابن ماجة " (2/24)
ولم يتبين من ترجمته أنه ممن يحتج به ، بل قال الهيثمي في "المجمع" (8/100): " لم أعرفه "
.
وشيوخ الطبراني فيهم كثرة ، وكثير منهم مجهولون ، وفيهم الكذابون والوضاعون ، قال الذهبي رحمه الله في ترجمته :
" حدث عن ألف شيخ أو يزيدون. وصنف المعجم الكبير، وهو المسند ، سوى مسند أبي هريرة فكأنه أفرده في مصنف، والمعجم الأوسط في ست مجلدات كبار على معجم شيوخه
يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب والعجائب ، فهو نظير كتاب الأفراد للدارقطني ، بيَّن فيه فضيلته وسعة روايته ، وكان يقول: هذا الكتاب روحي ، فإنه تعب عليه ، وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر " .
انتهى من " تذكرة الحفاظ " (3/ 85) .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث ، لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة ، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، وأفراد الدارقطني ، وهي مجمع الغرائب والمناكير "
.
انتهى من " شرح علل الترمذي" (2/ 624) .
فكل حديث ينفرد به الطبراني عن شيوخه لابد من التثبت في شأنه جدا ، وتحري أن مثل ذلك المتن : محفوظ .
والحسن البصري على جلالة قدره مدلس ، وصفه بذلك النسائي وغيره ، وكان يرسل كثيرا عن كل أحد
انظر : "طبقات المدلسين" (ص29) .
وقال البيهقي في "سننه" (8/35) :
" وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ رَغِبُوا عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ " انتهى .
وقال الدارقطني في "سننه" (1/136) :
" الحسن مختلف في سماعه من سمرة ، وقد سمع منه حديثا واحدا ، وهو حديث العقيقة ، فيما زعم قريش بن أنس ، عن حبيب بن الشهيد " .
والكلام في حديث الحسن عن سمرة واختلافهم في سماعه منه معروف ، وهو مما يدل على غلط هذه الرواية ، أو بطلانها
ولأجل ذلك : لم يعول أحد من أهل العلم ـ فيما علمنا ـ على هذا الحديث في إثبات سماع الحسن من سمرة ، إلا الحافظ مغلطاي .
ولذلك فالأظهر أن قوله فيه : " عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا ... " غلط من بعض الرواة .
والحديث حسنه المنذري في " الترغيب والترهيب " (1 /261) ، والهيثمي في " المجمع " (10/160) ، والسفاريني في " غذاء الألباب" (2 /292)
وإنما حسّنوه لترجيحهم سماع الحسن من سمرة في الجملة ، وقد صرح هنا بالسماع من سمرة ، فانتفت شبهة التدليس .
وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (5349) ، ولعله الراجح .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-26, 08:52
حديث : ( يا ابن آدم ! لك هواك ولي هواي ، ولا يكون إلا هواي ) حديث باطل لا أصل له .
السؤال :
ما صحة الحديث القدسي التالي الذي يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي: يقول رب العزة " يا ابن آد م، لك هواك ولي هواي ولا يكون إلا هواي
إذا أطعت هواي منحتك هواك وإن خالفت هواي حرمتك من هواك ولا يكون إلا هواي " ؟
وهل يوجد حديث بهذا المعنى ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام المذكور ليس بحديث ، وليس في السنة المطهرة حديث بهذا المعنى ، وهو متن منكر ؛ وذلك لما يلي :
- أنه لا يجوز إطلاق الهوى على الله تعالى ؛ لأن أسماء الله وصفاته توقيفية ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله : " لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ، لا يتجاوز القرآن والحديث "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/26) .
وليس في الكتاب والسنة وصف الله تعالى بأنه يهوى .
راجع لذلك جواب السؤال القادم
- أن الهوى لا يرد في نصوص الشرع إلا على الذم غالبا ، وهو في مقابل الهدى ، قال تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ) النجم/ 23
وقال عز وجل : ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) الروم/ 29 .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمه ، وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموما إلا ما جاء منه مقيدا كقوله : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) - حديث ضعيف
- وقد قيل الهوى كمين لا يؤمن ، قال الشعبي : وسمي هوى لأنه يهوي بصاحبه ، ومطلقه يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة
ويحث على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا لأعظم الآلام عاجلا وآجلا ، فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الآخرة ، والهوى يعمي صاحبه من ملاحظتها " .
انتهى من "روضة المحبين" (ص 469-470) .
ويغني عن ذلك الكلام الباطل : حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ
وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ) .
رواه الترمذي (2465) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-28, 16:05
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الكلام على اصطلاحات الإمام الترمذي رحمه الله في تخريج الأحاديث .
السؤال :
نجد أن الإمام الترمذي رحمه الله في سننه يصنف الأحاديث تصنيفاً خاصاً به فيقول للحديث الضعيف مثلاً: هذا حديث حسن صحيح ، فرأيُ مَنْ نأخذ في مثل هذه الحالة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله صاحب السنن المشهورة باسمه ، من أئمة هذا الشأن ، قال الإدريسي : كان الترمذي أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث
صنف الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن ، كان يضرب به المثل في الحفظ ، وقال منصور الخالدي : قال أبو عيسى : صنفت هذا الكتاب - يعني السنن - فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به .
"تهذيب التهذيب" (9/ 388-389).
وللترمذي رحمه الله اصطلاحات مشهورة في تخريجه للأحاديث التي يرويها في سننه ، ونحن نذكر مختصر ما ذكره الحافظ ابن رجب بهذا الخصوص
قال رحمه الله :
" اعلم أن الترمذي قسم ـ في كتابه هذا ـ الحديث إلى صحيح ، وحسن، وغريب ، وقد يجمع هذه الأوصاف الثلاثة في حديث واحد، وقد يجمع منها وصفين في الحديث
وقد يفرد أحدها في بعض الأحاديث، وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى التفرد بهذا التقسيم، ولا شك أنه هو الذي اشتهرت عنه هذه القسمة .
وأما الحديث الحسن فقد بين الترمذي مراده بالحسن : وهو ما كان حسن الإسناد.
وفسر حسن الإسناد: بأن لا يكون في إسناده متهم بالكذب ، ولا يكون شاذاً، ويروى من غير وجه نحوه ، فكل حديث كان كذلك فهو عنده حديث حسن.
فعلى ما ذكره الترمذي : كلما كان في إسناده متهم فليس بحسن ، وما عداه فهو حسن ، بشرط أن لا يكون شاذاً.
وبشرط أن يروى نحوه من غير وجه
يعني أن يروي معنى ذلك الحديث من وجوه أخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الإسناد ، فعلى هذا : الحديث الذي يرويه الثقة العدل ، ومن كثر غلطه
ومن يغلب على حديثه الوهم إذا لم يكن أحد منهم متهماً، كله حسن ؛ بشرط أن لا يكون شاذاً ، مخالفاً للأحاديث الصحيحة ، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة .
وقد اضطرب الناس في جمع الترمذي بين الحسن والصحيح ، لأن الحسن دون الصحيح ، فكيف يجتمع الحسن والصحة ، وكذلك جمعه بين الحسن والغريب .
فمنهم من قال: إن مراده أن الحديث حسن لثقة رجاله ، وارتقى من الحسن إلى درجة الصحة ، لأن رواته في نهاية مراتب الثقة
فحديثهم (حسن صحيح) ، لجمعهم بين صفات من يحسن حديثه ، وصفات من يصحح حديثه ، وعلى هذا فكل صحيح حسن، ولا عكس .
ومذهب ابن الصلاح أن الترمذي إذا جمع بين الحسن والصحة فمراده أنه روي بإسنادين، أحدهما حسن، والآخر صحيح.
ومن المتأخرين من قال: إن الحسن الصحيح عند الترمذي دون الصحيح المفرد
فإذا قال: "صحيح" فقد جزم بصحته، وإذا قال: حسن صحيح، فمراده أنه جمع طرفاً من الصحة وطرفاً من الحسن ، وليس بصحيح محض ، بل حسن مشرب بصحة .
ومن المتأخرين ـ أيضاً ـ من قال: مراد الترمذي في الحسن أن كلاً من الأوصاف الثلاثة التي ذكرها في الحسن ، وهي سلامة الإسناد من المتهم ، وسلامته من الشذوذ، وتعدد طرقه ، ولو كانت واهية ، موجب لحسن الحديث عنده.
وهذا بعيد جداً، وكلام الترمذي إنما يدل على أنه لا يكون حسناً حتى يجتمع فيه الأوصاف الثلاثة ، وتسمية الحديث الواهي التي تعددت طرقه حسناً لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه .
واعلم أن الترمذي ـ رحمه الله ـ خرج في كتابه الحديث الصحيح ، والحديث الحسن، وهو ما نزل عن درجة الصحيح ، وكان فيه بعض ضعف ، والحديث الغريب
والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير ، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه "
انتهى باختصار من "شرح علل الترمذي" (2/ 574-611) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أَمَّا الْحَسَنُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ: مَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ وَلَا هُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ الَّتِي شَرَطَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَسَنِ
لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : قَدْ سُمِّيَ حَسَنًا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِثْلَ حَدِيثٍ يَقُولُ فِيهِ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَقَدْ سَمَّاهُ حَسَنًا
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا، لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْ تَابِعِيٍّ وَاحِدٍ لَكِنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَصَارَ حَسَنًا لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَهُوَ فِي أَصْلِهِ غَرِيبٌ
وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ الْحَسَنُ الْغَرِيبُ قَدْ يَكُونُ لِأَنَّهُ رُوِيَ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ غَرِيبٍ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الرَّاوِي الْأَصْلِيِّ بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ وَطَرِيقٍ آخَرَ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ غَرِيبٌ
لِأَنَّ الْحَسَنَ مَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَلَيْسَ فِيهَا مُتَّهَمٌ ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فَهَذَا صَحِيحٌ مَحْضٌ ، وَإِنْ كَانَ أَحَد الطَّرِيقَيْنِ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ فَهَذَا حَسَنٌ، وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبَ الْإِسْنَادِ فَلَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَهُوَ حَسَنُ الْمَتْنِ
لِأَنَّ الْمَتْنَ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، فَيَكُونُ لِمَعْنَاهُ شَوَاهِدُ تُبَيِّنُ أَنَّ مَتْنَهُ حَسَنٌ ، وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ غَرِيبًا ، وَإِذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ: إنَّهُ صَحِيحٌ ؛ فَيَكُونُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ
وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ حَسَنٍ ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ الصِّحَّةُ وَالْحُسْنُ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَحِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ ، فَقَدْ يَكُونُ صَحِيحًا غَرِيبًا
وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي اجْتِمَاعِ الْحَسَنِ وَالْغَرِيبِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا حَسَنًا ، ثُمَّ صَارَ حَسَنًا ، وَقَدْ يَكُونُ حَسَنًا غَرِيبًا كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 39-40) .
وينظر : "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (2/ 185)
" قواعد التحديث" للقاسمي (ص 103) .
ثانيا :
اختلاف الأئمة رحمهم الله في نقد الحديث ، والحكم عليه ، وبيان درجته : هو كاختلافهم في الفقه وفروع العلم ، كل يتكلم بحسب ما أداه إليه اجتهاده ، وكل مأجور بفضل الله ، وإن كان الحق واحدا .
قال الإمام الترمذي رحمه الله :
" وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال ، كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم "
انتهى من " سنن الترمذي " ( 5 / 756 ) .
وقد سبق بيان موقف المسلم من الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد
وأنه يختلف باختلاف حاله : فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً ، وإن كان غير مؤهل لذلك : فعليه تقليد الأوثق في نفسه ، والأعلم بهذا الباب عنده
ولا يجوز له تقليد من يوافق قوله هواه ورغبته بالتشهي ، وسواء كان ذلك الأوثق في نفسه من الأئمة المتقدمين ، أو نقاد الحديث ، والمشتغلين به من أهل العلم المتأخرين .
والمعروف عن الإمام الترمذي رحمه الله أنه أحيانا يتساهل في التصحيح والتحسين ، حتى قال الذهبي رحمه الله : " لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي " .
انتهى من "ميزان الاعتدال" (3/ 407) .
وانظر : " السلسلة الضعيفة " للشيخ الألباني رحمه الله (1/85) .
ولكن غالب ما يصححه رحمه الله هو صحيح ، وإنما يتساهل في التصحيح أحيانا .
فإذا صحح حديثا ، ولم يخالفه غيره أخذنا بتصحيحه ، وإذا خالفه من هو أعلم منه بالحديث كالإمام أحمد أو البخاري أو مسلم ونحوهم : تركنا قوله لقول الأعلم منه.
ولكن ليس لذلك سنة مطردة ، فربما كان الحق في مواضع معه ، دون من خالفه .
ومدار المتخصص على النظر في الحجة والدليل .
وأما غير المتخصص : فشأنه أن يقلد أهل العلم ، فيتخير الأوثق في دينه ، كما سبق ، ويجتهد في التحري لدينه .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-28, 16:07
كتاب السنة " لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل صحيح النسبة إليه
السؤال:
ما صحة نسبة كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل؟
الجواب :
الحمد لله
" كتاب السنة " لعبد الله بن الإمام أحمد ، كتاب مشهور ، وهو صحيح النسبة إليه ، ثابت عنه بلا ريب ، وقد روى عنه من طرق متعددة
وقد تتابع أهل العلم على نسبة الكتاب لعبد الله بن أحمد بلا نكير نعلمه من واحد منهم ، فانظر :
" إبطال التأويلات " لأبي يعلى الفراء (ص/348) ، و " العلل المتناهية " لابن الجوزي ، و " مجموع الفتاوى " لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/324) ، و " زاد المعاد " لابن القيم (3/592)
و " التخويف من النار " لابن رجب (ص/249) ، و " فتح الباري " لابن حجر (13/381) .
وانظر تحقيق الكتاب للدكتور محمد بن سعيد القحطاني فقد وثق نسبة الكتاب إلى عبد الله بن الإمام أحمد وذكر أقوالا لبعض العلماء في نسبة الكتاب إليه (1/59-60) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-28, 16:17
التعريف بكعب الأحبار ، وبروايته الإسرائيليات ، والموقف منها .
السؤال:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة : قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِى فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الاِثْنَينِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ
وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَق آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ )
وقد قرأت على الشبكة العنكبوتية أنّ العلماء ضعفوا الحديث وأعلوه ، وأنّ أبا هريرة أخذ الحديث من كعب الأحبار وهو معروف بروايته للإسرائيليات ، فلماذا يروى أبو هريرة عن من ليس بثقة ؟
وأليس كل أحاديث صحيح مسلم هي صحيحة ؟ أرجو منكم شرح المسألة .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
تقدم أن هذا الحديث المذكور رواه مسلم في صحيحه (2789) ، وأنه قد أعله غير واحد من أهل العلم ، وحكم الإمام البخاري وغيره أنه من كلام كعب الأحبار
أخذه عنه أبو هريرة رضي الله عنه
ثانيا :
كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق ، أدرك الجاهلية وأسلم في أيام أبي بكر وقيل : في أيام عمر ، روى عن عمر وصهيب وعائشة
وروى عنه بعض الصحابة كمعاوية وأبي هريرة وابن عباس ومالك بن أبي عامر الأصبحي .
وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام وقال : " كان على دين يهود فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان " .
انظر : " تهذيب التهذيب " (8/438-439) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" هُوَ كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ ، اليَمَانِيُّ ، العلَّامة ، الحَبْر ، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,
فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ ، وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصحابة , وكان حسن الإسلام ، مَتِيْنَ الدّيَانَةِ ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ "
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (4/472) .
وقال الحافظ في " التقريب " (ص/461) : " ثقة " .
وانظر : " الإصابة " (5/482) .
فكعب الأحبار تابعي ثقة ، وكان من علماء اليهود ، عنده علم غزير ، وله اطلاع تام على كتب بني إسرائيل وكان يحدث بأشياء كثيرة منها .
ثالثا :
اتفق العلماء على أن كل الأحاديث التي رواها البخاري أو مسلم أنها كلها صحيحة ، وفي أعلى مراتب الصحة . إلا بعض الأحاديث القليلة بل النادرة التي تكلم عليها بعض الحفاظ
فإذا تكلم الحفاظ على حديث أو حديثين أو ثلاثة في صحيح مسلم ، فإن ذلك لا يطعن في صحة الكتاب الذي بلغت أحاديثه ثمانية آلاف حديث
رابعا :
لما أسلم كعب الأحبار ، وكان عنده علم أهل الكتاب ، كان بعض الصحابة يستمعون إلى أحاديثه وينقلونها ، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في التحديث عن أهل الكتاب
كما روى البخاري (3461) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ )
ومع ذلك فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم يأخذون عنه كل ما يخبر به ، بل ردوا عليه كثيرا قاله مما يخالف الحق الذي بأيدينا .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ... فَإِنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ لَمَّا أَسْلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَانَ يَتَحَدَّثُ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَشْيَاءَ مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَيَسْتَمِعُ لَهُ عُمَرُ تَأْلِيفًا لَهُ وَتَعَجُّبًا مِمَّا عِنْدَهُ مِمَّا يُوَافِقُ كَثِيرٌ مِنْهُ الْحَقَّ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ
فَاسْتَجَازَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ نَقْلَ مَا يُورِدُهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ ; لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَمَّا جَاءَ مِنَ الْإِذْنِ فِي التَّحْدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَكِنَّ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيمَا يَرْوِيهِ غَلَطٌ .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كَعْبِ الْأَحْبَارِ : " وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ "
انتهى من " البداية والنهاية " (1/34-35) .
وقال رحمه الله أيضا :
" أَسْلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَكَانَ يَنْقُلُ شَيْئًا عَنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَحْسِنُ بَعْضَ مَا يَنْقُلُهُ ; لِمَا يُصَدِّقُهُ مِنَ الْحَقِّ ، وَتَأْلِيفًا لِقَلْبِهِ فَتَوَسَّعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَخْذِ مَا عِنْدَهُ
وَبَالَغَ أَيْضًا هُوَ فِي نَقْلِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنْهَا مَا يُسَاوِي مِدَادَهُ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ لَا مَحَالَةَ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ لِمَا يَشْهَدُ لَهُ الْحَقُّ الَّذِي بِأَيْدِينَا "
انتهى من " البداية والنهاية " (3/36) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لَمَّا دخل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ وَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ مُصَلًّى لِلْمُسْلِمَيْنِ : قَالَ لِكَعْبِ ؟ أَيْنَ أَبْنِيهِ ؟ قَالَ ابْنِهِ خَلْفَ الصَّخْرَةِ .
قَالَ : خَالَطَتْك يَهُودِيَّةٌ يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ ؛ بَلْ أَبْنِيهِ أَمَامَهَا [ وذلك لأن اليهود تعظم تلك الصخرة ، ولم يأت ديننا بأي فضيلة لها ] .
وَلِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَلَّى فِي قبلَيْهِ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى الصَّخْرَةِ . وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ مَا يَنْقُلُهُ كَعْبٌ : أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهَا : أَنْتَ عَرْشِي الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ :
مَنْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَيْفَ تَكُونُ الصَّخْرَةُ عَرْشَهُ الْأَدْنَى ؟ "
انتهى " مجموع الفتاوى " (15/153) .
فعلى القول بأن هذا الحديث إنما أخذه أبو هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار ، فهو مما رأى أبو هريرة رضي الله عنه أن الرخصة في التحديث عن أهل الكتاب تشمله . ولكنه لا يكون حجة ولا دليلا شرعيا .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-28, 16:30
لم يثبت أن من لبس لباساً جديداً يوم الجمعة ، فإنه يُعفى من السؤال عن اللباس يوم القيامة
السؤال:
سمعت أن من لبس لباساً جديداً يوم الجمعة فإنه يُعفى من السؤال عن اللباس يوم القيامة ، فهل هذا صحيح أم لا ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الكلام لا أصل له في الشرع ، ولا يجوز أن ينسب إليه . – وفيما نعلم- لم يرد هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه ، ولا نعرف أحدا من العلماء قال ذلك .
ثم هذا الكلام مع كونه لا أصل له في الشرع ، فهو مخالف لما عُرف في الشرع من أن الإنسان سيسأل يوم القيامة عن ثيابه ويحاسب عليه .
فيُسأل أولا : كيف حصل على هذه الثياب ؟ هل اشتراها بمال حلال أو حرام ؟
هل أخذها على سبيل الرشوة من أحد ... إلخ ؟
ثم يُسأل أيضا عن نوع الثياب هل كان مباحا أو حراما ؟
كثياب الحرير ، فإنها محرمة على الرجال .
ثم يسأل عن قصده من لبس هذه الثياب ، هل كان قصده أن يستر عورته ويتزين كما أمر الشرع ، أو كان قصده أن يتفاخر بثيابه ويتعالى على الناس ؟
ثانيا :
الذي جاء في السنة النبوية : أنه يستحب للرجل أن يتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه يوم الجمعة .
روى أبو داود (343) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ
ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وروى البخاري (886) ، ومسلم (2068) عن ابْن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ [مصنوعة من الحرير] عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ ) " .
وكان عمر رضي الله عنه لم يبلغه أن لبس الحرير حرام على الرجال ، فاقترح على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاقتراح ، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على مشروعية لبس الثياب الحسنة الجميلة يوم الجمعة
ولكنه بين له أن هذا النوع من الثياب (الحرير) حرام على الرجال .
ولذلك قال النووي رحمه الله في شرح الحديث :
" في الحديث اسْتِحْبَابِ لِبَاسِ أَنْفَسِ ثِيَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَعِنْدَ لِقَاءِ الْوُفُودِ وَنَحْوِهِمْ "
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (14/38) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-28, 16:36
خبر الرجل الذي جاء في عهد عمر إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يا رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا
السؤال:
ما صحة الحديث التالي، وإذا لم يكن صحيحاً فلماذا أورده العلماء الأوائل في كتبهم على أنه صحيح ، ولماذا لا يمكننا إتباعهم في هذا التصنيف للحديث؟ أم أنهم لم يكونوا على القدر الكافي من العلم؟
عن مالك الدار قال : أصاب الناسَ قحطٌ في زمن عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، استَسْقِ الله لأمّتك فإنهم قد هلكوا ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام
فقال : ائْتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّكُمْ مسْقِيُّونَ وَقُلْ لَهُ : عَلَيْكَ الْكَيْسُ، عَلَيْكَ الْكَيْسُ ، فأتى الرجل فأخبر عمر ، فقال : يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه. رواه البيهقي في دلائل النبوة
وبن أبي شيبة في المصنف بسلسلة صحيحة، كما أشار إلى ذلك بن كثير في البداية والنهاية، وبن حجر في الفتح في كتاب الاستسقاء الجزء الثالث. وأورده الذهبي في السير.
وقال ابن حجر : أن مالك الدار هو وزير عمر على بيت المال ، وأن الرجل الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه هو بلال بن الحارث.
الجواب:
الحمد لله
هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 356) والبخاري في "التاريخ الكبير" (7/304) - مختصرا - والبيهقي في "الدلائل" (7/47) ، وابن عساكر في "تاريخه" (44/345) من طريق أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ مَالِكِ الدَّارِ، قَالَ:
أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا
فَأَتَى الرَّجُلَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ : " ائْتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّكُمْ مسْقِيُّونَ وَقُلْ لَهُ : عَلَيْكَ الْكَيْسُ ، عَلَيْكَ الْكَيْسُ "، فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ لَا آلُو إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ .
وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به ، ومالك الدار مجهول كما سيأتي .
أما قول الحافظ رحمه الله في " الفتح " (2/ 495) :
" رواه ابن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ مَالِكٍ الدَّارِ "
فمقصوده أنه صحيح الإسناد إلى أبي صالح فقط ، ولم يحكم على جميع الإسناد بأنه صحيح ، ولذلك لم يقل : رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، كما هي العادة في تصحيح الأخبار .
وأيضاً : قول الذهبي رحمه الله في " السير" (2/412) :
" وقال الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار ... فإنه لم يحكم بصحته ولا بضعفه وإنما ذكر الإسناد فقط .
وقد أجاب الشيخ الألباني رحمه الله عن هذا الأثر ، فننقل كلامه بطوله لفائدته : قال رحمه الله ، بعد أن حكى قول الحافظ ابن حجر المتقدم :
" والجواب من وجوه:
الأول : عدم التسليم بصحة هذه القصة ؛ لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط ، وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح ، كما تقرر في علم المصطلح
وقد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ، ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا ، ففيه إشعار بأنه مجهول ، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه - مع سعة حفظه واطلاعه - لم يَحْكِ فيه توثيقاً فبقي على الجهالة
ولا ينافي هذا قول الحافظ :
" بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان ..
. " لأننا نقول : إنه ليس نصاً في تصحيح جميع السند ، بل إلى أبي صالح فقط ، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسنادَ من عند أبي صالح ، ولقال رأساً : "عن مالك الدار ... وإسناده صحيح"
ولكنه تعمد ذلك ، ليلفت النظر إلى أن ههنا شيئاً ينبغي النظر فيه ، والعلماء إنما يفعلون ذلك لأسباب منها: أنهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرواة
فلا يستجيزون لأنفسهم حذف السند كله ، لما فيه من إيهام صحته لاسيما عند الاستدلال به ، بل يوردون منه ما فيه موضع للنظر فيه ، وهذا هو الذي صنعه الحافظ رحمه الله هنا
وكأنه يشير إلى تفرد أبي صالح السمان عن مالك الدار كما سبق نقله عن ابن أبي حاتم ، وهو يحيل بذلك إلى وجوب التثبت من حال مالك هذا أو يشير إلى جهالته. والله أعلم.
وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة، ويؤيد ما ذهبت إليه أن الحافظ المنذري أورد في "الترغيب"
(2/41-42) قصة أخرى من رواية مالك الدار عن عمر ، ثم قال: "رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه ". وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد (3/125) .
الوجه الثاني: أنها مخالفة لما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء لاستنزال الغيث من السماء ، كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة
وأخذ به جماهير الأئمة ، بل هي مخالفة لما أفادته الآية من الدعاء والاستغفار، وهي قوله تعالى في سورة نوح : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً .
.. ) وهذا ما فعله عمر بن الخطاب حين استسقى وتوسل بدعاء العباس .
وهكذا كانت عادة السلف الصالح كلما أصابهم القحط أن يصلوا ويدعوا، ولم ينقل عن أحد منهم مطلقاً أنه التجأ إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم
وطلب منه الدعاء للسقيا، ولو كان ذلك مشروعاً لفعلوه ولو مرة واحدة، فإذا لم يفعلوه دل ذلك على عدم مشروعية ما جاء في القصة.
الوجه الثالث : هب أن القصة صحيحة ، فلا حجة فيها، لأن مدارها على رجل لم يسم (وهو قوله في الرواية :
فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فهو مجهول أيضاً، وتسميته بلالاً في رواية سيف لا يساوي شيئاً، لأن سيفاً هذا - وهو ابن عمر التميمي - متفق على ضعفه عند المحدثين
بل قال ابن حبان فيه : "يروي الموضوعات عن الأثبات ، وقالوا : إنه كان يضع الحديث ". فمن كان هذا شأنه لا تقبل روايته ولا كرامة ، لا سيما عند المخالفة .
الوجه الرابع : أن هذا الأثر ليس فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، بل فيه طلب الدعاء منه بأن يستسقي الله تعالى أمته ، وهذه مسألة أخرى
ولم يقل بجوازها أحد من علماء السلف الصالح رضي الله عنهم ، أعني الطلب منه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" (ص19-20) :
" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين، ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم، ولا في مغيبهم
فلا يقول أحد: يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلو الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا، وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين: يا نبي الله يا ولي الله ادع الله لي، سل الله لي، سل الله أن يغفر لي
... ولا يقول: أشكو إليك ذنوبي أو نقص رزقي أو تسلط العدو علي، أو أشكو إليك فلاناً الذي ظلمني، ولا يقول: أنا نزيلك، أنا ضيفك، أنا جارك، أو أنت تجير من يستجيرك
. ولا يكتب أحد ورقة ويعلقها عند القبور، ولا يكتب أحد محضراً أنه استجار بفلان، ويذهب بالمحضر إلى من يعمل بذلك المحضر، ونحو ذلك مما يفعله أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين
كما يفعله النصارى في كنائسهم، وكما يفعله المبتدعون من المسلمين عند قبور الأنبياء والصالحين أو في مغيبهم، فهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع هذا لأمته، وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك، ولا فعل هذا أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من الأئمة المسلمين
لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا ذكر أحد من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها أنه يستحب لأحد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أن يشفع له أو يدعو لأمته، أو يشكو إليه ما نزل بأمته من مصائب الدنيا والدين
وكان أصحابه يبتلون بأنواع البلاء بعد موته، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو، وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر الرسول
ولا قبر الخليل ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول: نشكو إليك جدب الزمان أو قوة العدو، أو كثرة الذنوب ولا يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم
بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التي لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين، فليست واجبة ولا مستحبة باتفاق أئمة المسلمين "
انتهى كلام الشيخ الألباني من " التوسل- أنواعه وأحكامه" (ص 118-122) .
