مشاهدة النسخة كاملة : الخير والشر بخلق الله تعالى.
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 09:47
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد اما بعد.
نقول وبالله التوفيق الدليل النقلى على ان الخير والشر بخلق الله تعالىكثيراً ما يثير الملحدون والفرق الضالة هكذا أنواع من المسائل ليظهروا بزعمهم التناقض في الذات الالهية ،تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وليحذر المسلم من علماء السوء فقد ورد في الحديث الصحيح أنه يؤتى يوم القيامة بالواحد من علماء السوء فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيقال له: ما لَكَ. فيقول كنت آمر الخير ولا آتيه وأنهى عن الشر وآتيه.
قوله تعالى (وخلق كل شيء فقدره تقديرا)
و قوله تعالى (الله خالق كل شيء)
فدخل تحت كلمة(شيء) الخير والشر
قال تعالى(قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ان الله صانع كل صانع وصنعته
اما الدليل العقلي على ان الله تعالى خالق الخير والشر- انه لو كان للشر خالق سوى الله- لكان في ذلك اثبات وجود إلهين - وهذا محال
وما ادى الى المحال فهو محال
- نقول للذي يسأل (هل الانسان مخير ام مسير)-كما قال اهل الحق- ان الانسان مختار تحت مشيئة الله - فان الله سبحانه وتعالى شاء في الازل حصول كل ما يحصل فى الوجود- يدخل في ذلك اعمال العباد-فهي تحصل بمشيئة الله وخلقه- وليس للعبد الا الاختيار- فالعبد يوجه قصده نحو العمل-والله يخلقه -ولا يخرج العبد في ذلك عن ارادة الله-والا يكون الله مغلوبا وهذا مستحيل
قال الله تعالى(والله غالب على امره)- اي لا احد يمنع نفاذ مشيئة الله - ولا يتصور من الله الظلم- قال تعالى(وما ربك بظلام للعبيد)-
فلم يشأ الله تعالى الا ما سبق العلم به من مقتضيات استعداد العباد- فمن علم الله منه في الازل انه يكفر -اظهر الله تعالى عليه ذلك بخلقه الكفر الذي يصدر منه باختياره -
ومن علم الله تعالى في الازل انه يكون مؤمنا - اظهر عليه ذلك بخلق الايمان فيه -
و الحمد لله رب العالمين
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 09:56
شرح عقيدة الطحاوية عقيدة السلف الصالح
قال المؤلف رحمه الله: هذا ذكْرُ بَيَان عَقِيدَة أَهل السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ: أَبي حَنيفَةَ النُّعْمانِ بنِ ثَابِتٍ الكُوفِي، وأَبي يوسُف يَعْقوبَ بنِ إبْراهيمَ الأنْصاريّ، وأَبي عبْدِ الله محمدِ بنِ الحسَنِ الشَّيبانيّ، رضْوانُ الله عَليهم أجمعينَ
وما يعتقِدُونَ من أصُولِ الدّينِ ويدينُون به لربّ العَالمين
قال المؤلف رحمه الله: والإيمان هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومرّه من الله تعالى
الشرح: أي هذه المذكورات أهم الأمور وأعظمها فيجب الإيمان بها، والقدر هنا معناه المقدور أي أن تؤمن بالمقدور خيره وشره وحلوه ومره أنه من الله أي أنه حصل من الله بمشيئته وعلمه، أما صفة الله التقدير فلا توصف بذلك، فلا يقال هذا
منه خير أو منه شر لأن صفات الله كلها كمال ليس فيها نقص، والقدر إذا أريد به تقدير الله الذي هو صفته لا يقال شر القدر، والحلو ما يلائم الطبع، والمرّ ما لا يلائم الطبع
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 09:59
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قال تعالى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله ) أي : ما أصابك من نصر ورزق وعافية فمن الله ، نعمة أنعم بها عليك وإن كانت بسبب أعمالك الصالحة ، فهو الذي هداك وأعانك ويسرك لليسرى ومنَّ عليك بالإيمان وزيَّنه في قلبك ، وكرَّه إليك الكفر والفسوق والعصيان .
