المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة مع الفقه المالكي


سعيد هرماس
2016-08-29, 18:45
وقفة مع الفقه المالكي

الحمد لله على كلّ حال، و في كلّ وقت و حين، و الصّلاة و السّلام الأتمّان الأكملان على مبعوثه إلى البشريّة هداية و رحمة محمّد، و على آله و صحبه و من سار على طريقة و اتّبع نهجه و هديه. ثمّ أمّا بعد :

فقد عرفت الأمة الإسلامية ثلاثة مناهج في فهم مُراد الله و مُراد رسوله الكريم محمّد ( صلّى الله عليه و سلّم)، كانت هي مبدأ ظُهور الفرق و نشأتها :
01) ـ المنهج الأوّل : منهج الأخذ بالنّصوص المعصومة من الكتاب و السّنة مُباشرة دُون العودة إلى فُهوم أهل العلم الموثوقين فيها، وفق القواعد العلميّة.
02) ـ المنهج الثّاني : منهج الأخذ بكلام أهل العلم و أقوالهم دُون ربطها بالأصول؛ الكتاب و السُّنّة و إجماع الصّحابة، و المُغالاة في ذلك حتّى التّقليد الأصمّ، بل إلى حّد العصمة، فجعلوا كلام غير المعصوم أصلا و كلام الله و رسوله فرعا.
03) ـ المنهج الثّالث : منهج الأخذ بالنّصوص ( الكتاب و السُّنّة) الّتي تُوافق العقل و ترك الّتي تُخالفه.

أمّا منهج أهل السّنة ، و هو المنهج الحقّ؛ فهو الأخذ بالكتاب و السُّنّة و الإجماع ـــ إذا وقع ـــ و الأقيسة الصّحيحة، مع مُراعاة كلام أهل العلم الموثوقين و فُهومهم، في كلّ عصر و مصر، و فُهوم الصحابة مُقدّمة على غيرها من الفُهوم، و فُهوم خيرة التّابعين مُقدّمة على غيرها عدا فُهوم الصّحابة و هكذا...، دُون تقليد أعمى أو مُغالاة أو مُجافاة أو مُخالفة صريحة، و هذا هو منهج الأئمّة الأربعة؛ أبي حنيفة و مالك و الشّافعي و أحمد، و غيرهم ممّن اندثرت مذاهبهم كالأوزاعي و اللّيث و السّفيانين و ابن أبي ليلى و ابن مهدي و ابن المُبارك و ابن شُبرمة و ابن أبي ذئب و ابن راهويه و أبي ثور و أبي عُبيد و ابن أبي شيبة و ابن خُزيمة و العنبري و ابن المُنذر و الطّبري.
و المذهب المالكي هو من صميم منهج أهل السّنّة و الجماعة؛ فإمامه مالك بن أنس ( ت 179 هـ) هو أحد رُؤوس السُّنّة في زمانه، و أحد أوعية الحديث و الأثر و الفقه في المئة الهجريّة الثّانية باتّفاق، و أُصوله و قواعده كُلّها مرضيّة (1)، و قد أصبح مُتّبعا و مُقلّدا في كثير من الأقطار الإسلاميّة، و منها دُول المغرب العربي الكبير ( ليبيا و تُونس و الجزائر المغرب و مُوريتانيا). و لا يخفى أنّ هذا المذهب هو من بين المذاهب الفقهيّة السُّنّيّة المُعتبرة الّتي أخذت لها طابع التّدوين؛ و يظهر هذا جليّا في كتاب المُوطّأ الّذي أملاه الإمام مالك على طلبته في مجالس، و قد وصلنا بروايات أشهرها رواية يحيى بن يحيى اللّيثي المصموديّ الأندلسي الطّنجي الأصل ( ت 234 هـ)، و كان طابع هذا التّدوين حديثيًّا (2)، ثمّ صار فقهيّا؛ تمثّل في المُدوّنة الكُبرى للإمام سحنون الأفريقي ( ت 240 ه ـ)، رواية عن الإمام ابن القاسم المصري ( ت 191 هـ)، و في غيرها، ثمّ اختصرت المُدوّنة إلى عدّة اختصارات؛ جاءت كما يلي :

المدوّنة للإمام سحنون الأفريقي ( ت 240 هـ)
الإمام ابن أبي زيد القيرواني ( ت 386 هـ)
الإمام أبو سعيد البراذعي ( ت 443 هـ)
الإمام أبو عمرو بن الحاجب ( ت 646 هـ)
الإمام خليل بن إسحاق ( ت 776 هـ )

