تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موضوع مميز في العالم المعاصر الصحة تعني المرض


** أبو أسيد **
2016-01-25, 20:12
نحن فعلا في حاجة لهذا النوع من التوعية ولكن للأسف هل سيسمح

بهذا أباطرة الصناعة وتماسيح التجارة؟ أشك في ذلك فالربح بالنسبة

لهم أقدس من صحة وحياة المواطن!!!!






http://info-resistance.org/wp-*******/uploads/2012/05/bigpharma-recherche.jpg










في العالم المعاصر الصحة تعني المرض





د. ثائر دوري – سوريا







في العالم المعاصر، كما في عالم جورج اوريل الروائي، الكلمات تعني نقيضها، فالسلام يعني الحرب، وحفظ السلام يعني إشعال الحروب، والأخلاق تعني الانحلال، والنظام يعني الفوضى، والديمقراطية تعني الدكتاتورية، والصدق يعني الكذب، والصحة تعني المرض...........





وحال قطاع الصحة في العالم المعاصر يعكس هذه الصورة، فالصحة تعني المرض..........



الطب علم أم موضة؟



أتذكر أن أحد أساتذتنا في كلية الطب كان يردد جملة اقتبسها من مكان ما توصف حال الطب، كان يقول:




((إن أساتذة الطب يعرفون أن نصف ما يعلمونه لطلابهم خاطيء، لكن المشكلة أنهم لا يعرفون أي نصف هو الخاطيء)).





حفرت هذه العبارة عميقا في وعيي، وإني أتذكرها كلما شاهدت أحد أولئك المنبهرين بالاكتشافات الطبية الحديثة، فيتحدث عنها بانبهار وكأنها



ستنقذ البشرية!! أو حين يتحدث أحدهم، وخاصة مندوبي الدعايات الطبية، بحماس عن دواء جديد نزل إلى الأسواق، فيقدمه وكأنه سيقضي على كل



الأمراض!!



عند ذلك أتذكر عبارة أستاذنا، فأسأل نفسي:



- يا ترى هل يتحدثون في النصف الخاطيء أم في النصف الصحيح؟


لكني متأكد أن التوتر والشك الذي تحمله العبارة السابقة لم يلامس روحهم وإلا لما تحدثوا بهذا الحماس وهذه الثقة........


وعندما كنت طفلاً كان الأسبرين هو الدواء الأول، الذي لا تخلو منه صيدلية البيت في الستينات والسبعينات، لأنه يستعمل كخافض حرارة ومسكن ألم. لكن عندما دخلت إلى كلية الطب عام 1985 كان الكلام عن العلاج بالأسبرين من المحرمات، التي قد تؤدي إلى رسوبك في الامتحان، فقد نسق هذا الدواء بشكل تام بسبب اكتشاف أن العلاج به أثناء الإصابة بالأمراض الفيروسية قد يؤدي للإصابة بتناذر ((راي)) وهو شكل من أشكال التهاب الدماغ المميت. لكن عندما تخرجت من كلية الطب كان الأسبرين قد عاد بقوة إلى رفوف الصيدليات وبدأ نجمه بالصعود حتى لم تعد وصفة طبية تخلو منه، فإضافة لكونه خافض حرارة ومسكن ألم، اكتشفوا أنه يعمل بجرعات خفيفة كمميع للدم، فهو يمنع التصاق صفيحات الدم، ثم اكتشفوا أنه يفيد اللاتي يعانين من الإسقاط أو من الولادة المبكرة فعولجن به.......



وعندما دخلت إلى كلية الطب كان هناك زمرة دوائية خافضة لسكر الدم اسمها الميتفورمين قد منع استخدامها لأنها تسبب اختلاطا نادراً مميتاً يسمى الحماض اللبني، وعندما أنهيت اختصاصي كانت هذه الزمرة قد عادت بقوة إلى وصفات أطباء السكري، فصارت في الخط الأول لمعالجة مرضى السكري. وبعدها تابعت هذه الزمرة صعودها وما زالت لتصبح علاجاً لخفض الوزن، والشعرانية، والشواك الأسود، وكيسات المبيض.........



وفي الستينات والسبعينات كانت الحمية عن مأكولات محددة كالبزر والفستق والشوكولا أساسية في معالجة المريضة المصابة بحب الشباب، وفي الثمانينات والتسعينات قالوا لنا إن نوعية الغذاء لا علاقة لها بحب الشباب فلغينا الحمية وبتنا نقول للمريضة كلي ما تشائين. لكن في العام الماضي بدأ رأي مناقض يقول بتأثير الزيوت والحليب والشوكولا على زيادة حب الشباب فأعدنا مرضانا للحمية الغذائية.......


في البداية قالوا إن الحمية الغذائية عن الحموض والقهوة والشاي والحاد والبهارات ضرورية عند مرضى القرحة الهضمية. وبعد ذلك قالوا إن بعض المرضى الهنود تناولوا الكاري أثناء معالجة القرحة فلم تتأثر نتيجة المعالجة، فاستنتجوا أن الحمية غير ضرورية، فما يهم هو أن تتناول حبة الدواء ثم افعل ما تريد. وفي هذا العام أصيب أحد أصدقائي بنزف هضمي، فراجعنا أحد الأطباء العائدين حديثاً من أمريكا حائزاً على شهادة البورد الأمريكي. وبعد أن أتم تشخيصه ووصف له الدواء (وهذا له قصة سأذكرها فيما بعد). سألناه عن الحمية، ففوجئت به يقول للمريض:



- كل ما تريد. فقط لا تشرب قهوة على الريق....


ماذا يجري؟ هل نحن نتكلم عن الطب كعلم مستقر مثل علم الفيزياء، أم نتكلم عن موضات دوائية، بكل ما تعني كلمة "موضة" من معنى؟!!!




هل يجوز في علم الفيزياء، على سبيل المثال، أن تتغير الحقائق العلمية بين السبعينات والتسعينات كأن يكون قانون الجاذبية الأرضية حقيقة علمية مؤكدة تدرس للطلاب ويحلون مسائل الفيزياء استناداً إليه، ثم تنقلب الأمور في التسعينات لنكتشف أنه لا يوجد قانون للجاذبية ويدرس هذا الأمر للطلاب بنفس الجدية السابقة، ثم بعد عشر سنوات تعود الأمور سيرتها الأولى فنؤكد أن قانون الجاذبية الأرضية حقيقة مؤكدة؟!!