وفي آخر الحديث الصحيح الإلهي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى : ( يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) وفي الحديث الصحيح : ( سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي ؛ فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه ذلك دخل الجنة ، ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة )
ثم قال تعالى : ( وما أصابك من سيئة ) مِن ذل ، وخوف ، وهزيمة ، كما أصابهم يوم أحد
( فمن نفسك ) أي بذنوبك وخطاياك ، وإن كان ذلك مكتوبا مقدرا عليك ، فإن القدر ليس حجة لأحد ، لا على الله ، ولا على خلقه ، ولو جاز لأحد أن يحتج بالقدر على ما يفعله من السيئات لم يعاقَب ظالم ، ولم يقاتَل مشرك ، ولم يُقم حد ، ولم يَكف أحد عن ظلم أحد ، وهذا من الفساد في الدين والدنيا ، المعلوم ضرورة فساده للعالَم بصريح المعقول المطابق لما جاء به الرسول " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (8/113-114)
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:00
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون ، المعرضين عما جاءت به الرسل ، المعارضين لهم : أنهم إذا جاءتهم حسنة أي : خصب وكثرة أموال وتوفر أولاد وصحة ، قالوا : ( هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) ، وأنهم إن أصابتهم سيئة أي : جدب وفقر ومرض وموت أولاد وأحباب ، قالوا : ( هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) أي : بسبب ما جئتنا به يا محمد ، تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطير أمثالهم برسل الله ، كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى : ( فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ) ، وقال قوم صالح: ( قالوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ) ، وقال قوم ياسين لرسلهم : ( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ) الآية. فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم ، وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم .
قال الله في جوابهم : ( قُلْ كُلٌّ ) أي : من الحسنة والسيئة ، والخير والشر . ( مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) أي : بقضائه وقدره وخلقه .
ثم قال تعالى : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ) أي : في الدين والدنيا ( فَمِنَ اللَّهِ ) هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها .
( وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ ) في الدين والدنيا ( فَمِنْ نَفْسِكَ ) أي : بذنوبك وكسبك ، وما يعفو الله عنه أكثر .
فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه وأمرهم بالدخول لبره وفضله ، وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله ، فإذا فعلها العبد فلا يلومن إلا نفسه ، فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/188)
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:01
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قول الله عز وجل : ( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله ) النساء/78، ثم يقول في الآية التي بعدها : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) النساء/79، فكيف الجمع بينهما ؟
فأجاب :
الجمع بينهما أن الآية الأولى تقديرا ، يعني من الله ، هو الذي قدرها ، والآية الثانية سببا يعني : أن ما أصابك من سيئة فأنت السبب ، والذي قدر السيئة وقدر العقوبة عليه هو الله " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/15، سؤال رقم/15)
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:01
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" قوله : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ ) أي : خِصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك ، هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي .
( يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) أي : قحط ، وجدب ، ونقص في الثمار والزروع ، أو موت أولاد أو نتاج ، أو غير ذلك ، كما يقوله أبو العالية والسدي .
( يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) أي : من قِبَلك ، وبسبب اتباعنا لك ، واقتدائنا بدينك ، كما قال تعالى عن قوم فرعون : ( فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ) الأعراف/131، وكما قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وِإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ) الحج/11.
( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) أي : الجميع بقضاء الله وقدره ، وهو نافذ في البَرّ والفاجر ، والمؤمن والكافر . قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) أي : الحسنة والسيئة . وكذا قال الحسن البصري .م قال تعالى مخاطبًا للرسول صلى الله عليه وسلم ، والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) أي : من فضل الله ومنِّه ولطفه ورحمته .
( وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) أي : فمن قِبَلك ، ومن عملك أنت ، كما قال تعالى : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/30، قال السدي ، والحسن البصري ، وابن جُريج ، وابن زيد : ( فَمِنْ نَفْسِكَ ) أي : بذنبك .