فتبين بهذا البحث القيم للشيخ الألباني رحمه الله :
- أن هذا الأثر لا يثبت ، فلا يجوز أن يُحتَج به .
- وأنه خلاف ما عليه عمل السلف الصالح ، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة المسلمين .
- وأن من صحّحّ هذا الإسناد فإنما يصححه إلى مالك الدار فقط ، وقد علم أنه مجهول .
- وعلى فرض أن أحدا من أهل العلم صححه ، فكل يؤخذ منه ويرد عليه ، فهو مردود بقول من حكم على مالك الدار بأنه مجهول ، كالمنذري والهيثمي وغيرهما
والعلماء يتفاوتون في العلم ، فربما علم أحدهم ما لم يعلمه الآخر ، ومثل هذا لا يقدح في علمهم وفضلهم ، لكنه تصديق قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يوسف/ 76 .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-09-30, 15:25
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
هل فتحت نافذة فوق قبر الرسول صلى الله عليه وسلم للاستسقاء ؟
السؤال
أريد جوابا تفصيليا عن مدى صحة الحديث الذي يقول به الصوفيون ، من حديث عائشة التي تخبر فيه بفتح نافذة في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل نزول المطر؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
الحديث المقصود يرويه أبو الجوزاء أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ( قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطاً شَدِيداً
فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ : انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوًى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ . قَالَ : فَفَعَلُوا ، فَمُطِرْنَا مَطَراً حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبِلُ
حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ ، فَسُمِّىَ عَامَ الْفَتْقِ ) .
(كوى) جمع "كوة" وهي الفتحة .
رواه الدارمي (1/56) رقم (92) تحت باب : ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته .
قال الدارمي : حدثنا أبو النعمان ، ثنا سعيد بن زيد ، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال : . . . ثم ذكر الحديث .
وهذا الأثر ضعيف ، لا يصح ، وقد بَيَّن العلامة الألباني ضعفه ، فقال في كتابه : "التوسل" (ص128)
:
"وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة
:
أولها : أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف
. قال فيه الحافظ في "التقريب" : صدوق له أوهام
. وقال الذهبي في "الميزان" : "قال يحيى بن سعيد : ضعيف .
وقال السعدي : ليس بحجة ، يضعفون حديثه
. وقال النسائي وغيره : ليس بالقوي .
وقال أحمد : ليس به بأس ، كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه" .
وثانيها : أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو صح لم تكن فيه حجة ، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون ، ولسنا ملزمين بالعمل بها .
وثالثها : أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره . وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي
في "الاغتباط بمن رمي بالاختلاط" تبعا لابن الصلاح حيث أورده في ( المختلطين ) من كتابه "المقدمة" وقال : "والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط
ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط ، أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده" .
قلت (الألباني) : وهذا الأثر لا يُدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده ، فهو إذن غير مقبول ، فلا يحتج به .
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري"
: "وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ، ولا يثبت إسناده ، ومما يبين كذب هذا :
أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، بعضه مسقوف ، وبعضهم مكشوف
وكانت الشمس تنزل فيه ، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء
. بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم . .
ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جداراً عالياً وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنس أو تنظيف .
وأما وجود الكوة في حياة عائشة فكذب بَيِّن" انتهى .
ثانيا :
ليس في هذا الحديث دليل لما يعتقده غلاة الصوفية من جواز الاستغاثة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنت لا تجد في الحديث شيئا يدل على ذلك من قريب أو من بعيد
وغاية ما فيه إثبات كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ، كما وصفها الدارمي في "مسنده" في تبويب الحديث ، وهي بركة جسده الطاهر ، وقدره الشريف عند الله تعالى
ولا يعني ذلك جواز أن يذهب المسلمون إليه ليستغيثوا به وهو في قبره ، والصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا ذلك ، إنما كشفوا كوة من سقف حجرته ليواجه السماء
ولم يطلب أحد منهم السقيا من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا خاطبوه بحاجتهم إلى ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص/338) :
" قصد القبور للدعاء عندها ، ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن : أمرٌ لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين
ولا ذكره أحد من العلماء والصالحين المتقدمين
بل أكثر ما ينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية .
وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات ، ودهمتهم نوائب غير ذلك ، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به (أي بدعائه) ، ولم يستسق عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
بل قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كشفت عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لينزل المطر ، فإنه رحمة تنزل على قبره ، ولم تستسق عنده ، ولا استغاثت هناك" انتهى .
وبهذا يظهر أنه لا حجة في هذا الأثر للصوفية على جواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، أو التوسل بذاته أو جاهه إلى الله تعالى .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-30, 15:32
حديث : ( يا ابن آدم ! لك هواك ولي هواي ، ولا يكون إلا هواي ) حديث باطل لا أصل له .
السؤال :
ما صحة الحديث القدسي التالي الذي يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي: يقول رب العزة " يا ابن آد م، لك هواك ولي هواي ولا يكون إلا هواي
إذا أطعت هواي منحتك هواك وإن خالفت هواي حرمتك من هواك ولا يكون إلا هواي " ؟
وهل يوجد حديث بهذا المعنى ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام المذكور ليس بحديث ، وليس في السنة المطهرة حديث بهذا المعنى ، وهو متن منكر ؛ وذلك لما يلي :
- أنه لا يجوز إطلاق الهوى على الله تعالى ؛ لأن أسماء الله وصفاته توقيفية ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله : " لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ، لا يتجاوز القرآن والحديث "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/26) .
وليس في الكتاب والسنة وصف الله تعالى بأنه يهوى .
راجع لذلك جواب السؤال القادم
- أن الهوى لا يرد في نصوص الشرع إلا على الذم غالبا ، وهو في مقابل الهدى ، قال تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ) النجم/ 23
وقال عز وجل : ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) الروم/ 29 .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمه ، وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموما إلا ما جاء منه مقيدا كقوله : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) - حديث ضعيف
- وقد قيل الهوى كمين لا يؤمن ، قال الشعبي : وسمي هوى لأنه يهوي بصاحبه ، ومطلقه يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة
ويحث على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا لأعظم الآلام عاجلا وآجلا ، فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الآخرة ، والهوى يعمي صاحبه من ملاحظتها " .
انتهى من "روضة المحبين" (ص 469-470) .
ويغني عن ذلك الكلام الباطل : حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ
وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ) .
رواه الترمذي (2465) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
والله أعلم . [/color][/size]
استكمال لهذا الباب
ما هو الضابط في الأسماء التي يصح إطلاقها على الله تعالى ؟
السؤال
هل يصح أن يسمى الله بالمتكلم أو الباطش لأنه ورد أنه يفعل ذلك ؟.
الجواب
الحمد لله
أسماء الله تعالى كلها توقيفية أي ( أنه يجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص )
وعليه فلا يصح أن يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو أطلقه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من الأحاديث
لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف على النص لقوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) الإسراء/26
. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك ، والاقتصار على ما جاء به النص .
وأما ما ورد في القرآن والسنة على سبيل الوصف أو الخبر فقط ، بحيث لم يرد تسمية الله به ، فلا يصح أن نسميه به ، وذلك لأن من صفات الله ما يتعلق بأفعاله ، وأفعال الله لا منتهى لها كما أن أقواله لا منتهى لها .
ومن أمثلة ذلك أن من صفات الله الفعلية ( المجيء والإتيان ، والأخذ ، والإمساك ، والبطش ) إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى : ( وجاء ربك ) الفجر/22
وقال : ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) الحج /65
وقال : ( إن بطش ربك لشديد ) البروج /12
فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد ، ولا نسميه بها فلا نقول إن من أسمائه الجائي والآتي والآخذ والممسك والباطش ، ونحو ذلك وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به ."
والله أعلم .
يراجع : ( القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى 13 , 21 ) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
*عبدالرحمن*
2018-09-30, 15:37
هل تقتص المرأة من زوجها إذا ضربها ظلما ؟
السؤال :
ما صحة الحديث هذا الحديث ؟
الذي ذكره الرازي في تفسيره الكبير في سبب نزول الآية رقم 34 من سورة النساء والذي نصه : " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَزَوْجِهَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ أَحَدِ نُقَبَاءِ الْأَنْصَارِ
فَإِنَّهُ لَطَمَهَا لَطْمَةً فَنَشَزَتْ عَنْ فِرَاشِهِ ، وَذَهَبَتْ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَذَكَرَتْ هَذِهِ الشِّكَايَةَ، وَأَنَّهُ لَطَمَهَا ، وَأَنَّ أَثَرَ اللَّطْمَةِ بَاقٍ فِي وَجْهِهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( اقْتَصِّي مِنْهُ )، ثُمَّ قَالَ لَهَا :
( اصْبِرِي حَتَّى أَنْظُرَ ) ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) ، أَيْ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَدَبِهِنَّ وَالْأَخْذِ فَوْقَ أَيْدِيهِنّ َ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَيْهَا
وَنَافِذَ الْحُكْمِ فِي حَقِّهَا، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّه أَمْرًا ، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّه خَيْرٌ )" .
الجواب :
الحمد لله
قال الطبري رحمه الله في " تفسيره " (8/ 291) :
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن: " أنّ رجلا لطمَ امرأته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يُقِصّها منه
فأنزل الله: ( الرجالُ قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )، فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه، وقال: " أردتُ أمرًا وأراد الله غيرَه ) " .
وهذا إسناد صحيح ، لكنه مرسل .
ورواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " (3/940) عن قتادة أيضا ، ولفظه :
" جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعْدِي عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَطَمَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْقِصَاصُ ) ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) فَرَجَعَتْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ " .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَكَذَلِكَ أَرْسَلَ هَذَا الْخَبَرَ : قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالسُّدِّيُّ ، أَوْرَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ .
وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّسَائِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بن الْأَشْعَثُ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ
قال: حدثنا أَبِي عَنْ جَدِّي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ علي ، قَالَ : " أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِامْرَأَةٍ لَهُ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجَهَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْأَنْصَارِيُّ
وَإِنَّهُ ضَرَبَهَا فَأَثَّرَ فِي وَجْهِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ له ذلك . فأنزل الله تعالى : ( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) ؛ أي : فِي الْأَدَبِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرَدْتُ أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ غَيْرَهُ ) "
.
انتهى من " تفسير ابن كثير" (2/ 256) .
وهذا إسناد واه ، محمد بن محمد بن الأشعث : متهم بالوضع ، قال ابن عدي : أخرج إلينا نسخة ، قريبا من ألف حديث ، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن آبائه ، بخط طري ؛ عامتها مناكير
وقال السهمي : سألت الدارقطني عنه فقال: آية من آيات الله ، وضع ذاك الكتاب - يعني العلويات .
" لسان الميزان" (5/ 362) .
والحاصل :
أنه هذا حديث روي متصلا ، من طريق واه لا يصح .
والصحيح فيه : مرسلا ، والمرسل من أنواع الحديث الضعيف ، كما هو معلوم .
وينظر : " تخريج أحاديث الكشاف" ، للزيلعي (1/312) .
وقد ضعفه الشيخ مصطفى العدوي حفظه الله
، وقال : " ويكفي في القول بأنها لا تقتص منه قوله تعالى: ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) ، ولم يرد أنها تضرب زوجها " انتهى .
وانظر : "سلسلة التفسير" لمصطفى العدوي (8/ 15) بترقيم الشاملة .
وينظر للفائدة جواب السؤال القادم
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-30, 15:42
السبب في تفضيل الزوج وجعل القوامة بيده
السؤال
أنا فتاة مسلمة والحمد لله وقرأت كثيرا وسمعت من العلماء عن حق الزوج على زوجته وكم هو عظيم سمعت أحاديث تشدد من عصيان المرأة لزوجها وإني لأمتثل لأمر الله ورسوله إذا تزوجت بإذن الله تعالى
ولكن لدى استفسار إن جاز لي
السؤال حيث هو استفسار يدور برأس الكثيرات ويخجلن من ذكره خوفا من اتهامهن بالجهل أو إنكار أمر الله ورسوله وهو ما هو فضل الزوج حتى يستحق كل هذا الحق علينا معشر النساء حتى إنه يفوق حق ؟.
الجواب
الحمد لله
عظم حق الزوج على زوجته أمر قررته الشريعة
كما في قوله سبحانه : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228
وقوله : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34
وقوله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه "
رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
ومعنى القتب : رحل صغير يوضع على البعير .
إلى غير ذلك من النصوص .
والحكمة بينها الله تعالى بقوله : ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) فهذا تفضيل قضاه الله عز وجل وحكم به ، لا يسأل سبحانه عما يفعل وهم يسألون
ثم لما يقوم به الرجل من الإنفاق على أهله والسعي في طلب رزقهم .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/363) : ( وقوله : " وللرجال عليهن درجة " أي في الفضيلة في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة
كما قال تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " ) . اهـ.
وقال أيضا (1/653) : ( يقول تعالى : "الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت
" بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "
رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه
وكذا منصب القضاء وغير ذلك ، "وبما أنفقوا من أموالهم" أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه
وله الفضل عليها والإفضال ، فناسب أن يكون قيما عليها ، كما قال الله تعالى : " وللرجال عليهن درجة" الآية ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "الرجال قوامون على النساء" يعني أمراء
عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله ) اهـ.
وقال البغوي في تفسيره (2/206) :
( بما فضل الله بعضهم على بعض ، يعني : الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية ، وقيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وقيل : بالجهاد
وقيل : بالعبادات من الجمعة والجماعة ، وقيل : هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد ، وقيل : بأن الطلاق بيده ، وقيل : بالميراث ، وقيل : بالدية ، وقيل : بالنبوة ).
وقال البيضاوي في تفسيره (2/184):
( " الرجال قوامون على النساء " يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية ، وعلل ذلك بأمرين، وهبي وكسبي فقال : "بما فضل الله بعضهم على بعض" بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير
ومزيد القوة في الأعمال والطاعات ، ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر ، والشهادة في مجامع القضايا ، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها
وزيادة السهم في الميراث وبأن الطلاق بيده . "وبما أنفقوا من أموالهم" في نكاحهن كالمهر والنفقة ) انتهى بتصرف يسير .
والحاصل أن الرجل أعطي القوامة لهذين السببين المذكورين في الآية ، وأحد السببين هبة من الله تعالى ، وهو تفضيل الله الرجال على النساء والآخر يناله الرجل بكسبه ، وهو إنفاقه المال على زوجته .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-09-30, 15:47
حديث : ( الويل لمن لا يراني يوم القيامة : من ذُكرت عنده فلم يصل عليّ ) لا أصل له .
السؤال:
تناقلت مواقع التواصل الحديث أدناه فما صحته ؟
قالت السيدة عائشة : " كنت في حجرتي أخيط ثوباً لي فانكفأ المصباح ، وأظلمت الحجرة ، وسقط المخيط أي الإبرة ، فبينما كنت في حيرتي أتحسس مخيطي إذ أطل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه من باب الحجرة
رفع الشملة وأطل بوجهه ، قالت : فوالله الذي لا إله إلا هو ، لقد أضاءت أرجاء الحجرة من نور وجهه ، حتى لقد التقطت المخيط من نور طلعته ، ثم التفتُ إليه فقلت : بأبي أنت يا رسول الله
ما أضوأ وجهك! ، فقال: ( يا عائشة الويل لمن لا يراني يوم القيامة ) ، قالت : ومن ذا الذي لا يراك يوم القيامة يا رسول الله ؟ ، قال: ( الويل لمن لا يراني يوم القيامة )
قالت : ومن ذا الذي لا يراك يوم القيامة يا رسول الله ؟ قال: ( من ذكرت عنده فلم يصل عليّ ) .
الجواب:
الحمد لله
لا نعرف أصلا لهذا الحديث بهذا التمام
وإنما رواه ابن عساكر في " تاريخه " (3/ 310)
من طريق مسعدة بن بكر الفرغاني أنبأنا محمد بن أحمد بن أبي عون أنبأنا عمار بن الحسن أنبأنا سلمة بن الفضل بن عبد الله عن محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن رومان وصالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت :
" استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسقطت مني الإبرة فطلبتها ، فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة من شعاع نور وجهه
فضحكت ، فقال : ( يا حميراء لم ضحكت ؟ ) ، قلت : كان كيت وكيت ، فنادى بأعلى صوته : ( يا عائشة الويل ثم الويل - ثلاثا - لمن حرم النظر إلى هذا الوجه ، ما من مؤمن ولا كافر إلا ويشتهي أن ينظر إلى وجهي ) .
وهذا حديث منكر باطل ، والمتهم به مسعدة بن بكر
قال الذهبي :
" مسعدة بن بكر الفرغانى ، عن محمد بن أحمد ابن أبي عون : بخبر كذب " .
انتهى من "ميزان الاعتدال" (4/ 98) ، يعني به هذا الحديث .
وقال الحافظ ابن حجر في " اللسان " (6/ 22) :
" وجدت له حديثا آخر : قال الدارقطني في غرائب مالك : حدثنا أبو سعيد مسعدة بن بكر بن يوسف الفرغاني قدم حاجا ، قال حدثنا الحسن بن سفيان ،
قال حدثنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما رفعه : ( مثل المنافق مثل الشاة العائرة ... ) الحديث ، قال الدارقطني : هذا باطل بهذا الإسناد " انتهى .
وقال الشيخ عثمان الخميس حفظه الله عن حديث الترجمة :
" لا يصح هذا الحديث "
والصحيح : ما رواه الترمذي (3546) وصححه
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( البَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي" .
وقد ورد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة ، تغني عن هذا الحديث الموضوع ، فانظر :
- " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" لإسماعيل الجهمي ، بتحقيق الألباني .
- " جلاء الأفهام " لابن قيم الجوزية .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-03, 01:18
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
تخريج حديث : (مَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ)
السؤال :
ما صحة الآتي : من قرأ سورة يس في رمضان كانت له كأجر قراءة المصحف كاملاً عشر مرات .
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث بذكر رمضان فيه : لا نعلم له أصلا .
أما بغير ذكر رمضان : فقد روي من طرق كلها ضعيفة ، وبعضها أشد ضعفا من بعض ، وإليك البيان :
1- رواه الترمذي (2887) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " (1035)
من طريق هَارُونَ أَبِي مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ القُرْآنِ يس ، وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ ) .
وقال الترمذي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَبِالبَصْرَةِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَهَارُونُ أَبُو مُحَمَّدٍ شَيْخٌ مَجْهُولٌ " انتهى .
وقال الألباني في "ضعيف الترمذي" : " موضوع " .
وقال الذهبي في ترجمة هارون هذا
: " أنا أتهمه بما رواه القضاعى في شهابه ... " ثم ساق له هذا الحديث .
"ميزان الاعتدال" (4/ 288) .
وقال أبو حاتم الرازي - كما في " العلل " لابنه (4/578) :
" مُقَاتِلٌ هَذَا هُوَ: مُقَاتِل بْنُ سُلَيمان ، رأيتُ هذا الحديثَ في أوَّلِ كتابٍ وضعَهُ مُقاتِلُ بْن سُلَيمان ، وهو حديثٌ باطلٌ لا أصلَ له " انتهى .
2- ورواه البيهقي في " الشعب " (2232) :
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ، أَخْبَرَنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ
عَنْ أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَثْعَمِيِّ ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ يس فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ ) .
وهذا معضل ، حسان بن عطية من أتباع التابعين .
وإسماعيل بن عياش مدلس وقد عنعنه ، وصفه بالتدليس : ابن معين وابن حبان ، كما في "طبقات المدلسين" (ص37) .
3- ورواه البيهقي أيضا (2238)
من طريق سُويد أبِي حَاتِمٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ: ( مَنْ قَرَأَ يس مَرَّةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ )
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ( مَنْ قَرَأَ يس مَرَّةً ، فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: حَدِّثْ أَنْتَ عَمَّا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ أَنَا بِمَا سَمِعْتُ " .
سويد واه ، ضعفه النسائي ، والساجي ، وابن عدي ، وغيرهم ، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات .
"تهذيب التهذيب" (4 /238)
وقال أبو حاتم - كما في " العلل " (4/ 631) : " هَذَا حديثٌ مُنكَرٌ " .
4- ورواه القضاعي في " مسند الشهاب " (1036) من طريق مَخْلَد بْن عَبْدِ الْوَاحِدِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مرفوعا بلفظ : (
إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَإِنَّ قَلْبَ الْقُرْآنِ يس ، وَمَنْ قَرَأَ يس وَهُوَ يُرِيدُ بِهَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ، وَأُعْطِي مِنَ الْأَجْرِ كَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ... ) الحديث .
ومخلد بن عبد الواحد واه ، قال ابن حبان : منكر الحديث جدا.
"ميزان الاعتدال" (4 /83) .
وقال الألباني في " الضعيفة " (5870) : موضوع .
5- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ - كما في " المطالب العالية " (15/ 136):
حدثنا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْه ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ الله عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: ( مَنْ قَرَأَ " يَس " يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تعالى غُفِرَ لَهُ ، وَمَنْ قَرَأَ " يَس " فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ... ) .
ويوسف بن عطية متروك ، تركه ابن معين والبخاري ، وقال ابن عدى : عامة أحاديثه غير محفوظة .
"ميزان الاعتدال" (4 /470) .
وشيخه هارون بن كثير هذا مجهول ، كما في " الميزان " (4/286) .
6- ورواه المستغفري في " فضائل القرآن " (865) من طريق إبراهيم بن سليمان الزيات ، حَدَّثَنا عبد الحكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل شيء قلبا
وإن قلب القرآن ( يس) فمن قرأها مرة واحدة كما أنزلت فكأنما قرأ القرآن عشر مرات ، وَمن قرأها عند الميت وهو ينزع كان أهون لنزعه) .
وعبد الحكم هذا ، هو القسملي ، قال البخاري: منكر الحديث ، وقال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ، وقال أبو حاتم : ضعيف .
"ميزان الاعتدال" (2 /536) .
7- ورواه أيضا (866) من طريق سوار بن مصعب ، عَن أبي إسحاق عن البراء مرفوعا بلفظ :
( إن لكل شيء قلبا ، وإن قلب القرآن يس ، من قرأها في ليلة أضعفت له على سائر القرآن عشرا ، وَمن قرأها في صدر النهار بين يدي حاجته قضيت له حاجته ) .
وسوار بن مصعب متروك ، تركه ابن معين ، والبخاري ، والنسائي ، وأبو داود ، وقال أبو عبد الله الحاكم : روى عن الأعمش وابن خالد المناكير وعن عطية الموضوعات ، وقال ابن عدى : عامة ما يرويه ليس بمحفوظ ، وهو ضعيف .
" لسان الميزان " (3 /128) .
وله عند " المستغفري " طرق أخرى أيضا ، سوى ما ذكرناه ، كلها واهية ، لا يعتمد على شيء منها .
وبالجملة :
فهذا حديث منكر لا يصح .
وللعلامة الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف - رحمه الله - جزء في جمع طرق هذا الحديث ، وبيان ضعفها : " حديث : قلب القرآن يس ، في الميزان " . فليراجع للفائدة .
وقد سئل ابن باز رحمه الله
عن هذا الحديث : ( من قرأ سورة يس كمن قرأ القرآن عشر مرات )
فأجاب :
" ليس له أصل ، ضعيف "
انتهى . من موقع الشيخ .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-03, 01:23
هل الذي يردد الأذان خلف المؤذن يكون له مثل أجره ، سواء بسواء ؟
السؤال:
سمعت أحد المشايخ يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المؤذن : ( وله أجر من صلى معه ) ، وأنه قال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام : إن المؤذنين يفضلوننا
فقال عليه الصلاة والسلام : ( قل كما يقولون ) ، فقال الشيخ : " فإذا رددت الأذان خلف مؤذن الحرم مثلا كان لك مثل أجر من صلى معه في الحرم " ؛ فهل استنباطه هذا صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى النسائي (646) من طريق قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ
وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ ) .
قال ابن الملقن في " البدر المنير " (3/ 385):
" إسناده جيد " ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
لكن الحديث أعلَّه ابن رجب بقوله : " وأبو إسحاق هذا ، قال أحمد : ما أظنه السبيعي . وذكر الترمذي في " العلل " أنه لا يعرف لقتادة سماعاً من أبي إسحاق الكوفي "
انتهى ، من " فتح الباري " - لابن رجب (5/ 226) .
وأعلّه - أيضا - من المعاصرين : الشيخ مُقِبل الوادعي ، رحمه الله في كتابه : " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " برقم (56) .
وقال محققو مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة : " حديث صحيح دون قوله : " وله مثل أجر من صلى معه "
انتهى من " حاشية المسند " (30/446) .
قال السندي رحمه الله :
" قَوْله : ( مَنْ صَلَّى مَعَهُ ) أَيْ : إِنْ كَانَ إِمَامًا ، أَوْ مَعَ إِمَامه إِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِإِمَامٍ آخَر، لِحُكْمِ الدَّلَالَة ، لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُخَصّ بِمَنْ حَضَرَ بِأَذَانِهِ
وَالْأَقْرَب الْعُمُوم ، َخْصِيصًا لِلْمُؤَذِّنِ بِهَذَا الْفَضْل ، وَفَضْل اللَّه أَوْسَع ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم "
انتهى من " حاشية السندي على سنن النسائي " (2/ 13) .
ثانيا :
روى أبو داود (524) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَجُلًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى الطبراني في " الكبير" (802) عن مُعَاوِيَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) .
قال المنذري رحمه الله :
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن الْحِجَازِيِّينَ ، لَكِن مَتنه حسن ، وشواهده كَثِيرَة "
انتهى من " الترغيب والترهيب " (1/ 115) .
وضعفه الألباني في " ضعيف الترغيب والترهيب " (168) .
وعلى فرض ثبوت هذا اللفظ ، والحديث الذي قبله : فليس معناه : أن له مثل أجره سواء بسواء ، ولكن : من حيث أصل الأجر ، فالمِثْلية لا تقتضي المساواة من كل وجه .
قال المناوي رحمه الله :
" (فله مثل أجره) أي فله أجر كما للمؤذن أجر ، ولا يلزم منه تساويهما في الكم والكيف "
انتهى من " فيض القدير " (6/ 155) .
وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ ) رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْله : ( مِثْل صِيَام الدَّهْر ) : يَقْتَضِي أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِي مِنْ كُلّ جِهَة لِأَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا : أَصْلُ التَّضْعِيفِ ، دُونَ التَّضْعِيفِ الْحَاصِلِ مِنْ الْفِعْل , وَلَكِنْ يَصْدُقُ عَلَى فَاعِل ذَلِكَ أَنَّهُ صَامَ الدَّهْر مَجَازًا "
انتهى من " فتح الباري " (4/ 220) .
وروى الترمذي (2325) وصححه ، عن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ
عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ... ) الحديث
.
قال ابن القيم رحمه الله في " عدة الصابرين " (ص 255)
: " قوله (وأجرهما سواء) فإن كلا منهما نوى خيرا وعمل ما يقدر عليه ، فالغنى نواه ونفذه بعلمه ، والفقير العالم نواه ونفذه بلسانه
فاستويا في الأجر من هذه الجهة ، ولا يلزم من استوائهما في أصل الأجر، استواؤهما في كيفيته وتفاصيله ، فإن الأجر على العمل والنية
له مزية على الأجر على مجرد النية التي قارنها القول ، ومن نوى الحج ولم يكن له مال يحج به ، وإن أثيب على ذلك ؛ فإن ثواب من باشر أعمال الحج مع النيه : له مزية عليه " انتهى .
وعلى ذلك : فلا يقال : " من ردد الأذان خلف مؤذن الحرم كان له مثل أجر من صلى معه في الحرم " ، وإنما له مثل أجر المؤذن من حيث أصل الأجر ، لا من حيث تضعيفه .
وهذا التخريج على فرض ثبوت الحديث ، وإلا فقد سبق الكلام في كلا اللفظين .