حاز العالمان الأستراليان باري ج. مارشال وج. روبن وارن، لأبحاثهما حول دور البكتريا في التهاب المعدة وفي مرض القرحة، على جائزة نوبل هذا العام لاكتشافهما جرثومة الهيلوباكتر 1982 التي تسبب القرحة. ولا أعرف لما حازا عليها هذا العام بالذات رغم أنهما قالا باكتشافهم منذ وقت بعيد وبعد أن كادت موضة الهيلوباكتر تنتهي. فهذه الجرثومة وصلت إلى ذروة مجدها في منتصف التسعينيات من القرن الماضي فقد اعتبرت مسببة للقرحة الهضمية وتغيرت بناءا على ذلك طرق معالجة القرحة، فأصبحت المعالجة تعتمد على مضادات الجراثيم إضافة إلى مضادات القرحة الأخرى، وبعد ذلك امتدت موضتها من طب جهاز الهضم إلى اختصاصات الطب الأخرى. فقال بعضهم أنها سبب احتشاءات القلب!! وبنفسي أحصيت في مجال اختصاصي، طب الجلد، أكثر من عشرة أمراض جلدية اتهموا هذه الجرثومة بأنها المسببة لها. كما أنجزت إحدى زميلاتنا دراسة عن علاقة هذه الجرثومة بمرض الشرى (التحسس)!!! ويومها ظننت أننا سنكتشف أن كل كوارث البشرية سببها هذه الجرثومة المسكينة، التي هي نوع من الجراثيم سلبية الغرام المتعايشة في الغشاء المخاطي للمعدة والتي لم يعرف لها ضرر قبل أن يأتي هذان العالمان ويشرشحانها لتصبح سبب كل بلاوي البشرية، فكل مرض مجهول السبب صار يلقى وزره على عاتقها!!!





قد يبدو هذا الكلام نوع من المزاح وفي أسوأ الأحوال نوع من المزاح الثقيل. لكن الأمر ليس كذلك، لأن الكلام السابق عندما يترجم بشكل عملي فهذا يعني مليارات الدولارات، التي صرفت على معالجة هذه الجرثومة بالصادات الحيوية، واتهامها بكل هذه الأمراض يعني أن كل وصفة طبية لمعالجة تلك الأمراض سيتصدرها الصاد الحيوي المعروف باسم كلاريترومايسين، وهذا يعني انتفاخ جيوب منتجي هذا الدواء بمليارات الدولارات. فهل منح جائزة نوبل لهذين العالمين بعد ربع قرن من "اكتشافهما" هو لضخ مزيد من الأموال في جيوب تلك الشركات!!



انقل عن الدكتور انطوان قربان، المتخصص في تاريخ وفلسفة العلوم الطبية وأخلاقياتها، قول الطبيب والمفكر ايفان ايليتش في السبعينات: "أن المؤسسة الطبية تهدد الصحة" (2). لذلك علينا أن نفتش عن المستفيد الأول من كل ذلك وهي شركات الدواء.







يتبع................

** أبو أسيد **
2016-01-25, 20:18
شركات النفط والدواء تتحكم بمصير البشرية







أن صناعة الأدوية هي الأعلى مردودا والأكثر ربحية وتحقق نتائج بمعدل ضعفي صناعة النفط وأسعارها، أيضاً، احتكارية. لكن الظلم الذي تتعرض له شركات النفط لا يتوقف عند حد حسدها على أرباحها بل يمتد إلى مجال الحرب والسلم، فهي متهمة بأنها تمول الأعمال الحربية للمحافظين الجدد وأنها المستفيد الأول من العدوان الأمريكي على العراق مع شركات السلاح. لكن هناك رأي آخر مفاجيء تماماً، فعودة إلى انتخابات الكونغرس النصفية عام 2002 التي هيأت للعدوان الأمريكي على العراق نرى أن شركات الأدوية هي أكبر داعمي بوش والجمهوريين وصقور الحرب، كما دلت على ذلك مبالغ تبرعات الشركات لفريق بوش. لقد حلت شركات الأدوية في المرتبة الأولى قبل شركات النفط والسلاح. وهذا أمر دعا الدكتور الألماني الجنسية ماتياس راث، قبل بدء العدوان الأمريكي على العراق، إلى توجيه رسالة ضد هذا العدوان نشرها في عدة صحف منها (الأهرام) و(النيويورك تايمز) كإعلان مدفوع الأجر بتاريخ 28/2/2003. يقول فيها: ((عشية الحرب المحتملة أناديكم بوقف جميع الأعمال العسكرية اعملوا للصحة لا للحرب، هذه الحرب لا تخدم مصلحة شعوب العالم بل تخدم مجموعة المصالح الخاصة والتي تضم قطاع الصناعات الدوائية إلى جانب صناعة النفط. فليس من قبيل الصدفة أن قطاع الصناعات الدوائية، وليس قطاع النفط كان أكبر الجهات الراعية لأجندة الحرب خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة في نوفمبر 2000 (انتخابات التجديد النصفي للكونغرس)).


و يعدد الدكتور ماتياس في رسالته الأسباب التي تدعو شركات الأدوية لتأييد الحرب. فيقول: ((إن كل دولة تتبنى سياسة وطنية قائمة على العلاج الطبيعي الفعال تعتبر مسمارًا في نعش (التجارة بالمرض) الخاصة بقطاع الأدوية، ولن يخرج من المعركة العالمية بين الصحة الطبيعية والمصالح المالية لشركات الأدوية سوى منتصر واحد، ولهذا السبب فإن مجموعات المصالح في قطاع الأدوية قد وضعت المروجين لها في أهم المواقع السياسية: جورج بوش وتوني بلير على رأس أكبر مصدري المنتجات الدوائية، كما أنهما من أكبر المروجين للحرب، وكذلك دونالد رامسفيلد الذي كان كبير المسؤولين التنفيذيين وعضو مجلس الإدارة في عدد من شركات الأدوية المتعددة الجنسية (سيرل، جايلد، وغيرهما)، وهو اليوم من أشد المروجين للحرب في إدارة بوش، إن الحروب والأزمات الدولية طويلة الأمد وتقييد الحقوق المدنية تصب جميعًا في مصلحة تكتل شركات الأدوية، كما أن الحقائق التالية تظهر اليوم في ضوء جديد.