و من الواضح أنّ الفقه المالكي جمع بين كثرة النّصوص و كثرة الاستنباط، على غرار المذهب الشّافعي، و هو بخلاف المذهب الحنفي ( كثرة الاستنباط و قلّة النّصوص)، و المذهب الحنبلي ( كثرة النّصوص و قلّة الاستنباط)،
و من مُقرّراته في الحفظ و التّدريس:
01) ـ الأسديّة للإمام أسد بن الفرات النّيسابوري ثمّ القيرواني التُّونسي ( ت 213 هـ).
02) ـ الواضحة للإمام ابن حبيب (3) الأندلسي ( ت 238 هـ).
03) ـ المُدوّنة للإمام سحنون الأفريقي ( ت 240 هـ).
04) ـ العُتبيّة ( المُستخرجة) للإمام أبي عبد الله العُتبي الأندلسي ( ت 254 هـ)، أو ( ت 255 هـ).
05) ـ الموّازيّة للإمام ابن الموّاز المصري ( ت 269 هـ)، أو ( ت 281 هـ) .
06) ـ التّفريع للإمام عُبيد الله بن الجلّاب البصري ( ت 378 هـ).
07) ـ الرّسالة للإمام ابن أبي زيد القيرواني ( ت 386 هـ).
08) ـ التّهذيب للإمام أبي سعيد البراذعي التّونسي ثمّ الأصبهاني ( ت 443 هـ)، أو ( ت 372 هـ).
09) ـ المُختصر الفرعي للإمام أبي عمرو بن الحاجب المصري ( ت 646 هـ).
10) ـ المُختصر للإمام خليل بن إسحاق المصري ( ت 776 هـ).
11) ـ الشّامل للإمام بهرام بن عبد الله المصري ( ت 805 هـ).
12) المُرشد المُعين للإمام عبد الواحد بن عاشر المغربي ( ت 1040 هـ)(4) .

و من كُتبه المُعتمدة في الشّرح و التّأصيل و الفُتيا :
01) ـ النّوادر و الزّيادات لابن أبي زيد القيرواني ( ت 386 هـ).
02) ـ التّمهيد للحافظ ابن عبد البرّ ( ت 463 هـ).
03) ـ الاستذكار للحافظ ابن عبد البر ( ت 463 هـ).
04) ـ البيان و التّحصيل لابن رشد الجدّ ( ت 520 هـ).
05) ـ الذّخيرة لشهاب الدّين القرافي ( ت 684 هـ).
06) ـ شُروح الإمام ابن ناجي على المُدوّنة و على الرّسالة ( ت 837هـ).
07) ـ شرح الإمام زرّوق على الرّسالة ( ت 899 هـ).
08) مواهب الجليل لشرح مُختصر خليل للإمام الحطّاب ( ت 954 هـ).
09) ـ شرح الإمام الخرشي على مُختصر خليل ( ت 1101 هـ).
10) ـ الشّرح الكبير للإمام الدّردير على مُختصر خليل ( ت 1201 هـ).
11) ـ حاشية الإمام الدّسوقي على الشّرح الكبير ( ت 1230 هـ) .
12) ـ منح الجليل شرح على مُختصر خليل للإمام عُليش ( ت 1299 هـ).

و من كتب النّوازل فيه :
01) ـ الأعلام بنوازل الأحكام للإمام القاضي عيسى بن سهل الأسدي القُرطبي المُتوفّى 486 هـ، و تُعرف بنوازل ابن سهل.
02)ـ النّهاية و التّمام في معرفة الوثائق والأحكام للإمام القاضي أبي الحسن عليّ بن عبد الله المتيطي الفاسي المغربي المُتوفّى 570 هـ، و تُعرف بنوازل المتيطي.
03) ـ الشّافي فيما وقع من الخلاف بين التّبصرة و الكافي للإمام القاضي أبي محمّد عبد الله بن سلمون الغِرناطي المُتوفّى 741 هـ، و تُعرف بنوازل ابن سلمون.
04) ـ مختصر المتيطيّة للإمام القاضي أبي عبد الله محمّد بن هارون التُّونسي المُتوفّى 750 هـ، و تُعرف بنوازل ابن هارون.
05) ـ تبصرة الحكّام في أصول الأقضية و مناهج الأحكام للإمام القاضي برهان الدِّين إبراهيم بن فرحون المدني المُتوفّى 799 هـ و تُعرف بالتّبصرة لابن فرحون.
06) ـ الحاوي في النّوازل للإمام القاضي أبي القاسم البُرْزُلي التُّونسي المُتوفّى 841 هـ أو 842 هـ أو 844 هـ و تُعرف بنوازل البُرْزُلي.
07) ـ الدُّرر المكنونة في نوازل مازونة للإمام القاضي أبي زكريا يحيى المازوني الجزائري المُتوفّى 883 هـ، و تُعرف بنوازل مازونة.
08) ـ المعيار المُعرب للإمام القاضي أبي العبّاس أحمد الونشريسي الجزائري المُتوفّى 914 هـ، و تعرف بنوازل الونشريسي.

