حسناء العابدة
2009-10-19, 12:01
قلبٌ لا يعرف القضبان
هذه أول شروطنا وأهمها، فلابد للقلب الذي يشترك في سباقنا أن يكون حراً طليقاً، ولا يعرف أسر المادة أو قضبان الشهوة، أما القلب المحبوس خلف الأسوار فأَنَّى له أن يقوم وهو مكبل، وأّنَّى له أن يتسابق وهو مقيد،فالسباق والأسر لا يجتمعان.
فمن كان قلبه أسيراً لشيء من الدنيا قيده عن الحركة ومنعه من الانطلاق لإحراز الغاية وبلوغ خط النهاية، سواء كان الآسر تجارة أوامرأة أو لهواً أو منصباً، والعاقل ينظر إلى حقيقة الأشياء وجوهرها لا إلى مظهرها.
واقرأبقلبٍ نقي قول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِالْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِوَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14].
زُيِّنَ:نعم فالدنيا زينة.. مظهر.. متاع زائل والاقتراب يفضح الصورة ويبين أن ما ظنته النفس حقيقة ليس إلا خيالاً{وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] هذه هي الحقيقة الراسخة، والله عنده النعيم الدائم واللذة الباقية، فالخاسر من آثر الفاني على الباقي، والرخيص على النفيس.
هذه الشهوات هي الحبة داخل الفخ، يراها الطائر ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه، وتعلق باله بها، وجهله بما جعلت فيه فإن لم ينتبه هلك، وإن تيقظ نجا، فكن كيساً فَطِناً كما أرادك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تقع في الفخ فَتُشْوى في جهنم، وتذكر قَولَ الحبيب صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات» .
عثمان بن عفان رضي الله عنه خلع هذه القضبان، ورمى بها بعيداً ولم يكتف بذلك بل هو الذي طوّق شهوته بأغلال بَذْلِه وجُودِه حتى خرّت شهوته راكعةً تحت قدميه ترسف في القيود،قال أبو هريرة رضي الله عنه: "اشترى عثمان الجنة من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين حين حفر بئر رومة، وحين جهزجيش العسرة"، ولهذا قلَّده الرسول صلى الله عليه وسلم وسام«عثمان في الجنة»3
أما من خالف نهج الخليفة الثالث في تحطيم القضبان فسيشكو العِلل والأمراض ومنها وليس آخرها فقدان حلاوةالطاعة.
معنا في حلبة السباق طبيب بارع هو بشر بن الحارث شَخَّصَ هذا المرض فقال يصف الداء والدواء معاً: "لايجد العبد حلاوةالعبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطاً من حديد"(
والآن إليك البحث الميداني الذي أجراه العلامة ابن القيم وخرج منه إلى أن: "الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذةًأكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خيرٌ له من ذهابه، وإما أن تضع قدراًوجاهاً قيامه خيرٌ من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة،وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب همّاً وغمّاًوحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسى علماً ذِكْرُه ألذ من نيل الشهوة،وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق"(5).
اقرأ كلمات ابن القيم واسترجع شريط ذكرياتك وستجد أن ما من كلمة خطَّها إلا وكانت مصداق حادثةوقعت معك عندما آثرت شهوتك يوماً.. أليس كذلك؟!.
فالصبر الصبر.. والبذل البذل.. والتعب التعب..
من صام عن شهوته في الدنيا، أدركها غداً في الجنة، ومن صام عمّا سوى الله فعيده يوم اللقاء{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءاللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: 5].
والجزاء من جنس العمل.
من صفات الجنة أن...
ظلها ممدود.. لمن لا يتعدىالحدود.
عيشها مقيم.. لمن على أوامر الله يستقيم.
بساتينها زاهرة.. لمن له عين لله ساهرة.
ماؤها مسكوب.. لمن بذكر الله أحيا القلوب.
قطوفها دانية.. لمن روحه لحب الصالحين دانية.
فيها قاصرات الطرف في الخيام.. لمن قصر طرفه عن الآثام.
فيها عينان تجريان.. لمن له اليوم عينان من خشية الله تجريان.
لا يسمع فيها لاغية.. من صان سمعه في دنياه عن السماع الأغاني.
فطوبى..
لمن جوع نفسه ليوم الشبع الأكبر,
وطوبى..
لمن أظمأ نفسه ليوم الري الكامل.
وطوبى..
لمن صبر عن شهواتٍ زائلة ليسعد بنعيم جناتٍ خالدة.
والآن نضع نصب عينيك هذه الدرر التي قالها ابن الجوزي وكتبناها لك بخط مميز حتى تنقش في ذهنك نقشاً:
النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثرالراحة فاتته الراحة, بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق يكون الفرحة واللذة، فلافرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمنلا تعب له، صبر ساعة خيرٌ من عذاب الأبد، وإذا تعب العبد قليلاً استراحطويلاً.
من كتاب سباق نحو الجنان
هذه أول شروطنا وأهمها، فلابد للقلب الذي يشترك في سباقنا أن يكون حراً طليقاً، ولا يعرف أسر المادة أو قضبان الشهوة، أما القلب المحبوس خلف الأسوار فأَنَّى له أن يقوم وهو مكبل، وأّنَّى له أن يتسابق وهو مقيد،فالسباق والأسر لا يجتمعان.
فمن كان قلبه أسيراً لشيء من الدنيا قيده عن الحركة ومنعه من الانطلاق لإحراز الغاية وبلوغ خط النهاية، سواء كان الآسر تجارة أوامرأة أو لهواً أو منصباً، والعاقل ينظر إلى حقيقة الأشياء وجوهرها لا إلى مظهرها.
واقرأبقلبٍ نقي قول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِالْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِوَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14].
زُيِّنَ:نعم فالدنيا زينة.. مظهر.. متاع زائل والاقتراب يفضح الصورة ويبين أن ما ظنته النفس حقيقة ليس إلا خيالاً{وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] هذه هي الحقيقة الراسخة، والله عنده النعيم الدائم واللذة الباقية، فالخاسر من آثر الفاني على الباقي، والرخيص على النفيس.
هذه الشهوات هي الحبة داخل الفخ، يراها الطائر ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه، وتعلق باله بها، وجهله بما جعلت فيه فإن لم ينتبه هلك، وإن تيقظ نجا، فكن كيساً فَطِناً كما أرادك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تقع في الفخ فَتُشْوى في جهنم، وتذكر قَولَ الحبيب صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات» .
عثمان بن عفان رضي الله عنه خلع هذه القضبان، ورمى بها بعيداً ولم يكتف بذلك بل هو الذي طوّق شهوته بأغلال بَذْلِه وجُودِه حتى خرّت شهوته راكعةً تحت قدميه ترسف في القيود،قال أبو هريرة رضي الله عنه: "اشترى عثمان الجنة من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين حين حفر بئر رومة، وحين جهزجيش العسرة"، ولهذا قلَّده الرسول صلى الله عليه وسلم وسام«عثمان في الجنة»3
أما من خالف نهج الخليفة الثالث في تحطيم القضبان فسيشكو العِلل والأمراض ومنها وليس آخرها فقدان حلاوةالطاعة.
معنا في حلبة السباق طبيب بارع هو بشر بن الحارث شَخَّصَ هذا المرض فقال يصف الداء والدواء معاً: "لايجد العبد حلاوةالعبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطاً من حديد"(
والآن إليك البحث الميداني الذي أجراه العلامة ابن القيم وخرج منه إلى أن: "الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذةًأكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خيرٌ له من ذهابه، وإما أن تضع قدراًوجاهاً قيامه خيرٌ من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة،وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب همّاً وغمّاًوحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسى علماً ذِكْرُه ألذ من نيل الشهوة،وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق"(5).
اقرأ كلمات ابن القيم واسترجع شريط ذكرياتك وستجد أن ما من كلمة خطَّها إلا وكانت مصداق حادثةوقعت معك عندما آثرت شهوتك يوماً.. أليس كذلك؟!.
فالصبر الصبر.. والبذل البذل.. والتعب التعب..
من صام عن شهوته في الدنيا، أدركها غداً في الجنة، ومن صام عمّا سوى الله فعيده يوم اللقاء{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءاللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت: 5].
والجزاء من جنس العمل.
من صفات الجنة أن...
ظلها ممدود.. لمن لا يتعدىالحدود.
عيشها مقيم.. لمن على أوامر الله يستقيم.
بساتينها زاهرة.. لمن له عين لله ساهرة.
ماؤها مسكوب.. لمن بذكر الله أحيا القلوب.
قطوفها دانية.. لمن روحه لحب الصالحين دانية.
فيها قاصرات الطرف في الخيام.. لمن قصر طرفه عن الآثام.
فيها عينان تجريان.. لمن له اليوم عينان من خشية الله تجريان.
لا يسمع فيها لاغية.. من صان سمعه في دنياه عن السماع الأغاني.
فطوبى..
لمن جوع نفسه ليوم الشبع الأكبر,
وطوبى..
لمن أظمأ نفسه ليوم الري الكامل.
وطوبى..
لمن صبر عن شهواتٍ زائلة ليسعد بنعيم جناتٍ خالدة.
والآن نضع نصب عينيك هذه الدرر التي قالها ابن الجوزي وكتبناها لك بخط مميز حتى تنقش في ذهنك نقشاً:
النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثرالراحة فاتته الراحة, بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق يكون الفرحة واللذة، فلافرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمنلا تعب له، صبر ساعة خيرٌ من عذاب الأبد، وإذا تعب العبد قليلاً استراحطويلاً.
من كتاب سباق نحو الجنان