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:03
: ( يقول قتاده مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) عقوبة يا ابن آدم بذنبك . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( لا يصيب رجلا خَدْش عود، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عِرْق، إلا بذنب، وما يعفو الله أكثر )
وهذا الذي أرسله قتادة قد روي متصلا في الصحيح : ( والذي نفسي بيده، لا يصيب المؤمن هَمٌّ ولا حَزَنٌ، ولا نَصَبٌ، حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّر الله عنه بها من خطاياه ) " انتهى باختصار. " تفسير القرآن العظيم " (2/361-363)
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:05
قال تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا . مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) النساء/78-79. سؤالي هو : هل الشر من عند أنفسنا أم من عند الله عز وجلّ ؟ لأن بعض غير المسلمين يعدّون هذا الأمر تناقضا في القرآن الكريم . فهلا وضحتم لنا هذا الأمر .
الحمد لله
فهم هذه الآية يسير على من يسره الله عليه ، فهي من الآيات المحكمات في كتاب الله المبين ، ليس فيها تناقض ولا تعارض إلا في أذهان بعض الحاقدين ، ساعدهم جهلهم باللغة ومعاني القرآن الكريم ، فظنوا أن قوله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) يعني أن المصائب التي هي ( السيئة ) هنا يخلقها الإنسان نفسه ، وهذا جهل بالغ لا يقع فيه إلا أعجمي نزعته عجمته ، أو عربي مفتون غلبه هواه ، وذلك أن حرف الجر ( مِن ) هنا – في قوله تعالى : ( فمن نفسك ) - تعني السببية ، أي : بسببك أنت أيها الإنسان ، بسبب معصيتك ومخالفتك أمر الله تعالى تصيبك المصائب ، كما قال عز وجل : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/30.
الشيخ منجد صالح
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:06
هل المكروه والشر ينسب إلى الله مع انه خلقه وقدره ؟
السؤال :
هل المكروه والشر ينسب إلى الله مع انه خلقه وقدره ؟
وكيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك ) وبين عدم نسبة الشر لله .
وهل في تقدير الله شر محض ؟
الجواب :
يبتلي الله عباده بالسراء والضراء ، بالخير والشر
قال سبحانه وبحمده : ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )
يُحمد ربّـنـا على المكروه ، فيُحمد على المصائب ، كما تقدّم في الحديث : حـمِـدك واسترجع .
وكما تقدّم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال : الحمد لله على كل حـال .
ولا يُنسب المكروه إلى الله من باب التأدب مع الله سبحانه
ولذا حكى الله عن الجن أنهم قالوا : ( وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا )
فهذا من باب التأدّب مع الله
ومثله قول الخليل عليه الصلاة والسلام : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )
فهو نسب المرض لغير الله ، مع أن الكل من عند الله ، ولكن هذا من باب التأدب في الخطاب مع رب الأرباب .
بخلاف قول " قليل الأدب " إبليس ! حيث قال : ( فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي ) مع أنه هو الغاوي الذي غوى .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : والشرّ ليس إليك . كما في صحيح مسلم
فهذا نفي نسبة الشر المحض أي الخالص
فإن الله لا يخلق ولا يُقدّر شراً خالصاً
فليس ثم شـرّ محض ، وليس ثم شـرّ إلا وفيه خير
والشر قد يكون في المقضيّـات ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام في دعائه : وقِـنِـي شر ما قضيت . رواه الإمام أحمد وأهل السنن .
وهذا أيضا يكون نسبياً ولا يكون شراً خالصاً .
وقد أطال ابن القيم رحمه الله النفس في تقرير ذلك في كتابه النافع الماتع : شفاء العلي في مسائل القضاء والقدر والحِكمة والتعليل .
وضرب على ذلك أمثلة :
خلق إبليس
والكُـفُـر
ونحو ذلك مما يتصوّر بعض الناس أنه شر وليس فيه خير ولا مصلحة
قال رحمه الله :
أما الشر المحض الذي لا خير فيه فذاك ليس له حقيقة بل هو العدم المحض ، فإن قيل : فإبليس شر محض ، والكفر والشر كذلك ، وقد دخلوا في الوجود ، فأي خير في إبليس وفي وجود الكفر ؟ قيل : في خلق إبليس من الحِكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله ، كما سننبه على بعضه ، فالله سبحانه لم يخلقه عبثا ولا قصد بخلقه أضرار عباده وهلاكهم ، فكم لله في خلقه من حكمة باهرة وحجة قاهرة وآية ظاهرة ونعمة سابغة ، وهو وإن كان للأديان والإيمان كالسموم للأبدان ، ففي إيجاد السموم من المصالح والحكم ما هو خير من تفويتها . انتهى .