راجع للفائدة إجابة السؤال القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-03, 01:26
إجابة المؤذن أفضل من قراءة القرآن
السؤال:
إذا أذن المؤذن وأنا أقرأ القران في المسجد هل أكمل في القراءة ، وبعد الأذان أردد من بداية الأذان كأني أردد مع المؤذن أم أردد مع المؤذن ؟
الجواب :
الحمد لله
إذا كان الإنسان يقرأ القرآن ، فأذن المؤذن ، فالأفضل في حقه أن يترك القراءة ، ويشتغل بمتابعة المؤذن
وذلك امتثالاً لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : ( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ) روى مسلم (384) ، ولأن الأذان يفوت وقته .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته وهذا متفق عليه عند أصحابنا "
انتهى . من "التبيان في آداب حملة القرآن" (126) .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
إذا أذن المؤذن والإنسان يقرأ القرآن ، فهل الأفضل له أن يرجع معه فيقول مثل ما يقول ، أم إن اشتغاله بالقرآن يعتبر أفضل باعتبار تقديم الفاضل على المفضول ؟
فأجاب : " السنة إذا كان يقرأ وسمع الأذان : أن يجيب المؤذن ؛ امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه
بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) رواه مسلم في صحيحه
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
وفي الصحيحين ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ) ، وفي صحيح البخاري
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا
الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ) ، زاد البيهقي بإسناد حسن : ( إنك لا تخلف الميعاد ) ، ولأن إجابة المؤذن سنة تفوت إذا استمر في القراءة ، والقراءة لا تفوت ، وقتها واسع ، وفق الله الجميع "
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (10/ 358) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل ، مثاله : قراءة القرآن من أفضل الذكر ، والقرآن أفضل الذكر ، فلو كان رجل يقرأ وسمع المؤذن يؤذن
فهل الأفضل أن يستمر في قراءته أو أن يجيب المؤذن ؟ هنا نقول : إن الأفضل أن يجيب المؤذن ، وإن كان القرآن أفضل من الذكر
لكن الذكر في مكانه أفضل من قراءة القرآن ؛ لأن قراءة القرآن غير مقيدة بوقت متى شئت فاقرأ ، لكن إجابة المؤذن مربوطة بسماع المؤذن "
انتهى من "لقاءات الباب المفتوح".
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-10-03, 01:34
حديث ( ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة ) حديث ضعيف لا يثبت .
السؤال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة )
1- هل هذا الحديث صحيح ؟
2- إن صح هذا الحديث ، كيف نعمل به ومن شروط التوبة الندم وعدم العودة وهنالك أيضا من أهل العلم من يعتبر "الإصرار على المعصية" من الكبائر ؟
3- إذا صح هذا الحديث أيضا، قد يعتبره البعض من صميم عقيدة بعض الفِرق وأنه "لا يضر مع الإيمان معصية . فأرجو التوضيح كي لا تختلط علينا الأمور.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث رواه أبو داود (1514) ، والترمذي (3559) عن مولى لأبي بكر الصديق عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة ) .
وهذا إسناد ضعيف ، لجهالة مولى أبي بكر رضي الله عنه .
وقال الترمذي عقبه : " ليس إسناده بالقوي " .
وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود " (2/96) .
ورواه الطبراني في " الدعاء" (1797)
من طريق أبي شَيْبَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعا به .
وأبو شيبة : هو إبراهيم بن عثمان الكوفي ؛ متروك الحديث
انظر : "التهذيب" (1/126) .
وانظر : " السلسلة الضعيفة " للشيخ الألباني رحمه الله (4474) .
وروى القضاعي في "مسند الشهاب" (853) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ) .
وإسناده ضعيف ، وذكره الألباني في "الضعيفة" (4810) وقال : " منكر " .
فهذا الحديث ضعيف لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا :
على فرض صحته : فهو محمول على استغفار التائبين الذين يذنبون فيتوبون إلى الله توبة صادقة ، ثم تغلبهم أنفسهم فيذنبون فيستغفرون ويتوبون توبة صادقة .
فهؤلاء ليسوا من المصرين ، وإن عادوا إلى فعل الذنب ، إذا كانوا صادقين في توبتهم ، والمقصود حث المذنبين على التوبة وترغيبهم في الرجوع إلى الله وعدم إقناطهم ، لا حضهم على الذنب والاستمرار فيه .
هناك فرق كبير بين "الإصرار" على الذنب ، والعودة إلى ذلك الذنب ، بعد التوبة أو الاستغفار . فقد جعل الله تعالى حال المستغفرين ، مقابلة لحال المصرين :
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/ 135 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قَوْلُهُ ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أَيْ : تَابُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ عَنْ قَرِيبٍ ، وَلَمْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَيُصِرُّوا عَلَيْهَا غَيْرَ مُقْلِعِينَ عَنْهَا، وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُمُ الذَّنْبُ : تَابُوا عَنْهُ "
انتهى من " تفسير ابن كثير" (2/ 109) .
روى البخاري (7507) ، ومسلم (2758) عن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا - وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا - فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ - وَرُبَّمَا قَالَ : أَصَبْتُ - فَاغْفِرْ لِي
فَقَالَ رَبُّهُ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ - أَوْ أَصَبْتُ – آخَرَ ، فَاغْفِرْهُ ؟ فَقَالَ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ؟
غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ - أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ – آخَرَ ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ) .
وفي لفظ لمسلم : ( اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ )
.
قال النووي رحمه الله :
" لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَتَابَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَتْ ذُنُوبُهُ ، وَلَوْ تَابَ عَنِ الْجَمِيعِ تَوْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ جَمِيعِهَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ .
وقوله : (اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) مَعْنَاهُ : مَا دُمْتَ تُذْنِبُ ثُمَّ تَتُوبُ ؛ غَفَرْتُ لَكَ انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم : يَدُلّ هَذَا الْحَدِيث عَلَى عَظِيم فَائِدَة الِاسْتِغْفَار ، وَعَلَى عَظِيم فَضْل اللَّه وَسَعَة رَحْمَته وَحِلْمه وَكَرَمِهِ ، لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِغْفَار هُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الْقَلْب ، مُقَارِنًا لِلِّسَانِ
لِيَنْحَلّ بِهِ عَقْد الْإِصْرَار ، وَيَحْصُل مَعَهُ النَّدَم ، فَهُوَ تَرْجَمَة لِلتَّوْبَةِ ... " انتهى .
وروى الإمام أحمد في "الزهد" (ص 227) عن سَعِيد الْجُرَيْرِيّ قَالَ: " قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ ، الرَّجُلُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ، ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ، ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ، ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ ، حَتَّى مَتَى؟
قَالَ: " مَا أَعْلَمُ هَذَا إِلَّا مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ " .
وفي رواية : " قيل للحسن : ألا يستحيي أحدُنا من ربه يستغفِرُ من ذنوبه ، ثم يعود، ثم يستغفر، ثم يعود، فقال: " ودَّ الشيطانُ لو ظَفِرَ منكم بهذه ، فلا تملُّوا من الاستغفار"
انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/ 485) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ قَوْلِهِ
: ( مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةَ سَبْعِينَ مَرَّةً) : هَلْ الْمُرَادُ ذِكْرُ الِاسْتِغْفَارِ بِاللَّفْظِ ؟ أَوْ أَنَّهُ إذَا اسْتَغْفَرَ يَنْوِي بِالْقَلْبِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى الذَّنْبِ ؟ وَهَلْ إذَا تَابَ مِنْ الذَّنْبِ وَعَزَمَ بِالْقَلْبِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ وَأَقَامَ مُدَّةً ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ
أَفَيَكُونُ ذَلِكَ الذَّنْبُ الْقَدِيمُ يُضَافُ إلَى الثَّانِي؟ أَوْ يَكُونُ مَغْفُورًا بِالتَّوْبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ؟
فَأَجَابَ:
" الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ الْمُرَادُ : الِاسْتِغْفَارُ بِالْقَلْبِ مَعَ اللِّسَانِ ؛ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ؛ كَمَا قيل : ( لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ ) ؛ فَإِذَا أَصَرَّ عَلَى الصَّغِيرَةِ :
صَارَتْ كَبِيرَةً ، وَإِذَا تَابَ مِنْهَا : غُفِرَتْ . قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) الْآيَةَ " .
انتهى بتصرف يسير من " مجموع الفتاوى " (11/699) .
ثالثا :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" نص العلماء على أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة , لما في ذلك من الدلالة على أن صاحبها لم يقم في قلبه من تعظيم الله ما يوجب انكفافه عنها "
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (15/ 138) .
فهذا في حق المصر الذي يضمر المعاودة ، ولم يندم على ذنبه ، ولم يستغفر منه ؛ أما التائب المستغفر ، الذي يحب التوبة ويسعى إليها جهده
ويكره الذنب ولكن ربما غلبته نفسه : فليس من المصرين ، والفرق بينهما واضح بأدنى تأمل.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" :
" الإِصْرَارُ لُغَةً : مُدَاوَمَةُ الشَّيْءِ وَمُلازَمَتُهُ وَالثُّبُوتُ عَلَيْهِ .
وَاصْطِلاحًا : الإِصْرَارُ : هُوَ الْعَزْمُ بِالْقَلْبِ عَلَى الأَمْرِ وَعَلَى تَرْكِ الإِقْلاعِ عَنْهُ . وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الإِصْرَارُ فِي الشَّرِّ وَالإِثْمِ وَالذُّنُوبِ ... " .
" مُبْطِلاتُ الإِصْرَارِ :
أ - يَبْطُلُ الإِصْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ ، حَيْثُ لا إِصْرَارَ مَعَ التَّوْبَةِ ، لِمَا رُوِيَ : " مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً " .
وَلِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ : " لا كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ ، وَلا صَغِيرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ " .
ب - يَبْطُلُ الإِصْرَارُ بِتَرْكِ الْمُصَرِّ عَلَيْهِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِهِ " .
انتهى، من "الموسوعة الفقيهة" (5/54-55) .
رابعا :
القول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب هو قول ينسب إلى غلاة المرجئة ، وليس قول كل طوائفهم ، بل لا يعلم له قائل معين ، ممن ينتسب إلى العلم والدين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَضُرُّهُ تَرْكُ الْعَمَلِ فَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ ؛ وَبَعْضُ النَّاسِ يُحْكَى هَذَا عَنْهُمْ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ فَرَائِضَ وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَلَا يَضُرُّهُمْ تَرْكُهَا وَهَذَا قَدْ يَكُونُ قَوْلَ الْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ:
لَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَحَدٌ لَكِنْ مَا عَلِمْت مُعَيَّنًا أَحْكِي عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ وَإِنَّمَا النَّاسُ يَحْكُونَهُ فِي الْكُتُبِ
وَلَا يُعَيِّنُونَ قَائِلَهُ وَقَدْ يَكُونُ قَوْلُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُسَّاقِ وَالْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ أَوْ مَعَ التَّوْحِيدِ وَبَعْضُ كَلَامِ الرَّادِّينَ عَلَى الْمُرْجِئَةِ وَصَفَهُمْ بِهَذَا "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/181) .
وليس لهذه المقالة الباطلة علاقة بما قدمنا تقريره ، أيا كان قائلها
كما يظهر بأدنى نظر؛ فإن القول السابق : ما أصر ، إنما هو في حق من قام بعبودية الاستغفار ، فحلت عنه عقدة الإصرار ، ورفعته عن مقام المصرين ، إلى مدح المستغفرين التائبين .
ثم إن ذلك لم يتعرض لمقامه ، وهل يستضر بذلك الذنب ، أو يبقى عليه شيء منه ، ولم ينسب ذلك أيضا إلى كل من انتسب إلى الإيمان
ولو بالقول دون العمل ، إنما هو في حال قوم عملوا عملا من أعظم أعمال الطاعات ، وهو التوبة والاستغفار.
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-03, 01:39
خبر مكذوب في حادثة الإسراء والمعراج .
السؤال:
هل يوجد أي دليل صحيح من القرآن والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد من معراجه وجد ملاءة سريره مازالت دافئة ، وأن إناء من الماء قد قلبه بعد أن رحل مازال يقطر ماءً على الأرض
وأن طرف سلسلة الباب كانت تتذبذب كما كان لحين غادر حجرته قبل الرحلة ؟
الجواب :
الحمد لله
لا نعرف لهذا الذي ذُكر في السؤال أصلا : من كون النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من معراجه وجد ملاءة السرير دافئة ، ووجد الإناء الذي قلبه قبل معراجه لا يزال يقطر ماء
ووجد سلسلة الباب لا تزال تتذبذب ، ومثل هذا الكلام لا تجوز حكايته لما فيه من التكلف السمج الظاهر .
ولا نعرف أحدا ذكر أنه كان لسرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاءة ، وإطلاق اسم الملاءة على فَرش السرير إطلاق محدث ، والملاءة في لغة العرب هي الملحفة أو الإزار .
انظر : "لسان العرب" (1/160) ، و"النهاية" (4/352).
قال الشيخ الشقيري ، رحمه الله :
" وَمَسْأَلَة ذَهَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجوعه لَيْلَة الْإِسْرَاء وَلم يبرد فرَاشه ، لم تثبت ، بل هِيَ أكذوبة من أكاذيب النَّاس "
انتهى من "السنن والمبتدعات" (143) .
كما لا يعرف أنه كان لباب بيت النبي صلى الله عليه وسلم سلسلة يغلق بها ، وقد كانت عامة البيوت أول الأمر لا أبواب لها ، قال عبد الرحمن بن زيد في قوله تعالى : ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ) ..
. إلى قوله : ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) قال : إنما كان هذا في الأوّل ، لم يكن لهم أبواب ، وكانت الستور مرخاة " .
انتهى من " تفسير الطبري" (19/ 221).
ومما يدل على بطلان هذا الكلام أيضا ما رواه البخاري (3342) ، ومسلم (163)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ ، يُحَدِّثُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ
ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ... ) فذكر الحديث .
فهذا يدل على أنه عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء مباشرة ، عن طريق فرجة في السقف لا عن طريق الباب .
وراجع للفائدة إجابة السؤال القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-03, 01:47
الرد على من زعم أن الإسراء والمعراج خرافة
السؤال:
لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج ، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف : إن حادثة المعراج هي محض خرافات
ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها : ( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93؛
فقال إن القرآن ينفي إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء ، وقال : إن ذلك يخالف القران بنص الآية ، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )الإسراء/60.
وفي النهاية أقول لفضيلتكم : إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة ، ولكني مؤمن بأنها معجزة ؛ أرجو الإجابة والتوضيح ، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر ، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم
علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان . أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة
وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .
وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد
وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف
حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .
وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج ، فمنهم من قال : إنه كان مناما ، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة ؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها .
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة :
" والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى
ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى .
وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله :
" اختلف الناس في الإسراء :
فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده
وبينهما فرق عظيم ، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة
فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة ، وروحه لم تصعد ولم تذهب ؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال ، فما أرادا أن الإسراء كان مناما ، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها
ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .
وقيل : كان الإسراء مرتين : مرة يقظة ، ومرة مناما ...
وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين : مرة قبل الوحي ومرة بعده ، ومنهم من قال : بل ثلاث مرات : مرة قبل الوحي ومرتين بعده ؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق
وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة ، وقيل بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر ...
وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام
فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقه باب المسجد ، وقد قيل : إنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، ولا يصح عنه ذلك ألبتة .
ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما ، فرأى هناك آدم أبا البشر ، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثانية..."
إلى أن قال رحمه الله :
" ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) الإسراء /1 ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح
كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا
ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر "
انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245).
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33)
: " ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً
ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة
لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/
1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه
ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60،
قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ]
وقال تعالى :
( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .
وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .
وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067) :
" ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس
شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى
لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد
لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟
قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى .
وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) : " وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة
وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس ، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة
وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء ، وصهيب الرومي وأم هانىء ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين
منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة ، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون
وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون "
انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36).
ثانيا :
لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال ، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار ، فأوهم أن الجواب القرآني : (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب
وهو الرقي في السماء ، وأن هذا يدل على عدم إمكانه . والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار
وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً *
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً *
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93
فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .
فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض ، والأنهار ، ويسقط السماء ، ويأتي بالله ! وبالملائكة ! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر ! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره
وهو موافق لقوله تعالى : ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المدثر /52 . لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر ، ولا هو في إمكانهم ، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب
لا على آحاد كل منها ، وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة ، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره ،
فكيف بتفجير نبع من الأرض ، ولا استحالة ـ أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل .. ، على نحو ما طلبوا ، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة
إنما هي من باب المبالغة في العناد ، والتعنت مع الرسول ، من أجل التمادي في طغيانهم .
قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله :
" ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [ المبالغة في الخصومة ] وعناد ، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة ( سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب .
. ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا ، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة ، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها " .
انتهى ."التحرير والتنوير" ( 15/210-211) .
ثالثا :
احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك ، أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي
ما يحصنك ضد شبهات المشككين ، ففر من هؤلاء ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم ، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين .
نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 17:16
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
الكلام على حديث : ( ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) سندا ومتنا .
السؤال :
ما قول العلماء في الحديث القدسي التالي : ( عجب ربُّنا مِنْ قُنوط عباده وقرب غِيَرِهِ , ينظُر إليكم أزلين قنطين ، فيظل يضحك ، يعلمُ أنَّ فرجكم قريب ) . رواه أحمد ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى ابن ماجة (181) ، وأحمد (16187) ، والطبراني في "الكبير" (469) عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ
وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ، قَالَ: (نَعَمْ) ، قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا " .
وهذا إسناد ضعيف ، وكيع بن حدس - ويقال ابن عدس - مجهول
قال الذهبي في "الميزان" (4/ 335):
" لا يعرف ، تفرد عنه يعلى بن عطاء " .
ورواه ابن خزيمة في "التوحيد" (2/ 462) ، والحاكم (8683) ، وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (16206) من طريق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ السَّمَعِيُّ
عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث طويل ، وفيه : ( ضَنَّ رَبُّكَ بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ )
وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقُلْتُ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ، قَالَ: (عَلِمَ الْمَنِيَّةَ، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَهُ ، وَعَلِمَ يَوْمَ الْغَيْثِ ، يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ مُشْفِقِينَ
فَيَظَلُّ يَضْحَكُ ، قَدْ عَلِمَ أَنَّ غَوْثَكُمْ قَرِيبٌ ) قَالَ لَقِيطٌ : فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ " .
وهذا إسناد ضعيف ، عبد الرحمن بن عياش ودلهم بن الأسود وأبوه مجهولون لا يعرفون .
قال الشيخ الألباني رحمه الله ، متعقبا على الهيثمي في توثيق رجاله :
" .. فإن عبد الرحمن السمعي ودلهم بن الأسود وأبيه ثلاثتهم لا يعرفون إلا بهذا الإسناد ، وقد صرح الذهبي في " الميزان " في ترجمة دلهم بأنه لا يعرف ، وأشار فيه إلى أن الآخرين كذلك " .
انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 735)
وينظر : "مجمع الزوائد" (10/ 340) .
وقال محققو المسند :
" إسناده ضعيف ، مسلسل بالمجاهيل ، عبد الرحمن بن عياش ، ودلهم بن الأسو د، وأبوه الأسود بن عبد الله بن حاجب : مجهولون " .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَلْفَاظُهُ فِي بَعْضِهَا نَكَارَةٌ " .
انتهى من "البداية والنهاية" (7/ 339) .
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" (4892) عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَضْحَكُ مِنْكُمْ أَزِلِينَ بقُرْبِ الْغَيْثِ مِنْكُمْ )
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَ إِنَّ رَبَّنَا لَيَضْحَكُ ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: فَوَاللَّهِ , لَا عَدِمْنَا الْخَيْرَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ " .
وهذا إسناد رجاله ثقات ، إلا أنه معضل ، فإسماعيل بن أمية من أتباع التابعين .
ورواه ابن خزيمة في "التوحيد" (2/ 574) من طريق سَلْم بْن سَالِمٍ الْبَلْخِيّ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَضْحَكُ مِنْ إِيَاسَةِ الْعِبَادِ وَقُنُوطِهِمْ ، وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
أَوَ يَضْحَكُ رَبُّنَا؟ قَالَ: (أَيْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَيَضْحَكُ) ، قَالَ: فَقُلْتُ إِذًا لَا يَعْدِمُنَا مِنْهُ خَيْرًا إِذَا ضَحِكَ " .
وهذا إسناد واه ، خارجة بن مصعب متروك ، تركه أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، وابن سعد ، وغيرهم
انظر "التهذيب" (3/ 77) .
وسلم ين سالم ضعيف ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وأبو زرعة ، والنسائي .
انظر "الميزان" (2/185) .
وقد ذهب إلى تقوية الحديث : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فحَسَّنه في " مجموع الفتاوى " (3/ 139) ، وحسنه – أيضا – بطرقه : الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (2810)
وانتصر لذلك ابن القيم بقوة
قال رحمه الله :
" هَذَا حَدِيثٌ كَبِيرٌ جَلِيلٌ ، تُنَادِي جَلَالَتُهُ وَفَخَامَتُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ ، لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني
وَرَوَاهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُتُبِهِمْ ، وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ ، وَقَابَلُوهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ ، وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ ، وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ .
وَقَالَ ابن منده : رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعِرَاقِ بِمَجْمَعِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ :
جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ، وأبو حاتم ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُتَكَلَّمْ فِي إِسْنَادِهِ
بَلْ رَوَوْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَلَا يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا جَاحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ " .
انتهى من "زاد المعاد" (3/ 591) .
ثانيا :
قوله (أزلين) الْأَزْلُ - بِسُكُونِ الزَّايِ - الشِّدَّةُ . وَالْأَزِلُ عَلَى وَزْنِ كَتِفٍ هُوَ الَّذِي قَدْ أَصَابَهُ الْأَزْلُ ، وَاشْتَدَّ بِهِ حَتَّى كَادَ يَقْنَطُ .
"
زاد المعاد" (3/ 593)
.
وقوله : ( وقرب غِيَره ) أي قرب تغييره الحال .
وقال ابن منظور رحمه الله :
" الأَزْلُ: الضَّيِّقُ وَالشِّدَّةُ ، والأَزْلُ: الْحَبْسُ. وأَزَلَه يَأْزِلُه أَزْلًا: حَبَسَهُ ، والأَزْلُ: شِدَّةُ الزَّمَانِ ، يُقَالُ: هُمْ فِي أَزْلٍ مِنَ الْعَيْشِ ، وأَزْلٍ مِنَ السَّنَة ، وآزَلَتِ السَّنَةُ: اشْتَدَّتْ .. وأَصبح الْقَوْمُ آزِلِينَ ، أَي فِي شِدَّةٍ "
انتهى من " لسان العرب " (11/13) .
قال ابن رجب رحمه الله :
" وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ عِنْدَ احْتِبَاسِ الْقَطْرِ عَنْهُمْ وَقُنُوطِهِمْ وَيَأْسِهِمْ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقَدِ اقْتَرَبَ وَقْتُ فَرَجِهِ وَرَحْمَتِهِ لِعِبَادِهِ ، بِإِنْزَالِ الْغَيْثِ عَلَيْهِمْ
وَتَغْيِيرِهِ لِحَالِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، وَقَالَ تَعَالَى: { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ - وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم: 48 - 49] .." .
انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/491) .
وقال السندي رحمه الله :
" الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَضْحَكُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مَأْيُوسًا مِنَ الْخَيْرِ بِأَدْنَى شَرٍّ وَقَعَ عَلَيْهِ ، مَعَ قُرْبِ تَغْيِيرِهِ تَعَالَى الْحَالَ مِنْ شَرٍّ إِلَى خَيْرٍ وَمِنْ مَرَضٍ إِلَى عَافِيَةٍ وَمِنْ بَلَاءٍ وَمِحْنَةٍ إِلَى سُرُورٍ وَفَرْحَةٍ " .
انتهى من "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 78) .
ثالثا :
في الحديث إثبات صفة الضحك لله تعالى ، وكذا صفة العجب ، وهما صفتان ثابتتان لله تعالى على الوجه الذي يليق بذاته وجلاله .
قال الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيثُ يُثْبِتُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صِفَةَ العَجَب ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ شابٍّ لَيْسَ لَهُ صَبْوَةٌ ) ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} ؛ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى أنَّها ضميرٌ للرَّبِّ جَلَّ شَأْنُهُ .
وَلَيْسَ عَجَبُهُ سُبْحَانَهُ نَاشِئًا عَنْ خَفَاءٍ فِي الْأَسْبَابِ ، أَوْ جَهْلٍ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ ؛ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي عَجَبِ الْمَخْلُوقِينَ ؛ بَلْ هُوَ مَعْنًى يَحْدُثُ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مُقْتَضَى مَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ
وَعِنْدَ وُجُودِ مُقْتَضِيهِ ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُ.
وَهَذَا العَجَب الَّذِي وَصَفَ بِهِ الرسولُ ربَّه هُنَّا مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ ، وَهُوَ مِنْ كَمَالِهِ تَعَالَى ، فَإِذَا تأخَّر الْغَيْثُ عَنِ الْعِبَادِ مَعَ فَقْرِهِمْ وشدَّة حَاجَتِهِمْ
وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الْيَأْسُ وَالْقُنُوطُ ، وَصَارَ نَظَرُهُمْ قَاصِرًا عَلَى الْأَسْبَابِ الظاهرة ، وحسبوا أن لا يَكُونَ وَرَاءَهَا فرجٌ مِنَ الْقَرِيبِ الْمُجِيبِ ؛ فَيَعْجَبُ اللَّهُ مِنْهُمْ.
وَهَذَا محلٌّ عجيبٌ حَقًّا؛ إِذْ كَيْفَ يَقْنَطُونَ وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ ، وَالْأَسْبَابُ لِحُصُولِهَا قَدْ توفَّرت ؟! فَإِنَّ حَاجَةَ الْعِبَادِ وَضَرُورَتَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ رَحْمَتِهِ
وَكَذَا الدُّعَاءُ بِحُصُولِ الْغَيْثِ وَالرَّجَاءِ فِي اللَّهِ مِنْ أَسْبَابِهَا ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ الْيُسْرَ مَعَ الْعُسْرِ، وَأَنَّ الشِّدَّةَ لَا تَدُومُ
فَإِذَا انضمَّ إِلَى ذَلِكَ قُوَّةُ الْتِجَاءٍ وَطَمَعٍ فِي فَضْلِ اللَّهِ ، وَتَضَرُّعٌ إِلَيْهِ ودعاء ؛ فتح اللهم عَلَيْهِمْ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى الْبَالِ .."
.
انتهى من " شرح العقيدة الواسطية " (169-171).
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 17:21
هل ثبت في السنة أن الدعاء للوالدين يجلب الرزق ؟
السؤال:
رأيت رسائل كثيرة تتناقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الدعاء للوالدين يجلب الرزق فهل هو صحيح ، وأريد فتواكم عن هذا الحديث فلقد نشرته خطأ قبل أن أعلم وأتأكد فماذا علي أن أفعل ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا نعلم حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الدعاء للوالدين يجلب الرزق ، فنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم - حيث لم يُعرف له أصل - والتراسل به وتناقله لا يجوز .
وعلى الأخ السائل - حيث نشر هذا الحديث من قبل وقد تبين أنه لا أصل له - عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه من عجلته في الكلام بما لا علم له به
وأن يجتهد في إخبار من يغلب على ظنه أنه أرسل إليه بهذا الحديث ، بأنه حديث لا يعرف له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والذي وقفنا عليه في هذا المعنى ، أو قريب منه : ما رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/86) من طريق أَحْمَد بْن خَالِدٍ الشَّيْبَانِيّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرِّيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ النَوْفَلِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا تَرَكَ الْعَبْدُ الدُّعَاءَ لِلْوَالِدَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ عَلَى الْوَلد الرِّزْقُ فِي الدُّنْيَا ) .
قال ابن الجوزي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالْمُتَّهَم بِهِ الجويباري ، وَهُوَ أَحْمَد بْن خَالِد ، نسبوه إِلَى جده لأنه أَحْمد بن عبد الله بْن خَالِد ، وَإِنَّمَا قصدُوا التَّدْلِيس ، وَهُوَ محرم " انتهى .
والجويباري وضاع مشهور ، قال الذهبي : " الجويباري ممن يضرب المثل بكذبه "
انتهى من " ميزان الاعتدال " (1/107) .
ثانيا :
بر الوالدين من أسباب الرزق ؛ لأن من أسباب بسط الرزق وسعته ، صلة الرحم ، وبر الوالدين أعلاها .
قال بدر الدين العيني رحمه الله : " بر الْوَالِدين من أعظم صلَة الرَّحِم "
انتهى من " عمدة القاري " (22/92) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" من أسباب الرزق : صلة الرحم ؛ من بر الوالدين ، وصلة القرابات ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره : فليصل رحمه) متفق عليه "
انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (2/97) .
والدعاء للوالدين هو من برهما ، وحسن صحبتهما ، وخاصة بعد وفاتهما .
فيرجى أن يكون دعاء المرء لوالديه من أسباب زيادة الرزق ، والبركة فيه ، بهذا الاعتبار ، لا ؛ لأنه قد ورد فيه دليل بخصوصه .