و زيادة في الفائدة أذكر هنا الرّموز الّتي يستعملها شُرّاح خليل :
01) ـ بب..... أحمد التُّنبكتي ( التُّمبُكتي) السُّوداني ( ت 1032هـ). 02) ـ بن..... محمّد بن الحسن البناني الفاسي ( ت 1194هـ). 03) ـ ت..... محمّد التّاودي الفاسي ( ت 1207هـ).
04) ـ تت..... شمس الدِّين التّتائي المصري ( ت 937هـ).
05) ـ ج..... قاسم بن ناجي التّونسي ( ت 837هـ)، و قيل ( ت 838 هـ).
06) ـ ح..... محمّد الحطّاب الرّعيني ( ت 954هـ).
07) ـ خش..... محمّد بن عبد الله الخرشي ( ت 1101هـ).
08) ـ د..... أحمد بن أحمد زرّوق الفاسي ( ت 899 هـ).
09) ـ ز..... محمّد بن أحمد القرشي التّلمساني ( ت 759 هـ).
10) ـ س..... محمّد بن عبد السّلام التُّونسي( ت 749 هـ).
11 ) ـ شب..... إبراهيم بن مرعي الشُّبرخيتي ( ت 1106 هـ).
12) ـ طفى..... مصطفى الرّماحي ( مُحشّي التّتائي)، المعروف بالرُّماصي الجزائري ( ت 1136 هـ ).
13 ) ـ غ..... يوسف بن عمر الفاسي ( ت 761 هـ).
14 ) ـ عبق..... عبد الباقي بن يوسف الزُّرقاني (5)( ت 1099 هــ).
15 ) ـ عج..... نور الدِّين عليّ بن محمّد بن عبد الرّحمان الأجهوري ( ت 1066 هـ).
16 ) ـ ق..... جمال الدِّين عبد الله بن مقداد الأقفاصي ( الأقفهسي) المصري ( ت 823 هـ).
17 ) ـ ك..... تاج الدِّين عمر بن عليّ اللّخمي الإسكندراني الفَاكِهاني ( ت 731 هـ).
18) ـ م..... تاج الدِّين بهرام بن عبد الله الدّميري القاهري ( ت 805 هـ).
19) ـ مج..... شمس الدِّين محمد بن محمّد السّنباوي الأمير القاهري ( ت 1232 هـ).