وقال في موضع آخر عن خلق إبليس : في ذلك من الحِكم مالا يحيط بتفصيله إلا الله ، فمنها :
أن يُكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ومخالفته ومراغمته في الله وإغاظته وإغاظة أوليائه والاستعاذة به منه والإلتجاء إليه أن يعيذهم من شره وكيده فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه ...
ومنها خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه ، وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية ؛ يكون أقوى وأتم ولا ريب أن الملائكة لما شاهدوا ذلك حصلت لهم عبودية أخرى للرب تعالى ، وخضوع آخر ، وخوف آخر .
إلى أن قال : فاقتضت الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره ، فلا بد إذاً من سبب يُظهر ذلك ، وكان إبليس مَحَـكّـاً يُميز به الطيب من الخبيث . انتهى كلامه رحمه الله .
وذكر أيضا ما يتعلق بحكمة وجود الكفار وغير ذلك ، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الكتاب المذكور .
وقد يقول بعض الناس إن الموت مصيبة وربما ظـنّـوه شـراً
وليس الأمر كذلك
فقد قال عليه الصلاة والسلام : مستريح ومستراح منه . قالوا : يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه ؟ قال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب . متفق عليه .
ففي الموت راحة للمؤمن ، وراحة من الفاجر والكافر .
وكم من أمر يكرهه العبد ويرى أن فيه شـراً ، وليس كذلك
ولذا قال الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ
خَيْرٌ لَّكُمْ )
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره ؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره .
وقال الحسن : لا تكْرهوا النقمات الواقعة والبلايا الحادثة ، فلربّ أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولرب أمر تؤثره فيه عطبك .
وكان شيخنا العثيمين رحمه الله يكره أن يُقال : الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه .
كره هذا اللفظ لأنه يُشعر بعدم الرضا
والأولى أن يُستبدل بقوله عليه الصلاة والسلام : الحمد لله على كل حال .
وأذكر أنني ألقيت درساً في شرح أركان الإيمان ، ومنها : الإيمان بالقدر خيره وشـرِّه
ثم فصّـلت التفصيل المتقدّم ، وقلت : إن الشر قد يكون في نظر العبد ، ولو كُشفت للعبد حُجب الغيب لما تمنى غير ما قدر الله وقضى .
فكثر السؤال حول هذه المسألة فقام رجل فقال : أنا في هذا البلد مهاجر ! وقد طُردت من بلدي ، وظننت أن ما حصل لي شـر ، وإذا بي أرى الخير من خلال ذلك الذي ظننته شـراً
قلت له : ذكرتني كلمة جميلة لابن القيم رحمه الله حيث قال : كم مِن محنة في طيّـها مِنحـة .
والله أعلم .
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:08
ومن باب مِنَ الشِّرْكِ الاسْتِعَاذّةُ بِغَيْرِ اللهِ
وقوله(من شر ما خلق):أي: من شر الذي خلق؛ لأنَّ الله خلق كلَّ شيْ: الخير والشر, ولكن الشرَّ لا ينسب إليه،لأنَّه خلق الشر لحكمة، فعاد بهذه الحكمة خيرًا، فكان خيرًا.على هذا نقول:الشرّ ليس في فعل الله ،بل في مفعولا ته؛ أي: مخلوقا ته.وعلى هذا تكون (ما)موصولة لا غير، أي :من شر الذي خلق؛لأ نَّك لو أولتها إلى المصدرية وقلت: من شرّ خلقك ؛ لكان الخلق هنا الخلق مصدرًا يجوز أن يراد به الفعل ويجوز ا يضًا المفعول، لكن لو جعلتها اسمًا موصولاً تعيّن أن يكون المراد بها المفعول، وهو المخلوق.
وليس كل ما خلق الله فيه شر، لكن تستعيذ من شره إن كان فيه شر؛لأنَّ مخلوقات الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي :
1-شر محض ؛ كالنار وإبليس باعتبار ذاتيهما؛ أما باعتبار الحكمة التى خلقهما الله من أجلها فهي خير.
