تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التأويل عند السادة الحنابلة


المستجير
2009-09-21, 17:34
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه نقولات في تأويل ما يسمى بآيات الصفات من أربعة تفسير حنبلية هي:
1. تفسير ابن أبي حاتم وهو من كبار علماء الحديث ، وهو وأبوه حنبليان .
2. زاد المسير للعلامة الامام ابن الجوزي
3. تفسير ابن عادل الحنبلي
4. تفسير الامام الرسعني الحنبلي.
ومن المعروف أن سيدنا الامام أحمد ألف تفسيراً كبيراً قال ابن أبي يعلى في طبقاته : "وأما الخصلة الرابعة وهي قوله إمام في القرآن فهو واضح البيان لائح البرهان قال أبو الحسين بن المنادي صنف أحمد في القرآن التفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً يعني حديثا والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى وجواب القرآن وغير ذلك.
وقال عبد الله بن أحمد كان أبي يقرأ القرآن في كل أسبوع ختمتين إحداهما باليل والأخرى بالنهار".

1* قَوْلُهُ تَعَالَى: " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ "
* قال ابن أبي حاتم في تفسيره :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ:" " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " ، قَالَ: إِذَا خَفَى عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَبِ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشَّاعِرِ: اصْبِرْ عَنَاقُ إِنَّهُ شَرٌّ بَاقٍ قَدْ سَنَّ لِي قَوْمُكَ ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقٍ"
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:"هَذَا يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ"
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " ، قَالَ: هُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْمُفْظِعُ مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

*ابن الجوزي في زاد المسير: { يوم يُكْشَفُ } المعنى : فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق . قرأ الجمهور : «يُكْشَفُ» بضم الياء ، وفتح الشين . وقرأ ابن أبي عبلة ، وعاصم الجحدري ، وأبو الجوزاء ، بفتح الياء ، وبكسر الشين . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس : «تَكْشِف» بتاءٍ مفتوحة ، وكسر الشين . وقرأ ابن مسعود ، وأبو مجلز ، وابن يعمر ، والضحاك : «نَكشف» بنون مفتوحة مع كسر الشين . وهذا اليوم هو يوم القيامة . وقد روى عكرمة عن ابن عباس : «يوم يُكْشَفُ عن ساق» قال : يُكْشَفُ عن شِدَّةٍ ، وأنشد :
وَقَامَتْ الحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ ... وهذا قول مجاهد ، وقتادة .
قال ابن قتيبة : وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إِلى معاناته والجدّ فيه ، شمّر عن ساقه ، فاستعيرت الساق في موضع الشدة ، هذا قول الفراء ، وأبي عبيدة ، واللغويين . وقد أضيف هذا الأمر إِلى الله تعالى . فروي في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " يكشف عن ساقه " ، وهذا إضافة إليه ، لأن الكل له وفعله . وقال أبو عمر الزاهد ( غلام ثعلب النحوي الحنبلي ) : يراد بها النفس ، ومنه قول علي رضي الله عنه : أقاتلهم ولو تلفت ساقي ، أي : نفسي . فعلى هذا يكون المعنى : يتجلّى لهم .