وينظر للفائدة إلى جواب السؤال القادم لمعرفة الأسباب الشرعية لزيادة للرزق .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 17:25
هل هناك صلاة مخصوصة لزيادة الرزق ؟
السؤال:
تصلي ركعتين تقرأ في كل ركعة الحمد مرة واحدة ، والتوحيد مرة واحدة ، وتطيل الركوع والسجود ، وبعد الانتهاء من الصلاة تقول : يا ماجد يا واحد يا كريم
أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة صلى الله عليه وآله ، يا محمد يا رسول الله ، إني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ورب كل شيء وأسألك اللهم أن تصلي على محمد وأهل بيته وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك
وفتحا يسيرا ورزقا واسعا ألم به شعثي وأقضي به ديني وأستعين به على عيالي ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا يعرف في السنة الصحيحة صلاة مخصوصة لطلب الزيادة في الرزق ، فهذه الصلاة الموصوفة في السؤال بدعائها صلاة مبتدعة ، وهو من التشريع في الدين بما لم يأذن به الله ، ومن البدع المحدثة المنهي عنها .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها " انتهى
من "تفسير ابن كثير" (7 / 278-279) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة ، والأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع شيء منها إلا بدليل ، وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) متفق عليه ، والعبادات التي تمارس الآن ولا دليل عليها كثيرة جدا ... "
انتهى من "كتاب التوحيد" (ص 160) .
ثانيا :
قول الداعي في دعائه بعد هذه الصلاة المبتدعة " أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة صلى الله عليه وآله يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله .. " قول لا يجوز ، وهو من التوسل البدعي الممنوع .
ومن دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضر أو جلب نفع فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة ، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى .
ثالثا :
هناك من الأسباب المشروعة لزيادة الرزق ما يحسن أن نشير إليه وننبه عليه ؛ أخذا بالأسباب الشرعية ، وحذرا من الابتداع في الدين ، فمن ذلك :
• الاستغفار ؛ قال تعالى: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) نوح/10- 12
• ومنها : صلة الرحم ؛ لما روى البخاري (2067) ومسلم (2557) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) .
قال النووي رحمه الله :
" ( بَسْط الرِّزْق ) تَوْسِيعه وَكَثْرَته , وَقِيلَ : الْبَرَكَة فِيهِ " انتهى .
• ومنها : كثرة الصدقة ؛ فقد قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سبأ/ 39 .
وروى مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ) .
قال النووي رحمه الله :
" ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَك فِيهِ , وَيَدْفَع عَنْهُ الْمَضَرَّات , فَيَنْجَبِر نَقْص الصُّورَة بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّة , وَهَذَا مُدْرَك بِالْحِسِّ وَالْعَادَة
. وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَته كَانَ فِي الثَّوَاب الْمُرَتَّب عَلَيْهِ جَبْر لِنَقْصِهِ , وَزِيَادَة إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة " انتهى .
• ومنها : تقوى الله عز وجل ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2، 3 .
• ومنها : الإكثارُ من الحجِ والعمرة والمتابعةُ بينهما
لما روى الترمذي (810) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) وصححه الألباني .
• ومنها الدعاء ؛ لما روى ابن ماجة (925) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا ) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 17:29
حديث : ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَضَى خَلْقَهُ اسْتَلْقَى فَوَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ) حديث منكر .
السؤال :
ما صحة الحديث التالي : عن عبيد بن حنين قال : " بينما أنا جالس في المسجد إذ جاءني قتادة بن النعمان ، فقال : انطلق بنا يا ابن جبير إلى أبي سعيد
فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد فوجدناه مستلقياً رافعاً رجله اليمنى على اليسرى ، فسلمنا عليه وجلسنا ، فرفع قتادة يده إلى رجل إلى أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة ، فقال أبو سعيد : سبحان الله يا أخي
أوجعتني قال : ذاك أردت ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ الله لما قضى خلقه استلقى ، ثم رفع إحدى رجليه على الأخرى ) ، ثم قال : ( لا ينبغي لأحد من خلقي أنْ يفعل هذا) " ؟
وهل صح عن الخلال ، والقاضي أبي يعلى ، وابن القيم أنهم أجازوا أن يقول الرجل : إنّ الله رفع إحدى رجليه على الأخرى ؟
هل يجوز قول ذلك عن الله عز وجل ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث رواه الطبراني في " الكبير" (18) ، وابن أبي عاصم في " السنة" (568) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (761) من طريق مُحَمَّد بْن فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حنَيْنٍ ، قَالَ : " بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذْ جَاءَنِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، فَقَالَ لِي : انْطَلَقْ بِنَا يَا ابْنَ حنَيْنٍ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، فَإِنِّي قَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَدِ اشْتَكَى
فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ فَوَجَدْنَاهُ مُسْتَلْقِيًا رَافِعًا رِجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ، فَسَلَّمْنَا وَجَلَسْنَا، فَرَفَعَ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ يَدَهُ إِلَى رِجْلِ أَبِي سَعِيدٍ فَقَرَصَهَا قَرْصَةً شَدِيدَةً ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سُبْحَانَ اللهِ يَا ابْنَ آدَمَ لَقَدْ أَوْجَعَنِي
فَقَالَ لَهُ : ذَلِكَ أَرَدْتُ ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَضَى خَلْقَهُ اسْتَلْقَى فَوَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي أَنْ يَفْعَلَ هَذَا ) .
وهذا إسناد ضعيف ، ومتن منكر ، ومحمد بن فليح وأبوه وإن كانا من رجال البخاري إلا أن هناك من الأئمة من قدح فيهما ، حتى قال ابن معين : " فليح ليس بثقة ، ولا ابنه " .
انظر : " تهذيب التهذيب " (9/ 407).
وعبيد بن حنين لم يسمع من قتادة بن النعمان رضي الله عنه ، فإن قتادة توفي سنة 23 هـ ،
وعبيد بن حنين ولد سنة 30 هـ .
وقال البيهقي على هذا الحديث :
" هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَلَمْ أَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ ، فَلَمْ يُخْرِجَا حَدِيثَهُ هَذَا فِي الصَّحِيحِ ، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ الْحُفَّاظِ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ .
وَفِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى : وَهِيَ أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ، وَعُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ
وَلَهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَابْنِ بُكَيْرٍ، فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ عَنْ قَتَادَةَ مُنْقَطِعَةً " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" هذا إسناد غريب جداً ، وفيه نكارة شديدة ، ولعله متلقى من الإسرائيليات ، اشتبه على بعض الرواة فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من " جامع المسانيد والسنن " (7/ 91) .
وقال الألباني رحمه الله في " ظلال الجنة " (1/ 249):
" إسناده ضعيف ، والمتن منكر ، كأنه من وضع اليهود " انتهى .
وقال في " الضعيفة " (755) : " منكر جدا " .
ومما يدل على نكارته ما رواه البخاري (475) ، ومسلم (2100) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ : " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي المَسْجِدِ ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى )
زاد البخاري : " وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يَفْعَلاَنِ ذَلِكَ " .
فالحديث المسؤول عنه حديث منكر لا يصح ، وهو أشبه بقول اليهود الذين يفترون على الله الكذب .
وقد ورد عن قتادة رضي الله عنه حديث آخر صحيح بلفظ : (ل َمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ ) كما سيأتي .
ثانيا :
لم يصح عن الخلال ولا ابن القيم أنهما أجازا أن يقول الرجل : إنّ الله رفع إحدى رجليه على الأخرى ، وإنما الذي ذكراه هو حديث : ( لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ ) ، وهو حديث صحيح .
قال ابن القيم رجمه الله :
" وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ )"
انتهى من " اجتماع الجيوش الإسلامية " (2/ 107) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" حَدِيث قَتَادَة بن النُّعْمَان سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول : ( لما فرغ الله من خلقه اسْتَوَى على عَرْشه ) رُوَاته ثِقَات ، رَوَاهُ أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب السّنة لَهُ " .
انتهى من " العلو " (ص 63) .
أما القاضي أبو يعلى رحمه الله : فقد روى حديث قتادة بن النعمان المنكر ، وقال :
" هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَهُمْ مَعَ ثِقَتِهِمْ شَرْطُ الصَّحِيحَيْنِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ " .
انتهى من " إبطال التأويلات " (ص 189) .
وقول العالم عن إسناد : إن رجاله ثقات لا يعني أنه صحيح ، لأنه قد يكون رجاله ثقات ولكن أخطأ بعض الثقات في هذا الحديث ، أو يكون الإسناد منقطعا غير متصل ، كما في هذا الحديث .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-05, 17:40
حديث : ( مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ )
السؤال:
هل هذا حديث بحثت ولم أجد نتيجة " من شغله ذكري عن مسألتي ... " ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث روي من حديث أبي سعيد الخدري ، وعمر بن الخطاب ، وجابر بن عبدالله ، وحذيفة ، وأنس ، رضي الله عنهم .
- أما حديث أبي سعيد : فرواه الترمذي (2926) ، والدارمي (3356) ولفظه : ( مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ) .
وفي إسناده عطية العوفي ، وهو ضعيف ، وخاصة فيما يرويه عن أبي سعيد .
انظر : " التهذيب " (7/225) .
وفيه أيضا محمد بن الحسن الهمداني ، وهو متروك
انظر : " الميزان " (3/514) .
- وأما حديث عمر بن الخطاب : فرواه البخاري في " تاريخه " (2/115) ، والطبراني في " الدعاء " (1850) ، والبيهقي في " الشعب " (567) وفيه صفوان بن أبي الصهباء وهو ضعيف الحديث
وقد ذكره ابن حبان في الثقات ، وأعاده في الضعفاء فقال : " منكر الحديث ، يروي عن الأثبات ما لا أصل له ، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات " .
انظر: " التهذيب " (4/427) .
- وأما حديث جابر : فرواه البيهقي في " الشعب " (568) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " (584) وفي إسناده الضحاك بن حُمرة ، وهو متروك الحديث .
" الميزان " (2/322) .
- وأما حديث حذيفة : فرواه أبو نعيم في " الحلية " (7/313) ، وفي إسناده عبد الرحمن بن واقد ، قال ابن عدي : يحدث بالمناكير عن الثقات ويسرق الحديث .
"تهذيب التهذيب" (6 /262) .
- وأما حديث أنس بن مالك : فرواه ابن عساكر في " معجمه " (527) وفي إسناده يوسف بن عطية ، وهو متروك . " التهذيب " (11/418-419) .
- وأما حديث عمرو بن مرة : فرواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (29273) عنه مرسلا ، أي : بدون ذكر الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في " الضعيفة " (4989) ، وعلماء اللجنة الدائمة
كما في " فتاوى اللجنة " (24/ 191)
والشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في " فتاوى نور على الدرب " (6/ 2) بترقيم الشاملة ، وقال :
" لأن مسألة الله تعالى من عبادته كما قال الله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فالإنسان مأمور بالذكر ومأمور بالدعاء
ولا يغني أحدهما عن الآخر " انتهى .
وقد بالغ بعض العلماء فحكموا عليه بأنه موضوع ، كابن الجوزي والذهبي والشوكاني .
انظر : " الموضوعات " لابن الجوزي (2/165)
وتلخيصها للذهبي (ص 313)
" الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للشوكاني (ص 136) .
.
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 15:03
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حقيقة كتاب الإباضية : مسند "الربيع" !!
السؤال :
ما صحة الأحاديث المذكورة في مسند الإمام الربيع بن حبيب رحمة الله تعالى عليه ؟
وعندما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الربيع بن حبيب رضي الله تعالى عنهما قال: " لا أرى فيه بأسا" ، فأرجو توضيح الأمر .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
مما أنعم الله به على هذه الأمة : أن سخر لها من رجالها : علماء أئمة ، من أهل الصدق والأمانة والمعرفة ، قاموا على خدمة السنة النبوية
فاعتنوا بالحديث النبوي ، فرووه بأسانيدهم ، وأثبتوه في مصنفاتهم ، واعتنوا برواته جرحا وتعديلا ، وبينوا للناس الصحيح من السقيم ، والمحفوظ من المعلول ، والموصول من المنقطع
ومن عرفوه من رواته ، ووثقوه : فهو الثقة ، ومن عرفوه فجرحوه فهو الضعيف ، ومن جهلوه : فهو المجهول الذي لا يعول على روايته ، ولا يوثق بشيء من نقله .
ثانيا :
الربيع بن حبيب ، صاحب المسند الزعوم : رجل مجهول ، بل لا وجود له أصلا ؛ إنما ينتحله الإباضية ، وينسبونه إلى العلم ، ويدعون أن له مسندا يروي فيه الأحاديث على طريقة أهل الحديث ، وأن أحاديثه من أصح الأحاديث .
وهذا قول مختلق باطل ، لا يعول عليه إلا جاهل ، أو منحرف .
والإباضية إحدى فرق الخوارج ، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي ، ولهم مجموعة من العقائد والأفكار المنحرفة
التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" الربيع بن حبيب - وهو الفراهيدي - : إباضي مجهول ، ليس له ذكر في كتب أئمتنا، ومسنده هذا هو " صحيح الإباضية "! وهو مليء بالأحاديث الواهية والمنكرة "
انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (6/304) .
وقال الشيخ مشهور في كتابه " كتب حذر منها العلماء " (2/295/296) :
" طبع هذا المسند باسم " الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب بن عمر الأزدي البصري" في مجلد واحدٍ في أربعة أجزاء ، ومؤلفه نكِرَةٌ مَجهولٌ غيرُ معروف
ولم أعثرْ له على ترجمة إلاَّ في " الأعلام " للزِّركليِّ (3/14) ، وهو قد أخذها من مطلع هذا الكتاب!
ولذا ؛ قال شيخُنا الألبانِيُّ في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 188) :
" ... رواه ربيعُهم في مسنده المجهول " .
وقال أيضا في رده على الأستاذ عز الدين بليق عند قوله : (ص 8) في كتابه "منهاج الصالحين" : " وقد انتقيت أكثر الأحاديث من كتب الحديث الستة ، والجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب.. "
قال شيخنا حفظه الله تعالى : " ... الربيع هذا ليس إماما من أئمتنا ، وإنما هو إمام لبعض الفرق الإسلامية من الخوارج ، وهو نكرة لا يعرف هو ولا مسنده عند علمائنا " انتهى .
وقال الشيخ سعد الحميد حفظه الله :
" مسند الربيع بن حبيب المسمى بـ : " الجامع الصغير " هذا الكتاب لا شك في أنه موضوع مكذوب ، وليس هذا فقط ، بل إنه وضع في هذه الأعصار المتأخرة . والدليل على ذلك ما يلي :
1- لا يوجد للكتاب أصل مخطوط موثوق .
2- الربيع بن حبيب الفراهيدي شخصية لا وجود لها في التاريخ ، ولم تلدها أرحام النساء ، وإنما نسجها خيال الإباضية لنصرة باطلهم .
3- شيخ الربيع في كثير من المواضع في هذا الكتاب هو أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة التيمي بالولاء ، الذي يزعمون أنه تزعم الحركة الإباضية بعد جابر بن زيد
وتوفي في عهد أبي جعفر المنصور سنة 158هـ ، وهذا أيضاً لا توجد له ترجمة ، ونقول عنه كما قلنا عن الربيع بن حبيب .
4- مرتِّب الكتاب هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ، وهو - كما يزعمون - متأخر في القرن السادس ، وما قلناه عن الربيع وشيخه
نقوله عن هذا أيضاً ، لأنه لا توجد له ترجمة في كتب الرجال التي عنيت بترجمة أهل ذلك العصر كالتكملة لوفيات النقلة ، أو سير أعلام النبلاء
أو تاريخ الإسلام ، أو غيرها ، فجميع هذه الشخصيات التي لها علاقة مباشرة بالكتاب شخصيات مجهولة ، ندين الله عز وجل بأنها لم تنفخ فيها روح ، ولم تطأ على أرض .
5- لو كان هذا الكتاب موجوداً منذ ذلك التاريخ الذي يزعمونه سنة 170 هـ تقريباً ، وأحاديثه معروفة ، لاشتهر شهرة عظيمة بسبب أسانيده العالية
وكان الأقدمون من علمائنا يحرصون حرصاً بالغاً على علو الإسناد – كما هو حال هذا الكتاب – ولم يكونوا يمتنعون من الرواية عن الخوارج
فقد رووا عن عمران بن حطّان الذي امتدح عبد الرحمن بن ملجم في قتله علياً رضي الله عنه ، فمن المعروف أن البخاري أخرج له في صحيحه ، فلو كان الربيع – وإن كان خارجياً – يروي هذه الأحاديث وهو ثقة
لكان معروفاً ، ولعرف الكتاب ، ولعرفت تلك الأحاديث ، حتى وإن كان غير مرضي عنه "
ثالثا :
أما الربيع بن حبيب الذي قال فيه الإمام أحمد : " ما أرى به بأسا " فهو الربيع بن حبيب الحنفي ، أبو سلمة البصري ، وهو رجل ثقة معروف ، وثقه أحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم .
انظر : "تهذيب التهذيب" (3/ 241) .
وهذا الراوي الثقة المعروف ، ليس هو المجهول ، صاحب مسند الإباضية ، وما أكثر تشابه الأسماء في كتب الحديث ، والنسبة واضحة في الفرق بينهما .
وحاصل ذلك :
أن ما كان في هذا المسند من أحاديث صحيحة معروفة عند أهل العلم بالحديث ، فهي أحاديث صحيحة مقبولة ، لا لأنها مروية في هذا المسند
ولكن لأنها صحيحة عند أهل العلم بالحديث من أهل السنة ، ومن كتبهم تؤخذ ، وعنهم تنقل .
وأما ما سوى ذلك : فلا يعول عليه ، ولا اعتبار بشيء من متون ذلك المسند ، ولا أسانيده .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 15:07
قراءة " الفاتحة " و" الإخلاص " على طعام ثلاثا ، ثم الدعاء ؟!
السؤال:
أريد معرفة صحة هذا الحديث الذي أورده مُلَّا علي قاري : " في اليوم الثالث من موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قدم أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر ولبن وبعض الخبز
فوضعها النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ، وتلا سورة الفاتحة ، والإخلاص ثلاث مرات ، ثم رفع يديه فدعا ومسح بهما على وجهه ، ثم أمر أبا ذر بتوزيع الطعام بين الناس ". ( تصحيح العقيدة، صـ 127).
إن أسرتي تستخدم هذا الحديث كدليل على مشروعية قراءة القرآن والدعاء فوق الطعام ، وتوزيعه بنية إرسال الثواب إلى الميت ، ويقولون : إن ذلك سنّه ، فما رأيكم ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث المذكور لا نعلم له أصلا ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكره بسند أو بدون سند .
ولا نعلم حديثا صحيحا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على الطعام القرآن لتكثيره وحصول البركة فيه ، وإنما الثابت أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرّك عليه بالدعاء .
وإذا لم يثبت للعمل المذكور ، ولا للصفة المذكورة أصل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم : لم يجز اعتمادها في إثبات عمل ، أو عبادة
ولم يشرع اتخاذ ذلك قربة عند الله
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) - واللفظ له - .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 15:12
ما هي الأحاديث قطعية الثبوت ؟
السؤال:
أسأل عن الأحاديث قطعية الثبوت حسب فهمي أي التي لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها ومن ثم هل يمكننا إيرادها من غير الإسناد
ثم أسأل عن اللفظ المشير إلى الأعور الكذاب أي : المسيح الدجال ، فإن البداية تصرف الدهن الى سيدنا عيسى ثم الكذاب مع أني أعلم أن اللفظ ورد في البخاري ، فلو قال قائل : كليم الله ثم اتبعها بمثل هذا يجعلني أتوقف .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الأحاديث قطعية الثبوت يقصد بها الأحاديث المقطوع بصحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي أربعة أنواع :
النوع الأول : الأحاديث المتواترة .
والحديث المتواتر : هو ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب في جميع طبقات الإسناد .
وانظر للتفصيل في تعريف الحديث المتواتر ، وأقسامه إلى جواب السؤال القادم
النوع الثاني : ما أخرجه البخاري ومسلم وتلقته الأمة بالقبول ، فيخرج عن ذلك تلك الأحاديث اليسيرة مما أخرجاه في صحيحيهما مما تكلم فيه بعض العلماء
وما عدا ذلك من أحاديثهما فقطعي الثبوت على الراجح من كلام أهل العلم ، لما حفها من قرائن ، ودل عليه إجماع الأمة وتلقيها إياها بالقبول .
وقد ذهب ابن الصلاح رحمه الله في " مقدمته " (ص28-29)
إلى القول بأن أحاديث الصحيحين مقطوع بصحتها تفيد العلم اليقيني ؛ لأن الأمة أجمعت على صحة أحاديث الصحيحين ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ
سوى أحرف يسيرة من أحاديث الصحيحين تكلم عليها بعض أهل النقد كالدارقطني وغيره .
فتعقبه النووي رحمه الله في " التقريب " قائلا :
" ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ مَا رَوَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ ، وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ حَاصِلٌ فِيهِ .
وَخَالَفَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ . فَقَالُوا : يُفِيدُ الظَّنَّ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ "
انتهى من " تدريب الراوي " (1/141) .
وقد ذهب جمع من العلماء المحققين إلى اختيار ما ذهب إليه ابن الصلاح وخالفوا النووي رحمه الله ، قال السيوطي رحمه الله :
" وَكَذَا عَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ هَذَا الْقَوْلَ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مَمْنُوعٌ ، فَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، كَأَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ
وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِي ِّ، وَعَنِ السَّرَخْسِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَأَبِي يَعْلَى ، وَأَبِي الْخَطَّابِ
وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ ، وَابْنِ فُورَكَ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً ، وَمَذْهَبُ السَّلَفِ عَامَّةً أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - يعني ابن حجر - : مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ جِهَةِ الْأَكْثَرِينَ ، أَمَّا الْمُحَقِّقُونَ فَلَا ، فَقَدْ وَافَقَ ابْنَ الصَّلَاحِ أَيْضًا مُحَقِّقُونَ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ ( يعني : الحافظ ابن حجر ) : الْخَبَرُ الْمُحْتَفُّ بِالْقَرَائِنِ يُفِيدُ الْعِلْمَ خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ ، قَالَ : وَهُوَ أَنْوَاعٌ : مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِمَّا لَمْ يَبْلُغِ التَّوَاتُرَ ، فَإِنَّهُ احْتَفَّ بِهِ قَرَائِنُ .
مِنْهَا : جَلَالَتُهُمَا فِي هَذَا الشَّأْنِ وَتَقَدُّمُهُمَا فِي تَمْيِيزِ الصَّحِيحِ عَلَى غَيْرِهِمَا ، وَتَلَقِّي الْعُلَمَاءِ لِكِتَابَيْهِمَا بِالْقَبُولِ ، وَهَذَا التَّلَقِّي وَحْدَهُ أَقْوَى فِي إِفَادَةِ الْعِلْمِ مِنْ مُجَرَّدِ كَثْرَةِ الطُّرُقِ الْقَاصِرَةِ عَنِ التَّوَاتُرِ
إِلَّا أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِمَا لَا يَنْتَقِدُهُ أَحَدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ مِمَّا فِي الْكِتَابَيْنِ.... وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْإِجْمَاعُ حَاصِلٌ عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ .
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : وَأَنَا مَعَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ .
قُلْتُ (السيوطي) : وَهُوَ الَّذِي أَخْتَارُهُ وَلَا أَعْتَقِدُ سِوَاهُ "
انتهى من " تدريب الراوي " (1/ 142-145) .
النوع الثالث من الأحاديث قطعية الثبوت : ما أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول ولو لم يكن في الصحيحين ؛ لما تقدم من أن الأمة معصومة من الخطأ في إجماعها .
النوع الرابع : الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها .
انظر : " النكت على كتاب ابن الصلاح " لابن حجر (1/378) .
وقد ذكر بعض العلماء أن الحديث الذي رواه رجالُ إسنادٍ كلهم حفاظ أئمة ، كما لو روى الإمام أحمد حديثا عن الإمام الشافعي ، ويرويه الشافعي عن الإمام مالك .
فهذا الحديث يفيد العلم والقطع بثبوته نظرا لجلالة رواته ، بشرط أن يكون له أكثر من إسناد .
انظر : " تدريب الراوي " (1/144) .
فهذه الأنواع كلها قطعية الثبوت .
وبالجملة : فالخبر المتواتر ، وخبر الآحاد المحتف بالقرائن التي يحصل بها العلم القطعي ، كالذي تلقته الأمة بالقبول سواء كان في الصحيحين أو أحدهما أو كان في غيرهما قطعي الثبوت .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ : أَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ تَارَةً ، وَقَدْ يَحْصُلُ بِصِفَاتِهِمْ لِدِينِهِمْ وَضَبْطِهِمْ وَقَدْ يَحْصُلُ بِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِالْخَبَرِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ ، وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِطَائِفَةِ دُونَ طَائِفَةٍ .
وَأَيْضًا فَالْخَبَرُ الَّذِي تَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ عَمَلًا بِمُوجَبِهِ يُفِيدُ الْعِلْمَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ وَهَذَا فِي مَعْنَى الْمُتَوَاتِرِ "
انتهى من " مجموع الفتاوى " (18/48) .
وعلى ما تقدم ، فمتى كان الحديث من هذه الأنواع فلا حرج أن يذكر من غير إسناد ، لكن الأفضل أن يذكر من أخرجه من المصنفين من أصحاب الكتب ، كالبخاري ومسلم وأحمد ...
ويذكر أيضا من صححه من الأئمة حتى يطمئن السامع لصحة هذا الحديث .
ثانيا :
قولنا : " المسيح الدجال " لا حرج فيه ؛ لأن لفظ المسيح إذا أفرد فيُفهم أن المراد به المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وأما إذا قيد فقيل : " المسيح الدجال " علم أن المراد بذلك شخص آخر .
قال ابن حجر رحمه الله :
" و" الْمَسِيح " يُطْلَق عَلَى الدَّجَّال وَعَلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام ، لَكِنْ إِذَا أُرِيدَ الدَّجَّال قُيِّدَ بِهِ " انتهى .
ثم ... قد ثبت في أكثر من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الدجال بـ " المسيح الدجال " فبعد ثبوت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يكون عندك شك أو تردد في استعمال هذا الاسم .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 15:14
الحديث المتواتر
السؤال
ما حكم الحديث المتواتر في الإسلام ؟.
الجواب
الحمد لله
تعريف الحديث المتواتر في اللغة : مشتق من التواتر ، بمعنى التتابع ، قال تعالى : ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تتْرَى ) المؤمنون / 44
واصطلاحا : ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن مثلهم ، ومستند خبرهم الحس .
وقد ذكر العلماء أربعة شروط للحديث المتواتر :
1 – أن يرويه عدد كثير .
2 – أن يكون عدد رواته بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب .
3 – أن تكون كثرة الرواة في جميع طبقات السند ، فيرويه عدد كثير عن عدد كثير حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
4 – أن يكون مستند خبرهم الحس ، فيقولوا سمعنا أو رأينا ، لأن ما لا يكون كذلك يحتمل أن يدخل فيه الغلط فلا يكون متواتراً
وأما أقسامه فأربعة :
1 – التواتر اللفظي . وهو ما تواتر لفظه ومعناه .
مثاله : " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ "
رواه البخاري (107) ، ومسلم (3) ، وأبو داود (3651) ، والترمذي (2661) ، وابن ماجه (30 ، 37) ، وأحمد (2/159) .
وهذا الحديث رواه أكثر من اثنين وسبعين صحابيا ، وعنهم جمع غفير لا يمكن حصرهم .
2 – التواتر المعنوي . وهو ما تواتر معناه دون لفظه .
مثاله : أحاديث رفع اليدين عند الدعاء ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو مئة حديث ، كل منها فيه أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الدعاء
وقد جمعها السيوطي في جزء سماه : " فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء " .
وأما حكمه : فالخبر المتواتر يجب تصديقه ضرورة ، لأنه مفيد للعلم القطعي الضروري ؛ وإن لم يدل عليه دليل آخر ، ولا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته ، وهذا أمر لا يستريب فيه عاقل .
المراجع :
- نزهة النظر للحافظ ابن حجر
- الحديث المتواتر . د/ خليل ملا خاطر
- الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به ، للشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير .
- معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد ، للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي .
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 15:18
حديث باطل لا أصل له في أن الله تعالى لم يخلق الراحة في الدنيا !!
السؤال:
سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل عليه السلام : هل أنت تضحك ؟ قال له نعم . قال له النبي صلى الله عليه وسلم : متى ؟ قال : عندما يخلق الإنسان ، ومن أول ما يولد إلى إن يموت ، وهو يبحث عن شيء
وهو لم يخلق في الدنيا . تعجب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما هو الشيء الذي يبحث عنه الإنسان ، ولم يخلق في الدنيا ؟
قال جبرائيل : الراحة ؛ إن الله لم يخلق الراحة في الدنيا ، بل خلقها في الآخرة .
الجواب :
الحمد لله
لا نعرف لهذا الحديث أصلاً ، وعلامات الوضع عليه ظاهرة ، فهو حديث ركيك اللفظ ، لا يشبه كلام النبوة ، وهو بالأحاجي والألغاز التي يلغز بها الناس ، أشبه منه بكلام من أعطي جوامع الكلم .
قال ابن القيم رحمه الله :
" والأحاديث الموضوعة : عليها ظلمة ، وركاكة ، ومجازفات باردة ، تنادي على وضعها واختلاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم "
انتهى من " المنار المنيف " (ص/50) .
وقد ذكر هذا الحديث موقع " الدرر السنية " بإشراف الشيخ علوي السقاف حفظه الله ضمن أحاديث منتشرة في الانترنت برقم (728) ، وقال : " باطل " .