إن صناعة الأدوية كانت أكبر مجموعة صناعية تروج لأجندة الحرب في إدارة بوش خلال انتخابات نوفمبر 2002، كما كانت شركات الأدوية أول المستفيدين من قانون الأمن الوطني حيث حصلت على ضمانات بالحصانة القانونية فيما يتعلق بأي أعراض جانبية تتسبب فيها منتجاتها، أما خطاب (حال الاتحاد) الذي ألقاه بوش فلم يدعم الرئيس بوش الصحة الطبيعية الفعالة بل وعد بتنفيذ برنامج يدعم شركات الأدوية بما قيمته 400 مليار دولار(!) تحت غطاء النظام الو طني للرعاية الصحية (ميدي كير)، وحتى الدعم غير المتوقع الذي قدمه بقيمة 15 مليار دولار لعلاج الإيدز في أفريقيا سيعود بالنفع على شركات الأدوية بالدرجة الأولى، وليس على شعوب أفريقيا، فعلى الرغم من توفر البدائل الفعالة غير المكلفة فسيتواصل اعتماد هذه الشعوب على تكتل شركات الأدوية")).





إن الترافق بين مساري صناعة النفط والدواء كبير، فخلال العام المنصرم، عام 2005، مر حدثان تاريخيان بالغا الأهمية، أحدهما يخص قطاع النفط والثاني يخص صناعة الدواء، وكلاهما سيؤثر على مصير البشرية، فالحدث الذي يتعلق بصناعة النفط هو أن النفط قد بلغ ذروة إنتاجه حسب المنحني الجرسي الذي رسمه كينك هوبرت عام 1956، وملخصه: أن كميات البترول المنتجة ستأخذ مسارا يناظر - بتأخير يبلغ بضعة عقود - المسار الذي ستأخذه تزايد كميات البترول بفعل العثور على آبار بترولية جديدة، وبفضل المنحني هذا تنبأ هوبرت أن ذروة الإنتاج الأمريكي ستكون في نهاية الستينات أو بداية السبعينات وبعدها تبدأ بالتراجع، وحين نشر ذلك أمسى عرضة للسخرية، لكن التاريخ أثبت صحة نبؤته، فبلغ الإنتاج الأمريكي ذروته عام 1971 وبدأ تراجعه منذ ذلك العام(4)، وبتطبيق نفس المنحني على الإنتاج النفطي العالمي فإن النفط بلغ ذروة إنتاجه عام 2005 ومنها بدأ التراجع، وبالتالي فإن هناك ظاهرة الجو ع للطاقة التي ستبرز خلال السنوات المقبلة، حيث أن الطلب العالمي على النفط يتعاظم بدخول مستهلكين جدد كبار كالهند والصين بينما الإنتاج العالمي يتراجع، وتخيلوا أية صراعات وحروب ستفرزها ظاهرة الجو ع إلى النفط.......
أما الحدث الآخر الخاص بالصناعات الدوائية وحدث في عام 2005 فهو دخول اتفاقية "حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة" (TRIPs) موضع التنفيذ هذا العام على الصناعات الدوائية في العالم الثالث، وهذا أمر بالغ الخطورة، فهو سيؤثر على صحة وحياة مليارات من البشر، وحين يكون المرض مصدر ربح وإثراء لشركات الدواء فتوقعوا الكثير الكثير من الأمراض!!!









حرية التجارة تعني احتكار التجارة!!