**قال ابن عادل الحنبلي في اللباب:
فصل في « الساق »
قال ابن عباس في قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، قال : كرب وشدة .
وعن مجاهد : شدة الأمر وحده .
وروى مجاهد عن ابن عباس قال : أشد ساعةٍ في القيامة .
وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر ، أو الحرب قيل كشف الأمر عن ساقه .
والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد ، شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة .
وقيل : ساق الشيء : أصله الذي به قوامه كساق الشجرة ، وساق الإنسان ، أي : يوم يكشفُ عن أصل الأمر ، فتظهر حقائق الأمور ، وأصلها .
وقيل : يكشف عن ساق جهنم .
وقيل : عن ساق العرش .
وقيل : يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن ، أي : يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه ، ويدعوه المؤذنون إلى الصلاة ، فلا يمكنه أن يقوم ، ويخرج .
قال الإمام الحافظ عزالدين عبدالرازق بن رزق الله الرَّسْعَني الحنبلي في كتابه ( رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز ) ( 8/239 ) :
قوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } قال عكرمة : سئل ابن عباس عن قوله : { يوم يكشف عن ساق } فقال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر ؛ فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر :
..............*** وقامت الحربُ بنا على ساق
هو يوم كرب وشدّة .
وهذا قول كثير من المفسرين واللغويين . وقال مجاهد عن ابن عباس : هي أشد ساعة في القيامة .
وقال عكرمة : إذا اشتد الأمر في الحرب ، قيل : كشفت الحرب عن ساق . أخبرهم الله تعالى بشدة ذلك اليوم .
قال ابن قتيبة : أصل هذا : أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجدّ فيه ، قيل : شمَّر عن ساقه ، فاستعير الكشف عن الساق في موضع الشدة .
فتأويل الآية : يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يُكشف عن ساق .
فصل
اعلم أنني سلكت في تفسير هذا الحرف سبيل كثير من علماء السنة ، وسوَّغ ذلك : أن ابن عباس والحسن في جماعة من التابعين فسَّروه بهذا التفسير ، ونقله الإمام أحمد ورواه .
قال الزجاج في معانيه : أخبرنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال : حدثنا أبي ، أخبرنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : قال ابن عباس في قوله : { يوم يكشف عن ساق } : الأمر الشديد .
وقاعدة مذهب إمامنا في هذا الباب : اتباع السلف الصالح ، فما تأولوه تأولناه ، وما سكتوا عنه سكتنا عنه ، مفوضين علمه إلى قائله ، منزهين الله عما لا يليق بجلاله .وذهب جماعة من علماء السنة إلى إلحاق هذا بنظائره من آيات الصفات وأخبار الصفات .
ورووا عن عبدالله بن مسعود في قوله : { يوم يكشف عن ساق } قال : عن ساقه جلّ ذكره .
- ثم ذكر استدلالهم بحديث الشيخين : " يكشف ربنا عن ساقه ............. " ، وذكر أثر مقاتل بن سليمان عن ابن مسعود في الآية السابقة - وتعقبه فقال : وهذا إن ثبت عن ابن مسعود من طريق يوثق به غير طريق مقاتل فمقبول ، وإلا فمقاتل لا يثبت حديثه عند أهل العلم بالحديث .
وقد أشرنا إلى مذهب أهل السنة في هذه الآية تأويلا وسكوتا .
ومذهب الورعين عن الخوض في تأويلها أسلمُ المذهبين ، وأشبه بأصول صاحب المذهب ، الإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، رضي الله عنه ، ورزقنا الاهتداء بأنواره ، والاقتداء بآثاره .


2* يد الله:

قال ابن الجوزي: { يَدُ الله فَوْقَ أيديهم } فيه أربعة أقوال .
أحدها : يد الله في الوفاء فوق أيديهم .
والثاني : يد الله في الثواب فوق أيديهم .
والثالث : يد الله عليهم في المنّة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة ، ذكر هذه الأقوال الزجاج .
والرابع : قُوَّة الله ونُصرته فوق قُوَّتهم ونُصرتهم ، ذكره ابن جرير وابن كيسان .
***قال ابن عادل: اعلم أنه قد وَرَدَ في القرآن آياتٌ كثيرة ناطِقَةٌ بإثْبَات اليد ، فتارَةً ذكر اليد من غير بيان عددٍ كقوله تعالى : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] ، وتارةً ذكر اليدين كما في هذه الآية ، وفي قوله تعالى لإبليس عليه اللعنة { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }[ ص : 75 ] ، وتارة أثْبَت الأيْدي قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } [ يس : 71 ] ، وإذا عرف هذا فَنَقُولُ : اختلفت الأمَّةُ في تَفْسِير يد اللَّه تعالى .
فقالت المُجَسِّمَةُ : إنَّها عُضْو جُسْمَانِيٌّ كما في حقِّ كُلِّ أحدٍ ، واحتَجُّوا بقوله تعالى : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195 ] ذكر ذلك قد جاء في إلاهيَّةِ الأصنامِ ، لأجل أنَّهُ ليْسَ لَهَا شيءٌ من هذه الأعْضَاء ، فلو لم يَحْصُل لِلَّهِ هذه لزمَ القَدْحُ في كونه إلهاً ، فلما بَطُل ذلك ، وَجَبَ إثْبَات هذه الأعْضَاء له ، قالوا : واسمُ اليد موضوع لِهَذا العُضْو ، فَحَمْلُه على شيء آخر ترك للُّغَة ، وإنَّه لا يجُوزُ .
والجوابُ عنه : أنَّه تعالى ليس بِجِسْمٍ؛ لأنَّ الجسم لا ينفَكُّ عن الحَرَكَةِ والسُّكُون وهما مُحْدَثَانِ ، وما لا يَنْفَكُّ عن المُحْدَثِ فَهُو مُحْدَثٌ ، ولأنَّ كُلَّ جسم فهو مُتَنَاهٍ في المِقْدَار ، وكلّ ما كان متناهياً في المقدار فهو محدثٌ ، ولأنَّ كلَّ جسم فهو مؤلَّفٌ من الأجزاء ، وكلّ ما كان كذلك افتقر إلى ما يؤلِّفُهُ ويُركِّبُهُ ، وكلّ ما كان كذلك فهو مُحْدَثٌ ، فَثَبت بهذه الوجوه أنَّه يمتنع كونه تعالى جِسْماً ، فيمتَنِعُ أنْ يكون عُضْواً جُسْمَانِياً .
وأما جمهور المُوَحِّدين فلهُمْ في لَفْظِ اليَدِ قولان :
أحدهما : قول من يقول : إنَّ القرآن لمَّا دلَّ على إثْبَات اليد للَّه آمنَّا باللَّه ، والعقْل دلَّ على أنَّه يمتنع أن يكون يدُ الله عبارة عن جِسْم مخْصُوصٍ وعضو مُرَكَّب من الأجزاء والأبْعَاض آمنَّا به ، فأمَّا أنَّ اليد ما هي وما حَقِيقَتُهَا ، فقد فَوَّضْنَا مَعْرِفَتَها إلى الله تعالى ، وهذه طَرِيقَةُ السَّلَفِ .
[ وثانيهما : قَوْلٌ المُتكَلِّمِين فقالوا : اليدُ تذكر في اللُّغَة على وُجُوهٍ :
أحدُها : الجَارِحَة ] .
وثانيها : النِّعْمَةُ : نقول : لفلان يد أشكُرُه عليها .
وثالثها : القُوَّةُ : قال تعالى : { أُوْلِي الأيدي والأبصار } [ ص : 45 ] فسَّرُوهُ بِذِي القُوَّةِ والعُقُول .
وحكى سيَبَويْه أنَّهُم قالوا : « لا يَدَ لَكَ بِهَذا » والمعنى : سلب كمال القُدْرَة .
رابعها : المِلْك فقال في هذه الصِّفَة : في يَدِ فُلان ، أي : في مِلْكِه قال تعالى : { الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح } [ البقرة : 237 ] أي : يملِكُ ذلك . وخامسها : شِدَّةُ العِنَايَة والاخْتِصَاص ، قال : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص : 75 ] ، والمراد : تخصيص آدم - عليه الصلاة والسلام - بهذا التَّشْرِيف ، فإنَّه تعالى الخالق لجميع المخلوقات ، ويُقَال : « يدي رَهْنٌ لك بالوَفَاء » إذا ضمنت له شَيْئاً .وإذا عُرِفَ هذا فَنَقُول : اليد في حقِّ اللَّه تعالى مُمْتَنِعٌ أن تكون الجارِحَة ، وأما سائر المعاني فكُلُّهَا حَاصِلَة .
وقال الرسعني في ( 6/361) :
قوله تعالى : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون } أي : عملناه بغير واسطة ولا شِركة . وهذا معنى قول السدي .
قال الحسن : الأيدي : القوة ، كما قال تعالى : { والسماء بنيناها بأيد }
وقال في ( 6/517) :
قوله تعالى : { لما خلقت بيدي } أي : توليت خلقه بنفسي .