2-خير محض؛ كالجنة ،والرسل،والملائكة.
3-وفيه شرو خير كا لإنس،والجن والحيوان .وأنت إنما تستعد من شر ما فيه شر.
ص164
القول المفيد على كتاب التوحيد لشيخ العثيمين رحمه الله تعالى
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-16, 10:12
المختصرة على متن العقيدة الطحاوية
للدكتور صالح بن فوزان الفوزان
(176) وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خُلق له:
إن كان من أهل السعادة فإنه يعمل بعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيعمل بعمل أهل الشقاوة، قال عليه الصلاة والسلام: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له"( ).
وقال تعالى : (إن سعيكم لشتى* فأما من أعطى وأتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى* فسنيسره للعسرى) [الليل:4،10]. فالأعمال هي التي تحكمك، إن كانت صالحة فأنت ميسر لليسرى، وإن كانت سيئة فأنت ميسر للعسرى.
(177) والخير والشر مقدران على العباد:
سبق بحث هذا في القدر، والإيمان بالقدر –كما سبق- هو أحد أركان الإيمان الستة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"( ) .
والمؤلف أخذ هذا المعنى من نص الحديث.
فالخير والشر بتقدير الله عز وجل؛ لأنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بقضاء الله وقدره، لابد من الإيمان بذلك.
فالله عز وجل خلق الخير والشر لحكمة (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) [الأنبياء:35] يتميز بذلك أهل الإيمان والتوحيد ولانقياد لله، وأهل الكفر والشرك والإلحاد، ولو لم يكن هناك خير لما حصل التمييز.
فالخير يحبه الله ويخلقه ويقدره، والشر يبغضه الله ويسخطه، ولكن يخلقه ويقدره لحكمة، للابتلاء والامتحان، لو لم يوجد الشر ما ظهر الكفر وعداوة الأنبياء والرسل، ولو لم يوجد الخير لما ظهر الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموالاة والمعاداة، ولا تميز الناس.
قد يعترض معترض ويقول: الله يبغض الشرك والكفر، فكيف يقدر ذلك؟ ونقول: قدر ذلك لحكمة؛ ليتميز الناس (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب) [آل عمران:179] فنحن لا نعلم المطيع من العاصي إلا بالأعمال، فهي تميز الشقي من السعيد.
فالأمور لا تصلح إلا إذا وجدت المتضادات.
(178) والاستطاعة التي يجب بها الفعل، من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به –فهي مع الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الآلات –فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب، وهو كما قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) :
الاستطاعة هي القدرة من الإنسان، وهي على قسمين:
الأول: استطاعة يتعلق بها التكليف والأمر والنهي.
الثاني: استطاعة يستطيع بها الإنسان الفعل والتنفيذ.
القسم الأول: الاستطاعة التي يتعلق بها التكليف، معناها: الوسع، أن يكون عند الإنسان وسع، أن يفعل أو لا يفعل، عنده إمكانية وتمكن، فالتكليف يتعلق بهذه الاستطاعة، فالإنسان الذي ليس عنده تمكن واستطاعة لا يكلف، كالمجنون والصغير، فلا يكلف فلا يُؤمر ولا يُنهى، ولكن الصغير إن بلغ سبع سنوات فإن عنده استطاعة فيُؤمر بالصلاة من باب الاستحباب والتربية، والتدريب على فعل العبادة، فلا تجب عليه إلا إذا بلغ فيكلف، وهذا النوع يكون قبل الفعل.
القسم الثاني: الاستطاعة التي يكون فيها التنفيذ، وإيجاد الشيء، فهذه تكون مع الفعل فالحج مثلاً فيه الاستطاعتان، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع….) [آل عمران:97] فهذه استطاعة تمكن، فيجب الحج على من يستطيع، والسبيل هو الزاد والراحلة، فيجب عليه الحج إذا وجدهما؛ لأن عنده تمكناً، هذه استطاعة قبل الفعل، أما الاستطاعة مع الفعل –وهو مباشرة الحج- فقد لا يكون عنده قدرة مثل المريض المزمن أو الكبير الهرم، فهذا لا يستطيع استطاعة تنفيذ وفعل، ويستطيع استطاعة تكليف، فهذا يجب عليه الحج في ذمته.
