كلمة و ابتسامة
2017-09-04, 16:04
أصبح لطم لوحة المفاتيح أمرا أكثر من روتيني و كل روتين قاتل ..
لم أكن أعلم أن حياتي العشرينية ستنقضي بهذا الشكل من الإحباط ، لم أكن أعلم ..!! أن فرحتي بدخول تلك الكلية ، كفرحة الجندي اذا زُفّ شهيدا ، أو كفرحة أمه بشهادته ، و لكم الموقف .. ستفارق العشرينيات و أنت تبتسم إبتسامة المختلين الغير عاقلين .. رُفعت عنك الحياة ! ..
لقد آمنت بالطب ، فكما لا يمكن للمرأة أن تكون قاضية أو حاكمة فلئنه قٙدّرها على الحكمة في العلاج ، أعطاها من سلطانه بقدر زميلها في المهنة ، بل و أثبت لي أن في أعماق كل الرجل شيء من الأنوثة و لئن فترت و إضمحلت و غادرت بكثير من الحياء بقيت معالمها ، و آثارها واضحة في شكل هرمونات فاترة !
لقد جرد الطب المفاهيم و نقلها إلى الواقعية أكثر ، ثم جردني من معاني كثيرة، أصبحت أعلم بدقة كيف يشعر الإنسان بالألم ، حتى أني قادرة على تصنيفه الى درجات ... ، أصبحت أدرك ماهية الخوف و الخجل ، الأمر بسيط مجموعة إشارات كهربائية ! بين الدماغ و الغدد .. ، أصبحت أعرف كيف يشعر الإنسان بالأشياء ، كيف يبكي، و كيف يفرح .. ، ، لم أتصور تفاهة مشاعر الإنسان حتى ذلك الشعور المقدس بالحب علمت مركزه ، الغريب أن الإنسان بدى لي أحمق ، "يحب من أعماق قلبه " ! المضحك ! إننا درسنا عمله الفزيولوجي، خلاياه، تشريحه و لا شيء من هذا القبيل !! كيف للإنسان أن يحب بهذا القدر و لا يدرك مكمن ذلك التيار الجارف من الأحاسيس ، الطب يعلم مكمنه الدماغ .. !!
{عرفت كيف للنبات الحي ، أن يموت فيصبح خبزا ، و كيف للأخير الميت أن يحي في جوف الإنسان و يصبح نسيجا حيا مرة أخرى} ، علمتني حصص البيوفيزياء المملة أن النسيم مجرد مركبات ، غازات مختلطة ، و الشمس أشعة ، و الصوت موجة مهتزة، علمت كيف يستمع شيخ -هرم في دكانته يجلس ليصلح مكينات الخياطة- لصبحيات فيروز ، حتى من أين يأتي صوتها المخملي الرائع مجرد عضلات بحنجرته تنقبض و تسترخي ، علمت بإختصار أن داخل الإنسان الساخن أعضاء هزيلة تصنع كل شيء ، لم يعد للتلقائية في التصرفات معنى ، لم يعد للأحاسيس معنى .. كل شيء يركب بدقة !!
اذا توقف المخ فليس للقلب معنى!! هذا موت سريري عليك فقط فصله عن الأجهزة ، فمن أين كل هذا التبجيل للقلب ! إنه لا يعرف الحياء ، لا يقدر أحدا و لا يميز ، المريض مريض بصرف النظر عن جنسه ، عن لونه ، انتماءه ، غنيا أو فقيرا ، صديق أو عدو سيجلس بإختصار المجتمع كله على طاولتي المعدنية المهترئة و سيطلب العلاج و كل أمله أنت ..
ماهذه المزحة! ، ماذا فعلت بحياتي ، ماذا فعلت بشبابي ، ربطت حياتي و هي في العشرين بالألم و المرض ، بالموت و الفراغ ،
أنت بعد سبع عجاف ، من الخيبة ، من الأرق و التعب ، من الأوراق الغبية التي منعتني حفلة ابن خالي ، و عقد قران زميل حتى موت زوجتك أو إنجابها ستكون في إحدى المناوبات ، أو منحشرا في سيارة إسعاف مهترأة تركض لأجل شخص قد تبصقك عائلته ربما إن انتكست حالته سيكون ذنبك إن كان هو و جسده لا يقاومان مرضه ، هل رأيت كيف تصبح كل الأجساد جسدك !
كل يوم تكشف أجساد الناس ، ترى عوراتهم ، تتحسس أورامهم و إفرازاتهم ..!
طبعا ، ليس الأمر بهذا السوء ، ستتقاضى مرتبا مرتفعا، قد تشتري منزلا ضخما ، ووو ..، الفرق شاسع لكنه متقارب بالرغم من تناقضه!
عندما تصل الأربعين ، حياة البعض تكون قد قطعت أشواط ، الآن أصدقائك يحضرون أطفالهم للمدارس أنت الآن فقط تكون أنهيت كل أطوارك التعليمية الآن قد تقاضيت أول راتب لك كطبيب مختص ،
بعد سنين قضيتها بين أسِرّة المرضى ، راقدين، باكين، فاقدين لوعيهم ، شاحبين ، أطراف مشلولة و أنفاس متقطعة، طبعا ليسوا وحدهم غالبا ما يصحب المرضى مرضى أكثر منهم ! و لك أن تفرح براتبك بعد كل شهر إن إستطعت..
تبدأ الحياة متى ما تفرّغت .. من يدري ! متى تنتهي ..
في بقاع ما من العالم الطب يكون سببا في الهداية إلى رب أعظم يعلم ما يعجز عن معرفته لطالما أسلم الكثيرون ..بينما قليلون تزيدهم ممارسة الطب صبراا و حلماا ..
قبل الحادث ، بقليل، أرتمي بعد مناوبة ليلية سوداء أتأمل أروقة المشفى ، هدوءه الغير معتاد ، سماعات ملتفة حول عنقي تخنقي ، .. شابة تجاوزت العشرين بقليل تخبرني بأنه أول مولود لها ، ماذا سأسميه ! لم أعرها إهتماما جعلني الطب لا أرى أعين الناس، لا أرى في أعينهم تطلعات الأمل، أنكب بمنظاري الضوئي أفتش عن شيء ما ، شيء(أسوء) الأمل سيء هنا..!!
شحوب وجوههم ليس انعكاس لشيء عندي لاالضعف و لا العجز و لا حتى الخوف، أرى فيهم فقط أعراض لإختلال عضو ما ، ثم أغوص بذاكرتي في كومة أوراقي علني أفهم ما مصابه؟!
هكذا ظننت في البداية..
لكن الأمر مغاير ^^ تماما ، لما يبدو عليه#الواقع ^^ أني ...
#يتبع #مذكرات #أغنوديس
لم أكن أعلم أن حياتي العشرينية ستنقضي بهذا الشكل من الإحباط ، لم أكن أعلم ..!! أن فرحتي بدخول تلك الكلية ، كفرحة الجندي اذا زُفّ شهيدا ، أو كفرحة أمه بشهادته ، و لكم الموقف .. ستفارق العشرينيات و أنت تبتسم إبتسامة المختلين الغير عاقلين .. رُفعت عنك الحياة ! ..
لقد آمنت بالطب ، فكما لا يمكن للمرأة أن تكون قاضية أو حاكمة فلئنه قٙدّرها على الحكمة في العلاج ، أعطاها من سلطانه بقدر زميلها في المهنة ، بل و أثبت لي أن في أعماق كل الرجل شيء من الأنوثة و لئن فترت و إضمحلت و غادرت بكثير من الحياء بقيت معالمها ، و آثارها واضحة في شكل هرمونات فاترة !
لقد جرد الطب المفاهيم و نقلها إلى الواقعية أكثر ، ثم جردني من معاني كثيرة، أصبحت أعلم بدقة كيف يشعر الإنسان بالألم ، حتى أني قادرة على تصنيفه الى درجات ... ، أصبحت أدرك ماهية الخوف و الخجل ، الأمر بسيط مجموعة إشارات كهربائية ! بين الدماغ و الغدد .. ، أصبحت أعرف كيف يشعر الإنسان بالأشياء ، كيف يبكي، و كيف يفرح .. ، ، لم أتصور تفاهة مشاعر الإنسان حتى ذلك الشعور المقدس بالحب علمت مركزه ، الغريب أن الإنسان بدى لي أحمق ، "يحب من أعماق قلبه " ! المضحك ! إننا درسنا عمله الفزيولوجي، خلاياه، تشريحه و لا شيء من هذا القبيل !! كيف للإنسان أن يحب بهذا القدر و لا يدرك مكمن ذلك التيار الجارف من الأحاسيس ، الطب يعلم مكمنه الدماغ .. !!
{عرفت كيف للنبات الحي ، أن يموت فيصبح خبزا ، و كيف للأخير الميت أن يحي في جوف الإنسان و يصبح نسيجا حيا مرة أخرى} ، علمتني حصص البيوفيزياء المملة أن النسيم مجرد مركبات ، غازات مختلطة ، و الشمس أشعة ، و الصوت موجة مهتزة، علمت كيف يستمع شيخ -هرم في دكانته يجلس ليصلح مكينات الخياطة- لصبحيات فيروز ، حتى من أين يأتي صوتها المخملي الرائع مجرد عضلات بحنجرته تنقبض و تسترخي ، علمت بإختصار أن داخل الإنسان الساخن أعضاء هزيلة تصنع كل شيء ، لم يعد للتلقائية في التصرفات معنى ، لم يعد للأحاسيس معنى .. كل شيء يركب بدقة !!
اذا توقف المخ فليس للقلب معنى!! هذا موت سريري عليك فقط فصله عن الأجهزة ، فمن أين كل هذا التبجيل للقلب ! إنه لا يعرف الحياء ، لا يقدر أحدا و لا يميز ، المريض مريض بصرف النظر عن جنسه ، عن لونه ، انتماءه ، غنيا أو فقيرا ، صديق أو عدو سيجلس بإختصار المجتمع كله على طاولتي المعدنية المهترئة و سيطلب العلاج و كل أمله أنت ..
ماهذه المزحة! ، ماذا فعلت بحياتي ، ماذا فعلت بشبابي ، ربطت حياتي و هي في العشرين بالألم و المرض ، بالموت و الفراغ ،
أنت بعد سبع عجاف ، من الخيبة ، من الأرق و التعب ، من الأوراق الغبية التي منعتني حفلة ابن خالي ، و عقد قران زميل حتى موت زوجتك أو إنجابها ستكون في إحدى المناوبات ، أو منحشرا في سيارة إسعاف مهترأة تركض لأجل شخص قد تبصقك عائلته ربما إن انتكست حالته سيكون ذنبك إن كان هو و جسده لا يقاومان مرضه ، هل رأيت كيف تصبح كل الأجساد جسدك !
كل يوم تكشف أجساد الناس ، ترى عوراتهم ، تتحسس أورامهم و إفرازاتهم ..!
طبعا ، ليس الأمر بهذا السوء ، ستتقاضى مرتبا مرتفعا، قد تشتري منزلا ضخما ، ووو ..، الفرق شاسع لكنه متقارب بالرغم من تناقضه!
عندما تصل الأربعين ، حياة البعض تكون قد قطعت أشواط ، الآن أصدقائك يحضرون أطفالهم للمدارس أنت الآن فقط تكون أنهيت كل أطوارك التعليمية الآن قد تقاضيت أول راتب لك كطبيب مختص ،
بعد سنين قضيتها بين أسِرّة المرضى ، راقدين، باكين، فاقدين لوعيهم ، شاحبين ، أطراف مشلولة و أنفاس متقطعة، طبعا ليسوا وحدهم غالبا ما يصحب المرضى مرضى أكثر منهم ! و لك أن تفرح براتبك بعد كل شهر إن إستطعت..
تبدأ الحياة متى ما تفرّغت .. من يدري ! متى تنتهي ..
في بقاع ما من العالم الطب يكون سببا في الهداية إلى رب أعظم يعلم ما يعجز عن معرفته لطالما أسلم الكثيرون ..بينما قليلون تزيدهم ممارسة الطب صبراا و حلماا ..
قبل الحادث ، بقليل، أرتمي بعد مناوبة ليلية سوداء أتأمل أروقة المشفى ، هدوءه الغير معتاد ، سماعات ملتفة حول عنقي تخنقي ، .. شابة تجاوزت العشرين بقليل تخبرني بأنه أول مولود لها ، ماذا سأسميه ! لم أعرها إهتماما جعلني الطب لا أرى أعين الناس، لا أرى في أعينهم تطلعات الأمل، أنكب بمنظاري الضوئي أفتش عن شيء ما ، شيء(أسوء) الأمل سيء هنا..!!
شحوب وجوههم ليس انعكاس لشيء عندي لاالضعف و لا العجز و لا حتى الخوف، أرى فيهم فقط أعراض لإختلال عضو ما ، ثم أغوص بذاكرتي في كومة أوراقي علني أفهم ما مصابه؟!
هكذا ظننت في البداية..
لكن الأمر مغاير ^^ تماما ، لما يبدو عليه#الواقع ^^ أني ...
#يتبع #مذكرات #أغنوديس