ويغني عنه ما رواه الإمام أحمد (24399) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما يستريح من غُفر له ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (2319) .
وروى أحمد في " الزهد " (ص128) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (2/116) .
وعن مُحَمَّد بْن حسنويه قَالَ : حضرت أبا عبد اللَّه أَحْمَد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان ، فقال : يا أبا عَبْد اللَّهِ قصدتك من خراسان أسألك عَنْ مسألة !!
قَالَ : له سل .
قَالَ : متى يجد العبد طعم الراحة ؟
قَالَ : " عند أول قدم يضعها فِي الجنة "
انتهى من " طبقات الحنابلة " (1/ 293) .
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 15:23
حديث : ( .. كيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع ؟ ) : باطل موضوع .
السؤال:
أودالتأكد من صحة رواية هذا الحديث القدسي : ( حينما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى , وأوحى إليه ربه يا محمد , ارفع رأسك , وسل تُعطَ. قال: يا رب, إنك عذبت قومًا بالخسف , وقومًا بالمسخ , فماذا أنت فاعل بأمتي؟
قال الله تعالى : أنزل عليهم رحمتي , وأبدل سيئاتهم حسنات , ومن دعاني أجبته , ومن سألني أعطيته , ومن توكل علي كفيته , وأستر على العصاة منهم في الدنيا , وأشفعك فيهم في الآخرة
, ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم . يا محمد , إذا كنت أنا الرحيم , وأنت الشفيع , فكيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع ؟!) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث بتمامه لم نجد له أصلا ، وأمارات الوضع عليه لائحة ، وقوله فيه : ( ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم ) : منكر ؛ حيث جعل حساب هذه الأمة من عتاب الحبيب لحبيبه
وأين هذا من قوله صلى الله عليه وسلم : ( افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ
وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ) ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : (الْجَمَاعَةُ)
رواه ابن ماجة (3992) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
وروى البخاري (7050) ، ومسلم (2290) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلًا ، يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ
مَنْ وَرَدَ شَرِبَ ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ : فَسَمِعَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ
: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُولُ (إِنَّهُمْ مِنِّي) ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ : (سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي) .
وقد قال الله تعالى : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) المجادلة/ 6 .
ومن كان عنده أدنى علم بأمر الشرع ، وأصوله التي بني عليها ، ونظر أدنى نظر فيما ورد فيه من الوعد والوعيد : علم بطلان مثل هذا الكلام ، وأنه مناقض لما تواتر في كتاب الله وسنة رسوله من حال العصاة
ووعيدهم ، وما علم - يقينا - من أن أناسا من هذه الأمة سوف ينالهم من هذا الوعيد ما ينالهم على معاصيهم : فكم من زانٍ ، أو سارقٍ
أو قاتلٍ .. كم من هؤلاء من يعاقبه الله على جرمه ، ويلحق به وعيده وعذابه في الدنيا والآخرة ؟!
وقد ذكره الفتني في " تذكرة الموضوعات " (ص 227) مختصرا فقال :
" وَفِي الذيل : ( لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقُلْتُ : إِلَهِي وَسَيِّدِي اجْعَلْ حِسَابَ أُمَّتِي عَلَى يَدَيَّ لِئَلا يَطَّلِعَ عَلَى عُيُوبِهِمْ أَحَدٌ غَيْرِي . فَإِذَا النِّدَاءُ مِنَ الْعَلِيِّ : يَا أَحْمَدُ إِنَّهُمْ عِبَادِي لَا أُحِبُّ أَنْ أُطْلِعَكَ عَلَى عُيُوبِهِمْ .
فَقُلْتُ : إِلَهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ الْمُذْنِبُونَ مِنْ أُمَّتِي ! فَإِذَا النِّدَاءُ مِنَ الْعَلِيِّ : يَا أَحْمَدُ إِذَا كُنْتُ أَنَا الرَّحِيمُ وَكُنْتَ أَنْتَ الشَّفِيعَ فَأَيْنَ تَبَيَّنَ الْمُذْنِبُونَ ؟ فَقُلْتُ حَسْبِي حَسْبِي) ، فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ : كَذَّاب " انتهى .
وذكره المتقي الهندي في " كنز العمال " (14/53) باللفظ السابق ، ثم قال : " محمد ابن علي المذكر قال في المغني: متهم تالف، قلت: وأخلق بهذا الحديث أن يكون من وضعه".انتهى .
والصحيح الثابت ما رواه مسلم (202) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ
وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : ( اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ) ، وَبَكَى
فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ ) فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ
فَقَالَ اللهُ : ( يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلَا نَسُوءُكَ ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 15:30
ما صحة الحديث الوارد في فضل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة ؟
السؤال:
هل هذا الحديث في فضل آية الكرسي صحيح ، ويجوز العمل به ؟ :
" من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت" ؟
أو بتعبير آخر : هل صحيح إذا داوم العبد على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة ، دخل الجنة عند موته ، مهما كانت ذنوبه كبيرة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قال الإمام النسائي رحمه الله في " السنن الكبرى " (9848) :
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ بِشْرٍ ، بِطَرَسُوسَ ، كَتَبْنَا عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ ) .
وهكذا رواه الطبراني في " الكبير" (7532) ، والروياني في " مسنده " (1268) ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (124) من طريق محمد بن حمير به .
وهذا إسناد جيد :
- محمد بن زياد ؛ قال أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي : ثقة
وقال ابن معين : ثقة مأمون
وكذا قال محمد بن عثمان عن ابن المديني
وقال أبو حاتم : لا بأس به .
ينظر: "تهذيب التهذيب" (9/170) .
- ومحمد بن حمير ؛ قال الإمام أحمد : ما علمت إلا خيرا
وقال ابن معين ودحيم : ثقة
وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ، ومحمد بن حرب وبقية أحب إلي منه
وقال النسائي: ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في الثقات
وقال الدارقطني : لا بأس به
وقال ابن قانع : صالح .
ينظر: "تهذيب التهذيب" (9/ 135) .
وقال ابن كثير :
" فهو إسناد على شرط البخاري "
انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (1/677) .
وله شاهد من حديث المغيرة بن شعبة ، رواه أبو نعيم في " الحلية " (3/221) .
وآخر من حديث أنس ، رواه الحاكم
كما في " تخريج أحاديث الكشاف " للزيلعي (1/160) .
وقال المنذري في " الترغيب والترهيب " (2/ 299)
:" رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ بأسانيد أَحدهَا صَحِيح ، وَقَالَ شَيخنَا أَبُو الْحسن : هُوَ على شَرط البُخَارِيّ ، وَابْن حبَان فِي كتاب الصَّلَاة وَصَححهُ " انتهى .
وقال الهيثمي في " المجمع " (10/ 102) :
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِأَسَانِيدَ، وَأَحَدُهَا جَيِّدٌ " .
وقال ابن مفلح الحنبلي
: " إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَكَذَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَارَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا "
.
انتهى من " الفروع " (2/228).
وقال ابن القيم :
" وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أبي أمامة ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
وَفِيهَا كُلِّهَا ضَعْفٌ ، وَلَكِنْ إِذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ مَعَ تَبَايُنِ طُرُقِهَا وَاخْتِلَافِ مَخَارِجِهَا ، دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَهُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِمَوْضُوعٍ .
وَبَلَغَنِي عَنْ شَيْخِنَا أبي العباس ابن تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا تَرَكْتُهَا عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ "
انتهى من " زاد المعاد " (1/ 294) .
وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (6464) .
ومن أهل العلم من تكلم فيه ، والراجح ، إن شاء الله ، أنه حديث حسن .
ثانياً :
يرجى لمن حافظ على قراءتها دبر كل صلاة أن يدخل الجنة ، إذا استقام فأتى ما أمر الله به ، واجتنب ما نهى الله عنه .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" يستحب بعد الصلاة ، بعد التسبيح والتهليل قراءة آية الكرسي ، ويرجى له بذلك دخول الجنة إذا استقام ، إذا استقام على دينه ، وحافظ على دينه
يرجى له دخول الجنة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ، ما لم تؤت الكبائر ) رواه مسلم (233)
فإذا حافظ على ما أوجب الله عليه ، وترك ما حرم الله عليه ، وقرأ آية الكرسي ، كل هذا من أسباب دخول الجنة ، إذا قرأها بعد كل صلاة " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/399-300) .
وإذا كانت الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان : إنما تكفر ما بينها إذا اجتنبت الكبائر ، وهي أركان الإسلام ، ومبانيه العظام
فالظاهر أن يكون الفضل الوارد في مثل هذا الحديث أولى بأن يكون معلقا على اجتناب الكبائر .
راجع للفائدة جواب السؤال القادم
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-11, 20:34
فضل آية الكرسي
السؤال
ما هي أهمية آية الكرسي ؟
هل هناك أي دليل على عظمة هذه الآية ؟.
الجواب
الحمد لله
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الكرسي من سورة البقرة :
هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بأنها أفضل آية في كتاب الله .. عن أُبي هو ابن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال: الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي
قال" ليهنك العلم أبا المنذر والذي نفسي بيده إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش" وقد رواه مسلم .. وليس عنده زيادة والذي نفسي بيده إلخ. "
وعن عبدالله بن أبي بن كعب أن أباه أخبره أنه كان له جرن فيه تمر قال: فكان أبي يتعاهده فوجده ينقص قال فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبيه الغلام المحتلم
قال: فسلمت عليه فرد السلام قال: فقلت ما أنت؟ جني أم إنسي؟ قال: جني. قال: قلت له ناولني يدك قال فناولني يده فإذا يد كلب وشعر كلب فقلت هكذا خلق الجن؟ قال لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني.
قلت فما حملك على ما صنعت؟ قال بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك قال: فقال له أبي فما الذي يجيرنا منكم؟
قال: هذه الآية آية الكرسي ثم غدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال النبي صدق الخبيث ..
وروى الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عثمان بن عتاب قال: سمعت أبا السليل قال: كان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث الناس حتى يكثروا عليه فيصعد على سطح بيت فيحدث الناس قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي آية في القرآن أعظم فقال رجل "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قال فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي
أو قال فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي وقال ليهنك العلم يا أبا المنذر " ..
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فجلست فقال يا أبا ذر هل صليت؟ قلت لا قال قم فصل قال فقمت فصليت ثم جلست فقال يا أبا ذر تعوذ بالله
من شر شياطين الإنس والجن قال: قلت يا رسول الله أوَ للإنس شياطين؟ قال نعم قال: قلت يا رسول الله الصلاة قال خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر قال: قلت يا رسول الله فالصوم؟
قال فرض مجزئ وعند الله مزيد قلت يا رسول الله فالصدقة؟ قال أضعاف مضاعفة قلت يا رسول الله فأيها أفضل؟ قال جهد من مقل أو سر إلى فقير قلت يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟
قال آدم قلت يا رسول الله ونبي كان؟ قال نعم نبي مكلم قلت يا رسول الله كم المرسلون قال ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا وقال مرة وخمسة عشر قلت يا رسول الله
أي ما أنزل عليك أعظم؟ قال آية الكرسي "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" ورواه النسائي "
وقد ذكر البخاري .. عن أبي هريرة .. قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟
قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- أنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته وخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة قلت يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله بها وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود فقال
: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال: ما هي؟ قال: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية
"الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النبي - صلى الله عليه وسلم
- أما إنه صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب من ثلات ليال يا أبا هريرة قلت لا قال: ذاك شيطان .
وفي رواية : كنت آخذا إلا لأهل بيت من الجن فقراء فخلى عنه ثم عاد الثانية ثم عاد الثالثة فقلت أليس قد عاهدتني ألا تعود؟ لا أدعك اليوم حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تفعل
فإنك إن تدعني علمتك كلمات إذا أنت قلتها لم يقربك أحد من الجن صغير ولا كبير ذكر ولا أنثى قال له لتفعلن؟ قال نعم قال : ما هن ؟
قال : "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قرأ آية الكرسي حتى ختمها فتركه فذهب فلم يعد فذكر ذلك أبو هريرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أما علمت أن ذلك كذلك وقد رواه النسائي عن أحمد بن محمد بن عبيد الله عن شعيب بن حرب عن إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة به
وقد تقدم لأبي بن كعب كائنة مثل هذه أيضا فهذه ثلات وقائع. وقال أبو عبيد في كتاب الغريب: حدثنا أبو معاوية عن أبي عاصم القفي عن الشعبي عن عبدالله بن مسعود قال: خرج رجل من الإنس فلقيه رجل من الجن
فقال: هل لك أن تصارعني؟ فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخل شيطان فصارعه فصرعه فقال: إني أراك ضئيلا شخيتا كأن ذراعيك ذراعا كلب أفهكذا أنتم أيها الجن
كلكم أم أنت من بينهم؟ فقال إني بينهم لضليع فعاودني فصارعه فصرعه الإنسي فقال: تقرأ آية الكرسي فإنه لا يقرأها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خيخ كخيخ الحمار
فقيل لابن مسعود: أهو عمر؟ فقال: من عسى أن يكون إلا عمر قال أبو عبيد: الضئيل النحيف الجسيم والخيخ بالخاء المعجمة ويقال بالحاء المهملة الضراط.
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي وكذا رواه من طريق آخر عن زائدة عن حكيم بن جبير ثم
قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا قال وقد رواه الترمذي من حديث زائدة ولفظه لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة أي القرآن: آية الكرسي ثم قال:
غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير وقد تكلم فيه شعبة وضعفه "قلت" وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد من الأئمة وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي.
وعن ابن عمر عن عمر بن الخطاب أنه خرج ذات يوم إلى الناس وهم سماطات فقال: أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن فقال ابن مسعود على الخبير سقطت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- يقول: أعظم آية في القرآن "الله لا إله إلا هو الحي القيوم".
وفي اشتمالها على اسم الله الأعظم قال الإمام أحمد : عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في هاتين الآيتين "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"
و "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" إن فيهما اسم الله الأعظم وكذا رواه أبو داود عن مسدد والترمذي عن علي بن خشرم وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم
عن عيسى بن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد به وقال الترمذي: حسن صحيح.
وعن أبي أمامة يرفعه قال : اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وآل عمران وطه وقال هشام وهو ابن عمار خطيب دمشق:
أما البقرة "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي آل عمران "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي طه "وعنت الوجوه للحي القيوم".
وعن أبي أمامة في فضل قراءتها بعد الصلاة المكتوبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت.
وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن الحسن بن بشر به وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن حمير وهو الحمصي من رجال البخاري أيضا فهو إسناد على شرط البخاري .
والله اعلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-15, 02:31
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
حديث : ( تزاوروا ولا تجاوروا ) لا أصل له .
السؤال:
ما صحة حديث " تزاوروا ولا تتجاوروا " ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث ذكره ابن عبد البر رحمه الله في " بهجة المجالس " (ص 59) بدون إسناد ، وبصيغة التمريض ، فقال : " رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال للقرابات : "
تزاوروا ولا تجاوروا ، وتهادوا ؛ فإن الهدّية تثبت المروءة ، وتستلُّ السّخيمة " .
ولا نعلم له أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم .
ويذكره الشيعة في كتبهم مرفوعا بلفظ : ( يا أهلَ القَرابَةِ تَزاوَروا ، ولا تَتَجاوَروا ، وتَهادَوا ؛ فَإِنَّ الزِّيارَةَ تَزيدُ فِي المَوَدَّةِ ، وَالتَّجاوُرَ يُحدِثُ القَطيعَةَ
وَالهَدِيَّةَ تَسُلُّ الشَّحناءَ ) " مستدرك الوسائل " (13 / 203) ، " جامع الأحاديث " (66) .
ولا يعتد بشيء يذكره الشيعة في كتبهم المحشوة بالافتراء والكذب ، إلا ما ثبت لدى أهل السنة بالبينة والبرهان المبين .
ونسبه ابن عبد ربه في " العقد الفريد " (1 /287) ، وابن الخطيب في " روض الأخيار" (ص180) إلى عمر رضي الله عنه ، ولم نجد له عنه أصلا .
وذكره الأبشيهي في " المستطرف " (ص83) في فصل " أمثال العامة والمولدين " ، وهو بهذا أشبه .
وانظر : "مجمع الأمثال" (1/150) .
ثم إن معناه لا يصح أيضا ؛ فإن تجاور المسلمين الصالحين : يزيد في المحبة ، ويبعث على الألفة والمودة ، وتظهر به كثير من مكارم الأخلاق
من الصِّلات والزيارات والتهادي والإعانة على الخير ، وغير ذلك من محاسن الأعمال والصفات.
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-15, 02:39
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن يسبه
السؤال:
ما صحة هذا الحديث : ( اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة ) ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
إن من أعظم الصفات التي كان نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم يتصف بها الحلم والأناة وعفة اللسان ، وصفه بذلك الله الخالق عز وجل في محكم التنزيل
فقال سبحانه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 .
وجاء وصفه بذلك في الكتب السابقة كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه :
" وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ... لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ " رواه البخاري (2125) .
وعرفه الصحابة رضوان الله عليهم بذلك أيضا في سيرته العطرة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا
كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ – أي عند العتاب - : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ " رواه البخاري (6031) .
حتى رفض صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال أن يدعو على المشركين مع استحقاقهم ذلك اللعن : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟
قَالَ : (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) " رواه مسلم (2599) .
ثانيا :
الحديث المذكور حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
رواه البخاري (6361) واللفظ له ، ومسلم (2601) ، وقد روى نحوه الإمام أحمد في " المسند " (3/33) من حديث أبي سعيد الخدري ، وفي " المسند " أيضا (5/294)
من حديث أبي السوار عن خاله . فالحديث من أصح الأحاديث .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : أَيُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم (2602) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
" كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ - وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ - فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ فَقَالَ : ( آنْتِ هِيَهْ ، لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ ) ، فَرَجَعَتْ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي
فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ ! قَالَتْ الْجَارِيَةُ : دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي ، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :َ ( ما لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟! ) ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي ؟ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟!) ، قَالَتْ : زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا
قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ! أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ
وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم (2603) .
*عبدالرحمن*
2018-10-15, 02:39
ثالثا :
في هذا الحديث رد على أهل الغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد بين أنه " بشر " ، يغضب كما يغضب البشر ، وإن كان أعلم الخلق بالله ، وأتقاهم لله ، وأبعدهم عن كل سوء وخطأ
إلا أنه ليس معصوما من الخطأ في اجتهاده ، وليس معصوما من مثل ذلك الذي يصدر منه على وجه الندرة ، بوصفه بشرا ؛ لكنه صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يقر على اجتهاد أخطأ فيه
بل ينزل عليه الوحي بتصحيح ما أخطأ فيه . ثم إن ما صدر منه في حال غضبه ، وتعلق به حق غيره من البشر ، من مثل ذلك السب واللعن
هذا الذي صدر منه : مأمون العاقبة ، إذا كان قد صدر في حق من ليس أهلا ، بما وعده الله في هذه الأحاديث ، أن يجعل ذلك له زكاة وأجرا وقربة من الله يوم القيامة .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النطق به ! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح
بل هو عندنا متواتر ، فقد رواه مسلم من حديث عائشة ، وأم سلمة كما ذكرنا ، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما ، وورد من حديث سلمان
وأنس ، وسمرة ، وأبي الطفيل ، وأبي سعيد وغيرهم
انظر " كنز العمال " ( 2 / 124 )
وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا ، وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبدا ورسولا دون إفراط ولا تفريط
فهو صلى الله عليه وسلم بشر بشهادة الكتاب والسنة ، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث الصحيحة ، وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته وما حباه
الله تعالى به من الأخلاق الكريمة ، والخصال الحميدة ، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم ، وصدق الله العظيم
إذ خاطبه بقوله الكريم : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) "
انتهى من " السلسلة الصحيحة " (رقم/84) .
رابعا :
تكلم أهل العلم في توجيه هذا الحديث ونحوه ، مع ما هو متواتر عنه ، مقطوع به من كمال خلقه ، وشفقته بأمته ، وحلمه وعلمه .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" هَذِهِ الْأَحَادِيث مُبَيِّنَة مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته ، وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ ، وَالِاحْتِيَاط لَهُمْ ، وَالرَّغْبَة فِي كُلّ مَا يَنْفَعهُمْ .
وَهَذِهِ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة آخِرًا تُبَيِّن الْمُرَاد بِبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه
وَكَانَ مُسْلِمًا ، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء ، وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ :
أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى ، وَفِي بَاطِن الْأَمْر ، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ ، فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة
وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ ، وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر .
وَالثَّانِي : أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة ، كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك
عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا كَبِرَتْ سِنّك ) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة ( لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك ) وَنَحْو ذَلِكَ ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء
فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة ، فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة ، وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا .
وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس
فَقَالَ : (اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا) وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) . وَاَللَّه أَعْلَم " .
انتهى من " شرح مسلم " (16/152) .
وقد تكلم ابن الأثير رحمه الله في شرحه لحديث ، فيه نحو مما هنا من الإشكال ، فقال :
" وفي هذا الدعاء من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قولان :
أحدهما : تَعَجُّبُه من حرص السائل ومُزَاحَمَته .
والثاني : أنه لما رآه بهذا الحال من الحرص ، غلَبَه طبع البَشَرِية فدعا عليه ، وقد قال في غير هذا الحديث : ( اللّهُمَّ إنَّمَا أنا بَشَرٌ فمن دَعوتُ عليه فاجعلْ دُعائي له رَحْمَة ) " .
انتهى من " النهاية في غريب الحديث " (1/71) .
وينظر : " الآداب الشرعية " ، لابن مفلح (1/81-83، 343-344) .
والأقرب إلى ظاهر النصوص : أن ذلك اللعن ، أو السب ، أو الجلد والضرب ، المذكور في هذه النصوص : قد صدر في حق من ليس أهلا له ، إما باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم
وحكم على ظاهر الشخص ، وهو في باطن الأمر غير مستحق لذلك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ، بما أنه بشر: لا يعلم الغيب ، وإما بحكم غلبة الطباع البشرية
فيغضب ـ في هذه الحال ـ على من لا يستحق غضبه وسبه ، ولأجل ذلك اقترنت هذه النصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر ) ؛ غير أن ذلك مأمون العاقبة منه صلى الله عليه وسلم
فلا يتحقق مقتضى اللعن والسب فيمن ليس أهلا له ، بل وعد الله نبيه أن يكون الأمر بعكس ذلك ، فيكون له كفارة وقربة من الله
ولا يبقى لهذا الشخص مظلمة ولا حق عند النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ربما كانت نعمة في حقه ، أن ينال تلك الدرجة والكفارة .
وينظر : " سير أعلام النبلاء " ، للذهبي (3/123-124، 14/130) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-15, 02:43
حديث لا أصل له في التهنئة بشهر ربيع الأول
السؤال:
يتداول بعض الناس حديثا عند دخول شهر ربيع الأول : ( من يبارك الناس بهذا الشهر الفضيل ، يحرم علية النار )
ما صحة هذا الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث المذكور لا نعرف له أصلا ، ولوائح الوضع عليه ظاهرة ، فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه من الكذب عليه
والكذب عليه محرم من كبائر الذنوب ؛ وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ) رواه مسلم في مقدمة الصحيح (1/7)
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لَا يَكُون كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ ؟ " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (1/65) .
وما ذكر فيه من كون العبد تحرم عليه النار بمجرد هذه التهنئة : من المجازفات والمبالغات التي يستدل بها على وضع الحديث وبطلانه
قال ابن القيم رحمه الله :
" والأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من " المنار المنيف " (ص 50) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-15, 02:50
حديث : ( القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ )
السؤال:
هل صحيح أن الحديث النبوي : القبر إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، حديث ضعيف ؟
الجواب :
الحمد لله
روى الترمذي (2460) من طريق عُبَيْد اللهِ بْن الوَلِيدِ الوصافِيّ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ: " دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلاَّهُ فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ -
أي يضحكون - قَالَ : ( أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ : لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى ، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ؛ الْمَوْتِ !! فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى القَبْرِ يَوْمٌ إِلاَّ تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ : أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ
وَأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ ، فَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ القَبْرُ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً ، أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ
وَصِرْتَ إِلَيَّ : فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ ، قَالَ: فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الجَنَّةِ ، وَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ الفَاجِرُ ، أَوِ الكَافِرُ ، قَالَ لَهُ القَبْرُ: لاَ مَرْحَبًا وَلاَ أَهْلاً ،
أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ ، وَصِرْتَ إِلَيَّ ، فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ !! قَالَ: فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ ، حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ )
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِأَصَابِعِهِ ، فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ قَالَ: ( وَيُقَيِّضُ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا ، لَوْ أَنْ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأَرْضِ : مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا
فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ) .
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ ) .
وقال الترمذي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ " . اهـ
وهذا إسناد ضعيف جدا ، عطية : هو ابن سعد العوفي القيسي ، ضعيف ، ضعفه النسائي ، وأبو زرعة ، والساجي ، وغيرهم .
انظر : "التهذيب" (7/200-202) .
وعبيد الله بن الوليد راويه عنه : ضعيف أيضا ، بل ضعيف جدا ، ضعفه ابن معين ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وغيرهم
وقال عمرو بن علي ، والنسائي : ليس بثقة ولا يكتب حديثه ، وقال العقيلي : في حديثه مناكير ، لا يتابع على كثير من حديثه .
وقال ابن حبان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، حتى يسبق إلى القلب أنه المعتمد لها ، فاستحق الترك ، وقال الحاكم : روى عن محارب أحاديث موضوعة ، وقال الساجي عنده مناكير ضعيف الحديث جدا .
" تهذيب التهذيب" (7 /50-51)
" ميزان الاعتدال " (3/17) .
والحديث ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب والترهيب" (1944) وقال : "ضعيف جدا" .
وله شاهد يرويه الطبراني في " الأوسط" (8613) من طريق مُحَمَّد بْن أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ ، نا أَبِي ، نا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا .
ومحمد بن أيوب بن سويد : متهم ، قال أبو زرعة : رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة ، وقال الحاكم ، وأبو نعيم : روى عن أبيه أحاديث موضوعة ، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه .
"لسان الميزان" (5 /87) .
وأبوه أيوب بن سويد : متروك الحديث ، قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال ابن المبارك: ارم به ، وقال النسائي: ليس بثقة .
"ميزان الاعتدال" (1 /287) .
وله شاهد آخر يرويه البيهقي في " إثبات عذاب القبر" (50) من طريق مُحَمَّد بْن عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ، أَنَا سَلَمَةُ بْنُ أَخِي عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا .
والواقدي متهم ، كذبه الشافعي ،وأحمد ، والنسائي ، وغيرهم ، وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث .
"تهذيب التهذيب" (9 /326) .
وقد ضعف هذا الحديث الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (ص358) ، والحافظ ابن رجب ، كما في "الجامع لتفسيره" (2/377) ، والحافظ السخاوي في "المقاصد" (ص484)
والشوكاني في " الفوائد المجموعة " (ص269) ، والألباني في " ضعيف الجامع " (1231) .
فهو حديث ضعيف بهذا اللفظ ، ولكنه صحيح المعنى
ويغني عنه أيضا ما رواه الترمذي (2308) وحسنه ، وابن ماجة (4267) ، وأحمد (454) ، والحاكم (7942) عَنْ هَانِئٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ
قَالَ : " كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ
فَإِنْ نَجَا مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ ) .
صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
والله تعالى أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 14:50
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
قصة الصحابي الذي كان يُضحِك النبي صلى الله عليه وسلم .
السؤال :
شاهدت مقطعاً على اليوتيوب بعنوان " الصحابي الظريف " وساق مجموعة أحاديث عن هذا الصحابي المسمى " النعيمان بن عمرو الأنصاري " رضي الله عنه
وقد احترت بعد سماع ذاك المقطع ؛ لأن الحديث الأول الذي ساقه الشيخ كان عن قصة الصحابي عندما استعار بعض الفاكهة وأعطاها للنبي صلى الله عليه وسلم
ثم رفض أن يردها أو يدفع ثمنها، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً عنه وضحك .
فما صحة هذا الحديث ؟
الجواب:
الحمد لله
روى أبو يعلى في "مسنده" (176) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/228) ، والضياء في "المختارة" (92)
عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه : " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا ، وَكَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُكَّةَ مِنَ السَّمْنِ ، وَالْعُكَّةَ مِنَ الْعَسَلِ ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَتَقَاضَاهُ جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِ هَذَا ثَمَنَ مَتَاعِهِ ، فَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَبْتَسِمَ وَيَأْمُرَ بِهِ فَيُعْطَى ، فَجِيءَ بِهِ يَوْمًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ
فَقَالَ رَجُلٌ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَلْعَنُوهُ ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
وقال أبو نعيم عقبه : " صحيح ثابت " .
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة" (3/ 398) : " هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ " .
وقال الهيثمي في " المجمع" (4/ 148): " رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ " .
وقد رواه البخاري في صحيحه (6780) مختصرا ، ولفظه : عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، : " أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا
وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ : اللَّهُمَّ العَنْهُ
مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) " .
وينظر : شرح الحديث في "فتح الباري"
وأيضا : "الإصابة" في تمييز الصحابة (6/ 366) .
وقد كان ذلك يحصل منه ، رضي الله عنه ، على سبيل التفكه وممازحة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإرادة إلطافه ، فيرضى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ويضحك
ولا يؤاخذه به ، ويقضي عنه ما اشتراه وأتحفه به ، ويعلم أنه إنما فعل ذلك حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 14:53
حديث : من ترك الصلاة متعمدا ، فقد خرج من الملة !!
السؤال:
أوردتم في فتوى كلاماً للشيخ ابن عثيمين ذكر فيه الحديث التالي: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تشركوا بالله شيئا
ولا تتركوا الصلاة عمدا فمن تركها عمدا متعمدا فقد خرج من الملة ". في العادة تقومون بذكر المرجع للحديث بل وتذكرون اسم المحدث الذي صححه ، أما في هذا الحديث فلم أر شيئاً وهذا غريب
فإذا كان الحديث صحيحاً فلا أظن أن هناك أي اختلاف حوله ، فمن هذا الذي سيجادل في حديث واضح كهذا.
فأتمنى ذكر مراجع هذا الحديث ، ومن من الأئمة صححه أو حسنه ، وفي أي كتاب وصفحة .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
من أمانة العلم ، والعدالة التي ينبغي أن تكون في الناقل : الحرص على نقل كلام العالم أو الشيخ كما ورد في كتابه أو على لسانه ، دون زيادة فيه أو نقصان منه ، إلا لحاجة من تلخيص ونحوه .
والحديث المشار إليه في السؤال : نقلناه عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، كما ذكره ، وعادتنا في التخريج : أن نذكر الحديث الذي نقلناه نحن ، ونبين مصدره
ودرجته ، وأما حين ننقل كلاما لبعض أهل العلم : فإننا ننقله كما ذكره ، ولا نتعرض لتخريج الأحاديث والنصوص التي يستشهد بها العالم ، عادة .
ثانيا :
هذا الحديث رواه الشاشي في "مسنده" (1309) ، وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (2/ 889) ، وابن عبد الحكم في "الفتوح" (ص300) ، والضياء في "المختارة" (351)
عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَوْذَرٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شُرَيْحٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " أَوْصَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتُمْ ، أَوْ حُرِّقْتُمْ
أَوْ صُلِّبْتُمْ ، وَلَا تَتْرُكُوا الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدِينَ ، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْمِلَّةِ ، وَلَا تَقْرَبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا رَأْسُ الْخَطَايَا )
.
وهذا إسناد ضعيف ، يزيد بن قوذر : مجهول الحال ، ذكره البخاري في "التاريخ" (8/353) ، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/ 284) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا .
وسلمة بن شريح قال الذهبي في "الميزان" (2/190) : " لا يعرف "
وأقره الحافظ في "اللسان" (3/69) .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في " ضعيف الترغيب والترهيب "(300) .
وفي معناه أيضا : حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ: " أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ: ( لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا
فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) .
رواه ابن ماجة (4034) من طريق شهر بن حوشب قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وفي إسناده ضعف" انتهى من "تلخيص الحبير" (2/148) ، وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
فمثل حديث عبادة ، أو حديث أبي الدرداء ، يذكره العلماء عادة ، في مثل هذه المقام ، لأن ضعفه يسير ، يحتمل أن ينجبر بغيره من الشواهد .
وينظر : "مختصرُ استدرَاك الحافِظ الذّهبي على مُستدرَك أبي عبد اللهِ الحَاكم"
لابن الملقن (5/2405-2409) ، حاشية المحقق ، حيث تتبع طرقه ، وصححه بها .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 14:56
ما صحة الحديث الوارد في فضل زيارة قبر علي بن موسى الرضا رحمه الله ؟
السؤال:
ما صحة هذا الحديث : ( ستُدفن بضعة منِّي بأرض خراسان ، لا يزورها مؤمن إلاّ أوجب الله له الجنّة ، وحرّم جسده على النار ) ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الخبر المذكور خبر موضوع لا أصل له ، ولا يعرفه أهل السنة ، إنما يعرفه من يُعرف بالكذب على الله ورسوله ويتدين بذلك من الرافضة أهل الزيغ والضلالة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الرَّافِضَةَ أَكْذَبُ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَهُمْ أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ الْمُدَّعِيَةِ لِلْإِسْلَامِ غُلُوًّا وَشِرْكًا "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/175) .
وهذا الخبر أخرجه ابن بابويه القمي الرافضي في "الأمالي" (107) من طريق مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِىِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ : قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتُدْفَنُ بُضْعَةٌ مِنِّي بِأَرْضِ خُرَاسَانَ
لا يَزُورُهَا مُؤْمِنٌ إِلا أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْجَنَّةَ ، وَحَرَّمَ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ) .
وهذا إسناد تالف :
- محمد بن زكريا هو الغلابي ، وهو متهم .
قال الدارقطني: "يضع الحديث" .
وقال ابن حبان : " في روايته عن المجاهيل بعض المناكير" .
ينظر: "لسان الميزان" (5/ 168-169) .
وقال الذهبي : "كذاب" ، كما في "ميزان الاعتدال" (3/166) .
- وجعفر بن محمد شيخه لم نعرفه ، ولعله من المجهولين الذين كان يروي عنهم تلك المناكير التي أشار إليها ابن حبان .
- وأبوه لم نعرفه أيضا .
ورواه العاملي في "وسائل الشيعة" (14/557) من طريق أخرى بلفظ : ( ستدفن بضعة مني بأرض خراسان ، ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته ، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه ) .
وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي وهو رافضي كذاب ، قال الإمام أبو حنيفة : " ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء ، ولا أكذب من جابر الجعفي
ما أتيته بشيء إلا جاءني فيه بحديث ، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها " .
وكذبه أيضا : ابن معين ، والجوزجاني وغيرهما .
وقال ابن حبان: "كان سبئيا ، من أصحاب عبد الله بن سبأ، كان يقول: إن عليا يرجع إلى الدنيا" .
ينظر : "ميزان الاعتدال" (1/380-383) .
فهذا حديث باطل ، لا تجوز روايته إلا لبيان حاله .
بل إن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يصح في فضلها ، أو ترتيب أجر خاص عليها : حديث ، فكيف بقبور غيره من الناس .
ينظر : "مجموع الفتاوى" (24/ 356-357) .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 14:59
حديث مبايعة سعاد بنت سلمة النبيَّ صلى الله عليه وسلم .
السؤال:
ما معنى أن الصحابية سعاد بنت سلمة رضي الله عنها بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم على ما في بطنها ، وقال لها : ( أنت حرة الحرائر) ؟
الجواب :
الحمد لله
ذكر ابن سعد في " الطبقات "(8/ 299) في ترجمة سُعَاد بِنْتِ سَلَمَةَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أنها أسلمت ، وبايعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال : " وهي التي سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبايعها على ما في بطنها - وكانت حاملا - فقال لها رسول الله : أَنْتِ حُرَّةُ الْحَرَائِرِ " . وفي رواية : ( أنت حُرَّةٌ من الْحَرَائِرِ) .
وذكر نحوه ابن الأثير في "أسد الغابة" (7/141) ، وأبو جعفر البغدادي في "المحبر" (ص428)
وانظر : "الإصابة" (8/ 176) .
ولم يذكر أحد من هؤلاء العلماء ولا غيرهم سندا لهذا الخبر ، فهو خبر ضعيف ، لا يصح .
والمشهور في بيعة النساء ما رواه البخاري (4891) ، ومسلم (1866) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ
بِقَوْلِ اللَّهِ : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ) إِلَى قَوْلِهِ (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ
قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ بَايَعْتُكِ) ، كَلاَمًا ؛ وَلاَ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ: ( قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ ) " .
وعند مسلم : " قالت عائشة : وَاللهِ ، مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى " .
وروى البخاري (4892) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْنَا: (أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) ، وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ " .
وإذا قدر ثبوت خبر سعاد بنت سلمة هذا ، فالظاهر من معناه ، - والله أعلم - : أنها أرادت أن تبايع على الإسلام ، لنفسها ولما في بطنها
فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها امرأة حرة عفيفة ، وأن ما في بطنها هو ابنها من زوجها ؛ فإن المعروف عن حرائر النساء في الجاهلية أنهن كن لا يزنين .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 15:03
حديث باطل لا أصل له في فضل قيام الليل .
السؤال:
رأيت هذه الرسالة في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي
: "يا عبد الله إن قمت من الليل ولم تتوضأ ولم تصلِ فقد خنت أمانتي ، وإن توضأت وصليت ودعوتني فلم أستجب لك فقد خنت أمانتك" . يقال :إن هذا حديث قدسي ، فهل هذا صحيح ؟
وما مدى صحته ؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الكلام لا أصل له في دين الله ، وهو قول مختلق مصنوع ، بل باطل منكر ، وجرأة على مقام الله جل جلاله ، ولا يجوز وصف الله عز وجل بحال أنه يخون الأمانة ، تعالى الله عن ذلك .
ومن قام من الليل ولم يتوضأ ولم يصل فلا إثم عليه ، وإن كان المستحب له أن يتوضأ ويصلي ، ولكن لا يقال لمن قام ولم يصل : إنه خان أمانة الله .
ومما يدل على بطلان هذا الحديث ما رواه البخاري في صحيحه (1154) عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا ، اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ) .
قال ابن بطال رحمه الله :
" فيه ما وعد الله عباده على التيقظ من نومهم ، لهِجَةً ألسنتُهم بشهادة التوحيد له والربوبية ، والإذعان له بالملك، والاعتراف له بالحمد على جزيل نعمه التي لا تحصى
رطبةً أفواهُهم بالإقرار له بالقدرة التي لا تتناهى ، مطمئنةً قلوبهم بحمده وتسبيحه ، وتنزيهه عما لا يليق بالإلهية من صفات النقص ، والتسليم له بالعجز عن القدرة عن نيل شيء إلا به تعالى
؛ فإنه وعد بإجابة دعاء من بهذا دعاه، وقبول صلاة من بعد ذلك صلى ، وهو تعالى لا يخلف الميعاد ، وهو الكريم الوهاب " .
انتهى من "شرح صحيح البخارى" (3/ 147-148).
فيدل هذا الحديث على أن من استيقظ من الليل ، ثم قال هذا الذكر ، ثم دعا ربه : استجاب الله له ، وإن لم يتوضأ ولم يصل ؛ فكيف يقال بعد ذلك : إنه خان الأمانة؟!
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 15:08
هل صح حديث ( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ ) ؟
السؤال :
بما أنه كان أبو بكر رضي ألله عنه أحب الرجال إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
فكيف يمكن أن يقول : " إذا كان من نبي بعدي سيكون عمر" ، رضي الله عنه ؛ لماذا لا يكون أبو بكر رضي الله عنه ؟
وهل هذا الحديث صحيح أم ضعيف ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى الإمام أحمد (17405) ، والترمذي (3686) ، والحاكم (4495) من طريق مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ) .
وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم : فصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الترمذي ، وكذا حسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وذهب بعض أهل العلم إلى ضعف الحديث ، وإعلاله :
قال إبراهيم بن الحارث: إن أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد - سئل عن حديث عقبة بن الحارث : ( لو كان بعدي نبي لكان عمر)؟
فقال: " اضرب عليه ؛ فإنه عندي منكر " .
انتهى "المنتخب من علل الخلال" (ص 191) .
وعلته : مشرح بن هاعان ، فإنه وإن وثقه ابن معين ، فقد قال ابن حبان : " يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها ، فالصواب ترك ما انفرد به " .
انتهى من "تهذيب التهذيب" (10/ 155) .
وهذا مما انفرد به عن عقبة ، فهو منكر على قول ابن حبان ، وهو مما يتوافق مع قول الإمام أحمد .
وله شاهد من حديث عصمة ، رواه الطبراني في "الكبير" (475) وفي إسناده الفضل بن المختار ، قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة ، يحدث بالأباطيل.
وقال الأزدي: منكر الحديث جدا .
وقال ابن عدي : أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها.
"ميزان الاعتدال" (3/ 358) .
وله شاهد آخر من حديث أبي سعيد ، قال الهيثمي :
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَفِيهِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ بَشِيرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ".
انتهى من "مجمع الزوائد" (9/ 68) .
وعبد المنعم بن بشير متروك متهم ، قال ابن حبان: منكر الحديث جدا، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال الختلى : سمعت ابن معين يقول: " أتيت عبد المنعم ، فأخرج إلي أحاديث أبي مودود ، نحوا من مائتي حديث كذب " .
انتهى من "ميزان الاعتدال" (2/ 669) .
فهذان الشاهدان لا يعتد بهما لضعفهما الشديد .
وينظر : تعليق محقق "المنتخب من علل الخلال" (190-192) .
ثانيا :
على القول بصحة الحديث :
لماذا قال ( لو كان بعدي نبي لكان عمر ) ولم يقل : لكان أبو بكر " فإن أبا بكر رضي الله عنه أفضل من عمر باتفاق أهل السنة ؟
للعلماء في ذلك أقوال :
- منها : أن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، ومثل هذه الأمور لا تنبني على المقاييس أو التقديرات العقلية ؛ فلو قدر أن يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكان عمر
وإذاً لهيأ الله لذلك أسبابه ، ولجعل عمر رضي الله عنه أهلا لذلك ، ولكمل خصاله لتتأهل إلى مقام النبوة .
- ومنها : الإخبَار أَنَّ النُّبُوَّةَ لَيْسَتْ بِاسْتِحْقَاقٍ وَلَا بِعِلَّةٍ تَكُونُ فِي الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّ بِهَا النُّبُوَّةَ وَيَسْتَوْجِبُ الرِّسَالَةَ، بَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ محض مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاصْطِفَاءٌ .
قال أبو بكر الكلاباذي رحمه الله :
" أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّا لَمْ يَكُنْ ، أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ ، بِقَوْلِهِ : (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) الأنعام/ 28
بِقَوْلِهِمْ : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) المؤمنون/ 107
فَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ) فِيهِ إِبانةٌ عَلَى الْفَضْلِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالْأَوْصَافِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَنْبِيَاءِ ، وَالنُّعُوتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُرْسَلِينَ.
فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَافًا مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَخِصَالًا مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُرْسَلِينَ، مُقَرَّبٌ حَالُهُ مِنْ حَالِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ إِخْبَارٌ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَيْسَتْ بِاسْتِحْقَاقٍ ، وَلَا بِعِلَّةٍ تَكُونُ فِي الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّ بِهَا النُّبُوَّةَ ، وَيَسْتَوْجِبُ الرِّسَالَةَ ، بَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاصْطِفَاءٌ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) آل عمران/ 179
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) الحج/ 75
وَقَالَ تَعَالَى : ( لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) الزخرف/ 32
فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى أَوْصَافِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ مِنْهَا كَثِيرًا، لَوْ كَانَتِ الْأَوْصَافُ مُوجِبَةً لِلرُّسُلِ لَكَانَ عُمَرُ بَعْدِي رَسُولًا.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّ خَاصَّةَ الْأَوْصَافِ الَّتِي كَانَتْ فِي عُمَرَ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ ، قُوَّتُهُ فِي دِينِهِ وَبَدَنِهِ، وَسِتْرُهُ ، وَقِيَامُهُ بِإِظْهَارِ دِينِ اللَّهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِظُهُورِ الْحَقِّ وَإِعْزَازِ الدِّينِ
وَفُرْقَانِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الْفَارُوقَ .
فَالْخَوَاصُّ الَّتِي تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ ، الصِّدْقُ لِلَّهِ ، وَالثَّقَةُ بِاللَّهِ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا دُونَ اللَّهِ ، وَذَلِكَ فِي صِدْقِ الْقَوْلِ ، وَشَجَاعَةِ الْقَلْبِ ، وَسَخَاوَةِ النَّفْسِ
هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ مِنْ أَخَصِّ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلنَّاسِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يَطَلِّعُ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ وُجِدَتْ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي أَبِي بَكْرٍ، أَكْثَرَ مِمَّا وُجِدَتْ فِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ، ثُمَّ لَمْ يُخْبِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَوَ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، لِيعْلَمَ أَنَّ النُّبُوَّةَ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاصْطِفَاءِ لَا بِالْأَسْبَابِ.
وَقَوْلُهُ : ( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ) لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا ، كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا
جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
انتهى باختصار من "بحر الفوائد" (ص 283) .
- ومنها : أنه خص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها ، فوافق فيها قوله ، ما نزل من القرآن بعد
فكان قريبا من النبوة قربه من القرآن ، إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
قال المناوي رحمه الله :
" قال ابن حجر: خص عمر بالذكر : لكثرة ما وقع له في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها ، ووقع له بعده عدة إصابات " .
انتهى من "فيض القدير" (5/ 325) .
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : ( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ) رواه البخاري (4416) ، ومسلم (2404) .
فكان عليّ قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم ، باعتبار قرب نسبه منه مع ما يتحلى به من الإيمان ، فكذلك هنا .
ولذلك فإن العلماء إنما يذكرون هذا الحديث في باب فضائل عمر ، ولا يذكره واحد منهم ليستدل به على أنه أفضل من أبي بكر ؛ لإطباقهم على أن أبا بكر أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
بعد ذكر الحديث السابق ، وعدة أحاديث في مقام عمر رضي الله عنه ، وأنه ملهم ، محدَّث :
" ومع هذا ، فالصديق أكمل منه ؛ فإن الصديق كمل في تصديقه للنبي ، فلا يتلقى إلا عن النبي ، والنبي معصوم ، والمُحَدَّث كعمر : يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهَمُه ، ويحدَّث به
لكن قلبه ليس معصوما ، فعليه أن يعرض ما ألقي عليه على ما جاء به الرسول ، فإن وافقه : قبله ، وإن خالفه رده .
ولهذا قد رجع عمر عن أشياء ، وكان الصحابة يناظرونه ، ويحتجون عليه ؛ فإذا بُيِّنت له الحجة من الكتاب والسنة : رجع إليها ، وترك ما رآه .
والصديق : إنما يتلقى عن الرسول ، لا عن قلبه ؛ فهو أكمل من المحدَّث ، وليس بعد أبي بكر صدِّيق أفضل منه ، ولا بعد عمر محدَّث أفضل منه . "
انتهى من "الرد على المنطقيين" (514).
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 15:17
أثر استماع المعازف وشرب النبيذ في حكم رواية الراوي
السؤال:
هل يطعن في الرواة أنهم موسيقارية ويشربون ؟
كما في الأمثلة الآتية :
جاء في " الإرشاد في معرفة علماء الحديث ": يوسف بن يعقوب ، أبو سلمة الماجشون ، ثقة ، سمع الزهري ويحيى بن سعيد وغيرهما ، روى عنه الكبار
وعمر حتى سمع منه يحيى بن معين ، وعلي بن مسلم الطوسي ، وهو وإخوته يرخصون في السماع ، قال ابن معين : كنا نأتي يوسف الماجشون فيحدثنا في بيت
وجواريه في بيت يضربن بالمعزفة ، وهو وإخوته وابن عمه يعرفون بذلك ، وهم في الحديث ثقات مخرجون في الصحاح .
عبد العزيز بن سلمة الماجشون ، مفتي أهل المدينة ، سمع الزهري وعبد الله بن دينار ، وروى عنه الأئمة ، مخرج في الصحيحين ، يرى التسميع ويرخص في العود .
والمراد بالتسميع سماع الأغاني من الجواري المملوكة ، روى له البخاري ، ومسلم ، والترمذي والنسائي ، وابن ماجه .
وفي كتاب " المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي"
: " أبو الحسن علي بن السراج المصري ببغداد ، وكان مستهترا بالشراب حافظا ، أملى من حفظه
قال السهمي : سمعت محمد بن مظفر الحافظ يقول : رأيته سكران على ظهر رجل يحمله من ماخور
قال الدارقطني : صالح ، وقيل إنه ربما تناول الشراب وسكر ، وقال : كان يعرف ويفهم ، ولم يكن بذا ، فإنه كان يشرب المسكر ويسكر
وقال الخطيب : كان حافظا عارفا بأيام الناس وأحوالهم ، وكذا وصفه الذهبي بالحفظ والإتقان والإمامة ، ثم قال : لكنه كان يشرب المسكر .
وقال ابن حجر : وهذا ينبغي احتمال شربه النبيذ المختلف فيه . واعتذار ابن حجر غير مسلّمٍ به ؛ لأن الحرمة واقعة على كل شراب مسكر ، نبيذ أو غيره ، وهذا كان يحمل على أظهر الرجال لشدة سكره .
وقول الإسماعيلي : هذا دليل واضح على أمانته في الأداء ، واستيفائه لشروطه في مقدمة كتابه ، حيث يذكر شيوخه ، ثم يوضح من ذم طريقه منهم ، لتجنب الرواية عنه.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
عدالة الراوي أحد ركني شروط قبول روايته ، إلى جانب الحفظ والضبط
وقد دل على هذا الشرط أدلة شرعية كثيرة
منها قول الله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) الحجرات/6 ، وقول الله عز وجل : ( وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور/4.
يقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :
" أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ، ضابطا لما يرويه ، وتفصيله : أن يكون مسلما ، بالغا، عاقلا
سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة ، متيقظا غير مغفل ، حافظا إن حدث من حفظه ، ضابطا لكتابه " .
انتهى من " المقدمة في علوم الحديث " (ص/104) .
ولهذا رد العلماء أحاديث بعض الرواة الذين عرفوا بالفسق والمجون وارتكاب كبائر المنكرات ، قال عباس الدوري : سمعت يحيى بن معين - وذكرت له شيخا كان يلزم ابن عيينة ، يقال له: ابن مناذر - فقال :
" أعرفه ، وكان صاحب شعر ، ولم يكن من أصحاب الحديث ، زاد ابن حماد : وكان يتعشق بن عبد الوهاب الثقفي ، وكان يقول فيه شعر ، وكان يشبب بنساء ثقيف
فطردوه من البصرة ، فخرج إلى مكة . وقالا : وكان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتى تلسع الناس
وكان يصب المداد بالليل في المواضع التي يتوضأ منها الناس حتى يسود وجوه الناس ، ليس يروي عنه رجل فيه خير "
انتهى من " الكامل في الضعفاء " (7/520) .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 15:17
ثانيا :
لكن المعصية التي ترفع العدالة وتثبت الجرح : هي القادحة المتفق على كونها معصية ، وبشرط أن تبلغ حد الكبيرة التي تُرَدُّ بها الشهادة ، ولم تقع بتأويل سائغ .
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" ولا يجرحه عن العدالة فعل صغيرة
لقول الله تعالى : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ) النجم/32. قيل : اللمم صغار الذنوب . ولأن التحرز منها غير ممكن "
.
انتهى من " المغني " (10/148) .
وهكذا فسر الإمام الصنعاني عبارة ابن الصلاح السابقة – في اشتراط سلامة الراوي من أسباب الفسق – فقال :
" أجمل ابن الصلاح أسباب الفسق ، فبينها المصنف بقوله بارتكاب الكبيرة والإصرار على الصغيرة "
كما في " توضيح الأفكار " (2/86)،
وقد توسع الأمير الصنعاني نقلا عن ابن الوزير في " العواصم من القواصم " في بيان قبول رواية من وقع في المفسق أو المكفر متأولا .
ينظر " توضيح الأفكار " (2/127-159) .
ويقول الشيخ عبد الله الجديع :
" المعصية القادحة هي المعلومة التي لا تقبل التأويل ، وليس منها الصغائر "
انتهى من " تحرير علوم الحديث " (1/379)
وانظر (1/236-237) ثم نقل عن يحيى بن معين تضعيف كل من عمر بن سعد ؛ لأنه قتل الحسين رضي الله عنه
وتضعيف يعقوب بن حميد بن كاسب لأنه محدود ، أي أقيم عليه الحد . وكلها مفسقات متفق عليها لا يقبل فيها التأويل
.
ثالثا :
ثم إن وقوع المسلم في السكر من كبائر الذنوب التي يتفق العلماء على أنها تخرم العدالة ، ولا تقبل معها الشهادة ولا الرواية ، وليست محلا للتأويل ولا للمعذرة .
سئل ابن المبارك عن العدل , فقال : " من كان فيه خمس خصال ، يشهد الجماعة ، ولا يشرب هذا الشراب ، ولا تكون في دينه خربة ، ولا يكذب ، ولا يكون في عقله شيء " .
انتهى من " الكفاية في علم الرواية " للخطيب البغدادي (ص/79) .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 15:18
رابعا :
لم نقف على أحد من الرواة الثقات الذين قبِل العلماءُ أحاديثَهم ، وصححوا مروياتهم : قد ثبت عليه السكر بالشراب المسكر .
وما ورد في السؤال من نقول وأقوال فهمت على غير وجهها ، وتحتاج إلى شيء من البيان :
أما علي بن سراج المصري ، المتوفى سنة (308هـ)، فليس له رواية في الكتب الستة ، ولا في المسانيد المشهورة المعتبرة ، وإنما له روايات متفرقة في بعض الكتب التاريخية
وقد رد النقاد حديثه لأجل ثبوت السكر عليه ، وإن كانوا أقروا بحفظه وإتقانه ، قال الدارقطني رحمه الله : " كان يعرف ويفهم ، ولم يكن بذاك ؛ فإنه كان يشرب المسكر
ويسكر "
انتهى من " سؤالات السلمي " (ص/209)، وهذا ليس حكما بقبول حديثه ، بل فيه جرح ظاهر للراوي ، ولا يعرف للدارقطني تصحيح حديث فيه هذا الراوي .
وأما قول حمزة السهمي : " سمعت محمد بن مظفر الحافظ يقول : رأيت علي بن سراج المصري سكران على ظهر رجل يحمله من ماخور "
انتهى من " سؤالات السهمي " (ص223). فهو يؤكد ما سبق ، ويؤكد أنه لا يغني الحفظ مع ثبوت السكر على الراوي ؛ لذلك لا يقبل تفرده بحديث دون غيره من الرواة
كما قال الحافظ الذهبي رحمه الله : " ضُعِّف لشربه المسكر "
ينظر " ذيل ديوان الضعفاء " (ص/49).
وإن كان قد يستأنس بكلامه في بعض الأمور التاريخية ، كما قال الخطيب البغدادي رحمه الله : " كان حافظا عارفًا أيام النّاس وأحوالهم "
انتهى من " تاريخ بغداد " (13/385)، وانظر ترجمته في " تاريخ دمشق " (41/507)، لكن ذلك لا يعني أن المحدثين قبلوا حديثه ، فَفْهم كلام المحدثين يجب أن يكون دقيقا
لأنهم أصحاب مصطلحات دقيقة وعناية فائقة ، ولم نرَهم قبِلوا حديثَ هذا الراوي في كتب الحديث ، ونقلهم عنه بعض الأمور التاريخية أو في علم الرجال كان على سبيل الاستئناس ، وليس على سبيل الديانة
ولهذا لا مانع من وصف الراوي السكير بكونه يحفظ ويفهم ، ولكن العبرة بعد ذلك بقبول حديثه والأخذ به .
ثم إن الحافظ ابن حجر لم يدافع عن علي بن السراج في كتابه " لسان الميزان "، ولم يقل : " ينبغي احتمال كونه كان يشرب النبيذ المختلف فيه "
بل قال " هذا ينفي احتمال كونه كان يشرب النبيذ المختلف فيه "، يريد أن يؤكد أنه كان يسكر تماما فيقع في المحذور إجماعا ، مستندا إلى الرواية السابقة أنه كان يحمل على ظهور الرجال لسكره .
ولكن وقع تصحيف في الطبعة المتداولة ، فأصل الكلمة ( ينفي ) كما هي في الطبعة التي بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله (5/542)
تصحفت في الطبعة المتداولة لدائرة المعارف النظامية في الهند (4/231) إلى ( ينبغي )، وبهذا نكون قد أجبنا على إشكال السائل بحمد الله .
خامسا :
أما إذا كانت المعصية مما يقبل التأويل ، أو كانت محل اختلاف بين الفقهاء والعلماء ، فالصواب الذي عليه جمهور المحدثين هو عدم جرح الراوي بتلك المعصية ، وعذره لتأويله فيها ، وأخذه بقول المرخِّص من أهل العلم .
ومثال ذلك الترخص في المعازف الذي نقل عن يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون ، المتوفى سنة (185هـ)، قال فيه يحيى بن معين : " كنا نأتي يُوسُف الماجشون فيُحدِّثنا في بيته وجواريه في بيتٍ آخر له يضربن بمعزفة "
انتهى من " التاريخ الكبير " لابن أبي خيثمة (2/362)
وقال الخليلي رحمه الله :
" هو وإخوته وابن عمه يُعرَفون بذلك , وهم في الحديث ثقات مخرجون في الصحاح "
انتهى من " الإرشاد " (1/309) .