المستجير
2009-09-21, 17:35
3*عين الله:

***قال ابن ابي حاتم :حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا " "بِعَيْنِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ".
وقال: قَوْلهُ تَعَالَى: " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}
- عَنِ أَبِي نهيك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ:" " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، قَالَ: ولتعمل علي عيني".
عَنِ أَبِي عمران الجوني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ:" " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، قَالَ: تربى بعين الله".
- عَنْ قَتَادَة، فِي قَوْلِهِ:" " وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، يَقُولُ: ولتغذى عَلَى عيني". قَوْلهُ تَعَالَى: "
والملاحظ أن ابن أبي حاتم لا يفسر العين والوجه واليد كما أنه لا يذكر ما يذكره بعض المحدثين من ذكر الجوارح في حق الله تعالى بل هو على طريقة التفويض الصحيحة مع ميله للتأويل في بعض الآيات كتأويل الساق.
+ ابن الجوزي: قوله تعالى : { واصنع الفلك } أي : واعمل السفينة .
وفي قوله : { بأعيننا } ثلاثة أقوال :
أحدها : بمرأىً منا ، قاله ابن عباس .
والثاني : بحفظنا ، قاله الربيع .
والثالث : بعلمنا ، قاله مقاتل . قال ابن الأنباري : إِنما جمع على مذهب العرب في إِيقاعها الجمع على الواحد ، تقول : خرجنا إِلى البصرة في السفن ، وإِنما جمع ، لأن من عادة الملك أن يقول : أمرنا ونهينا .
**ابن الجوزي: قوله تعالى : { تَجْري بأعيْننا } أي : بمَنْظَرٍ ومرأىً مِنّا { جزاءً } قال الفراء : فعَلْنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثواباً لمن كُفِر به .
ابن الجوزي: قوله تعالى : { ولِتُصْنَع على عيني } وقرأ أبو جعفر : «ولْتُصنعْ» بسكون اللام والعين والإِدغام . قال قتادة : لتُغذى على محبتي وإِرادتي . قال أبو عبيدة : على ما أُريد وأُحِبّ . قال ابن الأنباري : هو من قول العرب : غُذي فلان على عيني ، أي : على المَحَبَّة مِنّي . وقال غيره : لتُرَبَّى وتغذى بمرأىً مني ، يقال : صنع الرَّجل جاريته : إِذا ربَّاها؛ وصنع فرسه : إِذا داوم على علفه ومراعاته
**ابن عادل: قوله تعالى : { واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } .
« بأعْينِنَا » حالٌ من فاعل « اصْنَع » أي : محفُوظاً بأعيننا ، وهو مجازٌ عن كلاء الله له بالحفظ .
وقيل : المراد بهم الملائكة تشبيهاً لهم بعيون النَّاس ، أي : الذين يتفقَّدُونَ الأخبارَ ، والجمع حينئذٍ حقيقةٌ . وقرأ طلحةُ بنُ مصرف « بأعْيُنَّا » مدغمة .
وقال: وأما قوله : « بأعْيُنِنَا » فلا يمكنُ إجراؤه على ظاهره لوجوهٍ :
أحدها : أنه يقتضي أن يكون لله أعين كثيرة ، وهذا يناقض قوله تعالى : { وَلِتُصْنَعَ على عيني } [ طه : 39 ] .
وثانيها : أنَّهُ يقتضي أن يصنع الفلك بتلك الأعين ، كقولك : قطعت بالسكين ، وكتبت بالقلم ، ومعلوم أن ذلك باطل .
وثالثها : أنَّه - تعالى - مُنَزَّه عن الأعضاء ، والأبعاض؛ فوجب المصيرُ إلى التأويل ، وهو من وجوه :
الأول : معنى « بِأعْيُنِنَا » أي : بنزول الملك؛ فيعرفه بخبر السفينة ، يقال : فلان عين فلان أي : ناظر عليه .
والثاني : أنَّ من كان عظيمَ العنايةِ بالشيء فإنه يضع عينه عليه؛ فلمَّا كان وضع العين على الشَّيء سبباً لمبالغة الحفظ جعل العين كناية عن الاحتفاظ ، فلهذا قال المفسِّرون : معناه : بحفظنا إيَّاك حفظ من يراك ، ويملك دفع السُّوء عنك .
***وقال: قوله : « تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا » أي بمَرْأى منَّا . وقال مقاتل : بأعيننا أي بحفظنا ، لقولك : اجْعَل هذا نصب عينك . وقيل : بالأعين النابعة من الأرض . وقيل : بأعين أوليائنا من الملائكة . فقوله : بأعيننا أي ملتبسة بحفظنا ، وهو في المعنى كقوله تعالى : { وَلِتُصْنَعَ على عيني } [ طه : 39 ] .
وقال الرسعني - رحمه الله تعالى - في ( 4/506 ) :
قوله تعالى : { ولتصنع على عيني } : أي : لتربى وتغذى بمرأى مني .
قال قتادة : لتغذى على محبتي وإرادتي .
قال ابن الأنباري : العين في هذه الآية يقصد بها قصد الإرادة والاختيار ، من قول العرب : غُذّي فلان على عيني ، أي : على المحبة مني

*4*وجه ربك
**ابن ابي حاتم: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا سُرُورُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ،"قَوْلُهُ: " فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " ، قَالَ: فَاسْتَبِقُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَاثْبُتُوا عَلَى قِبْلَتِكُمْ، فَإِنَّهَا وَجْهُ اللَّهِ الَّتِي وَجَّهَ إِلَيْهَا مَنْ صَدَّقَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنَ بِهِ".

**ابن الجوزي: قوله تعالى : { كُلُّ مَنْ عليها فانٍ } أي : على الأرض ، وهي كناية عن غير المذكور ، «فانٍ» أي؛ هالكٌ .
{ ويَبقى وجهُ ربِّكَ } أي : ويبقى ربُّكَ.
وقال: { للذين يريدون وجه الله } أي : يطلُبون بأعمالهم ثواب الله .
وقال: قوله تعالى : { إنما نطعمكم لوجه الله } أي : لطلب ثواب الله . قال مجاهد ، وابن جبير : أما إنهم ما تكلموا بهذا ، ولكن علمه الله من قلوبهم ، فأثنى به عليهم لِيَرْغَبَ في ذلك راغب .

****ابن عادل: قوله : « يُرِيدُونَ » هذه الجملة في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال من فاعل « يَدْعُونَ » أو من مفعوله ، والأوَّل هو الصحيح ، وفي الكلام حَذْفٌ ، أي : يريدون بدعائهم في هَذَيْنِ الوقتين وجهه .
فصل في الرد على شبهة المجسمة
تمسكت المُجَسِّمَةُ في إثبات الأعْضَاء للَّه - تعالى - بهذه الآية ، وسائر الآيات المُنَاسِبَة ، كقوله تعالى : { ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ } [ الرحمن : 27 ] والجوابُ : أن قوله تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] يقتضي الوحْدَانيَّة التَّامَّة ، وذلك يُنَافِي التركيب من الأعضاء والأجزاء ، فثبت أنَّهُ لا بُدَّ من التَّأويل ، وهو من وجهين :
أحدهما : قوله : { يُريدُون وَجْهَهُ } ، أي : يريدونه إلاَّ أنهم يذكرون [ لفظ الوجه للتعظيم كما يقال : هذا وجه الرأي ، وهذا وجه الدليل الثاني : ] أنَّ من أحَبَّ ذاتاً أحب أن يرى وَجْهَهُ ، فرؤية الوَجْه من لوازم المحبَّةِ ، فلهذا السَّبَبِ جعل الوجه كِنَايةً عن المَحَبَّةِ ، وطلب الرضى .
والثاني : أن المراد بالوجه القَصْدُ والنِّيَّةُ؛ كقول الشاعر : [ البسيط ]
-أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْباً لِسْتُ أحْصِيّهُ ... رَبَّ العِبَاد إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ
****وقال: قوله : { ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ } أي ويبقى الله ، فالوجه عبارة عن وجود ذاته سبحانه وتعالى .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : الوجه عبارة عنه ، كما قال { ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام } .
ويقال : هذا وجه الأمر ، ووجه الصواب ، وعين الصواب ، ومعنى { ذو الجلال والإكرام } أي : هو أهل لأن يكرم ، وهذا خطاب مع كل سامع .
**5* هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله
قال ابن الجوزي : قوله تعالى : { إلا أن يأتيهم الله } كان جماعة من السلف يمسكون عن الكلام في مثل هذا . وقد ذكر القاضي أبو يعلى عن أحمد أنه قال : المراد به : قدرته وأمره . قال : وقد بينه في قوله تعالى : { أوَ يأتي أمر ربك } [ الانعام : 158 ] .قوله تعالى : { في ظلل من الغمام } أي : بظلل . والظلل : جمع ظلة . و «الغمام» : السحاب الذي لا ماء فيه .

قال ابن عادل قوله : { وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً } . أي : جاء أمره وقضاؤه . قاله الحسن ، وهو من باب حذف المضاف . وقيل : جاءهم الربُّ بالآيات ، كقوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام } [ البقرة : 210 ] أي بظلل .وقيل : جعل مجيء الآيات مجيئاً له ، تفخيماً لشأن تلك الآيات ، كقوله تعالى في الحديث : « يَا ابْنَ آدم مَرضتُ فلمْ تعُدِنِي ، واسْتسْقَيتُكَ فَلمْ تَسقِنِي واسْتطعَمْتُكَ فَلمْ تُطْعمْنِي » .
وقيل : زالت الشبه ، وارتفعت الشكوك ، وصارت المعارف ضرورية ، كما تزول الشبه والشكوك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه [ وقيل وجاء قهر ربك ، كما تقول جاءتنا بنو أمية ، أي : قهرهم .
قال أهل الإشارة : ظهرت قدرته واستوت ، والله - سبحانه وتعالى - لم يوصف بالتحول من مكان إلى مكان ، وأنَّى له التحول والانتقال ، ولا مكان ولا أوان ، ولا يجري عليه وقت ولا زمان؛ لأن في جريان الوقت على الشيء فوات الأوقات ، ومن فاته الشيء ، فهو عاجز ) .
_____

المستجير
2009-09-21, 17:38
*في جنب الله
قال ابن الجوزي: قوله تعالى : { في جَنْبِ الله } فيه خمسة أقوال :
أحدها : في طاعة الله تعالى ، قاله الحسن .
والثاني : في حق الله ، قاله سعيد بن جبير .
والثالث : في أمْر الله ، قاله مجاهد ، والزجاج .
والرابع : في ذِكْر الله ، قاله عكرمة ، والضحاك .
والخامس : في قٌرْب الله؛ روي عن الفراء أنه قال : الجَنْب : القُرْب ، أي : في قُرْب الله وجِواره؛ يقال : فلان يعيش في جَنْبِ فلان ، أي : في قُرْبه وجواره؛ فعلى هذا يكون المعنى : [ على ] ما فرَّطْتُ في طلب قُرْب الله تعالى ، وهو الجنة .
قال ابن أبي عالدل: قوله : » عَلَى مَا فَرَّطت « ما مصدرية أي على تَفْريطي ، وثمَّ مضاف أي في جنب طاعة الله ، وقيل : في جنب الله المراد به الأمر والجِهَةُ يقال : هُوَ في جَنْبِ فُلاَنٍ وَجانِبِهِ أي جِهَتِهِ ونَاحِيَتِهِ ....
( فصل )
المعنى : أن تقول نفس يا حسرتي يعني لأن تقول : نفس كقوله : { وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] و [ لقمان : 10 ] أي لئَلاَّ تَمِيدَ بكم ، قال المبرد : أي بَادِرُوا وَاحذَرُوا أنْ تَقُولَ نفس ، قال الزجاج : خوفَ أن تصيروا إلى حال تقولون يا حسرتنا يا ندامتا والتحسر الاغْتمَام على ما فات ، وأراد : يا حَسرتي على الإضافة لكن العرب تحول ياء الكناية ألفاً في الاستغاثة فتقول : ياَ وَيْلَتَا ، ويَا نَدَامَتَا ، وربما ألحقوا بها الياء بعد الألق ليدل على الإضافة كقراءة أبي جعفر المتقدمة ، وقيل : معنى قوله : { ياحسرتا } أي يا أيَّتُهَا الحَسْرَةُ هذا وَقْتُكِ قال الحسن : قَصَّرْتُ في طاعة الله ، وقال مجاهد : في أمر الله ، وقال سعيد بن جبير في حق الله ، وقيل : قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله ، والعرب تسمي الجنب جانباً.
وقال الرسعني في ( 6/564 ) :
قوله تعالى : { يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } :
قال الحسن : في طاعة الله .
وقال سعيد بن جبير : في حق الله .
وقال مجاهد والزجاج : في أمر الله . وأنشدوا للسابق البربري :
أما تتقين الله في جنب وامق ****** له كبد حرّى عليك تقطّع
وقال الفراء : الجنب : القرب : أي : على ما فرطت في قرب الله وجواره .
يقال : فلان يعيش في جنب فلان ، أي : في قُربه وجواره .
فعلى هذا ؛ يكون المعنى : على ما فرطت في قُرب الله ، وهو الجنة .

7* قوله: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ "

فال ابن ابي حاتم:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،"قَوْلُهُ: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ " , قال: عِلْمُهُ". وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نحو ذلك.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ . ثم ذكر رواية ""الْكُرْسِيُّ: مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ" (قلت : هذا الحديث ضعيف ولم أجده في مسند الامام أحمد )
والوجه الثالث : " السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ فِي جَوْفِ الْكُرْسِيِّ، وَالْكُرْسِيُّ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ".
قال ابن الجوزي: { وسع كرسيه } أي : احتمل وأطاق . وفي المراد بالكرسي ثلاثة أقوال . أحدها : أنه كرسي فوق السماء السابعة دون العرش ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما السموات السبع في الكرسي إِلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة " وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء . والثاني : أن المراد بالكرسي علم الله تعالى . رواه ابن جبير عن ابن عباس . والثالث : أن الكرسي هو العرش ، قاله الحسن .
**ابن عادل: فصل في حقيقة « الكُرْسِيّ »
واختلفوا فيه على أربعة أقوال :
أحدها : أنَّه جسم عظيم يسع السَّموات ، والأرض قال الحسن : هو العرش نفسه .
وقال أبو هريرة : الكرسيُّ : موضوعٌ أمام العرش ومعنى قوله : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض } أي : سعته مثل سعة السَّموات والأرض .
وقال السُّدِّيُّ : إنَّه دون العرش ، وفوق السَّماء السَّابعة ، وفي الأخبار أن السموات والأرض في جنب الكرسيّ كحلقة في فلاةٍ ، والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاةٍ .
وأمّا ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : الكرسيُّ : موضع القدمين فمن البعيد أن يقول ابن عباس هو موضع القدمين لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح .
وثانيها : أنَّ « الكرسي » هو السُّلطان ، والقدرة ، والملك .
ثالثها : هو العلم ، لأنَّ العلم هو الأمر المعتمد عليه « والكُرْسِيُّ » هو الشَّيء الذي يعتمد عليه ، وقد تقدَّم هذا .
ورابعها : ما ختاره القفَّال وهو : أنَّ المقصود من هذا الكلام تصوير عظمة الله وكبريائه؛ لأنَّه خاطب الخلق في تعريف ذاته ، وصفاته بما اعتادوه في ملوكهم ، وعظمائهم كما جعل الكعبة بيتاً له يطوف النَّاس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم ، وأمر النَّاس بزيارته ، كما يزورون بيوت ملوكهم .