ومثل دخول وقت الصلاة يوجب الصلاة على المكلف، ويكون التنفيذ بحسب استطاعته، فالمريض يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، فالصلاة تجب عليه على كل حال؛ لأنه في استطاعته ذلك، وهذه الاستطاعة قبل الفعل، أما التي مع الفعل قد تكون معدومة نهائياً، وقد تكون موجودة، ولكن ليست تامة، فيجب عليه على قدر استطاعته.
(فاتقوا الله ما استطعتم) [التغابن:16]، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة:286].
وفيه فرق بين الاستطاعتين:
فالأولى يتعلق الخطاب بها، كما قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة:286]، والثانية يتعلق بها التنفيذ.
(179) وأفعال العباد خلق الله، وكسب من العباد:
هذه المسألة حصل فيها نزاع ومزلة أقدام ومضلة أفهام، هل الأفعال مخلوقة لله أو هي من خلق العباد؟
القول الأول: قول الجبرية والجهمية: إن العبد مجبور، ليس له دخل في الأفعال، فهي محض خلق الله عز وجل، فصلاته التي يؤديها ليس باختياره، إنما هو مجبور وهؤلاء غلوا في إثبات قدرة الله.
وقولهم هذا ضلال مبين، ومعناه أن الله يظلمهم ويعذبهم على شيء ليس لهم فيه اختيار، وليس لهم فيه استطاعة، وإنما الله يعذب العبد على فعل غيره، ويثيبه على شيء لم يفعله، وهذا المذهب أخبث المذاهب.
القول الثاني: وهو مضاد للقول الأول تماماً، وهو قول المعتزلة، يقولون: الأفعال من إنتاج العبد وإرادته المطلقة ومشيئته، وليس لله تدخل فيها، وإنما العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، فهؤلاء غالوا في إثبات قدرة العبد.
ويلزم من قولهم أن الله عاجز، وأن الله يشاركه غيره في الخلق والإيجاد، وهذا قول المجوس، ولذلك المعتزلة سُمُّوا: مجوس هذه الأمة( )، فالمجوس يقولون: إن للكون خالقين، خالق للخير وخالق للشر، والمعتزلة زادوا عليهم وقالوا: كل يخلق فعل نفسه، فأثبتوا خالقين.
والمذهب التوسط مذهب أهل السنة والجماعة، على ضوء الكتاب والسنة، قالوا: أفعال العباد هي فعلهم بإرادتهم ومشيئتهم، وهي خلق الله عز وجل (والله خلقكم وما تعملون) [الصافات:96] (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) [الزمر:62] (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) [فاطر:3] فالله منفرد بالخلق والتقدير، والعبد له مشيئته وإرادته، وله فعل، فهو باختياره يذهب إلى المسجد، وباختياره يذهب إلى المسارح؛ لأن عنده قدرة، والإنسان الذي لم يعطه الله قدرة ولا استطاعة فهذا قد عذره الله، مثل المجنون والمكره، فليس عنده إرادة، وليس عنده قصد، أما من عنده إرادة وقصد، فهذا الذي يختار الفعل لنفسه، والعقاب والثواب يقع على فعله، وليس على فعل الله عز وجل.
قال الله تعالى: (إن الذين آمنوا) [البقرة:62] [النساء:59]، (إن الذين كفروا) [آل عمران:116] أسند الإيمان إليهم، وكذلك أسند الكفر (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) [النساء:59] (ومن يطع الله ورسوله) [النور:52] أسند الأفعال إلى العباد.
والدليل على أن العبد له إرادة وقصد: قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً) [الإنسان:30]، فأثبت الله سبحانه له مشيئة وللعبد مشيئة، وجعل مشيئة العبد تحت مشيئته سبحانه (لمن شاء منكم أن يستقيم) [التكوير: 28] شاء، أي: باختياره، وفي هذا رد على الجبرية. (إلا أن يشاء الله) [الإنسان:30] في هذا رد على القدرية.
salado83
2012-10-11, 12:32
اللهم وفق الجميع لما تحبه و ترضاه
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir