المستجير
2009-09-21, 17:34
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه نقولات في تأويل ما يسمى بآيات الصفات من أربعة تفسير حنبلية هي:
1. تفسير ابن أبي حاتم وهو من كبار علماء الحديث ، وهو وأبوه حنبليان .
2. زاد المسير للعلامة الامام ابن الجوزي
3. تفسير ابن عادل الحنبلي
4. تفسير الامام الرسعني الحنبلي.
ومن المعروف أن سيدنا الامام أحمد ألف تفسيراً كبيراً قال ابن أبي يعلى في طبقاته : "وأما الخصلة الرابعة وهي قوله إمام في القرآن فهو واضح البيان لائح البرهان قال أبو الحسين بن المنادي صنف أحمد في القرآن التفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً يعني حديثا والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى وجواب القرآن وغير ذلك.
وقال عبد الله بن أحمد كان أبي يقرأ القرآن في كل أسبوع ختمتين إحداهما باليل والأخرى بالنهار".
1* قَوْلُهُ تَعَالَى: " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ "
* قال ابن أبي حاتم في تفسيره :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ:" " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " ، قَالَ: إِذَا خَفَى عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَبِ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشَّاعِرِ: اصْبِرْ عَنَاقُ إِنَّهُ شَرٌّ بَاقٍ قَدْ سَنَّ لِي قَوْمُكَ ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقٍ"
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:"هَذَا يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ"
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " ، قَالَ: هُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْمُفْظِعُ مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
*ابن الجوزي في زاد المسير: { يوم يُكْشَفُ } المعنى : فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق . قرأ الجمهور : «يُكْشَفُ» بضم الياء ، وفتح الشين . وقرأ ابن أبي عبلة ، وعاصم الجحدري ، وأبو الجوزاء ، بفتح الياء ، وبكسر الشين . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس : «تَكْشِف» بتاءٍ مفتوحة ، وكسر الشين . وقرأ ابن مسعود ، وأبو مجلز ، وابن يعمر ، والضحاك : «نَكشف» بنون مفتوحة مع كسر الشين . وهذا اليوم هو يوم القيامة . وقد روى عكرمة عن ابن عباس : «يوم يُكْشَفُ عن ساق» قال : يُكْشَفُ عن شِدَّةٍ ، وأنشد :
وَقَامَتْ الحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ ... وهذا قول مجاهد ، وقتادة .
قال ابن قتيبة : وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إِلى معاناته والجدّ فيه ، شمّر عن ساقه ، فاستعيرت الساق في موضع الشدة ، هذا قول الفراء ، وأبي عبيدة ، واللغويين . وقد أضيف هذا الأمر إِلى الله تعالى . فروي في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " يكشف عن ساقه " ، وهذا إضافة إليه ، لأن الكل له وفعله . وقال أبو عمر الزاهد ( غلام ثعلب النحوي الحنبلي ) : يراد بها النفس ، ومنه قول علي رضي الله عنه : أقاتلهم ولو تلفت ساقي ، أي : نفسي . فعلى هذا يكون المعنى : يتجلّى لهم .
**قال ابن عادل الحنبلي في اللباب:
فصل في « الساق »
قال ابن عباس في قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، قال : كرب وشدة .
وعن مجاهد : شدة الأمر وحده .
وروى مجاهد عن ابن عباس قال : أشد ساعةٍ في القيامة .
وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر ، أو الحرب قيل كشف الأمر عن ساقه .
والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد ، شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة .
وقيل : ساق الشيء : أصله الذي به قوامه كساق الشجرة ، وساق الإنسان ، أي : يوم يكشفُ عن أصل الأمر ، فتظهر حقائق الأمور ، وأصلها .
وقيل : يكشف عن ساق جهنم .
وقيل : عن ساق العرش .
وقيل : يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن ، أي : يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه ، ويدعوه المؤذنون إلى الصلاة ، فلا يمكنه أن يقوم ، ويخرج .
قال الإمام الحافظ عزالدين عبدالرازق بن رزق الله الرَّسْعَني الحنبلي في كتابه ( رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز ) ( 8/239 ) :
قوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } قال عكرمة : سئل ابن عباس عن قوله : { يوم يكشف عن ساق } فقال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر ؛ فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر :
..............*** وقامت الحربُ بنا على ساق
هو يوم كرب وشدّة .
وهذا قول كثير من المفسرين واللغويين . وقال مجاهد عن ابن عباس : هي أشد ساعة في القيامة .
وقال عكرمة : إذا اشتد الأمر في الحرب ، قيل : كشفت الحرب عن ساق . أخبرهم الله تعالى بشدة ذلك اليوم .
قال ابن قتيبة : أصل هذا : أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجدّ فيه ، قيل : شمَّر عن ساقه ، فاستعير الكشف عن الساق في موضع الشدة .
فتأويل الآية : يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يُكشف عن ساق .
فصل
اعلم أنني سلكت في تفسير هذا الحرف سبيل كثير من علماء السنة ، وسوَّغ ذلك : أن ابن عباس والحسن في جماعة من التابعين فسَّروه بهذا التفسير ، ونقله الإمام أحمد ورواه .
قال الزجاج في معانيه : أخبرنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال : حدثنا أبي ، أخبرنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : قال ابن عباس في قوله : { يوم يكشف عن ساق } : الأمر الشديد .
وقاعدة مذهب إمامنا في هذا الباب : اتباع السلف الصالح ، فما تأولوه تأولناه ، وما سكتوا عنه سكتنا عنه ، مفوضين علمه إلى قائله ، منزهين الله عما لا يليق بجلاله .وذهب جماعة من علماء السنة إلى إلحاق هذا بنظائره من آيات الصفات وأخبار الصفات .
ورووا عن عبدالله بن مسعود في قوله : { يوم يكشف عن ساق } قال : عن ساقه جلّ ذكره .
- ثم ذكر استدلالهم بحديث الشيخين : " يكشف ربنا عن ساقه ............. " ، وذكر أثر مقاتل بن سليمان عن ابن مسعود في الآية السابقة - وتعقبه فقال : وهذا إن ثبت عن ابن مسعود من طريق يوثق به غير طريق مقاتل فمقبول ، وإلا فمقاتل لا يثبت حديثه عند أهل العلم بالحديث .
وقد أشرنا إلى مذهب أهل السنة في هذه الآية تأويلا وسكوتا .
ومذهب الورعين عن الخوض في تأويلها أسلمُ المذهبين ، وأشبه بأصول صاحب المذهب ، الإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، رضي الله عنه ، ورزقنا الاهتداء بأنواره ، والاقتداء بآثاره .
2* يد الله:
قال ابن الجوزي: { يَدُ الله فَوْقَ أيديهم } فيه أربعة أقوال .
أحدها : يد الله في الوفاء فوق أيديهم .
والثاني : يد الله في الثواب فوق أيديهم .
والثالث : يد الله عليهم في المنّة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة ، ذكر هذه الأقوال الزجاج .
والرابع : قُوَّة الله ونُصرته فوق قُوَّتهم ونُصرتهم ، ذكره ابن جرير وابن كيسان .
***قال ابن عادل: اعلم أنه قد وَرَدَ في القرآن آياتٌ كثيرة ناطِقَةٌ بإثْبَات اليد ، فتارَةً ذكر اليد من غير بيان عددٍ كقوله تعالى : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] ، وتارةً ذكر اليدين كما في هذه الآية ، وفي قوله تعالى لإبليس عليه اللعنة { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }[ ص : 75 ] ، وتارة أثْبَت الأيْدي قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } [ يس : 71 ] ، وإذا عرف هذا فَنَقُولُ : اختلفت الأمَّةُ في تَفْسِير يد اللَّه تعالى .
فقالت المُجَسِّمَةُ : إنَّها عُضْو جُسْمَانِيٌّ كما في حقِّ كُلِّ أحدٍ ، واحتَجُّوا بقوله تعالى : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195 ] ذكر ذلك قد جاء في إلاهيَّةِ الأصنامِ ، لأجل أنَّهُ ليْسَ لَهَا شيءٌ من هذه الأعْضَاء ، فلو لم يَحْصُل لِلَّهِ هذه لزمَ القَدْحُ في كونه إلهاً ، فلما بَطُل ذلك ، وَجَبَ إثْبَات هذه الأعْضَاء له ، قالوا : واسمُ اليد موضوع لِهَذا العُضْو ، فَحَمْلُه على شيء آخر ترك للُّغَة ، وإنَّه لا يجُوزُ .
والجوابُ عنه : أنَّه تعالى ليس بِجِسْمٍ؛ لأنَّ الجسم لا ينفَكُّ عن الحَرَكَةِ والسُّكُون وهما مُحْدَثَانِ ، وما لا يَنْفَكُّ عن المُحْدَثِ فَهُو مُحْدَثٌ ، ولأنَّ كُلَّ جسم فهو مُتَنَاهٍ في المِقْدَار ، وكلّ ما كان متناهياً في المقدار فهو محدثٌ ، ولأنَّ كلَّ جسم فهو مؤلَّفٌ من الأجزاء ، وكلّ ما كان كذلك افتقر إلى ما يؤلِّفُهُ ويُركِّبُهُ ، وكلّ ما كان كذلك فهو مُحْدَثٌ ، فَثَبت بهذه الوجوه أنَّه يمتنع كونه تعالى جِسْماً ، فيمتَنِعُ أنْ يكون عُضْواً جُسْمَانِياً .
وأما جمهور المُوَحِّدين فلهُمْ في لَفْظِ اليَدِ قولان :
أحدهما : قول من يقول : إنَّ القرآن لمَّا دلَّ على إثْبَات اليد للَّه آمنَّا باللَّه ، والعقْل دلَّ على أنَّه يمتنع أن يكون يدُ الله عبارة عن جِسْم مخْصُوصٍ وعضو مُرَكَّب من الأجزاء والأبْعَاض آمنَّا به ، فأمَّا أنَّ اليد ما هي وما حَقِيقَتُهَا ، فقد فَوَّضْنَا مَعْرِفَتَها إلى الله تعالى ، وهذه طَرِيقَةُ السَّلَفِ .
[ وثانيهما : قَوْلٌ المُتكَلِّمِين فقالوا : اليدُ تذكر في اللُّغَة على وُجُوهٍ :
أحدُها : الجَارِحَة ] .
وثانيها : النِّعْمَةُ : نقول : لفلان يد أشكُرُه عليها .
وثالثها : القُوَّةُ : قال تعالى : { أُوْلِي الأيدي والأبصار } [ ص : 45 ] فسَّرُوهُ بِذِي القُوَّةِ والعُقُول .
وحكى سيَبَويْه أنَّهُم قالوا : « لا يَدَ لَكَ بِهَذا » والمعنى : سلب كمال القُدْرَة .
رابعها : المِلْك فقال في هذه الصِّفَة : في يَدِ فُلان ، أي : في مِلْكِه قال تعالى : { الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح } [ البقرة : 237 ] أي : يملِكُ ذلك . وخامسها : شِدَّةُ العِنَايَة والاخْتِصَاص ، قال : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص : 75 ] ، والمراد : تخصيص آدم - عليه الصلاة والسلام - بهذا التَّشْرِيف ، فإنَّه تعالى الخالق لجميع المخلوقات ، ويُقَال : « يدي رَهْنٌ لك بالوَفَاء » إذا ضمنت له شَيْئاً .وإذا عُرِفَ هذا فَنَقُول : اليد في حقِّ اللَّه تعالى مُمْتَنِعٌ أن تكون الجارِحَة ، وأما سائر المعاني فكُلُّهَا حَاصِلَة .
وقال الرسعني في ( 6/361) :
قوله تعالى : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون } أي : عملناه بغير واسطة ولا شِركة . وهذا معنى قول السدي .
قال الحسن : الأيدي : القوة ، كما قال تعالى : { والسماء بنيناها بأيد }
وقال في ( 6/517) :
قوله تعالى : { لما خلقت بيدي } أي : توليت خلقه بنفسي .
فهذه نقولات في تأويل ما يسمى بآيات الصفات من أربعة تفسير حنبلية هي:
1. تفسير ابن أبي حاتم وهو من كبار علماء الحديث ، وهو وأبوه حنبليان .
2. زاد المسير للعلامة الامام ابن الجوزي
3. تفسير ابن عادل الحنبلي
4. تفسير الامام الرسعني الحنبلي.
ومن المعروف أن سيدنا الامام أحمد ألف تفسيراً كبيراً قال ابن أبي يعلى في طبقاته : "وأما الخصلة الرابعة وهي قوله إمام في القرآن فهو واضح البيان لائح البرهان قال أبو الحسين بن المنادي صنف أحمد في القرآن التفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً يعني حديثا والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى وجواب القرآن وغير ذلك.
وقال عبد الله بن أحمد كان أبي يقرأ القرآن في كل أسبوع ختمتين إحداهما باليل والأخرى بالنهار".
1* قَوْلُهُ تَعَالَى: " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ "
* قال ابن أبي حاتم في تفسيره :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ:" " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " ، قَالَ: إِذَا خَفَى عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَابْتَغُوهُ فِي الشِّعْرِ فَإِنَّهُ دِيوَانُ الْعَرَبِ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشَّاعِرِ: اصْبِرْ عَنَاقُ إِنَّهُ شَرٌّ بَاقٍ قَدْ سَنَّ لِي قَوْمُكَ ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقٍ"
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:"هَذَا يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ"
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " ، قَالَ: هُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْمُفْظِعُ مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
*ابن الجوزي في زاد المسير: { يوم يُكْشَفُ } المعنى : فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق . قرأ الجمهور : «يُكْشَفُ» بضم الياء ، وفتح الشين . وقرأ ابن أبي عبلة ، وعاصم الجحدري ، وأبو الجوزاء ، بفتح الياء ، وبكسر الشين . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس : «تَكْشِف» بتاءٍ مفتوحة ، وكسر الشين . وقرأ ابن مسعود ، وأبو مجلز ، وابن يعمر ، والضحاك : «نَكشف» بنون مفتوحة مع كسر الشين . وهذا اليوم هو يوم القيامة . وقد روى عكرمة عن ابن عباس : «يوم يُكْشَفُ عن ساق» قال : يُكْشَفُ عن شِدَّةٍ ، وأنشد :
وَقَامَتْ الحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ ... وهذا قول مجاهد ، وقتادة .
قال ابن قتيبة : وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إِلى معاناته والجدّ فيه ، شمّر عن ساقه ، فاستعيرت الساق في موضع الشدة ، هذا قول الفراء ، وأبي عبيدة ، واللغويين . وقد أضيف هذا الأمر إِلى الله تعالى . فروي في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " يكشف عن ساقه " ، وهذا إضافة إليه ، لأن الكل له وفعله . وقال أبو عمر الزاهد ( غلام ثعلب النحوي الحنبلي ) : يراد بها النفس ، ومنه قول علي رضي الله عنه : أقاتلهم ولو تلفت ساقي ، أي : نفسي . فعلى هذا يكون المعنى : يتجلّى لهم .
**قال ابن عادل الحنبلي في اللباب:
فصل في « الساق »
قال ابن عباس في قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، قال : كرب وشدة .
وعن مجاهد : شدة الأمر وحده .
وروى مجاهد عن ابن عباس قال : أشد ساعةٍ في القيامة .
وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر ، أو الحرب قيل كشف الأمر عن ساقه .
والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد ، شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة .
وقيل : ساق الشيء : أصله الذي به قوامه كساق الشجرة ، وساق الإنسان ، أي : يوم يكشفُ عن أصل الأمر ، فتظهر حقائق الأمور ، وأصلها .
وقيل : يكشف عن ساق جهنم .
وقيل : عن ساق العرش .
وقيل : يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن ، أي : يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه ، ويدعوه المؤذنون إلى الصلاة ، فلا يمكنه أن يقوم ، ويخرج .
قال الإمام الحافظ عزالدين عبدالرازق بن رزق الله الرَّسْعَني الحنبلي في كتابه ( رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز ) ( 8/239 ) :
قوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } قال عكرمة : سئل ابن عباس عن قوله : { يوم يكشف عن ساق } فقال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر ؛ فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر :
..............*** وقامت الحربُ بنا على ساق
هو يوم كرب وشدّة .
وهذا قول كثير من المفسرين واللغويين . وقال مجاهد عن ابن عباس : هي أشد ساعة في القيامة .
وقال عكرمة : إذا اشتد الأمر في الحرب ، قيل : كشفت الحرب عن ساق . أخبرهم الله تعالى بشدة ذلك اليوم .
قال ابن قتيبة : أصل هذا : أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجدّ فيه ، قيل : شمَّر عن ساقه ، فاستعير الكشف عن الساق في موضع الشدة .
فتأويل الآية : يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يُكشف عن ساق .
فصل
اعلم أنني سلكت في تفسير هذا الحرف سبيل كثير من علماء السنة ، وسوَّغ ذلك : أن ابن عباس والحسن في جماعة من التابعين فسَّروه بهذا التفسير ، ونقله الإمام أحمد ورواه .
قال الزجاج في معانيه : أخبرنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال : حدثنا أبي ، أخبرنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : قال ابن عباس في قوله : { يوم يكشف عن ساق } : الأمر الشديد .
وقاعدة مذهب إمامنا في هذا الباب : اتباع السلف الصالح ، فما تأولوه تأولناه ، وما سكتوا عنه سكتنا عنه ، مفوضين علمه إلى قائله ، منزهين الله عما لا يليق بجلاله .وذهب جماعة من علماء السنة إلى إلحاق هذا بنظائره من آيات الصفات وأخبار الصفات .
ورووا عن عبدالله بن مسعود في قوله : { يوم يكشف عن ساق } قال : عن ساقه جلّ ذكره .
- ثم ذكر استدلالهم بحديث الشيخين : " يكشف ربنا عن ساقه ............. " ، وذكر أثر مقاتل بن سليمان عن ابن مسعود في الآية السابقة - وتعقبه فقال : وهذا إن ثبت عن ابن مسعود من طريق يوثق به غير طريق مقاتل فمقبول ، وإلا فمقاتل لا يثبت حديثه عند أهل العلم بالحديث .
وقد أشرنا إلى مذهب أهل السنة في هذه الآية تأويلا وسكوتا .
ومذهب الورعين عن الخوض في تأويلها أسلمُ المذهبين ، وأشبه بأصول صاحب المذهب ، الإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، رضي الله عنه ، ورزقنا الاهتداء بأنواره ، والاقتداء بآثاره .
2* يد الله:
قال ابن الجوزي: { يَدُ الله فَوْقَ أيديهم } فيه أربعة أقوال .
أحدها : يد الله في الوفاء فوق أيديهم .
والثاني : يد الله في الثواب فوق أيديهم .
والثالث : يد الله عليهم في المنّة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة ، ذكر هذه الأقوال الزجاج .
والرابع : قُوَّة الله ونُصرته فوق قُوَّتهم ونُصرتهم ، ذكره ابن جرير وابن كيسان .
***قال ابن عادل: اعلم أنه قد وَرَدَ في القرآن آياتٌ كثيرة ناطِقَةٌ بإثْبَات اليد ، فتارَةً ذكر اليد من غير بيان عددٍ كقوله تعالى : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] ، وتارةً ذكر اليدين كما في هذه الآية ، وفي قوله تعالى لإبليس عليه اللعنة { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }[ ص : 75 ] ، وتارة أثْبَت الأيْدي قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } [ يس : 71 ] ، وإذا عرف هذا فَنَقُولُ : اختلفت الأمَّةُ في تَفْسِير يد اللَّه تعالى .
فقالت المُجَسِّمَةُ : إنَّها عُضْو جُسْمَانِيٌّ كما في حقِّ كُلِّ أحدٍ ، واحتَجُّوا بقوله تعالى : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195 ] ذكر ذلك قد جاء في إلاهيَّةِ الأصنامِ ، لأجل أنَّهُ ليْسَ لَهَا شيءٌ من هذه الأعْضَاء ، فلو لم يَحْصُل لِلَّهِ هذه لزمَ القَدْحُ في كونه إلهاً ، فلما بَطُل ذلك ، وَجَبَ إثْبَات هذه الأعْضَاء له ، قالوا : واسمُ اليد موضوع لِهَذا العُضْو ، فَحَمْلُه على شيء آخر ترك للُّغَة ، وإنَّه لا يجُوزُ .
والجوابُ عنه : أنَّه تعالى ليس بِجِسْمٍ؛ لأنَّ الجسم لا ينفَكُّ عن الحَرَكَةِ والسُّكُون وهما مُحْدَثَانِ ، وما لا يَنْفَكُّ عن المُحْدَثِ فَهُو مُحْدَثٌ ، ولأنَّ كُلَّ جسم فهو مُتَنَاهٍ في المِقْدَار ، وكلّ ما كان متناهياً في المقدار فهو محدثٌ ، ولأنَّ كلَّ جسم فهو مؤلَّفٌ من الأجزاء ، وكلّ ما كان كذلك افتقر إلى ما يؤلِّفُهُ ويُركِّبُهُ ، وكلّ ما كان كذلك فهو مُحْدَثٌ ، فَثَبت بهذه الوجوه أنَّه يمتنع كونه تعالى جِسْماً ، فيمتَنِعُ أنْ يكون عُضْواً جُسْمَانِياً .
وأما جمهور المُوَحِّدين فلهُمْ في لَفْظِ اليَدِ قولان :
أحدهما : قول من يقول : إنَّ القرآن لمَّا دلَّ على إثْبَات اليد للَّه آمنَّا باللَّه ، والعقْل دلَّ على أنَّه يمتنع أن يكون يدُ الله عبارة عن جِسْم مخْصُوصٍ وعضو مُرَكَّب من الأجزاء والأبْعَاض آمنَّا به ، فأمَّا أنَّ اليد ما هي وما حَقِيقَتُهَا ، فقد فَوَّضْنَا مَعْرِفَتَها إلى الله تعالى ، وهذه طَرِيقَةُ السَّلَفِ .
[ وثانيهما : قَوْلٌ المُتكَلِّمِين فقالوا : اليدُ تذكر في اللُّغَة على وُجُوهٍ :
أحدُها : الجَارِحَة ] .
وثانيها : النِّعْمَةُ : نقول : لفلان يد أشكُرُه عليها .
وثالثها : القُوَّةُ : قال تعالى : { أُوْلِي الأيدي والأبصار } [ ص : 45 ] فسَّرُوهُ بِذِي القُوَّةِ والعُقُول .
وحكى سيَبَويْه أنَّهُم قالوا : « لا يَدَ لَكَ بِهَذا » والمعنى : سلب كمال القُدْرَة .
رابعها : المِلْك فقال في هذه الصِّفَة : في يَدِ فُلان ، أي : في مِلْكِه قال تعالى : { الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح } [ البقرة : 237 ] أي : يملِكُ ذلك . وخامسها : شِدَّةُ العِنَايَة والاخْتِصَاص ، قال : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص : 75 ] ، والمراد : تخصيص آدم - عليه الصلاة والسلام - بهذا التَّشْرِيف ، فإنَّه تعالى الخالق لجميع المخلوقات ، ويُقَال : « يدي رَهْنٌ لك بالوَفَاء » إذا ضمنت له شَيْئاً .وإذا عُرِفَ هذا فَنَقُول : اليد في حقِّ اللَّه تعالى مُمْتَنِعٌ أن تكون الجارِحَة ، وأما سائر المعاني فكُلُّهَا حَاصِلَة .
وقال الرسعني في ( 6/361) :
قوله تعالى : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون } أي : عملناه بغير واسطة ولا شِركة . وهذا معنى قول السدي .
قال الحسن : الأيدي : القوة ، كما قال تعالى : { والسماء بنيناها بأيد }
وقال في ( 6/517) :
قوله تعالى : { لما خلقت بيدي } أي : توليت خلقه بنفسي .