وعلق عليه الذهبي رحمه الله بقوله
: " أهل المدينة يترخصون في الغناء ، هم معروفون بالتسمح فيه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الأنصار يعجبهم اللهو )" انتهى من " .
سير أعلام النبلاء " (8/372) .
ومع ذلك فقد وثقه ابن معين وأبو داود ، وأخرج حديثَه الشيخان البخاري ومسلم ، ولم يضعف العلماء حديثه لأجل مذهبه في الغناء .
وهكذا جاء في ترجمة " عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، مفتي أهل المدينة ، سمع الزهري ، وعبد الله بن دينار ، وغيرهما ، روى عنه الأئمة ، مخرج في الصحيحين ، يرى التسميع ، ويرخص في العود "
انتهى من " الإرشاد " (1/310).
وفي ترجمة ابنه عالم المدينة ومفتيها ، عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، تلميذ الإمام مالك رحمه الله المتوفى سنة (212هـ)
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" كان فقيها فصيحا ، دارت عليه الفتيا في زمانه إلى موته ، وعلى أبيه عبد العزيز قبله ، فهو فقيه ابن فقيه ، وكان ضرير البصر ، وقيل إنه عمي في آخر عمره
روى عن مالك وعن أبيه ، وكان مولعا بسماع الغناء ارتحالا وغير ارتحال . قال أحمد بن حنبل : قدم علينا ومعه من يغنيه "
انتهى من " الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء " (ص/57)
وينظر " سير أعلام النبلاء " (10/359) .
ومع ذلك : فلم يرد النقاد حديثه لأجل مذهبه في سماع المعازف ؛ لأنها من مسائل الخلاف بين التابعين ، ثم استقر الاتفاق في معتمد مذاهب الفقهاء الأربعة على التحريم ، لذلك قبلوا بعض مروياته
وضعفوا أخرى لأجل عدم حفظه وضبطه ، وكثرة الأخطاء فيها ، قال أبو داود : " كان لا يعقل الحديث " ، وقال أحمد بن حنبل : " من يأخذ عن عبد الملك ؟! " .
ينظر " تهذيب التهذيب " (6/408) .
ويلحق به أيضا : الرواة الذين يرون شرب بعض أنواع النبيذ على مذهب أهل العراق في ذلك الزمن ، بحيث لا يبلغ حد الإسكار
قال يحيى بن معين رحمه الله :
" وكيع وابن نمير كانوا يشربون النبيذ ، وإنما كان نبيذهم يجعلونه في التنور ، يشربونه اليوم واليومين والثلاثة ويهريقونه ، ولا يشربون كل نبيذ يزداد على الترك جودة ".
انتهى من " كلام يحيى بن معين في الرجال " رواية ابن طهمان (ص/73) .
وقد قال أبو حاتم الرازي رحمه الله :
" جاريت أحمد بن حنبل من شرب النبيذ من محدثي الكوفة ، وسميت له عدداً منهم ، فقال : هذه زلات لهم ، ولا تسقط بزلاتهم عدالتهم " .
ينظر " الجرح والتعديل " (2/26) .
وقد قال العلامة المعلمي رحمه الله
: " على مذهب العراقيين في الترخيص في النبيذ ، ومثل ذلك لا يجرح به اتفاقاً "
انتهى من " التنكيل " (1/439) .
ومن أراد أن يتوسع في معرفة الفرق بين قول الجمهور وقول الحنفية وفقهاء العراق والكوفة في باب الأشربة ، وتحديد نوع النبيذ الذي اختلفوا في حكمه
فيمكنه مراجعة " الموسوعة الفقهية " (5/11-20)، أما السكر بالشراب فمحرم بإجماع العلماء .
وما سبق يبين دقة المحدثين في منهجهم في الحكم على الرواة ، وإقامة موازين الحق والقسط في قبول المرويات أو رفضها ، وما ذلك إلا بفضل الله أولا
ثم بفضل جهود علمية ممتدة عبر قرون الزمان ، بُذلت في سبيلها الدماء والأعمار والأموال .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 15:22
: الكلام على أثر عمر رضي الله عنه : " أَهْلُ الْعِرَاقِ كَنْزُ الْإِيمَانِ، وَجُمْجُمَةُ الْعَرَبِ.."
السؤال:
ما صحة المقولة : ( العراق جمجمة العرب ، وكنز الإيمان ، ومادة الأمصار ورمح الله في الأرض ، فاطمئنوا فان رمح الله لا ينكسر ) ، وما معناها ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى الفسوي في "المعرفة" (2/ 533) ، وابن سعد في "الطبقات" (6/86)، وابن أبي خيثمة في "تاريخه" (2/385) ، والخطيب في "تاريخه" (1/322) من طريق شَمرِ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:
" أَهْلُ الْعِرَاقِ كَنْزُ الْإِيمَانِ ، وَجُمْجُمَةُ الْعَرَبِ، وَهُمْ رُمْحُ اللَّهِ ، يحرزون ثُغُورَهُمْ، وَيَمُدُّونَ الْأَمصَارَ " .
وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة راويه عن عمر .
ورواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" (2/384) عن عبد الملك بن عمير عمن حدثه عن عمر به بنحوه .
وهذا ضعيف كسابقه .
ورواه الطبري في "تاريخه" (4/ 59) من طريق سيف ، عن أبى يَحْيَى التَّمِيمِيِّ ، عَنْ أَبِي مَاجِدٍ ، عن عمر به ، بنحوه .
وسيف هو ابن عمر التميمي وهو متهم
قال ابن حبان : اتهم بالزندقة ، يروى الموضوعات عن الأثبات ، وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط .
"المجروحين" (1 /345)
"تهذيب التهذيب" (4/260) .
وأبو ماجد مجهول لا يعرف .
ورواه ابن أبي شيبة (6/ 408) من طريق سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: " يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ ، أَنْتُمْ رَأْسُ الْعَرَبِ وَجُمْجُمَتُهَا ، وَسَهْمِي الَّذِي أَرْمِي بِهِ إِنْ أَتَانِي شَيْءٌ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا " .
وحبة العرني متروك ، قال ابن معين ليس بثقة ، وقال الجوزجاني كان غير ثقة ، وقال ابن خراش ليس بشئ ، وقال ابن حبان كان غاليا في التشيع واهيا في الحديث.
"تهذيب التهذيب" (2 /154) .
ورواه ابن أبي شيبة أيضا (6/ 408) مختصرا من طريق جَابِرٍ الجعفي ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: " كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أهل الكوفة : إِلَى رَأْسِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ " .
وجابر الجعفي متهم بالكذب ، انظر "الميزان" (1/380)
فهذا الأثر لا يصح عن عمر رضي الله عنه ، فيما نعلم ، ولم نقف له على طريق خال من مطعن .
ثانيا :
أما معناه :
فقوله " العراق جمجمة العرب " يعني أن أهلها سادات الناس
قال في "النهاية"(1/ 299):
" جُمْجُمَة الْعَرَبِ : أَيْ سادَاتها، لِأَنَّ الجُمْجُمَة الرأسُ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ " انتهى.
وقوله : " كنز الإيمان " يعني مجمعه .
والكَنْز في اللغة : اسمٌ لِلْمَالِ إِذا أُحْرِز فِي وِعَاءٍ .
"تهذيب اللغة" (10/ 58) .
وقوله : " رمح الله " يعني أن المجاهدين من أهله بمثابة الرمح في نحور أعداء الإسلام ، والعلماء من أهل السنة من أهله بمثابة الرمح في نحور أهل البدع .
وقوله : " يحرزون ثغورهم " أي يحفظون الثغور من بغتات العدو .
والحِرْز الموضع الحصين ، يقال هذا حِرْزٌ حَرِيزٌ ، ويقال أَحْرَزْت الشيء أُحْرِزُه إِحْرازاً إِذا حفظته وضممته إِليك وصُنْتَه عن الأَخذ .
انظر : "لسان العرب" (5 /333) .
وقوله : " ويمدون الأمصار " يعني هم لأهل الأمصار من بلاد الإسلام مدد وعون ، فيعينون المجاهدين ويمدونهم بالقوة والسلاح والغذاء وغير ذلك مما يحتاجونه .
ولا شك أن بلاد العراق لها في صفحات التاريخ الآثار الطيبة ، والمآثر العظيمة ، سواء في العلم أو الجهاد أو صد عدوان الأعداء عن بلاد المسلمين ، وإمداد المسلمين بالسلاح والمعونة لحرب أعدائهم وردّ كيدهم .
وقد مكثت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية عدة قرون من الزمان ، وكانت العراق حينئذ : حاضرة الإسلام ، ومعدن العلم والسلطان .
وقد خرّجت هي وغيرها من بلاد العراق من أعلام المسلمين وصلحاء الأمة وأبطالها ما لا يعد كثرة .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-18, 15:26
حديث : ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ ... ) لا يصح إلا موقوفا على عمر رضي الله عنه
السؤال :
سمعت بعض الناس يقولون : قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم : ( من كان في استطاعته أن يحج ، ولم يحج : يختار أن يموت يهوديا ، أو نصرانيا ) .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث رواه الترمذي (812) ، والبزار (861) ، والطبري في "تفسيره" (6/ 41)
وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/713) ، والبيهقي في "الشعب" (3692) من طريق هِلَال بْن عَبْدِ اللَّهِ ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ البَاهِلِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيُّ
عَنْ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ ، فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :
(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) .
وهذا إسناد ضعيف جدا .
قال الإمام الترمذي بعد روايته له :
" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ ، وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ ، وَالحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ " انتهى.
والحارث هو ابن عبد الله الأعور الهمداني ، كذبه الشعبي وابن المديني ، وقال ابن حبان : كان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث
وقال الذهبي : الجمهور على توهينه ، وضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي وغيرهم .
انظر : "تهذيب التهذيب" (2/ 145-14) .
وقال ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" (4/ 2419):
" قَالَ ابْن عدي: وهلال هَذَا لم ينْسب ، وَهُوَ مولى ربيعَة بن عَمْرو ، وَهُوَ مَعْرُوف بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَقَالَ البُخَارِيّ : حَدِيث هِلَال فِي الْحَج : مُنكر، قَالَ ابْن عدي: والْحَدِيث غير مَحْفُوظ " انتهى .
ورواه الدارمي في "سننه" (1826) من طريق شَرِيكٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مرفوعا .
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (2/ 486-487):
" وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ ، وَشَرِيكٌ سيء الْحِفْظِ ، وَقَدْ خَالَفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَأَرْسَلَهُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : .
.. فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ لَيْثٍ مُرْسَلًا " انتهى .
ورواه ابن عدي في "الكامل" (5/505) ، وابن الجوزي في "التحقيق" (2/ 118) من طريق عبد الرحمن القطامي ثنا أبو الْمُهَزّم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا به ، وقال ابن الجوزي عقبه :
" أَبُو الْمُهزم : اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَطَّامِيُّ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَاس كَانَ كَذَّابًا ، وَقَالَ ابْن حبَان يجب تَكْذِيب رِوَايَاتِهِ " انتهى .
ورواه النعالي في "جزئه" (71) : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، أنا شُعْبَةُ
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به .
ومحمد بن عبد الله هو أبو بكر الأشناني ، وهو متهم ، قال الدارقطني: كان دجالا. وقال الخطيب: كان يضع الحديث .
"
ميزان الاعتدال" (3 /605) .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي وغيره .
وقد صح من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
فرواه ابن أبي شيبة (3/ 306) عنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : " مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا " .
ثم رواه عَنْ عَدِيٍّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَمٍ، عَنْ عُمَرَ، مِثْلَهُ .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 14:53
اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
https://d.top4top.net/p_7927bchs1.gif (https://up.top4top.net/)
أقسام علم الحديث
السؤال
كم عدد العلوم التي تحتوي عليها أصول الحديث ؟ هل يمكنكم سردها لي ؟
الجواب
الحمد لله
علم الحديث النبوي في المصطلح ينقسم إلى قسمين : علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية .
قال السيوطي رحمه الله :
" قَالَ ابْنُ الْأَكْفَانِيِّ فِي كِتَابِ "إِرْشَادِ الْقَاصِدِ" الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى أَنْوَاعِ الْعُلُومِ:
" عِلْمُ الْحَدِيثِ الْخَاصُّ بِالرِّوَايَةِ: عِلْمٌ يَشْتَمِلُ عَلَى نَقْلِ أَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالِهِ، وَرِوَايَتِهَا، وَضَبْطِهَا، وَتَحْرِيرِ أَلْفَاظِهَا.
وَعِلْمُ الْحَدِيثِ الْخَاصُّ بِالدِّرَايَةِ: عِلْمٌ يُعْرَفُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الرِّوَايَةِ ؛ وَشُرُوطُهَا، وَأَنْوَاعُهَا، وَأَحْكَامُهَا، وَحَالُ الرُّوَاةِ ، وَشُرُوطُهُمْ ، وَأَصْنَافُ الْمَرْوِيَّاتِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا.
انْتَهَى " من "تدريب الراوي" (1/ 25) .
وعلم مصطلح الحديث ، علم بأصول وقواعد يُعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد ، ومباحثه وعلومه كثيرة متعددة
فمن ذلك معرفة المرفوع ، والموقوف ، والمقطوع والصحيح ، والضعيف ، والشاذ ، والمنكر ، والموضوع ، والمسند ، والمتصل ، والمعلق ، والمتفق ، والمفترق
والمؤتلف ، والمختلف ، والمتشابه ، والمهمل ، والمبهم ، والوفيات ، وعلم الجرح ، والتعديل ، والعلل ، وغير ذلك مما يمكن معرفته بمراجعة شي
من الكتب المصنفة في هذا العلم ؛ مثل اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير ، وشرح النخبة للحافظ ابن حجر ، وغيرها من المصنفات المعروفة .
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 14:56
ذكر أسماء بعض علماء الحديث على مر العصور من لدن الصحابة إلى يومنا هذا .
السؤال
هل يمكنكم وضع قائمة بأسماء علماء الحديث منذ زمن الصحابة إلى يومنا هذا ؟
الجواب
الحمد لله
حصر علماء الحديث من لدن الصحابة إلى زماننا هذا وعدهم شيء لا قِبل لأحد به ، ولكن يمكننا الإشارة إلى أبرز علماء الحديث على مر العصور :
- فممن كانت له عناية ظاهرة بالحديث وروايته من الصحابة الخلفاء الراشدون الأربعة ، ثم أبو هريرة سيد الحفاظ ، وعبد الله بن عمرو بن العاص
ومعاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وأبي بن كعب ، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وأبو سعيد الخدري
وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وعائشة ، وأم سلمة وغيرهم رضي الله عنهم .
ثم من طبقة التابعين سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وعكرمة ، ونافع ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وخارجة بن زيد
والقاسم بن محمد ، وعروة بن الزبير ، وبكر بن عبد الله المزني ، وسليمان بن يسار ، وطاووس ، وعبد الله بن شقيق ، والزهري ، وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز .
ثم علماء الحديث من أتباع التابعين الذين كان لهم بصر به وهم في الجملة أول من نظر في الإسناد وتكلم عن أحوال الرواة ، فمنهم مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجاج
وأبو إسحاق الفزاري ، والأوزاعي ، والأعمش ، ومعمر بن راشد ، وعبد الله بن المبارك ، وغيرهم .
ثم من أخذ عن هؤلاء من أئمة الحديث وعلماء الجرح والتعديل كيحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني
ويحيى بن معين ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد ، ونعيم بن حماد ، وهناد بن السري ، وعمرو بن علي الفلاس .
ثم البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجة ، والذهلي ، والدارمي ، وأحمد بن سنان القطان ، وأحمد بن منصور الرمادي
وحجاج بن الشاعر ، وإبراهيم الحربي وعباس الدوري ، وابن أبي خيثمة ، وزكريا بن يحيى الساجي ، وأبو حاتم الرازي ، وأبو زرعة الرازي .
ثم ابن خزيمة ، وابن حبان ، والعقيلي ، والطبراني ، وأبو سعيد بن يونس ، وابن النجاد ، وابن الأخرم النيسابوري ، وحمزة الكناني ، وأبو بكر الجعابي ، وأبو بكر الشافعي ، وأبو بكر بن السني ، وأبو أحمد بن عدي .
ثم أبو الفتح الأزدي ، وأبو إسحاق المستملي ، وأبو زيد المروزي ، وأبو أحمد الجرجاني ، وأبو أحمد الحاكم ، وأبو سعيد الرازي ، وأبو حفص بن شاهين
وأبو الحسن الدارقطني ، والخطيب البغدادي ، والمعافى بن زكريا ، وأبو عبد الله بن منده .
ثم أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، وأبو حامد الإسفرائيني ، وعبد الغني الأزدي ، وأبو سعد الماليني ، وأبو بكر بن مردوية ، وأبو نعيم الأصبهاني .
ثم أبو بكر البيهقي ، وأبو يعلى الخليلي ، وأبو الفتح الرازي ، وأبو حفص النيسابوري ، وأبو مسعود البجلي .
ثم أبو طاهر الثقفي ، وأبو يعلى الصابوني
وأبو محمد البلخي ، وابن حزم القرطبي ، وأبو نصر الموصلي .
ثم أبو الفضل النيسابوري ، وأبو إسماعيل الهروي ، وأبو عمرو المزكى ، وأبو إسحاق الحبال وأبو الفتح الأصبهاني ، وأبو الفرج الشيرازي ، وأبو المظفر السمعاني .
ثم أبو الحسن الهراسي ، وشجاع بن فارس الزهري ، وأبو الفضل المقدسي ، وأبو طاهر الحنائي الدمشقي ، وأبو يعلى بن الفراء الحنبلي.
ثم أبو محمد هبة الله بن سهل النيسابوري ، وأبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري القارىء ، وأبو القاسم تميم بن أبي سعيد الجرجاني
وأبو محمد طاهر بن سهل الاسفرائيني ، وأبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني ، وأبو محمد عبد الحق الغرناطي
.
ثم أبو مسعود الأصبهاني ، وأبو الفتوح الهمذاني ، وأبو المظفر التريكي العباسي ، وأبو العلاء العطار.
ثم ابن بشكوال القرطبي ، وأبو الفضل الطوسي ، وقطب الدين النيسابوري ، وأبو محمد الأزدي .
ثم موفق الدين بن قدامة ، وأبو البركات السعدي ، وأبو الطاهر الأنماطي ، وأبو طالب الواسطي وابن الصلاح ، والنووي .
ثم ابن تيمية ، وابن القيم ، والمزي ، وابن عبد الهادي ، وابن كثير.
ثم العراقي ، والهيثمي ، وابن حجر العسقلاني ، والسخاوي ، والسيوطي .
ثم حصلت ندرة واضحة في علماء الحديث خاصة ، وكان من أبرزهم في العصور المتأخرة المباركفوري ، والسندي ، وجمال الدين القاسمي ، وإسماعيل بن محمد العجلوني .
ثم أحمد شاكر ، والألباني ، وعبد العزيز بن باز ، ومقبل بن هادي الوادعي .
راجع للفائدة إجابة السؤال القادم
وللاستزادة راجع كتاب "المعين في طبقات المحدثين" للحافظ الذهبي .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:02
أصحاب الكتب الستة
السؤال
من هم أصحاب الكتب الستة وهل يوجد في كتبهم أحاديث ضعيفة ؟.
الجواب
الحمد لله
أصحاب الكتب الستة هم :
1- الإمام البخاري
2- الإمام مسلم
3- الإمام أبو داود
4- الإمام الترمذي
5 – الإمام النسائي
6 – الإمام ابن ماجه
وإليك تعريفا موجزا بكل واحد منهم :
أولاً : الإمام البخاري
وهو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَردِزبَة الجعفي البخاري ، كان جده المغيرة مولى لليمان الجعفي والي بخارى ، فانتسب إليه بعد إسلامه
. ولد ببخارى سنة 194 هـ ونشأ يتيما و أخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة ولما شب قام برحلة فقصد مكة وأدى فريضة الحج وبقي في مكة زمنا يتلقى العلم على أئمة الفقه والأصول والحديث,
ومن ثَم بدأ يرحل ويتنقل من صقع إسلامي إلى آخر على مدى ست عشرة سنة كاملة , طاف فيها بكثير من حواضر العلم يجمع فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمع ما يزيد على 600.000
حديث ورجع إلى ألف محدث وناقشهم فيها وكانوا ممن عُرفوا بالصدق والتقوى وصحة العقيدة , ومن هذه الجملة الكبيرة من الأحاديث انتقى كتابه الصحيح متبعا في بحثه عن صحتها أدق الأساليب العلمية ,
في البحث والتنقيب وتمييز الصحيح من السقيم ، وانتقاء الرواة حتى أودع كتابه أصح الصحيح ، ولم يستوعب كل الصحيح . واسماه ( الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ) .
وأراد أمير بخارى أن يأتي البخاري إلى بيته ليعلّم أولاده ويُسمعهم الحديث , فامتنع البخاري وأرسل إليه :
" في بيته يؤتى العلم" أي أن العلم يؤتى ولا يأتي ومن أراد العلماء فليذهب إليهم في المسجد والبيوت ، فحقد عليه وأمر بإخراجه من بخارى , فنزح إلى قرية (خرتنك) القريبة من (سمرقند) وفيها له أقارب ,
فأقام فيها إلى أن مات سنة 256 هـ عن 62 عاما. رحمه الله رحمة واسعة .
ثانياً : الإمام مسلم
وهو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري أبو الحسين. أحد الأئمة من حفاظ الحديث, ومن أعلام المحدثين , ولد بنيسابور يوم وفاة الإمام الشافعي سنة 204هـ ,
وطلب العلم في نيسابور ولما شب رحل في طلب الحديث إلى العراق والحجاز, وسمع من شيوخ كثيرين, وروى عنه كثيرون من رجال الحديث. أشهر كتبه: صحيحه المعروف بصحيح مسلم,
وهو أحد الكتب الستة المعتمدة في الحديث استغرق في تأليفه ما يقرب من خمس عشرة سنة, وصحيحه يلي صحيح البخاري في المكانة وقوة الأحاديث .وقد شرح صحيحه كثير من العلماء.
ومن كتبه كتاب الطبقات وكتاب الجامع وكتاب الأسماء, وغيره من مطبوع ومخطوط. توفي في مدينة نصر آباد , قرب نيسابور سنة 261 هـ عن 57 عاما. رحمه الله رحمة واسعة .
ثالثاً : الإمام أبو داود
وهو سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني, نسبة إلى سجستان . أبو داود. إمام أهل الحديث في عصره. صاحب كتاب السنن في الحديث, وهو أحد الكتب الستة المعتمدة.ولد سنة ( 202 )
ورحل إلى بغداد وتفقه بالإمام أحمد بن حنبل ولازمه وكان يشبهه, ورحل إلى الحجاز والعراق وخراسان والشام ومصر والثغور, وروى عنه النسائي والترمذي وغيرهما. كان في الدرجة العليا من النسك والصلاح
. جمع في كتابه السنن ما يقرب من ( 5300 ) حديث .
وقد طلب منه الأمير أبو أحمد طلحة (الموفق العباسي) أن يلبي له ثلاث خلال : أولها أن ينتقل إلى البصرة فيتخذها وطنا له لترحل إليه طلبة العلم فتعمر البلد به . وثانيها أن يروي لأولاده السنن ,
وثالثها أن يفرد لأولاده مجلسا خاصا , فإن أولاد الخلفاء لا يجلسون مع العامة. فقال له داود : أما الأولى فنعم والثانية فنعم وأما الثالثة فلا سبيل إليها , لأن الناس في العلم سواء ,
فكان أولاد الموفق العباسي يحضرون ويجلسون وبينهم وبين العامة ستر. استقر بالبصرة وبها توفي سنة 275 هـ عن 73 سنة . رحمه الله رحمة واسعة .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:02
رابعاً : الإمام الترمذي
وهو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي . أبو عيسى. من أهل (ترمذ) إحدى بلاد ما وراء النهر وإليها نسبته. أحد أئمة الحديث والحفاظ. ولد سنة ( 209 ) وتتلمذ
على البخاري وشاركه في بعض شيوخه. قام في طلب الأحاديث برحلة إلى خراسان والعراق والحجاز. اشتهر بالحفظ والأمانة والعلم. من شيوخه أحمد ابن حنبل وأبو داود السجستاني .
صنف (الجامع) المعدود من كتب الحديث الستة المعتمدة, جمع فيه فنونا من علل الحديث التي تفيد الفقيه
, فإنه يذكر الحديث وغالبه في أحكام الفقه , فيذكر أسانيده ويعدد الصحابة الذين رووه ويُصَحِّحُ ما صَح عنده ويُضَعف ما ضُعف , ويبين من أخذ بالحديث من الفقهاء ومن لم يأخذ,
فجامعه أجمع السنن وأنفعها للمحدث والفقيه. من تصانيفه أيضا كتاب الشمائل النبوية ,
والعلل في الحديث. عاش شطرا من حياته الأخيرة ضريرا بعد أن طاف في البلاد يجمع الروايات الصحيحة من أهل التثبت. توفي سنة(279 ) هـ عن 70 عاما. رحمه الله رحمة واسعة .
خامساً : الإمام النسائي
وهو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي. أبو عبد الرحمن. أصله من مدينة (نسا) بخراسان وإليها نسبته, وينسب إليها (نسوي) و (نسائي) . ولد سنة 215 هـ
وكان أحد أعلام الدين ،وأركان الحديث إمام أهل عصره ومقدمهم وعمدتهم . وجرحه وتعديله معتبر عند العلماء . قال الحاكم : سمعت أبا الحسن الدارقطني غير مرة يقول
: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث ، وبجرح الرواة وتعديلهم في زمانه .
وكان في غاية الورع والتقى ، وكان يواظب على أفضل الصيام ( صيام داود ) فكان يصوم يوماً ويفطر يوماً .
سكن بمصر وانتشرت بها تصانيفه ، وأخذ عنه الناس ثم انتقل إلى دمشق وتوفي يوم الاثنين الثالث عشر من شهر صفر سنة ( 300 ) عن 85 سنة . رحمه الله رحمة واسعة .
سادساً : الإمام ابن ماجه
وهو محمد بن يزيد الربعي القزويني. أبو عبد الله. كان أبوه يزيد يعرف بـ (ماجة) فعرف بابن ماجة . و(الربعي) نسبة لربيعة التي ينتسب إليها بالولاء الحافظ المشهور مصنف كتاب السنن في الحديث
ولد في (قزوين) وإليها نسبته . سنة ( 209 ) ، وارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكتابة الحديث . صنف في رحلته ثلاثة كتب: كتاب في التفسير,
وكتاب في التاريخ وفيه دَوَّن أخبار الرجال الذين دونوا السنة من عصر الصحابة إلى عصره
وكتاب السنن. توفي ابن ماجة في يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين ،عن 64 عاما . رحمه الله رحمة واسعة .
حكم الأحاديث التي في هذه الكتب :
أما صحيحا البخاري ومسلم فقد تلقت الأمة ما جاء فيهما من الأحاديث بالقبول ، وأجمعوا على صحة كل ما فيهما إلا ألفاظاً يسيرة جدا أخرجها البخاري ومسلم ليبينوا عِلَّتها إما تصريحا أو تلميحا
كما نبه على ذلك العلماء المحققون الدارسون لهذين الكتابين
ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وأما سائر كتب السنن فإنها لا تخلو من وجود أحاديث ضعيفة في ثناياها ،بعضها نبه عليها صاحب الكتاب
وبعضها بيّنها غيره من العلماء ، ولم يحرصوا رحمهم الله على بيان جميع الضعيف لأنهم أوردوا الأحاديث بالأسانيد ، فيسهل معرفة الصحيح من الضعيف على أهل العلم بمراجعة رجال السند ومعرفة حالهم من الثقة والضعف .
ومن العلماء المشهورين في هذا الشأن أحمد والدار قطني ويحيى بن معين وابن حجر والذهبي والواقي والسخاوي ومن المعاصرين الألباني وأحمد شاكر وغيرهم رحمة الله على الجميع ، والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:08
قصة المرأة التي رأت نور النبوة في وجه عبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
ما صحة قصة المرأة التي كانت ترى النور في وجه أبي النبي عبد الله قبل أن تحمل آمنة بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب
الحمد لله
هذه القصة والتي مفادها أن امرأة رأت نور النبوة في وجه عبد الله بن عبد المطلب أبي النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعته إلى نفسها ، فحال الله بينها وبين حصول ذلك :
هي قصة مشهورة مروية في عامة كتب السيرة ودلائل النبوة ، ولها طرق وأسانيد متعددة ، ولكن عامة أسانيدها واهية ، وإليك البيان :
- روى أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص131) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (3/404) والخرائطي كما في "البداية والنهاية" (2 /308) من طريق مُحَمَّد بْن عُمَارَةَ الْقُرَشِيُّ،
قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا خَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِابْنِهِ لِيُزَوِّجَهُ ، مَرَّ بِهِ عَلَى كَاهِنَةٍ مِنْ أَهْلِ تُبَالَةَ مُتَهَوِّدَةٍ
قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ الْخَثْعَمِيَّةُ، فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَتْ : يَا فَتَى، هَلْ لَكَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ الْآنَ ، وَأُعْطِيَكَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ :
أَمَّا الْحَرَامُ فَالْمَمَاتُ دُونَهْ * وَالْحِلُّ لَا حَلّ فَأَسْتَبِينَهْ * فَكَيْفَ لِي الْأَمْرُ الَّذِي تَبْغِينَهْ
ثُمَّ مَضَى مَعَ أَبِيهِ، فَزَوَّجَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، فَأَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ نَفْسَهُ دَعَتْهُ إِلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ الْخَثْعَمِيَّةُ
فَأَتَاهَا، فَقَالَتْ : يَا فَتَى، مَا صَنَعْتَ بَعْدِي؟ قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، قَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بِصَاحِبَةِ رِيبَةٍ ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ فِيَ وَجْهِكَ نُورًا ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ فِيَّ ، وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُصَيِّرَهُ حَيْثُ أَحَبَّ .