و يُضيف بعضهم :
20) ـ بج..... سليمان بن خلف الباجي الأندلسي ( ت 474 هـ).
21) ـ بر..... يُوسف بن عبد الله بن عبد البرّ الأندلسي ( ت 463 هـ).
22) ـ بز..... عبد الله بن أبي زيد عبد الرّحمان القيرواني التُّونسي ( ت 386 هـ).
23) ـ بش..... محمّد بن أحمد بن رُشد الجدّ الأندلسي ( ت 520 هـ).
24) ـ بع..... محمّد بن عبد الله بن العربي الأندلسي ( ت 543 هـ).
25 ) ـ جز..... محمّد بن أحمد بن جُزي الكلبي الأندلسي ( ت 741 هـ).
26) ـ حا..... جمال الدّين عثمان بن عمر بن الحاجب المصري ( ت 646 هـ).
27) ـ حب..... عبد الملك بن حبيب السّلمي الأندلسي ( ت 238 هـ).
28) ـ حل..... أحمد بن عبد الرّحمان حُلولو التُّونسي ( ت 898 هـ).
29) ـ حن..... عبد السّلام سحنون بن سعيد التُّونسي ( ت 240 هـ).
30) ـ خ..... خليل بن إسحاق الجُندي المصري ( ت 776 هـ)، و قيل ( ت 767 هـ)، و قيل ( ت 769 هـ).
31) ـ در..... أحمد بن محمّد الدّردير العدوي المصري ( ت 1201 هـ).
32) ـ دس..... محمّد بن أحمد بن عرفة الدُّسُوقي المصري ( ت 1230 هـ).
33) ـ ذع..... خلف بن أبي القاسم محمّد البراذعي، أو البرادعي التُّونسي ثمّ الأصبهاني ( ت 443 هـ)، و قيل ( ت 372 هـ).
34) ـ زق..... عليّ بن قاسم الزّقّاق المغربي اليمني الأصل ( ت 912 هـ).
35 ) ـ س..... محمّد بن عبد السّلام الهوّاري التُّونسي ( ت 749 هـ).
36) ـ سي..... أحمد بن يحيى الونشريسي الجزائري ( ت 914 هـ).
37) ـ ش..... أشهب بن عبد العزيز القيسي المصري ( ت 204 هـ).
38) ـ شا..... عبد الله بن محمّد بن شاس المصري، المعروف بالجلال ( ت 610 هـ).
39) ـ شر..... محمّد بن أحمد العلويني الشّريف التّلمساني الجزائري ( ت 771 هـ).
40) ـ شط..... أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشّاطبي الأندلسي ( ت 790 هـ).
41) ـ شل..... عبد الحقّ بن عبد الرّحمان الأزدي الإشبيلي الأندلسي ثمّ البجائي الجزائري ( ت 581 هـ).
42) ـ صغ..... أصبغ بن الفرج بن سعيد المصري ( ت 225 هـ).
43) ـ صم..... محمّد بن محمّد بن عاصم الغرناطي الأندلسي ( ت 829 هـ).
44) ـ ط..... قاسم بن عبد الله بن الشّاط المغربي ( ت 723 هـ).
45) ــ ع..... محمّد بن أحمد عُليش اللّيبي ثمّ المصري ( ت 1299 هـ).
46) ـ عا..... عبد الواحد بن أحمد بن عاشر الأنصاري المغربي الأندلسي الأصل ( ت 1040 هـ).
47) ـ عبد..... محمّد بن يوسف العبدري، أو العبدوسي الموّاق الأندلسي ( ت 897 هـ).
48) ـ عت..... محمّد بن أحمد العُتبي الأندلسي ( ت 254 هـ)، أو ( ت 255 هـ).
49) ـ عر..... محمّد بن عرفة الورغمي التّونسي ( ت 803 هـ).
50) ـ عط..... عبد الحقّ بن أبي بكر بن عطيّة الأندلسي ( ت 542 هـ)، أو ( ت 541 هـ).
51) ـ عه..... القاضي عبد الوهّاب بن عليّ بن نصر العراقي ( ت 422 هـ)، أو ( ت 421 هـ).
52) ـ قر..... شهاب الدّين أحمد بن إدريس القرافي المصري ( ت 684 هـ).
53) ـ قس..... عبد الرّحمان بن القاسم العُتقي المصري ( ت 191 هـ).
54) ـ قض..... القاضي عياض بن موسى اليحصبي المغربي ( ت 544 هـ).
55) ـ قط..... محمّد بن أحمد الأنصاري القُرطبي المُفسّر الأندلسي ( ت 671 هـ).
56) ـ كه..... أبو بكر محمّد بن عبد الله الأبهري العراقي ( ت 395 هـ )، أو ( ت 375 هـ).
57) ـ كو..... خلف بن عبد الله بن بشكوال الأنصاري الأندلسي ( ت 578 هـ).
58) ـ ل..... أبو القاسم أحمد البُرزلي البلوي التُّونسي ( ت 841 هـ)، أو ( ت 843 هـ)، أو ( ت 844 هـ).
59) ـ لب..... فرج بن قاسم بن لبّ الأندلسي ( ت 782 هـ).
60) ـ مر1..... شمس الدّين محمّد بن أحمد بن مرزوق الجدّ التّلمساني، ثمّ القاهري المصري ( ت 781 هـ).
61) ـ مر2..... محمّد بن أحمد بن مرزوق الحفيد التّلمساني الجزائري ( ت 842 هـ).
62) ـ مز..... محمّد بن عليّ المازري ثمّ التُّونسي ( ت 536 هـ).
63) ـ مش..... عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون(6) التّيمي الحجازي ( ت 212 هـ)، و قيل ( ت 213 هـ)، و قيل (ت 214 هـ).
64) ـ من..... محمّد بن أحمد بن خويز منداد العراقي ( ت 390 هـ تقريبا)، و بعضهم يرمز إليه بــ خز.
65) ـ مو..... محمّد بن إبراهيم بن الموّاز المصري ( ت 269 هـ)، و قيل ( ت 281 هـ).
66) ـ وغ..... عبد الرّحمان الوغليسي البجائي الجزائري ( ت 786 هـ).

و غيرهم من الفُقهاء المالكيين، المُعتمدين و الغير المُعتمدين، و هذه الرُّموز ليست توقيفيّة، إنّما هي اجتهاديّة آنيّة (7) ، قد تتغيّر في أيّ حين. و الله أعلم.
و يُعتبر المذهب المالكي من أكبر المذاهب الفقهيّة دراسة و توسّعا، فعنايته بأحكام القضاء و المواثيق، و تقريره للمصالح المُرسلة، أو ما يُعبّر عنها عند الأصوليين بالقياس المُرسل لدليل قاطع على ذلك.

و الّذي أعطى نظرة غير مقبولة عن هذا المذهب، هو ما التصق من البدع بطائفة من أئمّته، و خُصوصا بالمُتأخّرين منهم، و لاسيما منها بدعة الطّرائق، الّتي انتشرت انتشارا واسع النّطاق، و لا يخفى أنّ بلادنا الجزائر شهدت هذا الأمر من أيّام سُقوط دولة عبد المُؤمن بن عليّ، إلى عهدنا هذا. و قد انعكس هذا الانتشار سلبا على دراسته، و توضيحه للنّاس، ممّا جعل الكثير من دارسي الفقه الإسلامي يبتعدون عن دراسة هذا الفقه، و في أذهانهم الرّبط الوثيق بينه و بين اتّباع الطّرائق، و هذا غير صحيح؛ لأنّ هذا المذهب كغيره من المذاهب الفقهيّة السُّنيّة المُعتبرة و المُقلّدة، إذ هو من أكبرها و أوسعها انتشارا في العالم الإسلامي، له قواعده و مناهجه الخاصّة في استنباط الأحكام الشّرعيّة، تختلف عن المذاهب الفقهيّة الأخرى من ناحيتين، هما:
01) تقدير بعض المصادر التّشريعيّة.
02) ـتطبيق القواعد اللّغويّة في استنباط الأحكام الشّرعيّة.

و لا علاقة له بالبدع و الضّلالات الّتي شابت ـــــ بعد ظُهور الفرق و نشأتها ــــ عقيدة التّوحيد الصّافية، الّتي جاء بها الإسلام، تارة بالتّأويل و تارة بالتّفويض و تارة بالتّعطيل، و تارة بالتّشبيه، و تارة بغيرها، و لا ببدعة الطّرائق الّتي انتشرت بين المسلمين في أيّام الانحطاط و الابتعاد عن المنهج السّويّ، و الدّليل على ذلك الكُتب الّتي حاربت البدع المُجرّدة ( الأصليّة) منها و الإضافيّة، المُتعلّقة بالسّماعات أو بالأحكام، منها ـــ مثلا لا حصرا ــ كتاب الاعتصام لأبي إسحاق الشّاطبي المالكي ( ت 790 ه).

و بعيدًا عن التّقليد و مُراعاة للدّليل الصّحيح الصّريح (8) ، يبقى الفقه المالكي يتخبّط بين معاول كلام المُقلّدة الّذين جعلوا منه فقها جامدا بعيدا عن الأدلّة و القواعد، و نحن إذ نرى وجوب العودة إلى الأدلّة المعصومة، و إلى فهم الشّرب الأوّل من الصّحابة و خيرة التّابعين و الأئمّة المُجتهدين، من القُرون المُفضّلة بالخيريّة بالنّصّ الصّحيح الصّريح، لا نُطالب بإلغاء المذاهب الفقهيّة السُّنّيّة المُعتبرة، فهي موروث علميّ يجب الحفاظ عليه و إصلاحه، إنّما نُطالب بنبذ التّقليد الأعمى و التّعصب المَقيت و مُجانفة الحقّ، و وجوب الاحتكام إلى الأدلّة، و الانقياد لها، و هذه حقيقة و جوهر دعوة شيخ الإسلام ابن تيميّة، و العلّامة ابن القيّم، و الإمام الشّوكاني، و الإمام جمال الدِّين القاسمي، و المُجدّد محمّد رشيد رضا، و العلّامة محمّد ناصر الدِّين الألباني، و كُلّهم قد توفّرت فيهم شروط الاجتهاد و زيادة .

و الحقيقة الّتي يجبّ قولها هو أنّ الفقه المالكي منذ وفاة العلّامة ابن رشد الحفيد ( ت 595 هـ) عرف ترهّلا و رُكودا تامًّا؛ جرّاء ما فعله بعد ذلك أئمّة المذهب؛ من الاقتصار الجافي و الاختصار المُخلّ، و الاعتكاف بعد المئة الثّامنة الهجريّة، على متن مُختصر خليل، و من بعده على متن عبد الواحد بن عاشر، و كأنّه لا يُوجد لهذا الفقه إلّا هذان المتنان، و لا نعني هنا النّقص في فضل هذين العالمين، و التّنقيص من قوّة هذين المتنين كلّا. كلّا. بل نُريد عدم الاقتصار عليهما؛ لأنّ هذا في حدّ ذاته تنقيص لهذا الفقه الأصيل.

و في ظلّ هذا الجُمود و الرُّكود، يجب على طلبة الفقه التّحرير في هذه المواضيع، من تحقيق و تقعيد رصين للفقه المالكي، حتّى يكون فقها مُراعيا لصحّة النّصوص، و مُقرّرا لقواعد الاستدلال، و مُقدّما للرّاجح بين الأقوال، و خاليا من التّقليد الأصمّ، و ناظرًا لمآلات الأحكام، و مُسايرا لمُستجدّات كلّ عصر، و قد رأينا و لمسنا نهضة شبيهة بما ذكرنا، في العُقود الأربعة الأخيرة، تمثّلت في كتاب مواهب الجليل من أدلّة خليل للشّيخ أحمد بن أحمد المُختار الجكني الشّنقيطي ( أربعة أجزاء)، و كتاب مُدوّنة الفقه المالكي و أدلّته للدّكتور الصّادق بن عبد الرّحمان الغرياني اللّيبي (05 أجزاء)، و كتاب فتح الرّحيم على فقه الإمام مالك بالأدلّة للشّيخ محمّد بن أحمد المُلقّب بالدّاه الشّنقيطي المُوريتاني (جزء واحد)، عسى أن تستمرّ و تُثمر . و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . و الله وليّ التّوفيق. و صلّى الله و سلّم على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه أجمعين.

بقلم أبي محمّد سعيد هرماس

الجلفة المدينة، يوم الجُمعة 23 / 11 / 1437 هـ، المُوافق 26 / 08 / 2016 م

سعيد هرماس
2016-09-03, 11:54
وقفة مع الفقه المالكي


هوامش

1 ـ قال في مراقي السّعود :
و موجب تغليب الأرجح وجب ***** لديه بحث عن إمام مُنتخب
إذا علمت فالإمام مالك ***** صحّ له الشّأو الّذي لا يُدرك
للأثر الصّحيح مع حسن النّظر ***** في كلّ فنّ كالكتاب و الأثر

2 ـ أُلفت النّظر إلى نقطة مُهمّة و جوهريّة و هي الاعتناء بالحديث النّبوي حفظًا و ضبطًا و مُتابعة و رواية و شرحًا ، فالمالكيّة المغاربة قليلو البضاعة في هذا الشّأن ، و في شأن أصول الفقه أيضا ، و لا أعلم السّرّ في ذلك ، لكنّني أنبّه إلى العناية بهذين الفنّين ؛ لأنّ فقه النّوازل يتطلّب العلم بالأصلين ( الأُصولين ) ( أصول الحديث و أصول الفقه ) و العلم بالغريبين ( غريب القرآن و غريب السُّنّة ) ، كما أنّه يتطلّب العلم بالواقع ؛ أي المُلائِم مع معرفة تامّة بفتاوى المتقدّمين ، هذا من جهة ، و من جهة أُخرى فإنّ فقه النّوازل هو فقه الجُزئيّات ، و هذا لا ينحصر كما لا يخفى ، لأنّ مداره الزّمان و المكان و الحال ، كما يقول كُبراء الأصول الفتوى تُقدّر زمانًا و مكانًا و حالاً ، لكنّه ينضبط وفق النُّصوص المعصومة ، فمن الكتاب تكون عامّة في غالبها ، و من السُّنّة تكون خاصّة و جُزئيّة ، و من الإجماع ــ و هو مُتيسِّر اليوم ــ و هو فقه المُعاصرة ، المُتمثِّل في المجامع الفقهيّة و الهيئات العلميّة مع معرفة الواقع و تمييز الواقع المُلائِم ، و ليس أي واقع كما نشهده .
و أعود للسُّنّة النّبويّة ، فأقول الحمد لله قد دُوّنت و ضُبطت و صُحِّحت ــ و لا تزال ــ من طرف الجهابذة الصّيارفة النُّقاد في علوم الحديث ، بداية بالرّعيل الأوّل ، مالك ، و شُعبة ، و اللّيث ، و سفيانين ، و إسحاق بن راهويه ، و أحمد ، و ابن المديني ، و البخاري ، و مسلم ، و أصحاب السُّنن و المسانيد و المُصنّفات و غيرهم ، إلى المُعاصرين من رعيل أحمد شاكر ، و يحيى المُعلمي ، و ناصر الدِّين الألباني ، و شُعيب الأرنؤوط ، و عبد القادر الأرنؤوط ، و الحويني ، و الزّهيري ، ... و غيرهم ، و قد بلغ عدد الأحاديث الصّحيحة ــ الّتي لا ردّ لها ــ كما أشار أبو إسحاق الحويني عشرين ألف حديث ، و هذا كلّه فضلٌ و منّة ، و الخير كلّه في اتّباع السُّنّة ، و من فاتته السُّنّة فقد فاته الخير الكثير ، فالسُّنّة تعصم الخلاف ، و تُبيّن الخلاف المذموم من الخلاف المحمود ، أو ما يُعبّر عنه أهل الأصول بالخلاف المُعتبر و غير المُعتبر ، كما أُريد أن أشير إلى أنّ الاهتمام بالسّند في الحديث النّبويّ قليل عند المالكيّة المغاربة و هذا بالنّظر إلى إخوانهم المشارقة و أصحاب المذاهب الفقهيّة المُقلّدة الأخرى ( أحناف، شوافع ، حنابلة ، ظاهريّة ) ، و أذكر هنا أصحاب السّند لمُوطّأ مالك ( رضي الله عنه ) ، و صحيح البُخاري (رضي الله عنه) ، و هم مُرتّبون حسب تاريخ وفياتهم :
01) الحافظ الحُجّة الفقيه ابن عبد البرّ الأندلسي المُتوفّى 463 هـ .
02) الحافظ الحُجّة الفقيه أبو الوليد الباجي المُتوفّى 474 هـ.
03) الحافظ الحُجّة أبو عليّ الصّدفي ، المعروف بابن سُكرة المُتوفّى 514 هـ .
04) الحافظ الحُجّة الفقيه القاضي عياض اليحصبي المُتوفّى 544 هـ .
و بعضهم يُضيف الحافظ أبا عليّ الحسين الجياني المُتوفّى 498 هـ ، صاحب التّآليف في رجال الصّحيح ، و في شيوخ أبي داود ، و في شيوخ النّسائي .
و المذهب المالكي هو أحد مذاهب أهل الحديث خلافًا لما قاله الإمام العلّامة محمّد أبو زهرة ( رحمه الله ) ، من أنّ المذهب المالكي هو من مذاهب أهل الرّأي ، و نقول له و لغيره بماذا نُفسِّر عناية الإمام العَلم مالك ( رضي الله عنه ) للحديث النّبويّ ، و هي عناية فائقة التّقدير و التّنويه ، ثمثّلت مثلا في كتابه المُوطّأ ؟ و الله أعلى و أعلم .

3 ـ قال عنه العلّامة الحافظ أبو الفيض أحمد بن الصّدّيق الغُماري المغربي ( ت 1380 هـ ) : ( و قد تُكلِّم فيه و اتّهم بالكذب لأنّه كان إخباريًا ، لا يدري الحديث ، و لا يميّز صحيحة من سقميه . ) اهـ .
قُلت و لا أعلم دليله ، و قد ذكر ( رحمه الله ) مجموعة من الأفاضل المالكيّة هم : 01- التّسولي ، و 02- الزّرهوني ، و 03- الرّهوني ( و هو يقصد الرُّهوني المّتأخِّر ، و هو محمّد بن أحمد المولود عام 1159 هـ و المُتوفّى عام 1230 هـ . له تآليف منها : حاشية على شرح ميّارة الكبير على المُرشد المُعين (لم يكمل) ، و حاشية على شرح الزُّرقاني على المُختصر ، و أُرجوزة في الحيض و النّفاس . و ليس العلاّمة الكبير الرُّهوني المُتقدّم المُتوفّى 774 هـ ، أو 775 هـ ، صاحب التّقييدات و التّحقيقات النافعة ) ، 04- الزّجلي ، 05- الخمسي 06- الفاسي ، 07- الوزّاني ، 08- المرّاكشي ، 09- التّطواني . و قال عنهم : ( الّذين لا يعرفون مأخذ الأحكام ، و لا مقاصد الشّريعة ، و لا عندهم من العلم الصّحيح ما يصلح للتّدوين ، و لا يُساوي النّظر فيه ، فضلاً عن أن يُقدّم على فقه الأئمة ... ) اهـ . و في سياق قريب من هذا أفاد الإمام ابن مرزوق الحفيد التِّلمساني ( ت 842 هـ ) أنّ الإمامين ابن أبي جمرة ( ت 699 هـ ) ، و ابن حاجّ ( ت 737 هـ ) ليسا من أئمّة المذهب ( المالكي ) المُعتَمَدين . و الله أعلى و أعلم .

4 ـ و في الأحكام : 01 ) ـ الوغليسيّة لأبي زيد عبد الرّحمان الوغليسي البجائي الجزائري ( ت 786 هـ ) ، و 02 ) ـ التُّحفة لأبي بكر محمّد بن محمّد بن عاصم الغرناطي الأندلسي ( ت 829 هـ ) ، و 03 ) ـ اللّاميّة لأبي الحسن عليّ بن قاسم الزّقّاق الفاسي المغربي ( ت 912 هـ ) ، و غيرها .

5 ـ و هُناك ابنه محمّد الزُّرقاني المُتوفّى 1122 هـ ، يُكنى أبا عبد الله ، مهر في علم الحديث . له شرح مليح على مُوطّأ الإمام مالك ، و على منظومة البيقونيّة .

6 ـ قال أهل التّحقيق : ضعيف يروي مناكير عن الإمام مالك .

7 ـ و الحال نفسها بالنّسبة إلى مُصنّفي ( رُواة ) الحديث النّبويّ الشّريف :
01 ) ـ بز ( البزّار ) ، و 02 ) ـ ت ( التّرمذي ) ، و 03 ) ـ حا ( الحاكم ) ، و بعضهم يرمز إليه بــ ك ، و 04 ) ـ حب ( ابن حبّان ) ، و 05 ) ـ حم ( أحمد ) ، و 06 ) ـ خ ( البُخاري ) ، و 07 ) ـ خز ( ابن خُزيمة ) ، و 08 ) ـ د ( أبو داود ) ، و 09 ) ـ سع ( ابن سعد ) ، و 10 ) ـ شا ( الشّافعي ) ، و 11 ) ـ شب ( ابن أبي شيبة ) ، و 12 ) ـ ط ( الطّبراني ) ، و بعضهم يرمز إليه بــ طب ، و 13 ) ـ طح ( الطّحاوي ) ، و 14 ) ـ طي ( الطّيالسي ) ، و 15 ) ـ عب ( عبد الرّزّاق ) ، و 16 ) ـ ق ( العراقي ) ، و 17 ) ـ قط ( الدّارقطني ) ، و 18 ) ـ م ( مُسلم ) ، و 19 ) ـ ما ( مالك ) ، و 20 ) ـ مي ( الدّارمي ) ، و بعضهم يرمز إليه بــ دي ، و 21 ) ـ ن ( النّسائي ) ، و 22 ) ـ هـ ( ابن ماجة ) ، و 23 ) ـ هق ( البيهقي ) . و ص : حديث صحيح ، و ج : حديث جيّد ، و ح : حديث حسن ، و ض : حديث صعيف ، و م : حديث موضوع ، و بعضهم يرمز إليه بــ ب ( باطل ) . و الله أعلى و أعلم .

8 ـ قال العلّامة صالح عبد السّميع الآبّي الأزهري : ( الأحاديث الّتي نصّ الإمام مالك رضي الله تعالى عنه على أنّها لم تبلغه ، إذا قال أهل الصّناعة ( أهل الحديث ) أنّها صحّت ، فيجب على مُقلّدي الإمام رضي الله تعالى عنه العمل بها ، و يُؤيّد هذا قول الإمام مالك في رواية ربيبه معن بن عيسى قال : سمعت مالكا رضي الله تعالى عنه يقول : ( إنّما أنا بشر أُخطئ و أُصيب فانظروا في رأيي فما وافق الكتاب و السّنّة فخذوا به و ما لم يُوافق الكتاب و السّنّة من ذلك فاتركوه ) اهـ .

بقلم أبي محمّد سعيد هرماس

الجلفة المدينة، يوم الجُمعة 23 / 11 / 1437 هـ، المُوافق 26 / 08 / 2016 م

ikhlasse25
2016-09-03, 12:06
جزاك الله خيرا على هذا النقل المميز
اللهم اهدنا سبل السلام والرشاد

nabil el masry
2016-09-04, 13:57
مشكور اخي على الموضوع

kada1984S
2016-09-07, 20:06
الله يعطيك العافية

goumar
2016-09-09, 17:29
أستاذنا الكريم هكذا عهدنا ك ولا نزال ونامل فيك الكثير الجم والعظيم الأهم فنعمت الوقفة هذه ولنا بها شوق الوقوف والوفوق من مزيد الوقفات العلمية من كريم الدرر وكبير الصرر وعظيم القدر فواصل موفقا مسددا في عملك البديع والشكر موصول للقائمين في المنتديات وعلى راسهم الاستاذ بلقاسم خالدي

سعيد هرماس
2016-09-17, 10:35
شكرا لكم جميعا، جزاكم الله خيرا

رَكان
2016-09-18, 07:41
السلام عليكم
بوركت يا أسناذ على خير ما أتحفتنا به .وطيّبه ..ومتابعون ان شاء الله نستزيد علما وافاده .كيفلا والحديث دائر حول فقه إمام دار الهجرة إمامنا مالكا رحمة الله عليه ورضاه .. .

otmane kebas
2016-09-21, 07:59
بارك الله فيك يا أستاذ

قاصِرَةُ الطّرْف
2016-09-22, 20:53
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك والحمد لله الذي ألهم لإيضاح ما أبهم
و الله أسأل و أستعين أن يوفقنا و أن لا يجعل ما علمنا من العلم علينا وبالاً
و يجعله خالصاً لوجهه تبارك و تعالى