تفرض اتفاقية "حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة" (TRIPs) على مصانع الأدوية في العالم الثالث الحصول على إذن من الشركات الغربية المصنعة للدواء كي تصنع أدويتها، وبالتالي عليها أن تدفع لتلك الشركات مبالغ من المال،و هذا أمر سيرفع تكلفة الدواء في العالم الثالث كثيراً و يجعل أغلب سكانه غير قادرين على الحصول على الأدوية الأساسية.
إن بدعة حقوق الملكية الفكرية هي آخر إبداعات العقل اللصوصي الاحتكاري النهاب المسيطر على العالم، ففكرة احتكار المعرفة تعود بالبشرية آلاف السنين إلى الوراء. إلى العصور القديمة،حيث كان كهنة المعابد يستغلون معرفتهم بالقراءة والكتابة وبعض الأمور الضرورية لحياة الناس الاقتصادية، كمواعيد فيضان النيل في مصر القديمة وما يرتبط به من شؤون الزراعة، كالبذار والفلاحة، ليشكلوا طبقة تتحكم بشؤون الناس وتعيش حياة مترفة على حساب تعبهم و شقائهم واستخلاص فائض إنتاجهم كي يبقوا مرضى، جهلة، معدمين..الخ. إن احتكار المعرفة يعود البشرية إلى تلك العصور، وهذا ما قننته اتفاقية الغات للتجارة الحرة التي انبثقت عن جولة أورغواي عام 1994 عبر إدراج حقوق الملكية الفكرية خاصة على المنتجات الصيدلانية والزراعية، وهذا ما صب مزيدا من المال في طواحين الأغنياء. يقو ل تشومسكي: ((..تعطي هذه التطورات دفعاً جديداً لمطالبة الولايات المتحدة بحماية متزايدة لـ ((الملكية الفكرية)) أثناء مفاوضات الغات المستمرة. ((إن اهتمام أمريكا بالملكية الفكرية ليس غيرياً على الإطلاق)) كما لاحظت (الإيكونومست)، ((من الأفلام السينمائية وصولاً إلى الرقائق الميكروية، جنت الولايات المتحدة (12) مليار عام 1990 إضافي من تجارتها بالأفكار)) (5)
ويتابع: ((يقصد بالإجراءات الحمائية الجديدة ضمان هيمنة الشركات الأمريكية على الصناعات الصحية والزراعية، متحكمة على هذا النحو بأساسيات الحياة البشرية، إضافة إلى ضمان أرباح ضخمة للصناعات الصيدلانية الأمريكية. ارتفعت أسعار الوصفات الطبية بمقدار أربعة أضعاف معدل التضخم من عام 1984 إلى عام 1991، كما كشفت دراسة لعام 1991، مثمرة أرباحاً صاروخية لشركات الأدوية، وكرس 10% قريباً من هذه الزيادة للتسويق والنفقات الإدارية.(5)
وحسب تشومسكي ستكلف تطبيق حماية الملكية الفكرية دول العالم الثالث من 100-300 مليار دولار حصة الولايات المتحدة منها 60 ملياراً. وهذا الوضع الذي يشبه فرض الإتاوة من القوي على الضعيف دعا مدير شركة بومباي للأدوية ليقول: ((الغرب حمى صناعته الناشئة ونهب العالم ليراكم الثروة، وهو الآن يعظ الآخرين بفعل ما لم يفعله أبداً)). و((لم تسمح الدول المتقدمة ببراءات الاختراع إلا بعد أن أنشأت صناعتها المحلية وبنيتها التحتية بشكل حسن)). فلم ((تسمح ألمانيا ببراءة اختراع المنتجات الصيدلانية إلا في عام 1966، واليابان 1976، وفي ايطاليا 1982)، سيكون من شأن القواعد الجديدة أن تمنع بلادا مثل الهند، من إنتاج الأدوية المنقذة للحياة، حيث لا يكلفها إنتاجها إلا جزءاً مما ستتقاضاه الشركات التي تحظى بدعم الدولة في البلدان الغنية)) (5)
تتذرع شركات الأدوية بأنها تدفع الكثير من النفقات لتطوير الأدوية وإجراء الأبحاث وبالتالي لا بد لها من الحماية من أجل أن تسترد التكلفة التي دفعتها من أجل إدامة البحث وتطوير أدوية جديدة، لكن كثيراً من الباحثين المدققين لاحظوا أن لا صحة البتة لما تدعيه شركات الأدوية.
فالنقطة الأولى التي تنقض ادعاءات شركات الأدوية، هي أن غلب الأدوية، في أمريكا ذاتها، اكتشفت في المخابر الحكومية ((في العام 1995 اكتشفت مؤسسة ماساتشوستس للتكنولوجيا أنه من بين 14 دواء من الأدوية الواعدة في نظر مصانع الأدوية في الربع الأخير من القرن،هناك 11 دواء تم اكتشافه عبر أعمال مولتها الحكومات.هكذا نجد أن الكزالاتان وهو قطرة لمعالجة الماء الزرقاء،و قدرت مبيعاته في العام 1999بـ 507 مليون دولار، قد تم اكتشافه بفضل مساعدة عامة بلغت أربعة ملايين دولار قدمت إلى جامعة كاليفورنيا.و بعد أن لاحظت صحيفة (النيويورك تايمز) أن هذا الدواء يعتبر بالنسبة إلى الشركة المصنعة،فارماسيا كوربورايشن،"ذهبا أسود"، أكدت أن "المساهمين لم يجنوا أي أرباح مالية على توظيفاتهم" ثم أضافت "في سنة الانتخابات هذه كانت كلفة الدواء محور المناقشات السياسية)) (6)
كما ((ادعت بارفس ولكم (هي الآن واحدة من شركات مجموعة جلاكسو ولكم) أنها اكتشفت عقارا لسرطان "أزيدوثيميدين"، في حين أن الحقيقة هي أن من اكتشفه هو فريق العمل التابع للمعهد القومي الأمريكي للسرطان الممول من الدولة، بالاشتراك مع فريق باحثي (جامعة ديوك)، هذا ويذيع عمالقة الدواء أنهم يعملون حاليا على تطوير 73 دواء للإيدز، ولكن دقق النظر، وستجد أن معظم تلك الشركات يحصل بالفعل على مساعدات حكومية عن طريق الباحثين العاملين في معاهد الصحة القومية الممولة حكوميا! بمعنى آخر، إن عمالقة الدواء يدعو ن أنهم يقومون بالبحث والتطوير، إنما في الحقيقة هم يستخدمون أموال دافعي الضرائب في تطوير عقارات بهذه الأهمية لازمة لإنقاذ حياة البشر)) (7)
لكن هذه الأدوية التي تطور بأموال دافعي الضرائب تسعر بطريقة احتكارية تجعلها بعيدة عن متناول غالبية المتقاعدين والمسنين الذين هم بأمس الحاجة لها حتى في أمريكا نفسها، وهذا ما دعا الرئيس الأمريكي بيل كلينتون نفسه لمهاجمة شركات الأدوية لأنها تزيد الأسعار فالملاحظ أن أسعار الأدوية في أمريكا تزيد بمرتين عن سعرها في كندا. (6)
ومن الحيل الأخرى التي تلجأ إليها شركات الأدوية لتبرير احتكارها و أسعارها المرتفعة هو تقديم أرقام مرتفعة كتكلفة لتطوير الأدوية الجديدة ((تكلفة إنتاج دواء واحد جديد تصل إلى 500 مليون دولار. ولكن خبيراً بارزاً في مجال صناعة الأدوية هو ميريل جوزنر يوضح أن هذا الرقم مضلل لعدة أسباب، فمثلا، إن العديد مما تسميه الشركات الكبيرة "أدوية جديدة" هي ليست كذلك على الإطلاق، خاصة أن أكثر من 40 % من الإنفاق على البحث والتطوير في صناعة الدواء، يهدف إلى عمل تعديل طفيف في الأدوية المتداولة بالفعل، وليس إلى خلق أدوية جديدة تماما)) (8)
كما أنها تضيف تكاليف جيش من العاملين في الدعاية والإعلان ورواتب المديرين الضخمة على تكلفة تطوير الدواء. ((معظم النفقات المزعوم أنها مخصصة لتطو ير الدواء تذهب إلى الإنفاق على التسويق المصصم خصيصا لإقناع الناس أن يشتروا نسخة مختلفة من نفس العقار، لذلك فالتسويق هو القطاع الذي يشهد أكبر نمو في صناعة الدواء، و ليس قطاع البحث والتطوير، فهناك الآن حوالي 90 ألف شخص يعملون على ملاحقة الأطباء لكي يكتبوا أدويتهم للمرضى، (فايزر) وحدها تملك جيشاً من 11 ألف من هؤلاء، يبتلعون ما قيمته 12 مليار دولار من نفقات الشركة، وفقا لبيانات مجلة تورنتو ستار، تذهب لأجو رو مرتبات هذه الطبقة غير الضرورية من العاملين.)) (7)
وهذه المصاريف الضخمة على الدعاية تجعل منتجات الشركات المعولمة هي الأكثر رواجا بغض النظر عن جودتها وبغض النظر عن وجود بديل وطني أو محلي له نفس الفعالية. ((وهذا ما يوضحه السيد كيو رنزونغ، أستاذ الأخلاق الحيوية في أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية: "لقد نشأت شراكة متينة بين شركات الأدوية وإدارات المستشفيات والأطباء، إننا ننتج أدوية لا تقل فاعلية عن الأدوية المستوردة، لكن الأطباء لا يصفونها". وتستكمل صحيفة (النيويورك تايمز) من جهتها هذا الرأي ملاحظة أن "مجموعات صناعة الأدوية في الخارج ومصنعي التجهيزات الطبية يدفعون تكاليف دراسة الأطباء الصينيين في الخارج... ويؤمنون لهم تذاكر السفر وبدل الإقامة في الفنادق لحضور المؤتمرات)) (6)
فإذا ما أضفنا تكاليف الدعاية إلى ما يدفع للمديرين من رواتب ضخمة عرفنا لماذا تتضخم فواتير تكلفة تطوير الأدوية بهذا الشكل، يقدم (والدن بللو) قائمة برواتب بعض مديري الشركات ((ما يحصل عليه رؤساء مجالس إدارات خمس من أكبر شركات أدوية في العالم سنويا:

اسم الشركة
اسم المدير
الراتب
قيمة أسهم غير متداولة في الشركة
فايزر
(هانك ماك كينل)
28 مليون دولار
30.6 مليون دولار
ميرك
(رايموند جيلمارتن)
19.5 مليون دولار
48 مليون دولار
بريستول ماير سكويب
(بي. آر. دو لان)
8.5 مليون دولار
3.4 مليون دولار
جلاكسو سميث كلاين
جان بيير جارنييه)
11.8 مليون دولار

دي بون إل
(كو هو يداي)
13.5 مليون دولار

** أبو أسيد **
2016-01-25, 20:33
يضاف إلى ما سبق المرتبات الأقل ولكن أيضا الباهظة لألف من مديري الإدارة العليا في الصناعة، ولسوف تفهم حينها لماذا تضاعفت تكاليف الإنفاق على البحث والتطوير. هؤلاء المدراء هم بالضبط الذين كانوا يصرخون منادين بـ"حقوق الملكية الفكرية" ويزدرون ملايين وملايين من المصابين بفيروس الإيدز الذين يمكن إنقاذهم عن طريق تخفيضات جذرية في سعر الدواء.. (7)



إن قصة الإيدز قصة نموذجية لما تفعله حقوق الملكية الفكرية بالناس، فمرض الإيدز يتفشى بمعدلات مرعبة في دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تبلغ نسبة الإصابة به في جنوب أفريقيا حوالي 10 % من السكان (4,7 مليون مصاب بفيروس السيدا في جنوب أفريقيا يموت منهم سنوياً 250000 شخصاً، كما أن مرض السيدا يشكل 40 % من أسباب الوفيات في الشريحة العمرية بين 15و 49 من العمر) (8). وخلال السنوات الماضية تم تطوير مجموعة من الأدوية التي تبقي المريض على قيد الحياة، حيث تمنع تكاثر الفيروس وتقلل كميته في الدم، لكن تبقى المشكلة في غلاء ثمن هذه الأدوية فالشركات المنتجة للأدوية، بموجب نظام براءات الاختراع، تستطيع تحديد السعر الذي تريده، فدواء واحد من بين ثلاثة أو أربع أدوية مطلوبة لعلاج المريض هو (ستافودين) تبيعه الشركة (دف الأقراص من زنة 40 ملليغرام (الكمية المطلوبة يومياً للعلاج هي دفّان) بسعر وسطي يقدر 4.28 دولار) (8).
وتقدر التكلفة الإجمالية لعلاج مريض الإيدز بألف دولار شهرياً، وهو رقم تعجز جنوب أفريقيا ومعها كل الدول الفقيرة على توفيره لمرضاها، فجاء الحل عن طريق شركة هندية للدواء فقد (عرض المصنّع الهندي شركة "سيبلا ليمتد" لبيعها كمية نوعية من "ستافودين" بسعر أدنى من سعر "زيريت" بـ"خمس وثلاثين مرة) (8). وعندما منحته جنوب أفريقيا ترخيصاً لإنتاج الدواء اعتبرت شركات الدواء المتحالفة ذلك انتهاكا لاتفاقية التجارة الحرة التي تفرض حقوقاً للملكية الفكرية.





أقامت شركات الدواء المتضامنة دعوى على جنوب أفريقيا لانتهاكها تلك الحقوق، ورغم ضغط منظمات المجتمع المدني والرأي العام خاصة في (جامعة يال) التي تم تطو ير الدواء في مختبراتها قبل أن تبيعه إلى شركة (سكويب)، حتى أن أحد مكتشفي الدواء الدكتور (وليم بروسوف) (81 عاماً) وجه رسالة باسمه أو ضح فيها أنه "يجب ألا يموت أي إنسان لأسباب اقتصادية، أو لأنه لم يتمكن من شراء الدواء، وسأكون سعيداً بالتخلي عن أي تعويض إذا ساعد هذا في استئصال المرض" (8). رغم كل ذلك لم ترضخ الشركة حتى كانت أحداث 11 أيلول وما تلاها من تهديد بهجمات الجمرة الخبيثة، فاحتاجت الولايات المتحدة إلى تخزين كميات كبيرة من دواء (السيبرو) المضاد الحيوي النوعي للجمرة الخبيثة، فهددت أمريكا شركة (باير) الألمانية مالكة حقوق هذا العقار، إما بإعطائها الدواء بسعر خاص أو باللجوء إلى إنتاجه دون ترخيص فرضخت الشركة، وهنا اضطرت شركة (سكويب) (منتجة العقار المضاد للإيدز) للقبول بتسوية مماثلة مع جنوب أفريقا، لكن هذه التسوية لم ترض منظمات المجتمع المدني لأنها لم توجد الحل الجذري لمشكلة براءات الاختراع، بل أبقت المرضى تحت رحمة سياسة التسعير التي تضعها الشركات ولا تراعي سوى تحقيق الأرباح، ورغم أن الدول النامية حصلت خلال المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد في قطر في 13 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001 على حق الاستثناء من نظام براءة الاختراع في حال الأزمات الصحية فقط، فإن الأمر بقي بيد شركات الدواء.





ورغم كل تلك الأرباح والأسعار الاحتكارية المرتفعة تتراجع البحوث الطبية، ويدل على ذلك تراجع عدد الأدوية المسجلة سنوياً ففي عام 1996 أقرت إدارة الأغذية والدواء الأمريكية الـ(FDA)(12) 53 دواء جديد في الولايات المتحدة، بينما أقرت 17 دواء جديد فقط عام 2003، ورغم ((أن أمراض المناطق المدارية كانت السبب الرئيس في موت الشعوب خلال الفترة من 1975 و1997، لم تتعد الأدوية المعالجة لتلك الأمراض 13 من مجموع 1233 دواء جديد طرحوا قي الأسواق خلال تلك الفترة )) (7)
فمرض مداري مثل الليشمانيا بنوعيها، الجلدي والحشوي، صنفته منظمة الصحة العالمية بين أهم ست مشاكل صحية يعاني منها العالم، حيث يبلغ عدد الناس المعرضين للإصابة به 350 ثلاثمائة وخمسون مليوناً من البشر. وكل عام هناك مليون ونصف إصابة جلدية، ونصف مليون إصابة حشوية. والنوع الحشوي يعتبر مميتاً إن لم يعالج، أما النوع الجلدي فمشوه، ورغم حجم الانتشار الكبير لهذا المرض فما زال يعالج بأدوية اكتشفت منذ الحرب العالمية الثانية، وقد ظهرت مقاومة للطفيلي عليها ومع ذلك لا يوجد بحوث جدية على أدوية جديدة لأن الفقراء هم المصابون بهذا المرض وبالتالي لا يوجد مصلحة تجارية لشركات الأدوية لتقوم بتطوير أدوية جديدة،و بالمقارنة مع خافضات شحوم الدم نرى أنه يوجد عشرات الأنواع منها ولا زالت الأبحاث تجري على قدم وساق لتطوير أدوية جديدة لأنها تعالج أمراض الأغنياء القادرين على الدفع. هذا دون أن نشير للأموال الهائلة التي تصرف على أدوية المتعة للقادرين على الدفع مثل الدواء الشهير: "الفياغرا"!!، ولعل فضيحة دواء eflornithine ومرض النوم الإفريقي خير معبر عن روح الجشع التي تحكم عالم الصحة والدواء.







يتبع

...........

** أبو أسيد **
2016-01-25, 20:36
ينتشر داء النوم في أفريقيا جنوب الصحراء، هو مرض قاتل ينتقل عبر لدغة بعوضة تسمى ذبابة (تسي تسي)، تنتقل المثقبيات المسببة للمرض عبر الدم إلى العقد البلغمية وتسبب حمى، ضعف، تعرق، آلام مفصلية، ثم يهاجر الطفيلي إلى الدماغ ويؤدي إلى اضطراب وعي وخبل وأخيرا السبات والوفاة، استؤصل المرض في الستينيات من القرن الماضي لكنه عاد ليشكل حالة وبائية، وبدون معالجة فإن مصير المريض المصاب بهذا المرض الموت المحتم بعد إصابة الدماغ والنخاع الشوكي.
يوجد في أفريقيا 60 مليون إنسان معرضين للإصابة بهذا المرض، ويقدر عدد الإصابات بـ 500 ألف إصابة سنوياً، وهو ينتشر بمعدل أسرع بثلاث مرات من معدل انتشار الإيدز في أفريقيا، ففي العام 1974 كان هناك ثلاث تقارير فقط عن حالات إصابة بهذا المرض في أنغولا، أما في عام 2000 فقد قدر عدد الإصابات بأكثر من 100 ألف إصابة حسب ما هو منشور في (الغارديان) في 18 آب 2001. (10) وقد تصاب الأبقار بهذا المرض، وتتركز الإصابات في أنغولا، والكونغو الديمقراطية، والكونغو، السودان، إثيوبيا، المالاوي وتنزانيا.
كان هذا المرض يعالج بدواء اسمه MELARSOPROL وهو مشتق من الزرنيخ وقد اكتشف قبل سبعين عاماً وتبلغ نسبة وفيات المرضى المعالجين به 15-20%. لكن أثناء بحث إحدى شركات الأدوية عن دواء جديد لعلاج السرطانات جربت مادة دوائية اسمها eflornithine وبالصدفة البحتة اكتشفت الخواص الرائعة لهذا الدواء في معالجة مرض النوم، فهو يصل للدماغ والنخاع الشوكي وآثاره الجانية قليلة وتقتصر على ألم بالبلعوم لذلك سمي ((عامل الانبعاث)) لأن المريض يكون مخبولاً خاملاً وما إن يتناوله حتى يستعيد وعيه ونشاطه بشكل سحري.
بدا أن هذا العقار سيحقق ثورة في معالجة هذا المرض، لكن في عام 1995 أوقفت الشركة إنتاجه بسبب عدم فعاليته في علاج السرطان و قلة الطلب عليه كدواء لعلاج مرض النوم لأن أسعاره غالية وتفوق مقدرة الأفارقة على شرائه، ولم تفلح المناشدات والضغوط التي مارستها منظمة الصحة العالمية وبعض منظمات المجتمع المدني وبعض القادة، لم تفلح في ثني الشركة عن قرارها إيقاف إنتاج الدواء بحجة عدم وجود مشترين له.و حرم المرضى من هذا الدواء الفعال ست سنوات كاملة، منذ عام 1995 وحتى عام 2001، وفي هذه المدة عاد الأطباء لاستخدام الأدوية القديمة، السامة، القاتلة.









في عام 2001 اكتشفت الشركة المنتجة خواصا أخرى غير متوقعة لأحد مشتقات هذا الدواء، فعندما طبق بشكل كريم على وجه المرأة منع نمو الشعر الزائد، فأنتجته الشركة بشكل كريم لأن لهذا المنتج كثير من المشترين في السوق الأمريكية والأوربية، وتعرضت الشركة لفضيحة أخلاقية فهي رفضت في الماضي إنتاج الدواء لإنقاذ الأفارقة من الموت لكنها أنتجته لإزالة الشعر الزائد عن وجه الأمريكيات، وبسبب التشهير الذي تعرضت له أعادت إنتاج الدواء لاستعماله في علاج مرض النوم.
ورغم ذلك ما زال الدواء غير متوفر بشكل جيد في المناطق الموبوءة، كما أن هناك حاجة لتطوير مركبات أبسط منه، وبدون خطة متابعة طويلة الأمد سيظل هذا المرض بعيدا عن السيطرة.

** أبو أسيد **
2016-01-25, 20:44
يعلق أحد كتاب البلوغ على المعضلة الأخلاقية التي أثارها دواء قائلاً:


وترجمة العبارة:



- هل هناك ما هو أبعد من ذلك يمكن أن نصل إليه ؟ أصبحت مشكلة الشعر الزائد على الوجه أهم بالنسبة لنا من منع وفيات يمكن بكل تأكيد منع حدوثها في أفريقيا؟ عندنا الوسائل و لكننا لا نملك الإرادة لفعل ذلك.


كما تتجاهل شركات الأدوية حقيقة أن المعرفة ملك للبشرية جمعاء، فهي تستفيد من الأعشاب الطبية والمنتجات الطبيعية الموجودة في العالم الثالث دون أن تحفظ حقوق البشر الذين حفظوا أسرار هذه النباتات وصانوها على مر القرون، وهناك مثال شهير على ذلك هي قصة اكتشاف خافضات ضغط الدم من زمرة الأنزيم القالبACE، التي تعتبر من أكثر الأدوية استعمالاً، فهي تستعمل:
كخافض للضغط الشرياني;
ولمرضى قصور القلب

بعد احتشاء عضل القلب الحاد;
اختلاطات السكري مثل اعتلال الكلية (النفروز) واعتلال الشبكية



والنفروز من منشأ غير سكري .

بدأت قصة مضادات الأنزيم القالب في منتصف الستينيات عندما تم حضن سم أفعى البرازيلية مع المصل الإنساني فنتج عنه مركب خافض للضغط، عزلت هذه البتيدات الموجودة في سم الأفعى وسميت عائلة البراديكينين، وهذه الببتيدات تثبط تحول الأنزيم القالب للانجيوتنسين 1 إلى النمط 2، وهذا يؤدي إلى تخفيض الضغط الشرياني، وأول ببتيد فعال عزل من هذه المجموعة هو treprotide واعتبر أول مثبط للأنزيم القالبACE، ثم قاد البحث عن مركب فموي خافض للضغط إلى إنتاج الكابتوبريل في عام 1977، وبعد ذلك ازداد عدد الأدوية من هذه الزمرة فيتواجد منها اليوم عدد كبير نعدد منها:
بينازيبريل l
كابتو بريل

اينالابريل
فوزينوبريل l
ليزينزبريل l
موكسيبريل
كوينابريلil
رامبريلl

تراندولابريلس









يتبع........

** أبو أسيد **
2016-01-25, 20:46
والعدد مرشح للازدياد كل عام لأن سوق هذه الأدوية واسع وأرباحها كبيرة، وهذه القصة نموذجية عن شركات الدواء التي اعتبرت أن المعرفة البشرية ملك للبشرية جمعاء لذلك لم تجد حرجا في إجراء البحوث على أفاعي من البرازيل، والتي لا بد أن السكان المحليين وبعض الأطباء الممارسين قد دلو ها على ملاحظتهم هبوط ضغط المرضى بعد تعرضهم للدغات هذه الأفاعي، فاستغلت شركات الأدوية هذه الملاحظة، ثم أجرت أبحاثها دون أن تدفع أي مقابل للبرازيل، وعندما أثمرت أبحاثها عن مركب الكابتوبريل اعتبرته ملكا لها وطبقت عليه حقوق الملكية الفكرية وبالتالي باعته في السوق بأسعار احتكارية ربما لا يقدر على دفعها من كان السبب في اكتشاف هذا الدواء، سكان البرازيل الفقراء في الأرياف، هذا هو الجانب الأول للقصة أما الجانب الآخر فهو تكاثر هذه المركبات بشكل غير مبرر على الإطلاق فهي ذات تأثير متشابه تختلف عن بعضها بأشياء بسيطة، مثل طول مدة التأثير، ولا يوجد من سبب يفسر هذه الزيادة سوى أنه عندما انتهت مدة حماية الكابتوبريل وصار تصنيعه مشاعا لكل الشركات قامت الشركة الصانعة بتغيير بسيط بالمركب وأنزلته للأسواق كدواء جديد وبسعر جديد وله حقوق ملكية فكرية جديدة، وبالطبع فإن جيش الأطباء ومندوبي التسويق المرتبطين بهذه الشركة سيتولون تصوير الدواء الجديد الذي لا يختلف بتأثيره عن الكابتوبريل، الذي بات رخيصا وبمتناول الناس بسبب تحرره من حقوق الملكية الفكرية، سيقومون بتصوير الدواء الجديد على أنه فتح طبي جديد في عالم معالجة الضغط كما ستمول الشركة المنتجة نشر المقالات عن هذا الدواء بحيث يبدو الطبيب الذي لا يصفه وكأنه متخلف عن ركب التطورات الطبية وأن معلوماته باتت قديمة وبحاجة للتجديد!!

وخلال سعي هذه الشركات نحو الربح لا تهتم بالحياة البشرية فهدفها هو تعظيم الأرباح ولو أدى ذلك لهلاك البشر. فما زالت فصول كارثة مضادات الروماتيزم من زمرة Cox-2s التي أطلق عليها اسم المسكنات القاتلة، ما زالت هذه القصة تتوالى فصولها.




قصة المسكنات القاتلة




لعل مسكنات الألم التي يطلق عليها مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية من أقدم الأدوية وأكثرها استخداما عند المسنين، فهي من أكثر الأدوية التي تستعملها العائلات في أمريكا لأنها تريح الألم المتوسط وتعمل كخافضة للحرارة وتعالج الآلام المفصلية وأوجاع الظهر وأمراض الروماتيزم وإليها ينتمي الأسبرين والإيبوبروفين.

خلال عشرات السنين كان لدينا أدوية فعالة من مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية لكن لها أثراً جانبياً شائعاً، وهو تأثيراتها على الغشاء المخاطي للمعدة واحتمال تسببها بإحداث نزف هضمي، حيث قدرت حوادث الوفيات بسبب النزف الهضمي بسببها بـ 16 ألف حالة وفاة كل سنة في أمريكا مع وجود مائة ألف حالة دخول للمشفى، لذلك تم إنزال زمرة جديدة هي زمرة Cox-2s على أنها الحل لهذه المشكلة. فهي فعالة بتسكين الألم وليس لها آثار على المعدة، كما قالوا، وهذا أمر هام أقنع المستهلكين بدفع الفروق الهائلة بين أسعار أدوية الزمرة الجديدة وبين الأدوية القديمة، لكن بعد عدة سنوات بدأت تتكشف حجم مشاكلها. فبعد بحوث أجرتها الشركة المنتجة للدواء ثبت لها بالدليل القاطع أن عقار فيوكس، درة هذه الزمرة، ثبت أنه يزيد نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين والجلطات الدماغية بنسبة الضعف، مما اضطرها إلى سحبه من الأسواق نهاية عام 2004 لكن بعد أن أدى إلى آلاف الوفيات – يرجح أنه السبب بوفاة من 100 إلى 140 ألف أمريكي - و بعد أن باعت الشركة المنتجة منه ما قيمته 12 مليار دولار، فقد بلغ حجم مبيعاته في عام 2003 ملياري دولار ونصف في السوق الأمريكية وحدها، ويقدر عدد من استعملوه "بحوالى 84 مليون شخص من 80 بلداً مختلفاً و20 مليون أميركي تناولوا هذا الدواء، قبل سحبه من السوق عندما تبين إصابة آلاف بأمراض في الشرايين، إضافة إلى حدوث آلاف الوفيات المرتبطة بالآثار الجانبية للـ"فيوكس" (2). وكي تكتمل المفارقة أشارت الدراسات الحديثة أنه لا يوجد فروق جوهرية في الآثار الجانبية لهذا الدواء من ناحية تسببه في النزف الهضمي مع الأدوية القديمة مثل الأسبرين والإيبوبروفين!!! (11)

وتتوافر الآن حقائق على أن الشركة تجاهلت الدراسات والتحذيرات عن أخطار هذا الدواء سواء بسبب مشاكله القلبية والدماغية أم بسبب تأثيراته الهضمية، التي لا تختلف عن تأثيرات الأدوية القديمة، تجاهلت ذلك خلال أربع سنوات ونصف تمتد منذ عام2000 وحتى تاريخ سحب العقار من الأسواق. فقد "تبين أن شركة ميرك المنتجة للـ"فيوكس"، التي كسبت من خلاله 12 ملياراً و500 مليون دولار في 5 سنوات، أخفت نتائج دراسة "فيغور" التي أجرتها الشركة نفسها، والتي أثبتت أن استخدام الدواء يترافق مع زيادة في إصابة شرايين الرأس والدماغ... أثار الأمر شكوكاً بتورط FDA مع الشركة... بل وجاهر أحد مديري FDA نفسها برأي حمل تشكيكاً في قدرتها على حماية الولايات المتحدة" (2)

إن تحليل كارثة هذا الدواء تشير إلى تواطؤ ضمني من الـ F.D.A، حسب كثير من الباحثين، لأن المعطيات حول خطورة الدواء بدأت تتوافر منذ عام 2000، كما ذكرنا، وحينها طلبت الـ F.D.A من شركة ميرك الصانعة لهذا الدواء إضافة لصاقة تحذير على علبة الدواء تشير لإمكانية تسببه في مشاكل قلبية وعائية، لكن بعد هذا التاريخ استعمل الدواء مليوني أمريكي ويعزى ذلك على حملة إعلانية ضخمة قامت بها الشركة، فقد كانت تصرف كل عام 100 مليون دولار على حملات التسويق دون أن تعمل الـFDA شيئاً، لقد كانوا سلبيين تماما يقول الدكتور اريك توبول رئيس قسم طب القلب في كليفيلند (9)

أما السناتور الجمهوري عن آيوا تشوك جراملي فقد اتهم F.D.A بأكثر من السلبية، فبعد لقاءه مع الدكتور ديفيد جراهام أحد باحثي الـ FDA، الذي أجرى دراسة عن العقار بين عامي 1999 تاريخ نزوله إلى السوق وعام 2003 أشار بها إلى صلته بـ 27 ألف حالة نوبة قلبية أو وفيات قلبية مفاجئة، وأشار الدكتور إلى أنه تعرض للنبذ والتخويف داخل الـ F.D.A كما شعر أن بيئة عمله صارت معادية، ثم طلبوا منه تلطيف نتائج دراسته!!

إنه تحالف غير مقدس بين الوكالات الحكومية التي يفترض بها أن تسهر على صحة المواطنين وشركات الأدوية التي لا يهمها سو ى جني الأرباح...........

إن شركات الدواء تتاجر بآلام الناس وأمراضهم، ورغم أن أغلب الأدوية يتم تطويرها في مختبرات حكومية أو من مواد طبيعية موجودة في العالم الثالث، فإنه لا دافعي الضرائب في الغرب ولا أبناء العالم الثالث يستفيدون من هذه الأدوية، بل يضطرون لدفع أسعار عالية للحصول على الأدوية، وفي سبيل الربح تتجاهل شركات الأدوية كل قو اعد سلامة الدواء، فهي تنزل إلى الأسواق أدوية لا حاجة لها، أو لم يتم اختبارها بدرجة كافية وبأسعار عالية هدف الحصول على الأرباح فقط.

إن ما يجري في عالم الصحة يعكس صورة صادقة عن علاقات النظام العالمي القائم، الذي لا يكترث سوى للأرباح ولا يقيم وزناً ولا قيمة للحياة البشرية فيبددها في حروب لا هدف لها سوى الربح، أو يتلاعب بصحتهم فيدفعهم لاستهلاك منتجات وأدوية ليسوا بحاجة لها، أو تمنع عنهم أدوية هم بأمس الحاجة لها لأنهم لا يقدرون على دفع ثمنها!!!




المراجع





1 - جريدة الحياة اللندنية - 9/12/2005 فضيحة عشية توزيع الجوائز الأشهر في العالم... لجنة نوبل داعية السلام تستثمر أموالها في صناعة السلاح!

2 - جريدة الحياة اللندنية 7/2/2005 ممارسات شركات الأدوية تشبه شعار ((مرض لكل دواء))

3 - شركات النفط تربح 75 ألف دولار في الدقيقة، وتبقى خاسرة!

http://www.alarabiya.net/Articles/2005/11/09/18466.htm

4 - نهاية عصر البترول - سلسلة عالم المعرفة - سبتمبر 2004 كولن كامبيل وآخرون - ترجمة د. عدنان عباس علي.

5 – الغزو مستمر نعو م تشومسكي - ترجمة مي النبهان – دار المدى 1996.

6 - الصحة أمر ثانوي لتنعم المصالح بصحة جيدة - جولة في خضم مجاهل عالم الأدوية - محمد العربي بو غرّه * MOHAMAD LARBI BOUGUERRA – (لوموند) الفرنسية.

7 - براءات الاختراع غير بريئة من قتل ملايين المصابين بالإيدز - والدن بللو (ترجمة سلمى حسن).

http://www.ageg.net/opinions/walden_aids.htm المجموعة المصرية لمناهضة العولمة

8 - مليارات مرض السيدا - قضية ستافودين- فيليب دوميني * PHILIPPE DEMENET – (لوموند) الفرنسية.

9 - Alliance for Human Research Protection http://www.ahrp.org/infomail/04/10/12.php

10 -(Dr.Josenando Theophile, Director of the Institute for Combat and Control of Sleeping Sickness, The Guardian, August 18, 2001).

11 - Study queries bleed benefit of COX-2 drugs

http://today.reuters.com/news/newsArticle.aspx?type=scienceNews&storyID=2005-12-02T152054Z_01_MCC255172_RTRUKOC_0_US-PAINKILLERS.xml

12 - إدارة الأغذية والدواء الأمريكية الـ(FDA). وهي وكالة حكومية فدرالية مسؤولة عن إجازة ومراقبة الأدوية في السوق الأمريكية وكل دواء لا تجيز استخدامه يكون تداوله غير قانوني في الولايات المتحدة.