وهذا إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة :
مسلم بن خالد قال ابن المديني ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث ، وقال أبو حاتم لا يحتج به ، وضعفه أبو داود .
ينظر : "ميزان الاعتدال" (4/102) .
وابن جريج مدلس وقد عنعنه ، وقال الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس ، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح .
ينظر : "تهذيب التهذيب" (6 /359) .
- ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" (1/107) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَة بْن عَلْقَمَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بمعناه .
ومسلمة بن علقة قال الإمام أحمد وزكريا الساجي : حدث عن داود بن أبي هند أحاديث مناكير ، وقال العقيلي : له عن داود مناكير وما لا يتابع عليه من حديثه كثير
. وذكر له ابن عدي أحاديث وقال وله غير ما ذكرت مما لا يتابع عليه .
ينظر : "تهذيب التهذيب" (10 /132) .
وهذا من روايته عن داود كما ترى فهو من مناكيره .
وعبد الوارث بن إبراهيم لم نعثر له على ترجمة .
وابن قانع كان قد اختلط ، راجع : "لسان الميزان" (3 /383) .
- ورواه ابن سعد في "الطبقات" (1/ 78) أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ فَرَأَتْ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا سَاطِعًا إِلَى السَّمَاءِ ... فذكر معناه .
وهذا إسناد صحيح ، لكنه مرسل .
- وله شاهد يرويه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص: 130) من طريق أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ ، به .
وهذا إسناد واه ، محمد بن عبد العزيز قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف.
ينظر : "ميزان الاعتدال" (3 /628) .
- ورواه أبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص: 131) من طريق يَعْقُوب بْن مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ به .
ويعقوب بن محمد الزهري تالف ، قال أحمد ليس يسوي شيئا ، وقال أبو زرعة واهي الحديث ، وقال ابن معين أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي – والواقدي متهم - وقال الساجي منكر الحديث
"تهذيب التهذيب" (11 /348) .
- ورواه ابن سعد في "الطبقات (1/77 )
أخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا عَرَضَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ.
قَالَ ابن سعد : وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِامْرَأَةٍ مِنْ خَثْعَمٍ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُرٍّ. وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَأَشَبِّهِ وَأَعَفِّهِ. وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْكُتُبَ
. وَكَانَ شَبَابُ قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ إِلَيْهَا. فَرَأَتْ نُورَ النُّبُوَّةِ فِي وَجْهِ عَبْدِ اللَّهِ .
وهشام بن محمد وأبوه متهمان .
راجع "ميزان الاعتدال" (3/556)
"لسان الميزان" (6/196) .
- ورواه ابن سعد أيضا (1/77) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ.
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَالُوا جَمِيعًا: هِيَ قُتَيْلَةُ بِنْتُ نَوْفَلٍ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَكَانَتْ تَنْظُرُ وَتَعْتَافُ ، فَمَرَّ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَدَعَتْهُ يَسْتَبْضِعُ مِنْهَا وَلَزِمَتْ طَرَفَ ثَوْبِهِ
فَأَبَى وَقَالَ : حَتَّى آتِيَكِ ، وَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَوَجَدَهَا تَنْظُرُهُ .
فَقَالَ: هَلْ لَكِ في الذي عرضت علي؟ فقالت: لا ، مَرَرْتَ وَفِي وَجْهِكَ نُورٌ سَاطِعٌ ثُمَّ رَجَعْتَ وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ النُّورُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَتْ مَرَرْتَ وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ مِثْلُ غُرَّةِ الْفَرَسِ وَرَجَعْتَ وَلَيْسَ هِيَ فِي وَجْهِكَ.
ومحمد بن عمر هو الواقدي ، كذبه الشافعي وأحمد والنسائي وغيرهم ، وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث .
ينظر : "تهذيب التهذيب" (9 /326) .
- ورواه البيهقي في "الدلائل" (1/105) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّهُ ... ؛ فذكره بنحو مما سبق . وهذا مرسل .
- ورواه أبو نعيم في "الدلائل" (ص133) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَحْسَنَ رَجُلٍ رُؤِيَ قَطُّ ، خَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَيَّتُكُنَّ تَتَزَوَّجُ بِهَذَا الْفَتَى
فَتَصْطَبُّ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِنِّي أَرَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورًا ، فَتَزَوَّجَتْهُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَجْأَةً ، فَحَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
وهذا مرسل أيضا ، ولعل في هذه النسخة المطبوعة تصحيفا ، وأن الصواب : ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب ؛ فإن ذلك هو المعروف ، ولا نعرف في شيوخ ابن وهب من اسمه أحمد بن يونس .
والخلاصة :
أن هذا الحديث ضعيف من جميع طرقه ، وأن عامتها واهية لا يستشهد بها فضلا عن أن يحتج بها .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:13
هل ثبت أن زوجة عمر رضي الله عنه كانت ترفع صوتها فيسكت عنها ويصبر عليها ؟
السؤال
أفيدوني يرحمكم الله في صحة الخبر المنتشر في الآونة الأخيرة على الإنترنت ، وفيه أن رجلا غضب من زوجته ؛ لأنها ترفع صوتها عليه ، فذهَب إلى عـُمـر بن الخـَطـاب ليشكُوها
وعندما وصل وهمّ بطرق الباب ، سمع زوجة عمر صوتها يعلو على صوته ! فرجع يجر أذيال الخيبة. فما صحة هذا الخبر ؟
\
وإذا صح : فهل يستدل به على جواز رفع صوت الزوجة على زوجها؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
هذه القصة والتي مفادها أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا
فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَائِلًا : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَيْفَ حَالِي ؟ فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ : مَا حَاجَتُك يَا أَخِي ؟
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئتُ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي ؟
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ : إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا ، وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ
فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي ؟ قَالَ : فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ .
فهذه القصة لم نجد لها أصلا ، ولا وجدنا أحدا من أهل العلم بالحديث تكلم عليها بشيء ، وإنما ذكرها الشيخ سليمان بن محمد البجيرمي الفقيه الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (3/ 441-442)
كما ذكرها أيضا أبو الليث السمرقندي الفقيه الحنفي في كتابه "تنبيه الغافلين" (ص: 517) ، وكذا ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/80) ولم يذكر واحد منهم إسنادها
بل صدروها كلهم بصيغة التمريض التي تفيد التضعيف عادة : " ذُكر أن رجلا " ، " روى أن رجلا " ، وهذا مما يدل على أن القصة لا تصح ، ويؤيد ذلك ما يلي :
- مخالفتها للمشهور عن عمر رضي الله عنه في سيرته من كونه كان مهابا في الناس ، فكيف بزوجاته ؟
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : " مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له " رواه البخاري (4913) ومسلم (1479) .
وقال عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ : " شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إِلَّا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ رَجُلًا مَهِيبًا "
"حلية الأولياء" (4/151) .
- رفع صوت زوجة عمر عليه رضي الله عنهما حتى يسمعها من بالخارج وهو ساكت منكَر غير محتمل ، والذي يعرف حال أمير المؤمنين ينكر ذلك بالقطع
وهو الذي كان يخاف الشيطان منه ، ولو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه ، ورَفْعُ النساء أصواتهن واستطالتهن على أزواجهن لا يعرف في السلف .
- قوله " إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا " قول غير صحيح ، وخدمة المرأة زوجها واجبة عليها بالمعروف
والخلاصة : أن هذه القصة لا أصل لها ، ومتنها ينادي عليها بالنكارة وعدم الصحة .
وعلى ذلك : فلا يصح الاستدلال بها على جواز رفع الزوجة صوتها على زوجها .
ثانيا :
رفع الزوجة صوتها على زوجها من سوء الأدب وسوء العشرة ، فلا يجوز ذلك .
سئل الشيخ ابن عثيمين :
ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: " نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها من سوء الأدب ؛ وذلك لأن الزوج هو القوام عليها وهو الراعي لها فينبغي أن تحترمه وأن تخاطبه بالأدب
لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تبقى الألفة بينهما .
كما أن الزوج أيضاً يعاشرها كذلك ، فالعشرة متبادلة ، قال الله تبارك وتعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) .
فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها ، وأن لا ترفع صوتها عليه لا سيما إذا كان هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت " .
انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (19/ 2) - بترقيم الشاملة .
والله تعالى أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:19
هل يدعو بالحديث الضعيف أثناء سجوده..؟
السؤال
أريد أن أعرف هل الحديث والدعاء التاليين صحيحين أم لا؟
وإذا كانا صحيحين، فهل يمكنني أن أقول هذا الدعاء في السجود أو التشهد؟
وفي حالة أنهما غير صحيحين، فهل قول هذا الدعاء في التشهد أو السجود يكون من باب البدعة؟
الحديث هو: عن أَبي أُمامةَ رضيَ اللَّه عنْهُ قَالَ : دَعا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِدُعَاءٍ كَثيرٍ ، لم نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئاً ، قُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ دعوت بِدُعاءٍ كَثِيرٍ لم نَحْفَظ منْهُ شَيْئاً
فقَالَ : ( أَلا أَدُلُّكُم على ما يَجْمَعُ ذَلكَ كُلَّهُ ؟ تَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك مِن خَيرِ ما سأَلَكَ مِنْهُ نبيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وأَعُوذُ بِكَ من شَرِّ ما اسْتَعاذَ مِنْهُ نَبيُّكَ مُحمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ ، وعليْكَ البلاغُ ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ » رواهُ الترمذيُّ .
الجواب
الحمد لله
أولاً:
الحديث رواه الترمذي (3521)، من رواية ليث بن أبي سليم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " تقريب التهذيب " (2/464): " صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك " انتهى
والحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله "ضعيف الترمذي"وغيره .
على أن الدعاء المذكور في الحديث ، قد ثبت من في حديث آخر ، بأطول مما هنا :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ،
عَاجِلِهِ وَآَجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقْضِيهِ لِي خَيْرًا ) .
والحديث رواه أحمد في مسنده (24498) وابن ماجة (3846) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (1276) .
على أن الدعاء متى كان حسنا مناسبا ، صحيح المعنى : جاز الدعاء به ، ولو كان مرويا في حديث ضعيف ، بل ولو لم يكن مرويا في حديث أو أثر
أصلا ؛ فللعبد أن يتخير في صلاته من الدعاء بخير الدنيا والآخرة أعجبه إليه ، وأنسبه للمقام ؛ مع أن مراعاة الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أولى ، وأعظم بركة ؛ إلا أنه ليس شرطا .
قال - صلى الله عليه وسلم -: (..ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو) رواه البخاري (835) ومسلم (402) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) رواه مسلم (479).
وللاستزادة في معرفة حكم الدعاء المطلق والمقيد ينظر جواب السؤال القادم
والله أعلم
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:23
الدعاء المطلق لا يشترط فيه الورود في السنة
السؤال
سمعت أحد الجهلة يدعو ومما قال في دعائه : " رب لا تكلني إلى أحد ، وتحوجني إلى أحد ، واغنني عن كل أحد ، يا من له المستند ، وعليه المعتمد
هو الواحد الفرد الصمد ، لا شريك له ولا ولد . اللهم ردني من الضلال إلى الرشد ، وجنبني من كل خطيئة ونكد " فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء ؟
الجواب
الحمد لله
ينبغي أن تفرق – أخي السائل – بين نوعين من الدعاء :
النوع الأول : الدعاء المُقَيَّد : نعني به المرتبط بزمان أو مكان أو عبادة ، أو جاء الشرع بتقييده بعدد أو فضيلة ونحو ذلك من القيود
كالأدعية الواردة في استفتاح الصلاة ، وأذكار الصباح والمساء ، وأدعية النوم ، والطعام ، ونحوها .
فهذا النوع يجب التقيُّدُ فيه بما جاء في الشرع الحكيم ، من غير زيادة ولا نقصان ، ولا يجوز ابتداع شيء من الأدعية لتحل محل ما ورد في السنة .
وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب رضي الله عنه حين قال له :
( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ
رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ .
فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ .
قَالَ : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، قُلْتُ : وَرَسُولِكَ . قَالَ : " لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ " )
رواه البخاري (247) ومسلم (2710)
يقول العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه "العبادة" (ص/524) :
" وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها ، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه ، أليس هذا من الظلم والعدوان ؟! " انتهى .
أما النوع الثاني : فهو الدعاء المطلق : وهو سؤال الله الحاجات العامة والخاصة ، والتوجه إليه سبحانه بما يحتاجه المرء وما يريده ، كالدعاء في السجود ، وفي ثلث الليل الآخر ، وفي يوم عرفة ونحوه .
فمثل هذه الأدعية لا يُشترط فيها الثبوت ولا الورود ، بل يكفي أن تكون كلماتُ الدعاء كلماتٍ شرعيةً صحيحةً ، ليس فيها تعدٍّ ولا تجاوز ، وليس فيها دعاء بإثم أو قطيعة رحم .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/203-204) :
" باب الأدعية واسع ، فليدع العبد ربه بما يحتاجه مما لا إثم فيه .
أما الأدعية والأذكار المأثورة : فالأصل فيها التوقيف من جهة الصيغة والعدد ، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك ، ويحافظ عليه ، فلا يزيد في العدد المحدد ، ولا في الصيغة ، ولا ينقص من ذلك ولا يحرف فيه " انتهى .
وفيها أيضا (24/275) :
" الأدعية الواردة في الكتاب والسنة هي التي يشرع التزامها والعناية بها وحفظها ونشرها ، أما غيرها من الأدعية التي ينشئها سائر الناس فليست كذلك
لأن أحسن أحوالها كونها مباحة ، وقد تحتوي على عبارات موهمة ، أو غير صحيحة " انتهى باختصار .
والذي يظهر أن الدعاء الوارد في السؤال هو من الدعاء المطلق ، وبالنظر في كلماته وجمله يظهر أيضا أنه دعاء جائز لا حرج فيه
ولا يظهر لنا فيه مخالفة شرعية ، بل كلماته سليمة صحيحة ، فلا ينبغي لك إنكاره ولا وسم الداعي به بالجهل .
وانظر جواب السؤالين القادمين
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:25
ما حكم الدعاء باللهجة العامية ؟
السؤال
ما حكم الدعاء باللهجة العامية ؟.
الجواب
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :
عن رجلٍ دعا دعاءً ملحوناً ، فقال له رجل : ما يقبل الله دعاءً ملحوناً ؟
فأجاب :
من قال هذا القول فهو آثمٌ مخالفٌ للكتاب والسنَّة ولما كان عليه السلف ، وأمَّا مَن دعا الله مخلصاً له الدين بدعاءٍ جائزٍ سمعه الله وأجاب دعاه ، سواء كان معرباً أو ملحوناً
والكلام المذكور لا أصل له ، بل ينبغي للداعي إذا لم يكن عادته الإعراب أن لا يتكلف الإعراب ، قال بعض السلف : إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع ، وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء
فإذا وقع بغير تكلفٍ : فلا بأس به ، فإنَّ أصل الدعاء مِن القلب ، واللسان تابعٌ للقلب ، ومَن جعل همَّته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه
ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه ، لا يحضره قبل ذلك ، وهذا أمرٌ يجده كلُّ مؤمنٍ في قلبه ، والدعاء يجوز بالعربيَّة وبغير العربيَّة
والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده ، وإن لم يقوِّم لسانه فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات.
" الفتاوى الكبرى " ( 2 / 424 ، 425 )
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:28
هل يشترط في أدعية الصلاة أن تكون مما ثبت في السنة؟
السؤال
في قيام الليل عندما يطيل المصلي الركوع أو السجود هل يجب عليه أن يأتي بجميع الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء بما شاء من الأدعية ؟.
الجواب
الحمد لله
لا حرج على المصلي أن يدعو في صلاته بما شاء , مما ورد في السنة – وهو أفضل الأدعية وأجمعها , ومما لم يَرِدْ مما يجوز الدعاء به .
ومن دعا بما ورد في الشرع فله ثوابٌ على اتباعه ما ورد في الشرع ، وله أجرٌ على دعائه .
ومن النصوص المبيحة لعموم الدعاء بما يجوز قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم يتخيّر من المسألة ما شاء ) وفي لفظ : ( ثم يتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) رواه البخاري ( 835
) ومسلم ( 402 ) وقد ورد هذا في الدعاء قبل التسليم من الصلاة .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" يشرع للمؤمن أن يدعو في صلاته في محل الدعاء سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة ، ومحل الدعاء في الصلاة هو السجود ، وبين السجدتين
وفي آخر الصلاة بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل التسليم ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بين السجدتين بطلب المغفرة
وثبت أنه كان يقول بين السجدتين : ( اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( أما الركوع فعظِّموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِن – أي : جدير وحقيق - أن يُستجاب لكم )
أخرجه مسلم في صحيحه ، وخرَّج مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمه التشهد قال : ( ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء ) ، وفي لفظ : ( ثم ليتخيَّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية , بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم
والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 171 ، 172 ) .
وقال رحمه الله أيضاً :
" الدعاء في الصلاة لا بأس به سواء كان لنفسه أو لوالديه أو لغيرهما ، بل هو مشروع ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) .
. . ثم ذكر الأحاديث المتقدمة ثم قال : فإذا دعا في سجوده أو في آخر الصلاة لنفسه أو لوالديه أو المسلمين : فلا بأس ؛ لعموم هذه الأحاديث وغيرها " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 173 ، 174 ) .
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:35
متى يكون قول العالم – صحابيا كان أو غيره – حجة ؟
السؤال
أحيانا نسمع أقوالاً رويت عن الصحابة ، وأحيانا أخرى أقوالاً رويت عن الأئمة في مناسبات مختلفة ، في حين أن القاعدة العامة توجهنا إلى اتباع الكتاب والسنة
فمتى يتوجب على المسلم أن يأخذ بقول الصحابي أو قول الإمام ؟
وكيف يوفّق بين هذا الأمر وقاعدة وجوب اتباع الكتاب والسنة ؟
الجواب
الحمد لله
وجوب اتباع الكتاب والسنة لا ينافي الأخذ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والفضل
بل إن الأخذ عنهم في الجملة هو من اتباع الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/ 7 .
وروى أبو داود (3641) عن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
( ... وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقول العالم – سواء كان صحابيا أو غيره – لا يخلو إما أن يكون موافقا للسنة أو مخالفا لها ، فإن كان موافقا لها : وجب الأخذ به والعمل بمقتضاه ؛ لأن أهل العلم أعلم بالله وبرسوله ممن سواهم .
وإن كان مخالفا للسنة فإنه لا يؤخذ به ، وإنما يؤخذ بالسنة ، لكن متى تبينت لصاحبها ، وتبين له مخالفة قول هذا القائل المعين لها .
والقاعدة : أن كل واحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويحفظ مع ذلك لأهل العلم – وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم – مكانتهم ومنزلتهم في الدين .
وأما إذا لم يرد نص في المسألة فقول الصحابي الفقيه إذا لم يخالف غيره من الصحابة حجة عند كثير من أهل العلم .
والقاعدة في ذلك أن قول الصحابي حجة ما لم يخالف نصا ، أو يخالف غيره من الصحابة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا كان الصحابي من الفقهاء المعروفين بالفقه فإن قوله حجة بشرطين :
الشرط الأول : ألا يخالف قول الله ورسوله ؛ فإن خالف قول الله ورسوله وجب طرحه والأخذ بما قال الله ورسوله .
الشرط الثاني :
ألا يخالف قول صحابي آخر ؛ فإن خالف قول صحابي آخر وجب النظر في الراجح ؛ لأنه ليس قول أحدهما أولى بالقبول من الآخر " .
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59 /24) .
وكذا قولهم رضي الله عنهم في أسباب النزول وتفسير القرآن والسنة حجة ؛ لأنهم أعلم بالتنزيل وبلغة العرب ، وفيهم نزل القرآن ، وقد عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم أعلم بسنته .
أما العلماء ممن عداهم : فهم أعلم الناس بالكتاب والسنة ، وأدرك الناس بالقياس الصحيح ، وأقدر الناس على استنباط الأحكام واستخراجها من أصولها
قال الله تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) النساء/ 83 .
قال السعدي رحمه الله :
" وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله ، ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ "
انتهى من "تفسير السعدي" (ص 190) .
ويتأكد الرد إلى أهل العلم ، والوقوف عند أقوالهم في المسائل المشكلة والمشتبهة ؛ فهذا لا حظ فيها لنظر القاصر ، ومن لم يتبصر بالعلم
ويختص بذلك الأمر ، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برد ما اشتبه إلينا علمه من كتاب الله أو سنة رسوله إلى أهل العلم به :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَدَارَءُونَ ، فَقَالَ : ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ؛ ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ
وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ؛ فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا ، وَمَا جَهِلْتُمْ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ ) رواه أحمد (6702) وابن ماجة (85) وحسنه الألباني في " مشكاة المصابيح " (237) .
قال الشيخ ملا علي القاري رحمه الله :
" (فَكِلُوهُ) أَيْ: رُدُّوهُ وَفَوِّضُوهُ (إِلَى عَالِمِهِ) : وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُلْقُوا مَعْنَاهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ "
انتهى من "مرقاة المفاتيح" (1/313) .
والحاصل : أنه متى اتفق أهل العلم على معنى آية أو حديث ، أو إثبات حكم شرعي ، أو نفيه ، فهذا حجة شرعية ثابتة ؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة .
وأما إذا اختلفوا ، فالحكم بين الأقوال والأفعال والأحوال هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فما كان من أقوالهم أشبه بالكتاب والسنة وأقرب للحكم بهما وجب اتباعه
وما كان منها مخالفا للكتاب والسنة أو كان أبعد عن الحكم بهما وجب رده ، مع الإقرار لجميعهم بالعلم والفضل والصيانة والديانة ؛ فإنهم الذين اصطفاهم الله لحفظ دينه ورعاية شرعه وحكمه وإقراره في الناس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِذَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (20 /12) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" إذا قام الدليل على مسألة من المسائل ، وجب الأخذ بما قام عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن خالف إماما كبيرا ، بل وإن خالف بعض الصحابة
فالله يقول : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) ولم يقل سبحانه : ردوه إلى فلان أو فلان .
لكن لا بد من التثبت واحترام أهل العلم ، والتأدب معهم ، فإذا وجد المرء قولا ضعيفا عن أحد الأئمة أو العلماء أو المحدثين المعتبرين
فإن ذلك لا ينقص من قدرهم ، وعليه أن يحترم أهل العلم ، والتأدب معهم ، ويتكلم بالكلام الطيب ، ولا يسبهم ولا يحتقرهم ، ولكن يبين الحق بالدليل مع دعائه للعالم ، والترحم عليه ، وسؤال الله أن يعفو عنه
.
هكذا يجب أن تكون أخلاق أهل العلم مع أهل العلم : يقدرون أهل العلم لمكانتهم ، ويعرفون لهم قدرهم ومحلهم وفضلهم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26 /305) .
راجع لتمام الفائدة إجابة السؤال رقم :القادم
والله أعلم .
*عبدالرحمن*
2018-10-21, 15:40
لماذا حصل الاختلاف في مسائل الفقه بين الأئمة؟
وهل يجب تقليد أحد المذاهب؟
السؤال
مع بالغ احترامي للأئمَّة الفضلاء ، إلا أنني أستغرب لماذا قضية " التمذهب " الموجودة في هذه الأيام ، ألم تكن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة ، فلماذا الاختلاف إذاً ؟
هذا حنفي ، وهذا شافعي ... إلخ
ألم يكن يتبع هؤلاء الأئمة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمِن أين نشأ الخلاف ؟
وهل يجب على المسلم أن يتبع مذهباً محدَّداً ، أم أنه يكفيه أن يتبع الكتاب ، والسنَّة ، وكفى ؟
الجواب
الحمد لله
بُعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام الخالدة ، وقد أُمر المسلمون باتباع ما جاء في كتاب ربهم تعالى ، وما جاء في سنته صلى الله عليه وسلم ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرتوون من هذين المصدرين
ثم إنهم رضي الله عنهم قاموا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمهة تعليم الناس دينهم ، وقد تفرقوا في الأمصار ، ولا شك أنهم لم يكونوا سواء في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم
فمن كان منهم أحفظ كانت فتياه مطابقة للسنَّة ، ومن لم يكن حافظاً فإنه يجتهد لمعرفة الصواب ، وهكذا كان اختلافهم في الحفظ سبباً لاختلافهم في الفتيا .
ثم إن النص الواحد قد يكون محفوظاً لكلا الصحابيين ، لكنَّ كل واحدٍ منهما يفهم منه غير ما فهم الآخر ، ويكون النص محتملاً لهذا
وذاك ، وكل واحد منهما يجتهد في فهم النص وفق مراد الشرع ، والمصيب منهما واحد ، وهكذا كان الاختلاف في فهم النص من أسباب اختلافهم .
ثم انتشر العلم في الآفاق ، وصار في هذا الدين أئمة علم وهدى ، ومنهم الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) ، فظهرت أسباب أخرى لاختلافهم غير ما سبق
وهو اختلافهم في صحة الحديث وضعفه ، واختلافهم في بعض قواعد فهم النصوص ، وهو ما اصطلح على تسميته " أصول الفقه " .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"أما أسباب اختلاف العلماء فكثيرة ، منها : أن كل واحد منهم لا يحيط بالعلم كله فقد يخفى عليه ما علم غيره ، وقد يفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 178 ) .
وبهذا يتبين ما يلي :
1. الواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في القرآن الكريم ، وما ثبت في السنَّة النبوية ، ولا يجب عليه التمذهب بمذهب فقهي معين .
2. أن الاختلاف بين العلماء له أسبابه الكثيرة ، وقد جُمعت هذه الأسباب في كتاب " رفْع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وكتاب " أسباب اختلاف العلماء وموقفنا من ذلك " للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
3. أن أئمة الدين ليسوا أربعة فقط ، بل هم كُثر ، لكن الله تعالى جعل الشهرة للأئمة الأربعة رحمهم الله .
4. هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين مذهبهم هو اتباع النصوص ، وتعظيمها، وقد أمرونا بذلك ، ونهونا عن تقليدهم ، فمن رضيهم له أئمة : فليرض مذهبهم .
فلم يدعُ واحد من أئمة الدين الناس لتبني أقواله وتقديمها على أقوال غيره ، وقد نزههم الله تعالى عن هذا ، بل قد ثبت عنهم جميعاً التحذير من هذا الفعل ، والوصية بالأخذ من الكتاب والسنَّة .
5. أن هذه المذاهب هي بمثابة مدارس لفهم الكتاب والسنة ، وأئمتها اجتهدوا للوصول إلى الأحكام التي يرون أنها أقرب إلى الكتاب والسنة ، ولا حرج على المسلم أن يتمذهب بمذهب من هذه المذاهب
ولكن بشروط أنه من ظهرت له السنة النبوية في خلاف ما علمه من مذهبه ، فالواجب عليه ترك المذهب واتباع السنة ، وهذه هي وصية هؤلاء الأئمة ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله وغيره : "إذا صح الحديث فهو مذهبي" .
6. الناس ليسوا سواء في الاطلاع على نصوص الوحي ، ولا سواء في إمكانية فهم النصوص ، لذا ، فقد ارتضت طائفة كبيرة من المسلمين بتقليد هؤلاء الأئمة
وبما أن الشهرة كانت لأولئك الأئمة الأربعة ، وكان لهم تلاميذ نشروا أقوالهم : صرت ترى ذلك المقلد "حنفيّاً" أو "مالكياً" أو "شافعيّاً" أو "حنبلياً"
وغالباً ما يكون مذهب أولئك العوام مذهب شيخهم في مدينتهم ، أو قريتهم ، وهذا العامي لا حرج عليه في فعله ؛ لأنه مأمور بسؤال أهل العلم ، لكن ليس له أن يُنكر على غيره تبني قولاً آخر ، وليس له أن يفتي
ولا أن يتعصب لقول شيخه ، بل متى ظهر له الحق فيجب عليه العمل به ، ولا يسعه غير ذلك .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir